المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طيّ الزمن وتضبيبه في القصص القرآني . . (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ)


شذى القرآن
13-06-2014, 08:58 AM
طيّ الزمن وتضبيبه في القصص القرآني . . (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ)

بسمه تعالى

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين






عناصر فنية اخرى نجدها في البناء الفني البلاغي للقصة في القرآن الكريم وهذه المرة نكتشف اسرارآ تتصل

بطي الزمن وتضبيبه أي جعله مبهماً لدى البطل أو القارئ بحيث يساهم في جمالية البناء العماري للقصة



فيما يتصل بطيّ الزمان ، يمكننا ملاحظة جملة من القصص التي تشدّد على هذا الجانب ، ومنه مثلاً :




قصة أصحاب القرية :




في سورة ياسين ، تواجهنا قصة أصحاب القرية التي جاءها المرسلون :
(إِذْ أَرْسَلْنَا إليهم اثْنَيْنِ فَكَذّبُوهُمَا فَعَزّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنّا إِلَيْكُم مّرْسَلُونَ)
ثم جاء بطلٌ رابع :


(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى‏ قَالَ يَاقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) .


هذا البطل بدأ بالنصيحة لقومه ، مشيراً إليهم بأن يتبعوا المرسلين الثلاثة . بَيْد أن القصة وهي تنقل لنا نصائح هذا الرجل لقومه ، إذا بها تنقلنا مباشرة من بيئة الحياة الدنيا إلى الجنة ، قائلة على لسان هذا البطل مايلي :


(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) .
إن هذه النقلة الزمنية من سياق النصائح التي قدّمها البطل لقومه إلى موقع ( الجنة ) ، ومتابعته توجيه الكلام إلى قومه وهو في الجنة ، هذه النقلة الزمنية تظل واحداً من أسرار البناء الفني للقصة ينبغي أن نتابعها بعناية بالغة .


تُرى لماذا نقلت القصةُ هذا البطل من موقعه الدنيوي إلى موقعه الأخروي ، مع أنه لا يزال يتحدّث مع قومه ؟!!!!!!!!!


السرّ في ذلك يكمن في استهداف النص تنبيه القارئ إلى مفروضية الجزاء المترتّب على ( الجهاد ) في سبيل الله ، وهو : الجنة .



كما يتمثّل في الكشف عن مصير البطل الذي جاء ينصح قومه باتباع الرسل . فالقصة لا تنقل لنا شيئاً عن مصير الأبطال الثلاثة الذين تقدّموه ، ولا تنقل لنا مصير البطل الرابع ، إنها تقول لنا : إن المرسلين الأربعة قد مارسوا وظيفتهم ، وإلى أن الجمهور قد ( كذّبهم ) . ولكن ماذا حدث بعد ذلك ؟ هذا ما لم تتحدّث القصةُ عنه .
لكننا ـ نحن القرّاء ـ من خلال هذه النقلة التي لحظناها عن البطل الرابع ، استطعنا أن نستنتج بأن هذا البطل قد استشهد ؛ وإلاَّ لم يُقل له :


( ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) .
وفهمنا أن الرسل الثلاثة من الممكن أن يكونوا قد واجهوا نفس المصير . كما نستخلص قيمة فكرية تتصل بنقاء الشخصية المؤمنة ومحبّتها لقومها بالرغم من إيذائهم إيّاها ... فهذا البطل الذي استشُهد ، لابدّ أن يكون القوم قد أوجعوه ضرباً ، أو ركلوه بأرجلهم ـ كما تقول بعض النصوص المفسّرة ـ أو قتلوه مباشرةً . لكنه مع ذلك ، يواصل الإعلان عن محبته لقومه ، حيث قال ( وهو في الجنة ) :
( يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ )
إنه ، وهو في الجنة ، يتمنّى أن يعرف قومّه مصيرَه إلى الجنة وتكريمه من قِبَل الله تعالى . إذن : كم هو نقيّ في أعماقه ؟ كم هو محبّ لقومه بالرغم من قتلهم إيّاه . إنه يتمنّى لو يرعوون ، لو يتّجهون إلى الإيمان ، ليظفروا بنفس الجنّة التي ظفر بها
إن ( طيّ ) الزمن بهذا النحو الذي لحظناه ، قد تمّ وفق رسمٍ فنيّ بالغ المدى ، حيث نقلت القصةُ البطل إلى ( الجنة ) ، ثم عادت إلى الأرض من جديد لتقول لنا
: ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى‏ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِنَ السّماءِ وَمَا كُنّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) .
كان من الممكن أن تقول لنا القصة : ( إن البطل قتله القوم فاستحق بذلك الجنّة . وإن قومه قد أنزلنا عليهم العذاب فجعلناهم خامدين ) ، لكن القصة سلكت منحىً فنياً بالغ الخطورة ، حينما تعاملت مع عنصر ( الزمن ) بهذا النحو الذي عَبَرَت به إلى
( اليوم الآخر ) ،


