عابر سبيل سني
01-06-2014, 12:37 AM
ديكتاتـــور مصـــر و ملـــك العـــرب
السبت , 31 ايار / مايو 2014 - بانوراما الشرق الاوسط
http://www.mepanorama.net/wp-content/uploads/2014/05/19.jpg?a2783f
احمد الشرقاوي
فـي معنــى الديمقراطيــة الوهابيــة
من يُصدّق أن الإنتخابات الرئاسية المصرية كانت ديمقراطية بالمعايير الكونية، عليه أن يُصدّق أيضا، أن سعي إيران لإمتلاك سلاح نووي هو تهديد خطير لديمقراطية آل سعود الوهابية، كما صدّق من قبل أن مملكة الزيت هي من تدافع عن الحرية وحق الشعوب العربية في إختيار حكامها وتقرير مستقبلها ومصير عيالها، ولنا في ما يحصل في سورية اليوم، المصداق العملي لهذه الديمقراطية الظلامية التي يراد تعميمها على البلاد العربية.
مملكـــة العــــرب الجامعــــة
لذلك فلا غرابة أن تحارب السعودية الإخوان في مصر وتدعمهم في سورية، لأن المهم هو النتيجة لا الوسيلة، حتى لو كانت غير شرعية وغير أخلاقية وغير ديمقراطية، لأن الإخوان كما القاعدة وأخواتها هم مجرد أدوات وظيفية في خدمة مشروع إقامة “مملكة العرب” تمهيدا لتحويلها إلى خلافة وهابية بعد أن تنتصر شريعة الإجرام على شريعة السلام، فتُهزم إيران، وتُقطع كامل أدرعها في المنطقة العربية.
وهذه هي الوصفة السحرية الجديدة التي يقوم عليها مشروع “مملكة العرب” الجديد، والذي تحوّل بقدرة قادر إلى مشروع مُموّه بديل عن “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي تلقى ضربة قاسية في لبنان سنة 2006 وسقط بالضربة القاضية اليوم في سورية.
وفي حال نجاح هذا المشروع، والذي سيحافظ على حدود “سايكس بيكو” القديمة لكن تحت نفوذ عاهل آل سعود الذي سيتربع على عرش “مملكة العرب” المجيد، ويكون له جيش رعديد يقوده ‘السيسي’ ديكتاتور مصر العتيد، فستخضع له كل ممالك وإمارات ومشيخات وجمهوريات الموز في الوطن العربي من الماء إلى الماء.
وإذا كانت الديمقراطية في القاموس السياسي المعاصر تعني: “تعدد الأحزاب، وحرية السوق، وضمان الملكية الخاصة”، وهو تعريف إكتسى الكثير من القدسية في الغرب، وأصبح بمثابة الوصايا العشر المقدسة التي لا يجوز تغييرها أو تبديل حرف منها وإلا إنهار الأنموذج الغربي للديمقراطية اللبرالية.. فإن ما حدث في مصر يُعدّ مهزلة بكل المقاييس، ويشكل إهانة للعقل العربي عموما والعقل المصري خصوصا، وهو الأنموذج الذي يبدو أن السعودية بصدد نشره من مصر إلى الجزائر، حيث أصابت جرثومة ‘السيسي’ اللواء المتقاعد من الجيش الليبي ‘خليفة بلقاسم حفتر’ الذي يقود حربا ضد التكفيريين في ليبيا لحساب السعودية وبتنسيق وثيق مع مصر، قال عنها أنها حرب لإسترداد “كرامة ليبيا”، فتراجع عن تعهداته التي أكد فيها أنه لم يتحرك من أجل السلطة، وأعلن عن إستعداده للترشح لرئاسة الجمهورية العربية الليبية على سُنــّة ‘السيسي’ ديكتاتور السعودية في المحروسة.
هذا يعني، أن السعودية بصدد تنفيذ مشروع ضخم لإعادة بسط نفوذها ووصايتها على الدول العربية المتفلتة من سيطرتها، وخصوصا تلك التي تمردت شعوبها على الديكتاتوريات القديمة، بدليل، أنه بعد السيطرة على القرار السيادي المصري، وبتعاون مع عسكر المحروسة الذين تحولوا في عصر “الديمقراطية الوهابية”، من جنود يجمعون البيض في مزارع الجنرالات إلى قوات ضاربة في خدمة ما يأمر به “ملك العرب” من حروب، كما وصفه السيسي نفسه، وخاصة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي أعلن ديكتاتور مصر الجديد أن أمن الخليج هو من أمن مصر، وأن علاقة بلاده بإيران تمر حتما عبر الرياض. وبذلك حوّل ‘السيسي’ المخادع مصر العربية الناصرية التي حارب آل سعود زعيمها القومي ‘جمال عبد الناصر’ رحمه الله، إلى أداة سعودية في مواجهة إيران التي لم تهدد أحدا، وليس في عقيدتها ولا وارد سياساتها استباحة دماء المسلمين كما تفعل مملكة الأعراب الوهابية.
