المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الصادق(ع) وتجربة بناءالجامعةالإسلامية


حفيد الكرار
27-07-2014, 10:14 PM
الإمام الصادق(ع) وتجربة بناءالجامعةالإسلامية

من مؤلفات الاستاذ راشد الراشد، باحث اسلامي وقيادي في تيار العمل الإسلامي البحريني.
الإمام الصادق(ع) وتجربة بناءالجامعةالإسلامية
ومن الواضح أن لدي الإمام الصادق (ع) عدد لا بأس به من الكوادر اللذين إستطاعوا إستلام مناصب عديدة في الدولة، وربما كان البعض منهم يجاهر بولاءه للخط الرسالي ومحبته لآل البيت (ع).
ومن بين أولئك الكوادر اللذين تسللوّا وتمكنوا من إحتلال مواقع متقدمة في أجهزة الدولة الباسية «يحيي بن خالد البرمكي» حيث تولي ولاية الأهواز وكان الإمام الصادق (ع) يراسله بإستمرار ويسدي له النصح والتوجيهات الإدارية والقيادية اللازمة، ومنهم أيضاً «ربيع» الذي كان حاجباً (31) للمنصور، الذي كانت له مواقف إيجابية عديدة خدم بها التحرك الإسلامي، ففي اليوم الذي جاء المنصور بالإمام الصادق (ع) قال (ع) لربيع: (ياربيع أنا أعلم ميلك الينا فدعني أصلي ركعتين)(14).
فقال له الربيع: شأنك وما تشاء ... بعد ذلك بكي الربيع فصلي الإمام ركعتين، وبعدها دخل علي المنصور وكان قد جعل سيفاًتحت لبده (وهو الصوف المتلبد) وكلما يحتد النقاش بينه وبين الإمام (ع) كان المنصور يقبض علي السيف فقال الربيع في نفسه: أن أمرني فيه بأمر أعصيه،لأنني ظننت أنه يامرني أن آخذ السيف لأضرب به عنق الإمام (ع) فإن أمرني ضربت المنصور نفسه وإن أتي ذلك عليّ وعلي ولدي..
ومن الكوادر أيضاً الذي أصبح فيها بعد وزيراً آخر للبلاط العباسي ابراهيم بن جبلة.
ومنهم الوزراء أيضاً كالفضل بن يحيي، وخالد والفضل بن سهل، ويعقوب بن داود، وأبي سلمه وابنه، والربيع وابنه الفضل بن الربي,، وعلي بن يقطين وأولاده، وسليمان بن جعفر.
ومنهم الولاة في الإمصار كزياد بن عبد الله عامل المنصور علي المدينة. ووالي الأهواز خالد بن يحيي الرمكي. ومنهم المتنفذين في الجيش ومختلف مراكز القوي في جهاز الدولة العباسية، وكانوا يستفيدون من مواقعهم هذه تحت إشراف قيادة الإمام (ع) في خدمة أهداف وتطلعات التحرك الإسلامي، حيث كان الإمام الصادق يولي إهتماماً بالغاً بهم ويواصلهم باستمرار عبر الرسائل، أو ارسال المبعوثين من كوادر الأمة رغم صعوبة ذلك حينها، ويعطيهم التوجيهات والإرشادات الازمة.
وبالفعل كان تحرك الإمام الصادق (ع) من الناحية السياسية دقيقاً للغاية حيث الظروف المتشابكة والمعقدة في آن معاً، إذ لم يكن من السهل علي قيادة، غير شخص الإمام (ع) قادرة علي توجيه محاور تحرك قد تبدو متعارضة، حين النظر اليها بصورة كليه دون التمعن في جذورها وخلفياتها الواقعية التي أملتها.
وكم خدم هذا التحرك السياسي وبهذا الشكل الذي قام به الإمام الصادق (ع) مسيرة الأمة في الفترات التالية من عمر الصراع.
إذ يمكننا القول إن هذا التحرك من أحد أبرز الأمور التي ساعدت علي انجاح خط الإمام (ع) لصناعة وايجاد جيل من الطاقات والكوادر الكفوءة التي تتحمل أعباء العمل الرسالي لاحقاً. والتي ساهمت بدورها في ابقاء جذوة الأمل وشعاع النور يشع في نفوس أبناء الأمة ولحد يومنا هذا.
المحور الثالث: مواجهة موجة الالحاد والمدارس الفكرية المنحرفة التي تمخضت وسادت في تلك الفترة، لأسباب عديدة لسنا بصدد ذكرها الآن.
فمن المعروف أن الإمام الصادق (ع) فتح باباً عريضا للحوار مع كل أدعياء العلم والمعرفة والخلق. كما إنه فتح بابه لكل من أراد إسقاط الحجة عليه، فقلب عليهم السحر الذي جاءوا به.
وربما يعود توجه الإمام (ع) إلي هذا النمط من المحاججة إلي الأسباب الآتية:
1/ رواج بعض المذاهب الفكرية المبتدعة _ كالتي مر ذكرها_.
