مرتضى علي الحلي
07-08-2014, 12:10 PM
الرؤى والمنامات بين الحُجّة واللاحُجّة
________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
روى الشيخ الكُليني في الكافي بسندٍ صحيح
( عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) قال : قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلتُ : جعلتُ فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنهم يقولون : إن أبي بن كعب رآه في النوم ، فقال :كذبوا فإن دين الله عز وجل أعز من أن يرى في النوم)
:الكافي :الكليني :ج3:ص482.
إنّ هذه الرواية الصحيحة تدل قطعاً على أنّ دين الله عز وجل بعقيدته وشريعته وأحكامه لا يمكن أن يُؤخذ من المنام .
ذلك للقطع عقلا بضرورة أن يُؤخذ دين الله تعالى من المعصوم الصادق (نبي أو إمام ) وبواسطة الوحي المُبين والدليل اليقيني.
والملاحظ في هذه الرواية أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قد كذّبَ كل من يدّعي أخذ الأحكام الشرعية من المنام كما زعم أبي بن كعب في موضوع وحكم الأذان والصلاة .
مما يدل جزماً على عدم حجيّة المنام أو الرؤيا من غير المعصومين .
فلا يمكن الإعتماد على إثبات شيء ما من طريق المنام قطعاً
وأما مُقايسة رؤى الناس برؤى الأنبياء والأئمة عليهم السلام فهذه مقايسة باطلة من أول الأمر ذلك كون رؤيا الأنبياء والأئمة هي رؤيا معصوم وهي صادقة بلاشك
وأما رؤيا غيرهم فيُحتمل فيها الكذب والإشتباه واللُبس
نعم إنّ رؤيا الأنبياء هي رؤيا صادقة وثبتت في القرآن الكريم نصاً بشهادة الله تعالى وتحققَ مفاد مارأوا واقعاً كما حصل من النبي إبراهيم عليه السلام والنبي يوسف ونبينا الأكرم محمد :ص وآله:
ولكن الفارق الرئيس بين رؤيا الأنبياء ورؤيا أتباع الدعي أحمد إسماعيل
واضح وجلي بأدنى تصور وتأمل .
فالأنبياء عليهم السلام كانتْ رؤياهم رؤى كاشفة عن المستقبل القابل في وقتهم بعد ثبوت نبوتهم وتلقيهم الوحي من الله تعالى يقيناً .
بخلاف رؤيا أتباع الدعي أحمد إسماعيل فهي رؤى متأخرة عن زعم ودعوى صاحبهم بأنه هو الإمام أو المهدي الأول أو الوصي والتي لم تثبت يقيناً بعد وهي باطلة أصلاً وتقرراً.
فالدعي أحمد إسماعيل إدعى الدعوة في الإمامة أو المهديّة ثم طالب أتباعه بأن يروا ذلك في المنام ليثبت دعواه البائسة .
وفرقٌ كبيرٌ بين رؤيا الأنبياء ورؤيا غيرهم .
ثم إنّ رؤيا الأنبياء إنما تكون حجة لعدم إمكان تطرق أو تمثّل الشيطان لهم
بخلاف غيرهم من الناس العامة .
وإنّ أتباع أحمد إسماعيل قد وظّفوا الحديث المروي عن النبي محمد:ص وآله:
( من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )
تدعيماً لدعواهم في حجية المنامات والرؤى التي تحصل لغير المعصومين
والذين يزعمون أنهم رأوا النبي محمد وأخبرهم بإمامة أحمد إسماعيل أو بمهديّته
وهذا الزعم منهم باطل
فقد ردّه السيد المرتضى علم الهدى من قبل ألف عام تقريباً إذ قال
( فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله :
( من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ) وقد علمنا أن المُحق والمُبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله ويخبر كل واحد منهم عنه بضد مايخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا ؟ .
قلنا(السيد المرتضى) : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معول على مثل ذلك . على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به : من رآني في
اليقظة فقد رآني على الحقيقة ، لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان .
فقد قيل :إن الشيطان ربما تمثل بصورة البشر .
وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ، لأنه قال : من رآني فقد رآني ،
فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئي ،
وإنما ذلك في اليقظة . ولو حملناه على النوم ، لكان تقدير الكلام : من اعتقد
أنه يراني في منامه وإن كان غير راء له في الحقيقة ، فهو في الحكم كأنه قد
رآني . وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته )
:رسائل الشريف المرتضى:ج2:ص13.
ثمّ أنّ المُتسالم عليه بين علماء المسلمين كافة هو عدم حجية المنامات من غير المعصومين .
فقد أثبت علماء الأصول قديما عدم حجية رؤيا ومنام غير المعصوم لإحتمال الكذب فيها .
لذا لا يمكن الأخذ بدعوى أحمد إسماعيل بكون المنامات حجة ووحي من الله كما يزعم .
ذلك كون الرؤى منها ما هو كاذب وما هو أضغاث أحلام وما هو تلبيس من إبليس فأنّى لنا معرفة صدق الرؤيا من كذبها وما هو المعيار في ذلك؟
والأخبار والروايات قد صنفت الرؤى إلى أقسام وعرضت لها تفصيلاً تحذيرا من عواقب توظيفها من قبل الدجالين لصالح دعواهم الباطلة .
عن (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام )
:الكافي :الكليني :ج8:ص90.
وهذا يعني أنّ من الرؤيا ما هو خير وبشارة ومنه ماهو تحذير من الله تعالى من وسوسة الشيطان في نفس الرائي ومنه ماهو أضغاث أحلام.
فكيف يتم التعويل على رؤيا مدّعاة يُحتمل أن تكون واحدة من تلك الوجوه الثلاثة .
وممكن مناقشة ذلك من عدة وجوه منها
1/ إنّ الرؤى لاتجري على نسق واحدٍ ذلك لكونها على أقسام فمنها الصادق ومنها الكاذب ومنها المُحّذر ومنها المٌبشّر ومنها المُخوّف ومنها الأضغاث .
كما تقدّم في رواية الكافي فلا يمكن الإعتماد عليها يقيناً .
وقد ورد هذا المعنى أيضا في كتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي في قول الإمام الصادق له
(فكّر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها
بكاذبها ، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت
كلها تكذب ، لم يكن فيها منفعة ، بل كانت فضلا لا معنى له ، فصارت
تصدق أحيانا ، فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها ، أو مضرة يتحذر
منها ، وتكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد )
:التوحيد:المفضل بن عمر الجعفي:ص44.
2/ إنّ رؤى الأنبياء والأئمة هي رؤى صادقة ومُصدّقة من قبل الله تعالى
قال الله تعالى كشاهد على ذلك
(( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)) (27)الفتح
((وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ )) (104) (( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)) (105)الصافات
وأما رؤى الناس فهي غير مُحرزة الصدق والتصديق .
3/ إنّ الرؤى من غير الأنبياء لاتصلح لئن تكون مصدراً من مصادر العقيدة والتشريع لا في الأحكام ولا في أي شيء آخر
هذا ما أجمع عليه العلماء المتقدمون والمتأخرون
قال شيخ الطائفة المفيد (رضوان الله تعالى عليه )
(فإنا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات وإنما نثبت من تأويلها ما جاء الأثر به عن ورثة الأنبياء - عليهم السلام )
:الفصول المختارة :المفيد:ص130.
وقال الشيخ الحر العاملي
(أقول : وتواترت الروايات بأن بعض الرؤيا صادق وبعضها كاذب وتواترت أيضا بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة ع)
:الفصول المهمة في أصول الأئمة: الحر العاملي :ج1:ص690.
وروى الشيخ المجلسي أنه
( لقد سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي - قدس الله روحه - : ما يقول
سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعض الأئمة عليهم السلام وهو يأمره بشئ وينهاه عن شئ ؟
هل يجب عليه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك ؟
مع ما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من رآني في منامه فقدر آني فإن الشيطان لم يتمثل بي . وغير ذلك من الأحاديث .
وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهرالشريعة ؟
هل بين الحالين فرق أم لا ؟ أفتنا في ذلك مبينا ، جعل الله كل صعب عليك
هينا .
