حفيد الكرار
10-07-2014, 02:38 PM
العدل الاِلهي و المصائب والبلايا
المصائب والبلايا في حياة الاِنسان من المسائل الشائكة التي شغلت بال المتكلمين والحكماء، فراحوا يبحثون عنها في الاَبواب الاَربعة التالية:
1. التوحيد في الخالقية.2 . النظام الاَحسن.3. حكمته سبحانه.4. عدله سبحانه.
زعموا أنَّ وجود البلايا و المصائب تخلُّ بالتوحيد في الخالقيَّة لاَنَّه خير محض فكيف صار مصدراً للشر المطلق؟!، ربما زلّت أقدام بعضهم إلى الثنوية، وزعموا انّخالق الخير غير خالق الشر وانّهناك خالقين مختلفين.
كما زعموا انّ المصائب والبلايا تخل بالنظام الاَحسن الذي يجب أن يخلو عن كلّ شر.
كما انّها أيضاً لا تلائم حكمته سبحانه فإذا كان حكيماً فما معنى قتل النفوس بالنوازل والحوادث.
وأخيراً انّها تضاد عدله سبحانه.
وعلى كلّ تقدير فبما انّ هذه المسألة من المسائل العويصة لها صلة بالاَبواب الاَربعة المذكورة سالفاً، و وقعت محطَّ اهتمام الحكماء الاِسلاميين، و بما انّ البحوث المذكورة في هذا القسم تتمحور حول عدله سبحانه فنحن نتناول هذه المسألة من تلك الزاوية فقط.* ولاَجل إيضاح الاِشكال نأتي بما يلي:
إنّ البحث في المقام يدور حول محاور ثلاثة:
الاَوّل: البلايا والمصائب والعدل الاِلهي
إنّ من يظن انّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام، لاَذعن انّها خير برمّتها، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي:
ما ليس موزوناً لبعض من نغم * ففي نظام الكلِّ كل منتظم
إنّ من ينظر إلى هذه الظواهر من منظار خاص ويتجاهل غير نفسه في العالم، ففي نظره تتجلى هذه الحوادث أمامه شرّاًً وبليّة، وأمّا إذا نظر إليها من منظار خارج عن إطار الاِنانية والمصالح الشخصية الضيِّقة، تنقلب هذه الحوادث عنده إلى الخير والصلاح ، وتكتسي ثوبَ العدل، ولبيان ذلك نضرب مثالاً:
إنّ الاِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه، ولاَجل ذلك يصفها بالبلاء، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث
والظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.
وما أشبه حال هذا الاِنسان في مثل هذه الروَية المحدودة بعابر يرى جرَّافة تحفر الاَرض و تهدم بناءً وتثير الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنّه ضارّ و سيءّ، ولكن المسكين لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيّىَ للمحتاجين للعلاج، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الاَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولوصف ذلك التهديم بأنّه خير.
إذا علمت ذلك، فنحن نذكر مثالاً من نفس ما نحن بصدده.
إذا هبّت عاصفة هوجاء على السواحل، فبما أنها تقطع الاَشجار و تدمّر المنازل القريبة من الساحل، حينها توصف بالشرِّ والبلية، ولكنّها من جهة أُخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من النجاة.
إنّ هذه العاصفة وإن كان يُكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعّالة في عملية تلقيح الاَزهار، و إثارة السحب للمطر، وتبيد الاَدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع و المعامل، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.
إنّ السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الاِنسان وضآلته ولو وقف على أسرارها التي ربما تظهر بعد سنين لرجع عن قضائه، ويُرتّل قوله سبحانه: (رَبّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ). (آل عمران: 191) و بقوله سبحانه : (وما أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إِلاّقَليلاً) .( الاِسراء: 85)
* الآثار التربوية للبلايا والمصائب
إنّ للبلايا و المصائب آثاراً تربوية تُضفي على العمل وصفَ الخير الكثير في مقابل الشر القليل، وهذه الآثار عبارة عمّا يلي:
أ: تفجير الطاقات:
إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وتقدم العلوم ورقي الحياة، فانّ الحضارات لم تزدهر إلاّ في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات، ففي مثل هذه الظروف تتفتح القابليات إلى جبران ما فات وتتميم ما نقص. فإذا لم يتعرض الاِنسان إلى ضروب من المحن فانّ طاقاته تبقى كامنة ،وإنّما تتفتح في خضمِّ المصائب والشدائد. وإلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه: (فَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: 19)
ب: المصائب والبلايا جرس إنذار
كلّما ازداد الاِنسان توغّلاً في اللذائذ والنعم ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية، وهذه حقيقة يلمسها كلّ إنسان في حياته فلابدّ من انتباه الاِنسان من الغفلة، من خلال جرس إنذار يذكّر ويوقظ فطرته وينبّهه من غفلته، وليس هو إلاّ بعض الحوادث التي تقطع وتيرة الحياة الرغيدة، حتى يتخلّى عن غروره و يخفّف من حدة طغيانه، وإلى هذا الجانب يشير قوله سبحانه: (إنَّ الاِنْسانَ ليَطْغَى* أنْ رآهُ اسْتَغْنَى) .( العلق: 6 ـ 7)
وبذلك يعلّل قوله سبحانه نزول الحوادث، ويقول: (وَما أَرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) .( الاَعراف: 94)
إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى أن الهدف من وراء نزول البلايا هو تخلّي الاِنسان عن غروره.