وبالتالي، فإقدام العقيد ‘حفتر’ بدعم من السعودية ومصر وفق تقارير إستخباراتية ومصادر غربية ومغاربية عبرت عن قلقها في الكواليس بخجل ممّا يحصل من محاولة للسيطرة على ليبيا من مدخل إعادة “الكرامة” لبلد لا يحتاج إلى “كرامة” بقدر ما يحتاج إلى الأمن والسلم وعدم التدخل في شؤونه الداخلية لإجباره على خيارات لا تصب في مصلحة الشعب ولا تخدم قضايا الأمة العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه المسؤولون الجزائريون عن سبب زيارة العاهل المغربي إلى تونس اليوم، وماذا يريد منها؟.. يمر المخطط بهدوء لضم تونس لمحور النظام العربي الجديد الذي يقيمه “ملك العرب” وفق قواعد الديمقراطية العسكرية الوهابية الجديدة لبناء إمبراطورية سعودية بقيادة عسكرية مصرية تمتد من المحيط إلى الخليج.. لأن هذا هو الحل السحري الذي تفتق عن الذهنية الرجعية السعودية لمواجهة ما تسميه بـ”النفوذ الإيراني” في المنطقة ومحاصرته خارج مياه الخليج.
ومن هنا نفهم سبب إستدعاء ‘السيسي’ لجمال عبد الناصر من قبره ليتاجر بصورته وتاريخه وموقعه في الوعي الشعبي المصري والجمعي العربي، بموازاة الحديث الصاخب عن دور مصر القادم بزعامة الديكتاتور الجديد لقيادة العالم العربي وإخضاعه لهيمنة مملكة الزيت والقهر والإجرام السعودية، بفضل مليارات الدولارات من المال الحرام الذي تضخ في سبيل تحقيق هذه الرؤية الخرافية على سنة “مملكة اليهود” التلمودية.
الجزائر قلقة مما يحدث في ليبيا، وترى فيه مقدمة لإختراق قلعتها الحصينة في حال إستقام للملكة الوهابية الأمر في ليبيا والسودان أيضا، والتي ينتظرها الدور لقطع أرجل إيران التي تطوق مصر من خاصرتها الجنوبية الرخوة، كما تدعي القاهرة، في حين كانت تستعملها إيران لمد المقاومة الإسلامية في قطاع غزة بالسلاح لمواجهة “إسرائيل”. هكذا، وبدون سابق تشاور أو قرار ولو شكلي من جامعة الأعراب، أعلن ‘السيسي’ أن ليبيا والسودان يدخلان في مجال الأمن القومي المصري، وبالتالي يخضعان للسيادة السعودية، ولا مكان لإيران فيهما، فبدأ ‘حفتر’ الحرب في ليبيا تنفيذا للشق الأول من المخطط.
وكانت الجزائر إلى وقت قريب تعتمد على موريتانيا وتونس لمساعدتها في مواجهة هذه المعضلة على المستوى السياسي لإتخاذ قرار في إجتماع مؤتمر الإتحاد المغاربي المرتقب بعد أيام، لقطع الطريق على المخطط السعودي – المصري. لكن مريتانيا لا تستطيع فعل شيىء بعد أن نجى رئيسها من محاولة إغتبار قامت بها المخابرات المغربية قبل فترة بسبب محاولته التقارب مع الجزائر، كما وأن النظام في موريتانيا خائف من الإرهاب الذي يحركه المغرب وفرنسا في منطقة الساحل جنوب الصحراء في عودة للإستعمار الفرنسي للمنطقة، خصوصا بعد أن أبدت نواكشوط إنفتاحا على طهران وتعاونا في مجالات شتى أثارت ريبة الرباط.
