المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ ابو تقى يسأل والعلامة الشيخ الاصفي يجيب:(حوارالدعاء وصلاة الليل وأثارهما على الفرد والمجتمع )


حسين البهبهاني
05-05-2014, 04:12 PM
الشيخ ابو تقى يسأل والعلامة الشيخ الاصفي يجيب :

( حوار الدعاء وصلاة الليل وأثارهما على الفرد والمجتمع )

{ الحلقة الاولى }

ونحن نعيش في هذه الاشهر الكريمة رجب الاصب
وشعبان المعظم وشهر رمضان الكريم
اشهر استجابة الدعاء انشر لاخواني واخواتي المؤمنين

هذا الحوار الذي ينشر لاول مرة , وانشره على شكل حلقات انشاء الله , وقد حاورت فيه شيخي الاستاذ اية الله الشيخ محمد مهدي الاصفي ( حفظه الله ) والذي اقول في حقه : ، مفكرٌ ، مثقفٌ ، مجاهدٌ ، زاهدٌ ، عابدٌ ، محبٌ للفقراء والايتام ، ولكل واحدةٍ من هذه المفردات ، معاني في قاموس أهل الذوق والمعرفة ، وإذا ما توفرت هذه المفردة أو تلك في شخصٍ معين ، حق له ان يفتخر بها وأن تفتخر به ، فكيف بنا وقد إجتمعت كل تلك المفردات في رجلٍ واحدٍ ، إذا ما حلّ في موقعٍ كان عنوانا له ، والفرق كبير بين من يكون عنوانا للموقع ، و بين من يكون الموقعُ عنواناً له ، وبين من يزّين الموقع بوجوده ، وبين من يتزيّن بالموقع .

« الدعاء مخ العبادة »

أبوتقى :
لماذا جعل الرسول الاعظم (ص) الدعاء مخ العبادة ...؟
ولماذا لايهلك مع الدعاء أحد ، كما تقول الرواية الشريفة ...؟

الشيخ الآصفي :
الدعاء إقبال على الله ، والإقبال على الله روح العبادة ،
والعبادة هي الغاية من خلق الانسان .
هذه ثلاثة معادلات متصلات مترابطات ، سوف أحاول أنشاء الله توضيحها واحدة ًبعد الأخرى .
أبدء بالمعادلة الأولى : الدعاء إقبال على الله ، لانّ الانسان لايُقبل على الله في حال كما يُقبل على الله إذا مسه الضر ، وإذا مسته الحاجة والفاقة.
لإنّ الدعاء فقرٌ وحاجةٌ ، ووعيٌ للفقر والحاجة ، وعرض للفقرعلى الله تعالى ، فالانسان في حالة الدعاء يرفع فقره وحاجته وبؤسه الى الله عزّوجل ، ولايتمكن الانسان من الإقبال على الله في حال ، كما هو في حالة الضّر والبؤس ، التي تُلجيءُ الانسان الى الله سبحانه .
والعكس صحيح بنفس المقياس ، ما يبتعد الانسان عن الله تعالى ، وما ينأى عنه في حال كما ينأى ويبتعد عن الله إذا شعر بالاستغناء عنه سبحانه ، وهذا الشعور والإحساس بالإستغناء عن الله ، شعورٌ و إحساسٌ كاذب ، لأنّ الانسان بطبيعته فقيرٌ الى الله ومحتاجٌ إليه ، إنظر الى قوله تبارك وتعالى ((كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) ((سورة غافر : الاية 60 ))
إذن الدعاء إقبال على الله ، وخلافه إعراضٌ عن الله ، يقول تعالى : { وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرين } ((سورة غافر : الاية 60 ))
هناك علاقة بين الدعاء والإقبال على الله سبحانه ، وهناك علاقة بين الاستغناء عن الدعاء ، والإستكبار على الله جل شأنه ، فالذين يستغنون عن الدعاء ويُعْرِضون عن الله ولايطلبون منه ولايسألونه تعالى ، يدخلون في عداد المستكبرين على الله ، وتكون نتيجتهم الحتميّة كما تقدم في الآية الشريفة ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرين ) أي أذلاء .
المناهل الأربعة للإقبال على الله