ج: تقاعس الاِنسان عن تحمل مسوَوليته
إنّ ما يسمّيه الاِنسان بالبلايا والشرور لم يكتب عليها الشرُّ على وجه الاِطلاق بل تتَّبع الظروف، فالسيل الجارف يُعد شراً في البلاد المتخلِّفة عن ركب الحضارة، و أمّا في البلاد المتقدمة فيعد خيراً، لاَنّها تقوم بمشاريع بناء السدود بغية جمع مياه تلك السيول واستثمارها في انتاج الطاقة الكهربائية، ولذلك قلنا إنّه لم يكتب على السيل أنَّه شرٌّ أو خير و انّما هو يتَّبع همة الاِنسان وقيامه بمسوَوليته في إعمار البلاد.
وهكذا الزلازل الاَرضية فقد تُسبّب أضراراً فادحة في البلاد النائية المتخلّفة وتوَدّي إلى إزهاق أرواح كثيرة، وهذا بخلاف البلاد المتطورة فقد اتخذت التدابير اللازمة للوقاية من دمار الزلازل من خلال تشييد المدن والقرى على دعائم متينة لا تتأثر بالزلازل إلاّالقليل.
وبذلك تبيَّن انّ ما يسميه البشر بالبلايا و المصائب ليس على إطلاقها بلاءً بل لها فوائد وآثار اجتماعية وأخلاقية مهمة.
وإليك الكلام في المحور الثاني.
* الثاني: اختلاف الناس في المواهب العقلية والاستعدادت
إنّ الاختلاف في الاستعدادات أساس النظام وبقاء الحضارة، فلو خلق الناس على استعداد واحد لانفصم النظام وتقوّضت أركانه.
يقول الاِمام أمير الموَمنينعلي - عليه السّلام- : «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا». (1)
فالمجتمع الاِنساني يزهو باستعدادات مختلفة كلّ يتحمل مسوَولية في المجتمع، فمقتضى الحكمة خلق الناس بمواهب مختلفة كي يقوم كلّ حسب استعداده، و مثل هذا يوَكد الحكمة ولا ينافي العدل.
وإنّما يلزم الجور إذا كانت هناك طوائف متنعمة بكافة المواهب، وطوائف أُخرى محرومة منها، ولكن الواقع خلاف ذلك.
* الثالث: الفواصل الطبقية بين الناس
لا شكّ انّ المجتمع الاِنساني يضمّ في طياته طبقات اجتماعية مختلفه من حيث الفقر والغنى، فهناك طبقة تهلكها التخمة،وطبقة أُخرى تموت جوعاً، وقد عدّ ذلك مظهراً لخلاف عدله. ولكن الحقّ غير ذلك، فالاِنسان الجاهل ينسب تلك المحنة إلى خالق الكون، مع أنّ الصواب أن ينسبه إلى نفسه ونتيجة عمله، فانّ الاَنظمة الجائرة هي التي سبَّبت تلك المحن وأوجدت تلك الكوارث، ولو كانت هناك أنظمة قائمة على أُسس إلهية لما تعرض البشر لها.
يقول الاِمام الصادق - عليه السّلام- في حديث:«إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض للفقراء في مال الاَغنياء ما يسعهم، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم إنّهم لم يوَتوا من قبل فريضة اللّه عزّوجلّ (2) ولكن أوتوا مِن منع مَن مَنعهم حقّهم لا ممّا فرض اللّه لهم، ولو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير».(3)
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة انّ الظواهر غير المتزنة حسب النظرة السطحية متزنة بالقياس إلى مجموع النظام ولها آثار اجتماعية وتربوية هامة قد بسطنا الكلام فيها في بعض مسفوراتنا.
* الشيخ جعفر السبحاني
المصادر:
(1) أمالي الصدوق:267.
(2)اي لم يوَتوا عدم السعة من قبل فريضة اللّه بل مِن منع مَن منعهم.
(3)الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ماتجب فيه الزكاة، الحديث 1.
