المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتل مسلم بن عقيل من كتاب البدايه والنهايه للعلامه ابن كثير


وهج الإيمان
08-08-2014, 09:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام من كتاب البدايه والنهايه للعلامه إبن كثير


كثر ورود الكتب عليه -الحسين (ع) _ من بلاد العراق يدعونه إليهم - وذلك حين بلغهم موت معاوية وولاية يزيد، ومصير الحسين إلى مكة فرارا من بيعة يزيد - فكان أول من قدم عليه عبد الله بن سبع الهمذاني، وعبد الله بن والٍ معمها كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية.فقدما على الحسين لعشر مضين من رمضان من هذه السنة، ثم بعثوا بعدهما نفرا منهم: قيس بن مسهر الضدائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكوا الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلولي، ومعهم نحو من مائة وخمسين كتابا إلى الحسين.
ثم بعثوا هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي ومعهما كتاب فيه الاستعجال في السير إليهم، وكتب إليه شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث و يزيد بن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي:
أما بعد: فقد أخضرت الجنان، وأينعت الثمار، ولطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك.
فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضا عن يزيد بن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنهم فرحوا بموت معاوية، وينالون منه ويتكلمون في دولته، وأنهم لم يبايعوا أحدا إلى الآن، وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم.
فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق، ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتما وأمرا حازما محكما، بعث إليه ليركب في أهله وذويه، ويأتي الكوفة ليظفر بمن يعاديه.
وكتب معه كتابا إلى أهل العراق بذلك، فلما سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلين فسارا به على براري مهجورة المسالك.
فكان أحد الدليلين منهما أول هالك، وذلك من شدة العطش، وقد أضلوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له: المضيق، من بطن خبيت، فتطير به مسلم بن عقيل، فتلبث مسلم على ما هنالك ومات الدليل الآخر.
فكتب إلى الحسين يستشيره في أمره، فكتب إليه يعزم عليه أن يدخل العراق، وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم.
فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له: مسلم بن عوسجة الأسدي.
وقيل: نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي فالله أعلم.
فتسامع أهل الكوفة بقدومه، فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا.
فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهز الحسين من مكة قاصدا الكوفة كما سنذكره.
وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير خّبره رجل بذلك، فجعل يضرب عن ذلك صفحا ولا يعبأ به، ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة.
وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب عليّ، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته.
فقام إليه رجل يقال له: عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي.
فقال له: إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة، وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين.
فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله.
ثم نزل فكتب ذلك الرجل إلى يزيد يعلمه بذلك، وكتب إلى يزيد عمارة بن عقبة، وعمرو بن سعد بن أبي وقاص، فبعث يزيد فعزل النعمان عن الكوفة وضمها إلى عبيد الله بن زياد مع البصرة، وذلك بإشارة سرجون مولى يزيد بن معاوية، وكان يزيد يستشيره.
فقال سرجون: أكنت قابلا من معاوية ما أشار به لو كان حيا؟
قال: نعم!
قال: فاقبل مني فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد، فوله إياها.
وكان يزيد يبغض عبيد الله بن زياد، وكان يريد أن يعزله عن البصرة، فولاه البصرة والكوفة معا لما يريده الله به وبغيره.
ثم كتب يزيد إلى ابن زياد: إذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل، فإن قدرت عليه فاقتله أو انفه، وبعث الكتاب مع العهد مع مسلم بن عمرو الباهلي، فسار ابن زياد من البصرة إلى الكوفة.
فلما دخلها متلثما بعمامة سوداء، فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قال: سلام عليكم.
فيقولون: وعليكم السلام مرحبا بابن رسول الله - يظنون أنه الحسين وقد كانوا ينتظرون قدومه - وتكاثر الناس عليه، ودخلها في سبعة عشر راكبا.
فقال لهم مسلم بن عمرو: من جهة يزيد، تأخروا، هذا الأمير عبيد الله بن زياد، فلما علموا ذلك علتهم كآبة وحزن شديد، فتحقق عبيد الله الخبر، ونزل قصر الإمارة من الكوفة.
فلما استقر أمره أرسل مولى أبي رهم - وقيل: كان مولى له يقال له: معقل - ومعه ثلاثة آلاف درهم في صورة قاصد من بلاد حمص، وأنه إنما جاء لهذه البيعة، فذهب ذلك المولى فلم يزل يتلطف ويستدل على الدار التي يبايعون بها مسلم بن عقيل حتى دخلها، وهي دار هانئ بن عروة التي تحول إليها من الدار الأولى.