2/ ظهور تيارات فكرية جديدة عن طريق ترجمة الكتب الإغريقية والفارسية والهندية التي مهدت الأرضية لشياع بعض المدارس الفكرية المختلفة كالزنادقة والغلاة وغيرهم.
وأراد من وراء ذلك تحقيق عدد من الأهداف أبرزها، تأكيد دوره القيادي في الأمة بتوقه العلمي، الذي عجزت عن مجاراته العقول الملوثة بالأفكار المنحرفة والضالة في الأمة من جميع اتجاهاتها ومصادرها الفكرية، وكذا إعداده لجيل من الطاقات والكوادر الكفوءة المؤهلة للتصدي وتحمل أعباء نشر المفاهيم الإسلامية الرسالية الصحيحة في الأمة، وترشيد المسيرة الفكرية والتشريعية في الأمة حسب الأصول الإسلامية التي جاءت بها الشريعة السمحاء من ربّ العالمين _عزوجل_.
وهنا نورد مقتطفات من بعض المواقف التي دونها التاريخ في هذا الإتجاه للإمام الصادق (ع):
عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فهيم عمرو بن عبيد، واختلف أهل الشام بينهم فتكلّموا وأكثروا، وخطبوا فأطالوا، فقال لهم أبو عبدالله جعفر بن محمد (ع): إنكم قد أكثرتم عليَّ وأطلتم، فأسندوا أمركم إلي رجل منكم بحجتكم وليوجز فأسندوا أمرهم إلي عمروبن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم، وضرب الله بعضهم ببعض، وتشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروَّة، ومعدن للخلافة، وهو محمد بن عبدالله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه، ثم نظهر أمرنا معه وندعوا الناس إليه فمن بايعه كنا معه، وكان معه، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه، ونصبنا له علي بغيه وردّه إلي الحق وأهله وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فأنه لا غني بنا عن مثلك، لفضلك وكثر شيعتك، فلما فرغ قال أبو عبدالله (ع) أكلكم علي مثل ما قال عمرو؟ قالوا نعم، فحمد الله وأثني عليه وصلي علي النبي (ص) ثم قال: إنما نسخط إذا عُصي الله، فإذا أُطيع رضينا، أخبر يا عمرو لو أن الأمة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مؤنه، فقيل لك: ولِّها من شئت من كنت تولِّي؟ قال: كنت أجعلها شوري بين المسلمين قال: بين كلهم؟ قال: نعم، قال: بين فقها ئهم وخيارهم؟ قال: نعم، قال: قريشي وغيرهم؟ قال العرب والعجم، قال أخبرني يا عمرو أتتولّي أبابكر وعمر؟ أو تتبرأ منهما؟ قال أتولّاهما قال: يا عمرو إن كنت رجلاً تتبرّأ منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما، قد عهد عمر إلي أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحداً ثم ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور أحداً ثم جعلها عمر شوري بين ستة، فأخرج عنها الأنصار غير أولئك الستة من قريش ثم أوصي فيهم الناس بشيء «ما أراك ترضي به أنت ولا أصحابك. قال وما أصنع؟ قال: » أمر صهيب أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاوروا أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم، إن ابن عمر ويشاورونه وليس له من الأمر شيء، وأوصي من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الإثنين، أفترضون بذا فيما تجعلون من الشوري في المسلمين؟ قالوا: لا، قال: يا عمرو دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعوا إليه، ثم إجتمعت لكم الأمة ولم يختلف عليكم فيها رجلان، فأفضيتم إلي المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله (ص) في المشركين في حربه؟ قالوا: نعم، قال: فتصنعون ماذا؟ قالوا: ندعوهم إلي الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلي الجزيه،قال: وإن كانوا أهل الأوثان وعبدة النيران والبهائم وليسوا بأهل كتاب؟ قالوا: سواء، قال: فأخبرني عن القرآن أتقرأه؟ قال: نعم، قال: أقرأت ( وقاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب حتي يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
قال: فاستثن الله عزوجل واشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم قال (ع): عمن أخذت هذا؟ قال: سمعت الناس يقولونه، قال: فدع ذا فإنهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم وظهرت عليهم، كيف تصنع بالغنيمة؟ قال: أخرج الخمس وأخرج أربعة أخماس بين من قاتل عليها قال: تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟ قال: نعم، قال: قد خالفت رسول الله (ص) في فعله وفي سيرته وبيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم، فسلهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله (ص) إنما صالح الأعراب علي أن يدعهم في ديارهم، وأن لايهاجروا علي أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم من الغنيمة نصب وأنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول الله (ص) في سيرته في المشركين، دع ذا ماتقول في الصدقة؟ قال: فقرأ عليه هذه الآية (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعالمين عليها) قال: نعم فكيف تقسم بينهم؟ قال: أقسمها علي ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءاً قال (ع): إن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف رجلاً واحداً، ورجلين وثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم قال: وكذا تصنع بين صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: فخالفت رسول الله (ص) في كل ما به أتي في سيرته، كان رسول الله (ص) يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي. وصدقة الحضر في أهل الحضر لايقسمه بينهم بالسويه، إنما يقسم علي قدر ما يحضره منهم وعلي مايري فإن كان في نفسك شيء ما قلت، فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم لا يختلفون في أن رسول الله (ص) كذا كان يصنع، ثم أقبل علي عمرو وقال: اتق الله يا عمرو، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله أن رسول الله قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلي نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف(51).