العدل الالهي ومسالة الخلود
حقيقة البداء في ضوء الكتاب والسُّنة
الأثر التربوي للبداء
في العدل والتكليف والقضاء والقدر
المصائب والبلايا في حياة الاِنسان من المسائل الشائكة التي شغلت بال المتكلمين والحكماء، فراحوا يبحثون عنها في الاَبواب الاَربعة التالية:
1. التوحيد في الخالقية.2 . النظام الاَحسن.3. حكمته سبحانه.4. عدله سبحانه.
زعموا أنَّ وجود البلايا و المصائب تخلُّ بالتوحيد في الخالقيَّة لاَنَّه خير محض فكيف صار مصدراً للشر المطلق؟!، ربما زلّت أقدام بعضهم إلى الثنوية، وزعموا انّخالق الخير غير خالق الشر وانّهناك خالقين مختلفين.
كما زعموا انّ المصائب والبلايا تخل بالنظام الاَحسن الذي يجب أن يخلو عن كلّ شر.
كما انّها أيضاً لا تلائم حكمته سبحانه فإذا كان حكيماً فما معنى قتل النفوس بالنوازل والحوادث.
وأخيراً انّها تضاد عدله سبحانه.
وعلى كلّ تقدير فبما انّ هذه المسألة من المسائل العويصة لها صلة بالاَبواب الاَربعة المذكورة سالفاً، و وقعت محطَّ اهتمام الحكماء الاِسلاميين، و بما انّ البحوث المذكورة في هذا القسم تتمحور حول عدله سبحانه فنحن نتناول هذه المسألة من تلك الزاوية فقط.* ولاَجل إيضاح الاِشكال نأتي بما يلي:
إنّ البحث في المقام يدور حول محاور ثلاثة:
الاَوّل: البلايا والمصائب والعدل الاِلهي
إنّ من يظن انّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام، لاَذعن انّها خير برمّتها، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي:
ما ليس موزوناً لبعض من نغم * ففي نظام الكلِّ كل منتظم
إنّ من ينظر إلى هذه الظواهر من منظار خاص ويتجاهل غير نفسه في العالم، ففي نظره تتجلى هذه الحوادث أمامه شرّاًً وبليّة، وأمّا إذا نظر إليها من منظار خارج عن إطار الاِنانية والمصالح الشخصية الضيِّقة، تنقلب هذه الحوادث عنده إلى الخير والصلاح ، وتكتسي ثوبَ العدل، ولبيان ذلك نضرب مثالاً:
إنّ الاِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه، ولاَجل ذلك يصفها بالبلاء، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث
والظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.
وما أشبه حال هذا الاِنسان في مثل هذه الروَية المحدودة بعابر يرى جرَّافة تحفر الاَرض و تهدم بناءً وتثير الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنّه ضارّ و سيءّ، ولكن المسكين لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيّىَ للمحتاجين للعلاج، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الاَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولوصف ذلك التهديم بأنّه خير.
إذا علمت ذلك، فنحن نذكر مثالاً من نفس ما نحن بصدده.
إذا هبّت عاصفة هوجاء على السواحل، فبما أنها تقطع الاَشجار و تدمّر المنازل القريبة من الساحل، حينها توصف بالشرِّ والبلية، ولكنّها من جهة أُخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من النجاة.
إنّ هذه العاصفة وإن كان يُكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعّالة في عملية تلقيح الاَزهار، و إثارة السحب للمطر، وتبيد الاَدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع و المعامل، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.
إنّ السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الاِنسان وضآلته ولو وقف على أسرارها التي ربما تظهر بعد سنين لرجع عن قضائه، ويُرتّل قوله سبحانه: (رَبّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ). (آل عمران: 191) و بقوله سبحانه : (وما أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إِلاّقَليلاً) .( الاِسراء: 85)
* الآثار التربوية للبلايا والمصائب
إنّ للبلايا و المصائب آثاراً تربوية تُضفي على العمل وصفَ الخير الكثير في مقابل الشر القليل، وهذه الآثار عبارة عمّا يلي:
أ: تفجير الطاقات:
إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وتقدم العلوم ورقي الحياة، فانّ الحضارات لم تزدهر إلاّ في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات، ففي مثل هذه الظروف تتفتح القابليات إلى جبران ما فات وتتميم ما نقص. فإذا لم يتعرض الاِنسان إلى ضروب من المحن فانّ طاقاته تبقى كامنة ،وإنّما تتفتح في خضمِّ المصائب والشدائد. وإلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه: (فَعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: 19)
ب: المصائب والبلايا جرس إنذار
كلّما ازداد الاِنسان توغّلاً في اللذائذ والنعم ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية، وهذه حقيقة يلمسها كلّ إنسان في حياته فلابدّ من انتباه الاِنسان من الغفلة، من خلال جرس إنذار يذكّر ويوقظ فطرته وينبّهه من غفلته، وليس هو إلاّ بعض الحوادث التي تقطع وتيرة الحياة الرغيدة، حتى يتخلّى عن غروره و يخفّف من حدة طغيانه، وإلى هذا الجانب يشير قوله سبحانه: (إنَّ الاِنْسانَ ليَطْغَى* أنْ رآهُ اسْتَغْنَى) .( العلق: 6 ـ 7)
وبذلك يعلّل قوله سبحانه نزول الحوادث، ويقول: (وَما أَرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) .( الاَعراف: 94)
إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى أن الهدف من وراء نزول البلايا هو تخلّي الاِنسان عن غروره.