فبايع وأدخلوه على مسلم بن عقيل فلزمهم أياما حتى اطلع على جلية أمرهم، فدفع المال إلى أبي ثمامة العامري بأمر مسلم بن عقيل - وكان هو الذي يقبض ما يؤتى به من الأموال ويشتري السلاح - وكان من فرسان العرب، فرجع ذلك المولى وأعلم عبيد الله بالدار وصاحبها.
وقد تحول مسلم بن عقيل إلى دار هانئ بن حميد بن عروة المرادي، ثم إلى دار شريك بن الأعور، وكان من الأمراء الأكابر، وبلغه أن عبيد الله يريد عيادته.
فبعث إلى هانئ يقول له: ابعث مسلم بن عقيل حتى يكون في داري ليقتل عبيد الله إذا جاء يعودني.
فبعثه إليه فقال له شريك: كن أنت في الخباء، فإذا جلس عبيد الله فإني أطلب الماء وهي إشارتي إليك، فاخرج فاقتله.
فلما جاء عبيد الله جلس على فراش شريك وعنده هانئ بن عروة، وقام من بين يديه غلام يقال له مهران، فتحدث عنده ساعة.
ثم قال شريك: اسقوني، فتجبن مسلم عن قتله، وخرجت جارية بكوز من ماء، فوجدت مسلما في الخباء فاستحيت ورجعت بالماء ثلاثا.
ثم قال: اسقوني، ولو كان فيه ذهاب نفسي أتحمونني من الماء؟
ففهم مهران الغدر، فغمز مولاه فنهض سريعا وخرج.
فقال شريك: أيها الأمير، إني أريد أن أوصي إليك.
فقال: سأعود!
فخرج به مولاه فأركبه وطرد به - أي ساق به - وجعل يقول له مولاه: إن القوم أرادوا قتلك.
فقال: ويحك إني بهم لرفيق، فما بالهم؟
وقال شريك لمسلم: ما منعك أن تخرج فتقتله؟
قال: حديث بلغني عن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أنه قال: «الإيمان ضد الفتك، لا يفتك مؤمن»، وكرهت أن أقتله في بيتك.
فقال: أَما لو قتلته لجلست في القصر لم يستعد منه أحد وليكفينك أمر البصرة، ولو قتلته لقتلت ظالما فاجرا، ومات شريك بعد ثلاث.
ولما انتهى ابن زياد إلى باب القصر وهو متلثم ظنه النعمان بن بشير الحسين قد قدم، فأغلق باب القصر وقال: ما أنا بمسلم إليك أمانتي.
فقال له عبيد الله: افتح لأفتحنه، ففتح وهو يظنه الحسين، فلما تحقق أنه عبيد الله أسقط في يده، فدخل عبيد الله إلى قصر الإمارة وأمر مناديا فنادى: إن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد:
فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم وفيأكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده.
ثم نزل وأمر العرفاء أن يكتبوا من عندهم من الزورية وأهل الريب والخلاف والشقاق، وأيما عريف لم يطلعنا على ذلك صلب أو نفي، وأسقطت عرافته من الديوان - وكان هانئ أحد الأمراء الكبار - ولم يسلم على عبيد الله منذ قدم وتمارض، فذكره عبيد الله وقال: ما بال هانئ لم يأتني مع الأمراء؟
فقالوا: أيها الأمير إنه يشتكي.
فقال: إنه بلغني أنه يجلس على باب داره.
وزعم بعضهم: أنه عاده قبل شريك بن الأعور ومسلم بن عقيل عنده، وقد هموا بقتله فلم يمكنهم هانئ لكونه في داره.
فجاء الأمراء إلى هانئ بن عروة فلم يزالوا به حتى أدخلوه على عبيد الله بن زياد، فالتفت عبيد الله إلى القاضي فقال متمثلا بقول الشاعر:
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
فلما سلم هانئ على عبيد الله قال: يا هانئ أين مسلم بن عقيل؟
قال: لا أدري.
فقام ذلك المولى التميمي الذي دخل دار هانئ في صورة قاصد من حمص فبايع في داره، ودفع الدراهم بحضرة هانئ إلى مسلم.
فقال: أتعرف هذا؟
قال: نعم!
فلما رآه هانئ قطع وأسقط في يده.
فقال: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه عليَّ.
فقال عبيد الله: فأتني به.
فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه.
فقال: أدنوه مني، فأدنوه فضربه بحربة على وجهه فشجه على حاجبه وكسر أنفه، وتناول هانئ سيف شرطي ليسله فدفع عن ذلك.
وقال عبيد الله: قد أحل الله لي دمك، لأنك حروري، ثم أمر به فحبسه في جانب الدار، وجاء قومه من بني مذحج مع عمرو بن الحجاج فوقفوا على باب القصر يظنون أنه قد قتل.
فسمع عبيد الله لهم جلبة، فقال لشريح القاضي وهو عنده: أخرج إليهم فقل لهم إن الأمير لم يحبسه إلا ليسأله عن مسلم بن عقيل.
فقال لهم: إن صاحبكم حي، وقد ضربه سلطاننا ضربا لم يبلغ نفسه، فانصرفوا ولا تحلوا بأنفسكم ولا بصاحبكم.
فتفرقوا إلى منازلهم، وسمع مسلم بن عقيل الخبر فركب ونادى بشعاره: يا منصور أمت.
فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، وكان معه المختار بن أبي عبيد، ومعه راية خضراء، عبد الله بن نوفل بن الحارث براية حمراء، فرتبهم ميمنة وميسرة وسار هو في القلب إلى عبيد الله، وهو يخطب الناس في أمر هانئ ويحذرهم من الاختلاف، وأشراف الناس وأمراؤهم تحت منبره.
فبينما هو كذلك إذ جاءت النظارة يقولون: جاء مسلم بن عقيل، فبادر عبيد الله فدخل القصر ومن معه وأغلقوا عليهم الباب.
فلما انتهى مسلم إلى باب القصر وقف بجيشه هناك، فأشرف أمراء القبائل الذين عند عبيد الله في القصر، فأشاروا إلى قومهم الذين مع مسلم بالانصراف، وتهددوهم وتوعدوهم.
وأخرج عبيد الله بعض الأمراء وأمرهم أن يركبوا في الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل، ففعلوا ذلك، فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: ارجع إلى البيت، الناس يكفونك.
ويقول الرجل لابنه وأخيه: كأنك غدا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟
فتخاذل الناس وقصّروا وتصرّموا وانصرفوا عن مسلم بن عقيل، حتى لم يبق إلا في خمسمائة نفس.
ثم تقالّوا حتى بقي في ثلاثمائة، ثم تقالّوا حتى بقي معه ثلاثون رجلا، فصلى بهم المغرب وقصد أبواب كندة فخرج منها في عشرة.

