رافل الاوسي
11-09-2014, 11:13 PM
جف حليب صدرها، مصدر قوت رضيعها الذي لم يتجاوز الستين يوما بعد، فاضطرت أم عبد الله (45 سنة)، التي حرمتها الدنيا من أبسط مقومات الحياة، وحرمت معها ثمانية أبناء مات أحدهم بسبب الفقر والجوع، الى اللجوء للعمل بصناعة الطابوق اليدوي الذي تجني منه خمسة آلاف دينار يوميا لتعيل أسرتها، بعد أن عجز زوجها المصاب بعدة أمراض مزمنة ومستعصية عن تأمين متطلبات حياة اسرته.
ابنتها بشرى ذات السبعة عشر ربيعا، طالما سقطت في الوحل أثناء العمل، بسبب أصابتها بعجز القلب من الصغر، تركت رحلتها المدرسية، لعدم قدرة أهلها على شراء الملابس لها، وصارت تخرج فجر كل يوم مع امها للعمل لتؤمنا مصاريف بيتهما.
القرية التي تعيش فيها الام وابنتها لم تحمل أسما، فأسماها أهلها بـ"المنسية"، (تبعد 5 كم جنوبي مدينة الديوانية)، غاب المسؤولين والمجتمع المدني عنها، وصارت نسائها تجد في العمل بصناعة الطابوق اليدوي لتأمين جزء يسير من متطلبات الحياة اليومية.
وتقول أم عبدالله، سليمة عبد الكاظم، في حديث الى (المدى برس)، إن "فقر الحال والحرمان رافقاني من الصغر، وقسم الله لي زوجا أصيب بعدة أمراض مزمنة ومستعصية لا شفاء منها، فاضطررت الى العمل بصناعة الطابوق اليدوي (البلوك)، من أجل تأمين قوت عيالي".
وتوضح أم عبد الله، أن "صناعة ألف طابوقة، تباع بخمسين ألف دينار فقط ان حالفنا الحظ، يحتاج الى عشرة أيام من العمل المتواصل، بين حفر الارض واخراج نوع خاص من الطين الصالح لصناعة الطابوق، وجمع القش ليعجن مع الطين لتزداد قوته وضمان عدم تشققه، ومن ثم وضع الخليط في قوالب خاصة، تداس ويتم تسويتها بالأيادي لنحصل على الشكل والحجم المطلوب، بعد ذلك يرصف في الشمس حتى يجف".
وتلفت ام عبدالله الى أن "خمسة آلاف دينار يوميا هي الحد الاعلى لما نحصل عليه من بيع الطابوق، أتدبر بها معيشة ثمانية أبناء، مات أكبرهم عبد الله، بسبب نقص الغذاء وفقر الدم، وعدم مقدرتنا على تأمين مصاريف علاجه أو أخذه الى الطبيب".
وتضيف أم عبد الله أن "صدري جف الحليب فيه، ولم أتمكن من اشباع رضيعي البالغ من العمر نحو شهرين، بسبب العمل المستمر والجهد الذي أبذله، وقلة الغذاء والطعام الذي أتناوله، لأنه ليس متاح لنا كما الكثيرين، وسعر الحليب الصناعي غال لا استطيع شرائه، واكتفي اوقاتا كثيرة على ارضاعه الماء والسكر، فليس لي مقدرة على اكثر من ذلك".
وتبيّن أم عبد الله، أن "أحيانا كثيرة يضيع جهدنا هباءً منثورا، لقلة الطلب على ما نصنعه من طابوق، لنعيش أزمة خانقة في كيفية تأمين طعامنا بالحد الادنى منه، بعد أن نسينا جميعا طعم اللحم او الدجاج أو السمك الا ما يأتينا به المحسنون في المناسبات فقط".
وليس بعيداً عن أم عبدالله، كانت بشرى تمسك بيدها (المسحاة)، تقلب بالطين حينا وتتكأ عليه في آخر، والارهاق واضح عليها.
