ابو محمد البصراوي
05-08-2014, 10:08 PM
في [كنز العمال ج8: 278] ولفظه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ادبوا اولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم , وحب اهل بيته , وقراءة القرآن , فان حملة القرآن في ظل اللّه يوم لا ظل الا ظله
هناك مقدمة لابد منها وهي فهم مضمون الحديث النبوي وما يرشد إليه حتى نستطيع الوقوف على بعض جوانبه المضيئة في التاريخ الإسلامي في بعده الديني والتربوي والسلوكي التي يتضمنها وبعكسه تذهب تلك الثمرة هباء كما هي حال الكثير من الناس على مدى التاريخ القديم والحديث الذين تمسكوا بالقشور وتركوا اللب .
لقد أشار الحديث النبوي الشريف إلى قضية مفصلية وجوهرية في فلسفة الدين والقوام الذي يستند أليه للوصول إلى الأهداف السامية التي شرع من أجله وهو هداية الناس إلى الصراط المستقيم الموصل إلى الغاية الأسمى وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة وهذا الطريق قد حدده الحديث الشريف بثلاث عناوين ترتبط مع بعضها ارتباط وثيق لا تفك عنه بل الأكثر من ذلك كل عنوان يحمل في كل جزئياته المعنى الآخر وذلك تكون ثلاث أسماء لحقيقة واحدة لأن الرسول الأكرم وأهل البيت هم الحقيقة الناطقة للقرآن بل هم القرآن الناطق .
أما سمة الحب التي يحملها الحديث فأن من دلائلها الواضحة هو الأتباع وبدون ذلك لا يمكن أن يطلق على القول اللفظي هو حب وهذا ما أشار أليه القرآن الكريم {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
ومن خلال هذه الآية يتضح معنى الحب الحقيقي الذي أشار أليه الرسول (ص) حتى يرسم لنا المنهج الصحيح الذي يجب علينا أن نتبعه في مسيرنا إلى الله تعالى وهذا ما عززه حديث الثقلين الذي يأمرنا بالتمسك بالقرآن والعترة . وأما قولنا نحب رسول الله (ص)وأهل بيته (ع) ونقرأ القرآن فقط تلفظاً دون اتباع فإن الكثير من الناس اليوم يقومون بذلك وفي أوقات مختلفة ولكن لا نجد أي أثر للذكر على سلوكهم اليومي , بل حياتهم مليئة بالمتناقضات التي لا تمت للدين بصلة وهذا معناه انهم لم يصلوا للغاية في ذلك الحب المزعوم . إذن الغاية من الحب أن يتحول ذلك المفهوم اللفظي إلى واقع عملي بعد أن ينزل هذا الاعتقاد إلى القلب ويستقر فيه عندها يتحول إلى سكن , وهذا يكشف لكل باحث يريد أن يقف تلك الحقيقة أن اللفظ يجب أن يكون كاشف عن الاعتقاد أولاً والعمل ثانياً ( الاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان ) وكلما كان الفرد أكثر تطابقاً بين سلوكه ولفظه كان أكثر تمسكاً بالدين , لهذا يجب علينا أولا أن نجد مثل هذه الأرضية المناسبة حتى نستطيع أن نزرع فيه البذرة التي سوف تنبت لنا ثمارا طيبة وهذا معنى اقتران الحب بالأدب الحديث .
وقد جاء تفسير كلمة أدب في قواميس اللغة ما مفاده
[ أدب ]
الأدب : أدب النفس والدرس ، تقول منه :أدب الرجل بالضم فهو أديب ، وأدبته فتأدب .
من هذه المقدمة في معنى الحديث النبوي نستطيع أن نؤسس للمشروع الذي تسعى الرسالة الإسلامية تحقيقه ألا وهو صلاح الفرد بالتالي يتحقق صلاح الأسرة والمجتمع ونحن نعلم أن الأسرة تمثل الصورة المصغرة للمجتمع الكبير وأي صلاح يحصل لأي فرد بما هو فرد يدخل في بناء باقي الأسرة وبالتالي فإن من حيث نعلم أو لا نعلم نبني مجتمع صالح يؤمن بالمبادئ والقيم الإنسانية التي يريدها الإسلام . وعلى هذا صنف علماء الاجتماع الإسلامي التربية إلى صنفين بعد قرأتهم للنصوص والروايات المنقولة عن الرسول الأكرم (ص) واهل بيته (ع) وكل صنف منهما يكون مكمل للآخر في مسيرة البناء التربوي والسلوكي للفرد منذ أول يوم تتكون فيه الأسرة .