وزيارة أمير المنافقين المغربي لتونس اليوم، حيث سيجري محادثات لثلاثة أيام مع صنيعة قطر ‘الطرطور’ ‘المرزوقي’ وكبار المسؤولين في حكومته المنفتحة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي المهمة التي تم تعويمها إعلاميا لتبدو في إطار عادي من التعاون الثنائي بين البلدين في القطاع العام والخاص وفق بيان المغرب الرسمي. في حين أنها (أي المهمة) تدخل في إطار أمر مهمة خاص تلقاه الملك المفترس من ملك العرب المتواجد اليوم في الدار البيضاء من أجل الراحة والإستجمام، والإستمتاع بمشاهد النسوان عرات حفاة يتراقصون من حوله في حديقة القصر (تقدم له في كل زيارة 300 فتاة جميلة في عمر الزهور)، فيخال نفسه في الجنة بعدما أشعل في الوطن العربي جحيم النار.
ومعروف أن سلطان المغرب يكره العمل السياسي ودبلوماسية الكواليس المغلقة، ويفضل عليها البزنيس والترفيه وتسويق صورته كملك مصلح في الداخل، بعد أن تضررت كثيرا بما كشف عنه من فساد أغضب الشياطين في الأرض والملائكة في السماء.
والهدف كما يمكن استنتاجه من الزيارة، هو محاولة عزل الجزائر عن بعدها العربي بعد أن تم العمل على عزلها عن بعدها الإفريقي جنوب الصحراء بفضل الدبلوماسية الدينية لأمير المؤمنين، في انتظار الإنتهاء من ليبيا للتفرغ للحالة الجزائرية في الداخل. ومن هنا أيضا يفهم ما أراد قوله الديكتاتور ‘السيسي’ عند بداية الأحداث في ليبيا، من أن “الجيش المصري قادر على غزو الجزائر في ثلاثة أيام”. ويعلم الله إن كان الأمر صدفة أم أن هناك مخطط مدبر بشكل مسبق ومنسق، حيث قال نائب برلماني أردني هذا الأسبوع إقتداءا بتصريح ‘السيسي’، أن “جيش المملكة الأردنية، قادر على دخول دمشق في ثلاثة أيام”، والرجل يعتقد أنه لا ينطق عن الهوى لأنه سمع المعلومة من جهات نافذة في الدولة.
وبالتالي، فالتصريح الغريب والمفاجأ الذي أطلقه السيسي كرسالة تحذير للجزائر، لم يكن من باب التشبه والمفاضلة العسكرية أو المجاز السياسي، بل كان يعني ما يقول ويكشف عن الوجه المقبل للصراع في منطقة شمال إفريقيا، لخوف مصر من دخول الجزائر على خط الأزمة الليبية بدعم من إيران وروسيا كما حصل في سورية، ما ينذر بعمر مديد للصراع وإنتقاله إلى قلب المحروسة نفسها، بيشتعل الوطن العربي ويصبح المغرب العربي شريكا في هموم المشرق العربي بالروح والدم والخراب.
تونس اليوم لا تزال في مرحلة مخاض بين الإسلامويين الذين يتحكمون في البرلمان وبين العلمانيين الذين يشكلون الديكور لواجهة ديمقراطية تبدو صعبة الصمود أمام العواصف القادمة، خصوصا بعد أن دخلت البلاد إلى مجال مغناطيس التجاذبات الإقليمية في صراع الإمبراطوريات الجديد على شاكلة صراع الملوك في الصين القديمة.
وإذا كانت المؤشرات تؤكد أن تونس لم تحسم خيارها بين النموذج الإخواني والنموذج العلماني بسبب الصراع الدائر بين الأفرقاء في الداخل، فإن ما تريده السعودية لهذا البلد هو العودة لنظام ديكتاتورية ‘بن علي’ العلمانية، وسحب البساط من تحت أقدام إخوان “النهضة” المنضوين تحت لواء الأممية ‘الأردوغانية’ التي تقهقرت وتراجع نفوذها ودورها وفقدت مصداقيتها بعد أن كشف المستور، وتبين أن تركيا تقوم بنفس الدور الذي تقوم به السعودية لحساب أمريكا وإسرائيل، والفرق يكمن في من ينجح في دوره، ليستحق أن يتوج ملكا ويكون رمزا وتاجا على رؤوس العرب والمسلمين، العاهل السعودي الوهابي أم السلطان العثماني الإخونجي؟.. ولا دور للشعوب العربية في هذا المشهد المظلم حيث المواطن المسحور يحجز مقعده كل مساء أمام شاشات التلفزيون، لمتابعة ما ستقوله الجزيرة والعربية والميادين، عساه يتلمس في زحمة الإعلام بصيصا من نور يفهم على ضوئه ما يجري ويدور من حوله.