من جهتها تقول بشرى كاظم، في حديث الى (المدى برس)، إني "مصابة بعجز القلب من الصغر، وأبي طاعن في السن ومصاب بالكثير من الامراض التي تمنعه من القدرة على العمل، وأنا أكبر الموجودين، وصارت صناعة الطابوق اليدوي أملنا الوحيد في أن نوفر رغيف الخبز الذي نسد به رمقنا من الجوع".
وتلفت بشرى الى أن "حرماني من اكمال دراستي كان بسبب صعوبة شراء الملابس او القرطاسية، ففضل أبي ان أتركها وأعمل في رعاية مواشي الفلاحين في صغري، كانت تؤمن لنا خمسين ألف دينار شهريا نتدبر بها أمورنا".
وتطالب بشرى "دائرة المرأة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن تلتفت الى من بمثل حالنا، وتشملهم بمنح او رواتب الرعاية الاجتماعية، فلا معيل لنا ولا مصدر تمويل في بلد هو الاغنى بين البلدان، بمدينة تعد ثاني أفقر المحافظات العراقية، ليس فيها أي فرص عمل للمرأة سوى التعيين الحكومي والوظائف في مؤسسات الدولة، والتي هي حكر على الخريجات اللاتي يجلس الكثير منهن في البيوت لصعوبة الحصول على التعيين".
ولا تختلف قصة أم صبر، عن سابقاتها في شيء، اذ تقاسي ذات الالم وتتجرع من نفس كاس الفقر والحرمان.
وتروي أم صبر، في حديث الى (المدى برس)، أن "أبناء القرية مضطرون الى العمل بصناعة الطابوق اليدوي أو جمع علب المشروبات الغازية الفارغة والصناديق البلاستيكية، لتأمين حاجاتهم اليومية"، وتشير الى أن "عدد افراد اسرتي وبيت أختي ثمانية وعشرون نسمة، ليس لنا بطاقة تموينية، ونعيش بحال غاية في الصعوبة، ولم نر في يوم مسؤولا او منظمة تتفقدنا وتسأل عن أحوالنا وكيف نعيش وماذا نأكل".
بدورها دعت مدير دائرة رعاية المرأة في الديوانية، ابتسام نعيم جبر، في حديث الى (المدى برس)، "جميع النساء ممن تنطبق عليهن شروط الدائرة، الى مراجعة مقرنا لتسجيل أسمائهن لشمولهن برواتب الحماية الاجتماعية، للتخفيف عن كاهلهن، ومساعدتهن في تدبير شؤون حياتهن اليومية".
الى ذلك يعتبر رئيس لجنة التنسيق ومنظمات المجتمع المدني في مجلس محافظة الديوانية، أياد طليع الميالي، في حديث الى (المدى برس)، أن "استراتيجية تخفيف الفقر التي وضعتها الحكومة الاتحادية "فاشلة"، ومتلكئة وتشجع على البطالة، لاعتمادها توزيع الرواتب على الفقراء، بدلا عن تنفيذ مشاريع منتجة بتلك الاموال".
ويطالب الميالي "الحكومة الاتحادية الجديدة بتغيير استراتيجيتها الخاصة ببرامج تخفيف الفقر، الى انفاق المبالغ على مشاريع صغيرة منتجة تساعد الفقراء على العطاء، بدلا من التكاسل والاتكال دون عناء او تعب".
ويبيّن الميالي أن "الحكومة المحلية في الديوانية، لم تضع حتى الان رؤية واضحة لتشغيل العاطلين عن العمل أو دعم الفقراء، أو اقرار مشاريع صغيرة مدرة للدخل، على الرغم من مسودة قانون الرسوم الذي صوت عليه مجلس المحافظة، الذي خصص نسبة عشرين في المئة فقط على الرغم من مطالباتنا بان ترتفع الى ستين بالمئة، ليتم استثمارها في مشاريع لتشغيل العاطلين والفقراء في المحافظة".
وكان مجلس الديوانية، أعلن، مطلع نيسان الماضي، عن المصادقة على خطة تنمية الأقاليم لعام 2014 الحالي، مبيناً أنها تتضمن 500 مشروع بكلفة بلغت نحو 700 مليار دينار من شأنها الإسهام بتحسين أوضاع المحافظة، (180كم جنوب العاصمة بغداد) لاسيما الصحية منها.