وقد أطلق على الجانب الأول : بالتربية الملتزمة والآخر بالتربية الملتزمة.
يُعرف علماء الاجتماع التربية الملتزمة : هي الفترة التي يقضيها الفرد في كنف الأسرة (والديه) منذ اليوم الأول وإلى أن يخرج الطفل إلى الشارع بحدود السن الذي يمكنه ان يختلط بأقرانه وزملائه من سنهِ .
وتعتمد هذه الفترة على مقومات كثيرة حتى تحقق النجاح في البعد الفردي والبعد الجمعي , ومن تلك المقدمات هي الاستعداد الفكري والديني والنفسي والذهني والاقتصادي على تكوين أسرة ناجحة تقدم للمجتمع انموذج يحتذى به وقد يختص الجانب الاقتصادي بالرجل دون المرأة وذلك للقواميّة التي فرضها الله تعالى عليه أما الجوانب الأخرى فلا فرق بينهما لآن مشروع الزواج هو مشروع شراكة وواجبات بين الزوجين . بعدها يأتي دور اختيار الزوج لكل منهما وهذا الاختيار يجب أن يكون ضمن الضوابط التي حددها الشرع المقدس حتى تتحقق الغاية من هذا الزواج وكلما كانت الغاية رضا الله تعالى يجب على الزوجين تطبيق ما يمكن تطبيقه من تلك الضوابط لأن كلا الزوجين له تأثير مباشر على كيان الأسرة وعلى الجيل القادم بعدها تتسلسل باقي الأمور التي من اهمها المال الداخل في تكوين الأسرة والجو المناسب الذي يسوده المودة والاحترام المتبادل بين الزوجين خلال فترة المعاشرة حتى أنجاب الطفل الأول الذي اوجب على الأب توفير مقدمات الأم أولا والاسم ثانياً والأدب ثالثا و... وهكذا باقي الأمور التي أشارت أليها النصوص الشريفة التي دخلت بكافة الجزئيات التي تخص الجوانب التربوية حتى يصل الطفل إلى العمر الذي يدرك ما حوله من أصوات وحركات ويبدأ يسجلها في مفكرته على شكل صور تلاحقه إلى آخر عمره موجبها وسالبها وكلما تكررت تلك المشاهد على منظر ومسمع ذلك الطفل أزداد ترسخ تلك الأشياء وعليه يجب على الأبوين أن يقدموا لولدهم التربية التي تتناسب مع عمره أولا والدين ثانيا ومن أهم تلك ألأمور تعزيز حب الرسول (ص) واهل بيته لأنهم هم القدوة وهم الأسوة من خلال سرد الحكايات الجميلة التي تحمل صورة المحبة والمودة والتفاني لهم عليهم السلام وأحياء جميع المناسبات التي تخصهم داخل الأسرة وخارجها من خلال الاشتراك الفاعل لذلك الطفل حتى تترسخ هذه الأمور في نفسه وقلبه والأمر الآخر الذي له تأثير كبير في سلوك الطفل هي زيارات أئمة أهل البيت (ع) من قرب ومن بعد وقراءة الأدعية وكل الأمور التي تخص الشريعة مثل صلاة الجماعة والجمعة والعيدين وأحياء ليالي الجمعة والقدر بالعبادة والتعلم وصلة الرحم وبر الوالدين وتشجيعه على إعطاء الصدقة وتجنب كل ما يسيء للأسرة والطفل مثل الكذب وخيانة العهد والنفاق وكل شيء مذموم عقلا ونقلا وقد تكفل بذلك كله القرآن وكتاب مفاتيح الجنان وبيان كل ما يسأل عليه الطفل قدر الإمكان وبشكل يتناسب مع عمره حتى لا نجعل عليه الأمور مبهمة أو متناقضة تتلاشى عن ذهنه سريعا وبذلك كله نوفر له الجو المناسب الذي يغنيه عن أشغال نفسه بأمور تافهة مثل متابعة القنوات الفاشلة والفاسدة أو التولع بأنواع الألعاب التي تجمد عقل الطفل وتجعله متقوقع فيها يصعب عليه الخروج عنها بسبب الفراغ الذي يسيطر على وقته والفراغ الفكري الذي يعيش عليه . إن أشغال الطفل بقصص مسلية تتحدث عن سيرة النبي وأهل بيته (ع) والصالحين من هذه الأمة ينمي عنده الحب لهم والاقتداء بسيرتهم وكذلك تشجيعه على الكثير من الهوايات الجميلة التي تزيد من قدراته العلمية والذهنية وبالتالي نصنع طفل يمتلك مقومات التي تؤهله أن يكون صالحا ً ما دام تحت الرعاية الصحيحة .