يتبع
السبت , 31 ايار / مايو 2014 - بانوراما الشرق الاوسط
http://www.mepanorama.net/wp-content/uploads/2014/05/19.jpg?a2783f
احمد الشرقاوي
فـي معنــى الديمقراطيــة الوهابيــة
من يُصدّق أن الإنتخابات الرئاسية المصرية كانت ديمقراطية بالمعايير الكونية، عليه أن يُصدّق أيضا، أن سعي إيران لإمتلاك سلاح نووي هو تهديد خطير لديمقراطية آل سعود الوهابية، كما صدّق من قبل أن مملكة الزيت هي من تدافع عن الحرية وحق الشعوب العربية في إختيار حكامها وتقرير مستقبلها ومصير عيالها، ولنا في ما يحصل في سورية اليوم، المصداق العملي لهذه الديمقراطية الظلامية التي يراد تعميمها على البلاد العربية.
مملكـــة العــــرب الجامعــــة
لذلك فلا غرابة أن تحارب السعودية الإخوان في مصر وتدعمهم في سورية، لأن المهم هو النتيجة لا الوسيلة، حتى لو كانت غير شرعية وغير أخلاقية وغير ديمقراطية، لأن الإخوان كما القاعدة وأخواتها هم مجرد أدوات وظيفية في خدمة مشروع إقامة “مملكة العرب” تمهيدا لتحويلها إلى خلافة وهابية بعد أن تنتصر شريعة الإجرام على شريعة السلام، فتُهزم إيران، وتُقطع كامل أدرعها في المنطقة العربية.
وهذه هي الوصفة السحرية الجديدة التي يقوم عليها مشروع “مملكة العرب” الجديد، والذي تحوّل بقدرة قادر إلى مشروع مُموّه بديل عن “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي تلقى ضربة قاسية في لبنان سنة 2006 وسقط بالضربة القاضية اليوم في سورية.
وفي حال نجاح هذا المشروع، والذي سيحافظ على حدود “سايكس بيكو” القديمة لكن تحت نفوذ عاهل آل سعود الذي سيتربع على عرش “مملكة العرب” المجيد، ويكون له جيش رعديد يقوده ‘السيسي’ ديكتاتور مصر العتيد، فستخضع له كل ممالك وإمارات ومشيخات وجمهوريات الموز في الوطن العربي من الماء إلى الماء.
وإذا كانت الديمقراطية في القاموس السياسي المعاصر تعني: “تعدد الأحزاب، وحرية السوق، وضمان الملكية الخاصة”، وهو تعريف إكتسى الكثير من القدسية في الغرب، وأصبح بمثابة الوصايا العشر المقدسة التي لا يجوز تغييرها أو تبديل حرف منها وإلا إنهار الأنموذج الغربي للديمقراطية اللبرالية.. فإن ما حدث في مصر يُعدّ مهزلة بكل المقاييس، ويشكل إهانة للعقل العربي عموما والعقل المصري خصوصا، وهو الأنموذج الذي يبدو أن السعودية بصدد نشره من مصر إلى الجزائر، حيث أصابت جرثومة ‘السيسي’ اللواء المتقاعد من الجيش الليبي ‘خليفة بلقاسم حفتر’ الذي يقود حربا ضد التكفيريين في ليبيا لحساب السعودية وبتنسيق وثيق مع مصر، قال عنها أنها حرب لإسترداد “كرامة ليبيا”، فتراجع عن تعهداته التي أكد فيها أنه لم يتحرك من أجل السلطة، وأعلن عن إستعداده للترشح لرئاسة الجمهورية العربية الليبية على سُنــّة ‘السيسي’ ديكتاتور السعودية في المحروسة.
هذا يعني، أن السعودية بصدد تنفيذ مشروع ضخم لإعادة بسط نفوذها ووصايتها على الدول العربية المتفلتة من سيطرتها، وخصوصا تلك التي تمردت شعوبها على الديكتاتوريات القديمة، بدليل، أنه بعد السيطرة على القرار السيادي المصري، وبتعاون مع عسكر المحروسة الذين تحولوا في عصر “الديمقراطية الوهابية”، من جنود يجمعون البيض في مزارع الجنرالات إلى قوات ضاربة في خدمة ما يأمر به “ملك العرب” من حروب، كما وصفه السيسي نفسه، وخاصة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي أعلن ديكتاتور مصر الجديد أن أمن الخليج هو من أمن مصر، وأن علاقة بلاده بإيران تمر حتما عبر الرياض. وبذلك حوّل ‘السيسي’ المخادع مصر العربية الناصرية التي حارب آل سعود زعيمها القومي ‘جمال عبد الناصر’ رحمه الله، إلى أداة سعودية في مواجهة إيران التي لم تهدد أحدا، وليس في عقيدتها ولا وارد سياساتها استباحة دماء المسلمين كما تفعل مملكة الأعراب الوهابية.
