المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطرة من بحر الحقيقة المرة ( ح 1 )


رشيد الاسدي
08-06-2014, 03:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على اشرف الخلق محمد وال بيته الطيبين الطاهرين ..
السلام عليكم ايها الاخوة المسلمين ورحمة الله وبركاته
اود ان اضع امام حضراتكم منهجا فكريا جديدا قد يكون لاول مرة في المنتديات الفكرية الاسلامية المنهج الذي قدمه استاذي الفاضل المرحوم النيلي رحمه الله واسكنه فسيح جناته.. وساطلق عليه اسم قطرة من بحر الحقيقة المرة عسى ان تعم فائدة هذا الموضوع لاثراء وزيادة في اغناء الفكر الاسلامي وساجعله ان شاء الله عى شكل حلقات متسلسلة .. 1-2-3-4-5 .... الخ ..
قطرة من بحر الحقيقة المرة الطعم هي في الفم حنظلة
وفي الجوف تضيء حجرات القلب الاربعة.. قطرة من بحر الحقيقة اللا متناهي ..
قطرة تتجرعها على ............. وقد تصرخ ... لست مريضا ولا اريد دواءا لكنك بعد ما تشربها ترى انك كنت عليلا وان فيها شفاء واي شفاء لآلف سؤال اخفيته والف اخر سألته فلم يجبك احد والف اخر شككت
فيه وما وصلت الى حل .. وكنت تخادع نفسك ومضيت
تتجرع الصبر كل يوم الف مرة.. وبعد ماشربت القطرة تقول ....حقا كنت مريضا كيف جهلت اني كنت مريضا ؟اه اه لو شربت تلك القطرة من قبل وتزداد دهشة حينما تذهب .... وتجيب على الف سؤال والف سؤال !!
جرعة واحدة تفعل ذلك كله؟.. وحينما يخبرك الطبيب سرا اخر .. تتأسف كثيرا لقد كانت تلك القطرة معك منذ ولدت لكنها مرة الطعم فعزفت عنها وتجرعت الصبر الف مرة باليوم لانك رأيت الجميع يفعلون ذلك ولكنك
لم تفكر ان تشرب من قطرة من بحر الحقيقة.. الحقيقة
المرة.. واكتشفت اخيرا انك لست كالجميع ..
واكتشفت انك ظلمت نفسك اذ سرت طويلا في هذا القطيع قبل ان تشرب قطرة من هذا الماء ثم ترف يدك
الى السماء ((يارب من بحرك الذي لاينفذ شربة ماء))
ايها الاخوة ..
إن مشكلة الفكر عموماً ومشكلة الدين خصوصاً وما حصل ويحصل فيهما من اختلاف ليس مرجعه إلى عدم وضوح الحق من الباطل . إنما مرجعه إلى خلط الحق بالباطل عند الناس . ومعنى القول الأول أن الله لم يجعل الحق مختلفاً عن الباطل اختلافاً واضحاً بيناً بحيث يمكن أن يحاسب الخلق حساباً عادلاً . ومعنى القول الثاني هو على العكس من ذلك أي إن الحق والباطل مختلفين ومتناقضين بدرجة كافية بحيث أن كل إنسان يعلم أو يمكنه أن يعلم الحق ويميزه عن الباطل كما يميِّز جيداً بين الظلمات والنور أو الظل والحرور أو الليل والنهار فيصبح كل إنسان ( على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) كما قال الله تعالى .
القول الأول إذن هو الكفر بعينه والقول الثاني هون الإيمان الحق . القول الأول هو الشرك والقول الثاني هو التوحيد . في القول الأول يلقي المفكر اللوم والتبعة على الخالق ويبرأ نفسه والناس . وفي القول الثاني يلقي المفكر باللوم على الناس ويبرأ الخالق من الظلم .
وما نريد أن نقوله هو أن الناس دأبوا على الجدال حول الحق والباطل والصحيح والخاطئ وتمادوا في ذلك إلى درجة أن علماء الدين أصبحوا يأخذون بفكرة احترام الآراء جميعاً ولو بينهم ويبرِّرون الاجتهاد ويزعمون أن الاختلاف في الدِّين رحمة وأنه ضرورة لإغناء الفكر والبحث .