فأجاب - نور الله ضريحه - : أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه ، وأماما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب ، لان رؤيته عليه السلام لا يعطي وجوب الاتباع في المنام )
:بحار الأنوار:المجلسي :ج58:ص238.
4/ إنّ الرؤى قد تكون رمزية أو إشارية فلايمكن ضبط مداليلها وتفسيرها وتأويلها إلاّ من قبل المعصوم عليه السلام كما نقل ذلك القرآن الكريم في سورة يوسف .
(( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ )) (43)يوسف
ولم يتمكن في قوتها أحدٌ من تفسير الرؤيا هذه إلاّ النبي يوسف عليه السلام.
فكيف بغير المعصوم من أن يضبط تعبير وتفسير الرؤيا ؟
5/ إنّ أتباع أحمد إسماعيل قد وظّفوا رواية عن رسول الله :ص: بخصوص حجيّة الرؤيا بزعمهم رغم ضعف هذه الرواية سندا على ما بينه السيد المرتضى كما تقدّم.
( أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
قال : من رآني في منامه فقد رآني ، لان الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورةأحد من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة)
:الأمالي:الصدوق:ص121.
6/ روى المجلسي أنّ الشيخ المفيد قال
( إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون ومن جرى
مجراه مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة ، فما المانع من أن يدعي إبليس عند
النائم بوسوسة له أنه نبي ؟ مع تمكن إبليس مما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس
المعترض في المنام . ومما يوضح لك أن المنامات التي يتخيل للانسان أنه قد رأى
فيها رسول الله والأئمة منها ما هو حق ، ومنها ما هو باطل)
:بحار الأنوار:المجلسي:ج58:ص212.
7/ إنّ عالم المنام ممكن إختراقه من خلال علم الطاقة والإسقاط النجمي
فقد يكون للشخص المتمرس في هذه العلوم القدرة على التأثير على منامات الآخرين بحسب ما تذكره الدراسات العلمية الحديثة في هذا المجال .
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
________________________________
مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف
________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
روى الشيخ الكُليني في الكافي بسندٍ صحيح
( عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) قال : قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلتُ : جعلتُ فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنهم يقولون : إن أبي بن كعب رآه في النوم ، فقال :كذبوا فإن دين الله عز وجل أعز من أن يرى في النوم)
:الكافي :الكليني :ج3:ص482.
إنّ هذه الرواية الصحيحة تدل قطعاً على أنّ دين الله عز وجل بعقيدته وشريعته وأحكامه لا يمكن أن يُؤخذ من المنام .
ذلك للقطع عقلا بضرورة أن يُؤخذ دين الله تعالى من المعصوم الصادق (نبي أو إمام ) وبواسطة الوحي المُبين والدليل اليقيني.
والملاحظ في هذه الرواية أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قد كذّبَ كل من يدّعي أخذ الأحكام الشرعية من المنام كما زعم أبي بن كعب في موضوع وحكم الأذان والصلاة .
مما يدل جزماً على عدم حجيّة المنام أو الرؤيا من غير المعصومين .
فلا يمكن الإعتماد على إثبات شيء ما من طريق المنام قطعاً
وأما مُقايسة رؤى الناس برؤى الأنبياء والأئمة عليهم السلام فهذه مقايسة باطلة من أول الأمر ذلك كون رؤيا الأنبياء والأئمة هي رؤيا معصوم وهي صادقة بلاشك
وأما رؤيا غيرهم فيُحتمل فيها الكذب والإشتباه واللُبس
نعم إنّ رؤيا الأنبياء هي رؤيا صادقة وثبتت في القرآن الكريم نصاً بشهادة الله تعالى وتحققَ مفاد مارأوا واقعاً كما حصل من النبي إبراهيم عليه السلام والنبي يوسف ونبينا الأكرم محمد :ص وآله:
ولكن الفارق الرئيس بين رؤيا الأنبياء ورؤيا أتباع الدعي أحمد إسماعيل
واضح وجلي بأدنى تصور وتأمل .