وعادت به إلى الحياة الدنيا لتواصل بقية وقائع القصة ، محقّقة بذلك أكثر من هدف فنّي ، هو :
استشهاد البطل
، استشهاد الرسل ،
محبّته لقومه حتى وهو في الجنّة ،
مصيره الحتمي إلى الجنة ،
ثم : المصير الدنيوي للمكذّبين ، فضلاً عن مصيرهم الأخروي .
وإذا كانت هذه القصة تتعامل مع ( طيّ ) الزمان من خلال نقله من بيئة دنيوية إلى بيئة أخروية ، فهناك نمط آخر من ( الطيّ ) يتم داخل البيئة الدنيوية نفسها ، متمثِّلاً في. .



قصة سليمان :



قصة سليمان تتحدّث ( في سورة النمل ) عن الطائر الذي تفقدّه سليمان ، حيث كان قد ذهب لمهمة هي إخبار سليمان عن وجود ملِكة في ( سبأ ) ، تعبد ـ هي وقومها ـ الشمس . وعندما أمر سليمان بإحضار عرش الملكة ،



( قَالَ عِفْرِيتٌ مّنَ الْجِنّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مّقَامِك ) ،


ولكن


( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ ) .



الهدف الفكري من القصة واضحٌ تماماً من خلال الفقرة التي عقّب عليها سليمان :



( هذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ ) .



إِلاَّ أننا نستهدف من الوقوف عند القصة المذكورة ، ملاحظة ( البُعد الزمني ) فيها ، وطريقة ( الطيّ ) التي تعاملت القصة فيها مع عنصر ( الزمن ) .


فالزمن هنا قد ( طُوي ) في لحظة طرف لا أكثر ، مع أن البطل الذي نهض بهذه المهمة هو من
( البشر ) ، وليس من ( الجن ) الذي يملك إمكانات من التحرك السريع الذي لا يملكه البشر . ومع ذلك تم


( الإعجاز )



على يد ( بشرٍ ) عنده


( علمٌ من الكتاب ) ،


في حين أن ( الجن ) لم يستطع تحقيق ذلك إلاَّ في ( ساعات ) ، حيث اقترح على ( سليمان ) بإحضاره قبل أن يقوم من مقامه ، في الوقت الذي استطاع ( البشر ) أن يحقّقه في ( ثوانٍ ) لا في ( ساعات ) .؟؟؟؟؟؟



هذا يعني أن القصة تريد أن تقول لنا :




إنّ الشخصية الآدمية لو أخلصت في سلوكها العبادي ، لاستطاعت أن تحقّق ما لم يستطع تحقيقه حتى مَن ينتسب إلى ( الجن ) الذي يمتلك إمكانات لا يمتلكها البشر .






مضافاً لذلك ،


فان قضية شكر النِعَم أو تجاهلها ، تظل أيضاً مستهدفة بوضوح من خلال هذه القصة التي عبّر عنها سليمان صراحةً لا ضمناً .



إذن ، التعامل مع الزمن من خلال ( طيّه ) من بيئةٍ دنيوية إلى مثلها ، أو من بيئة دنيوية إلى أخروية ، يظل ـ في الحالتين ـ مرتبطاً بالكشف عن أهداف ( فكرية ) لا تحدّثنا القصة عنه مباشرة ، بل من خلال ( مبنىً فنّي ) خاص يحقّق كلاًّ من الإمتاع الجمالي والفكري عند القارئ .





وهناك نمط آخر من التعامل من ( الزمن ) ، هو :




طريقة ( الإحساس ) به !!!!!!!!!؟





وهذه الطريقة لها أهميتها الفنية أيضاً ، من حيث ( إبهام ) الزمن وتضبيبه لدى أبطال القصة ، وليس لدى القارئ !!!!!


ففي قصة سليمان ذاتها نجد أن



( الملكية ) افتقدت الإحساس بالزمان ( وبالمكان أيضاً ) ، ثم اهتدت إليه ، وكانت النتيجة أنها


أسلمت لرب العالمين .. . .