وبالتالي، فإقدام العقيد ‘حفتر’ بدعم من السعودية ومصر وفق تقارير إستخباراتية ومصادر غربية ومغاربية عبرت عن قلقها في الكواليس بخجل ممّا يحصل من محاولة للسيطرة على ليبيا من مدخل إعادة “الكرامة” لبلد لا يحتاج إلى “كرامة” بقدر ما يحتاج إلى الأمن والسلم وعدم التدخل في شؤونه الداخلية لإجباره على خيارات لا تصب في مصلحة الشعب ولا تخدم قضايا الأمة العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه المسؤولون الجزائريون عن سبب زيارة العاهل المغربي إلى تونس اليوم، وماذا يريد منها؟.. يمر المخطط بهدوء لضم تونس لمحور النظام العربي الجديد الذي يقيمه “ملك العرب” وفق قواعد الديمقراطية العسكرية الوهابية الجديدة لبناء إمبراطورية سعودية بقيادة عسكرية مصرية تمتد من المحيط إلى الخليج.. لأن هذا هو الحل السحري الذي تفتق عن الذهنية الرجعية السعودية لمواجهة ما تسميه بـ”النفوذ الإيراني” في المنطقة ومحاصرته خارج مياه الخليج.
ومن هنا نفهم سبب إستدعاء ‘السيسي’ لجمال عبد الناصر من قبره ليتاجر بصورته وتاريخه وموقعه في الوعي الشعبي المصري والجمعي العربي، بموازاة الحديث الصاخب عن دور مصر القادم بزعامة الديكتاتور الجديد لقيادة العالم العربي وإخضاعه لهيمنة مملكة الزيت والقهر والإجرام السعودية، بفضل مليارات الدولارات من المال الحرام الذي تضخ في سبيل تحقيق هذه الرؤية الخرافية على سنة “مملكة اليهود” التلمودية.
الجزائر قلقة مما يحدث في ليبيا، وترى فيه مقدمة لإختراق قلعتها الحصينة في حال إستقام للملكة الوهابية الأمر في ليبيا والسودان أيضا، والتي ينتظرها الدور لقطع أرجل إيران التي تطوق مصر من خاصرتها الجنوبية الرخوة، كما تدعي القاهرة، في حين كانت تستعملها إيران لمد المقاومة الإسلامية في قطاع غزة بالسلاح لمواجهة “إسرائيل”. هكذا، وبدون سابق تشاور أو قرار ولو شكلي من جامعة الأعراب، أعلن ‘السيسي’ أن ليبيا والسودان يدخلان في مجال الأمن القومي المصري، وبالتالي يخضعان للسيادة السعودية، ولا مكان لإيران فيهما، فبدأ ‘حفتر’ الحرب في ليبيا تنفيذا للشق الأول من المخطط.
وكانت الجزائر إلى وقت قريب تعتمد على موريتانيا وتونس لمساعدتها في مواجهة هذه المعضلة على المستوى السياسي لإتخاذ قرار في إجتماع مؤتمر الإتحاد المغاربي المرتقب بعد أيام، لقطع الطريق على المخطط السعودي – المصري. لكن مريتانيا لا تستطيع فعل شيىء بعد أن نجى رئيسها من محاولة إغتبار قامت بها المخابرات المغربية قبل فترة بسبب محاولته التقارب مع الجزائر، كما وأن النظام في موريتانيا خائف من الإرهاب الذي يحركه المغرب وفرنسا في منطقة الساحل جنوب الصحراء في عودة للإستعمار الفرنسي للمنطقة، خصوصا بعد أن أبدت نواكشوط إنفتاحا على طهران وتعاونا في مجالات شتى أثارت ريبة الرباط.
وزيارة أمير المنافقين المغربي لتونس اليوم، حيث سيجري محادثات لثلاثة أيام مع صنيعة قطر ‘الطرطور’ ‘المرزوقي’ وكبار المسؤولين في حكومته المنفتحة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي المهمة التي تم تعويمها إعلاميا لتبدو في إطار عادي من التعاون الثنائي بين البلدين في القطاع العام والخاص وفق بيان المغرب الرسمي. في حين أنها (أي المهمة) تدخل في إطار أمر مهمة خاص تلقاه الملك المفترس من ملك العرب المتواجد اليوم في الدار البيضاء من أجل الراحة والإستجمام، والإستمتاع بمشاهد النسوان عرات حفاة يتراقصون من حوله في حديقة القصر (تقدم له في كل زيارة 300 فتاة جميلة في عمر الزهور)، فيخال نفسه في الجنة بعدما أشعل في الوطن العربي جحيم النار.
ومعروف أن سلطان المغرب يكره العمل السياسي ودبلوماسية الكواليس المغلقة، ويفضل عليها البزنيس والترفيه وتسويق صورته كملك مصلح في الداخل، بعد أن تضررت كثيرا بما كشف عنه من فساد أغضب الشياطين في الأرض والملائكة في السماء.
والهدف كما يمكن استنتاجه من الزيارة، هو محاولة عزل الجزائر عن بعدها العربي بعد أن تم العمل على عزلها عن بعدها الإفريقي جنوب الصحراء بفضل الدبلوماسية الدينية لأمير المؤمنين، في انتظار الإنتهاء من ليبيا للتفرغ للحالة الجزائرية في الداخل. ومن هنا أيضا يفهم ما أراد قوله الديكتاتور ‘السيسي’ عند بداية الأحداث في ليبيا، من أن “الجيش المصري قادر على غزو الجزائر في ثلاثة أيام”. ويعلم الله إن كان الأمر صدفة أم أن هناك مخطط مدبر بشكل مسبق ومنسق، حيث قال نائب برلماني أردني هذا الأسبوع إقتداءا بتصريح ‘السيسي’، أن “جيش المملكة الأردنية، قادر على دخول دمشق في ثلاثة أيام”، والرجل يعتقد أنه لا ينطق عن الهوى لأنه سمع المعلومة من جهات نافذة في الدولة.
وبالتالي، فالتصريح الغريب والمفاجأ الذي أطلقه السيسي كرسالة تحذير للجزائر، لم يكن من باب التشبه والمفاضلة العسكرية أو المجاز السياسي، بل كان يعني ما يقول ويكشف عن الوجه المقبل للصراع في منطقة شمال إفريقيا، لخوف مصر من دخول الجزائر على خط الأزمة الليبية بدعم من إيران وروسيا كما حصل في سورية، ما ينذر بعمر مديد للصراع وإنتقاله إلى قلب المحروسة نفسها، بيشتعل الوطن العربي ويصبح المغرب العربي شريكا في هموم المشرق العربي بالروح والدم والخراب.
تونس اليوم لا تزال في مرحلة مخاض بين الإسلامويين الذين يتحكمون في البرلمان وبين العلمانيين الذين يشكلون الديكور لواجهة ديمقراطية تبدو صعبة الصمود أمام العواصف القادمة، خصوصا بعد أن دخلت البلاد إلى مجال مغناطيس التجاذبات الإقليمية في صراع الإمبراطوريات الجديد على شاكلة صراع الملوك في الصين القديمة.
وإذا كانت المؤشرات تؤكد أن تونس لم تحسم خيارها بين النموذج الإخواني والنموذج العلماني بسبب الصراع الدائر بين الأفرقاء في الداخل، فإن ما تريده السعودية لهذا البلد هو العودة لنظام ديكتاتورية ‘بن علي’ العلمانية، وسحب البساط من تحت أقدام إخوان “النهضة” المنضوين تحت لواء الأممية ‘الأردوغانية’ التي تقهقرت وتراجع نفوذها ودورها وفقدت مصداقيتها بعد أن كشف المستور، وتبين أن تركيا تقوم بنفس الدور الذي تقوم به السعودية لحساب أمريكا وإسرائيل، والفرق يكمن في من ينجح في دوره، ليستحق أن يتوج ملكا ويكون رمزا وتاجا على رؤوس العرب والمسلمين، العاهل السعودي الوهابي أم السلطان العثماني الإخونجي؟.. ولا دور للشعوب العربية في هذا المشهد المظلم حيث المواطن المسحور يحجز مقعده كل مساء أمام شاشات التلفزيون، لمتابعة ما ستقوله الجزيرة والعربية والميادين، عساه يتلمس في زحمة الإعلام بصيصا من نور يفهم على ضوئه ما يجري ويدور من حوله.
يتبع