يتبع .......

وهج الإيمان
08-08-2014, 09:57 PM
ثم انصرفوا عنه فبقي وحده ليس معه من يدله على الطريق، ولا من يؤانسه بنفسه، ولا من يأويه إلى منزله، فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد في الطريق لا يدري أين يذهب.
فأتى بابا فنزل عنده وطرقه، فخرجت منه امرأة يقال لها: طوعة، كانت أم ولد للأشعث بن قيس، وقد كان لها ابن من غيره يقال له: بلال بن أسيد، خرج مع الناس وأمه قائمة بالباب تنتظره.
فقال لها مسلم بن عقيل: اسقني ماء فسقته، ثم دخلت وخرجت فوجدته.
فقالت: ألم تشرب؟
قال: بلى!
قالت: فاذهب إلى أهلك عافاك الله، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أجمله لك.
فقام فقال: يا أمة الله ليس لي في هذا البلد منزل ولا عشيرة، فهل إلى أجر ومعروف وفعل نكافئك به بعد اليوم؟
فقالت: يا عبد الله وما هو؟
قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني.
فقالت: أنت مسلم؟
قال: نعم!
قالت: ادخل! فأدخلته بيتا من دارها غير البيت الذي يكون فيه وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش، فلم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول والخروج، فسألها عن شأنها.
فقالت: يا بني اله عن هذا، فألح عليها فأخذت عليه أن لا يحدث أحدا، فأخبرته خبر مسلم، فاضطجع إلى الصباح ساكتا لا يتكلم.
وأما عبيد الله بن زياد فإنه نزل من القصر بمن معه من الأمراء والأشراف بعد العشاء الآخرة، فصلى بهم العشاء في المسجد الجامع.
ثم خطبهم وطلب منهم مسلم بن عقيل وحث على طلبه، ومن وجد عنده ولم يعلم به فدمه هدر، ومن جاء به فله ديته، وطلب الشرط وحثهم على ذلك وتهددهم.
فلما أصبح ابن تلك العجوز ذهب إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأعلمه بأن مسلم بن عقيل في دارهم، فجاء عبد الرحمن فسارّ أباه بذلك وهو عند ابن زياد.
فقال ابن زياد: ما الذي سارّك به؟
فأخبره الخبر فنخس بقضيب في جنبه وقال: قم فأتني به الساعة.
وبعث ابن زياد عمر بن حريث المخزومي - وكان صاحب شرطته - ومعه عبد الرحمن، ومحمد بن الأشعث في سبعين أو ثمانين فارسا، فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط بالدار التي هو فيها.
فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات، وأصيبت شفته العليا والسفلى.
ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطناب القصب فضاق بهم ذرعا، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم.
فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكنه من يده، وجاؤوا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه، فلم يبق يملك من نفسه شيئا.
فبكى عند ذلك وعرف أنه مقتول، فيئس من نفسه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال بعض من حوله: إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به هذا.
فقال: أما والله لست أبكي على نفسي، ولكن أبكي على الحسين، وآل الحسين، إنه قد خرج إليكم اليوم أو أمس من مكة، ثم التفت إلى محمد بن الأشعث فقال: إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل.
فبعث محمد بن الأشعث إلى الحسين يأمره بالرجوع فلم يصدق الرسول في ذلك، وقال: كل ما حم الإله واقع.
قالوا: ولما انتهى مسلم بن عقيل إلى باب القصر، إذا على بابه جماعة من الأمراء من أبناء الصحابة ممن يعرفهم ويعرفونه، ينتظرون أن يؤذن لهم على ابن زياد، ومسلم مخضب بالدماء في وجهه وثيابه، وهو مثخن بالجراح، وهو في غاية العطش، وإذا قلة من ماء بارد هنالك فأراد أن يتناولها ليشرب منها.
فقال له رجل من أولئك: والله لا تشرب منها حتى تشرب من الحميم.
فقال له: ويلك يا ابن ناهلة، أنت أولى بالحميم والخلود في نار الجحيم مني.
ثم جلس فتساند إلى الحائط من التعب والكلال والعطش، فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط مولى له إلى داره فجاء بقلة عليها منديل، ومعه قدح.