فالأنبياء عليهم السلام كانتْ رؤياهم رؤى كاشفة عن المستقبل القابل في وقتهم بعد ثبوت نبوتهم وتلقيهم الوحي من الله تعالى يقيناً .
بخلاف رؤيا أتباع الدعي أحمد إسماعيل فهي رؤى متأخرة عن زعم ودعوى صاحبهم بأنه هو الإمام أو المهدي الأول أو الوصي والتي لم تثبت يقيناً بعد وهي باطلة أصلاً وتقرراً.
فالدعي أحمد إسماعيل إدعى الدعوة في الإمامة أو المهديّة ثم طالب أتباعه بأن يروا ذلك في المنام ليثبت دعواه البائسة .
وفرقٌ كبيرٌ بين رؤيا الأنبياء ورؤيا غيرهم .
ثم إنّ رؤيا الأنبياء إنما تكون حجة لعدم إمكان تطرق أو تمثّل الشيطان لهم
بخلاف غيرهم من الناس العامة .
وإنّ أتباع أحمد إسماعيل قد وظّفوا الحديث المروي عن النبي محمد:ص وآله:
( من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي )
تدعيماً لدعواهم في حجية المنامات والرؤى التي تحصل لغير المعصومين
والذين يزعمون أنهم رأوا النبي محمد وأخبرهم بإمامة أحمد إسماعيل أو بمهديّته
وهذا الزعم منهم باطل
فقد ردّه السيد المرتضى علم الهدى من قبل ألف عام تقريباً إذ قال
( فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله :
( من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ) وقد علمنا أن المُحق والمُبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله ويخبر كل واحد منهم عنه بضد مايخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا ؟ .
قلنا(السيد المرتضى) : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معول على مثل ذلك . على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به : من رآني في
اليقظة فقد رآني على الحقيقة ، لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان .
فقد قيل :إن الشيطان ربما تمثل بصورة البشر .
وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ، لأنه قال : من رآني فقد رآني ،
فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئي ،
وإنما ذلك في اليقظة . ولو حملناه على النوم ، لكان تقدير الكلام : من اعتقد
أنه يراني في منامه وإن كان غير راء له في الحقيقة ، فهو في الحكم كأنه قد
رآني . وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته )
:رسائل الشريف المرتضى:ج2:ص13.
ثمّ أنّ المُتسالم عليه بين علماء المسلمين كافة هو عدم حجية المنامات من غير المعصومين .
فقد أثبت علماء الأصول قديما عدم حجية رؤيا ومنام غير المعصوم لإحتمال الكذب فيها .
لذا لا يمكن الأخذ بدعوى أحمد إسماعيل بكون المنامات حجة ووحي من الله كما يزعم .
ذلك كون الرؤى منها ما هو كاذب وما هو أضغاث أحلام وما هو تلبيس من إبليس فأنّى لنا معرفة صدق الرؤيا من كذبها وما هو المعيار في ذلك؟
والأخبار والروايات قد صنفت الرؤى إلى أقسام وعرضت لها تفصيلاً تحذيرا من عواقب توظيفها من قبل الدجالين لصالح دعواهم الباطلة .
عن (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام )
:الكافي :الكليني :ج8:ص90.
وهذا يعني أنّ من الرؤيا ما هو خير وبشارة ومنه ماهو تحذير من الله تعالى من وسوسة الشيطان في نفس الرائي ومنه ماهو أضغاث أحلام.
فكيف يتم التعويل على رؤيا مدّعاة يُحتمل أن تكون واحدة من تلك الوجوه الثلاثة .
وممكن مناقشة ذلك من عدة وجوه منها
1/ إنّ الرؤى لاتجري على نسق واحدٍ ذلك لكونها على أقسام فمنها الصادق ومنها الكاذب ومنها المُحّذر ومنها المٌبشّر ومنها المُخوّف ومنها الأضغاث .
كما تقدّم في رواية الكافي فلا يمكن الإعتماد عليها يقيناً .