علي، عن أبيه، عن نوح بن شعيب، ومحمد بن الحسن قال: سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له: أليس الله حكيماً؟ قال: بلي هو أحكم الحاكمين قال: فأخبرني عن قول الله عزوجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) أليس هذا فرض!؟ قال: بلي، قال: فأخبرني عن قوله عزوجل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) أي حكيم يتكلم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب فرحل إلي المدينة إلي أبي عبدالله (ع) فقال: ياهشام في غير وقت حجّ ولا عمرة!! قال: نعم جُعلت فداك لأمر أهمني إن ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء، قال: وما هي؟ قال: فأخبره بالقضية، فقال له أبو عبدالله (ع) أما قوله عزوجل: (فانكحوا ما طاب من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) يعني في النفقة.
وأمّا قوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) يعني في المودة قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال: والله ما هذا من عندك(61)!
وهكذا إستطاع الإمام الصادق (ع) خلال فترة إمامته التي امتدت زهاء ألـ 34 عاماً في أن يصنع مدرسته الرسالية وحركته الفكرية، العقائدية، والسياسية في مواقع أكثر تقدماً وقوة من ذي قبل.
ولمّا بدأ يتصاعد نجم التحرك الرسالي في هذه الفترة دسّ المنصور العباسي السم إلي الإمام الصادق (ع) علي يد عامله بالمدينة فاستشهد غريباً مظلوماً في 25 شوال عام 148هـ.
وبمقتله تنتهي واحدة من الفصول المهمة في حياة الأمة حيث تبدأ مرحلة جديدة من العمل والتحرك عند الإمام الكاظم (ع) نقرأ بعضاً من تفاصيلها المهمة في الصفحات القادمة.
----------------------
1) التي استغرقت 34 عاماً.
2)آل عمران/137
3) فاطر/43.
4) لقد عاصر الامام الصادق ع) کلاّ من ثورة زيد بن علي بن الحسين سنة 122هـ وثورة يحيي بن زيد.
5) انتشرت حرکة المعارضة السياسية للحزب الأموي في أرجاء واسعة من الأمة وکان أحد أبناء محمد بن الحنيفة قائداً لها، وحين عرف الأمويون ذلک و اکتشفوا خطورة التحديات المقبلة استدعاه سليمان بن عبدالملک الي الشام و أکرمه لکنه دس اليه السم فخرج من الشام قاصدا المدينة و في طريقه وصل الي منطقة تسمي (حميمة) وفيها غلب عليه المرض وخشي الموت فتضيع حرکته ولم يوجد هناک رجلاً يوثق به إلا محمد بن علي بن عبدالله بن عباس فخوّل اليه أمور العمل و وضح له أسماء قيادات التحرک في کلا من المغرب و مصر و خراسان و الري و الکوفة والبصرة وأسماء أنصاره و کشف له عن أسرار الحرکة وأهدافها لکن هذا الرجل حوّل مسار هذه الحرة وأعطي زمام أمورها للعباسيين منذ ذلک تمکنوا من الاستيلاء علي مقاليد الخلافة وذلک في سنة 132هـ.
6) الرواندية: نسبة الي رواند القريبة من أصفهان وهم يقدسون ملوکهم و يجعلونهم في مصاف الآلهة.
7) الزنادقة: اختلف في تعريفهم لکن ما يتفق عليه ان حرکة الزندقة خرجت علي الاسلام لتقول أن هناک شريک للخالق وعملت علي اباحة المحرمات وعبثت بالآداب الاجتماعية مما يعد خطرا ما حقاً ماحقاً علي البيئة الاجتماعية.
8) المقنعية: نسبة الي المقنع الذي ظهر في عهد الخليفة العباسي المهدي (158ـ 169هـ) وکان رجلا قبيح المنظر من أهل مروة أعي الألوهية وجد له أنصاراً ومريدين.
9) الخرمية: نسبة الي بابک الخرمي من بلاد فارس أيضا من أدعياء الألوهية.
10) في کتابه الامام الصادق قدوة وأسوة/ص 15
11) راجع الامام الصادق ـ قدوة وأسوةـ للعلّامة المدرسي /ص 16
12) من جملة الثورات التي ساندا الامام (ع) الثورة الزيدية 122 هـ، ثورة يحيي بن زيد، ثورة ذو النفس الزکية 145هـ، ثورة ابراهيم بن عبدالله 145هـ، راجع تاريخ الاسلام/ حسن ابراهيم/ ج 2 ص 144 ومابعدها.
13)تعني کلمة حاجب في ذلک الوقت(وزير البلاط)
14) موسوعة بحار الانوار/ ج 47ص 197.
15) موسوعة بحار الأنوار/ ج 47ص 213 ـ 216.
16) موسوعة بحار الانوار/ ج 47 ص 225

am-jana
27-07-2014, 11:45 PM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

احسنت --- موضوع قيم