فجعل يفرغ له في القدح ويعطيه فيشرب فلا يستطيع أن يسيغه من كثرة الدماء التي تعلو على الماء مرتين أو ثلاثا، فلما شرب سقطت ثناياه مع الماء.
فقال: الحمد لله لقد كان بقي لي من الرزق المقسوم شربة ماء.
ثم أدخل على ابن زياد، فلما وقف بين يديه لم يسلم عليه.
فقال له الحرسي: ألا تسلم على الأمير؟!
فقال: لا! إن كان يريد قتلي فلا حاجة لي بالسلام عليه، وإن لم يرد قتلي فسأسلم عليه كثيرا.
فأقبل ابن زياد عليه فقال: إيه يا ابن عقيل، أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتفرق كلمتهم، وتحمل بعضهم على قتل بعض؟
قال: كلا لست لذلك أتيت، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب.
قال: وما أنت وذاك يا فاسق؟ لم لا كنت تعمل بذلك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟.
فقال: أنا أشرب الخمر؟! والله إن الله ليعلم أنك غير صادق، وأنك قلت بغير علم، وأنت أحق بذلك مني، فإني لست كما ذكرت، وإن أولى بها مني من يلغ في دماء المسلمين ولغا، ويقتل النفس التي حرم الله بغير نفس، ويقتل على الغضب والظن، وهو يلهو ويلعب كأنه لم يصنع شيئا.
فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونك ودونه، ولم يرك أهله.
قال: فمن أهله يا ابن زياد؟
قال: أمير المؤمنين يزيد.
قال: الحمد لله على كل حال، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم.
قال: كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا؟
قال: لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين.
قال له: قتلني الله إن لم أقتلك قتلةً لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس.
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه، أما إنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السيرة المكتسبة عن كتابكم وجهالكم.
وأقبل ابن زياد يشتمه، ويشتم حسينا وعليا، ومسلم ساكت لا يكلمه.
رواه ابن جرير، عن أبي مخنف وغيره من رواة الشيعة.
ثم قال له ابن زياد: إني قاتلك.
قال: كذلك؟
قال: نعم.
قال: فدعني أوصي إلى بعض قومي.
قال: أوص.
فنظر في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص.
فقال: يا عمر إن بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سر فقم معي إلى ناحية القصر حتى أقولها لك. فأبى أن يقوم معه حتى أذن له ابن زياد.
فقام فتنحى قريبا من ابن زياد، فقال له مسلم: إنّ عليّ دينا في الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عني، واستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين، فإني كنت كتبت إليه أن الناس معه، ولا أراه إلا مقبلا.
فقام عمر فعرض على ابن زياد ما قال له، فأجاز ذلك له كله.
وقال: أما الحسين فإنه لم يردنا لا نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه.
ثم أمر ابن زياد بمسلم بن عقيل فأصعد إلى أعلا القصر، وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا.
ثم ضرب عنقه رجل يقال له: بكير بن حمران، ثم ألقي رأسه إلى أسفل القصر، وأتبع رأسه بجسده.
ثم أمر بهانئ بن عروة المذحجي فضربت عنقه بسوق الغنم، وصُلب بمكان من الكوفة يقال له: الكناسة.
فقال رجل شاعر في ذلك قصيدة:
فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
أصابهما أمر الإمام فأصبحا * أحاديث من يغشى بكل سبيل
إلى بطلٍ قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوي في طمار قتيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دمٍ قد سال كلّ مسيل
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغيا أرضيت بقليل
ثم إن ابن زياد قتل معهما أناسا آخرين، ثم بعث برؤوسهما إلى يزيد بن معاوية إلى الشام، وكتب له كتابا صورة ما وقع من أمرهما.
وقد كان عبيد الله قبل أن يخرج من البصرة بيوم خطب أهلها خطبة بليغة، ووعظهم فيها وحذرهم، وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرق.(1)


إعداد : وهج الإيمان
دمتم برعاية الله



ــــــــ
(1) كتاب البدايه والنهايه للعلامه ابن كثير ج8 ،قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله .

وهج الإيمان
08-08-2014, 09:57 PM
ملاحظه هامه :

في كتاب العلامه ابن كثير يظهر أن هناك تصحيف في عطش مسلم بن عقيل فيه كما في الموضوع التالي:

فجعل يفرغ له في القدح ويعطيه فيشرب فلا يستطيع أن يسيغه من كثرة الدماء التي تعلو على الماء مرتينأو ثلاثا، فلما شرب سقطت ثناياه مع الماءفقال: الحمد لله لقد كان بقي لي من الرزق المقسوم شربة ماء

هنا يظهر أنه شرب الماء

لكن في عبارة الطبري في تاريخه :

[فصبّ له ماءً بقدح، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً من فمه، حتّى إذا كانت الثالثة سقطت ثنيّتاه في القدح فقال: الحمد لله، لو كان من الرزق المقسوم لي لشـربته.


هنا يظهر أنه لم يشر ب الماء ومعلوم أيضآ أنه نحر عطشانا

وهج الإيمان
08-08-2014, 10:05 PM
ملاحظه : أهل الكوفه لم يكونوا شيعه فهم يقدمون أبي بكر وعمروقد ورد في خطاب الامام الحسين عليه السلام ياشيعة آل أبي سفيان : فقال عليه السلام: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون (1)


وهناك من يخلط بين شيعة الإمام علي عليه السلام وشيعة آل أبي سفيان لأن القاسم المشترك بينهم أنهم شيعه لكذا فيتوهم بمجرد إطلاق العباره أنهم شيعه لعلي عليه السلام والحاصل أنهم ليسو كذلك لتقديمهم أبي بكر وعمرعلى الإمام علي عليه السلام فكيف يكونوا من شيعة الإمام علي عليه السلام وان ادعوا التشيع له فالكل يدعي التشيع لأهل البيت ليلبس على الناس !!!!

