الباحث الطائي
27-06-2014, 02:35 PM
بسمه تعالى
نصل معكم هنا الى عرض الحلقة رقم 16 الاخيرة من الحلقات الخاصة بموضوع على حافة الظهور للكاتب الممهدون
طبعا مقدما لم يعرض الكاتب هذه الحلقة في المنتدى الذي نشر فيه الحلقات السابقة ولعله فعل نفس الشيئ في المنتديات الاخرى حيث ليس عندي اطلاع على هذا .
ولكن الشك الذي توصلت اليه بعد النقاش معه جعلني ابحث عن طرحه باشكال مختلفة حتى وقعت على موقعه الذي ينشر فيه هذه الحلقات بخاتمتها الحلقة 16 ادناه والتي هي خلاصة وثمرة طرحه وفيها يعرض شخصية احمد اليماني المعروف بادعائه انه اليماني الموعود والممهد للامام الحجة ع وما الى غيره من ادعائات متعلقه به .
وبذالك انكشف على حقيقته وتبين كيف انه وضّف بعض الحقائق التي عرضها في خدمة وتاويل غرضه المنحرف مع ادعائات وتحريفات تم الوقوف عليها في الحلقات السابقة كما بينا وبينها بعض الاخوة مشكورين من الذين اعترضوا عليه .
ويمكن متابعة موقعه المشبوه بمجرد كتابة عنوان :على حافة الظهور. على محرك البحث الخاص ب google وسوف يظهر لكم من ضمن اول النتائج المعروضة .
اترككم مع الحلقة 16 ادناه ليتبين لكم ما نقول ونعلق في خاتمتها بما هو مهم ان شاء الله :
على حافة الظهور – الحلقة 16
هل بعث المهدي أحمد الحسن رسولا ممهدا؟
ما هي رسالة رسول المهدي؟!
علينا البحث عن دلائل الصدق من خلال الاطلاع على رسالة الرسول، فالحديث ينص بالقول: (اعرفوا الرسول بالرسالة)، وهذه الطريقة ذاتها التي اعتمدها النجاشي، عندما تعرف من جعفر - قائد وفد المهاجرين الى الحبشة- على معالم رسالة الرسول، واطلع على بعض نصوص الكتاب المنزل فيما قاله بحق مريم الصديقة، فاستطاع النجاشي من خلال تقفي آثار الصدق، في هذا البيان الذي يصف رسالة الإسلام، مع ما يمتلك من خبرة برسالات الرسل من قبل، وما صدر عنهم من نبوءات ذات صلة، استطاع ان يستنتج بان محمد صادق في ادعائه النبوة، لماذا؟ لان الافكار التي ياتي بها عليها آثار النبوة، وتتصف بالتميز والصدق، وتتطابق دعاويه مع ما جاءت به الرسالات السابقة، او كما قال القرآن: (مصدق لما بين يديه من التوراة والانجيل).
الإسلام:
المهمة غير المكتملة
لقد أنزل الله – عز وجل- القرآن يدعو إلى الإسلام دينا، كما يقرر ذلك قوله في القرآن: (ان الدين عند الله الإسلام)، (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وإذا ما سألنا، ما بال رسل القرون الأولى؟ فإن القرآن يوضح ان الرسل من قبل دعوا إلى الإسلام، واتباعهم كانوا مسلمين، فينقل عن إبراهيم ابو الانبياء القول: (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)128/2، وينقل القرآن عن اهل الكتاب، الذين عاصروا الرسول ونظروا في أمر الإسلام، ينقل القرآن شهادتهم بان الاسلام قديم: (الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمينَ)2-3/53.
وقد بعث الرسول الخاتم محمد (ص)، كي يظهر الإسلام كنظام عالمي يعم الأرض، نص على ذلك القرآن في ثلاث مواضع:
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)33/9.
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهيداً)28/48.
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)9/61.
لقد اهدرت مكة من عمر الرسول، ثلاثة عشرة سنة قضاها، وهو يدعو قومه سلما، فلم تؤمن جزيرة العرب إلا لما حالفه أهل يثرب، وشكلوا قوة عسكرية، استطاع ان يناجز بها العرب، ويرغمها على الدخول في الإسلام. وفي عشر السنوات التي قضاها في يثرب توالت فيها الغزوات والحروب، ثم شرع في إعطاء رسالة الإسلام الصفة العالمية، التي تحقق وعد الله، عز اسمه، بان يظهر الإسلام كنظام عالمي، فكان أول خطوة جرت في هذا السياق، أن بعث رسله الى ملوك الآفاق:
(فأرسل النبي محمد (ص) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بكتاب ملك الحبشة، فأسلم. ودحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم، فقارب وكاد ولم يسلم، وقال بعضهم: بل أسلم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس، فتكبر ومزق كتابه (ص)، فمزقه الله وممالكه كل ممزق بدعوة رسول الله (ص) بذلك، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية ومصر، فقارب ولم يذكر له إسلام، وبعث الهدايا والتحف إليه(ص)، وعمرو بن العاص إلى ملكي عمان فأسلما، وخليا بين عمرو والصدقة والحكم بين الناس، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من الشام، والمهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث الحميري، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين فأسلم، وأرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل كليهما إلى أهل اليمن فأسلم عامة ملوكهم وسوقتهم).
لم يمتد العمر بالرسول(ص)، وتوفى في مؤامرة غادرة، نفذتها قوى النفاق، التي اصطلح عليها القرآن، بـ (حزب الشيطان)، وتزامن ذلك مع حدوث انقلاب السقيفة، الذي اطاح بالإمام علي باعتباره وصيا وخليفة للمصطفى. ولما نجح الانقلاب تابع الانقلابيون الفتوحات، تصديرا للأزمة الداخلية الى الخارج، فلم تكن الفتوحات لنشر الإسلام الا ظاهرا، ولكن ليس ذلك نية القائمين على السلطة، وانما لتجنب التنازع على السلطة، صُرفت الطاقات القتالية المتاحة في الفتوحات.
وهكذا تأجل وعد الله –عز اسمه- بأن يظهر الدين كنظام عالمي، بتنحية الإمام علي عن مقام السلطة، وعاد الإمام علي للسلطة من خلال ثورته، التي عُرفت بحروب التأويل، ولكن لم يستطع اهل العراق ان يتماسكوا تحت ضغط الحروب المتوالية فخاروا، ودبت الفوضى في صفوف جبهة العراق بظهور الخوارج، الذين نجحوا في اشغال الإمام علي في حرب استنزاف، قبل ان يغتالوه.
و خسر مشروع الإسلام الإمام علي(ع) بعزله تارة في انقلاب السقيفة ، وبمنازعة فلول نظام عثمان تارة اخرى، ولولا ذلك لعم الإسلام العالم كله، ولتحول كل سكان الارض إلى مسلمين!.
هكذا، تأجل وعد الله، عز اسمه، بإظهار الدين على الدين كله، تأجل الى أن يقوم المهدي، الذي بشر الرسول الأمة، بأنه سوف يأتي في اخر الزمان، لينشر الإسلام ليكون نظام الكوكب ودين أهل الأرض. ففي الخبر عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، وَلَا صَاحِبُ مِلَّةِ، إِلَّا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَأْمَنَ الشَّاةُ وَالذِّئْبُ وَالْبَقَرَةُ وَالْأَسَدُ وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَّةُ وَحَتَّى لَا تَقْرِضَ فَأْرَةٌ جِرَاباً وَحَتَّى تُوضَعَ الْجِزْيَةُ وَيُكْسَرَ الصَّلِيبُ، وَيُقْتَلَ الْخِنْزِيرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ(ع).
ولكي يكون اهل الارض كلهم مسملين، ينبغي ملاحظة ان الله خيّر اهل الكتاب الذين عاصروا النبي محمد(ص)، بين ثلاث: (الإسلام او الجزية او القتل)، فمن اختار الجزية بقي على دينه، ولكن في اخر الزمان، يبعث الله عيسى ابن مريم، ليكون حجة على اهل الكتاب يدعوهم الى الإسلام، والا القتل، فلا مجال للجزية، ولذلك يكون الإسلام هو دين اهل الأرض، والنظام العالمي للكوكب.
بدأ عصر غياب الإمام المهدي(ع) بالتمهيد له بنصب النواب الخاصين، الذين عرفوا بالسفراء الاربعة- (عثمان العمري ثم ابنه محمد العمري (304هـ)، ثم الحسين بن روح النوبختي(326هـ)، ثم على بن محمد السمري(329هـ)- كانت الغاية من تلك النيابة ان تمتد سبعين سنة، اي بعمر انسان عادي، هذه الفترة الزمنية كفيلة بان تثبت فكرة وجود الإمام في المعتقد الشيعي، فحضور الإمام بالواسطة، هو الذي اسهم في تأكيد وجوده، ولولا ذلك لعفى الزمن على اثر هذه الفكرة.
ثم بعد انقضاء الغيبة الصغرى، التي استمرت سبعين سنة، بدأت الغيبة الكبرى، ومع اقتراب ساعة الصفر لثورة الإمام المهدي، فان نظام النيابة الخاصة ينبغي ان يعود تفعيله، في صورة تنظيم يمهد أرضية الأمة للثورة، لذلك بعث الإمام المهدي رسوله أحمد اليماني إلى الشيعة ليدير بواسطته الأمة، ويضطلع ببناء الكوادر الذين ينهضون باعباء الثورة. لنمتحن هذه الرسالة من خلال التحاكم الى معيار (اعرفوا الرسول بالرسالة)، بالنظر في دلائل رسالة أحمد اليماني!.
اليماني(1)
اصلاح الحوزة
استقراء الاخبار المتعلقة بالمهدي، توضح ان المهدي يقوم بحركة فتوح طابعها عسكري، هذا ما يطرح اشكالا، بل أحجية، فحواها؛ اذا كانت حركة الإمام المهدي قبل ان تكون عسكرية هي عقائدية تتبنى الإسلام، في صيغته النقية التي سادت في صدر الإسلام، فكيف يقوم المهدي بفتوحه العسكرية، قبل أن يوجد من يبني البنية العقيدية لجيشيه، هذا ما يولد الأحجية والثغرة المنطقية!.
ويمكن توضيح هذه الفكرة بالوقوف مع حديث النبي (ص): (كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج! فيظهر الإسلام ويجدد الدين، ثم قال (ص) طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم والويل لمبغضيهم). واضح ان ما قبل الظهور ينقرض الإسلام، ويتداول في صورة طقوس وشعائر وعناوين فارغة من المضمون، والقرآن كتاب الإسلام يتداول في صورة قراءات فارغة من المعنى، مما يكشف ان انطلاق الإمام المهدي في عملية عسكرية، قبل ان يُحيي الإسلام، امر غير منطقي، وعلينا ان نفهم كلمة (فحينئذ يأذن الله له بالخروج! فيظهر الإسلام ويجدد الدين)، علينا ان نفهم ان هذا الخروج سيكون خروج الممهد، الذي يظهر الاسلام ويجدد الدين، اي ان الإمام المهدي سوف يرسل رسوله الذي ينفذ تصورا اصلاحيا، قبل ان يتوج ذلك بعمل عسكري.
فنلاحظ؛ أن الثغرة المنطقية مسكوت عنها، ولكن الذي يسدها هو التفكير في المسألة عبر منطق السنن، الذي يفيدنا، بان (الأمر يعود كما بدأ)، حيث كما ان نظام النيابة الخاصة- قبل الظهور- أحيا فكرة الإمام الغائب وكرسها عقيدة راسخة في نفوس الشيعة، كذلك يعود نظام النيابة ليحيي ميت الكتاب والسنة في صيغتها النقية، فيجدد الإسلام ويعيده كما كان عليه في صدر الإسلام، كل ذلك قبل التحرك العسكري، والمفاجأة ان تلك العملية تعتبر من الظهور، اي ان عصر الظهور يبدأ مع ظهور الرسول الخاص.
ان نظام النيابة يبدأ بارسال الإمام المهدي لرسول يمثله، يقوم بمهمة الاصلاح، ولما أوضحنا ان الإمام المهدي(ع) يقوم بعملية اصلاح، كما قرر ذلك الرسول(ص) بالقول: "إذا مات علي فسد الدين، ولايصلحه إلا المهدي بعده". فإن عملية الإصلاح تستهدف الأمة كافة، ولما كانت سنة إصلاح الأمة تمر عبر الأمراء والفقهاء، كما قرر ذلك الرسول (ص): "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله! ومن هما قال: الفقهاء والأمراء".
