مرتضى علي الحلي
02-08-2014, 04:25 PM
معرفة الإمامِ المعصوم بالوصيّة الظاهرة وبالفضل
______________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ معرفة الإمام المعصوم هي معرفة جليّة وواضحة تتجلى بمعرفة نفس شخص الإمام المعصوم بعلمه ومعرفته وفقهه وأن يكون عنده نص وصية ظاهرة ومختومة بختم المعصوم من قبله وأن يكون عنده إرث النبي محمد :ص وآله: وأن يكون من الشهرة بدرجة عالية وقوية وذايعة جدا بحيث يعرف إمامته حتى عامة الناس وصبيتهم .
وقد ورد هذا المعنى والضابط العقدي والقيمي والمقياس الحق عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سدا للباب على الأدعياء والمفترين في كل زمان ومكان
فروى هذا المعنى ( محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد شعر عن هارون بن حمزة
عن عبد الاعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المتوثب على هذا الامر ، المدعي له ،
ما الحجة عليه ؟ قال : يُسأل عن الحلال والحرام ، قال : ثم أقبل علي فقال :
ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الامر أن يكون أولى الناس بمن
كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة
سألت عنها العامة والصبيان : إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون : إلى فلان بن فلان )
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
و (روى علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن
البختري ، عن أبي عبد الله(الإمام الصادق عليه السلام) قال : قيل له ، بأي شئ يعرف الامام ؟ قال :
بالوصية الظاهرة وبالفضل ، إن الامام لا يستطيع أحد ان يطعن عليه في فم ولا
بطن ولا فرج ، فيقال : كذاب ويأكل أموال الناس ، وما أشبه هذا .)
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
إنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد بيّنَ كيفية معرفة إمام الوقت المعصوم والمنصوب من قبل الله تعالى نصاً فقال عليه السلام يُعرفُ الإمامُ بالوصية الظاهرة وبالفضل
والوصيّة الظاهرة هي نص الإمام المعصوم السابق على إمامة الإمام اللاحق من بعده وإعلام الخواص والعوام بذلك تعييناً وتحديدا وتشخيصا.
كما صنع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم ) عندما أوصى بعلي عليه السلام إماما معصوما ومنصوبا للناس أجمعين من بعده وذلك في محافل متعددة في حياة النبي
خاصة في يوم غدير خم الشهير إذ أخذ بيد علي ورفعها وقال هذا مولاي فمن كنتُ مولاه فعلي مولاه .
وأما الفضل فهو أن يكون الإمام المعصوم أعلم الناس وأفضلهم مطلقا في وقته وفي غيره
وقد ورد تفسير وتبين ذلك
( عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : عشر خصال من صفات الامام : العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، و يكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيئ ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه )
وقد علّق الشيخ الصدوق مصنف كتاب الخصال فقال :
معجز الامام ودليله في العلم واستجابة الدعوة
فأما إخباره بالحوادث التي تحدث قبل حدوثها فذلك بعهد معهود إليه من
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنما لا يكون له فيئ لأنه مخلوق من نور الله عز وجل وأما رؤيته من خلفه كما يرى بين يديه فذلك بما أوتي من التوسم والتفرس في الأشياء قال الله
عز وجل : إن في ذلك لآيات للمتوسمين .
كانت لعلي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر خصال
:الخصال : الصدوق :ص428 .
وبهذا القدر المُتيقن من ضابطة معرفة الإمام المعصوم أو وصيه يتبين كذب المُدعين زورا وبطلانا أمثال المدعي أحمد إسماعيل كاطع الذي أدعى الوصاية والإمامة والسفارة والبنوة للإمام المهدي عليه السلام وغيرها من الدعاوى الكاذبة والباطلة دون أن يقيم أدنى حجة أو برهان على ذلك .
فكل ما عنده هو تمسكه بروايةِ وصيةٍ واحدةٍ وردت في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وهي من طرق المخالفين من العامة وقد بان ضعف سندها وعدم توثيق أغلب رواتها لمجهولية حالهم وعدم ورود ذكر لهم في كتب الرجال .
فضلا عن عدم دلالتها على ما يزعم من أنه المهدي الأول من ولد الإمام المهدي عليه السلام
ذلك كون الشيخ الطوسي قد أوردها في مقام إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر المعصومين بالنص والعدد وقد بين هو نفسه رحمه الله ذلك في نفس كتاب الغيبة كما مر في بداية البحث ذكره .
وإن كانت الرواية رواية الوصية قد ذكرت في ذيلها المهديين الأثني عشر من بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام إلاّ أنّ دلالتها الظاهرة والصريحة على فرض التسليم بصحة سندها صدورا تريد بيان أمر الرجعة وفترة ما بعد وفاة الإمام المهدي
وهذا ما لا ينطبق على ما إدعاه المدعي أحمدأسماعيل كَاطع إذ أنّه قد سبق وقت الرجعة وإفتراض تحققها مستقبلا وأدعى دعوته وهذا واضح البطلان والكذب حتى لأضعف الناس علما ومعرفةً.
وقد دافع أتباع المدعي أحمد إسماعيل كاطع أمثال ناظم العقيلي عن دعوة صاحبه
في كتابه(دفاعاً عن الوصية) ص4/5 في فقرة(قرائن صحة رواية الوصية) بحسب زعمه
وقال (قرائن صحة رواية الوصية)
( القرينة الأولى : - موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم ، فقد اتفق الجميع على اختلاف مذاهبهم بوجوب الاعتماد على الرواية اذا كانت موافقة للقرآن الكريم حتى اذا احتوى سندها على ضعف ، بل حتى اذا لم يكن لها إسناد اصلاً ، وقد نصت الكثير من الروايات على ذلك منها ما ورد عن الرسول (ص) : (أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فانا قلته ، وما جاءكم ( عني ) بخلاف كتاب الله فلم اقله) . تفسير البرهان ج1 ص73 .
ومنها ما رواه ابن ابي يعفور قال سألت ابا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ، قال : اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله عز وجل او من قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وإلا فالذي جاءكم به اولى به ) تفسير البرهان ج1 ص72 .
وشاهد الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) .
فهذه الاية صريحة بوجوب الوصية عند الاحتضار ، واكرر ( عند الاحتضار ) اي عندما يحضر الناس الموت . ولا يوجد اي نص لوصية الرسول (ص) ليلة وفاته غير الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي والتي تنص على الائمة والمهديين (ع) فمن رد هذه الوصية او شكك بها ، فقد حكم على الرسول (ص) بأنه خالف قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) . لان الرسول (ص) هو أول مطبق لشريعة الله تعالى ولا يقول ما لا يفعل فكيف يترك امر الله تعالى بالوصية عند الموت وهذا لا يقول به إلا كافر بما انزل على محمد (ص) ) .
وقد ناقش هذه القرينة الأولى سماحة الشيخ علي آل محسن في الدورة الموسومة
ب(أدعياء المهدوية الحديثة / شبهات وردود) التي أقامها مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام وإنعقدت يوم الأحد بتاريخ /2شعبان /1435للهجرة الشريفة في قاعة سيد الأوصياء بجوار مرقد الإمام علي عليه السلام وقد أثبت سماحة الشيخ علي آل محسن بطلان هذه الدعوى وكل قرائنها ومنها محل النقاش وأمام أهل العلم والإختصاص من طلبة وفضلاء الحوزة العلمية الشريفة .
وعلّق سماحة الشيخ علي آل محسن على بطلان قرينة موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم أنّ المسمى ناظم العقيلي يحاول التدليس والإيهام للمتلقي والقارىء بأنّ وصية المهديين الأثني عشر موافقة للكتاب العزيز .
زاعما أنّ القرآن الكريم قد حث على كتابة الوصية نصا وأنّ النبي محمد:ص: قد فعل ذلك ليلة وفاته .
والنقاش الذي يجب أن يعلمه الجميع هو أنّ قرينة موافقة الرواية للقرآن الكريم كدليل على صحة الرواية صدورا ودلالة إنما نحتاجها في باب التعارض المبحوث في علم الأصول بجانب المرجحات لصدور وصحة الرواية من عدمها .