أما التربية الغير ملتزمة : فهي التربية التي يتلقاها الفرد من الشارع خلال النشاط اليومي الذي يؤديه (الشارع اثناء اللعب – المدرسة – الجامعة – العمل- الأصدقاء ...الخ)
إن هذا النحو هو الأخطر على حياة الطفل لأن رقابة الأسرة تكون قليلة أو تكاد أن تكون معدومة بسبب انشغال الوالدين في أعمال مختلفة وخروج الطفل خارج البيت, ونحن نعلم إن الشارع يحمل بين ثناياه الكثير من الأعمال المنكرة التي تتنافى مع الأخلاق السامية والدين ويكاد لا تكون زاوية من زواياه الكثيرة فارغة عن تلك الأمور وإذا أردنا أن نعددها نحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد حتى نحصي تلك الأمور ولا تنحصر على وقت معين ولا مكان معين لأن الطفل في الشارع يحمل ثقافة شاذة عن الذوق والعرف من خلال فقدان التربية التي اشرنا أليها آنفاً والرقابة من الأسرة داخل وخارج البيت والبيئة التي يعيش فيها وأصدقاء السوء وفقدان الدور التربوي للمدرسة والجامعة وضياع جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وازدواجية المعايير عند الكثير من المتصديين للجانب التربوي حيث تراه يأمر بالمعروف وهو لا يعمله وينهى عن المنكر وهو متوغل به حد النخاع مما يترك انطباع سيئ لدى المتلقي والأعلام المغرض الذي يحاول وبكل جهده أن يؤثر على سلوك أفراد المجتمع حتى يصل إلى غرضة الذي ينشده وغيرها الكثير الذي يعجز القلم عن ذكرها في هذه العجالة لها تأثير كبير على سلوك الفرد والأسرة والمجتمع .
أما أخطر الأمور التي يتركها هذا الجانب هو حالة التناقضات التي يعيشها ذلك الفرد الخارج من أسرة متدينة إلى مجتمع يكاد يكون متفق على أحقيت أتباع الباطل ومحاربة الحق في كل مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية والدينة وكأن النقل والعقل أمر بخلاف ما يأمرون به حتى أنك ترى الحيرة في أكيس العقول .
وبناءً على كل ما تقدم فإن أي نحو من هذه الأنحاء له تأثير مباشر في بناء شخصية الفرد وسوف تنعكس سلباَ أو إيجاباَ على سلوكه مع الأسرة وباقي أفراد المجتمع . إذا أردنا أن نؤدب آبائنا وفق وصية الرسول علينا أن نهتم بكلا الجانبين حتى يتحقق المراد من تلك الوصية قال رسول الله (ص) أخرج البخاري و مسلم و الترمذي وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام يسأل عن الناس، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، و العبد يسأل عن مال سيده .