فان إصلاح الأمة يبدأ باصلاح الفقهاء والأمراء، وذلك يمكن ان يكون تارة باصلاح الفقهاء بوضعهم في مواجهة مع الأمراء، وتارة يمكن مقاربة المسألة من زاوية اخرى، بملاحظة ان الواقع الشيعي يستقل بنفسه ويخضع للفقهاء فهم الأمراء الفعليين له، فذلك يعني أن بالامكان إصلاح الواقع الشيعي، بإصلاح طبقة الفقهاء، الذين يلعبون الدور المزدوج، فهم من جهة فقهاء، ومن جهة أخرى أمراء.
كثير ما وصف الكيان الشيعي بأنه مستقل، وانه يشكل ظاهرة دولة داخل الدولة، فالشيعة بأجسادهم رعية للأمراء من جهة، وبقلوبهم رعية للفقهاء من جهة أخرى، وفتاوى الفقهاء تشبه مراسيم الأمراء، ويجبي الفقهاء من الرعية الاموال، كما يجبيها الأمراء، وفي هذه المعادلة، فان الفقيه إمام القلوب، التي تذعن له الجماعة طوعا، وهو أعظم من الأمير إمام الأجساد، الذي تذعن له الجماعة قهرا، مما يجعل اصلاح الفقهاء هو اصلاح مزدوج، يمكن التعويل عليه في اصلاح الأمة.
لذلك فان الإمام المهدي بعث أحمد اليماني الى الفقهاء، يدعوهم الى تقبله باعتباره نائبا خاصا عن الإمام المهدي عليهم التسليم له، واعطى مؤشرا، لطبيعة الإسلام الذي يتبناه، عندما أعلن انه يعتمد التأويل منهجا للاستنباط، حيث التأويل هو علم الكتاب، وأعلن ان العرفان المستند الى الذكر هو منهج التزكية، الذي يرتقي بالمؤمنين الى المعرفة واليقين، ولكن مازال فقهاء اخر الزمان يتجاذبون معه في صدق دعواه النيابة، فهل احلولت الدنيا في اعينهم، واستمرؤوا مقام السلطة والوجاهة؟!. سؤال مشروع، مطروح برسم الإجابة من جمهور القراء!
وحديث اليماني المكثف والملفت عن الحكام الطغاة والعلماء الفاسدين، حديث مجلل باثار المهدي، الذي ينبغي وفق منطق السنن ان لا يتجاوز مشروعه الاصلاحي، التوجيه النبوي، الذي يؤكد ان الأمة تصلح من خلال هاتين الطبقتين، الحكام والعلماء، فاليماني في الوقت الذي يعمل على اصلاح الفقهاء، فيتبعونه مع الجماهير ليشكل القوة العسكرية التي يصلح بها الأمراء.
اليماني(2)
توحيد المنتظرين
لما كان المنتظرون للمخلص العالمي لا يقتصرون على الشيعة، بل كل الفرق الإسلامية تنتظر المهدي، كما ان أهل الكتاب يهود ونصارى ينتظرون المخلص، فاليهود ينتظرون ايليا، اخر أنبياءهم، الذين اعتقدوا انه المخلص، والمسيحيون ينتظرون عيسى المسيح، لذلك فان الإمام المهدي كحركة عالمية مطالبة بان تدعو كل هؤلاء المنتظرين، لان يلتحقوا بالحركة الممهدة للظهور.
لذلك دعا الإمام المهدي رسوله احمد اليماني- كما يوصف ذلك اليماني نفسه- ان يدعو اهل الكتاب، ويعلن أعلميته بالكتب الثلاث، التوراة والانجيل والقرآن، وان يوجه خطابه لأصحاب الديانات الثلاث، ويفتح حوارا يدعوهم إلى الإسلام، والى الانضمام إلى حركة الخلاص، واتباع المنقذ العالمي، فوجه خطابه للمسلمين الشيعة فقال: انا رسول مهديكم الغائب! ووجه خطابه لأهل السنة، فقال: أنا مهديكم الذي اعتقدتم انه يولد، في اخر الزمان! ووجه خطابه للمسيحين فقال: أنا رسول عيسى! ووجه خطابه لليهود فقال: أنا رسول نبيكم ايليا! واستشهد بنصوص من التوراة والإنجيل والقرآن والحديث على أنه هو المنصوص عليه في تلك الكتاب السماوية.
ثم ترتب على ذلك، ان كشف اليماني في كتاباته او حواره مع اتباع الاديان اسرار بعض النصوص التي في التوراة والانجيل والقرآن الناصة عليه، والدالة على صدق دعوه، وانه بشارة عيسى، ونبوءة موسى، ووصية محمد (ص)! لم يتحقق ذلك من خلال النصوص فحسب، بل تظاهر الى جنب ذلك آيات للناظرين.
إن هذا الفكرة فَتْوَى هَاشِمِيَّة عليها آثار النبوة وهدى آل محمد(ص)، لا يمكن ان تخطر على قلب شيطان، ولا ينبس بها لسان دجال، ولا يتصورها خيال مريض، ولا يقوى عليها مبطل، بل علامات الصدق تسري في كلماتها، وروابط الوثوق تشد متونها، وأنوار الهدى تتفجر من جوانبها.
ومن علامات الهداة من اهل البيت النبوي ان تجري فيهم دعوة ابراهيم: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيْهِمْ)37/14، لذلك نجد ان طوائف من كل الديانات الثلاث اقبلت على تصديق احمد اليماني والتحقت بدعوته مؤمنة، وهذا يدل على التسديد والتأييد الإلهي، الذي تحدث عنه الإمام علي في حواره مع الاشتر: (وإِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُوَلِّيَنَا هَذَا الْأَمْرَ يُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ ويُسَهِّلْ لَنَا حَزْنَهُ)[i].
ان دلائل الصدق يمكن لمحها في تصعيد الدعوة الى الطور العالمي، لتشمل سكان الارض جميعا، حيث يكشف هذا التصعيد ان حركة الإمام المهدي تشمل العالم، ولما كان المنتظرون موجودين في كل الديانات والملل والمذاهب، فان المهدي ينبغي ان يراعي كل أولئك المنتظرين، لذلك نجد اثار ذلك موجودة عند الرسول الممهد، احمد اليماني، عندما اعلن نفسه رسولا ممهدا مبعوث من كل رسل هذه الديانات الثلاث، ويثبت ذلك بالقدرة على كشف حقه بالنصوص الصادقة المتبقية من تلك الكتب السماوية المحرفة، ثم يدعم ذلك، برؤى صادقة يراها اتباع تلك الديانات يهود ونصارى ومسلمين ياتي فيها الرسل والاوصياء تشهد له، وتدعو للاعتقاد به، فذلك أمر غير مسبوق، ولا يمكن ان نجد له نظيرا الا في تاريخ الرسالات، مما يجعل اليماني يجري في سياق سنن أولئك المرسلين، ولا يوجد دليل صدق انصع من جريانه في مجرى تلك السنن.
يضاف الى ذلك، ان دعوة احمد اليماني تكشف عن صفتها الثورية العالمية بامتياز، عندما تنجح في حل اعوص مشاكل البشرية المتنازعة الأديان والممزقة بين المذاهب المتفرعة عنها، عندما يقفز بكل اولئك الاتباع -المختلفي المشارب والعقائد والمذاهب- ليتجاوز بهم ذلك الارث الثقيل، المدعم بمكر النصوص الدينية المحرفة او المفرغة- فيوحدهم جميعا في دين واحد، هو الدين الاسلامي، ومذهب واحد هو مذهب الصراط المستقيم، الذي دعا اليه القرآن، والكتب من قبل، ونهت عما سواه: (وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)153/6، وبذلك يوجد نموذجا لكيف يبدو عليه المشهد عندما تتسارع وتيرة الالتحاق بالمخلص في عملية ابطال لكل الاديان والمذهب والابقاء على دين واحد ومذهب واحد. ان هذا التوفيق الكبير، لا يمكن ان يكون الا بمدد إلهي ...
اليماني(3)
يفتتح عصر المهديين
من الأفكار المدهشة في دعوة اليماني، كشفه عن سر المهديين الاثنا عشر القادمين بعد الإمام المهدي، لقد أوضح أن عصر الأئمة الاثنا عشر يوشك ان ينقضي، وعصر المهديين يوشك ان يفتتح، باعتبار الإمام المهدي هو من جهة خاتمة لعصر الأئمة، ومن جهة أخرى، مفتتح لعصر المهديين، حيث أول المهديين من المفترض ان يكون وريث لمقام الإمام المهدي باعتباره ابنا وصيا ووزيرا ، فاذا ما بعثه الإمام المهدي الأب وزيرا ممهدا، بذلك هو يعمل تحت اشراف الإمام المهدي مباشرة، ذلك ما يدل على بدء عصر المهديين!.
ثم يترتب على هذا الكشف كشفا اخر، أدق، إذ في ظل تصريف وجوه الاحاديث النبوية والآيات القرآنية تأويلا: (القرآن حمال ذو وجوه)، يتضح ان الأحاديث والروايات التي تتحدث عن المهدي، تعبر عن الإمام الثاني عشر باسم (المهدي)، فإذا كان بعد المهدي اثنا عشر مهديا، وأول هؤلاء المهديين سوف يكون وزيرا ووصيا، يترتب على ذلك ان كلمة المهدي، تحمل وجهين؛ فالوجه الأول (المهدي) بمعنى الإمام المهدي الأب، والوجه الثاني (المهدي) بمعنى الوصي والابن.
مما يعني؛ ان كل ما يتعلق بالمهدي من نصوص، تتحدث في وجه من وجوه النص عن وزيره أول المهديين، القادمين من بعده؛ أي ان تلك النصوص مشتركة قابلة، لأن تعمل بالوجهين، فهي تفيد المهدي الأب تارة، وتفيد المهدي الابن تارة أخرى، وهذا ما يوجد ثورة في فهم ذلك التراث المتعلق بالمهدي، يتطلب معه إعادة قراءة تعيد رسم خارطة الوعي من جديد لدى المنتظرين.
والسر الثالث، الأكثر إثارة، والذي يمثل المفاجأة الأكثر سخونه، أن فكرة النص على المهدي الأول، قد وردت في وصية الرسول، في ليلة الوفاة، مما يعني ان القادم باعتباره رسول المهدي، يحمل مشروعيته بنص مباشر من الرسول، يدل عليه، وان ذلك التنصيص ورد في سياق نص النبي على جميع الإئمة السابقين له، وهذا ما يجعل حجم مصداقية المهدي الذي يمثل اول المهديين يناهز حجم مصداقية كل الأئمة، إذ الجميع يشتركون في الوصية، وان نكرانه كأنه نكران لتلك الوصية جملة وتفصيلا، مما يخرج المنكر من دائرة التشيع!.
ثم يتوج ذلك، بان يضيف هذا المعطى الى الصلاة على النبي كتفصيل، لتكون صيغتها : (اللهم صل على محمد وآل محمد، الأئمة والمهديين)، ايضا يضيف ذلك الى الأذان لتكون بعد الشهادة الثالثة لعلي شهادة رابعة نصها: (اشهد ان المهدي والمهديين حجج الله)، وهذا يذكرنا بتاريخ الشهادة الثالثة، حيث لما جرت واقعة بيعة الغدير، نادى ابو ذر بالأذان مضيفا الشهادة الثالثة لعلي: اشهد ان عليا ولي الله، فجاء للرسول من يشكو اضافة ابي ذر، ففي الخبر عن (كتاب: السلافة في أمر الخلافة) لعبد الله المراغي، (إنّ رجلاً دخل على رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه، إنّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أنّ عليّاً ولي اللّه، فقال: «كذلك، أوَ نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه)، أي ان الرسول يقر ما عمله أبو ذر ويستنكر على الشاكي عدم فهمه ما يجري من وقائع، تقتضي تثبيت عصر الولاية للأوصياء بدء من الإمام علي ثم اولاده ، وهذه الاجراءات الصياغة الجريئة لليماني، دليل على وثوقية عالية، تعبر عن شجاعة فكرية هاشمية، لا يمكن ان تصدر إلا عن توجيه مباشر من الإمام المهدي صاحب الدعوة.