والنزاع هنا في غير هذا الباب أساساً
كون الجميع يعرف أن القرآن الكريم قد حث على كتابة الوصية مطلقا للمعصوم وغيره ولاخلاف في ذلك ولا أحد ينكر وجوب الوصية عند إحتضار الميت
ولكن النزاع يتحدد في ما ذكرته الوصية المزعومة والساقطة الإعتبار السندي في كتاب الغيبة للطوسي في ذيلها الذي يتحدث عن كون المهديين إثني عشر.
وهذا هو محل النزاع الأساس لا أن القرآن الكريم قد حث على الوصية والنبي محمد:ص: قد أوصى ويجب أن نأخذ بوصيته الوحيدة بحسب زعم ناظم العقيلي وصاحبه المدعي .
وإنما النزاع في كون المهديين الأثني عشر هل أن أحمد إسماعيل هو أحدهم أم لا ؟
هذا على فرض صحة الرواية سندا وكما مر بيان بطلان سندها ودلالتها صراحة وتخصصا .
ومعلوم في علم أصول الفقه أنّ التعارض إنما ينعقد بعد تمام حجية المتعارضين سندا وصدورا وهذا غير متحقق في رواية الوصية المزعومة كونها ضعيفة السند وباطلة الإعتبار فضلا عن عدم الإعتداد بجعل الرواية صحيحة وحجة في أصل صدورها سندا لأنها لم توافق القرآن الكريم بشيء مما يزعمه المدعي أحمد أسماعيل بكونه وصي أو مهدي أول أو إمام أو غير ذلك .
وأما ما ذكره ناظم العقيلي من (القرينة الثانية :- رويت هذه الرواية (الوصية) في أحد الكتب المعتمد عليها وهو كتاب الغيبة للشيخ الطوسي
رئيس الطائفة العالم النحرير في الحديث وطرقه ورجاله ،وقد تقدم كلامه وشهادته بصحة روايات كتبه وأنه لايعمل ولايستدل برواية غير معتبرة ،وقد صرح الحر العاملي في خاتمة الوسائل بأن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي من الكتب المعتمد عليها ،وبهذا تكون رواية الوصية مفروغ من صحتها لأن الشيخ الطوسي أستدل بها على أمامة الأئمة (ع) في كتابه (الغيبة) والكل تعترف بأنه من أوثق كتب الحديث ،وعليه المعول وإليه المرجع . والظاهر أن الشيخ الطوسي روى الوصية من أحد كتب الشيخ البزوفري الثقة الجليل بواسطة أحمد بن عبدون والغضائري ، وكتب البزوفري تعتبر من الكتب المعتمدة كما سيأتي بيانه .)
فقد ردّه سماحة الشيخ علي آل محسن بأنه لاخلاف ولا نكران على أنّ الشيخ الطوسي عالم نحرير وثقة رئيس طائفة في وقته وأن كتبه معتبرة بما فيها كتاب الغيبة الذي ذكر فيه رواية الوصية بحسب تسمية المدعي أحمد إسماعيل وأتباعه مثل ناظم العقيلي
ولكن فرق كبير بين إعتبار الكتاب نفسه وإعتبار المرويات فيه فليس بالضرورة أن تكون كل رواية رودت في كتاب معتبر فهي معتبرة وصحيحة السند وقطعية الصدور لا ليس الأمر كذلك وإنما المعيار هو موازين وقواعد علم الرجال من وثاقة الر واة و ضبطهم ومعلومية حالهم وذكرهم وتعديلهم من قبل أهل العلم والتخصص في هذا المجال .
ولعلم الجميع أنّ الشيخ الطوسي في نفس كتابه الغيبة كان مدركا تماما لضعف الرواية سندا وصدورا من أصل وهو قد جعلها في آخر ما ذكر في باب إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر المعصومين وقد ذكرها من طرف المخالفين من العامة كمؤيد لصحة إمامة الأئمة الأثني عشر المنصوبين وتمام عددهم المحدد وهو قد وضّح ذلك في قوله
( ومما يدل على إمامة صاحب الزمان:
ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا :عليهم السلام:
وصحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان
والفرقتان المتباينتان العامة والإمامية
أنَّ الأئمة :عليهم السلام: بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون ) وقد تقدم ذكر ذلك في بداية البحث .
وهذه قرينة أنّ رواية الوصية قد وردت في كتاب الغيبة فهي معتبرة واضحة البطلان أيضا من أصل لما ثبت من الفرق الإعتباري والتقييمي بين إعتبار الكتاب وإعتبار ورواياته وأنه لا ملازمة منطقية ولا عقلية ولا حتى شرعية في ذلك .
وبهذا تبطل هذه القرينة البائسة علميا .
وأما قول ناظم العقيلي بأنه قد إستظهر أنّ الشيخ الطوسي قد روى هذه الرواية من كتاب البزوفري وهو أحد رواة الرواية وهو ثقة في كتب الرجال المتقدمين بواسطة أحمد بن عبدون والغضائري .
فهذا أول الكلام إذا أن الشيخ الطوسي نفسه لم يصرح بأسماء من نقل وروى عنهم هذه الرواية في كتاب الغيبة خاصة وهو قد إستعمل مصطلح (أخبرنا جماعة ) ولم يعرف منهم كأشخاص هل هم ( المفيد والغضائري وابن عبدون) وهذا ما لم يتبين ولم يظهر وأنى لناظم العقيلي أن يستظهر الغامض وغير المتضح بغير دليل
فإستظهاره دعوى من دون دليل وهو إستظهار باطل من أول الأمر كون مصطلح أخبرنا جماعة يُضعّف الرواية أكثر مما يقويها .
وحتى لو فرضنا تنزلا أن (أخبرنا جماعة ) هم مشايخ الشيخ الطوسي فستبقى إشكالية السند وضعف الرواة فيه حاكمة وقوية وضاربة ورادة لدعوى مدعي الوصية .
وقد ذكر ناظم العقيلي في كتابه (دفاعاً عن الوصية ) ص5
(القرينة الثالثة:- نصت كثير من الروايات على مضمون رواية الوصية ،بلغت حد التواتر ،حيث وردت الكثير من الروايات الصحيحة التي تنص على ذرية الإمام المهدي (ع) وسأختصر على ذكر بعض الروايات لأنني قد ذكرت الكثير منها في كتاب ((الرد الحاسم))وكذلك سردها الأستاذ ضياء الزيدي في كتاب ((المهدي والمهديون))فمن أراد الأحاطة فليراجع .
1- عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع)في رواية صحيحة في ذكر الكوفة ،قال :((...فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ،ومنها يظهر عدل الله ،وفيها يكون قائمه والقوام من بعده ،وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين ))كامل الزيارات ص76.
2- عن أبي بصير في رواية موثقة ،قال : قلت للصادق جعفر بن محمد (ع) يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (ع)أنه قال : (يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً ،فقال الصادق(ع) : قد قال : اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ،ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الى موالاتنا ومعرفة حقنا) كمال الدين ص358 .)
وفي مناقشة ناظم العقيلي نقول له بأنّك لم تعرف الخبر الأحاد من المتواتر أساسا
بحيث حاولت التعويل على التواتر المعنوي دعما لدعوى المدعي أحمد أسماعيل.
وذكرت عدة روايات تتحدث عن وقت الرجعة وفترة ما بعد وفاة الإمام المهدي (عليه السلام) وهذه روايات أجنبية عن محل النزاع الرئيس في أنّ مدعيك هل هو فعلا وصي أو إمام أو أحد أبناء المهدي والذي لم يظهر بعد ولم يقم ولم يموت ؟
والحال أنه قد ثبت قطعا أنّ رواية الوصية المزعومة هي خبر واحد حصرا ولم يذكرها آخر غير الطوسي فأنى لها أن تبلغ حد التواتر ولو في المعنى والمضمون ؟
وإنّ خبر الواحد لا يعمل به في أصول الدين وعقدياته أبدا وقد تبنى ذلك المتقدمين من أمثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى .
لما من المعلوم من أنّ عقديات ومسائل أصول الدين يجب أن تؤخذ باليقين والقطع عقلا ونقلا لا بالظن .
هذا وقد إعتمد ناظم العقيلي في تكوين التواتر المعنوي المزعوم على كتاب( شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ) وهو كتاب غير معتبر في علم الرجال ؟
وكيف يتم جبر خبر واحد ضعيف سنداً بتواتر معنوي مزعوم والحال أنّ التواتر المعنوي هو أحد مراتب التواتر اللفظي وهو هنا لم يتحقق بتاتا ؟
كون خبر ورواية الوصية هو من الآحاد .
وهكذا يتسلسل الجاهل ناظم العقيلي متطفلا على أهل الإختصاص والعلم ومستغلا جهل الأتباع والمتلقين
فيقول
( القرينة الرابعة :- عدم وجود أي رواية معارضة لنص الوصية وهذه قرينة قطعية أيضاً بغض النظر عن أي شئ أخر ،وقد ذكر هذه القرينة الحر العاملي في خاتمة الوسائل ،عند تعداد القرائن فقال : (ومنها : عدم وجود معارض ،فأن ذلك قرينة واضحة وقد ذكر الشيخ (الطوسي) أنه يكون مجمعاً عليه لأنه لولا ذلك لنقلوا له معارضاً ،صرح بذلك في مواضع : منها في أول الاستبصار ،وقد نقله الشهيد في (الذكرى عن الصدوق وارتضاه)) خاتمة الوسائل ص95.
وأتحدى كل شخص أن يأتي ولو برواية واحدة قطعية الدلالة تعارض رواية وصية الرسول (ص) في ليلة وفاته.)
وفي نقاش هذه القرينة نقول إنّ ناظم العقيلي قد كشف عن جهله المُطبق يقينا أو عن عناده وبطلانه
فهو إن كان من أهل الإختصاص والعلم فعليه أن يدرك أن التعارض المبحوث في علم الأصول غير منعقد هنا ولم تكن له أدنى صورة
ذلك كون التعارض فرع حجية المتعارضين بمعنى يجب أن تكون رواية الوصية المزعومة رواية صحيحة السند صدورا وحجةً مع روايات أخرى صحيحة أيضا تتنافى معها في الدلالة والحكم حتى يقع التعارض وهذا غير متوفر وغير موجود أصلا
إذا أنّ رواية الوصية هي رواية ضعيفة السند صدورا فلا تصلح طرفا في التعارض وإنعقاده أصلاً؟
ولا أدري أي تعارض يقصد تعارض تام أو نسبي في الصدر أو الذيل بالنسبة لمتن الرواية ومنطوقها ودلالتها ؟
والحال أنّ رواية الوصية على فرض صحة صدورها إنما ذكرها الشيخ الطوسي كمؤيد من جملة ما رواه المخالفون للمذهب على صحة إمامة الأثني عشر المعصومين حصرا بالعدد المخصوص وعلى صحة غيبة الإمام المهدي عليه السلام فأين التعارض ؟
فما حاول أن يجعله ناظم العقيلي تعارضا فهو من باب تعارض الحجة مع اللاحجة عيناً
فرواية الوصية هي لاحجة عندنا لسقوط سندها إعتبارا
وغيرها من الروايات الصحيحة السند الناصة على إمامة الأئمة الأثني عشر حصرا هي الحجة والفيصل .
وأقطع يقينا أنّ المسمى ناظم العقيلي هو كذّاب بإمتياز ومدلّس بوضوح تام
لما ذكره في زعمه في هذه القرينة الرابعة من أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكر هذه القرينة (قرينة عدم وجود أي معارض لرواية الوصية ) في كتابه وسائل الشيعة
والحال أنّ الشيخ الحر العاملي لم يتعرض لرواية الوصية لامن قريب ولا من بعيد في هذا الباب في كتابه الوسائل وإن كان يتحدث عن القواعد والضوابط والقرائن المعتبرة الدالة على ثبوت الخبر
إلاّ أنه لم يذكر ذلك بوصفه قرينة على رواية الوصية كما زعم العقيلي كذبا وزورا .
وإليك أيها القارىء اللبيب نص ما ذكر الشيخ الحر العاملي /قال
( الفائدة الثامنة)
( تفصيل القرائن المعتبرة الدالة على ثبوت الخبر )
في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر .
قد صرح جمع من المحققين من علمائنا أن القرينة هنا هي : ما ينفك
عنه الخبر وله دخل في ثبوته وأما مالا ينفك عنه فليس بقرينة ، ككون
المخبر إنسانا أو ناطقا أو نحوهما .
والقرائن المعتبرة أقسام :
بعضها يدل على ثبوت الخبر عنهم عليهم السلام .
وبعضها على صحة مضمونة وإن احتمل كونه موضوعا .
وبعضها على ترجيحه على معارضه .
ونحن نذكر هنا أنواعا )
( ومنها : عدم وجود معارض :
فإن ذلك قرينة واضحة .
وقد ذكر الشيخ : إنه يكون مجمعا عليه لأنه لولا ذلك لنقلوا له
معارضا ، صرح بذلك في مواضع : منها أول ( الاستبصار ) ( 2 ) ، وقد نقله
الشهيد في ( الذكرى ) عن الصدوق في ( المقنع ) وارتضاه ( 3 ) .
ومنها : عدم احتماله للتقية :لما تقدم)
:وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج30:ص242/246.
فواضح وجليٌ كيف أن ناظم العقيلي قد إقتطع فقرة (ومنها :عدم وجود معارض فإنّ ذلك قرينة واضحة إلخ ) وضمها إلى قرينته الرابعة البائسة
ليكذب ويوهم بعض الجهلة من الناس .
ومثل هذه القرينة لاتستحق المناقشة لكذب العقيلي وتدليسه.
وكفاه جهلا أن يتحدى أهل العلم والإختصاص بأن يأتوا برواية واحدة قطعية تعارض رواية الوصية ساقطة الإعتبار ؟
وقد ذكر ناظم العقيلي قرينة خامسة على صحة رواية الوصية المزعومة
قال
( القرينة الخامسة :- عدم احتمالها للتقية ، فإن الرواية إذا كانت مخالفة لأصل المذهب وموافقة لغيره من المذاهب ،يحتمل أن الإمام قد قالها تقية من أعداءه ،وأما إذا كانت موافقة لأصل المذهب ومخالفة لغيره فينتفي هذا الاحتمال .
ومن الواضح إن رواية الوصية قد نصت على أن الإمامة والخلافة بعد رسول الله (ص) في آل بيته الأئمة والمهديين ،وقد سمى الرسول فيها الأئمة واحداً بعد الأخر الى الأمام المهدي ثم ذريته من بعده وسمى أولهم وهو أحمد ،وهذا غير موافق لأي مذهب من المذاهب المعاصرة للرسول (ص) أو الأئمة عليهم السلام فلا يحتمل أبداً صدورها للتقية ،وأذا بطل ذلك ثبت صدوروها حقاً وأنها موافقة للمذهب وقد نصت عشرات الروايات على مضمونهاوهذه القرينة أيضاً نص عليها الحر العاملي عند تعداده للقرائن ،فقال :(ومنها عدم احتماله (الخبر) للتقية لما تقدم) خاتمة الوسائل .)
وقد علّق سماحة الشيخ علي محسن على هذه القرينة الخامسة
وقال/ إنّ هذه القرينة الخامسة هي الآخرى لا تنفع المدعي ولا منظّره ناظم العقيلي في إثبات صحة صدور رواية الوصية
ذلك لأنّ الرواية إنما تُحمل على التقيّة إذا كانت مخالفة لأصول وأحكام أهل البيت المعصومين عليهم السلام مطلقا وافقتْ العامة أم خالفتهم ؟
وإنَّ هذه القرينة (عدم حملها على التقية ) لا تصلح قرينةً علىٰ صحَّة كلّ رواية لأنَّ رواية الوصية رويت من طرق العامّة، وليس من طرق الشيعة، ورواتها أكثرهم من المجاهيل.