ومن كل ما تقدم كيف لنا أن نطبق الحديث المذكور آنفاً على الأسرة والمجتمع ؟
ويمكن الإجابة على هذا السؤال على نحو السرعة علينا أن نتعامل مع معطيات الحديث على مستوى البعدين بمسافة واحد من خلال وجود النية الصادقة و العزيمة والقدرة والصبر عند الوالدين أولا والمربين ثانياً حتى يستطيعوا تعليم اولادهم السلوك الصحيح ومتابعة ذلك بعد خروج الأولاد إلى النحو الثاني من التربية وأفضل شيء يعمله الوالدين في تلك المرحلة جعل روابط الصداقة بينهم وبين أولادهم من خلال التنزل لمستوى فهمهم وتوجيههم بالحسنى والابتعاد عن الأسلوب القاسي والتنقيص من شخصيتهم لأن في ذلك دفع الولد للبحث عن اصدقاء غيرهم يجدون الراحة والتنفيس وعندها تحدث الكارثة من خلال مرافقة أصدقاء السوء الذين يزينون لهم الأعمال السيئة ويقبحون لهم الأعمال الصحيحة , لذا يجب على الوالدين الالتفات إلى هذا الجزء المهم في حياة أولادهم حتى يحافظوا عليهم من الانحراف ويوصلوهم إلى الطريق الصحيح من خلال الاستماع لهم ومناقشتهم وكأنهم أصدقاء يؤخذ منهم الصحيح بالشكل الذي يعطيهم الثقة بالنفس وتصحيح أخطائهم وبدون استصغار وحرج وتوبيخ وبذلك يطمان الولد إلى والديه بأنهم نعم الأصحاب الذين يستأنس بمجلسهم واصطحابهم في مشاغلهم التي يريدون قضائها . ؟؟؟
اما في البعد الآخر الذي تتحمله جهات عديدة منها اولاً وزارة التربية من خلال أعداد المربي الفاضل والمعلم القادر على كسب ثقة طلابه ومحبتهم بما يتلاءم مع منهج الرسول الأكرم وأهل بيته (ع) حتى يكون المكمل لما بدأته الأسرة بل مصححا ً للكثير من أخطائها لآنه يملك ما لا تملك العائلة من علوم مهنية وثقافة دينية وتجربة عملية تمكنه من ذلك . وكذلك توفير الإدارة الناجحة التي تسعى لتذليل كل الصعاب اما المعلم والتلميذ حتى يستطيعوا الوصول للغاية مع ابتداع الكثير من النشاطات التي تغلب عليها المنافسة الشريفة التي ترفع من المستوى العلمي والفكري والرياضي حتى يجعلوا المدرسة دار تقصد للراحة النفسية والبدنية والعملية . لا كما هي اليوم التي اصبحت للتلميذ سجن يشل إمكاناته وقدراته بسبب الأسلوب التربوي والعلمي الروتيني الممل وتوفير المنهج الدراسي الصحيح والبعيد عن التعقيد والإبهام وبناء المدارس التي توفر للتلميذ سبل الراحة والاستجمام .
وهكذا هي مهمة المتوسطة والإعدادية وحتى الجامعة لأن الفرد كما هو محتاج للعلم فهو محتاج للاهتمام والتوجيه والإرشاد حتى وهو في نزعات الموت ما دام حيا.
أما الجهة الأخرى التي لا تقل أهمية هي المساجد والحسينيات من خلال المحاضرات والصلوات والخطب وأحياء ليالي بالدعاء والزيارة والتوجيه ناهيك على مناسبات المواليد والوفيات الأئمة (ع) . يجب أن يكون إمام الجماعة مربي ديني وتربوي مع نفسه أولا ومع الحضور ثانياً كبيرهم وصغيرهم كل حسب حاجته
اما الجهة الثالثة خطباء المنابر الحسينية فأن مسؤوليته كبيرة في البعد التوعوي والتربوي والارشادي للأمة . وكذلك الحوزات والمؤسسات الدينية من خلال نشر الكتب والصحف والنشرات وأقامت الدورات التثقيفية أثنان العطل الصيفية
وهكذا بقيت الجهات الحكومية والمدنية التي تعمل في المجتمع مهما كان دورها ( شرطي المرور – شرطي الأمن – القاضي – رئيس الحكومة – البرلمان - ووو.. الكل له دور وعليه واجبات تحتمل مسؤولية امام الله أولاً وأما المجتمع ثانياً في ترسيخ السلوك الصحيح في نفوس أفراد المجتمع من خلال تطبيق ما كلف به على الوجه الشرعي وبذلك يكون داعي للخير ومؤدب للناس بفعله حتى تتحقق الغاية التي يسعى رسول الله وأهل بيته(ع) في هذه الأمة وليس المقصود الإسلامية بل الأمة البشرية التي خلقها الله تعالى .