وعند تقييم هذه الاجراءات الصياغية التي تناولت الصلاة والأذان، فهي تستعيد سنن التاريخ، التي جعلت آل محمد جزءا من الصلاة على النبي، والشهادة لعلي بالولاية جزءا من الأذان، فكما ان اضافة الصلاة على آل محمد سنة، والشهادة الثالثة في الأذان سنة، فان اضافة المهديين الى الصلاة سنة واضافة الشهادة الرابعة للمهديين سنة، فهم الذين تتتابع بهم الإمامة في آل محمد الى قيام القيامة، وليس ذلك بغريب، وانما ذلك فحوى الصلاة الابراهيمية على محمد وال محمد وعلى ابراهيم وال ابراهيم، وفحوى دعوة ابراهيم الخليل: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتي)، فكانت الإمامة في ذريته الى يوم القيامة، وآل محمد هم آل ابراهيم.
ولا يتوقع من شيعي نقي السريرة وحصيف الفكر ان ينكر هذه الاضافة، لان لا احد ينبغي ان ينكر استمرار الامامة في البقية الباقية من آل محمد، وهم ذرية المهدي، وانهم تفصيل في الصلاة، والشهادة لهم بالولاية في الأذان، يأتي متابعة للقول: اشهد ان عليا واولاده المعصومين حجج الله، فليس الشهادة الرابعة الا تقريرا لهذا المعنى، ولكن بصورة اوضح، يفتتح عصر المهديين، ليكون تضمنهم في الأذان، نداء الإيمان، يأتي في وقته تماما! فهو اشهار لها، يضاهي الاعلان التي ترافق مع تنصيب الإمام علي(ع) في غدير خم حيث اعقب ذلك تضمين ولايته في الأذان اعلانا واشهارا لها، لتكون شهادة حق يرددها كل مؤمن ومؤمنه.
وكل ذلك من اليماني مدهش!
وهكذا يتضح، ان منطق هذا التصور -الذي تنطوي عليه بنية رسالة اليماني- يتصف بالدقيق والمتين، مما يثير الاعجاب ويغذي حسد الحساد، ومتانته تنفي أن يكون مختلفا أو مختلقا، بل يثبت امتلاكه الموضوعية والوثوقية والمصداقية العالية، التي يصعب معها الطعن بأحمد اليماني دون الطعن بالرسول والإمام علي(ع)، ما يجعل التنكر له يضاهي نكران اليهود للرسول، الذي نصت عليه كتبهم، ونكران المنافقين للإمام علي، الذي نص عليه الرسول في الاحاديث الكثيرة، الصادرة عنه في مقامات لا تعد، ولن يكون هذا الوضع الا تحقيقا للنبواءات الدالة على الفقهاء منكري المهدي في آخر الزمان.
ويمكر بعض المناهضين له- وما يمكرون الا بانفسهم للانصاف- عندما يلتفون على نص الوصية من خلال الطعن في سنده، وكأن السند له قيمة أو اعتبار يذكر في منهج البيت النبوي، الذي اسقط قيمة السند كمعيار في الحكم على الحديث واعتمد معيار العرض على القرآن، كما كان الأمر على عهد الرسول، واذا كان اليماني يجدد منهج صدر الإسلام، فانه يسقط نقدهم القائم على السند، يعزز ذلك بالاحاديث الصريحة، كقول الصادق(ع) مخاطبا اكبر فقهاء الشيعة محمد بن مسلم: (يا محمد! ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، و ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به). ليتضح بما لا يقبل الجدل، ان ليس هناك ما يضير الحديث أن يأتي به راوية بر او فاجر، باعتبار المعيار هو موافقته او تنافيه مع القرآن.
واذا ما عرضنا على القرآن حديث المهديين الاثنا عشر، القادمين فيما بعد الأئمة الاثنا عشر، يثبت عند العرض، وهو ما نؤجل بيانه ومناقشته، فنحن في صدد استعراض فكرة الرسالة، نتلمس دلائل الصدق فيها، ونفحص مدى متانة او ضعف منطقها الذي ترتكز عليه عند التحليل.
اليماني(4)
مشروع بناء الجيش
يعلن اليماني باعتباره رسول المهدي، أن غايته هو بناء النخبة الحاكمة في دولة العدل الإلهي، المؤلفة من ثلاثمائة وثلاثة عشر، منهم اثنا عشر يمثلون نخبة النخبة، ويشكل المجموع القادة والقضاة والحكام على الناس، ومن تحت هؤلاء هناك الفرقة الخاصة التي قوامها عشرة آلاف مقاتل.
ان هذا العدد سيكون قوام/ أو نواة الجيش الذي يعد من اجل ان يقوده الإمام المهدي، والذي يثقف عقائديا، بفكرة الإسلام في صورتها النقية التي ظهرت في صدر الإسلام، ويبنى ولاءها ليكون لله والإسلام والإمام، فالهدف هو إعادة غربلة المنتظرين في العالم كله، من اجل ان يستخلص منهم الصفوة، التي تتصف بالصفاء والطهر في انقى صوره، ليوكل اليهم مهمة تطهير الارض.
وهذا الدعوة عند الرجوع بها الى نصوص التراث نجدها تتطابق معها، لقد اوضحت نصوص التاريخ؛ ان عدة القادة في جيش المهدي هم عدة اهل بدر، 313، وان هذه العدة تمنى الإمام علي، في ظل قحط الرجال الاشداء من حوله- نتيجة فقدهم مع توالي الحروب- تمنى لو يكون له عدة بدر، ليتوجه بهم من فوره لمحاربة طاغية الشام معاوية بن ابي سفيان. ياتي مبعوث المهدي والوصي احمد اليماني، ليعلن انه مكلف ببناء هذه الثلة التي ينهض بها الإمام المهدي.
بذلك يكشف احمد اليماني سر من أسرار التراث المهدوي المحفوف بالغموض، عندما يبين ان 313 رجل، الذين يحضرون حول الإمام المهدي ويكونون اول المبايعين، والذين تحدثت النصوص عن افتقادهم من فرشهم او اتيانهم في السحاب، ليس تلك التعبيرات الا ترميزا، وان الواقع بعيد عن الخوارق، وينسجم مع منطق الاحداث، حيث عملية بناء واعداد وصناعة أولئك الرجال تتطلب الجهاد على مستوى الذات والمجتمع والعدو، وفي رحم الألم والمعاناة، سوف ينمو هؤلاء الرجال الافذاذ ويتعمق ولاءهم، ويتأصل إيمانهم بالقضية الكونية للمخلص.
اليماني(5)
دلالة الزمان والمكان
ان النظر في الظرف الزمني والمكاني، الذي يخرج به اليماني بدعوته، يكشف عن آيات بينات على صدق الدعوة، لقد خرج من العراق، حيث الظرف المكاني المناسب، فالعراق هو الحاضنة الطبيعية لكل ثورات البيت النبوي، منذ اتخذها الإمام علي(ع) عاصمة لخلافته، بعد ان أعلنت نصرتها لعدالة قضيته، فكما هاجر الرسول الى يثرب التي ناصرته واتخذها عاصمة لدولته، هاجر الإمام علي الى العراق التي ناصرته واتخذ من الكوفة عاصمة لدولته، فان اليماني يحضر العراق لتكون مهجر الإمام المهدي إليها، لذلك يعلن ان الكوفة عاصمة دولة العدل الالهي، وان المهدي قادم ليستوطنها، ويسكن وعياله في مسجد الكوفة، وهكذا نلاحظ ان اليماني يقوم بتهيئة الارضية من خلال عملية متواصلة لها وجهها الدعوي الذي عبره يحضر الاجواء وذهنية الوسط المحلي والاقليمي والعالمي لتقبل فكرة الدولة المهدوية، كحتمية تاريخية لابد منها، ستفرض نفسها، وانه هو المدير المنفذ لتلك التحضيرات، تحت الاشراف المباشر للإمام المهدي.
ثم يكشف اليماني عن سر آخر لامع في هذا الجانب، عندما يطلق على النجف اسم (أم القرى)، ففي الوقت الذي عرفت مكة بأم القرى، فان النجف تكون أم القرى بمعنى مؤول، لقول الرسول للإمام علي: (مَثَلُ علي مَثَلُ الْكَعْبَةِ إِذْ تُؤْتَى وَ لَا تَأْتِي)، فاذا كان علي مؤول بالكعبة، فان النجف مؤولة بمكة أم القرى!.
ليتضح ان ظهور أول المهديين بدعوته، من حوزة النجف ينسجم مع النصوص التي تقول: ان المهدي يخرج من مكة، ليتضح ان ذلك النص له وجه ومعنى مؤول، وان ذلك ضرب من التشفير او الترميز، الذي يهدف الى اخفاء تحرك الدعوة، في بطون الالفاظ عن الأعداء. وهذا يتطابق مع مذهب التقية، ففي الخبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا (ع) عن مسألة فأبي و أمسك، ثمّ قال: لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّا لكم واخذبرقبةصاحبهذاالأمر).
هذا من جهة الظرف المكاني، اما من جهة الظرف الزماني، فان اليماني يخرج ويتدرج ظهوره ويتنامى مع توالي الزمن، ويصاحب كل ذلك تعاقب علامات الظهور التي تنبأت بها النصوص المروية في التراث الوارد عن النبي وآل محمد، بل وتعزز تلك بنبوءات صادرة عن رجال الدين من أهل الكتاب نصارى ويهود، بالاضافة الى كهنة ومنجمين قدماء ومعاصرين، لتكون المحصلة ان كل تلك النبوءات والتكهنات والنصوص تجمع على ان المخلص طل زمانه، والقيامة الصغرى قد جاءت اشراطها، وتظاهرت علاماتها، والرجل العادي أخذ يقتنع بهذا كما أهل الاختصاص.
اليماني(6)
ثورة عصر الاتصالات
من معالم دعوة اليماني المذهلة، انه يتحدى ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم بثورة اتصال خارقة، فاذا كانت ثورة العالم في ذروتها تقوم على أجهزة الاتصال النقالة، التي معها جُمِع الانترنت والحاسوب في هاتف ذكي يُحمل، يجعل العالم مختصرا في كف الانسان المعاصر، يقلبه ويتصفحه ويتواصل معه، يؤثر ويتأثر- فإن ثورة الاتصالات التي يستعملها اليماني تتجاوز هذه التقنية عندما يكشف عن قدرته على التواصل مع شيعته وأنصاره، بل والساعين للتعرف عليه من خلال الكشف، يناجيهم في فكرهم ويكلمهم في ذات عقولهم، فيستصبحوا بنور يقظة في الاسماع والابصار والافئدة. فالقائم يتواصل بدماغه مع أدمغة الأخرين، فيتجلى لها بشخصه يقظة ومناما، كيفما أراد، يخاطبهم ويوجههم ويوحي اليهم ويؤثر فيهم، وله ان يبادلونه ذلك فيبصرونه متى ما أردوا، وللمقربين ان يسألونه متى ما أحبوا، ويتلقون منه اجوبة استفساراتهم.
لقد اطلق الغرب – في القرن العشرين- مشروعا طموحا هدف الى استكشاف الفضاء من جهة، والى استكشاف اسرار العقل البشري من جهة اخرى، سعيا منه للسيطرة على الكون وعلى العقل البشري، ودرس العقل من خلال عدة علوم، ابرزها (علم البارسيكولوجيا)، وهو العلم الذي يدرس قدرات العقل الخارقة، مثل: الاستبصار، الجلاء البصري، الجلاء السمعي، والاستشعار عن بُعد، والتخاطر، وقراءة افكار الاخرين، وتحريك الاشياء عن بعد والتنبؤ، والاستشفاء، والتنويم الإيحائي او المغناطيسي وخبرة الخروج من الجسد، الأحلام الجلية، التواجد في مكانين في الوقت نفسه، انتقال المادة.. الخ. واعتبر علم البارسيكلوجيا في العقود الانفة من أسرار القوى الكبرى، إلا ان النتائج المرجوة من مشروع كشف اسرار العقل والسيطرة عليه باءت بالفشل، ولم تحقق النتائج المرجوة منها، والتعليل الذي نرى انه يقف وراء هذا الفشل الذريع، هو ان هذا العلم يشترط التدين بما يعنيه من زهد، وايثار، وتسامي على الدنيا، والتحرر من الشر، والتمحض في الخير، وفناء في القوة الخالقة للكون حبا، وكل هذا يناقض القائمين على المشروع.
