مكتب العلامة المهتدي
13-11-2007, 01:01 PM
] (http://www.shiaee.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=25#_edn31)
بيان سماحة العلاّمة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني
في رحيل الأستاذ المجاهد الحاج عبد الأمير العرب (رحمه الله)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
( إنّا لله وإنّا إلَيْهِ راجِعُون )
آية كريمة نعترف بها على أنفسنا بالعبوديّة لله الملك الحق المبين الذي يكون إليه سبحانه مرجعنا دون أيّ خيارٍ آخر ولأيٍّ من البشر...
فالموت حق.. وهو أحلى من العسل عند مَن آمن بتكامل العبد الكادح إلى لقاء ربّه عزّ وجل:
( يا أيّها الإنسانُ إنّك كادِحٌ إلى ربِّك كَدْحاً فَمُلاقِيه)
هكذا يفقه المؤمنون بالله فلسفة الحياة وحقيقة الموت الذي يفرحون به ساعة السفر إلى ما قدّموه لأنفسهم من خير، لأنهم سوف يجدون ما عند الله هو خيراً وأعظم أجراً.
فلا قيمة عندهم لهذه الدنيا الدنيّة بعد أن قرؤوها بكل فصولها وتأمّلوا حقيقتها في حياة الماضين ونظروا إلى ما يدور حولهم من ضياع وظلم وفساد وجهل وعناد وتكابر.. فرفضوا أن يكونوا ممن يخسرون الفرص ولا يربحون الجنّة.
هؤلاء (رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْه...)
وكان منهم فقيدنا السعيد الحاج عبد الأمير العرب الذي عرفناه في مطلع الثمانينات في المهجر باسمه المستعار (أستاذ كاظم).. عرفناه بصفات تميّز الإنسان الهادف عن الإنسان التائه.. عرفناه بفكره الرسالي وقراءاته السياسية ذات الرأي الإجتهادي، وعرفناه بجهاده وصبره وأخلاقه وهدوئه وتواضعه وعباداته وروحه الولائية لأهل بيت النبي الأكرم (ص) ودموعه الحسينية التي كان يتحدّى بها رياح الهزيمة والصعوبات..
فقد كان خدوماً لا يَمَلّ، وحنوناً لا يَفِلّ، وطَموحاً لا يَقِلّ.. ولم تكن علامات الإخلاص تفارقه، ولا شهادات المُعجَبين تغادره، ولا كلمات الحكمة تجانبه...
لا أدري بأي أحرف أخطّ مقدارك يا أبا محمد وأنت في القُلّة.. وكيف أسطّر فيك الكلمات وأنت في الكتمان قدوة.. وماذا أجسّد منك وقد كنتَ في صدقة السرّ واجتناب الرياء والتظاهر أسوة...
وكذلك يكون الذين يزرعون دنياهم لآخرتهم بعهدٍ صادق، فليس شيئاً أتعس في هذه الدنيا من أن يغادرها الإنسان ولم يزرعها بالباقيات الصالحات، فقمتَ يا زارع الخير بزرعها فأحسنتَ العمل لِتَفِدَ إلى ربٍّ كريم يضاعف الأجر لعباده المؤمنين، فهنيئاً لك يوم الحصاد وأنت على رؤوس الأشهاد من الفائزين...
وكيف لا تكن منهم وقد كانت السنة الأخيرة من حياتك مفعمةً بالفعاّليات التي تلخّص المجموعة السابقة من عطائك: فقد ذهبتَ للحج في هذا العام، ولم تفتْك زيارة قبر الرسول الأعظم (ص) وأئمة البقيع (ع) المظلومين، ولا زيارة العتبات المقدّسة في عراقنا الجريح (صانها الله من براكين الفتن)، وذهبتَ إلى زيارة الإمام الرضا (ع) وختمتها بزيارتك لقبر السيّدة زينب بطلة كربلاء (س) تستلهم من قيمنا العقائدية سلوك التواصل مع العاملين في سبيل الله وأنت لم تتأخر حين النصيحة لدين الله..