بشارة المصطفى ص 041 . عن ابا عبد الله (ع ) يقول ان احق الناس بالورع آل محمد وشيعتهم كي تقتدى الرعية بهم 631/2 دعائم الاسلام روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد (ع )انه قال فى حديث اوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه واداء الامانة لمن ائتمنكم وحسن الصحابة لمن صحبتموه و ان تكونوا لنا دعاة صامتين فقالوا يا بن رسول الله و كيف ندعو اليكم و نحن صموت · قال تعملون بما امرناكم به من العمل بطاعة الله و تتناهون عن معاصي الله وتعاملون الناس بالصدق و العدل و تؤدون الامانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
هناك مقدمة لابد منها وهي فهم مضمون الحديث النبوي وما يرشد إليه حتى نستطيع الوقوف على بعض جوانبه المضيئة في التاريخ الإسلامي في بعده الديني والتربوي والسلوكي التي يتضمنها وبعكسه تذهب تلك الثمرة هباء كما هي حال الكثير من الناس على مدى التاريخ القديم والحديث الذين تمسكوا بالقشور وتركوا اللب .
لقد أشار الحديث النبوي الشريف إلى قضية مفصلية وجوهرية في فلسفة الدين والقوام الذي يستند أليه للوصول إلى الأهداف السامية التي شرع من أجله وهو هداية الناس إلى الصراط المستقيم الموصل إلى الغاية الأسمى وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة وهذا الطريق قد حدده الحديث الشريف بثلاث عناوين ترتبط مع بعضها ارتباط وثيق لا تفك عنه بل الأكثر من ذلك كل عنوان يحمل في كل جزئياته المعنى الآخر وذلك تكون ثلاث أسماء لحقيقة واحدة لأن الرسول الأكرم وأهل البيت هم الحقيقة الناطقة للقرآن بل هم القرآن الناطق .
أما سمة الحب التي يحملها الحديث فأن من دلائلها الواضحة هو الأتباع وبدون ذلك لا يمكن أن يطلق على القول اللفظي هو حب وهذا ما أشار أليه القرآن الكريم {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
ومن خلال هذه الآية يتضح معنى الحب الحقيقي الذي أشار أليه الرسول (ص) حتى يرسم لنا المنهج الصحيح الذي يجب علينا أن نتبعه في مسيرنا إلى الله تعالى وهذا ما عززه حديث الثقلين الذي يأمرنا بالتمسك بالقرآن والعترة . وأما قولنا نحب رسول الله (ص)وأهل بيته (ع) ونقرأ القرآن فقط تلفظاً دون اتباع فإن الكثير من الناس اليوم يقومون بذلك وفي أوقات مختلفة ولكن لا نجد أي أثر للذكر على سلوكهم اليومي , بل حياتهم مليئة بالمتناقضات التي لا تمت للدين بصلة وهذا معناه انهم لم يصلوا للغاية في ذلك الحب المزعوم . إذن الغاية من الحب أن يتحول ذلك المفهوم اللفظي إلى واقع عملي بعد أن ينزل هذا الاعتقاد إلى القلب ويستقر فيه عندها يتحول إلى سكن , وهذا يكشف لكل باحث يريد أن يقف تلك الحقيقة أن اللفظ يجب أن يكون كاشف عن الاعتقاد أولاً والعمل ثانياً ( الاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان ) وكلما كان الفرد أكثر تطابقاً بين سلوكه ولفظه كان أكثر تمسكاً بالدين , لهذا يجب علينا أولا أن نجد مثل هذه الأرضية المناسبة حتى نستطيع أن نزرع فيه البذرة التي سوف تنبت لنا ثمارا طيبة وهذا معنى اقتران الحب بالأدب الحديث .
وقد جاء تفسير كلمة أدب في قواميس اللغة ما مفاده
[ أدب ]
الأدب : أدب النفس والدرس ، تقول منه :أدب الرجل بالضم فهو أديب ، وأدبته فتأدب .
من هذه المقدمة في معنى الحديث النبوي نستطيع أن نؤسس للمشروع الذي تسعى الرسالة الإسلامية تحقيقه ألا وهو صلاح الفرد بالتالي يتحقق صلاح الأسرة والمجتمع ونحن نعلم أن الأسرة تمثل الصورة المصغرة للمجتمع الكبير وأي صلاح يحصل لأي فرد بما هو فرد يدخل في بناء باقي الأسرة وبالتالي فإن من حيث نعلم أو لا نعلم نبني مجتمع صالح يؤمن بالمبادئ والقيم الإنسانية التي يريدها الإسلام . وعلى هذا صنف علماء الاجتماع الإسلامي التربية إلى صنفين بعد قرأتهم للنصوص والروايات المنقولة عن الرسول الأكرم (ص) واهل بيته (ع) وكل صنف منهما يكون مكمل للآخر في مسيرة البناء التربوي والسلوكي للفرد منذ أول يوم تتكون فيه الأسرة .