وهذه الثورة في استعمال الدماغ البشري، والتي سعى الغرب لتحقيق اختراق على هذا المستوى دون ان يقدر، الا على مستوى بدائي، كما يعرض ذلك احدث الاكتشافات المعاصرة التي اعلن عنها حديثا:
http://www.aljazeera.net/news/pages/aaa8d477-da50-4c88-a890-bda9d978ffca
الثورة في استعمال الدماغ البشري هي التي تتحقق عند اكتمال الايمان بالارتقاء الى اعلى درجات الايمان، الذي يتكون من اربع دراجات: (الاسلام، الايمان، التقوى، اليقين)، ففي درجة اليقين تتظاهر تلك الظواهر الخارقة على حسب مرتبة اليقين، التي يشتغلها المؤمن الواصل، حيث اليقين يتكون من ثلاث مراتب: (علم اليقنين، عين اليقين، حق اليقين)، ولما كان الإيمان ببقية الله هو اكتمال للإيمان، فان ما يترتب على ذلك الوصول الى اليقين، لمن سعى الى تحقيق شروط اليقين ...
هذا الكمال للإيمان بالوصول الى درجة اليقين، كعلامة صدق تشهد للمهدي ووصيه قبله، قد بشرت به الاحاديث المروية عن البيت النبوي، كما نجد في الحديث عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الإمام الباقر (ع)، قَالَ: «وِذَا قَامَ قَائِمُنَا، وَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلى رُؤُوسِ الْعِبَادِ، فَجَمَع بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلامُهُمْ»، ويكمل هذا الحديث قول ابنه الصادق(ع): «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ، يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِالائهِ». كلمة (بريد) تشير الى ثورة الاتصالات الحديثة التي تستعمل الرسائل القصيرة، وكيف ان ثورة اتصال العقول في ظل الحضارة المهدوية، والتي بوادرها تظهر في دائرة اليماني، هذه الثورة سوف تلغي ثورة اتصالات الهواتف الالكترونية بين الشيعي وبين المهدي او بين الشيعة ووصيه: «لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ»، ويكون المهدي ووصيه كلما تخيلوه الشيعي ظهر لمخيلتهم: (يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِالائهِ).
ولنفهم الشيعي بالمعنى الخاص، حيث المصطلح يصدق على المؤمنين الذين اطاعوا الله في كل شيء، ولم يعصوا الله في شيء، الذين وصفهم الامام الصادق بالقول: (شيعتنا المعصومون). فهم الذين وصلوا الى درجة اليقين، وصار التواصل بينهم وبين الامام والقائم يقويم على اتصال الادمغة بالجلاء البصري، والجلاء السمعي والتخاطر، دون حاجة الى التواصل السائد ..
ان الوضع المؤسف، في ان رؤوساء القوم من فقهاء الشيعة يمتنعون عن الاقتراب من دائرته، انهم لا يبذلون حتى الجهد البسيط للاقتراب؛ اقتراب العالم الباحث عن الحقيقة، التي يبدو انهم يخشونها، فيخفون ذلك، ويعوضون عنه بالاستخفاف بالادلة والاستهتار بايات الواقع، ويعززون كل ذلك بالاهمال والتجاهل، وما يفعلون ذلك الا بانفسهم وما يشعرون، انهم غير قادرين على ان يثبتوا انهم علماء حقيقيون، يقومون باجراءات العالِم لما يحضر الى ميدان البحث مستقصيا للاثار، جامعا للأدلة، حريصا على السمع أكثر من الكلام، والفهم قبل الاعتراض، والاستيعاب قبل النقاش.
الخلاصة
يؤمن الشيعة المنتظرون للامام المهدي، ان هناك ممهدون ينبغي ان يخرجون قبل الظهور، ومن ابراز اولئك اليماني، الذي نصت عليه النصوص الواردة عن البيت النبوي، واعتبرته هو الممهد، وقد خلصنا من هذا العرض الى النقاط التالية، التي تستعرض مكونات رسالة احمد اليماني، فلاحظنا:
·اذا لم يكن اعتماد احمد اليماني التأويل، باعتباره منهج الاسلام في الاستنباط من الكتاب والسنة النبوية، اذا لم يكن اعتماده لهذا المنهج اصلاحا يقوم على استنطاق القرآن لينطق بالحق والحكم الواقعي في كل المسائل وينهي واقع الاحكام الظنية، الذي شرذم المذهب الى مرجعيات وتيارات متناحرة وجامدة وضاع الحق معها، اذا لم يكن هذا اصلاحا ممهدا، يقوّم الفقه والفقهاء ويعيد الاسلام الى المنهج، الذي علمه الرسول في صدر الإسلام، فماذا يكون الاصلاح والتمهيد؟!
·واذا لم تكن دعوة المنتظرين في كل الديانات اليهودية والمسيحية والاسلام الى الالتحاق بدعوته تمهيدا لخروج المهدي وعيسى بن مريم، والمشاركة في ذلك الفتح الكبير، فما هو التمهيد والاصلاح؟
·واذا لم تكن الدعوة لتشكيل جيش العشرة آلالف مقاتل، وإعداد النخبة 313 الذين هم الكوادر التي سوف تقود ذلك الجيش او تحكم الاقاليم في دولة العدل الالهي، اذا لم تكن هذه المهمة الجليلة، تمهيدا رئيسا لخروج الإمام المهدي، فما هو التمهيد؟
·واذا لم يكن الاعلان عن بدء عصر المهديين، الذي يفتتحه الامام المهدي بتنصيب أول المهديين الاثنا عشر رسولا ممهدا للثورة العالمية، فما يكون هو التمهيد؟! .
·واذا لم يكن الاتيان بنظام الاتصال اليماني، الذي سيسود بصورته المثلى في العصر المهدوي، والذي يعتمد على الاتصال عبر التخاطر والكشف بين الادمغة البشرية، وبذلك يتفوق على نظام الاتصال لدولة الدجال الغربية، اذا لم يكن هذا مؤشرا ممهدا لثورة تتفوق على تكنولوجيا الغرب، فما هو التمهيد الذي يمكن ان يكون أدل من ذلك؟!
·واذا لم يكن الظرف المكاني الذي خرج فيه اليماني وهو العراق حاضنة الثورات الشيعية، دليل على صدق الدعوة، حيث خرج عند كعبة النجف، واعلن حركة الاصلاح هناك، واعلن الكوفة عاصمة دولة المهدي، يضاف الى ذلك الظرف الزماني اذا لم يكن هو الاخر دليل على صدق الدعوة حيث توقيت خروجه المتزامن مع كل علامات الظهور التي تتوالى وبكثافة وتيرة تظاهرها بدء من سقوط طغاة العرب وظهور الرايات في الشام وعلامات الافاق كاليد التي في السماء، والشهاب الثاقب، اذا لم يكن كل ذلك دليل على صدق الدعوة، فما هو دليل الصدق؟
اذا لم تكن كل هذه العلامات والاجراءات والتدابير، التي تمثل مكونات الدعوة اليمانية الساطعة دليل واضح على انه هو رسول المهدي، الذي جاء لينفذ مخططه تمهيدا، فما هو التمهيد، أَنْبِئُوني بصدق إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ! واذا أراد الإمام المهدي ان يرسل ممهدا صادقا في نظركم، فما عسى ان يفعل اكثر مما فعله ويفعله اليماني، وما يمكن ان يتخذ من اجراءات وتدابير جادة أكثر مما قام بها اليماني، والتي تلقى قبولا على اوسع نطاق على المستوى العالمي، أَنْبِئُوني بصدق إِنْ كُنْتُمْ تفقهون او تعقلون! واذا لم يخرج اليماني الآن ليقوم بكل ما هو مطلوب منه من اجراءات ممهدة، فمتى يخرج وما قيمة خروجه اذا تأخر، حتى يتزامن مع خروج الإمام!
لقد اعتمدنا في الحكم على الرسول بمعيار: (اعرف الرسول بالرسالة)، لقد اقتفينا أثر نجاشي الحبشة، وهو يستقصي دعوة محمد(ص) من خلال توصيف جعفر الطيار لها، وأفضى التقييم به وبنا إلى الإيمان! لنقول بقوله وبضرس قاطع: (إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ محمد لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ)، هي مشكاة البيت النبوي التي تتوقد ككوكب دري، فالتوصيف يثبت ان الدعوة لها أصولها الثابتة وشواهد صدقها المتظاهرة. فقد اتضح، ان رسالة احمد اليماني تظهر عند الفحص تماسكا منطقيا مدهشا، وتتميز ببنية منطقية عليها آثار المهدي، وتجري وفق السنن، وتتظاهر فيها جلالة فكر البيت النبوي، فأحمد فرع الشجرة النبوية وغرس الدوحة الهاشمية، فيمكن الاطمئنان لصدق ما يقوله من بيانات، فهو رسول ووصي وابن الامام المهدي!
فصلوات الله على الإمام المهدي وعلى ذريته بكل لمح ونفس زنة عرش الله ومداد كلمته!.
********* انتهى ********
اقول : هناك ملاحظات لعل بعضها دقيقة نحاول ان نسلط عليها الضوء ونرجوا من الاخوة المتابعين ان يركزوا معنا فيما نقول
1- اتباع هذا المدعي لليماني او غيره حتى يستطيع ان يروّج لشبهته ويثبّـتها فوق الحقيقة كان يحتاج الى امكانية تحقق وجود الممهدين الخاصين ذوي الاتصال بالامام الحجة في وقت ومدة كافية قبل اوانها المنصوص في الرويات ونقصد بالاخص هنا رواية ( فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر .... )
وعليه اذا شكك او ضعّف هذه الرواية فانه يستطيع تاسيس شخصيات الممهدين المدعين لهذا المنصب وهو اليماني في فترة طويلة نسبيا . ولعل الاحداث في العالم وما نعيشه من فرضية عصر الظهور ساعد هذه الجهات المشبوهة باخراج الشخصيات المدعية الكاذبة تحسبا للاحتمال المفترض . وهنا لعله
وكذالك عدم الالتفات الى الخصائص العلاماتية الاخرى المتعلقة بوقت خروج اليماني كعلاقته بالسفياني والخرساني وانهم مترافقين يخرجون في سنة وشهر ويوم واحد . وكذالك على مقربة جدا من الظهور نفسه وكما فهمها لعله معظم الباحثين . ولذالك يحتاجون لعله هنا حتى ان يفصلوا وقت خروج اليماني ومن معه ايضا كالسفياني والخرساني الى وقت ابعد من حقيقته المعروفة او المستنتجة او المستظهرة في الروايات لتتثبت الشبهة والغرض اكثر بما يظهر انه يلائم واقع الروايات عند المتلقي !!!
2- اتباع كل شخصية تدعي انها اليماني في العراق خاصة - تحتاج الى تضعيف روايات خروج اليماني من اليمن !!! :e052: او وضع شبهات مهمة فيها وبالتالي جعل خروجه من اليمن الذي كما هو على الاقل المشهور العام وشبه الثابت بين العلماء والباحثين , وتحويله الى مجرد احتمال او حتى لا ربط بين اليماني ومحل خروجه من اليمن لرمزية اليماني خارجا عن الفهم المناطقي\ الجغرافي لمحل الخروج
ليتسنى لهم بعد ذالك افتراضه يخرج من العراق ولعل ذالك يدعم بادلة منطقية اخرى تزيد وتدعم الشبهة المصطنعة وبالنتيجة يسهل ترويج الشخصيات المدعية لليماني والتي تخرج في العراق خاصة . وطبعا لهم غرض في ذالك لما لاهمية العراق وشيعة العراق وموقعه المهم في عملية الظهور وانجاحه باذن الله - والا لماذا لا يخرجون يمانيهم المزعوم في اليمن ( او بلاد اخرى ) ويدعموه بكل هذه القوة من افكار وادلة ولعله اقنع للمتلقين لو اخرجوه من اليمن ولكن تقصدهم باخراجه من العراق له اغراض مشبوهة خطيرة وورائها جهات مشبوهة ايضا .