هذا وقد كذب ناظم العقيلي مرة أخرى في زعمه أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكر هذه القرينة (عدم إحتمال الخبر للتقية ) قرينة على صحة الخبر وقصد به(العقيلي ) رواية الوصية المزعومة
والحال أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكرها من باب التعداد العام للقرائن على صحة الخبر ولم يذكر رواية الوصية في باب القرائن أبدا
:انظر:وسائل الشيعة:الحر العاملي :ج30:ص246.
وأما ما ذكره ناظم العقيلي في كتابه(دفاعاً عن الوصية)
من
( القرينة السادسة :- مخالفة الوصية لعقائد أبناء العامة ،فإن دواعي الوضع والكذب والتزوير في الأحاديث ،هي اقصاء الخلافة عن الإمام علي (ع) وذريته وإضفاء الشرعية على حكومة بني أمية وبني العباس ،فإن كان مضمون الخبر مخالفاً لتلك الدواعي ، دل على إنه صحيح ولم تتدخل فيه أيدي الوضاعين والمزيفين للأحاديث لكي توافق مذاهبهم وأخفاء حق علي (ع) وذريته في خلافة رسول الله (ص) . ورواية الوصية مخالفة تماماً لعقائد أبناء العامة ،بل هي ثورة في وجه الأول والثاني وحكومة بني أمية وبني العباس ،حيث نص فيها رسول الله (ص) على أن الخلافة بعد وفاته لأمير المؤمنين (ع) ثم الى ولده واحداً بعد واحد الى يوم القيامة ونص على أسماء الأئمة (ع) وكناهم وأوصافهم .
فبربكم هل يعقل أن يضع أتباع بني أمية أو بني العباس حديثاً ينسف عقيدتهم من الأساس ،ويبين للناس أنهم قد غصبوا الخلافة من أهلها الذين نص عليهم رسول الله (ص) ،وما هذا إلا قول شطط لا يصدر إلا من سفه نفسه ووصل به العناد الى إنكار الشمس في رائعة النهار ، وهكذا شخص لا يرد عليه إلا بـ (سلاماً.. سلاماً) جواب الجاهلين .
وبعد أن تبين كما هو واضح مخالفة رواية الوصية لعقائد أبناء العامة ،ومع ملاحظة سائر القرائن تصبح من أصح الروايات وأثبتها .
وقد أمر الأئمة (ع) بالأخذ بما خالف العامة وإن الرشد في خلافهم حيث ورد عنهم (ع): ((دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم ) الكافي ج1 ص23 .
بل حتى لو كانت الرواية واردة عن طرق أبناء العامة ومخالفة لعقائدهم أومتضمنة لفضائل الأئمة (ع) وجب الأخذ بها ويكون ذلك قرينة على صدق الخبر كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي - كما تقدم ذكره - وكذلك الحر العاملي في وسائل الشيعة ،حيث قال :(كون الراوي غير متهم في تلك الرواية ،لعدم موافقتها للأعتقاد أو غير ذلك ومن هذا الباب رواية العامة للنصوص على الأئمة ومعجزاتهم وفضائلهم فإنهم بالنسبة الى تلك الروايات ثقات وبالنسبة الى غيرها ضعفاء) خاتمة الوسائل ص95 .
فحتى لو كان رواة الوصية كلهم من أبناء العامة أو من أي مذهب آخر ،فيعتبرون في هذه الرواية ثقات ،لأن الرواية تضمنت النص على الأئمة واحداً بعد الآخر وهي مخالفة تماماً لكل مذاهب أبناء العامة ..وبعد هذا هل يبقى عذر لمن يريد أن يناقش في رجال سند الوصية فهذه هي قواعد الحديث عندكم وهذه آراء كبار العلماء ، تنص على أن الروايات المتضمنة للنص على حق أل محمد تكون صحيحة بغض النظر عن سندها . وأعمى الله عين من لا يرى في المنخل .)
فيمكن مناقشة هذه القرينة وردها بكون الرواية رواية الوصية وإن كانت تخالف عقايد العامة والمخالفين من غير مذهب الحق (مذهب أهل البيت عليهم السلام)
ولكن هذا لايستلزم حجيّة رواية الوصية وصحة صدورها سنداً
لإحتمال أنها وضعت للإستهزاء بمذهب أهل البيت الحق أو لضرب عقيدتهم الصحيحة
هذا فضلا عن كون هذه القرينة (مخالفة عقايد العامة )
إنما ذُكرت في علم الأصول وأبحاثه في باب التعارض لبيان المُرجحات في حل التعارض وعلاجه ولا علاقة لها بمحل النزاع هنا في البحث أبدا .
وقد تبينَ عدم وجود أي محل للتعارض في المقام .
فهذه القرينة السادسة لاتصلح قرينة على صحة رواية الوصية أيضا .
ومرةً أخرى يكذب ناظم العقيلي ويدلّس علنا وجهارا ليوظف فقرات مقتطعة مثل (كون الرواي غير متهم في تلك الرواية)
والتي لاعلاقة لها في محل البحث وهي أجنبية عنه كما نقل عن الشيخ الحر العاملي الفقرة المقتطعة من
( فائدة ( 100 )
ادعى بعض الطلبة الآن أنه لا يحصل من الاخبار إلا الظن لا يحصل من شيء منها العلم لا من جهة السند ولا من جهة الدلالة ولا يخفى على أحد إن هذا إفراط عظيم بليغ ما سبقه أحد إليه والحق ان خبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد العلم من جهة السند والخبر المتواتر كذلك والخبر الذي لم يتواتر ولم يكن محفوفا بالقرائن يفيد الظن لا العلم وان اخبار الكتب المعتمدة بعضها متواتر والباقي محفوف بالقرائن وان الخبر من أي قسم من الأقسام الثلاثة كان تنقسم دلالته إلى قسمين قطعية وظنية فمن ادعى خلاف ذلك فقد غلط غلطا فاحشا وقد استدل هذا القائل بشبهات غير دالة على مطلبه .
وأنا أجيب (الحر العاملي ) عنها إجمالا ثم تفصيلا فالجواب الإجمالي من وجوه
منها : كون الراوي غير متهم في تلك الرواية )
: الفوائد الطوسية:الحر العاملي:ص525/535.
هذا وقد ناقش سماحة الشيخ علي آل محسن ذيل رواية الوصية المزعومة والتي تحدثت عن المهديين الإثني عشر وأولهم والذي ذكرت أسمه أحمد .
وقال إنّ الأبن المعني في ذيل الرواية هو الأبن النسبي المباشر وهو مقتضى الإستعمال اللغوي على الأصل .
وإنّ الرواية لم تنص على أن أحمد أسماعيل هو الأبن المباشر تحديدا .
غاية ما فيها أنها ذكرت الأسم أحمد ووصفته بأنه المهدي الأول بعد الإمام المهدي عليه السلام .
والحال أنّ أحمد أسماعيل هو معروف بكونه عاميا ولاعلاقة له بسنب الإمام المهدي لا من أمه ولا من أبيه
وهو بذلك لايصلح أن يكون منطبقا للمهدي الأول قطعا على فرض التسليم بدعواه .
ولم يمتلك الوصية الظاهرة والكاملة نصاً وأثرا كما عرضت الروايات الصحيحة لذلك بأنّ الإمام يكون معه الفضل والوصية والسلاح (سلاح رسول الله:ص:) يرثه ليكون حجة له وعلى الناس أجمعين
وقد ورد هذا المقياس القويم روايةً
(عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضاعليه السلام : إذا مات الامام بم يعرف الذي بعده ؟ فقال للامام علامات منها أن يكون أكبر
ولد أبيه ويكون فيه الفضل والوصية ، ويقدم الركب فيقول : إلى من أوصى فلان ؟
فيقال : إلى فلان ، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان )
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
______________________________
تقرير وتحقيق / مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف
______________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ معرفة الإمام المعصوم هي معرفة جليّة وواضحة تتجلى بمعرفة نفس شخص الإمام المعصوم بعلمه ومعرفته وفقهه وأن يكون عنده نص وصية ظاهرة ومختومة بختم المعصوم من قبله وأن يكون عنده إرث النبي محمد :ص وآله: وأن يكون من الشهرة بدرجة عالية وقوية وذايعة جدا بحيث يعرف إمامته حتى عامة الناس وصبيتهم .