ج: تقاعس الاِنسان عن تحمل مسوَوليته
إنّ ما يسمّيه الاِنسان بالبلايا والشرور لم يكتب عليها الشرُّ على وجه الاِطلاق بل تتَّبع الظروف، فالسيل الجارف يُعد شراً في البلاد المتخلِّفة عن ركب الحضارة، و أمّا في البلاد المتقدمة فيعد خيراً، لاَنّها تقوم بمشاريع بناء السدود بغية جمع مياه تلك السيول واستثمارها في انتاج الطاقة الكهربائية، ولذلك قلنا إنّه لم يكتب على السيل أنَّه شرٌّ أو خير و انّما هو يتَّبع همة الاِنسان وقيامه بمسوَوليته في إعمار البلاد.
وهكذا الزلازل الاَرضية فقد تُسبّب أضراراً فادحة في البلاد النائية المتخلّفة وتوَدّي إلى إزهاق أرواح كثيرة، وهذا بخلاف البلاد المتطورة فقد اتخذت التدابير اللازمة للوقاية من دمار الزلازل من خلال تشييد المدن والقرى على دعائم متينة لا تتأثر بالزلازل إلاّالقليل.
وبذلك تبيَّن انّ ما يسميه البشر بالبلايا و المصائب ليس على إطلاقها بلاءً بل لها فوائد وآثار اجتماعية وأخلاقية مهمة.
وإليك الكلام في المحور الثاني.
* الثاني: اختلاف الناس في المواهب العقلية والاستعدادت
إنّ الاختلاف في الاستعدادات أساس النظام وبقاء الحضارة، فلو خلق الناس على استعداد واحد لانفصم النظام وتقوّضت أركانه.
يقول الاِمام أمير الموَمنينعلي - عليه السّلام- : «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا». (1)
فالمجتمع الاِنساني يزهو باستعدادات مختلفة كلّ يتحمل مسوَولية في المجتمع، فمقتضى الحكمة خلق الناس بمواهب مختلفة كي يقوم كلّ حسب استعداده، و مثل هذا يوَكد الحكمة ولا ينافي العدل.
وإنّما يلزم الجور إذا كانت هناك طوائف متنعمة بكافة المواهب، وطوائف أُخرى محرومة منها، ولكن الواقع خلاف ذلك.
* الثالث: الفواصل الطبقية بين الناس
لا شكّ انّ المجتمع الاِنساني يضمّ في طياته طبقات اجتماعية مختلفه من حيث الفقر والغنى، فهناك طبقة تهلكها التخمة،وطبقة أُخرى تموت جوعاً، وقد عدّ ذلك مظهراً لخلاف عدله. ولكن الحقّ غير ذلك، فالاِنسان الجاهل ينسب تلك المحنة إلى خالق الكون، مع أنّ الصواب أن ينسبه إلى نفسه ونتيجة عمله، فانّ الاَنظمة الجائرة هي التي سبَّبت تلك المحن وأوجدت تلك الكوارث، ولو كانت هناك أنظمة قائمة على أُسس إلهية لما تعرض البشر لها.
يقول الاِمام الصادق - عليه السّلام- في حديث:«إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض للفقراء في مال الاَغنياء ما يسعهم، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم إنّهم لم يوَتوا من قبل فريضة اللّه عزّوجلّ (2) ولكن أوتوا مِن منع مَن مَنعهم حقّهم لا ممّا فرض اللّه لهم، ولو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير».(3)
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة انّ الظواهر غير المتزنة حسب النظرة السطحية متزنة بالقياس إلى مجموع النظام ولها آثار اجتماعية وتربوية هامة قد بسطنا الكلام فيها في بعض مسفوراتنا.
* الشيخ جعفر السبحاني
المصادر:
(1) أمالي الصدوق:267.
(2)اي لم يوَتوا عدم السعة من قبل فريضة اللّه بل مِن منع مَن منعهم.
(3)الوسائل: 6، الباب 1 من أبواب ماتجب فيه الزكاة، الحديث 1.
العدل الالهي ومسالة الخلود
حقيقة البداء في ضوء الكتاب والسُّنة
الأثر التربوي للبداء
في العدل والتكليف والقضاء والقدر