والسلام عليكم
نصل معكم هنا الى عرض الحلقة رقم 16 الاخيرة من الحلقات الخاصة بموضوع على حافة الظهور للكاتب الممهدون
طبعا مقدما لم يعرض الكاتب هذه الحلقة في المنتدى الذي نشر فيه الحلقات السابقة ولعله فعل نفس الشيئ في المنتديات الاخرى حيث ليس عندي اطلاع على هذا .
ولكن الشك الذي توصلت اليه بعد النقاش معه جعلني ابحث عن طرحه باشكال مختلفة حتى وقعت على موقعه الذي ينشر فيه هذه الحلقات بخاتمتها الحلقة 16 ادناه والتي هي خلاصة وثمرة طرحه وفيها يعرض شخصية احمد اليماني المعروف بادعائه انه اليماني الموعود والممهد للامام الحجة ع وما الى غيره من ادعائات متعلقه به .
وبذالك انكشف على حقيقته وتبين كيف انه وضّف بعض الحقائق التي عرضها في خدمة وتاويل غرضه المنحرف مع ادعائات وتحريفات تم الوقوف عليها في الحلقات السابقة كما بينا وبينها بعض الاخوة مشكورين من الذين اعترضوا عليه .
ويمكن متابعة موقعه المشبوه بمجرد كتابة عنوان :على حافة الظهور. على محرك البحث الخاص ب google وسوف يظهر لكم من ضمن اول النتائج المعروضة .
اترككم مع الحلقة 16 ادناه ليتبين لكم ما نقول ونعلق في خاتمتها بما هو مهم ان شاء الله :
على حافة الظهور – الحلقة 16
هل بعث المهدي أحمد الحسن رسولا ممهدا؟
ما هي رسالة رسول المهدي؟!
علينا البحث عن دلائل الصدق من خلال الاطلاع على رسالة الرسول، فالحديث ينص بالقول: (اعرفوا الرسول بالرسالة)، وهذه الطريقة ذاتها التي اعتمدها النجاشي، عندما تعرف من جعفر - قائد وفد المهاجرين الى الحبشة- على معالم رسالة الرسول، واطلع على بعض نصوص الكتاب المنزل فيما قاله بحق مريم الصديقة، فاستطاع النجاشي من خلال تقفي آثار الصدق، في هذا البيان الذي يصف رسالة الإسلام، مع ما يمتلك من خبرة برسالات الرسل من قبل، وما صدر عنهم من نبوءات ذات صلة، استطاع ان يستنتج بان محمد صادق في ادعائه النبوة، لماذا؟ لان الافكار التي ياتي بها عليها آثار النبوة، وتتصف بالتميز والصدق، وتتطابق دعاويه مع ما جاءت به الرسالات السابقة، او كما قال القرآن: (مصدق لما بين يديه من التوراة والانجيل).
الإسلام:
المهمة غير المكتملة
لقد أنزل الله – عز وجل- القرآن يدعو إلى الإسلام دينا، كما يقرر ذلك قوله في القرآن: (ان الدين عند الله الإسلام)، (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وإذا ما سألنا، ما بال رسل القرون الأولى؟ فإن القرآن يوضح ان الرسل من قبل دعوا إلى الإسلام، واتباعهم كانوا مسلمين، فينقل عن إبراهيم ابو الانبياء القول: (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)128/2، وينقل القرآن عن اهل الكتاب، الذين عاصروا الرسول ونظروا في أمر الإسلام، ينقل القرآن شهادتهم بان الاسلام قديم: (الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمينَ)2-3/53.
وقد بعث الرسول الخاتم محمد (ص)، كي يظهر الإسلام كنظام عالمي يعم الأرض، نص على ذلك القرآن في ثلاث مواضع:
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)33/9.
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهيداً)28/48.
·(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)9/61.
لقد اهدرت مكة من عمر الرسول، ثلاثة عشرة سنة قضاها، وهو يدعو قومه سلما، فلم تؤمن جزيرة العرب إلا لما حالفه أهل يثرب، وشكلوا قوة عسكرية، استطاع ان يناجز بها العرب، ويرغمها على الدخول في الإسلام. وفي عشر السنوات التي قضاها في يثرب توالت فيها الغزوات والحروب، ثم شرع في إعطاء رسالة الإسلام الصفة العالمية، التي تحقق وعد الله، عز اسمه، بان يظهر الإسلام كنظام عالمي، فكان أول خطوة جرت في هذا السياق، أن بعث رسله الى ملوك الآفاق:
(فأرسل النبي محمد (ص) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بكتاب ملك الحبشة، فأسلم. ودحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم، فقارب وكاد ولم يسلم، وقال بعضهم: بل أسلم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس، فتكبر ومزق كتابه (ص)، فمزقه الله وممالكه كل ممزق بدعوة رسول الله (ص) بذلك، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية ومصر، فقارب ولم يذكر له إسلام، وبعث الهدايا والتحف إليه(ص)، وعمرو بن العاص إلى ملكي عمان فأسلما، وخليا بين عمرو والصدقة والحكم بين الناس، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من الشام، والمهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث الحميري، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين فأسلم، وأرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل كليهما إلى أهل اليمن فأسلم عامة ملوكهم وسوقتهم).
لم يمتد العمر بالرسول(ص)، وتوفى في مؤامرة غادرة، نفذتها قوى النفاق، التي اصطلح عليها القرآن، بـ (حزب الشيطان)، وتزامن ذلك مع حدوث انقلاب السقيفة، الذي اطاح بالإمام علي باعتباره وصيا وخليفة للمصطفى. ولما نجح الانقلاب تابع الانقلابيون الفتوحات، تصديرا للأزمة الداخلية الى الخارج، فلم تكن الفتوحات لنشر الإسلام الا ظاهرا، ولكن ليس ذلك نية القائمين على السلطة، وانما لتجنب التنازع على السلطة، صُرفت الطاقات القتالية المتاحة في الفتوحات.
وهكذا تأجل وعد الله –عز اسمه- بأن يظهر الدين كنظام عالمي، بتنحية الإمام علي عن مقام السلطة، وعاد الإمام علي للسلطة من خلال ثورته، التي عُرفت بحروب التأويل، ولكن لم يستطع اهل العراق ان يتماسكوا تحت ضغط الحروب المتوالية فخاروا، ودبت الفوضى في صفوف جبهة العراق بظهور الخوارج، الذين نجحوا في اشغال الإمام علي في حرب استنزاف، قبل ان يغتالوه.
و خسر مشروع الإسلام الإمام علي(ع) بعزله تارة في انقلاب السقيفة ، وبمنازعة فلول نظام عثمان تارة اخرى، ولولا ذلك لعم الإسلام العالم كله، ولتحول كل سكان الارض إلى مسلمين!.
هكذا، تأجل وعد الله، عز اسمه، بإظهار الدين على الدين كله، تأجل الى أن يقوم المهدي، الذي بشر الرسول الأمة، بأنه سوف يأتي في اخر الزمان، لينشر الإسلام ليكون نظام الكوكب ودين أهل الأرض. ففي الخبر عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، وَلَا صَاحِبُ مِلَّةِ، إِلَّا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَأْمَنَ الشَّاةُ وَالذِّئْبُ وَالْبَقَرَةُ وَالْأَسَدُ وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَّةُ وَحَتَّى لَا تَقْرِضَ فَأْرَةٌ جِرَاباً وَحَتَّى تُوضَعَ الْجِزْيَةُ وَيُكْسَرَ الصَّلِيبُ، وَيُقْتَلَ الْخِنْزِيرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ(ع).
ولكي يكون اهل الارض كلهم مسملين، ينبغي ملاحظة ان الله خيّر اهل الكتاب الذين عاصروا النبي محمد(ص)، بين ثلاث: (الإسلام او الجزية او القتل)، فمن اختار الجزية بقي على دينه، ولكن في اخر الزمان، يبعث الله عيسى ابن مريم، ليكون حجة على اهل الكتاب يدعوهم الى الإسلام، والا القتل، فلا مجال للجزية، ولذلك يكون الإسلام هو دين اهل الأرض، والنظام العالمي للكوكب.
بدأ عصر غياب الإمام المهدي(ع) بالتمهيد له بنصب النواب الخاصين، الذين عرفوا بالسفراء الاربعة- (عثمان العمري ثم ابنه محمد العمري (304هـ)، ثم الحسين بن روح النوبختي(326هـ)، ثم على بن محمد السمري(329هـ)- كانت الغاية من تلك النيابة ان تمتد سبعين سنة، اي بعمر انسان عادي، هذه الفترة الزمنية كفيلة بان تثبت فكرة وجود الإمام في المعتقد الشيعي، فحضور الإمام بالواسطة، هو الذي اسهم في تأكيد وجوده، ولولا ذلك لعفى الزمن على اثر هذه الفكرة.
ثم بعد انقضاء الغيبة الصغرى، التي استمرت سبعين سنة، بدأت الغيبة الكبرى، ومع اقتراب ساعة الصفر لثورة الإمام المهدي، فان نظام النيابة الخاصة ينبغي ان يعود تفعيله، في صورة تنظيم يمهد أرضية الأمة للثورة، لذلك بعث الإمام المهدي رسوله أحمد اليماني إلى الشيعة ليدير بواسطته الأمة، ويضطلع ببناء الكوادر الذين ينهضون باعباء الثورة. لنمتحن هذه الرسالة من خلال التحاكم الى معيار (اعرفوا الرسول بالرسالة)، بالنظر في دلائل رسالة أحمد اليماني!.
اليماني(1)
اصلاح الحوزة
استقراء الاخبار المتعلقة بالمهدي، توضح ان المهدي يقوم بحركة فتوح طابعها عسكري، هذا ما يطرح اشكالا، بل أحجية، فحواها؛ اذا كانت حركة الإمام المهدي قبل ان تكون عسكرية هي عقائدية تتبنى الإسلام، في صيغته النقية التي سادت في صدر الإسلام، فكيف يقوم المهدي بفتوحه العسكرية، قبل أن يوجد من يبني البنية العقيدية لجيشيه، هذا ما يولد الأحجية والثغرة المنطقية!.
ويمكن توضيح هذه الفكرة بالوقوف مع حديث النبي (ص): (كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج! فيظهر الإسلام ويجدد الدين، ثم قال (ص) طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم والويل لمبغضيهم). واضح ان ما قبل الظهور ينقرض الإسلام، ويتداول في صورة طقوس وشعائر وعناوين فارغة من المضمون، والقرآن كتاب الإسلام يتداول في صورة قراءات فارغة من المعنى، مما يكشف ان انطلاق الإمام المهدي في عملية عسكرية، قبل ان يُحيي الإسلام، امر غير منطقي، وعلينا ان نفهم كلمة (فحينئذ يأذن الله له بالخروج! فيظهر الإسلام ويجدد الدين)، علينا ان نفهم ان هذا الخروج سيكون خروج الممهد، الذي يظهر الاسلام ويجدد الدين، اي ان الإمام المهدي سوف يرسل رسوله الذي ينفذ تصورا اصلاحيا، قبل ان يتوج ذلك بعمل عسكري.
فنلاحظ؛ أن الثغرة المنطقية مسكوت عنها، ولكن الذي يسدها هو التفكير في المسألة عبر منطق السنن، الذي يفيدنا، بان (الأمر يعود كما بدأ)، حيث كما ان نظام النيابة الخاصة- قبل الظهور- أحيا فكرة الإمام الغائب وكرسها عقيدة راسخة في نفوس الشيعة، كذلك يعود نظام النيابة ليحيي ميت الكتاب والسنة في صيغتها النقية، فيجدد الإسلام ويعيده كما كان عليه في صدر الإسلام، كل ذلك قبل التحرك العسكري، والمفاجأة ان تلك العملية تعتبر من الظهور، اي ان عصر الظهور يبدأ مع ظهور الرسول الخاص.
ان نظام النيابة يبدأ بارسال الإمام المهدي لرسول يمثله، يقوم بمهمة الاصلاح، ولما أوضحنا ان الإمام المهدي(ع) يقوم بعملية اصلاح، كما قرر ذلك الرسول(ص) بالقول: "إذا مات علي فسد الدين، ولايصلحه إلا المهدي بعده". فإن عملية الإصلاح تستهدف الأمة كافة، ولما كانت سنة إصلاح الأمة تمر عبر الأمراء والفقهاء، كما قرر ذلك الرسول (ص): "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله! ومن هما قال: الفقهاء والأمراء".
فان إصلاح الأمة يبدأ باصلاح الفقهاء والأمراء، وذلك يمكن ان يكون تارة باصلاح الفقهاء بوضعهم في مواجهة مع الأمراء، وتارة يمكن مقاربة المسألة من زاوية اخرى، بملاحظة ان الواقع الشيعي يستقل بنفسه ويخضع للفقهاء فهم الأمراء الفعليين له، فذلك يعني أن بالامكان إصلاح الواقع الشيعي، بإصلاح طبقة الفقهاء، الذين يلعبون الدور المزدوج، فهم من جهة فقهاء، ومن جهة أخرى أمراء.
كثير ما وصف الكيان الشيعي بأنه مستقل، وانه يشكل ظاهرة دولة داخل الدولة، فالشيعة بأجسادهم رعية للأمراء من جهة، وبقلوبهم رعية للفقهاء من جهة أخرى، وفتاوى الفقهاء تشبه مراسيم الأمراء، ويجبي الفقهاء من الرعية الاموال، كما يجبيها الأمراء، وفي هذه المعادلة، فان الفقيه إمام القلوب، التي تذعن له الجماعة طوعا، وهو أعظم من الأمير إمام الأجساد، الذي تذعن له الجماعة قهرا، مما يجعل اصلاح الفقهاء هو اصلاح مزدوج، يمكن التعويل عليه في اصلاح الأمة.
لذلك فان الإمام المهدي بعث أحمد اليماني الى الفقهاء، يدعوهم الى تقبله باعتباره نائبا خاصا عن الإمام المهدي عليهم التسليم له، واعطى مؤشرا، لطبيعة الإسلام الذي يتبناه، عندما أعلن انه يعتمد التأويل منهجا للاستنباط، حيث التأويل هو علم الكتاب، وأعلن ان العرفان المستند الى الذكر هو منهج التزكية، الذي يرتقي بالمؤمنين الى المعرفة واليقين، ولكن مازال فقهاء اخر الزمان يتجاذبون معه في صدق دعواه النيابة، فهل احلولت الدنيا في اعينهم، واستمرؤوا مقام السلطة والوجاهة؟!. سؤال مشروع، مطروح برسم الإجابة من جمهور القراء!
وحديث اليماني المكثف والملفت عن الحكام الطغاة والعلماء الفاسدين، حديث مجلل باثار المهدي، الذي ينبغي وفق منطق السنن ان لا يتجاوز مشروعه الاصلاحي، التوجيه النبوي، الذي يؤكد ان الأمة تصلح من خلال هاتين الطبقتين، الحكام والعلماء، فاليماني في الوقت الذي يعمل على اصلاح الفقهاء، فيتبعونه مع الجماهير ليشكل القوة العسكرية التي يصلح بها الأمراء.
اليماني(2)
توحيد المنتظرين
لما كان المنتظرون للمخلص العالمي لا يقتصرون على الشيعة، بل كل الفرق الإسلامية تنتظر المهدي، كما ان أهل الكتاب يهود ونصارى ينتظرون المخلص، فاليهود ينتظرون ايليا، اخر أنبياءهم، الذين اعتقدوا انه المخلص، والمسيحيون ينتظرون عيسى المسيح، لذلك فان الإمام المهدي كحركة عالمية مطالبة بان تدعو كل هؤلاء المنتظرين، لان يلتحقوا بالحركة الممهدة للظهور.
لذلك دعا الإمام المهدي رسوله احمد اليماني- كما يوصف ذلك اليماني نفسه- ان يدعو اهل الكتاب، ويعلن أعلميته بالكتب الثلاث، التوراة والانجيل والقرآن، وان يوجه خطابه لأصحاب الديانات الثلاث، ويفتح حوارا يدعوهم إلى الإسلام، والى الانضمام إلى حركة الخلاص، واتباع المنقذ العالمي، فوجه خطابه للمسلمين الشيعة فقال: انا رسول مهديكم الغائب! ووجه خطابه لأهل السنة، فقال: أنا مهديكم الذي اعتقدتم انه يولد، في اخر الزمان! ووجه خطابه للمسيحين فقال: أنا رسول عيسى! ووجه خطابه لليهود فقال: أنا رسول نبيكم ايليا! واستشهد بنصوص من التوراة والإنجيل والقرآن والحديث على أنه هو المنصوص عليه في تلك الكتاب السماوية.
ثم ترتب على ذلك، ان كشف اليماني في كتاباته او حواره مع اتباع الاديان اسرار بعض النصوص التي في التوراة والانجيل والقرآن الناصة عليه، والدالة على صدق دعوه، وانه بشارة عيسى، ونبوءة موسى، ووصية محمد (ص)! لم يتحقق ذلك من خلال النصوص فحسب، بل تظاهر الى جنب ذلك آيات للناظرين.
إن هذا الفكرة فَتْوَى هَاشِمِيَّة عليها آثار النبوة وهدى آل محمد(ص)، لا يمكن ان تخطر على قلب شيطان، ولا ينبس بها لسان دجال، ولا يتصورها خيال مريض، ولا يقوى عليها مبطل، بل علامات الصدق تسري في كلماتها، وروابط الوثوق تشد متونها، وأنوار الهدى تتفجر من جوانبها.
ومن علامات الهداة من اهل البيت النبوي ان تجري فيهم دعوة ابراهيم: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيْهِمْ)37/14، لذلك نجد ان طوائف من كل الديانات الثلاث اقبلت على تصديق احمد اليماني والتحقت بدعوته مؤمنة، وهذا يدل على التسديد والتأييد الإلهي، الذي تحدث عنه الإمام علي في حواره مع الاشتر: (وإِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُوَلِّيَنَا هَذَا الْأَمْرَ يُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ ويُسَهِّلْ لَنَا حَزْنَهُ)[i].
ان دلائل الصدق يمكن لمحها في تصعيد الدعوة الى الطور العالمي، لتشمل سكان الارض جميعا، حيث يكشف هذا التصعيد ان حركة الإمام المهدي تشمل العالم، ولما كان المنتظرون موجودين في كل الديانات والملل والمذاهب، فان المهدي ينبغي ان يراعي كل أولئك المنتظرين، لذلك نجد اثار ذلك موجودة عند الرسول الممهد، احمد اليماني، عندما اعلن نفسه رسولا ممهدا مبعوث من كل رسل هذه الديانات الثلاث، ويثبت ذلك بالقدرة على كشف حقه بالنصوص الصادقة المتبقية من تلك الكتب السماوية المحرفة، ثم يدعم ذلك، برؤى صادقة يراها اتباع تلك الديانات يهود ونصارى ومسلمين ياتي فيها الرسل والاوصياء تشهد له، وتدعو للاعتقاد به، فذلك أمر غير مسبوق، ولا يمكن ان نجد له نظيرا الا في تاريخ الرسالات، مما يجعل اليماني يجري في سياق سنن أولئك المرسلين، ولا يوجد دليل صدق انصع من جريانه في مجرى تلك السنن.
يضاف الى ذلك، ان دعوة احمد اليماني تكشف عن صفتها الثورية العالمية بامتياز، عندما تنجح في حل اعوص مشاكل البشرية المتنازعة الأديان والممزقة بين المذاهب المتفرعة عنها، عندما يقفز بكل اولئك الاتباع -المختلفي المشارب والعقائد والمذاهب- ليتجاوز بهم ذلك الارث الثقيل، المدعم بمكر النصوص الدينية المحرفة او المفرغة- فيوحدهم جميعا في دين واحد، هو الدين الاسلامي، ومذهب واحد هو مذهب الصراط المستقيم، الذي دعا اليه القرآن، والكتب من قبل، ونهت عما سواه: (وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)153/6، وبذلك يوجد نموذجا لكيف يبدو عليه المشهد عندما تتسارع وتيرة الالتحاق بالمخلص في عملية ابطال لكل الاديان والمذهب والابقاء على دين واحد ومذهب واحد. ان هذا التوفيق الكبير، لا يمكن ان يكون الا بمدد إلهي ...
اليماني(3)
يفتتح عصر المهديين
من الأفكار المدهشة في دعوة اليماني، كشفه عن سر المهديين الاثنا عشر القادمين بعد الإمام المهدي، لقد أوضح أن عصر الأئمة الاثنا عشر يوشك ان ينقضي، وعصر المهديين يوشك ان يفتتح، باعتبار الإمام المهدي هو من جهة خاتمة لعصر الأئمة، ومن جهة أخرى، مفتتح لعصر المهديين، حيث أول المهديين من المفترض ان يكون وريث لمقام الإمام المهدي باعتباره ابنا وصيا ووزيرا ، فاذا ما بعثه الإمام المهدي الأب وزيرا ممهدا، بذلك هو يعمل تحت اشراف الإمام المهدي مباشرة، ذلك ما يدل على بدء عصر المهديين!.
ثم يترتب على هذا الكشف كشفا اخر، أدق، إذ في ظل تصريف وجوه الاحاديث النبوية والآيات القرآنية تأويلا: (القرآن حمال ذو وجوه)، يتضح ان الأحاديث والروايات التي تتحدث عن المهدي، تعبر عن الإمام الثاني عشر باسم (المهدي)، فإذا كان بعد المهدي اثنا عشر مهديا، وأول هؤلاء المهديين سوف يكون وزيرا ووصيا، يترتب على ذلك ان كلمة المهدي، تحمل وجهين؛ فالوجه الأول (المهدي) بمعنى الإمام المهدي الأب، والوجه الثاني (المهدي) بمعنى الوصي والابن.
مما يعني؛ ان كل ما يتعلق بالمهدي من نصوص، تتحدث في وجه من وجوه النص عن وزيره أول المهديين، القادمين من بعده؛ أي ان تلك النصوص مشتركة قابلة، لأن تعمل بالوجهين، فهي تفيد المهدي الأب تارة، وتفيد المهدي الابن تارة أخرى، وهذا ما يوجد ثورة في فهم ذلك التراث المتعلق بالمهدي، يتطلب معه إعادة قراءة تعيد رسم خارطة الوعي من جديد لدى المنتظرين.
والسر الثالث، الأكثر إثارة، والذي يمثل المفاجأة الأكثر سخونه، أن فكرة النص على المهدي الأول، قد وردت في وصية الرسول، في ليلة الوفاة، مما يعني ان القادم باعتباره رسول المهدي، يحمل مشروعيته بنص مباشر من الرسول، يدل عليه، وان ذلك التنصيص ورد في سياق نص النبي على جميع الإئمة السابقين له، وهذا ما يجعل حجم مصداقية المهدي الذي يمثل اول المهديين يناهز حجم مصداقية كل الأئمة، إذ الجميع يشتركون في الوصية، وان نكرانه كأنه نكران لتلك الوصية جملة وتفصيلا، مما يخرج المنكر من دائرة التشيع!.
ثم يتوج ذلك، بان يضيف هذا المعطى الى الصلاة على النبي كتفصيل، لتكون صيغتها : (اللهم صل على محمد وآل محمد، الأئمة والمهديين)، ايضا يضيف ذلك الى الأذان لتكون بعد الشهادة الثالثة لعلي شهادة رابعة نصها: (اشهد ان المهدي والمهديين حجج الله)، وهذا يذكرنا بتاريخ الشهادة الثالثة، حيث لما جرت واقعة بيعة الغدير، نادى ابو ذر بالأذان مضيفا الشهادة الثالثة لعلي: اشهد ان عليا ولي الله، فجاء للرسول من يشكو اضافة ابي ذر، ففي الخبر عن (كتاب: السلافة في أمر الخلافة) لعبد الله المراغي، (إنّ رجلاً دخل على رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه، إنّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أنّ عليّاً ولي اللّه، فقال: «كذلك، أوَ نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه)، أي ان الرسول يقر ما عمله أبو ذر ويستنكر على الشاكي عدم فهمه ما يجري من وقائع، تقتضي تثبيت عصر الولاية للأوصياء بدء من الإمام علي ثم اولاده ، وهذه الاجراءات الصياغة الجريئة لليماني، دليل على وثوقية عالية، تعبر عن شجاعة فكرية هاشمية، لا يمكن ان تصدر إلا عن توجيه مباشر من الإمام المهدي صاحب الدعوة.
وعند تقييم هذه الاجراءات الصياغية التي تناولت الصلاة والأذان، فهي تستعيد سنن التاريخ، التي جعلت آل محمد جزءا من الصلاة على النبي، والشهادة لعلي بالولاية جزءا من الأذان، فكما ان اضافة الصلاة على آل محمد سنة، والشهادة الثالثة في الأذان سنة، فان اضافة المهديين الى الصلاة سنة واضافة الشهادة الرابعة للمهديين سنة، فهم الذين تتتابع بهم الإمامة في آل محمد الى قيام القيامة، وليس ذلك بغريب، وانما ذلك فحوى الصلاة الابراهيمية على محمد وال محمد وعلى ابراهيم وال ابراهيم، وفحوى دعوة ابراهيم الخليل: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتي)، فكانت الإمامة في ذريته الى يوم القيامة، وآل محمد هم آل ابراهيم.
ولا يتوقع من شيعي نقي السريرة وحصيف الفكر ان ينكر هذه الاضافة، لان لا احد ينبغي ان ينكر استمرار الامامة في البقية الباقية من آل محمد، وهم ذرية المهدي، وانهم تفصيل في الصلاة، والشهادة لهم بالولاية في الأذان، يأتي متابعة للقول: اشهد ان عليا واولاده المعصومين حجج الله، فليس الشهادة الرابعة الا تقريرا لهذا المعنى، ولكن بصورة اوضح، يفتتح عصر المهديين، ليكون تضمنهم في الأذان، نداء الإيمان، يأتي في وقته تماما! فهو اشهار لها، يضاهي الاعلان التي ترافق مع تنصيب الإمام علي(ع) في غدير خم حيث اعقب ذلك تضمين ولايته في الأذان اعلانا واشهارا لها، لتكون شهادة حق يرددها كل مؤمن ومؤمنه.
وكل ذلك من اليماني مدهش!
وهكذا يتضح، ان منطق هذا التصور -الذي تنطوي عليه بنية رسالة اليماني- يتصف بالدقيق والمتين، مما يثير الاعجاب ويغذي حسد الحساد، ومتانته تنفي أن يكون مختلفا أو مختلقا، بل يثبت امتلاكه الموضوعية والوثوقية والمصداقية العالية، التي يصعب معها الطعن بأحمد اليماني دون الطعن بالرسول والإمام علي(ع)، ما يجعل التنكر له يضاهي نكران اليهود للرسول، الذي نصت عليه كتبهم، ونكران المنافقين للإمام علي، الذي نص عليه الرسول في الاحاديث الكثيرة، الصادرة عنه في مقامات لا تعد، ولن يكون هذا الوضع الا تحقيقا للنبواءات الدالة على الفقهاء منكري المهدي في آخر الزمان.
ويمكر بعض المناهضين له- وما يمكرون الا بانفسهم للانصاف- عندما يلتفون على نص الوصية من خلال الطعن في سنده، وكأن السند له قيمة أو اعتبار يذكر في منهج البيت النبوي، الذي اسقط قيمة السند كمعيار في الحكم على الحديث واعتمد معيار العرض على القرآن، كما كان الأمر على عهد الرسول، واذا كان اليماني يجدد منهج صدر الإسلام، فانه يسقط نقدهم القائم على السند، يعزز ذلك بالاحاديث الصريحة، كقول الصادق(ع) مخاطبا اكبر فقهاء الشيعة محمد بن مسلم: (يا محمد! ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، و ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به). ليتضح بما لا يقبل الجدل، ان ليس هناك ما يضير الحديث أن يأتي به راوية بر او فاجر، باعتبار المعيار هو موافقته او تنافيه مع القرآن.
واذا ما عرضنا على القرآن حديث المهديين الاثنا عشر، القادمين فيما بعد الأئمة الاثنا عشر، يثبت عند العرض، وهو ما نؤجل بيانه ومناقشته، فنحن في صدد استعراض فكرة الرسالة، نتلمس دلائل الصدق فيها، ونفحص مدى متانة او ضعف منطقها الذي ترتكز عليه عند التحليل.
اليماني(4)
مشروع بناء الجيش
يعلن اليماني باعتباره رسول المهدي، أن غايته هو بناء النخبة الحاكمة في دولة العدل الإلهي، المؤلفة من ثلاثمائة وثلاثة عشر، منهم اثنا عشر يمثلون نخبة النخبة، ويشكل المجموع القادة والقضاة والحكام على الناس، ومن تحت هؤلاء هناك الفرقة الخاصة التي قوامها عشرة آلاف مقاتل.
ان هذا العدد سيكون قوام/ أو نواة الجيش الذي يعد من اجل ان يقوده الإمام المهدي، والذي يثقف عقائديا، بفكرة الإسلام في صورتها النقية التي ظهرت في صدر الإسلام، ويبنى ولاءها ليكون لله والإسلام والإمام، فالهدف هو إعادة غربلة المنتظرين في العالم كله، من اجل ان يستخلص منهم الصفوة، التي تتصف بالصفاء والطهر في انقى صوره، ليوكل اليهم مهمة تطهير الارض.
وهذا الدعوة عند الرجوع بها الى نصوص التراث نجدها تتطابق معها، لقد اوضحت نصوص التاريخ؛ ان عدة القادة في جيش المهدي هم عدة اهل بدر، 313، وان هذه العدة تمنى الإمام علي، في ظل قحط الرجال الاشداء من حوله- نتيجة فقدهم مع توالي الحروب- تمنى لو يكون له عدة بدر، ليتوجه بهم من فوره لمحاربة طاغية الشام معاوية بن ابي سفيان. ياتي مبعوث المهدي والوصي احمد اليماني، ليعلن انه مكلف ببناء هذه الثلة التي ينهض بها الإمام المهدي.
بذلك يكشف احمد اليماني سر من أسرار التراث المهدوي المحفوف بالغموض، عندما يبين ان 313 رجل، الذين يحضرون حول الإمام المهدي ويكونون اول المبايعين، والذين تحدثت النصوص عن افتقادهم من فرشهم او اتيانهم في السحاب، ليس تلك التعبيرات الا ترميزا، وان الواقع بعيد عن الخوارق، وينسجم مع منطق الاحداث، حيث عملية بناء واعداد وصناعة أولئك الرجال تتطلب الجهاد على مستوى الذات والمجتمع والعدو، وفي رحم الألم والمعاناة، سوف ينمو هؤلاء الرجال الافذاذ ويتعمق ولاءهم، ويتأصل إيمانهم بالقضية الكونية للمخلص.
اليماني(5)
دلالة الزمان والمكان
ان النظر في الظرف الزمني والمكاني، الذي يخرج به اليماني بدعوته، يكشف عن آيات بينات على صدق الدعوة، لقد خرج من العراق، حيث الظرف المكاني المناسب، فالعراق هو الحاضنة الطبيعية لكل ثورات البيت النبوي، منذ اتخذها الإمام علي(ع) عاصمة لخلافته، بعد ان أعلنت نصرتها لعدالة قضيته، فكما هاجر الرسول الى يثرب التي ناصرته واتخذها عاصمة لدولته، هاجر الإمام علي الى العراق التي ناصرته واتخذ من الكوفة عاصمة لدولته، فان اليماني يحضر العراق لتكون مهجر الإمام المهدي إليها، لذلك يعلن ان الكوفة عاصمة دولة العدل الالهي، وان المهدي قادم ليستوطنها، ويسكن وعياله في مسجد الكوفة، وهكذا نلاحظ ان اليماني يقوم بتهيئة الارضية من خلال عملية متواصلة لها وجهها الدعوي الذي عبره يحضر الاجواء وذهنية الوسط المحلي والاقليمي والعالمي لتقبل فكرة الدولة المهدوية، كحتمية تاريخية لابد منها، ستفرض نفسها، وانه هو المدير المنفذ لتلك التحضيرات، تحت الاشراف المباشر للإمام المهدي.
ثم يكشف اليماني عن سر آخر لامع في هذا الجانب، عندما يطلق على النجف اسم (أم القرى)، ففي الوقت الذي عرفت مكة بأم القرى، فان النجف تكون أم القرى بمعنى مؤول، لقول الرسول للإمام علي: (مَثَلُ علي مَثَلُ الْكَعْبَةِ إِذْ تُؤْتَى وَ لَا تَأْتِي)، فاذا كان علي مؤول بالكعبة، فان النجف مؤولة بمكة أم القرى!.
ليتضح ان ظهور أول المهديين بدعوته، من حوزة النجف ينسجم مع النصوص التي تقول: ان المهدي يخرج من مكة، ليتضح ان ذلك النص له وجه ومعنى مؤول، وان ذلك ضرب من التشفير او الترميز، الذي يهدف الى اخفاء تحرك الدعوة، في بطون الالفاظ عن الأعداء. وهذا يتطابق مع مذهب التقية، ففي الخبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرّضا (ع) عن مسألة فأبي و أمسك، ثمّ قال: لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّا لكم واخذبرقبةصاحبهذاالأمر).
هذا من جهة الظرف المكاني، اما من جهة الظرف الزماني، فان اليماني يخرج ويتدرج ظهوره ويتنامى مع توالي الزمن، ويصاحب كل ذلك تعاقب علامات الظهور التي تنبأت بها النصوص المروية في التراث الوارد عن النبي وآل محمد، بل وتعزز تلك بنبوءات صادرة عن رجال الدين من أهل الكتاب نصارى ويهود، بالاضافة الى كهنة ومنجمين قدماء ومعاصرين، لتكون المحصلة ان كل تلك النبوءات والتكهنات والنصوص تجمع على ان المخلص طل زمانه، والقيامة الصغرى قد جاءت اشراطها، وتظاهرت علاماتها، والرجل العادي أخذ يقتنع بهذا كما أهل الاختصاص.
اليماني(6)
ثورة عصر الاتصالات
من معالم دعوة اليماني المذهلة، انه يتحدى ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم بثورة اتصال خارقة، فاذا كانت ثورة العالم في ذروتها تقوم على أجهزة الاتصال النقالة، التي معها جُمِع الانترنت والحاسوب في هاتف ذكي يُحمل، يجعل العالم مختصرا في كف الانسان المعاصر، يقلبه ويتصفحه ويتواصل معه، يؤثر ويتأثر- فإن ثورة الاتصالات التي يستعملها اليماني تتجاوز هذه التقنية عندما يكشف عن قدرته على التواصل مع شيعته وأنصاره، بل والساعين للتعرف عليه من خلال الكشف، يناجيهم في فكرهم ويكلمهم في ذات عقولهم، فيستصبحوا بنور يقظة في الاسماع والابصار والافئدة. فالقائم يتواصل بدماغه مع أدمغة الأخرين، فيتجلى لها بشخصه يقظة ومناما، كيفما أراد، يخاطبهم ويوجههم ويوحي اليهم ويؤثر فيهم، وله ان يبادلونه ذلك فيبصرونه متى ما أردوا، وللمقربين ان يسألونه متى ما أحبوا، ويتلقون منه اجوبة استفساراتهم.
لقد اطلق الغرب – في القرن العشرين- مشروعا طموحا هدف الى استكشاف الفضاء من جهة، والى استكشاف اسرار العقل البشري من جهة اخرى، سعيا منه للسيطرة على الكون وعلى العقل البشري، ودرس العقل من خلال عدة علوم، ابرزها (علم البارسيكولوجيا)، وهو العلم الذي يدرس قدرات العقل الخارقة، مثل: الاستبصار، الجلاء البصري، الجلاء السمعي، والاستشعار عن بُعد، والتخاطر، وقراءة افكار الاخرين، وتحريك الاشياء عن بعد والتنبؤ، والاستشفاء، والتنويم الإيحائي او المغناطيسي وخبرة الخروج من الجسد، الأحلام الجلية، التواجد في مكانين في الوقت نفسه، انتقال المادة.. الخ. واعتبر علم البارسيكلوجيا في العقود الانفة من أسرار القوى الكبرى، إلا ان النتائج المرجوة من مشروع كشف اسرار العقل والسيطرة عليه باءت بالفشل، ولم تحقق النتائج المرجوة منها، والتعليل الذي نرى انه يقف وراء هذا الفشل الذريع، هو ان هذا العلم يشترط التدين بما يعنيه من زهد، وايثار، وتسامي على الدنيا، والتحرر من الشر، والتمحض في الخير، وفناء في القوة الخالقة للكون حبا، وكل هذا يناقض القائمين على المشروع.
وهذه الثورة في استعمال الدماغ البشري، والتي سعى الغرب لتحقيق اختراق على هذا المستوى دون ان يقدر، الا على مستوى بدائي، كما يعرض ذلك احدث الاكتشافات المعاصرة التي اعلن عنها حديثا:
http://www.aljazeera.net/news/pages/aaa8d477-da50-4c88-a890-bda9d978ffca
الثورة في استعمال الدماغ البشري هي التي تتحقق عند اكتمال الايمان بالارتقاء الى اعلى درجات الايمان، الذي يتكون من اربع دراجات: (الاسلام، الايمان، التقوى، اليقين)، ففي درجة اليقين تتظاهر تلك الظواهر الخارقة على حسب مرتبة اليقين، التي يشتغلها المؤمن الواصل، حيث اليقين يتكون من ثلاث مراتب: (علم اليقنين، عين اليقين، حق اليقين)، ولما كان الإيمان ببقية الله هو اكتمال للإيمان، فان ما يترتب على ذلك الوصول الى اليقين، لمن سعى الى تحقيق شروط اليقين ...
هذا الكمال للإيمان بالوصول الى درجة اليقين، كعلامة صدق تشهد للمهدي ووصيه قبله، قد بشرت به الاحاديث المروية عن البيت النبوي، كما نجد في الحديث عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الإمام الباقر (ع)، قَالَ: «وِذَا قَامَ قَائِمُنَا، وَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلى رُؤُوسِ الْعِبَادِ، فَجَمَع بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلامُهُمْ»، ويكمل هذا الحديث قول ابنه الصادق(ع): «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ، يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِالائهِ». كلمة (بريد) تشير الى ثورة الاتصالات الحديثة التي تستعمل الرسائل القصيرة، وكيف ان ثورة اتصال العقول في ظل الحضارة المهدوية، والتي بوادرها تظهر في دائرة اليماني، هذه الثورة سوف تلغي ثورة اتصالات الهواتف الالكترونية بين الشيعي وبين المهدي او بين الشيعة ووصيه: «لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ»، ويكون المهدي ووصيه كلما تخيلوه الشيعي ظهر لمخيلتهم: (يُكَلِّمُهُمُ فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِالائهِ).
ولنفهم الشيعي بالمعنى الخاص، حيث المصطلح يصدق على المؤمنين الذين اطاعوا الله في كل شيء، ولم يعصوا الله في شيء، الذين وصفهم الامام الصادق بالقول: (شيعتنا المعصومون). فهم الذين وصلوا الى درجة اليقين، وصار التواصل بينهم وبين الامام والقائم يقويم على اتصال الادمغة بالجلاء البصري، والجلاء السمعي والتخاطر، دون حاجة الى التواصل السائد ..
ان الوضع المؤسف، في ان رؤوساء القوم من فقهاء الشيعة يمتنعون عن الاقتراب من دائرته، انهم لا يبذلون حتى الجهد البسيط للاقتراب؛ اقتراب العالم الباحث عن الحقيقة، التي يبدو انهم يخشونها، فيخفون ذلك، ويعوضون عنه بالاستخفاف بالادلة والاستهتار بايات الواقع، ويعززون كل ذلك بالاهمال والتجاهل، وما يفعلون ذلك الا بانفسهم وما يشعرون، انهم غير قادرين على ان يثبتوا انهم علماء حقيقيون، يقومون باجراءات العالِم لما يحضر الى ميدان البحث مستقصيا للاثار، جامعا للأدلة، حريصا على السمع أكثر من الكلام، والفهم قبل الاعتراض، والاستيعاب قبل النقاش.
الخلاصة
يؤمن الشيعة المنتظرون للامام المهدي، ان هناك ممهدون ينبغي ان يخرجون قبل الظهور، ومن ابراز اولئك اليماني، الذي نصت عليه النصوص الواردة عن البيت النبوي، واعتبرته هو الممهد، وقد خلصنا من هذا العرض الى النقاط التالية، التي تستعرض مكونات رسالة احمد اليماني، فلاحظنا:
·اذا لم يكن اعتماد احمد اليماني التأويل، باعتباره منهج الاسلام في الاستنباط من الكتاب والسنة النبوية، اذا لم يكن اعتماده لهذا المنهج اصلاحا يقوم على استنطاق القرآن لينطق بالحق والحكم الواقعي في كل المسائل وينهي واقع الاحكام الظنية، الذي شرذم المذهب الى مرجعيات وتيارات متناحرة وجامدة وضاع الحق معها، اذا لم يكن هذا اصلاحا ممهدا، يقوّم الفقه والفقهاء ويعيد الاسلام الى المنهج، الذي علمه الرسول في صدر الإسلام، فماذا يكون الاصلاح والتمهيد؟!
·واذا لم تكن دعوة المنتظرين في كل الديانات اليهودية والمسيحية والاسلام الى الالتحاق بدعوته تمهيدا لخروج المهدي وعيسى بن مريم، والمشاركة في ذلك الفتح الكبير، فما هو التمهيد والاصلاح؟
·واذا لم تكن الدعوة لتشكيل جيش العشرة آلالف مقاتل، وإعداد النخبة 313 الذين هم الكوادر التي سوف تقود ذلك الجيش او تحكم الاقاليم في دولة العدل الالهي، اذا لم تكن هذه المهمة الجليلة، تمهيدا رئيسا لخروج الإمام المهدي، فما هو التمهيد؟
·واذا لم يكن الاعلان عن بدء عصر المهديين، الذي يفتتحه الامام المهدي بتنصيب أول المهديين الاثنا عشر رسولا ممهدا للثورة العالمية، فما يكون هو التمهيد؟! .
·واذا لم يكن الاتيان بنظام الاتصال اليماني، الذي سيسود بصورته المثلى في العصر المهدوي، والذي يعتمد على الاتصال عبر التخاطر والكشف بين الادمغة البشرية، وبذلك يتفوق على نظام الاتصال لدولة الدجال الغربية، اذا لم يكن هذا مؤشرا ممهدا لثورة تتفوق على تكنولوجيا الغرب، فما هو التمهيد الذي يمكن ان يكون أدل من ذلك؟!
·واذا لم يكن الظرف المكاني الذي خرج فيه اليماني وهو العراق حاضنة الثورات الشيعية، دليل على صدق الدعوة، حيث خرج عند كعبة النجف، واعلن حركة الاصلاح هناك، واعلن الكوفة عاصمة دولة المهدي، يضاف الى ذلك الظرف الزماني اذا لم يكن هو الاخر دليل على صدق الدعوة حيث توقيت خروجه المتزامن مع كل علامات الظهور التي تتوالى وبكثافة وتيرة تظاهرها بدء من سقوط طغاة العرب وظهور الرايات في الشام وعلامات الافاق كاليد التي في السماء، والشهاب الثاقب، اذا لم يكن كل ذلك دليل على صدق الدعوة، فما هو دليل الصدق؟
اذا لم تكن كل هذه العلامات والاجراءات والتدابير، التي تمثل مكونات الدعوة اليمانية الساطعة دليل واضح على انه هو رسول المهدي، الذي جاء لينفذ مخططه تمهيدا، فما هو التمهيد، أَنْبِئُوني بصدق إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ! واذا أراد الإمام المهدي ان يرسل ممهدا صادقا في نظركم، فما عسى ان يفعل اكثر مما فعله ويفعله اليماني، وما يمكن ان يتخذ من اجراءات وتدابير جادة أكثر مما قام بها اليماني، والتي تلقى قبولا على اوسع نطاق على المستوى العالمي، أَنْبِئُوني بصدق إِنْ كُنْتُمْ تفقهون او تعقلون! واذا لم يخرج اليماني الآن ليقوم بكل ما هو مطلوب منه من اجراءات ممهدة، فمتى يخرج وما قيمة خروجه اذا تأخر، حتى يتزامن مع خروج الإمام!
لقد اعتمدنا في الحكم على الرسول بمعيار: (اعرف الرسول بالرسالة)، لقد اقتفينا أثر نجاشي الحبشة، وهو يستقصي دعوة محمد(ص) من خلال توصيف جعفر الطيار لها، وأفضى التقييم به وبنا إلى الإيمان! لنقول بقوله وبضرس قاطع: (إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ محمد لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ)، هي مشكاة البيت النبوي التي تتوقد ككوكب دري، فالتوصيف يثبت ان الدعوة لها أصولها الثابتة وشواهد صدقها المتظاهرة. فقد اتضح، ان رسالة احمد اليماني تظهر عند الفحص تماسكا منطقيا مدهشا، وتتميز ببنية منطقية عليها آثار المهدي، وتجري وفق السنن، وتتظاهر فيها جلالة فكر البيت النبوي، فأحمد فرع الشجرة النبوية وغرس الدوحة الهاشمية، فيمكن الاطمئنان لصدق ما يقوله من بيانات، فهو رسول ووصي وابن الامام المهدي!
فصلوات الله على الإمام المهدي وعلى ذريته بكل لمح ونفس زنة عرش الله ومداد كلمته!.
********* انتهى ********
اقول : هناك ملاحظات لعل بعضها دقيقة نحاول ان نسلط عليها الضوء ونرجوا من الاخوة المتابعين ان يركزوا معنا فيما نقول
1- اتباع هذا المدعي لليماني او غيره حتى يستطيع ان يروّج لشبهته ويثبّـتها فوق الحقيقة كان يحتاج الى امكانية تحقق وجود الممهدين الخاصين ذوي الاتصال بالامام الحجة في وقت ومدة كافية قبل اوانها المنصوص في الرويات ونقصد بالاخص هنا رواية ( فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر .... )
وعليه اذا شكك او ضعّف هذه الرواية فانه يستطيع تاسيس شخصيات الممهدين المدعين لهذا المنصب وهو اليماني في فترة طويلة نسبيا . ولعل الاحداث في العالم وما نعيشه من فرضية عصر الظهور ساعد هذه الجهات المشبوهة باخراج الشخصيات المدعية الكاذبة تحسبا للاحتمال المفترض . وهنا لعله
وكذالك عدم الالتفات الى الخصائص العلاماتية الاخرى المتعلقة بوقت خروج اليماني كعلاقته بالسفياني والخرساني وانهم مترافقين يخرجون في سنة وشهر ويوم واحد . وكذالك على مقربة جدا من الظهور نفسه وكما فهمها لعله معظم الباحثين . ولذالك يحتاجون لعله هنا حتى ان يفصلوا وقت خروج اليماني ومن معه ايضا كالسفياني والخرساني الى وقت ابعد من حقيقته المعروفة او المستنتجة او المستظهرة في الروايات لتتثبت الشبهة والغرض اكثر بما يظهر انه يلائم واقع الروايات عند المتلقي !!!
2- اتباع كل شخصية تدعي انها اليماني في العراق خاصة - تحتاج الى تضعيف روايات خروج اليماني من اليمن !!! :e052: او وضع شبهات مهمة فيها وبالتالي جعل خروجه من اليمن الذي كما هو على الاقل المشهور العام وشبه الثابت بين العلماء والباحثين , وتحويله الى مجرد احتمال او حتى لا ربط بين اليماني ومحل خروجه من اليمن لرمزية اليماني خارجا عن الفهم المناطقي\ الجغرافي لمحل الخروج
ليتسنى لهم بعد ذالك افتراضه يخرج من العراق ولعل ذالك يدعم بادلة منطقية اخرى تزيد وتدعم الشبهة المصطنعة وبالنتيجة يسهل ترويج الشخصيات المدعية لليماني والتي تخرج في العراق خاصة . وطبعا لهم غرض في ذالك لما لاهمية العراق وشيعة العراق وموقعه المهم في عملية الظهور وانجاحه باذن الله - والا لماذا لا يخرجون يمانيهم المزعوم في اليمن ( او بلاد اخرى ) ويدعموه بكل هذه القوة من افكار وادلة ولعله اقنع للمتلقين لو اخرجوه من اليمن ولكن تقصدهم باخراجه من العراق له اغراض مشبوهة خطيرة وورائها جهات مشبوهة ايضا .
والسلام عليكم