وقد ورد هذا المعنى والضابط العقدي والقيمي والمقياس الحق عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سدا للباب على الأدعياء والمفترين في كل زمان ومكان
فروى هذا المعنى ( محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد شعر عن هارون بن حمزة
عن عبد الاعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المتوثب على هذا الامر ، المدعي له ،
ما الحجة عليه ؟ قال : يُسأل عن الحلال والحرام ، قال : ثم أقبل علي فقال :
ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الامر أن يكون أولى الناس بمن
كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة
سألت عنها العامة والصبيان : إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون : إلى فلان بن فلان )
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
و (روى علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن
البختري ، عن أبي عبد الله(الإمام الصادق عليه السلام) قال : قيل له ، بأي شئ يعرف الامام ؟ قال :
بالوصية الظاهرة وبالفضل ، إن الامام لا يستطيع أحد ان يطعن عليه في فم ولا
بطن ولا فرج ، فيقال : كذاب ويأكل أموال الناس ، وما أشبه هذا .)
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
إنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد بيّنَ كيفية معرفة إمام الوقت المعصوم والمنصوب من قبل الله تعالى نصاً فقال عليه السلام يُعرفُ الإمامُ بالوصية الظاهرة وبالفضل
والوصيّة الظاهرة هي نص الإمام المعصوم السابق على إمامة الإمام اللاحق من بعده وإعلام الخواص والعوام بذلك تعييناً وتحديدا وتشخيصا.
كما صنع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم ) عندما أوصى بعلي عليه السلام إماما معصوما ومنصوبا للناس أجمعين من بعده وذلك في محافل متعددة في حياة النبي
خاصة في يوم غدير خم الشهير إذ أخذ بيد علي ورفعها وقال هذا مولاي فمن كنتُ مولاه فعلي مولاه .
وأما الفضل فهو أن يكون الإمام المعصوم أعلم الناس وأفضلهم مطلقا في وقته وفي غيره
وقد ورد تفسير وتبين ذلك
( عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : عشر خصال من صفات الامام : العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، و يكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيئ ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه )
وقد علّق الشيخ الصدوق مصنف كتاب الخصال فقال :
معجز الامام ودليله في العلم واستجابة الدعوة
فأما إخباره بالحوادث التي تحدث قبل حدوثها فذلك بعهد معهود إليه من
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنما لا يكون له فيئ لأنه مخلوق من نور الله عز وجل وأما رؤيته من خلفه كما يرى بين يديه فذلك بما أوتي من التوسم والتفرس في الأشياء قال الله
عز وجل : إن في ذلك لآيات للمتوسمين .
كانت لعلي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر خصال
:الخصال : الصدوق :ص428 .
وبهذا القدر المُتيقن من ضابطة معرفة الإمام المعصوم أو وصيه يتبين كذب المُدعين زورا وبطلانا أمثال المدعي أحمد إسماعيل كاطع الذي أدعى الوصاية والإمامة والسفارة والبنوة للإمام المهدي عليه السلام وغيرها من الدعاوى الكاذبة والباطلة دون أن يقيم أدنى حجة أو برهان على ذلك .
فكل ما عنده هو تمسكه بروايةِ وصيةٍ واحدةٍ وردت في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وهي من طرق المخالفين من العامة وقد بان ضعف سندها وعدم توثيق أغلب رواتها لمجهولية حالهم وعدم ورود ذكر لهم في كتب الرجال .
فضلا عن عدم دلالتها على ما يزعم من أنه المهدي الأول من ولد الإمام المهدي عليه السلام
ذلك كون الشيخ الطوسي قد أوردها في مقام إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر المعصومين بالنص والعدد وقد بين هو نفسه رحمه الله ذلك في نفس كتاب الغيبة كما مر في بداية البحث ذكره .
وإن كانت الرواية رواية الوصية قد ذكرت في ذيلها المهديين الأثني عشر من بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام إلاّ أنّ دلالتها الظاهرة والصريحة على فرض التسليم بصحة سندها صدورا تريد بيان أمر الرجعة وفترة ما بعد وفاة الإمام المهدي
وهذا ما لا ينطبق على ما إدعاه المدعي أحمدأسماعيل كَاطع إذ أنّه قد سبق وقت الرجعة وإفتراض تحققها مستقبلا وأدعى دعوته وهذا واضح البطلان والكذب حتى لأضعف الناس علما ومعرفةً.
وقد دافع أتباع المدعي أحمد إسماعيل كاطع أمثال ناظم العقيلي عن دعوة صاحبه
في كتابه(دفاعاً عن الوصية) ص4/5 في فقرة(قرائن صحة رواية الوصية) بحسب زعمه
وقال (قرائن صحة رواية الوصية)
( القرينة الأولى : - موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم ، فقد اتفق الجميع على اختلاف مذاهبهم بوجوب الاعتماد على الرواية اذا كانت موافقة للقرآن الكريم حتى اذا احتوى سندها على ضعف ، بل حتى اذا لم يكن لها إسناد اصلاً ، وقد نصت الكثير من الروايات على ذلك منها ما ورد عن الرسول (ص) : (أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فانا قلته ، وما جاءكم ( عني ) بخلاف كتاب الله فلم اقله) . تفسير البرهان ج1 ص73 .
ومنها ما رواه ابن ابي يعفور قال سألت ابا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ، قال : اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله عز وجل او من قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وإلا فالذي جاءكم به اولى به ) تفسير البرهان ج1 ص72 .
وشاهد الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) .
فهذه الاية صريحة بوجوب الوصية عند الاحتضار ، واكرر ( عند الاحتضار ) اي عندما يحضر الناس الموت . ولا يوجد اي نص لوصية الرسول (ص) ليلة وفاته غير الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي والتي تنص على الائمة والمهديين (ع) فمن رد هذه الوصية او شكك بها ، فقد حكم على الرسول (ص) بأنه خالف قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180) . لان الرسول (ص) هو أول مطبق لشريعة الله تعالى ولا يقول ما لا يفعل فكيف يترك امر الله تعالى بالوصية عند الموت وهذا لا يقول به إلا كافر بما انزل على محمد (ص) ) .
وقد ناقش هذه القرينة الأولى سماحة الشيخ علي آل محسن في الدورة الموسومة
ب(أدعياء المهدوية الحديثة / شبهات وردود) التي أقامها مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام وإنعقدت يوم الأحد بتاريخ /2شعبان /1435للهجرة الشريفة في قاعة سيد الأوصياء بجوار مرقد الإمام علي عليه السلام وقد أثبت سماحة الشيخ علي آل محسن بطلان هذه الدعوى وكل قرائنها ومنها محل النقاش وأمام أهل العلم والإختصاص من طلبة وفضلاء الحوزة العلمية الشريفة .
وعلّق سماحة الشيخ علي آل محسن على بطلان قرينة موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم أنّ المسمى ناظم العقيلي يحاول التدليس والإيهام للمتلقي والقارىء بأنّ وصية المهديين الأثني عشر موافقة للكتاب العزيز .
زاعما أنّ القرآن الكريم قد حث على كتابة الوصية نصا وأنّ النبي محمد:ص: قد فعل ذلك ليلة وفاته .
والنقاش الذي يجب أن يعلمه الجميع هو أنّ قرينة موافقة الرواية للقرآن الكريم كدليل على صحة الرواية صدورا ودلالة إنما نحتاجها في باب التعارض المبحوث في علم الأصول بجانب المرجحات لصدور وصحة الرواية من عدمها .