وقد أطلق على الجانب الأول : بالتربية الملتزمة والآخر بالتربية الملتزمة.
يُعرف علماء الاجتماع التربية الملتزمة : هي الفترة التي يقضيها الفرد في كنف الأسرة (والديه) منذ اليوم الأول وإلى أن يخرج الطفل إلى الشارع بحدود السن الذي يمكنه ان يختلط بأقرانه وزملائه من سنهِ .
وتعتمد هذه الفترة على مقومات كثيرة حتى تحقق النجاح في البعد الفردي والبعد الجمعي , ومن تلك المقدمات هي الاستعداد الفكري والديني والنفسي والذهني والاقتصادي على تكوين أسرة ناجحة تقدم للمجتمع انموذج يحتذى به وقد يختص الجانب الاقتصادي بالرجل دون المرأة وذلك للقواميّة التي فرضها الله تعالى عليه أما الجوانب الأخرى فلا فرق بينهما لآن مشروع الزواج هو مشروع شراكة وواجبات بين الزوجين . بعدها يأتي دور اختيار الزوج لكل منهما وهذا الاختيار يجب أن يكون ضمن الضوابط التي حددها الشرع المقدس حتى تتحقق الغاية من هذا الزواج وكلما كانت الغاية رضا الله تعالى يجب على الزوجين تطبيق ما يمكن تطبيقه من تلك الضوابط لأن كلا الزوجين له تأثير مباشر على كيان الأسرة وعلى الجيل القادم بعدها تتسلسل باقي الأمور التي من اهمها المال الداخل في تكوين الأسرة والجو المناسب الذي يسوده المودة والاحترام المتبادل بين الزوجين خلال فترة المعاشرة حتى أنجاب الطفل الأول الذي اوجب على الأب توفير مقدمات الأم أولا والاسم ثانياً والأدب ثالثا و... وهكذا باقي الأمور التي أشارت أليها النصوص الشريفة التي دخلت بكافة الجزئيات التي تخص الجوانب التربوية حتى يصل الطفل إلى العمر الذي يدرك ما حوله من أصوات وحركات ويبدأ يسجلها في مفكرته على شكل صور تلاحقه إلى آخر عمره موجبها وسالبها وكلما تكررت تلك المشاهد على منظر ومسمع ذلك الطفل أزداد ترسخ تلك الأشياء وعليه يجب على الأبوين أن يقدموا لولدهم التربية التي تتناسب مع عمره أولا والدين ثانيا ومن أهم تلك ألأمور تعزيز حب الرسول (ص) واهل بيته لأنهم هم القدوة وهم الأسوة من خلال سرد الحكايات الجميلة التي تحمل صورة المحبة والمودة والتفاني لهم عليهم السلام وأحياء جميع المناسبات التي تخصهم داخل الأسرة وخارجها من خلال الاشتراك الفاعل لذلك الطفل حتى تترسخ هذه الأمور في نفسه وقلبه والأمر الآخر الذي له تأثير كبير في سلوك الطفل هي زيارات أئمة أهل البيت (ع) من قرب ومن بعد وقراءة الأدعية وكل الأمور التي تخص الشريعة مثل صلاة الجماعة والجمعة والعيدين وأحياء ليالي الجمعة والقدر بالعبادة والتعلم وصلة الرحم وبر الوالدين وتشجيعه على إعطاء الصدقة وتجنب كل ما يسيء للأسرة والطفل مثل الكذب وخيانة العهد والنفاق وكل شيء مذموم عقلا ونقلا وقد تكفل بذلك كله القرآن وكتاب مفاتيح الجنان وبيان كل ما يسأل عليه الطفل قدر الإمكان وبشكل يتناسب مع عمره حتى لا نجعل عليه الأمور مبهمة أو متناقضة تتلاشى عن ذهنه سريعا وبذلك كله نوفر له الجو المناسب الذي يغنيه عن أشغال نفسه بأمور تافهة مثل متابعة القنوات الفاشلة والفاسدة أو التولع بأنواع الألعاب التي تجمد عقل الطفل وتجعله متقوقع فيها يصعب عليه الخروج عنها بسبب الفراغ الذي يسيطر على وقته والفراغ الفكري الذي يعيش عليه . إن أشغال الطفل بقصص مسلية تتحدث عن سيرة النبي وأهل بيته (ع) والصالحين من هذه الأمة ينمي عنده الحب لهم والاقتداء بسيرتهم وكذلك تشجيعه على الكثير من الهوايات الجميلة التي تزيد من قدراته العلمية والذهنية وبالتالي نصنع طفل يمتلك مقومات التي تؤهله أن يكون صالحا ً ما دام تحت الرعاية الصحيحة .