وقد ورد هذا المعنى أيضا في كتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي في قول الإمام الصادق له
(فكّر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها
بكاذبها ، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت
كلها تكذب ، لم يكن فيها منفعة ، بل كانت فضلا لا معنى له ، فصارت
تصدق أحيانا ، فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها ، أو مضرة يتحذر
منها ، وتكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد )
:التوحيد:المفضل بن عمر الجعفي:ص44.
2/ إنّ رؤى الأنبياء والأئمة هي رؤى صادقة ومُصدّقة من قبل الله تعالى
قال الله تعالى كشاهد على ذلك
(( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)) (27)الفتح
((وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ )) (104) (( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)) (105)الصافات
وأما رؤى الناس فهي غير مُحرزة الصدق والتصديق .
3/ إنّ الرؤى من غير الأنبياء لاتصلح لئن تكون مصدراً من مصادر العقيدة والتشريع لا في الأحكام ولا في أي شيء آخر
هذا ما أجمع عليه العلماء المتقدمون والمتأخرون
قال شيخ الطائفة المفيد (رضوان الله تعالى عليه )
(فإنا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات وإنما نثبت من تأويلها ما جاء الأثر به عن ورثة الأنبياء - عليهم السلام )
:الفصول المختارة :المفيد:ص130.
وقال الشيخ الحر العاملي
(أقول : وتواترت الروايات بأن بعض الرؤيا صادق وبعضها كاذب وتواترت أيضا بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة ع)
:الفصول المهمة في أصول الأئمة: الحر العاملي :ج1:ص690.
وروى الشيخ المجلسي أنه
( لقد سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي - قدس الله روحه - : ما يقول
سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعض الأئمة عليهم السلام وهو يأمره بشئ وينهاه عن شئ ؟
هل يجب عليه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك ؟
مع ما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من رآني في منامه فقدر آني فإن الشيطان لم يتمثل بي . وغير ذلك من الأحاديث .
وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهرالشريعة ؟
هل بين الحالين فرق أم لا ؟ أفتنا في ذلك مبينا ، جعل الله كل صعب عليك
هينا .
فأجاب - نور الله ضريحه - : أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه ، وأماما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب ، لان رؤيته عليه السلام لا يعطي وجوب الاتباع في المنام )
:بحار الأنوار:المجلسي :ج58:ص238.
4/ إنّ الرؤى قد تكون رمزية أو إشارية فلايمكن ضبط مداليلها وتفسيرها وتأويلها إلاّ من قبل المعصوم عليه السلام كما نقل ذلك القرآن الكريم في سورة يوسف .
(( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ )) (43)يوسف
ولم يتمكن في قوتها أحدٌ من تفسير الرؤيا هذه إلاّ النبي يوسف عليه السلام.
فكيف بغير المعصوم من أن يضبط تعبير وتفسير الرؤيا ؟
5/ إنّ أتباع أحمد إسماعيل قد وظّفوا رواية عن رسول الله :ص: بخصوص حجيّة الرؤيا بزعمهم رغم ضعف هذه الرواية سندا على ما بينه السيد المرتضى كما تقدّم.
( أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
قال : من رآني في منامه فقد رآني ، لان الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورةأحد من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة)
:الأمالي:الصدوق:ص121.
6/ روى المجلسي أنّ الشيخ المفيد قال
( إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون ومن جرى
مجراه مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة ، فما المانع من أن يدعي إبليس عند
النائم بوسوسة له أنه نبي ؟ مع تمكن إبليس مما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس
المعترض في المنام . ومما يوضح لك أن المنامات التي يتخيل للانسان أنه قد رأى
فيها رسول الله والأئمة منها ما هو حق ، ومنها ما هو باطل)
:بحار الأنوار:المجلسي:ج58:ص212.
7/ إنّ عالم المنام ممكن إختراقه من خلال علم الطاقة والإسقاط النجمي
فقد يكون للشخص المتمرس في هذه العلوم القدرة على التأثير على منامات الآخرين بحسب ما تذكره الدراسات العلمية الحديثة في هذا المجال .
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
________________________________
مرتضى علي الحلي / النجف الأشرف