لكن هناك فرق بين البحث عن الحق والباطل وبين الاختلاف في الحق والباطل هو عينه الفرق بين الكفر والإيمان .
إن كل الذين يبرّرون الاختلاف ويسمحون بتعدد الوجوه في تأويل النص الإلهي هم ظلمة وكفرة بل هم أظلم الخلق طرّاً وإن لبسوا العمائم وتجلببوا بجلباب الدِّين لأنهم يأمنون بعدم وضوح الفرق بين الحق والباطل إبتداءاً ويجعلون النص الإلهي الذي جاء لإزالة الاختلاف ـ يجعلونه مصدراً للاختلاف .
وفي هذه الحلقات نحاول إجراء التصحيح العقائدي في أهم قضية في الدين من هذه الجهة حيث اعتبرنا كلمة الإمام علي ( ع ) في حرب الجمل التي قالها لسائلٍ سأله عن الطريقة التي تمكنه من معرفة المحق والمبطل بين الطرفين ، وهي قوله للسائل :
] ويحك إن الحق لا يعرف بالرجال . اعرف الحق تعرف أهله [
هذه الكلمة وحدها اعتبرناها قاعدة عامة للانطلاق في عملية التصحيح العقائدي .
إن كل ما جرى من أبحاث ومجادلات بين الفرق والمذاهب في كل الأديان وليس في الدين الإسلامي وحده قد جرى بخلاف هذه القاعدة ! . فهي كلها مجادلات وأبحاث لا تمثل مطلقاً بأية درجة محاورات لمعرفة الحق والباطل ، بل هي أبحاث الباطل مع نفسه فقط ومجادلات الباطل مع الباطل .. لأنها بعيدة عن الحق بعد السماء عن الأرض منذ ابتدأت وإلى هذا اليوم لأنها أقوال الرجال بعضهم في بعض .
فهذه الأبحاث والكتب والآراء ليست سوى آراء الرجال في بعضهم البعض .. ولا علاقة لها بمراد الله ولا كتاب الله ولا مراد رسوله وإن كان النص الإلهي هو موضوعها الدائم .
هذا هو الفرق بين أن يكون النص الإلهي بيناً بنفسه باعتباره حقاً وبين أن يكون غامضاً ويحتاج إلى تبيين من الرجال !
وحينما تفهم النص الإلهي ـ سواء كان قرآناً أو سنّةً من خلال الرجال فإنك تعبد الرجال ولا تعبد الله !
وحينما ترى ما في النص من حق وباطل مستقلاً عن الرجال فقد بدأت بالفعل أول خطوة في الطريق إلى عبادة الله وحده !
من هنا نرى بوضوح كافٍ أن الهجمات الموجهة إلى الدين السماوي وعلى كافة المستويات هي هجمات على التفسير السائد للدين وليست على الدين نفسه ، ولكنها تحاول إبطال أسس الدين من خلال التناقضات في أقوال علماء الدين والمفسِّرين ـ فيحسب البعض بل أكثر الناس أن الدّين أصبح في خطر من هذه الهجمات . والواقع هو خلاف ذلك إذ أن الخطر هو على التفسير الخاطئ للدِّين وعلى التأويلات المتناقضة للنص فهي إذن هجمات الباطل على نفسه . فهي من هذه الجهة نافعة منفعة عظيمة لأنها تكشف عن الانحراف والزيف وإن كان مصدرها أقطاب الكفر والإلحاد العلني .
ومثلها مثل الافك الذي جاءت به عصبة في عصر الرسول ( ص ) حيث قال تعالى :
] إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم [
ذلك لأن هذا الإفك بناه المنافقون على أسس خاطئة مغروسة في الأذهان لأصول العقيدة فأمكن من خلاله الكشف عن هذه المبادئ وتصحيحها وتمييز المؤمن من المنافق . إذ لم يكن بالإمكان أصلاً استقبال هذا الإفك من قبل المسلمين لولا استعدادهم لقبول المغالطات ولذلك وبّخهم القرآن على ترديد مقولات المنافقين .
إن ما حصل في عقائد المسلمين منذ قرون هو انقلاب شامل لمبادئ الدّيِن وانعكاس للمفاهيم بحيث أن الدراسة الجّادة للنص القرآني ومحاولة فهمه مستقلاً عن آراء الرجال تبيّن بوضوحٍ كافٍ أن الدِّين الذي بين يدينا اليوم هو نقيض الدين الذي جاء به محمد ( ص ) ولذلك يتمكن دعاة الإلحاد والكفر من توجيه الضربات القوية إلى هذا الدّين المزيَّف فيحسب الناس أن الدين في خطر ! .
ولكن الحقيقة كما قلنا من قبل أن الخطر هوعلى الباطل من الباطل لا غير ! .
ولكن يبقى علينا أن نوضِّح للقارئ الفرق بين دين الله ودين الناس ! إذ هنا تكمن المشكلة بكل أبعادها ! .
فإن هذا التوضيح يستلزم إجراء سلسلة من العمل ستكون المفاجأة فيها على رجال الدين من كافة المذاهب أشدُّ مما هي على القارئ العادي . ومن المتوقع أن يقف أكثرهم ضدّ عملية التصحيح وفي صفِّ العدو إذا أحسّوا بالخطر الداهم على مسلِّماتهم ومبادئهم ـ وسوف يحسبون أن الخطر في التصحيح أعظم عليهم من الخطر الآتي من هجمات الملاحدة والكفّار ‍
ذلك لأننا لو قلنا أن ما تنتقدونه هو آراء الرجال وأعمال الرجال ، وبيّنا فيه حقيقة الدِّين ظهر من خلال ذلك كفر هؤلاء الرجال وانحرافهم عن الدين وهم أسماء لامعة مشهورة في الأمة ومعروفة بالـ ( التقوى والصلاح ) ، بل أسماء مقدّسة جداً . ذلك لأن الدِّن الذي يؤمن به الناس اليوم هو في الواقع أسماء رجال ، فلا يفصلون ولا يفرِّقون بين الدين وما يسمّى بـ ( رجال الدين ) .
وفي السنوات الأخيرة تكاثفت الحملات الموجهة ضدّ الدّين على كافة المستويات ومن بينها مؤلفات مشهورة تدعو إلى إخراج النص الديني من حيز المؤسسات الدينية العتيدة ومحاولة تفسيره بالطرائق الحديثة ، وهي محاولات تعتبر في سلسلة التطور التاريخي لتأويل النص .. آخر أهداف الانحراف وغايته النهائية ، وإذا تركت بغير ردٍّ فإن المصالحة بينها وبين المؤسسة الدينية واقعة حتماً وإن تأخرت زمنياً شأنها شأن كل انحراف جديد وموجة جديدة من هجمات الإلحاد كما أثبت ذلك التطور التاريخي للمؤسسة الدينية .‍
لقد لاحظت لجنة التصحيح العقائدي التي انبثق عنها هذا الموضوع خطورة هذا الأمر وبلوغه الحد الأقصى الذي ليس وراءه شيء سوى الخطوة الأخيرة التي هي خطوة إنكار النبوة والرسالة ، ولذلك حاولت إيصال الحقائق المتعلّقة بالعقيدة والنص بأساليب وطرق مختلفة لا تثير سخط المؤسسة الدينية وذلك بالتمسّك ببعض المبادئ المشتركة معها والانطلاق منها مثل إعجاز القرآن الكريم ووحدة الدعوة الإلهية عند الأنبياء والثوابت في المأثور وإجراء التصحيح في أسس ومبادئ اللغة من جهات بعيدة عن نقاط الخطر أملاً في التقاء هذه الأبحاث في النهاية عند تلك الغاية..
والى الحلقة الثانية القادمة ان شاء الله .