أما التربية الغير ملتزمة : فهي التربية التي يتلقاها الفرد من الشارع خلال النشاط اليومي الذي يؤديه (الشارع اثناء اللعب – المدرسة – الجامعة – العمل- الأصدقاء ...الخ)
إن هذا النحو هو الأخطر على حياة الطفل لأن رقابة الأسرة تكون قليلة أو تكاد أن تكون معدومة بسبب انشغال الوالدين في أعمال مختلفة وخروج الطفل خارج البيت, ونحن نعلم إن الشارع يحمل بين ثناياه الكثير من الأعمال المنكرة التي تتنافى مع الأخلاق السامية والدين ويكاد لا تكون زاوية من زواياه الكثيرة فارغة عن تلك الأمور وإذا أردنا أن نعددها نحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد حتى نحصي تلك الأمور ولا تنحصر على وقت معين ولا مكان معين لأن الطفل في الشارع يحمل ثقافة شاذة عن الذوق والعرف من خلال فقدان التربية التي اشرنا أليها آنفاً والرقابة من الأسرة داخل وخارج البيت والبيئة التي يعيش فيها وأصدقاء السوء وفقدان الدور التربوي للمدرسة والجامعة وضياع جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وازدواجية المعايير عند الكثير من المتصديين للجانب التربوي حيث تراه يأمر بالمعروف وهو لا يعمله وينهى عن المنكر وهو متوغل به حد النخاع مما يترك انطباع سيئ لدى المتلقي والأعلام المغرض الذي يحاول وبكل جهده أن يؤثر على سلوك أفراد المجتمع حتى يصل إلى غرضة الذي ينشده وغيرها الكثير الذي يعجز القلم عن ذكرها في هذه العجالة لها تأثير كبير على سلوك الفرد والأسرة والمجتمع .
أما أخطر الأمور التي يتركها هذا الجانب هو حالة التناقضات التي يعيشها ذلك الفرد الخارج من أسرة متدينة إلى مجتمع يكاد يكون متفق على أحقيت أتباع الباطل ومحاربة الحق في كل مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية والدينة وكأن النقل والعقل أمر بخلاف ما يأمرون به حتى أنك ترى الحيرة في أكيس العقول .
وبناءً على كل ما تقدم فإن أي نحو من هذه الأنحاء له تأثير مباشر في بناء شخصية الفرد وسوف تنعكس سلباَ أو إيجاباَ على سلوكه مع الأسرة وباقي أفراد المجتمع . إذا أردنا أن نؤدب آبائنا وفق وصية الرسول علينا أن نهتم بكلا الجانبين حتى يتحقق المراد من تلك الوصية قال رسول الله (ص) أخرج البخاري و مسلم و الترمذي وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام يسأل عن الناس، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، و العبد يسأل عن مال سيده .