وهنا الدليل :
قال الشيخ ابن تيميه في منهاج السنة النبوية :
وكان السلف متفقين على تقديمهما حتى شيعة علي رضي الله عنه
وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير عن سفيان عن عبد الله بن زياد عن حدير قال قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة قال لنا شمر بن عطية قوموا إليه فجلسنا إليه فتحدثوا فقال أبو إسحاق خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون ولا والله ما أدرى ما يقولون
وقال حدثنا النيسابوري حدثنا أبو أسامة الحلبي حدثنا أبي حدثنا ضمرة عن سعيد بن حسن قال سمعت ليث بن أبي سليم يقول أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا
وقال أحمد بن حنبل حدثنا ابن عيينة عن خالد بن سلمة عن الشعبي عن مسروق قال حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة ومسروق من أجل تابعي الكوفة (2)




أقول : وهذا رد قاصم على من يقول الآن أن الشيعه هم من قتلوا الحسين ولايعرف مامعنى الشيعه في ذلك الوقت !!!

فشيعة الامام علي عليه السلام هم من قوتلوا وحوربوا

والدليل في هذا النقل :
أخرج الطبراني في معجمه الكبير3/68 بسنده عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: كان زياد يتتبع شيعة علي رضي الله عنه فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي الله عنه فقال: اللهم تفرد بموته، فإن القتل كفارة (قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/266: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) .


لمعرفة تفصيل مقتل مسلم بن عقيل يرجع لأبي مخنف الذي قال عنه الطبري :
أمّا أبو مخنف فإنه ذكر من قصّة مسلم بن عقيل، وشخوصه إلى الكوفة، ومقتله، قصة هي أشبع وأتم من خبر عمّار الدُّهني عن أبي جعفر التي ذكرناها) (3)

فقد اعتمد عليه الطبري و قال عنه ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها (4)
ــــــــــــــ
(1) راجع مقتل الحسين للخوارزمي 2/38. ، قال عن الخوارزمي إسماعيل باشا في كتابه هدية العارفين ( الوراق)( (2/ 198 ) - ( 1/199 ) : خطيب خوارزم أبو الوليد الوليد الموفق بن أحمد بن محمد المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم ولد سنة 484 وتوفي سنة 568 ثمان وستين وخمسمائه صنف مناقب المام ابو حنيفه )

(2) http://islamicweb.com/arabic/books/t...ok=365&id=2967 (http://islamicweb.com/arabic/books/taimiya.asp?book=365&id=2967)
(3) تاريخ الطبري جزء 6 طبع دار الفكر ص 271
(4) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 1/147 .

وهج الإيمان
27-10-2014, 05:30 PM
يرفع بحول الله وقوته

وهج الإيمان
02-12-2014, 03:33 AM
السلام عليك سيدنا مسلم بن عقيل السلام عليك يامن ذبح كالكبش ويقول في نفسه ليتني أكون كبش الفداء ويسلم نحرك أباعبدالله آه آه

وهج الإيمان
15-10-2015, 04:52 AM
للفائده التي دلنا عليها الإمام الطبري وهو قوله : "أمّا أبو مخنف فإنه ذكر من قصّة مسلم بن عقيل، وشخوصه إلى الكوفة، ومقتله، قصة هي أشبع وأتم من خبر عمّار الدُّهني عن أبي جعفر التي ذكرناها " (1) :

يراجع كتابي تنبيه الأنام لرد إعتبار أعلام هل السنه الكبار منهم لوط بن يحيى ومحمد بن السائب وإبنه هشام
http://www.4shared.com/file/Dzje2X2jba/tanbeh.html
لرد إعتباره

ـــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري جزء 6 طبع دار الفكر ص 271

وهج الإيمان
11-07-2024, 09:40 PM
السلام على سيدنا مسلم بن عقيل لعن الله من قتلك ورضي بقتلك