والنزاع هنا في غير هذا الباب أساساً
كون الجميع يعرف أن القرآن الكريم قد حث على كتابة الوصية مطلقا للمعصوم وغيره ولاخلاف في ذلك ولا أحد ينكر وجوب الوصية عند إحتضار الميت
ولكن النزاع يتحدد في ما ذكرته الوصية المزعومة والساقطة الإعتبار السندي في كتاب الغيبة للطوسي في ذيلها الذي يتحدث عن كون المهديين إثني عشر.
وهذا هو محل النزاع الأساس لا أن القرآن الكريم قد حث على الوصية والنبي محمد:ص: قد أوصى ويجب أن نأخذ بوصيته الوحيدة بحسب زعم ناظم العقيلي وصاحبه المدعي .
وإنما النزاع في كون المهديين الأثني عشر هل أن أحمد إسماعيل هو أحدهم أم لا ؟
هذا على فرض صحة الرواية سندا وكما مر بيان بطلان سندها ودلالتها صراحة وتخصصا .
ومعلوم في علم أصول الفقه أنّ التعارض إنما ينعقد بعد تمام حجية المتعارضين سندا وصدورا وهذا غير متحقق في رواية الوصية المزعومة كونها ضعيفة السند وباطلة الإعتبار فضلا عن عدم الإعتداد بجعل الرواية صحيحة وحجة في أصل صدورها سندا لأنها لم توافق القرآن الكريم بشيء مما يزعمه المدعي أحمد أسماعيل بكونه وصي أو مهدي أول أو إمام أو غير ذلك .
وأما ما ذكره ناظم العقيلي من (القرينة الثانية :- رويت هذه الرواية (الوصية) في أحد الكتب المعتمد عليها وهو كتاب الغيبة للشيخ الطوسي
رئيس الطائفة العالم النحرير في الحديث وطرقه ورجاله ،وقد تقدم كلامه وشهادته بصحة روايات كتبه وأنه لايعمل ولايستدل برواية غير معتبرة ،وقد صرح الحر العاملي في خاتمة الوسائل بأن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي من الكتب المعتمد عليها ،وبهذا تكون رواية الوصية مفروغ من صحتها لأن الشيخ الطوسي أستدل بها على أمامة الأئمة (ع) في كتابه (الغيبة) والكل تعترف بأنه من أوثق كتب الحديث ،وعليه المعول وإليه المرجع . والظاهر أن الشيخ الطوسي روى الوصية من أحد كتب الشيخ البزوفري الثقة الجليل بواسطة أحمد بن عبدون والغضائري ، وكتب البزوفري تعتبر من الكتب المعتمدة كما سيأتي بيانه .)
فقد ردّه سماحة الشيخ علي آل محسن بأنه لاخلاف ولا نكران على أنّ الشيخ الطوسي عالم نحرير وثقة رئيس طائفة في وقته وأن كتبه معتبرة بما فيها كتاب الغيبة الذي ذكر فيه رواية الوصية بحسب تسمية المدعي أحمد إسماعيل وأتباعه مثل ناظم العقيلي
ولكن فرق كبير بين إعتبار الكتاب نفسه وإعتبار المرويات فيه فليس بالضرورة أن تكون كل رواية رودت في كتاب معتبر فهي معتبرة وصحيحة السند وقطعية الصدور لا ليس الأمر كذلك وإنما المعيار هو موازين وقواعد علم الرجال من وثاقة الر واة و ضبطهم ومعلومية حالهم وذكرهم وتعديلهم من قبل أهل العلم والتخصص في هذا المجال .
ولعلم الجميع أنّ الشيخ الطوسي في نفس كتابه الغيبة كان مدركا تماما لضعف الرواية سندا وصدورا من أصل وهو قد جعلها في آخر ما ذكر في باب إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر المعصومين وقد ذكرها من طرف المخالفين من العامة كمؤيد لصحة إمامة الأئمة الأثني عشر المنصوبين وتمام عددهم المحدد وهو قد وضّح ذلك في قوله
( ومما يدل على إمامة صاحب الزمان:
ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا :عليهم السلام:
وصحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان
والفرقتان المتباينتان العامة والإمامية
أنَّ الأئمة :عليهم السلام: بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون ) وقد تقدم ذكر ذلك في بداية البحث .
وهذه قرينة أنّ رواية الوصية قد وردت في كتاب الغيبة فهي معتبرة واضحة البطلان أيضا من أصل لما ثبت من الفرق الإعتباري والتقييمي بين إعتبار الكتاب وإعتبار ورواياته وأنه لا ملازمة منطقية ولا عقلية ولا حتى شرعية في ذلك .
وبهذا تبطل هذه القرينة البائسة علميا .
وأما قول ناظم العقيلي بأنه قد إستظهر أنّ الشيخ الطوسي قد روى هذه الرواية من كتاب البزوفري وهو أحد رواة الرواية وهو ثقة في كتب الرجال المتقدمين بواسطة أحمد بن عبدون والغضائري .
فهذا أول الكلام إذا أن الشيخ الطوسي نفسه لم يصرح بأسماء من نقل وروى عنهم هذه الرواية في كتاب الغيبة خاصة وهو قد إستعمل مصطلح (أخبرنا جماعة ) ولم يعرف منهم كأشخاص هل هم ( المفيد والغضائري وابن عبدون) وهذا ما لم يتبين ولم يظهر وأنى لناظم العقيلي أن يستظهر الغامض وغير المتضح بغير دليل
فإستظهاره دعوى من دون دليل وهو إستظهار باطل من أول الأمر كون مصطلح أخبرنا جماعة يُضعّف الرواية أكثر مما يقويها .
وحتى لو فرضنا تنزلا أن (أخبرنا جماعة ) هم مشايخ الشيخ الطوسي فستبقى إشكالية السند وضعف الرواة فيه حاكمة وقوية وضاربة ورادة لدعوى مدعي الوصية .
وقد ذكر ناظم العقيلي في كتابه (دفاعاً عن الوصية ) ص5
(القرينة الثالثة:- نصت كثير من الروايات على مضمون رواية الوصية ،بلغت حد التواتر ،حيث وردت الكثير من الروايات الصحيحة التي تنص على ذرية الإمام المهدي (ع) وسأختصر على ذكر بعض الروايات لأنني قد ذكرت الكثير منها في كتاب ((الرد الحاسم))وكذلك سردها الأستاذ ضياء الزيدي في كتاب ((المهدي والمهديون))فمن أراد الأحاطة فليراجع .
1- عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع)في رواية صحيحة في ذكر الكوفة ،قال :((...فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ،ومنها يظهر عدل الله ،وفيها يكون قائمه والقوام من بعده ،وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين ))كامل الزيارات ص76.
2- عن أبي بصير في رواية موثقة ،قال : قلت للصادق جعفر بن محمد (ع) يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (ع)أنه قال : (يكون بعد القائم اثنا عشر إماماً ،فقال الصادق(ع) : قد قال : اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ،ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الى موالاتنا ومعرفة حقنا) كمال الدين ص358 .)
وفي مناقشة ناظم العقيلي نقول له بأنّك لم تعرف الخبر الأحاد من المتواتر أساسا
بحيث حاولت التعويل على التواتر المعنوي دعما لدعوى المدعي أحمد أسماعيل.
وذكرت عدة روايات تتحدث عن وقت الرجعة وفترة ما بعد وفاة الإمام المهدي (عليه السلام) وهذه روايات أجنبية عن محل النزاع الرئيس في أنّ مدعيك هل هو فعلا وصي أو إمام أو أحد أبناء المهدي والذي لم يظهر بعد ولم يقم ولم يموت ؟
والحال أنه قد ثبت قطعا أنّ رواية الوصية المزعومة هي خبر واحد حصرا ولم يذكرها آخر غير الطوسي فأنى لها أن تبلغ حد التواتر ولو في المعنى والمضمون ؟
وإنّ خبر الواحد لا يعمل به في أصول الدين وعقدياته أبدا وقد تبنى ذلك المتقدمين من أمثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى .
لما من المعلوم من أنّ عقديات ومسائل أصول الدين يجب أن تؤخذ باليقين والقطع عقلا ونقلا لا بالظن .
هذا وقد إعتمد ناظم العقيلي في تكوين التواتر المعنوي المزعوم على كتاب( شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ) وهو كتاب غير معتبر في علم الرجال ؟
وكيف يتم جبر خبر واحد ضعيف سنداً بتواتر معنوي مزعوم والحال أنّ التواتر المعنوي هو أحد مراتب التواتر اللفظي وهو هنا لم يتحقق بتاتا ؟
كون خبر ورواية الوصية هو من الآحاد .
وهكذا يتسلسل الجاهل ناظم العقيلي متطفلا على أهل الإختصاص والعلم ومستغلا جهل الأتباع والمتلقين
فيقول
( القرينة الرابعة :- عدم وجود أي رواية معارضة لنص الوصية وهذه قرينة قطعية أيضاً بغض النظر عن أي شئ أخر ،وقد ذكر هذه القرينة الحر العاملي في خاتمة الوسائل ،عند تعداد القرائن فقال : (ومنها : عدم وجود معارض ،فأن ذلك قرينة واضحة وقد ذكر الشيخ (الطوسي) أنه يكون مجمعاً عليه لأنه لولا ذلك لنقلوا له معارضاً ،صرح بذلك في مواضع : منها في أول الاستبصار ،وقد نقله الشهيد في (الذكرى عن الصدوق وارتضاه)) خاتمة الوسائل ص95.
وأتحدى كل شخص أن يأتي ولو برواية واحدة قطعية الدلالة تعارض رواية وصية الرسول (ص) في ليلة وفاته.)
وفي نقاش هذه القرينة نقول إنّ ناظم العقيلي قد كشف عن جهله المُطبق يقينا أو عن عناده وبطلانه
فهو إن كان من أهل الإختصاص والعلم فعليه أن يدرك أن التعارض المبحوث في علم الأصول غير منعقد هنا ولم تكن له أدنى صورة
ذلك كون التعارض فرع حجية المتعارضين بمعنى يجب أن تكون رواية الوصية المزعومة رواية صحيحة السند صدورا وحجةً مع روايات أخرى صحيحة أيضا تتنافى معها في الدلالة والحكم حتى يقع التعارض وهذا غير متوفر وغير موجود أصلا
إذا أنّ رواية الوصية هي رواية ضعيفة السند صدورا فلا تصلح طرفا في التعارض وإنعقاده أصلاً؟
ولا أدري أي تعارض يقصد تعارض تام أو نسبي في الصدر أو الذيل بالنسبة لمتن الرواية ومنطوقها ودلالتها ؟
والحال أنّ رواية الوصية على فرض صحة صدورها إنما ذكرها الشيخ الطوسي كمؤيد من جملة ما رواه المخالفون للمذهب على صحة إمامة الأثني عشر المعصومين حصرا بالعدد المخصوص وعلى صحة غيبة الإمام المهدي عليه السلام فأين التعارض ؟
فما حاول أن يجعله ناظم العقيلي تعارضا فهو من باب تعارض الحجة مع اللاحجة عيناً
فرواية الوصية هي لاحجة عندنا لسقوط سندها إعتبارا
وغيرها من الروايات الصحيحة السند الناصة على إمامة الأئمة الأثني عشر حصرا هي الحجة والفيصل .
وأقطع يقينا أنّ المسمى ناظم العقيلي هو كذّاب بإمتياز ومدلّس بوضوح تام
لما ذكره في زعمه في هذه القرينة الرابعة من أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكر هذه القرينة (قرينة عدم وجود أي معارض لرواية الوصية ) في كتابه وسائل الشيعة
والحال أنّ الشيخ الحر العاملي لم يتعرض لرواية الوصية لامن قريب ولا من بعيد في هذا الباب في كتابه الوسائل وإن كان يتحدث عن القواعد والضوابط والقرائن المعتبرة الدالة على ثبوت الخبر
إلاّ أنه لم يذكر ذلك بوصفه قرينة على رواية الوصية كما زعم العقيلي كذبا وزورا .
وإليك أيها القارىء اللبيب نص ما ذكر الشيخ الحر العاملي /قال
( الفائدة الثامنة)
( تفصيل القرائن المعتبرة الدالة على ثبوت الخبر )
في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر .
قد صرح جمع من المحققين من علمائنا أن القرينة هنا هي : ما ينفك
عنه الخبر وله دخل في ثبوته وأما مالا ينفك عنه فليس بقرينة ، ككون
المخبر إنسانا أو ناطقا أو نحوهما .
والقرائن المعتبرة أقسام :
بعضها يدل على ثبوت الخبر عنهم عليهم السلام .
وبعضها على صحة مضمونة وإن احتمل كونه موضوعا .
وبعضها على ترجيحه على معارضه .
ونحن نذكر هنا أنواعا )
( ومنها : عدم وجود معارض :
فإن ذلك قرينة واضحة .
وقد ذكر الشيخ : إنه يكون مجمعا عليه لأنه لولا ذلك لنقلوا له
معارضا ، صرح بذلك في مواضع : منها أول ( الاستبصار ) ( 2 ) ، وقد نقله
الشهيد في ( الذكرى ) عن الصدوق في ( المقنع ) وارتضاه ( 3 ) .
ومنها : عدم احتماله للتقية :لما تقدم)
:وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج30:ص242/246.
فواضح وجليٌ كيف أن ناظم العقيلي قد إقتطع فقرة (ومنها :عدم وجود معارض فإنّ ذلك قرينة واضحة إلخ ) وضمها إلى قرينته الرابعة البائسة
ليكذب ويوهم بعض الجهلة من الناس .
ومثل هذه القرينة لاتستحق المناقشة لكذب العقيلي وتدليسه.
وكفاه جهلا أن يتحدى أهل العلم والإختصاص بأن يأتوا برواية واحدة قطعية تعارض رواية الوصية ساقطة الإعتبار ؟
وقد ذكر ناظم العقيلي قرينة خامسة على صحة رواية الوصية المزعومة
قال
( القرينة الخامسة :- عدم احتمالها للتقية ، فإن الرواية إذا كانت مخالفة لأصل المذهب وموافقة لغيره من المذاهب ،يحتمل أن الإمام قد قالها تقية من أعداءه ،وأما إذا كانت موافقة لأصل المذهب ومخالفة لغيره فينتفي هذا الاحتمال .
ومن الواضح إن رواية الوصية قد نصت على أن الإمامة والخلافة بعد رسول الله (ص) في آل بيته الأئمة والمهديين ،وقد سمى الرسول فيها الأئمة واحداً بعد الأخر الى الأمام المهدي ثم ذريته من بعده وسمى أولهم وهو أحمد ،وهذا غير موافق لأي مذهب من المذاهب المعاصرة للرسول (ص) أو الأئمة عليهم السلام فلا يحتمل أبداً صدورها للتقية ،وأذا بطل ذلك ثبت صدوروها حقاً وأنها موافقة للمذهب وقد نصت عشرات الروايات على مضمونهاوهذه القرينة أيضاً نص عليها الحر العاملي عند تعداده للقرائن ،فقال :(ومنها عدم احتماله (الخبر) للتقية لما تقدم) خاتمة الوسائل .)
وقد علّق سماحة الشيخ علي محسن على هذه القرينة الخامسة
وقال/ إنّ هذه القرينة الخامسة هي الآخرى لا تنفع المدعي ولا منظّره ناظم العقيلي في إثبات صحة صدور رواية الوصية
ذلك لأنّ الرواية إنما تُحمل على التقيّة إذا كانت مخالفة لأصول وأحكام أهل البيت المعصومين عليهم السلام مطلقا وافقتْ العامة أم خالفتهم ؟
وإنَّ هذه القرينة (عدم حملها على التقية ) لا تصلح قرينةً علىٰ صحَّة كلّ رواية لأنَّ رواية الوصية رويت من طرق العامّة، وليس من طرق الشيعة، ورواتها أكثرهم من المجاهيل.