أخي يا رفيق الدّرب يا عبد الأمير العرب: فقد طلب منّي الأصدقاء أن أكتب عنك شيئاً، وأنا في وقتٍ قد تسلبني نكستي الصحّية راحتي في الفكر ورجوعي إلى الماضي الجميل وترجمانه بالقلم الحاضر، ولكنّي أترك لك الحق إنْ أردتَ أن تعاتبني يوم ألقاك أيها الصديق العزيز وإنْ كان علمي بشخصيّتك المنفتحة والمَرِنة والمتطلّعة إلى الحرّية يُشعِرني بأنّ سطوري هذه تُرضيك وأنّ روحَك العالية سوف تبارك لها وقد عهدتَني صريحاً حسب الموازين...
أستذكر لشبابنا وللتاريخ هنا بعض مواقفي معك أيها الفقيد الغالي: أبدأها من أحداث الثمانينات (1981م) حيث كان لي أوّل لقاء بك في طهران، لمّا خرجتَ مقنَّعاً بالمنشفة على رأسك لتدخل غرفة أخرى من البيت الحركي في شارع (شقايق) وكان ذلك لضرورات أمنيّة لكي لا يعرفك ولا تعرف مَن ليس في المهامّ المخصَّصة هناك.. وكان هذا في العُرف الحركي يعني أهمّية موقعك القيادي بلا شك، ثم جمعتْني وإياك جلسات البحث في تاريخ البحرين لمّا كنتُ عاكفاً على تأليف كتابي (تاريخ البحرين الإسلامي) والذي لم يُكتَب له نور الطباعة والنشر! ولكنه أولد كتاب (علماء البحرين، دروس وعبر) والذي أغنيتَني فيه بغزير معلوماتك سيّما ما كان منه يرتبط بجدّك الشهيد العلامة الشيخ عبد الله العرب ( قدّس سرّه). وكم تبادلنا التحليلات السياسية في لقاءات المناسبات على طول خطّ الهجرة والجهاد وحتى بعد انتقالك إلى سوريا لمّا كنتُ أعود من الدنمارك في طريقي إلى إيران أو العكس، ولم نختلف في الموقف من إنتفاضة (1994م) يوم جئتَ إلى إيران وأنت تحمل في حقيبتك الدفاع عن مطاليب شعبنا العزيز.. وأخيراً مع بدء الألفية الثالثة (2001م) استقرّ بنا المقام على أرض الوطن رغم كل الملاحظات على الوضع الجديد، وهي التي جعلتْ نقاشاتنا تختلف تبعاً لاختلاف الظروف السياسية التي دخلتْها البحرين، ولقد كان يُعجِبُني فيك الإصرار على آرائك ومواقفك واحترامك للآخر في نفس الوقت وعدم محاكمتك لنواياه وهذا هو الكاشف عن تقواك حينما يغيّبها أكثرُ السياسييّن في حدّياتهم الفارغة. فلم تتغيّر منذ رجوعك إلى الوطن المبتلى إلا في شيْبك ومحياك فزادك الله به وقاراً فوق وقارك، وقد غزوتَ الخمسينات من عمرك بنضجك دون أن تكون كمَن يندم على فترة شبابه، وذلك لأنك قضيتَ شبابك في الهدفيّة الرسالية التي تعني الثبات مع الثوابت والمرونة وفق المتغيّرات ولكن تحت سقف المرجعية حيث ترشد للمكلّف وظيفته الشرعية التي تتعدّد بتعدّد الأفراد والمواقع والمحيطات والمؤثرات الموضوعية.. وهذا ما تجب معرفته لكل منتهِجٍ سبيلَ الدّين الصحيح وكل ناشدٍ لقيم التقوى والأخلاق والمحبّة والحرّية والعدالة، وإلا فليس للشعارات طريق إلى مدينتها الفاضلةَ !