ومن كل ما تقدم كيف لنا أن نطبق الحديث المذكور آنفاً على الأسرة والمجتمع ؟
ويمكن الإجابة على هذا السؤال على نحو السرعة علينا أن نتعامل مع معطيات الحديث على مستوى البعدين بمسافة واحد من خلال وجود النية الصادقة و العزيمة والقدرة والصبر عند الوالدين أولا والمربين ثانياً حتى يستطيعوا تعليم اولادهم السلوك الصحيح ومتابعة ذلك بعد خروج الأولاد إلى النحو الثاني من التربية وأفضل شيء يعمله الوالدين في تلك المرحلة جعل روابط الصداقة بينهم وبين أولادهم من خلال التنزل لمستوى فهمهم وتوجيههم بالحسنى والابتعاد عن الأسلوب القاسي والتنقيص من شخصيتهم لأن في ذلك دفع الولد للبحث عن اصدقاء غيرهم يجدون الراحة والتنفيس وعندها تحدث الكارثة من خلال مرافقة أصدقاء السوء الذين يزينون لهم الأعمال السيئة ويقبحون لهم الأعمال الصحيحة , لذا يجب على الوالدين الالتفات إلى هذا الجزء المهم في حياة أولادهم حتى يحافظوا عليهم من الانحراف ويوصلوهم إلى الطريق الصحيح من خلال الاستماع لهم ومناقشتهم وكأنهم أصدقاء يؤخذ منهم الصحيح بالشكل الذي يعطيهم الثقة بالنفس وتصحيح أخطائهم وبدون استصغار وحرج وتوبيخ وبذلك يطمان الولد إلى والديه بأنهم نعم الأصحاب الذين يستأنس بمجلسهم واصطحابهم في مشاغلهم التي يريدون قضائها . ؟؟؟
اما في البعد الآخر الذي تتحمله جهات عديدة منها اولاً وزارة التربية من خلال أعداد المربي الفاضل والمعلم القادر على كسب ثقة طلابه ومحبتهم بما يتلاءم مع منهج الرسول الأكرم وأهل بيته (ع) حتى يكون المكمل لما بدأته الأسرة بل مصححا ً للكثير من أخطائها لآنه يملك ما لا تملك العائلة من علوم مهنية وثقافة دينية وتجربة عملية تمكنه من ذلك . وكذلك توفير الإدارة الناجحة التي تسعى لتذليل كل الصعاب اما المعلم والتلميذ حتى يستطيعوا الوصول للغاية مع ابتداع الكثير من النشاطات التي تغلب عليها المنافسة الشريفة التي ترفع من المستوى العلمي والفكري والرياضي حتى يجعلوا المدرسة دار تقصد للراحة النفسية والبدنية والعملية . لا كما هي اليوم التي اصبحت للتلميذ سجن يشل إمكاناته وقدراته بسبب الأسلوب التربوي والعلمي الروتيني الممل وتوفير المنهج الدراسي الصحيح والبعيد عن التعقيد والإبهام وبناء المدارس التي توفر للتلميذ سبل الراحة والاستجمام .
وهكذا هي مهمة المتوسطة والإعدادية وحتى الجامعة لأن الفرد كما هو محتاج للعلم فهو محتاج للاهتمام والتوجيه والإرشاد حتى وهو في نزعات الموت ما دام حيا.
أما الجهة الأخرى التي لا تقل أهمية هي المساجد والحسينيات من خلال المحاضرات والصلوات والخطب وأحياء ليالي بالدعاء والزيارة والتوجيه ناهيك على مناسبات المواليد والوفيات الأئمة (ع) . يجب أن يكون إمام الجماعة مربي ديني وتربوي مع نفسه أولا ومع الحضور ثانياً كبيرهم وصغيرهم كل حسب حاجته
اما الجهة الثالثة خطباء المنابر الحسينية فأن مسؤوليته كبيرة في البعد التوعوي والتربوي والارشادي للأمة . وكذلك الحوزات والمؤسسات الدينية من خلال نشر الكتب والصحف والنشرات وأقامت الدورات التثقيفية أثنان العطل الصيفية
وهكذا بقيت الجهات الحكومية والمدنية التي تعمل في المجتمع مهما كان دورها ( شرطي المرور – شرطي الأمن – القاضي – رئيس الحكومة – البرلمان - ووو.. الكل له دور وعليه واجبات تحتمل مسؤولية امام الله أولاً وأما المجتمع ثانياً في ترسيخ السلوك الصحيح في نفوس أفراد المجتمع من خلال تطبيق ما كلف به على الوجه الشرعي وبذلك يكون داعي للخير ومؤدب للناس بفعله حتى تتحقق الغاية التي يسعى رسول الله وأهل بيته(ع) في هذه الأمة وليس المقصود الإسلامية بل الأمة البشرية التي خلقها الله تعالى .
بشارة المصطفى ص 041 . عن ابا عبد الله (ع ) يقول ان احق الناس بالورع آل محمد وشيعتهم كي تقتدى الرعية بهم 631/2 دعائم الاسلام روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد (ع )انه قال فى حديث اوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه واداء الامانة لمن ائتمنكم وحسن الصحابة لمن صحبتموه و ان تكونوا لنا دعاة صامتين فقالوا يا بن رسول الله و كيف ندعو اليكم و نحن صموت · قال تعملون بما امرناكم به من العمل بطاعة الله و تتناهون عن معاصي الله وتعاملون الناس بالصدق و العدل و تؤدون الامانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.