صحيح إنّ الطرق الى الله سبحانه بعدد أنفاس الخلائق ، كما تقول الرواية ، ولكن أرى من الضروري ان أبيّن هذه المناهل الاربعة ، التي من خلالها ندخل رحاب الله سبحانه وتعالى ، فنسلط الضوء على الدعاء باعتباره واحداً من أهم الطرق الموصلة لله تعالى ، هذه الأبواب التي ندخل من خلالها على الله سبحانه أربعة هي :
( الإيمان ) و ( الشكر ) و ( الإستغفار ) و ( الدعاء )
عن الإمام أميرالمؤمنين علي(ع) انه قال : { أربعٌ للمرء لا عليه : الإيمان و الشكر ، فإن الله تعالى يقول : { ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُم } والإستغفار فإنه قال : وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنت فيهِم وَماكانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون والدعاء فإنه قال تعالى : قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُم
فالإيمان والشكر يحفظان الانسان ويحميانه ويمنعان العذاب عنه ، ثم الإستغفار هو الباب الثالث الذي ندخل منه الى رحاب رحمة الله ، یقول تعالى : وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنت فيهِم وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون والذي يدخل الى رحاب الله من باب الإستغفار لايمسّه العذاب إن شاء الله تعالى .
والمنهل الرابع هو الدعاء قلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ ، فلولا الدعاء لا يبقى للإنسان قيمة أو وزن عند الله سبحانه.
عن أميرالمؤمنين علي(ع) ( من أعطي أربعا لم يحرم أربعا : من أعطي الإستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ) ،
وكل ذلك مذكور في كتاب الله سبحانه وتعالى .
إذن الدعاء منهلٌ من أهم المناهل للورود على الله تعالى ، ذلك لإنّ الدعاء كما أسلفت وعيٌ للفقر والحاجة ، و كلما وعى الانسان فقره وحاجته الى الله ، يكون بذلك قد أقبل عليه سبحانه ، وهكذا كلما يُقبل الانسان على الله تبارك وتعالى ، يُقبل الله سبحانه عليه ، وهذا الإقبال يكون بإستجابة الله لعبده حينما يدعوه ، وهاتان معادلتان متصلتان .
كلما وعى الانسان حاجته الى الله أكثر ، كلما تمكّن من أن يقبل على الله أكثر وأفضل وأحسن ، فيستجيب تبارك وتعالى له ، ولذلك يؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة ، حينما يقول تعالى : أَمَّنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ، و من يكشف السوء عن العبد غير الله ؟ إذا حمل العبد الى الله إضطراره وفقره ، ورفع يديه إليه سبحانه ، يقول أميرالمؤمنين علي) ع)في دعاء كميل : ( وإليك يارب نصبت وجهي ، وإليك يا رب مددت يدي ) و بهذا الشكل يرفع العبد الى الله فقره ، وحاجته ، وضعفه ، وينظر الله لحالة عبده في حالة الفقر والإضطرار ، والحاجة إليه سبحانه ، فيستجيب لدعاء عبده .
إنّ الله تعالى إستجاب لدعاء عبده الصالح ، ونبيه ذي النون يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وهو في ظلمات ثلاثة ، ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، يقول تعالى : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنت سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ ، ثم يقول تعالى في الآية الثانية : إنه سبحانه قد إستجاب لدعاء عبده ورسوله يونس(ع) ونجّاه من الغم ، وكذلك ينجي سائر المؤمنين ، إنظر الى قوله تعالى : فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنينَ
متى إستجاب الله سبحانه لدعاء ذي النون(ع) ، عندما تقطعت الأسباب ما بينه وبين كل الأسباب المادية في الحياة الدنيا ، تصوروا إحساسه وحالته وهو في بطن الحوت ، في أعماق البحر ، في ظلمات الليل ، نرى أنّ العبد الصالح ذوالنون لجأ الى الله تعالى لجوأً حقيقياً ، ومن هذا نفهم أنّ واحدة من أهم السبل لإستجابة الدعاء ، هو أن يقطع الداعي الأمل عن جميع الأسباب الماديّة ما بينه وبين خالقه ، وهذا هو سر إستجابة الدعاء ، كل ما كان إضطرار الانسان الى الله أكثر وفقره وحاجته أشد ، كان إقبال الله سبحانه عليه أكثر يقول تعالى : وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ إنّ رحمة الله قريبةً منّا ، ولكنّ العباد هم الذين يبتعدون عنها ، فإذا رفعنا الى الله سبحانه خوفنا منه وطمعنا إليه ، تكون النتيجة أنّ رحمة الله قريبةً منا .
وليس معنى ما تقدّم أن نُعرض عن الأسباب المادّية ونقاطعها لنلجأ الى الله ، فهذا مما لايجوز ولايصح ، ولكن معنى ذلك أن نعد هذه الأسباب ضمن مشيئة الله ورحمته ، وفي إمتداد رحمته وفضله ، وإنها إذا لم ييسرها الله تعالى لم تتيسّر.
ما تقدم هو المعادلة الأولى ، التي قلنا عنها إنّ الدعاء إقبال على الله سبحانه .
والآن أتحدث لكم عن المعادلة الثانية ، وهي أنّ الإقبال على الله روح العبادة، لان مهمة العبادة هي إتصال العبد بالله سبحانه ، ولاشيء يشد الانسان بربه كالعبادة .
عن حنّان بن سدير عن أبيه قال : قلت للباقر(ع) :
( أيُّ العبادة أفضل ..؟ فقال : ما من شيء أحب إلى الله عزّوجل من أن يسأل و يطلب مما عنده و ما أحد أبغض إلى الله عزّوجل ممن يستكبر عن عبادته و لا يسأل مما عنده )

هذه الرواية فيها بعدان :
انشاء الله ستطلعون على هذين البعدين في الحلقة الثانية
ونرجوكم الدعاء
مع تحيات الشيخ :
ابو تقى الكوفي