أيها الراحلُ سريعاً.. لقد جدّدتَ فينا الحزن برحيلك الفجيع هذا، فما هكذا يكون وداع الأحبّة إلا أنك معذور في تلبية نداء ربّك كعادتك في التلبية السريعة له سبحانه في كل طاعة، وكأنك تريد أن تقول لنا: فيا أيها الباقون بعدي.. لا بقاء، إنّ الدنيا ساعة فاجْعَلوها طاعة..
ما لقاني صاحب دمعة في فقدك وعند قبرك حتى قال: فقد ذكّرنا الأستاذ العرب وبعد عشر سنوات رحيل زميله المجاهد الكبير الحاج يوسف أحمد كمال الذي كان معه من الرعيل الأوّل في تأسيس الحركة الإسلامية المعاصرة في البحرين منذ انطلاقتها في الستّينات قبل قرابة أربعة عقود...
وبالفعل إنّ في تقاربكما العجيب في العمر، ونشاطكما الدؤوب والهادئ، وتشابهكما في الأخلاق والطيب والتسامح وبشاشة الوجه وطريقة الكلام وصفة القناعة والمظلومية، وتأخّركما في الزواج بسبب الكدح لإخوتكما الصغار وأسرتكما الفقيرة وخدمة فقراء المنطقة بجانب الإنشغال بهموم الحركة، وكذلك الشبه القريب في نوع الحادثة التي أودتْ بحياتكما، ومثلك كان (رحمه الله) في عامه الأخير.. بين حجّ بيت الله الحرام وزيارة العتبات والتواصل مع الأهل والأحبّة وقضايا الأمّة.. وأخيراً تشابهكما في عدد الأولاد الستّة الذين تركتماهم يتامى على ذمّة الأقرباء والأوفياء.. مع زيادة يتيم سابع سوف يضع قدميْه على الأرض في غيابك يا أبا غائب.. ولا أدري إنْ زدتَ أيضاً على زميلك الحاج ( محمد جواد – وهذا إسمه المستعار) بأنك كنتَ صائماً في ساعة رحيلك لمّا أفطرك الحادث الأليم.. بل أفطرتْك حور العين! ولا عَجَب لأنّ أمثالك لا يسقطون إلا في أحضانهنّ بين نعيم الجنان ولذّات تدخلونها من غير حساب قد أعدّها الله لمن حاسبوا أنفسهم في الدنيا وتورّعوا عن محارمه تبارك وتعالى...
في كلّ هذا التقارن بينك وبين ابن شقيقتي المرحوم الحاج يوسف لم أجد تفسيراً سوى أنّ لله عباداً يعيشون به وله وإليه دون أن تزعزعهم عن تكليفهم الشرعي "أهواء الجاهلين" و"أجواء الضاغطين" و"أخطاء الذين لا يعلمون" !!!
فالتكليف هذا هو قبلة الصامدين وهو علامة المخلصين ثم ليس مهمّاً بعد ذلك أين يقفون لتأدية الواجب الشرعي ومتى ينتقلون منه إلى واجب آخر ماداموا يبصرون طريقهم بمنطلقات شرعية تدور مدار الثوابت الدينية ولم يبدّلوها تبديلاً.
وأخيراً يا كلّ الراحلين إلى الباري عزّوجل بوجوهٍ مبيضّة: إنكم أنتم السابقون وإنّا بكم لاحقون ولا نقول في عزائنا بعدكم إلا ما قاله رسول ربّ العالمين في وفاة إبنه إبراهيم: " إنّ القلبَ لَيَحْزَن وإنّ العينَ لَتَدْمَع ، وإنّا بِفراقِك(يا...) لَمَحْزونون، ولا نقول ما يسخط الربّ ".
والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه.. فرضاً برضاه.. على ما شاء و ما قدّر وما قضى...
الفقير إلى الله الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني
بيان سماحة العلاّمة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني
في رحيل الأستاذ المجاهد الحاج عبد الأمير العرب (رحمه الله)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
( إنّا لله وإنّا إلَيْهِ راجِعُون )
آية كريمة نعترف بها على أنفسنا بالعبوديّة لله الملك الحق المبين الذي يكون إليه سبحانه مرجعنا دون أيّ خيارٍ آخر ولأيٍّ من البشر...
فالموت حق.. وهو أحلى من العسل عند مَن آمن بتكامل العبد الكادح إلى لقاء ربّه عزّ وجل:
( يا أيّها الإنسانُ إنّك كادِحٌ إلى ربِّك كَدْحاً فَمُلاقِيه)
هكذا يفقه المؤمنون بالله فلسفة الحياة وحقيقة الموت الذي يفرحون به ساعة السفر إلى ما قدّموه لأنفسهم من خير، لأنهم سوف يجدون ما عند الله هو خيراً وأعظم أجراً.
فلا قيمة عندهم لهذه الدنيا الدنيّة بعد أن قرؤوها بكل فصولها وتأمّلوا حقيقتها في حياة الماضين ونظروا إلى ما يدور حولهم من ضياع وظلم وفساد وجهل وعناد وتكابر.. فرفضوا أن يكونوا ممن يخسرون الفرص ولا يربحون الجنّة.
هؤلاء (رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْه...)
وكان منهم فقيدنا السعيد الحاج عبد الأمير العرب الذي عرفناه في مطلع الثمانينات في المهجر باسمه المستعار (أستاذ كاظم).. عرفناه بصفات تميّز الإنسان الهادف عن الإنسان التائه.. عرفناه بفكره الرسالي وقراءاته السياسية ذات الرأي الإجتهادي، وعرفناه بجهاده وصبره وأخلاقه وهدوئه وتواضعه وعباداته وروحه الولائية لأهل بيت النبي الأكرم (ص) ودموعه الحسينية التي كان يتحدّى بها رياح الهزيمة والصعوبات..
فقد كان خدوماً لا يَمَلّ، وحنوناً لا يَفِلّ، وطَموحاً لا يَقِلّ.. ولم تكن علامات الإخلاص تفارقه، ولا شهادات المُعجَبين تغادره، ولا كلمات الحكمة تجانبه...
لا أدري بأي أحرف أخطّ مقدارك يا أبا محمد وأنت في القُلّة.. وكيف أسطّر فيك الكلمات وأنت في الكتمان قدوة.. وماذا أجسّد منك وقد كنتَ في صدقة السرّ واجتناب الرياء والتظاهر أسوة...
وكذلك يكون الذين يزرعون دنياهم لآخرتهم بعهدٍ صادق، فليس شيئاً أتعس في هذه الدنيا من أن يغادرها الإنسان ولم يزرعها بالباقيات الصالحات، فقمتَ يا زارع الخير بزرعها فأحسنتَ العمل لِتَفِدَ إلى ربٍّ كريم يضاعف الأجر لعباده المؤمنين، فهنيئاً لك يوم الحصاد وأنت على رؤوس الأشهاد من الفائزين...
وكيف لا تكن منهم وقد كانت السنة الأخيرة من حياتك مفعمةً بالفعاّليات التي تلخّص المجموعة السابقة من عطائك: فقد ذهبتَ للحج في هذا العام، ولم تفتْك زيارة قبر الرسول الأعظم (ص) وأئمة البقيع (ع) المظلومين، ولا زيارة العتبات المقدّسة في عراقنا الجريح (صانها الله من براكين الفتن)، وذهبتَ إلى زيارة الإمام الرضا (ع) وختمتها بزيارتك لقبر السيّدة زينب بطلة كربلاء (س) تستلهم من قيمنا العقائدية سلوك التواصل مع العاملين في سبيل الله وأنت لم تتأخر حين النصيحة لدين الله..
أخي يا رفيق الدّرب يا عبد الأمير العرب: فقد طلب منّي الأصدقاء أن أكتب عنك شيئاً، وأنا في وقتٍ قد تسلبني نكستي الصحّية راحتي في الفكر ورجوعي إلى الماضي الجميل وترجمانه بالقلم الحاضر، ولكنّي أترك لك الحق إنْ أردتَ أن تعاتبني يوم ألقاك أيها الصديق العزيز وإنْ كان علمي بشخصيّتك المنفتحة والمَرِنة والمتطلّعة إلى الحرّية يُشعِرني بأنّ سطوري هذه تُرضيك وأنّ روحَك العالية سوف تبارك لها وقد عهدتَني صريحاً حسب الموازين...
أستذكر لشبابنا وللتاريخ هنا بعض مواقفي معك أيها الفقيد الغالي: أبدأها من أحداث الثمانينات (1981م) حيث كان لي أوّل لقاء بك في طهران، لمّا خرجتَ مقنَّعاً بالمنشفة على رأسك لتدخل غرفة أخرى من البيت الحركي في شارع (شقايق) وكان ذلك لضرورات أمنيّة لكي لا يعرفك ولا تعرف مَن ليس في المهامّ المخصَّصة هناك.. وكان هذا في العُرف الحركي يعني أهمّية موقعك القيادي بلا شك، ثم جمعتْني وإياك جلسات البحث في تاريخ البحرين لمّا كنتُ عاكفاً على تأليف كتابي (تاريخ البحرين الإسلامي) والذي لم يُكتَب له نور الطباعة والنشر! ولكنه أولد كتاب (علماء البحرين، دروس وعبر) والذي أغنيتَني فيه بغزير معلوماتك سيّما ما كان منه يرتبط بجدّك الشهيد العلامة الشيخ عبد الله العرب ( قدّس سرّه). وكم تبادلنا التحليلات السياسية في لقاءات المناسبات على طول خطّ الهجرة والجهاد وحتى بعد انتقالك إلى سوريا لمّا كنتُ أعود من الدنمارك في طريقي إلى إيران أو العكس، ولم نختلف في الموقف من إنتفاضة (1994م) يوم جئتَ إلى إيران وأنت تحمل في حقيبتك الدفاع عن مطاليب شعبنا العزيز.. وأخيراً مع بدء الألفية الثالثة (2001م) استقرّ بنا المقام على أرض الوطن رغم كل الملاحظات على الوضع الجديد، وهي التي جعلتْ نقاشاتنا تختلف تبعاً لاختلاف الظروف السياسية التي دخلتْها البحرين، ولقد كان يُعجِبُني فيك الإصرار على آرائك ومواقفك واحترامك للآخر في نفس الوقت وعدم محاكمتك لنواياه وهذا هو الكاشف عن تقواك حينما يغيّبها أكثرُ السياسييّن في حدّياتهم الفارغة. فلم تتغيّر منذ رجوعك إلى الوطن المبتلى إلا في شيْبك ومحياك فزادك الله به وقاراً فوق وقارك، وقد غزوتَ الخمسينات من عمرك بنضجك دون أن تكون كمَن يندم على فترة شبابه، وذلك لأنك قضيتَ شبابك في الهدفيّة الرسالية التي تعني الثبات مع الثوابت والمرونة وفق المتغيّرات ولكن تحت سقف المرجعية حيث ترشد للمكلّف وظيفته الشرعية التي تتعدّد بتعدّد الأفراد والمواقع والمحيطات والمؤثرات الموضوعية.. وهذا ما تجب معرفته لكل منتهِجٍ سبيلَ الدّين الصحيح وكل ناشدٍ لقيم التقوى والأخلاق والمحبّة والحرّية والعدالة، وإلا فليس للشعارات طريق إلى مدينتها الفاضلةَ !
