المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل صلاة الرغائب بدعة ام مشروعة عند الامامية


موسوي البحراني
01-05-2014, 04:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرا لأهمية هذه الصلاة عند الشيعة فحاولنا ان نبحث هذه الصلاة من منظور علمي وبدأنا بهذا السؤال هل صلاة الرغائب بدعة ام مشروعة ؟ وهذا ما نحتاج من المشايخ الافضل ان يشاركوننا في الوصل الى نتيجة علمية ان شاء الله تعالى .
ارجوا من مشايخنا الافاضل وخصوصا شيخنا الفاضل مولى ابي تراب المشاركة في ابدأ وجهة نظره الكريمة مع الاستدلال. عليها بأدلة علمية .
والحمد لله رب العالمين

موسوي البحراني
05-05-2014, 01:11 PM
مناقشة مع شيخنا السند - دام ظله -
قال شيخنا ( 1- يكفي في مشروعية المندوبات بلوغها ولو من طرق العامة بعد تلقي الأصحاب لها بالفتوى ...الخ )
اقول :
اعتمد شيخنا السند - دام ظله - في تنقيح موضوع قاعدة التسامح في أدلة السنن في المستحبات اذا كان بلوغها عن طريق العامة بدعوى نفي العلم بالوضع في خصوص الرواية المذكورة على مقدمتين وهما :-
المقدمة الاولى : مفادها انه ليس كل راوى يوصف بالكذب او باكذب البرية يعني ان كل رواياته مدسوسة او موضوعة لا سيما اذا كان الرواة الكبار النقادة للحديث رووا عن مثل من يوصف بذلك فانه يدل على تمحيص ومداقة في ما يتحملونه من الرواية عنه ، ولا نريد بذلك دعوى إثبات حجية الخبر بل المراد اقامة الشاهد على انتفاء دعوى العلم بالوضع .
هذا مضافا الى ان من وصف بالكذب وصدر ذلك من معاصر لذلك الراوي فليس بالضرورة ان يكون مطابقا للواقع لانه يحتمل ان يكون الطاعن في ذلك الراوي بالكذب كان بسبب مبنى اعتمده في طعنه .
المقدمة الثانية : ان رواية صلاة الرغائب طريقها عامي إذ يوجد في سندها بعض الرواة المحكوم عليه بالوضع باتفاق اهل الجرح والتعديل وهو الراوي الجهضم الصوفي والراوي انس ابن مالك الذي وصف بالكذاب ، وقد ذكر العلامة الحلي سند ا لها في الإجازة الكبيرة يتصل بالراوي انس ومن المعلوم ان العلامة الحلي من كبار نقاد الحديث وغيره من الفقهاء الذين وقعوا في سندها رووا هذه الرواية بسند يتصل بالراوي الجهضم الصوفي الكذاب ويتصل ايضا بانس ابن مالك الكذاب عن النبي ص ، فيكشف ذلك عن كونه شاهدا على نفي دعوى العلم بالوضع .
وكذلك رواية ابن طاووس لتلك الرواية وان كان مرسلا الا ان روايته تدل على تمحيص ومداقة في ما يتحمله ابن طاووس من الرواية عن الراوي الجهضم الصوفي وكذا عن الراوي انس ابن مالك ، الامر الذي يكشف عن كونه شاهدا بنفي دعوى العلم بالوضع وعليه يتحقق موضوع قاعدة التسامح في ادلة السنن المذكورة وهو احتمال صدور تلك الرواية بعد ان نفينا عنها العلم بالوضع بالبيان المتقدم فلا نعيده .
هذا مضافا الى ان اهل التعديل والتجريح عندما حكموا على الراوي الجهضم الصوفي بالكذب والوضع يحتمل انهم استندوا في ذلك على مبنى اعتمدوه في طعنه وهو ذكره الآل ، وعليه يكون الطعن عندئذ ليس مطابقا للواقع ، فيكون ذلك شاهدا وقرينة على نفي دعوى العلم بالوضع في الرواية المذكورة .
والمتحصل من ذلك كله هو ان رواية صلاة الرغائب ليست موضوعة ، بل يحتمل منها الصدور، وحينئذ يتحقق موضوع قاعدة التسامح في أدلة السنن في المستحبات المذكورة ، وتكون الصلاة مستحبة وذلك بناء على مبنى شيخنا السند - دام ظله - او برجاء المطلوبية بناء على مبنى الكثير من أصحابنا الامامية .
الا ان التحقيق في ذلك يقع في المقدمة الثانية بعد التسليم بالمقدمة الاولى فنقول :
اولا : نحن نمنع دعوي كون اهل التعديل والجرح استندوا في حكمهم على الراوي الجهضم الصوفي بالكذب والوضع على مبنى اعتمدوه في طعنه وهو ذكره الال ، لان ذلك انما يحصل لو كان الطاعن واحدا او أثنين او ثلاثة لا ان يكون اتفاق الكل من اهل التعديل والتجريح من العامة على كذبه ، فيكون الامر مستبعدا جداً في حق الكل ولو بتطبيق حساب الاحتمالات وعليه فلا تندفع دعوى العلم بالوضع كما لا يخفى .
ثانيا : انه لو سلمنا ذلك بان الطعن كان على اساس مبنى اعتمدوه في طعنه وهو ذكره الال ولكن ماذا عن المعاجز التي وضعها في شيوخ الصوفية وقد اجمع اهل التعديل والجرح أيضاً بذلك فهل كان الطعن مبنيا على مبنى اعتمدوه في طعنه ؟
والنتيجة انه لا يمكن قبول دعوة شيخنا السند - دام ظله - في ان اهل التعديل والترجيح اعتمدوا في توصيفه بالكذاب على مبنى اعتمدوه في طعنه لان الدعوة مستبعدة في حق الكل من اهل التعديل والتجريح في ذلك وذلك بتطبيق نظرية حساب الاحتمالات عليها ، فتكون دعوى العلم بالوضع محكمة وعليه فلا يمكن تطبيق قاعدة التسامح في أدلة السنن لان موضوعها غير متحقق في المقام وهو احتمال الصدور . فتأمل .
اقل طلبة العلم محمد عبد الرسول احمد البحراني
والحمد لله رب العالمينال

مولى أبي تراب
08-05-2014, 10:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، عليه نتوكل وبه نستعين ، وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

مولانا الفاضل موسوي البحراني أعزه الله تعالى وأيده وأفاض عليه من علوم آل محمد عليهم السلام ...