وكانت حكومة الديوانية، أكدت (منتصف شباط الماضي)، أن وزارة التخطيط خفضت تخصيصاتها للعام 2014 الحالي من تريليون إلى 700 مليار دينار، مما سيؤثر على مشاريعها، وفي حين اتهم مجلس المحافظة المجالس البلدية في الأقضية والنواحي، بأنها "غير مؤهلة" لإعداد الخطط السنوية، وحمل الحكومة الاتحادية والبرلمان مسؤولية بقاء تلك المجالس "جاثمة على صدور المواطنين" منذ سنة 2003 لعدم تشريع القانون الخاص بها، رد أعضاء بتلك المجالس باتهام حكومة المحافظة "بتهميشهم" والسعي لـ"فرض إرادتها عليهم لدوافع سياسية وغايات انتخابية".
وتعد محافظة الديوانية، ثاني أفقر المحافظات العراقية، حيث تشكل نسبة الفقر فيها نحو 35%، لكنها ارتفعت الى 45%، بحسب آخر الاحصاءات
ابنتها بشرى ذات السبعة عشر ربيعا، طالما سقطت في الوحل أثناء العمل، بسبب أصابتها بعجز القلب من الصغر، تركت رحلتها المدرسية، لعدم قدرة أهلها على شراء الملابس لها، وصارت تخرج فجر كل يوم مع امها للعمل لتؤمنا مصاريف بيتهما.
القرية التي تعيش فيها الام وابنتها لم تحمل أسما، فأسماها أهلها بـ"المنسية"، (تبعد 5 كم جنوبي مدينة الديوانية)، غاب المسؤولين والمجتمع المدني عنها، وصارت نسائها تجد في العمل بصناعة الطابوق اليدوي لتأمين جزء يسير من متطلبات الحياة اليومية.
وتقول أم عبدالله، سليمة عبد الكاظم، في حديث الى (المدى برس)، إن "فقر الحال والحرمان رافقاني من الصغر، وقسم الله لي زوجا أصيب بعدة أمراض مزمنة ومستعصية لا شفاء منها، فاضطررت الى العمل بصناعة الطابوق اليدوي (البلوك)، من أجل تأمين قوت عيالي".
وتوضح أم عبد الله، أن "صناعة ألف طابوقة، تباع بخمسين ألف دينار فقط ان حالفنا الحظ، يحتاج الى عشرة أيام من العمل المتواصل، بين حفر الارض واخراج نوع خاص من الطين الصالح لصناعة الطابوق، وجمع القش ليعجن مع الطين لتزداد قوته وضمان عدم تشققه، ومن ثم وضع الخليط في قوالب خاصة، تداس ويتم تسويتها بالأيادي لنحصل على الشكل والحجم المطلوب، بعد ذلك يرصف في الشمس حتى يجف".
وتلفت ام عبدالله الى أن "خمسة آلاف دينار يوميا هي الحد الاعلى لما نحصل عليه من بيع الطابوق، أتدبر بها معيشة ثمانية أبناء، مات أكبرهم عبد الله، بسبب نقص الغذاء وفقر الدم، وعدم مقدرتنا على تأمين مصاريف علاجه أو أخذه الى الطبيب".
وتضيف أم عبد الله أن "صدري جف الحليب فيه، ولم أتمكن من اشباع رضيعي البالغ من العمر نحو شهرين، بسبب العمل المستمر والجهد الذي أبذله، وقلة الغذاء والطعام الذي أتناوله، لأنه ليس متاح لنا كما الكثيرين، وسعر الحليب الصناعي غال لا استطيع شرائه، واكتفي اوقاتا كثيرة على ارضاعه الماء والسكر، فليس لي مقدرة على اكثر من ذلك".
وتبيّن أم عبد الله، أن "أحيانا كثيرة يضيع جهدنا هباءً منثورا، لقلة الطلب على ما نصنعه من طابوق، لنعيش أزمة خانقة في كيفية تأمين طعامنا بالحد الادنى منه، بعد أن نسينا جميعا طعم اللحم او الدجاج أو السمك الا ما يأتينا به المحسنون في المناسبات فقط".