أيها الراحلُ سريعاً.. لقد جدّدتَ فينا الحزن برحيلك الفجيع هذا، فما هكذا يكون وداع الأحبّة إلا أنك معذور في تلبية نداء ربّك كعادتك في التلبية السريعة له سبحانه في كل طاعة، وكأنك تريد أن تقول لنا: فيا أيها الباقون بعدي.. لا بقاء، إنّ الدنيا ساعة فاجْعَلوها طاعة..
ما لقاني صاحب دمعة في فقدك وعند قبرك حتى قال: فقد ذكّرنا الأستاذ العرب وبعد عشر سنوات رحيل زميله المجاهد الكبير الحاج يوسف أحمد كمال الذي كان معه من الرعيل الأوّل في تأسيس الحركة الإسلامية المعاصرة في البحرين منذ انطلاقتها في الستّينات قبل قرابة أربعة عقود...
وبالفعل إنّ في تقاربكما العجيب في العمر، ونشاطكما الدؤوب والهادئ، وتشابهكما في الأخلاق والطيب والتسامح وبشاشة الوجه وطريقة الكلام وصفة القناعة والمظلومية، وتأخّركما في الزواج بسبب الكدح لإخوتكما الصغار وأسرتكما الفقيرة وخدمة فقراء المنطقة بجانب الإنشغال بهموم الحركة، وكذلك الشبه القريب في نوع الحادثة التي أودتْ بحياتكما، ومثلك كان (رحمه الله) في عامه الأخير.. بين حجّ بيت الله الحرام وزيارة العتبات والتواصل مع الأهل والأحبّة وقضايا الأمّة.. وأخيراً تشابهكما في عدد الأولاد الستّة الذين تركتماهم يتامى على ذمّة الأقرباء والأوفياء.. مع زيادة يتيم سابع سوف يضع قدميْه على الأرض في غيابك يا أبا غائب.. ولا أدري إنْ زدتَ أيضاً على زميلك الحاج ( محمد جواد – وهذا إسمه المستعار) بأنك كنتَ صائماً في ساعة رحيلك لمّا أفطرك الحادث الأليم.. بل أفطرتْك حور العين! ولا عَجَب لأنّ أمثالك لا يسقطون إلا في أحضانهنّ بين نعيم الجنان ولذّات تدخلونها من غير حساب قد أعدّها الله لمن حاسبوا أنفسهم في الدنيا وتورّعوا عن محارمه تبارك وتعالى...
في كلّ هذا التقارن بينك وبين ابن شقيقتي المرحوم الحاج يوسف لم أجد تفسيراً سوى أنّ لله عباداً يعيشون به وله وإليه دون أن تزعزعهم عن تكليفهم الشرعي "أهواء الجاهلين" و"أجواء الضاغطين" و"أخطاء الذين لا يعلمون" !!!
فالتكليف هذا هو قبلة الصامدين وهو علامة المخلصين ثم ليس مهمّاً بعد ذلك أين يقفون لتأدية الواجب الشرعي ومتى ينتقلون منه إلى واجب آخر ماداموا يبصرون طريقهم بمنطلقات شرعية تدور مدار الثوابت الدينية ولم يبدّلوها تبديلاً.
وأخيراً يا كلّ الراحلين إلى الباري عزّوجل بوجوهٍ مبيضّة: إنكم أنتم السابقون وإنّا بكم لاحقون ولا نقول في عزائنا بعدكم إلا ما قاله رسول ربّ العالمين في وفاة إبنه إبراهيم: " إنّ القلبَ لَيَحْزَن وإنّ العينَ لَتَدْمَع ، وإنّا بِفراقِك(يا...) لَمَحْزونون، ولا نقول ما يسخط الربّ ".
والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه.. فرضاً برضاه.. على ما شاء و ما قدّر وما قضى...
الفقير إلى الله الغني:
عبدالعظيم المهتدي البحراني