بعد التحية والسلام والاحترام ، والدعاء والثناء لشخصكم الكريم ....

أتوجه لجنابكم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لتخصيصي بالذكر من بين المشايخ وطلبة العلم رغم أني أقلهم حظّاً وأدناهم نصيباً ، كما أتقدم لجنابكم بالشكر على طرح هذا الموضوع وفتح النقاش في هذه المسألة لما في ذلك من شحذ الأذهان والعقول ، وإلفات النظر الى ما في الخوض في هذا البحث من فوائد جانبية واستطرادية .

وبعد الاعتذار عن التأخّر في الرد والتفاعل مع الموضوع لتأخر اطلاعي عليه أقول :

رواية صلاة ليلة الرغائب - جمع رغيبة بمعنى الأمر المرغوب به - عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم ترد من طرقنا وإنما وردت بطريق عاميّ ينتهي الى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، ولم ترد في كتبنا ومصادرنا الحديثية المعتبرة . نعم ذكرها السيد ابن طاووس في إقبال الإعمال مرسلة (2) ، كما ذكرها العلامة الحلي في الإجازة الكبيرة مسندة (3) الا أن سندها يرجع الى السند العامي وينتهي أيضاً بأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والظاهر عدم وجود أثر لهذه الرواية وهذه الصلاة في المصادر السابقة على هذين المصدرين لذا لم يروها الحر العاملي في الوسائل عن غيرهما ولم يذكر سواهما (4) ، ثم تعارف ذكر هذه الصلاة بعد ذلك في كتب الحديث المتأخرة وكتب الأدعية والأعمال بصورة مرسلة من دون التنبيه الى سندها ومصدرها (5) ولعله نقلاً عنهما ليس الا كما صرح بذلك في مفاتيح الجنان (6) .

هذا وقد وقع الكلام في مشروعية هذه الصلاة واستحبابها ومدى صحة صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس عندنا فحسب بل عند العامة أيضاً الذين وردت الرواية من طريقهم ، أما عندنا فرغم عدم تعرض أغلب الأعلام لهذه الصلاة على عادتهم في عدم الخوض في المندوبات وعدم المداقّة في أسانيدها وصحة صدورها ، مع ذلك أشير إليها في كلمات بعضهم مع الغمز فيها كالشيخ التستري في النجعة ، قال : ( وأمّا باقي صلوات كلّ ليلة من رجب وبعض أيّامه المذكورة في الإقبال مرفوعة عن النّبي صلَّى الله عليه وآله فلا عبرة بها فلا بدّ من كونها عاميّة . وأمّا صلاة شعبان في أوّله ووسطه وآخره وإن كانت مذكورة في مصباح الشيخ لكنّه كذلك ، وكذلك صلاة الرغائب ليلة أوّل جمعة من رجب رواه الإقبال مرسلا عن النّبي صلَّى الله عليه وآله وقد ذكر العلَّامة في إجازته لبني زهرة سندا عاميّا لها ، وكذلك ما رواه الإقبال في كلّ ليلة من شعبان وفي بعض أيّامه مرفوعا عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله لا عبرة بها لكون الأصل في روايتها العامّة ) (7) ، ولم يصرح أحد باستحبابها عدا ما يظهر من صاحب الوسائل الذي عنون لها بـ ( باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب ) (8) بناء على أنه يفتي بمضمون عناوين الأبواب .

وأما عند العامة فالأكثر على عدم مشروعيتها وأنها بدعة وأن روايتها من الموضوعات والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن رواتها أكثرهم مجاهيل وفيهم من هو كذّاب وضّاع ، قال ابن الجوزي : ( هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول : رجاله مجهولون ، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ) (9) ، وقال ابن تيمية ( مسألة : في صلاة الرغائب هل هي مستحبة أم لا ؟ الجواب : هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ، ولا رغّب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصّها ، والحديث المرويّ في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ، ولهذا قال المحققون : إنها مكروهة غير مستحبة ، والله أعلم ) (10) ، وقال : ( وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها ، بل هي محدثة فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى ، فقد ثبت في صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام ، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً ) (11) ، وقال في مغني المحتاج : ( قال في المجموع : ومن البدع المذمومة صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ، ولا يغتر بمن ذكرهما ) (12) ، ونقل عن صاحب إرشاد العباد زين الدين المليباري قوله : ( ومن البدع المذمومة التي يأثم فاعلها ويجب على ولاة الامر منع فاعلها صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين العشاءين ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ، وصلاة آخر جمعة من رمضان سبعة عشر ركعة بنية قضاء الصلوات الخمس التي لم يقضها ، وصلاة يوم عاشوراء أربع ركعات أو أكثر ، وصلاة الأسبوع ، أما أحاديثها فموضوعة باطلة ، ولا تغتر بمن ذكرها ) (13) الى غير ذلك مما ذكروا في تكذيبها والتنفير عنها ، بل ألّفوا كتباً وكتبوا بحوثاً في ذلك مثل : ( ردع الراغب عن صلاة الرغائب ) لنور الدين المقدسي (14) . نعم ذهب الى مشروعيتها واستحبابها بعضهم كالغزالي في إحياء العلوم ، قال بعد أن نقل الرواية وكيفية الصلاة : ( فهذه صلاة مستحبة ، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين ، وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد ، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ، ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها ، فأحببت إيرادها ) (15) فصرح باستحبابها ، وكتقي الدين ابن الصلاح ، قال الذهبي في ترجمته : ( ابن الصلاح * الامام الحافظ العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبد الرحمان بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ، صاحب علوم الحديث ) الى أن قال : ( وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد ، ولكن له إصابات وفضائل ) (16) .

لكن جمهورهم على ردّ هذه الصلاة ورميها بالابتداع والوضع وحسبك ما ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات شاهداً على رأيهم فيها ، قال : ( وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق ، في اللآلئ " فضل ليلة الرغائب واجتماع الملائكة مع طوله وصوم أو دعاء وصلاة اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب مع الكيفية المشهورة " موضوع رجاله مجهولون قال شيخنا وفتشت جميع الكتب فلم أجدهم ، وفي شرح مسلم للنووي احتج العلماء على كراهة صلاة الرغائب بحديث " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام " فإنها بدعة منكرة من بدع الضلالة والجهالة وفيها منكرات ظاهرة قاتل الله واضعها ومخترعها ، وقد صنف الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعيها ودلائل قبحها أكثر من أن تحصى ، وفي جامع الأصول قال بعد ما ذكر صلاة الرغائب مع الكيفية المعروفة واستجابة الدعاء بعدها هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين ولم أجده في واحد من الكتب الستة والحديث مطعون فيه ، وفي تذكرة الآثام أن بعض المالكية مر بقوم يصلون الرغائب وقوم عاكفين على محرم فحسّن حالَهم على المصلين لأنهم يعلمون أنهم في معصية فلعلهم يتوبون وهؤلاء يزعمون أنهم في عبادة ، وفي رسالة السماع للمقدسي اعلم أن للشيخ ابن الصلاح اختيارات أنكرت عليه منها اختياره صلاة الرغائب واحتجاجه عليه ، وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم حدثت صلاة الرغائب بعد المائة الرابعة والثمانين سنة ولا مزية لهذه الليلة عن غيرها واتخاذها موسما وزيادة الوقود فيها بدعة مما يترتب عليه من اللعب في المساجد وغيرها حرام والانفاق فيها والأكل من الحلوى وغيرها فيها وأحاديث فضلها وفضل صلاتها كلها موضوعة بالاتفاق ، وقد جرت مناظرات طويلة في أزمنة طويلة بين الأئمة وأبطلت فلله الحمد وفي حديث حسن من أحيى سنة وأمات بدعة كان له أجر مائة شهيد ) (17) .

والسؤال الذي يطرح بعد كل ما تقدم هو ما مدى مشروعية هذه الصلاة ؟ وهل هي بدعة أو لا ؟ وعلى تقدير عدم ثبوت استحبابها وعدم كونها بدعة هل يمكن الالتزام بها وأداؤها بوجه من الوجوه ؟

قبل الجواب عن ذلك نحتاج الى تقديم بعض المقدمات والتنويه الى بعض الملاحظات حتى يكون الأخوة المؤمنون من غير أهل العلم على دراية وإحاطة بالموضوع من جميع حيثياته ، وتكون دخيلة في الوصول الى النتيجة التي يمكن أن نصل إليها :

المقدمة الأولى / معنى البدعة ومتى يصح توصيف شيء بأنه بدعة : ونتكلم عن المعنى الاصطلاحي للبدعة لا اللغوي الذي هو عبارة عن إحداث شيء على غير مثال (18) ، وقد ذكروا للبدعة اصطلاحاً عدة تعريفات من قبيل ( النسبة إلى الله ما لم يشرّعه ) أو ( الحدث في الدين بعد الإكمال ) أو ( إدخال في الدين ما ليس فيه ) وغير ذلك كثير (19) ، الا أنها عبارة عن صياغات متعددة لمعنى واحد ، والمقصود على نحو الإجمال أن ننسب الى الشارع حكماً شرعياً في شيء بلا دليل ولا حجة معتبرة ، أو قل جعل شيء جزء من الدين وإضفاء الشرعية عليه مع العلم بأنه ليس كذلك ، وأوضح مثال لذلك من يبتكر ورداً أو دعاء أو صلاة بخصوصيات معينة وينسب وجوبها أو استحبابها الى الدين بلا مستند شرعي .

وعليه فكون الشيء بدعة يتقوم بأمرين : الأول / الإسناد الى الدين بأن يُنسب الشيء الى الدين ويُطرح على أنه حكم ورأي شرعي والا فمن دون الإسناد الى الدين كما إذا ابتكر دعاء مع اعترافه بابتكاره ولم يسنده الى المعصوم فلا بدعة ، قال السيد الخوئي قده : ( وأما البدعة فهي متقومة بالإسناد إلى الشرع ما ليس فيه فلا بدعة من دون الاسناد ، ومجرد كونه من الأمور المستحدثة لا يستوجبها ) (20) .

الثاني / أن يكون هذا الإسناد عن علم وعمد فليس مطلق الإسناد الى الدين ما ليس منه ولو مع الغفلة أو الجهل بدعة - اصطلاحاً - ، بل البدعة تعمّد إدخال ما ليس من الدين في الدين على سبيل الاجتراء والافتراء ، وهذا ما يشعر به التعبير بالإدخال المذكور في التعريف المعروف للبدعة وهو ( إدخال في الدين ما ليس منه ) ، وأغلب التعاريف التي ذكرت للبدعة وإن لم تصرح بذلك الا أنه متضمنة له ومشعرة به ، نعم ذكره صريحاً المحقق الاشتياني ، قال : ( البدعة إدخال ما علم أنه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع ) (21) ، ولعله يشير الى ذلك ما ورد من أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (22) ، فلا ينسجم ذلك الا مع العلم والعمد في الإسناد الى الدين ، نعم لا يصح إسناد شيء الى الدين الا بعد التروّي والتثبت ، لكن ليس كل من أسند الى الدين ما ليس منه فهو مبتدع بل يختص ذلك بالعامد العالم أن ما أسنده ليس من الدين ، وأما الجاهل المعذور وغير العامد فغايته أنه مخطأ ولا يقال له أنه مبتدع ، ويترتب على ذلك أمران : الأول / المبتدع هو الذي يسند الى الدين ما يعلم أنه ليس منه ، وليس من يسند الى الدين ما لا يعلم أنه منه ، وبينهما فرق فالثاني يحتمل صحة الإسناد والمطابقة للواقع بخلاف الأول فهو جازم بعدم صحة الإسناد . الثاني / أن العامل بالبدعة مع عدم الالتفات الى كونها بدعة وعدم الجزم بذلك لا يكون مبتدعاً ولا يؤاخذ على عمله بتلك البدعة بل يكون مثاباً إذا كان قد عمل بها بقصد التعبّد ورجاء الثواب كما هو كذلك غالباً ، فالبدعة ( هو إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد أنّه من الدين لا إتيان ما يحتمل كونه منه برجاء الثواب ) (23) .

وحاصل الكلام : البدعة يُذم فيها شخصان : الأول / مبتدعها ، بشرط أن يسندها الى الدين عن علم وعمد . الثاني / العامل بها ، بشرط أن يكون ملتفتاً الى أنها بدعة وعالماً بابتداعها والا لم يستحق الذم بفعلها بل هو مأجور ومثاب إن قصد التقرب بها ونيل ثوابها .

المقدمة الثانية / الاستحباب حكم شرعي وهو يعني أن الشارع المقدّس أمر بالشيء وبعث إليه لكن ليس على نحو الإلزام بل مع الترخيص بالترك ، وبما أنه حكم شرعي فهو من هذه الجهة كالوجوب يفتقر الى الدليل والحجة الشرعية فلا يصح الحكم باستحباب شيء شرعاً الا بعد قيام الدليل الدال على استحبابه وتوفّر الحجة المعتبرة شرعاً على ذلك ، فكما لا وجوب مع عدم الدليل لا استحباب مع عدم الدليل أيضاً ، والمقصود من عدم الدليل الأعم من عدم وجدانه أصلاً ومن وجوده مع كونه ليس حجة كالخبر الضعيف ، فكما لا يصح الحكم باستحباب شيء عند عدم الدليل عليه لا يصح الحكم باستحبابه لمجرد وجود دليل غير معتبر يدل عليه كالخبر الضعيف ، الا بناء على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، حيث ذهب بعض العلماء الى كفاية وجود الخبر الضعيف للحكم باستحباب الشيء ، فلا حاجة الى دليل صحيح ورواية معتبرة لإثبات استحباب هذا الغسل وتلك الصلاة ونحو ذلك بل يكفي أن يدل على الأمر بهما خبر ضعيف فإن ذلك كافٍ في إثبات الاستحباب ، لأن الاستحباب من السنن والسنن يتسامح في أدلتها ولا يتعامل معها على أساس المداقة السندية وإثبات الصدور كما في أخبار الوجوب ، فيكفي الخبر الضعيف في إثبات الاستحباب ويسمى ذلك بقاعدة التسامح في أدلة السنن ودليل هذه القاعدة بعض الأخبار التي تسمى أخبار من بلغ (24) ، بناء على أن مفادها ثبوت استحباب ما بلغ فيه الثواب ولو بطريق غير صحيح (25) . لكن في مقابل ذلك الرأي المعروف من أن أخبار من بلغ لا تدل على استحباب الشيء الذي دلّ على استحبابه خبر ضعيف بل تفيد أن من أتى بالعمل رجاء أن يكون صحيحاً وبأمل الحصول على ذلك الثواب لو كان واقعياً فالله تعالى يعطيه ذلك الثواب وإن لم يكن العمل ثابتاً واقعاً لا أن العمل يكون مستحباً فعلاً ، قال السيد الخوئي قده تعليقاً على كلام للسيد اليزدي من أن الجمع بين الماء والمسح بالأحجار في الاستنجاء أكمل ، قال : ( لم يظهر لنا معنى أكملية الجمع ، نعم هو جمع بين الأمرين ولا إشكال في جوازه وأما ما ورد عن علي عليه السلام « فأتبعوا الماء الأحجار » فقد عرفت أنه حديث عامي ، والحكم باستحباب الجمع بذلك مبني على القول بالتسامح في أدلة السنن ، واستحباب ما بلغ فيه الثواب ولو بطريق غير صحيح ، وأما بناء على ما سلكناه في محله من أن أخبار من بلغ لا دلالة لها على استحباب العمل ، وإنما تدل على ترتب الثواب على إتيانه برجاء الثواب والاستحباب ، وأنها إرشاد إلى حسن الانقياد فلا يمكننا الحكم باستحباب الجمع وأكمليته بالخبر الضعيف ، لأن الاستحباب كالوجوب حكم شرعي لا يثبت إلَّا بحجة معتبرة ) (26) ، وقال قده في مصباح الفقاهة : ( .... تمامية أخبار من بلغ الدالة على التسامح في أدلة السنن ، بدعوى أنها ظاهرة في ما بلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثواب على عمل فعمله أحد برجاء أنه صدر من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيثاب على ذلك العمل وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ، ولو أريد من تلك الأوامر الدالة على التسامح في أدلة السنن الارشاد إلى حكم العقل بحسن اتيان العمل رجاء واحتياطاً لدرك الواقع فلا يدل على التسامح في أدلة السنن ) (27) .

وعليه فلا تسامح في أدلة السنن - بهذا المعنى - فلا يصح الحكم باستحباب شيء الا بعد قيام الدليل المعتبر على استحبابه ولا يكفي الخبر الضعيف ، فلا يكون شيء مستحباً شرعاً إذا كان الدليل على استحبابه خبر ضعيف .

المقدمة الثالثة / بناء على ذلك - أي عدم صحة التسامح في أدلة السنن وأن الاستحباب يتوقف على قيام الدليل المعتبر ولا يثبت بالخبر الضعيف - هل معنى ذلك عدم صحة الالتزام بكثير من الأعمال والأدعية والصلوات المذكورة في كتب الأدعية والأحاديث باعتبار أن أدلتها والأخبار الدالة عليها ضعيفة والخبر الضعيف لا يفيد الاستحباب ؟ أم يمكن فعلها والإتيان بها بوجه من الوجوه ؟

الجواب / ذكر الفقهاء أن قاعدة التسامح في أدلة السنن وإن لم تثبت وأنها لا تفيد استحباب الأعمال المدلول عليها بالأخبار الضعيفة ، لكن هذا لا يعني عدم إمكان فعل تلك الأعمال وعدم صحة الالتزام بها ، وذلك بأن لا يؤتى بها بنية الاستحباب بل بنية رجاء المطلوبية أي رجاء أن تكون فعلاً مستحبة ومطلوبة واقعاً ولا يجزم المكلف باستحبابها ، لأن كون الخبر ضعيفاً لا يعني أنه كاذب ومخالف للواقع جزماً بل يحتمل فيه الصحة والمطابقة للواقع ويحتمل فيه عدم الصحة والمخالفة للواقع ، فإذا وردنا خبر ضعيف يدل على استحباب صلاة معينة فكونه ضعيفاً لا يعني جزمنا بكذب الخبر وعدم صحة هذه الصلاة ، بل يحتمل أن الصلاة مستحبة فعلاً ويحتمل أنها ليست كذلك ، وهذا وإن كان ليس كافياً للحكم باستحباب الصلاة والإتيان بها بنية الاستحباب لأن الاستحباب حكم شرعي يفتقر الى الدليل والحجة المعتبرة كما تقدم لكن يمكن للمكلف أن يأتي بالصلاة بنية الرجاء أي رجاء أن تكون مستحبة ومطلوبة فعلاً من قبل المولى ، فإن كانت في الواقع مستحبة فعلاً فقد أتى بها وإن لم تكن كذلك واقعاً فالله تعالى يعطيه الثواب الوارد في ذلك الخبر الضعيف جزاء على نيته وعمله وإن لم تكن الصلاة مستحبة فعلاً ، ولا يصح أن يأتي بالصلاة بنية الاستحباب لأن الخبر ضعيف وقاعدة التسامح في أدلة السنن غير ثابتة فلم يثبت استحباب الصلاة حتى ينوي استحبابها بل يأتي بها رجاء أن تكون مستحبة ورجاء الحصول على ذلك الثواب المذكور لها .

وهذا ما نوّه عليه الفقهاء في مقدمة رسائلهم العملية حيث قالوا : ( إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولما لم تثبت عندنا فيتعين الاتيان بها برجاء المطلوبية ، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية ) (28) ، بمعنى أن كثيراً من المستحبات المذكورة في هذه الرسالة من قبيل مستحبات الوضوء ومستحبات الغسل ومستحبات التيمم ومستحبات التخلّي ومستحبات الصلاة والصوم وغيرها ، إنما ذكرناها تبعاً لذكر من سبقنا من الفقهاء لها ، وهم إنما ذكروها لا لثبوت استحبابها بأدلة معتبرة بل اعتمدوا في إثبات كثير منها على أخبار ضعيفة وذلك تسامحاً منهم في أدلة السنن ، وحيث أننا لا نرى صحة هذا المسلك فعلى المكلف أن لا يأتي بهذه المستحبات المذكورة بنية الاستحباب بل بنية الرجاء .

وحاصل الكلام أن كل عمل دلّ خبر ضعيف على استحبابه لا يصح فعله بنية الاستحباب جزماً وإنما يؤتى به بنية رجاء المطلوبية ، ولمّا كان المكلف عادة لا يميّز الأخبار الضعاف من غيرها ولا يعرف المستحبات الثابتة بأخبار ضعيفة من الثابتة بأخبار معتبرة ، يمكنه الإتيان بكل الأعمال المحتمل فيها الاستحباب بنية رجاء المطلوبية ، بل هذه النية ممكنة ونافعة حتى في المستحبات التي لم يدل عليها دليل أصلاً كبعض الأعمال التي جرى ذكر استحبابها على ألسنة الفقهاء ولم نعثر على ما يدل عليها وإن كان خبراً ضعيفاً .

مولى أبي تراب
08-05-2014, 10:31 PM
بعد هذه المقدمات الثلاث نرجع الى الكلام عن صلاة ليلة الرغائب وقد طرحنا هذا التساؤل وهو :

ما مدى مشروعية هذه الصلاة ؟ وهل هي بدعة أو لا ؟ وعلى تقدير عدم ثبوت استحبابها وعدم كونها بدعة هل يمكن الالتزام بها وأداؤها بوجه من الوجوه ؟

وبعد ما تقدم من المقدمات سيكون من السهل علينا التعرف على أجوبة هذه التساؤلات إن شاء الله تعالى ، فنقول وعلى الله التكلان :

1. لم يثبت الاستحباب الشرعي لهذه الصلاة لعدم قيام الدليل المعتبر عليها لأنها واردة بطريق عامي وفي سندها المجاهيل والضعاف ولا أقل من أن فيها بن جهضم وقد ذكروا أنه وضّاع كذّاب ، قال ابن الجوزي : ( هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول : رجاله مجهولون وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ) (29) ، وقال ابن كثير : ( علي بن عبد الله بن جهضم أبو الحسن الجهضمي الصوفي المكي صاحب بهجة الاسرار ، كان شيخ الصوفية بمكة ، وبها توفي قال ابن الجوزي : وقد ذكر أنه كان كذابا ويقال إنه الذي وضع حديث صلاة الرغائب ) (30) ، وقال الذهبي : ( والحديث موضوع ولا يُعرف إلا من رواية ابن جهضم وقد اتهموه بوضع هذا الحديث ) (31) .

وأما طريق العلامة إليها فلا يعوّل عليها فإنه يرجع الى الطريق العامي ولا أقل من أن فيه بن جهضم هذا الذي ورد في السند بعنوان ( أبي الحسن الهمداني ) مضافاً الى الجهالة والضعف في غيره .

2. مجرد ضعف الطريق الى الرواية واشتماله على المجاهيل والكذّابين لا يعني أنها موضوعة وأن الصلاة بدعة ، وكون سندها مشتملاً على من عُرف بالوضع والكذب لا يورث الجزم بابتداعه الصلاة كما هو واضح ، ورمي العامة لها بالوضع والابتداع لا يكفي ولا يفيد الجزم بذلك ، أولاً / لتسامحهم في التوصيف بالبدعة والوضع كما هو معلوم من حالهم ، فكل ما لا يقوم عليه دليل معتبر من الأعمال يحكمون عليه بأنه بدعة ، ويكفي لكون الشيء بدعة في نظرهم أن لا يثبت فعل النبي والصحابة له ، فالبدعة عندهم كل ما لم يعلم ثبوته في الدين ولذا يسندون كثيراً من الأعمال الى الابتداع لمجرد أنه لم يصح عن الصحابة فعلهم لها ، لكن تقدم أن هذا المسلك غير صحيح فالبدعة ما علم عدم ثبوتها في الدين لا ما لم يعلم ثبوته في الدين فإن عدم العلم بالثبوت لا ينافي الثبوت واقعاً ، وعليه فلعلّ رميهم صلاة ليلة الرغائب وروايتها بالوضع والابتداع من هذا القبيل واكتفاء بضعف الطريق إليها وهذا غير صحيح . وثانياً / الظاهر أن رميهم بن جهضم بالوضع والابتداع ليس مستنداً الى الحس ، وعلى الأقل ليس كل من رماه بذلك فهو مستند الى الحس ، ولذا يعبرون بـ ( ذُكر أنه كان كذاباً ) و ( يُقال إنه الذي وضع حديث صلاة الرغائب ) و ( قد اتهموا به ابن جهيم ) ومثل هذه التعبيرات لا تفيد الجزم بأنه واضع الحديث ، وأكثر من طعن فيه ابن الجوزي والآخرون نقلوا عنه مع أن طعنه له قائم على الاتهام والاحتمال والحدس ، وعلى أي حال غاية ما يثبت من جرحهم له أن الرجل كذّاب لكن لا يلزم من ذلك الجزم بأنه واضع الحديث حتى وإن اتفقت كلمتهم على ذلك أي كونه كذّاباً وضاعاً فهذا لا يورث الجزم بأن الرواية من وضعه ومختلقاته وغاية ما يفيد الظن بذلك وهو لا يكفي لإثبات الابتداع ولو كان راجحاً وإنما يفيد ضعف الخبر وسقوطه عن الحجية وإفادة الاستحباب . وإثبات كون الصلاة بدعة والرواية موضوعة يحتاج الى ما هو أكثر من مجرد رمي أحد رواتها بالكذب والوضع واتهامه بأنه الواضع .

نعم قد يمكن إثبات كون الصلاة بدعة من جهة أخرى غير اتهام راويها بوضعها ، وذلك من خلال بعض القرائن من قبيل مثلاً أن يقال : إن عدم رواية المعصومين عليهم السلام لهذه الصلاة وعدم وجود أثر لها في تراثهم ورواياتهم دليل على عدم صحة صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والا لرووها عنه خصوصاً مع اهتمامهم بهذا الشهر الكريم أي رجب وأعماله ومستحباته وكثرة ما روي عنهم في هذا الصدد ، فلو كانت هذه الصلاة من أعمال شهر رجب ومستحباتها لذكروها ورووها خصوصاً مع هذا الثواب العظيم المذكور لها ، وحيث لم تؤثر عنهم عُلم أنها موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ لو كان لبان ، ونحو ذلك من القرائن التي يبقى التعويل عليها في إثبات الابتداع مرهون بمقدار ما توجبه من قطع أو اطمئنان بذلك . وعلى أي حال فقد تطمئن النفس الى الحكم بكون الصلاة بدعة بشهادة الوجدان لكن قد لا يكون ذلك كافياً الا بعد إقامة البرهان .

3. إن الحاجة الى البحث في كون صلاة ليلة الرغائب بدعة أو لا ، تظهر في إمكان التمسك فيها بقاعدة التسامح في أدلة السنن أو عدم إمكان ذلك ، فإن كانت بدعة لم يصح جعلها صغرى لتلك الكبرى فلا يثبت استحبابها بهذه القاعدة ، وإن لم تكن بدعة تبقى رواية ضعيفة يحتمل فيها صحة الصدور فيصح التمسك فيها بقاعدة التسامح فيثبت استحباب هذه الصلاة بهذه القاعدة ، لكن حيث أن المعروف عدم تمامية هذه القاعدة عند أكثر الفقهاء كما تقدم وأنها لا تفيد الاستحباب ، فحينئذٍ لا جدوى في البحث عن كونها بدعة فإنه حتى على تقدير علمنا بعدم كونها بدعة مع ذلك لا يثبت استحبابها بقاعدة التسامح لعدم تماميتها أصلاً ، نعم من يرى صحة القاعدة فهو معني بهذا البحث ، والظاهر أن لا سبيل الى الجزم بكون الصلاة بدعة ، وغاية ما يمكن إثباته هو الاطمئنان بذلك فإن قلنا بكفايته كما لعله كذلك باعتبار أن الاطمئنان حجة وبمنزلة العلم فحينئذٍ لا يصح معه التمسك بالقاعدة والا أي لم نقطع بكون الصلاة بدعة ولا حصل الاطمئنان بذلك فلا مانع من التمسك بالقاعدة بناء على تماميتها ، والأمر متوقف على حصول الاطمئنان بكون الصلاة بدعة عند القائل بالقاعدة أو عدم حصوله .

4. مما تقدم يعلم أنه لا جزم بكون هذه الصلاة بدعة وغاية ما يفيد الطعن براويها ورميه بالوضع ضعف الخبر وعدم حجيته في ثبوت استحباب الصلاة ومشروعيتها ، لكن هذا لا يمنع من الالتزام بهذه الصلاة وفعلها على أن يكون ذلك بنية رجاء المطلوبية ولا يصح الجزم بالاستحباب لعدم ثبوت الاستحباب بعد ضعف الرواية وعدم تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن ، فيؤتى بها رجاء المطلوبية ورجاء الحصول على ذلك الثواب المذكور لها ، فإن كانت الصلاة ثابتة واقعاً فقد أتى بها وإن كانت مكذوبة وموضوعة استحق فاعلها ذلك الثواب المذكور لها فيعطيه الله تعالى له جزاء على نيته وقصده كما هو مفاد أخبار من بلغ ، واحتمال كونها بدعة لا يمنع من جواز فعلها بنية الرجاء والحصول على الثواب ، فكما تقدم في المقدمة الأولى أن العامل بالبدعة إنما يؤاخذ ويعاتب على ذلك بشرط أن يكون ملتفتاً الى أنها بدعة وعالماً بابتداعها والا لم يستحق الذم بفعلها لمجرد احتمال ذلك بل هو مأجور ومثاب إن قصد التقرب بها ونيل ثوابها رجاء ، والله العالم .

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
.
.
.
.
.










---------------------------

(1) قال ابن الجوزي في الموضوعات ج 2 ص 124 : ( صلاة الرغائب أنبأنا علي بن عبيد الله بن الزاغوني أنبأنا أبو زيد عبد الله بن عبد الملك الأصفهاني أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مندة ح . وأنبأنا محمد بن ناصر الحافظ أنبأنا أبو القاسم بن مندة أنبأنا أبو الحصين علي بن عبد الله ابن جهيم الصوفي حدثنا علي بن محمد بن سعيد البصري حدثنا أبي حدثنا خلف ابن عبد الله وهو الصغاني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ) وذكر الرواية .

(2) إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس : ج 3 ص 186 ، قال : ( وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله ، ونقلته أنا من بعض كتب أصحابنا رحمهم الله فقال في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في ذكر فضل شهر رجب ما هذ لفظه : ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة منه ، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب ، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض الا يجتمعون في الكعبة وحواليها ، ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم : يا ملائكتي سلوني ما شئتم ، فيقولون : ربنا حاجتنا إليك ان تغفر لصوام رجب ، فيقول الله تبارك وتعالى : قد فعلت ذلك . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مامن ا حد صام يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلى بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ثلاث مرات ، و ( قل هو الله أحد ) اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة ، يقول : اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي الأعظم ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله حاجته في سجوده ، فإنه تقضى إن شاء الله تعالى . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة الا غفر الله له جميعا ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وعد ورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار ، فإذا كان أول ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق ، فيقول : يا حبيبي ابشر فقد نجوت من كل شدة ، فيقول : من أنت فما رأيت أحسن وجها منك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك ؟ فيقول : يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا ، جئت الليلة لأقضي حقك وآنس وحدتك وارفع عنك وحشتك فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك وانك لن تعدم الخير من مولاك ابدا ) .

(3) لاحظ بحار الأنوار ج 95 ص 395 ، قال : ( قد روى العلامة في إجازته الكبيرة عن الحسن بن الدربي ، عن الحاج صالح مسعود بن محمد وأبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قرأها عليه في محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة عن الشيخ علي بن عبد الجليل الرازي عن شرف الدين الحسن بن علي ، عن سديد الدين علي بن الحسن

عن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري ، عن الحسين بن علي ، عن الحاج مسموسم عن أبي الفتح نورخان عبد الواحد الأصفهاني ، عن عبد الواحد بن راشد الشيرازي ، عن أبي الحسن الهمداني عن علي بن محمد بن سعيد البصري ، عن أبيه ، عن خلف بن عبد الله الصنعاني ، عن حميد الطوسي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ... ) . وذكره أيضاً عند تعرضه لذكر إجازة العلامة لبني زهرة : ج 104 ص 123 .

(4) وسائل الشيعة : ج 5 ص 232 - 233 ، قال في باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب : ( الحسن بن يوسف المطهر العلامة في إجازته لبني زهرة باسناد ذكره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله رجب شهر الله .... ) وذكر الرواية ، ثم قال : ( ورواه ابن طاوس في الاقبال مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله نحوه ) .

(5) لاحظ مثلاً الكفعمي في المصباح : ص 526 .

(6) قال الشيخ عباس القمي رحمه الله في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب : ( واعلم أن أول ليلة من ليالي الجمعة من رجب تسمى ليلة الرغائب ، فيها عمل مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله ذو فضل كثير . ورواه السيد في الاقبال والعلامة المجلسي رحمه الله في اجازة بني زهرة . ومن فضله ..... ) .

(7) النجعة في شرح اللمعة للشيخ محمد تقي التستري : ج 3 ص 103 .

(8) وسائل الشيعة : ج 5 ص 232 ، الباب 6 من أبواب بقية الصلوات المندوبة .

(9) الموضوعات لابن الجوزي : ج 2 ص 125 – 126 .

(10) الفتاوى الكبرى لابن تيمية : ج 2 ص 261 - 262 .

(11) مجموعة الفتاوى لابن تيمية : ج 23 ص 132 .

(12) مغني المحتاج لمحمد بن أحمد الشربيني : ج 1 ص 225 .

(13) إعانة الطالبين للبكري الدمياطي : ج 1 ص 312 .

(14) حاشية رد المحتار لابن عابدين : ج 2 ص 27 .

(15) إحياء علوم الدين للغزالي : ج 2 ص 366 .

(16) سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 23 ص 140 - 143 .

(17) تذكرة الموضوعات للفتني : ص 44 .

(18) قال الخليل الفراهيدي في كتاب العين : ج 2 ص 54 : ( البدع : إحداث شئ لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة ) .

(19) لاحظ البدعة مفهومها وحدودها - مركز الرسالة : ص 11 - 14 ( البدعة التي ورد النص بتحريمها هي (إيراد قول أو فعل لم يستن فيه بصاحب الشريعة وأصولها المتقنة) وبعبارة أخرى هي (الحدث في الدين بعد الاكمال) .... ابن رجب الحنبلي عرف البدعة بأنها (ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه ، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة) وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (أصلها ما أحدث على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة ) وقال (المحدثات جمع محدثة والمراد بها - أي في حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد - ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة) ويرى ابن حجر الهيتمي أن البدعة (ما أحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص أو العام) ويرى الشاطبي (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية - وقال في مكان آخر - يقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبد لله تعالى) وقال السيد المرتضى (البدعة الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين) وقال الطريحي في مجمع البحرين (البدعة الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وإنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدعها هو نفسه) أما العلامة المجلسي فإنه عرف البدعة في الاصطلاح الشرعي بأنها (ما حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نص على الخصوص ولا يكون داخلا في بعض العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين وإسكانهم وإعانتهم وكإنشاء بعض الكتب العلمية ، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية ، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأطعمة المحدثة فإنها داخلة في عمومات الحلية ولم يرد فيها نهي ، وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت ولو عين ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة وكما إذا عين أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة . وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص بدعة سواء كان أصلها مبتدعا أو خصوصيتها مبتدعة ) وقال المحدث البحراني ( الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرم ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام : (إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار)) وقال المحقق الآشتياني (البدعة إدخال ما علم أنه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع ) وقال السيد محسن الأمين العاملي (البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين كإباحة محرم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه أو نحو ذلك سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها ، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له ) . هذه جملة مما ورد في تعريف البدعة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي ، وقد أفاد أغلبها أن البدعة بالمعنى الشرعي ، هي : زيادة شئ في الدين على أنه منه وهو ليس منه . واختص تعريف الشريف المرتضى وكذا تعريف السيد محسن الأمين من بين تلك التعريفات بذكر النقصان من الدين على أنه يدخل ضمن البدعة أيضا . ومن هنا فإن تعريف الشريف المرتضى هو أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حد البدعة ومفهومها .

(20) التنقيح - كتاب الصلاة للسيد الخوئي : ج 2 ص 239 .

(21) لاحظ ذيل هامش 19 .

(22) الكافي : ج 1 ص 57 .

(23) غنائم الأيام للميرزا القمي : ج 1 ص 277 .

(24) وهي عدة أخبار منها ما عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه ) لاحظ الكافي : ج 2 ص 87 .

(25) ذهب الى هذا الرأي بعض الفقهاء المعاصرين كالسيد محمد صادق الروحاني لاحظ زبدة الأصول ج 3 ص 277 ، ومنهاج الصالحين ج 1 ص 15 مسألة 32 ، وأيضاً السيد الكلبايكاني لاحظ إرشاد السائل ص 201 .

(26) التنقيح : ج 4 ص 362 .

(27) مصباح الفقاهة : ج 3 ص 799 .

(28) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي : ج 1 مسألة 32 ، وغيره .

(29) الموضوعات لابن الجوزي : ج 2 ص 125 .

(30) البداية والنهاية لابن كثير : ج 12 ص 21 .

(31) تاريخ الإسلام للذهبي : ج 28 ص 351 .

موسوي البحراني
10-05-2014, 02:07 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم جناب الفاضل الالمعي / مولى ابي تراب حرسه الله بعينه التي لا تنام وافاض عليه من علوم ال بيت محمد - سلام الله عليهم اجمعين - على قبولكم الدعوة حيث كانت مشاركتكم العلمية في غاية المتانة في مقام الاستدلال وسلسة في تحريرها في مقام البلاغة والبيان ، فقد بدلتم مجهودا في مقام الاجتهاد حتى فاق قلمكم السبق في مقام الجواب ، فأحسن الله لكم في الدارين .
والسلام عليكم
اقل طلبة العلم موسوي البحراني

مولى أبي تراب
14-05-2014, 06:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعدائهم
وعلى جناب مولانا الفاضل موسوي البحراني السلام والرحمة والإكرام
يشرّفني مولاي ثناؤكم وإطراؤكم أسأل الله تعالى أن أكون له أهلاً وأن يجعلني عند حسن ظنكم
وأن يجعلنا وإياكم ممن ينتصر بهم لدينه ولا يستبدل بنا غيرنا إنه سميع مجيب
بارك الله بكم وأسألكم الدعاء

الحوزويه الصغيره
21-08-2018, 02:05 AM
بارك الله بكم اساتذتي ..
ودام قلمكم