هذا وقد كذب ناظم العقيلي مرة أخرى في زعمه أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكر هذه القرينة (عدم إحتمال الخبر للتقية ) قرينة على صحة الخبر وقصد به(العقيلي ) رواية الوصية المزعومة
والحال أنّ الشيخ الحر العاملي قد ذكرها من باب التعداد العام للقرائن على صحة الخبر ولم يذكر رواية الوصية في باب القرائن أبدا
:انظر:وسائل الشيعة:الحر العاملي :ج30:ص246.
وأما ما ذكره ناظم العقيلي في كتابه(دفاعاً عن الوصية)
من
( القرينة السادسة :- مخالفة الوصية لعقائد أبناء العامة ،فإن دواعي الوضع والكذب والتزوير في الأحاديث ،هي اقصاء الخلافة عن الإمام علي (ع) وذريته وإضفاء الشرعية على حكومة بني أمية وبني العباس ،فإن كان مضمون الخبر مخالفاً لتلك الدواعي ، دل على إنه صحيح ولم تتدخل فيه أيدي الوضاعين والمزيفين للأحاديث لكي توافق مذاهبهم وأخفاء حق علي (ع) وذريته في خلافة رسول الله (ص) . ورواية الوصية مخالفة تماماً لعقائد أبناء العامة ،بل هي ثورة في وجه الأول والثاني وحكومة بني أمية وبني العباس ،حيث نص فيها رسول الله (ص) على أن الخلافة بعد وفاته لأمير المؤمنين (ع) ثم الى ولده واحداً بعد واحد الى يوم القيامة ونص على أسماء الأئمة (ع) وكناهم وأوصافهم .
فبربكم هل يعقل أن يضع أتباع بني أمية أو بني العباس حديثاً ينسف عقيدتهم من الأساس ،ويبين للناس أنهم قد غصبوا الخلافة من أهلها الذين نص عليهم رسول الله (ص) ،وما هذا إلا قول شطط لا يصدر إلا من سفه نفسه ووصل به العناد الى إنكار الشمس في رائعة النهار ، وهكذا شخص لا يرد عليه إلا بـ (سلاماً.. سلاماً) جواب الجاهلين .
وبعد أن تبين كما هو واضح مخالفة رواية الوصية لعقائد أبناء العامة ،ومع ملاحظة سائر القرائن تصبح من أصح الروايات وأثبتها .
وقد أمر الأئمة (ع) بالأخذ بما خالف العامة وإن الرشد في خلافهم حيث ورد عنهم (ع): ((دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم ) الكافي ج1 ص23 .
بل حتى لو كانت الرواية واردة عن طرق أبناء العامة ومخالفة لعقائدهم أومتضمنة لفضائل الأئمة (ع) وجب الأخذ بها ويكون ذلك قرينة على صدق الخبر كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي - كما تقدم ذكره - وكذلك الحر العاملي في وسائل الشيعة ،حيث قال :(كون الراوي غير متهم في تلك الرواية ،لعدم موافقتها للأعتقاد أو غير ذلك ومن هذا الباب رواية العامة للنصوص على الأئمة ومعجزاتهم وفضائلهم فإنهم بالنسبة الى تلك الروايات ثقات وبالنسبة الى غيرها ضعفاء) خاتمة الوسائل ص95 .
فحتى لو كان رواة الوصية كلهم من أبناء العامة أو من أي مذهب آخر ،فيعتبرون في هذه الرواية ثقات ،لأن الرواية تضمنت النص على الأئمة واحداً بعد الآخر وهي مخالفة تماماً لكل مذاهب أبناء العامة ..وبعد هذا هل يبقى عذر لمن يريد أن يناقش في رجال سند الوصية فهذه هي قواعد الحديث عندكم وهذه آراء كبار العلماء ، تنص على أن الروايات المتضمنة للنص على حق أل محمد تكون صحيحة بغض النظر عن سندها . وأعمى الله عين من لا يرى في المنخل .)
فيمكن مناقشة هذه القرينة وردها بكون الرواية رواية الوصية وإن كانت تخالف عقايد العامة والمخالفين من غير مذهب الحق (مذهب أهل البيت عليهم السلام)
ولكن هذا لايستلزم حجيّة رواية الوصية وصحة صدورها سنداً
لإحتمال أنها وضعت للإستهزاء بمذهب أهل البيت الحق أو لضرب عقيدتهم الصحيحة
هذا فضلا عن كون هذه القرينة (مخالفة عقايد العامة )
إنما ذُكرت في علم الأصول وأبحاثه في باب التعارض لبيان المُرجحات في حل التعارض وعلاجه ولا علاقة لها بمحل النزاع هنا في البحث أبدا .
وقد تبينَ عدم وجود أي محل للتعارض في المقام .
فهذه القرينة السادسة لاتصلح قرينة على صحة رواية الوصية أيضا .
ومرةً أخرى يكذب ناظم العقيلي ويدلّس علنا وجهارا ليوظف فقرات مقتطعة مثل (كون الرواي غير متهم في تلك الرواية)
والتي لاعلاقة لها في محل البحث وهي أجنبية عنه كما نقل عن الشيخ الحر العاملي الفقرة المقتطعة من
( فائدة ( 100 )
ادعى بعض الطلبة الآن أنه لا يحصل من الاخبار إلا الظن لا يحصل من شيء منها العلم لا من جهة السند ولا من جهة الدلالة ولا يخفى على أحد إن هذا إفراط عظيم بليغ ما سبقه أحد إليه والحق ان خبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد العلم من جهة السند والخبر المتواتر كذلك والخبر الذي لم يتواتر ولم يكن محفوفا بالقرائن يفيد الظن لا العلم وان اخبار الكتب المعتمدة بعضها متواتر والباقي محفوف بالقرائن وان الخبر من أي قسم من الأقسام الثلاثة كان تنقسم دلالته إلى قسمين قطعية وظنية فمن ادعى خلاف ذلك فقد غلط غلطا فاحشا وقد استدل هذا القائل بشبهات غير دالة على مطلبه .
وأنا أجيب (الحر العاملي ) عنها إجمالا ثم تفصيلا فالجواب الإجمالي من وجوه
منها : كون الراوي غير متهم في تلك الرواية )
: الفوائد الطوسية:الحر العاملي:ص525/535.
هذا وقد ناقش سماحة الشيخ علي آل محسن ذيل رواية الوصية المزعومة والتي تحدثت عن المهديين الإثني عشر وأولهم والذي ذكرت أسمه أحمد .
وقال إنّ الأبن المعني في ذيل الرواية هو الأبن النسبي المباشر وهو مقتضى الإستعمال اللغوي على الأصل .
وإنّ الرواية لم تنص على أن أحمد أسماعيل هو الأبن المباشر تحديدا .
غاية ما فيها أنها ذكرت الأسم أحمد ووصفته بأنه المهدي الأول بعد الإمام المهدي عليه السلام .
والحال أنّ أحمد أسماعيل هو معروف بكونه عاميا ولاعلاقة له بسنب الإمام المهدي لا من أمه ولا من أبيه
وهو بذلك لايصلح أن يكون منطبقا للمهدي الأول قطعا على فرض التسليم بدعواه .
ولم يمتلك الوصية الظاهرة والكاملة نصاً وأثرا كما عرضت الروايات الصحيحة لذلك بأنّ الإمام يكون معه الفضل والوصية والسلاح (سلاح رسول الله:ص:) يرثه ليكون حجة له وعلى الناس أجمعين
وقد ورد هذا المقياس القويم روايةً
(عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضاعليه السلام : إذا مات الامام بم يعرف الذي بعده ؟ فقال للامام علامات منها أن يكون أكبر
ولد أبيه ويكون فيه الفضل والوصية ، ويقدم الركب فيقول : إلى من أوصى فلان ؟
فيقال : إلى فلان ، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان )
:الكافي :الكليني:ج1:ص284.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
______________________________
تقرير وتحقيق / مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف