وهج الإيمان
08-07-2014, 09:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على المصطفى وآله النجباء
العلامه كمال الدين محمد بن طلحه الشافعي يستنتج أن المهدي المقصود في روايات أهل السنه هو نفسه المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام ويجيب على الشبهات المتعلقه به
أضع لكم كلامه من الباب الثاني عشر من كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :
محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين ابن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا الخلف الحجة قد أيده الله * هداه منهج الحق وأتاه سجاياه وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه * وأتاه حلى فضل عظيم فتحلاه وقد قال رسول الله قولا قد رويناه * وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه ترى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه * وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه ويكفي قوله مني لإشراق محياه * ومن بضعته الزهراء (مرساه ومسراه ولن يبلغ ما أويته أمثال وأشباه * فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بمافاه قد رتع من النبوة في أكناف عناصرها، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها، وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخياصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلا عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصلها وإنها لأشرف العناصر والأصول.
فأما مولده: فبسر من رأى في ثالث وعشرين رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة .
وأما نسبه أبا واما: فأبوه محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.
وأمه: أم ولد تسمى صقيل ، وقيل: حكيمة ، وقيل: غير ذلك .
وأما اسمه: فمحمد.
وكنيته: أبو القاسم . ولقبه: الحجة، والخلف الصالح ، وقيل: المنتظر .
وأما ما ورد عن النبي (ص) في المهدي من الأحاديث الصحيحة:
فمنها:
ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي (رض) كل واحد منهما بسنده في صحيحه، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
(المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ويملك سبع سنين) .
ومنها: ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه، يرفعه إلى علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا) .
ومنها: ما رواه أيضا أبو داود في صحيحه، يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي (ص) قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) .
ومنها: ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (رضي الله عنه) في كتابه المسمى بشرح السنة، وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم (رض) كل واحد منهما بسنده في صحيحه، يرفعه إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) .
ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في صحيحيهما، كل واحد منهما يرفعه بسنده إلى عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما).
وفي رواية أخرى: (لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
وفي رواية أخرى: إن النبي (ص) قال: (يأتي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
هذه الروايات عن أبي داود والترمذي (رض) .
ومنها: ما نقله الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (رض) في تفسيره يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): (نحن ولد عبد المطلب سادة الجنة، أنا، وحمزة، وجعفر، وعلي، والحسن، والحسين، والمهدي) .
فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة بجملتها وأفرادها، متفق على صحة إسنادها، ومجمع على نقلها عن رسول الله (ص) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنه من رسول الله (ص)، وأنه من عترته، وأنه من أهل بيته، وأن اسمه يواطئ اسمي، وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا، وأنه من ولد عبد المطلب، وأنه من سادات الجنة، وذلك مما لا نزاع فيه، غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره (ص) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح (عليه السلام) فإن ولد فاطمة (عليها السلام) كثيرون، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة، وأنه من العترة الطاهرة، وأنه من أهل البيت (عليهم السلام)فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم.
فجوابه: إن رسول الله (ص) لما وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعددة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة (عليها السلام) وإلى عبد المطلب، وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي وثبتت له الأحكام المذكورة وهو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنه صاحبها وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (ص) وذلك ممتنع.
فان قال المعترض: لا يتم العمل به بالعلامة والدلالة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعينه لها، فأما إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله (ص) إلى ولادة الخلف الصالح الحجة محمد (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليه السلام) شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) كثرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الإيان فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة محمد المذكور (عليه السلام).
فالجواب: أنكم إذا عرفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه، وما ذكرتموه من احتمال أن تجدد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات، لا يكون قادحا في أعمال الدلالة، ولا مانعا من ترتيب حكمها عليها، فإن دلالة الدليل راجحة لظهورها واحتمال تجدد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام (الشرعية) إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا.
والذي يوضح ذلك ويؤكده، أن رسول الله (ص) فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، يرفعه بسنده قال لعمر بن الخطاب: (يأتي عليك مع امداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) .
فالنبي (ص) ذكر اسمه ونسبه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة على أن المسمى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على الله لأبره، وأنه أهل لطلب الاستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند الله عظيم.
فلم يزل عمر بعد وفاة رسول الله (ص) وبعد وفاة أبي بكر يسأل إمداد اليمن من الموصوف بذلك، حتى قدم وفد من اليمن فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك، فلميتوقف عمر في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله (ص) بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار، وجزم أنه المشار إليه في الحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات، فإن قبيلة مراد كثيرة والتوالد فيها كثير وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود، وكذلك قضية الخوارج لما وصفهم رسول الله (ص) بصفات ورتب عليها حكمهم ثم بعد ذلك لما وجدها علي (عليه السلام) موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان، جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.
ونزيده بيانا وتقريرا فنقول: لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل فيه والمصير إليه، فمن تركه وقال: بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف المليم، ويدل على ذلك أن الله عز وجل لما أنزل في التوراة على موسى أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له، وصار قوم موسى (عليه السلام) يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث، فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهددون المشركين به ويقولون: سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته كذا ونستعين به على قتالكم.
فلما بعث (ص) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه وقالوا: ليس هذا هو، بل هو غيره وسيأتي.
فلما جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة وجنحوا إلى الاحتمال، وهذه القصة من أكبر الأدلة، وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الأدلة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) تعين إثبات كون المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال.
فإن قال المعترض: نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمد (عليه السلام) فإن من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطئا لاسم أب النبي (ص) هكذا به صرح الحديث النبوي على ما أوردوه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإن اسم أبيه الحسن واسم أب النبي (ص) عبد الله وأين الحسن من عبد الله؟
فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، وإذا لم يوجد جزء العلة لا يثبت حكمها، فإن الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام، إذ النبي (ص) لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفات فيه كلها التي جزؤها مواطاة اسمي الأبوين في حقه، وهذه لم تجتمع في الحجة الخلف، فلا تثبت تلك الأحكام له وهذا إشكال قوي.
فالجواب: لابد قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبتني عليهما الغرض:
الأول: إنه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالى: * (ملة أبيكم إبراهيم) * وقال تعالى حكاية يوسف (عليه السلام): * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحق) * ونطق بذلك النبي (ص) في حديث الإسراء أنه قال: قلت: (من هذا؟) قال: أبوك إبراهيم .
فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا. فهذا أحد الأمرين.
الأمر الثاني: إن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم (رض) كل منهما يرفعه إلى سهل بن سعد الساعدي، أنه قال عن علي (عليه السلام): إنرسول الله (ص) سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه
فأطلق لفظة الاسم على الكنية، ومثل ذلك قال الشاعر:
أجل قدرك أن تسمى مؤمنته * ومن كناك فقد سماك للعرب ويروى من يصفك، فاطلق التسمية على الكناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب.
فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين فاعلم أيدك الله بتوفيقه، أن النبي (ص) كان له سبطان: أبو محمد الحسن وأبو عبد الله الحسين، ولما كان الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله الحسين، ولم يكن من ولد أبي محمد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله فاطلق النبي (ص) على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب فكأنه قال:
يواطئ اسمه اسمي، فهو محمد وأنا محمد وكنية جده اسم أبي، إذ هو أبو عبد الله وأبي عبد الله لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، وحينئذ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام)، وهذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال فافهمه.
وأما ولده: فلم يكن له ولد ليذكر لا أنثى ولا ذكر.
وأما عمره: فإنه ولد في أيام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن، فلم يمكن ذكر ذلك إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة، ولوازم عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدرته لم يجدوا إلى ذلك سبيلا، ولا نقل طرف تطلعهم إليه حسيرا وحده كليلا، وأملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إلى حين، فقد مد الله تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء: عيسى (عليه السلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخرون من الأنبياء طالت أعمارهم، حتى جاز كل واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح (عليه السلام) وغيره.
وأما من الأعداء المطرودين: فإبليس، وكذلك الدجال، ومن غيرهم كعاد الأولى، كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب لبد .
وكل هذه لبيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه، فأي مانع يمنع من امتداد عمر الصالح الخلف الناصح إلى أن يظهر فيعمل ما حكم الله له به؟ ) انتهى النقل من كتاب العلامه كمال الدين محمد بن طلحه الشافعي
أقول : وهذه ترجمة العلامه محمد بن طلحه الشافعي :
* ( أبو سالم النصيبي ) *
( 582 - 652 ه = 1186 - 1254 م )
محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن ، كمال الدين القرشي النصيبي العدوي الشافعي ، أبو سالم : وزير من الأدباء الكتاب . ولد بالعمرية ( من قرى نصيبين ) ورحل إلى نيسابور ، وولي الوزارة بدمشق ، ثم تركها وتزهد . وتوفي بحلب . له ( العقد الفريد للملك السعيد - ط ) و ( مطالب السول في مناقب آل الرسول - ط ) و ( الدر المنظم في السر الأعظم - خ ) و ( مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح - خ ) تصوف ، و ( نفائس العناصر لمجالس الملك الناصر - خ ) . (1)
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعلام - خير الدين الزركلي - ج 6 - ص 175
اللهم صل على المصطفى وآله النجباء
العلامه كمال الدين محمد بن طلحه الشافعي يستنتج أن المهدي المقصود في روايات أهل السنه هو نفسه المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام ويجيب على الشبهات المتعلقه به
أضع لكم كلامه من الباب الثاني عشر من كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :
محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين ابن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا الخلف الحجة قد أيده الله * هداه منهج الحق وأتاه سجاياه وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه * وأتاه حلى فضل عظيم فتحلاه وقد قال رسول الله قولا قد رويناه * وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه ترى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه * وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه ويكفي قوله مني لإشراق محياه * ومن بضعته الزهراء (مرساه ومسراه ولن يبلغ ما أويته أمثال وأشباه * فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بمافاه قد رتع من النبوة في أكناف عناصرها، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها، وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخياصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلا عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصلها وإنها لأشرف العناصر والأصول.
فأما مولده: فبسر من رأى في ثالث وعشرين رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة .
وأما نسبه أبا واما: فأبوه محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.
وأمه: أم ولد تسمى صقيل ، وقيل: حكيمة ، وقيل: غير ذلك .
وأما اسمه: فمحمد.
وكنيته: أبو القاسم . ولقبه: الحجة، والخلف الصالح ، وقيل: المنتظر .
وأما ما ورد عن النبي (ص) في المهدي من الأحاديث الصحيحة:
فمنها:
ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي (رض) كل واحد منهما بسنده في صحيحه، يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
(المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ويملك سبع سنين) .
ومنها: ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه، يرفعه إلى علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا) .
ومنها: ما رواه أيضا أبو داود في صحيحه، يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي (ص) قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) .
ومنها: ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (رضي الله عنه) في كتابه المسمى بشرح السنة، وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم (رض) كل واحد منهما بسنده في صحيحه، يرفعه إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) .
ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في صحيحيهما، كل واحد منهما يرفعه بسنده إلى عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما).
وفي رواية أخرى: (لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
وفي رواية أخرى: إن النبي (ص) قال: (يأتي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
هذه الروايات عن أبي داود والترمذي (رض) .
ومنها: ما نقله الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (رض) في تفسيره يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): (نحن ولد عبد المطلب سادة الجنة، أنا، وحمزة، وجعفر، وعلي، والحسن، والحسين، والمهدي) .
فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة بجملتها وأفرادها، متفق على صحة إسنادها، ومجمع على نقلها عن رسول الله (ص) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنه من رسول الله (ص)، وأنه من عترته، وأنه من أهل بيته، وأن اسمه يواطئ اسمي، وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا، وأنه من ولد عبد المطلب، وأنه من سادات الجنة، وذلك مما لا نزاع فيه، غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره (ص) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح (عليه السلام) فإن ولد فاطمة (عليها السلام) كثيرون، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة، وأنه من العترة الطاهرة، وأنه من أهل البيت (عليهم السلام)فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم.
فجوابه: إن رسول الله (ص) لما وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعددة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة (عليها السلام) وإلى عبد المطلب، وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي وثبتت له الأحكام المذكورة وهو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنه صاحبها وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (ص) وذلك ممتنع.
فان قال المعترض: لا يتم العمل به بالعلامة والدلالة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعينه لها، فأما إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله (ص) إلى ولادة الخلف الصالح الحجة محمد (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليه السلام) شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) كثرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الإيان فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة محمد المذكور (عليه السلام).
فالجواب: أنكم إذا عرفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه، وما ذكرتموه من احتمال أن تجدد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات، لا يكون قادحا في أعمال الدلالة، ولا مانعا من ترتيب حكمها عليها، فإن دلالة الدليل راجحة لظهورها واحتمال تجدد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام (الشرعية) إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا.
والذي يوضح ذلك ويؤكده، أن رسول الله (ص) فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، يرفعه بسنده قال لعمر بن الخطاب: (يأتي عليك مع امداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) .
فالنبي (ص) ذكر اسمه ونسبه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة على أن المسمى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على الله لأبره، وأنه أهل لطلب الاستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند الله عظيم.
فلم يزل عمر بعد وفاة رسول الله (ص) وبعد وفاة أبي بكر يسأل إمداد اليمن من الموصوف بذلك، حتى قدم وفد من اليمن فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك، فلميتوقف عمر في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله (ص) بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار، وجزم أنه المشار إليه في الحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات، فإن قبيلة مراد كثيرة والتوالد فيها كثير وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود، وكذلك قضية الخوارج لما وصفهم رسول الله (ص) بصفات ورتب عليها حكمهم ثم بعد ذلك لما وجدها علي (عليه السلام) موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان، جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.
ونزيده بيانا وتقريرا فنقول: لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل فيه والمصير إليه، فمن تركه وقال: بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف المليم، ويدل على ذلك أن الله عز وجل لما أنزل في التوراة على موسى أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له، وصار قوم موسى (عليه السلام) يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث، فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهددون المشركين به ويقولون: سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته كذا ونستعين به على قتالكم.
فلما بعث (ص) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه وقالوا: ليس هذا هو، بل هو غيره وسيأتي.
فلما جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة وجنحوا إلى الاحتمال، وهذه القصة من أكبر الأدلة، وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الأدلة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) تعين إثبات كون المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال.
فإن قال المعترض: نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمد (عليه السلام) فإن من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطئا لاسم أب النبي (ص) هكذا به صرح الحديث النبوي على ما أوردوه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإن اسم أبيه الحسن واسم أب النبي (ص) عبد الله وأين الحسن من عبد الله؟
فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، وإذا لم يوجد جزء العلة لا يثبت حكمها، فإن الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام، إذ النبي (ص) لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفات فيه كلها التي جزؤها مواطاة اسمي الأبوين في حقه، وهذه لم تجتمع في الحجة الخلف، فلا تثبت تلك الأحكام له وهذا إشكال قوي.
فالجواب: لابد قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبتني عليهما الغرض:
الأول: إنه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالى: * (ملة أبيكم إبراهيم) * وقال تعالى حكاية يوسف (عليه السلام): * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحق) * ونطق بذلك النبي (ص) في حديث الإسراء أنه قال: قلت: (من هذا؟) قال: أبوك إبراهيم .
فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا. فهذا أحد الأمرين.
الأمر الثاني: إن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم (رض) كل منهما يرفعه إلى سهل بن سعد الساعدي، أنه قال عن علي (عليه السلام): إنرسول الله (ص) سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه
فأطلق لفظة الاسم على الكنية، ومثل ذلك قال الشاعر:
أجل قدرك أن تسمى مؤمنته * ومن كناك فقد سماك للعرب ويروى من يصفك، فاطلق التسمية على الكناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب.
فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين فاعلم أيدك الله بتوفيقه، أن النبي (ص) كان له سبطان: أبو محمد الحسن وأبو عبد الله الحسين، ولما كان الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله الحسين، ولم يكن من ولد أبي محمد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله فاطلق النبي (ص) على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب فكأنه قال:
يواطئ اسمه اسمي، فهو محمد وأنا محمد وكنية جده اسم أبي، إذ هو أبو عبد الله وأبي عبد الله لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، وحينئذ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام)، وهذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال فافهمه.
وأما ولده: فلم يكن له ولد ليذكر لا أنثى ولا ذكر.
وأما عمره: فإنه ولد في أيام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن، فلم يمكن ذكر ذلك إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة، ولوازم عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدرته لم يجدوا إلى ذلك سبيلا، ولا نقل طرف تطلعهم إليه حسيرا وحده كليلا، وأملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إلى حين، فقد مد الله تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء: عيسى (عليه السلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخرون من الأنبياء طالت أعمارهم، حتى جاز كل واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح (عليه السلام) وغيره.
وأما من الأعداء المطرودين: فإبليس، وكذلك الدجال، ومن غيرهم كعاد الأولى، كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب لبد .
وكل هذه لبيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه، فأي مانع يمنع من امتداد عمر الصالح الخلف الناصح إلى أن يظهر فيعمل ما حكم الله له به؟ ) انتهى النقل من كتاب العلامه كمال الدين محمد بن طلحه الشافعي
أقول : وهذه ترجمة العلامه محمد بن طلحه الشافعي :
* ( أبو سالم النصيبي ) *
( 582 - 652 ه = 1186 - 1254 م )
محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن ، كمال الدين القرشي النصيبي العدوي الشافعي ، أبو سالم : وزير من الأدباء الكتاب . ولد بالعمرية ( من قرى نصيبين ) ورحل إلى نيسابور ، وولي الوزارة بدمشق ، ثم تركها وتزهد . وتوفي بحلب . له ( العقد الفريد للملك السعيد - ط ) و ( مطالب السول في مناقب آل الرسول - ط ) و ( الدر المنظم في السر الأعظم - خ ) و ( مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح - خ ) تصوف ، و ( نفائس العناصر لمجالس الملك الناصر - خ ) . (1)
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعلام - خير الدين الزركلي - ج 6 - ص 175