وليس بعيداً عن أم عبدالله، كانت بشرى تمسك بيدها (المسحاة)، تقلب بالطين حينا وتتكأ عليه في آخر، والارهاق واضح عليها.
من جهتها تقول بشرى كاظم، في حديث الى (المدى برس)، إني "مصابة بعجز القلب من الصغر، وأبي طاعن في السن ومصاب بالكثير من الامراض التي تمنعه من القدرة على العمل، وأنا أكبر الموجودين، وصارت صناعة الطابوق اليدوي أملنا الوحيد في أن نوفر رغيف الخبز الذي نسد به رمقنا من الجوع".
وتلفت بشرى الى أن "حرماني من اكمال دراستي كان بسبب صعوبة شراء الملابس او القرطاسية، ففضل أبي ان أتركها وأعمل في رعاية مواشي الفلاحين في صغري، كانت تؤمن لنا خمسين ألف دينار شهريا نتدبر بها أمورنا".
وتطالب بشرى "دائرة المرأة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن تلتفت الى من بمثل حالنا، وتشملهم بمنح او رواتب الرعاية الاجتماعية، فلا معيل لنا ولا مصدر تمويل في بلد هو الاغنى بين البلدان، بمدينة تعد ثاني أفقر المحافظات العراقية، ليس فيها أي فرص عمل للمرأة سوى التعيين الحكومي والوظائف في مؤسسات الدولة، والتي هي حكر على الخريجات اللاتي يجلس الكثير منهن في البيوت لصعوبة الحصول على التعيين".
ولا تختلف قصة أم صبر، عن سابقاتها في شيء، اذ تقاسي ذات الالم وتتجرع من نفس كاس الفقر والحرمان.
وتروي أم صبر، في حديث الى (المدى برس)، أن "أبناء القرية مضطرون الى العمل بصناعة الطابوق اليدوي أو جمع علب المشروبات الغازية الفارغة والصناديق البلاستيكية، لتأمين حاجاتهم اليومية"، وتشير الى أن "عدد افراد اسرتي وبيت أختي ثمانية وعشرون نسمة، ليس لنا بطاقة تموينية، ونعيش بحال غاية في الصعوبة، ولم نر في يوم مسؤولا او منظمة تتفقدنا وتسأل عن أحوالنا وكيف نعيش وماذا نأكل".
بدورها دعت مدير دائرة رعاية المرأة في الديوانية، ابتسام نعيم جبر، في حديث الى (المدى برس)، "جميع النساء ممن تنطبق عليهن شروط الدائرة، الى مراجعة مقرنا لتسجيل أسمائهن لشمولهن برواتب الحماية الاجتماعية، للتخفيف عن كاهلهن، ومساعدتهن في تدبير شؤون حياتهن اليومية".
الى ذلك يعتبر رئيس لجنة التنسيق ومنظمات المجتمع المدني في مجلس محافظة الديوانية، أياد طليع الميالي، في حديث الى (المدى برس)، أن "استراتيجية تخفيف الفقر التي وضعتها الحكومة الاتحادية "فاشلة"، ومتلكئة وتشجع على البطالة، لاعتمادها توزيع الرواتب على الفقراء، بدلا عن تنفيذ مشاريع منتجة بتلك الاموال".
ويطالب الميالي "الحكومة الاتحادية الجديدة بتغيير استراتيجيتها الخاصة ببرامج تخفيف الفقر، الى انفاق المبالغ على مشاريع صغيرة منتجة تساعد الفقراء على العطاء، بدلا من التكاسل والاتكال دون عناء او تعب".
ويبيّن الميالي أن "الحكومة المحلية في الديوانية، لم تضع حتى الان رؤية واضحة لتشغيل العاطلين عن العمل أو دعم الفقراء، أو اقرار مشاريع صغيرة مدرة للدخل، على الرغم من مسودة قانون الرسوم الذي صوت عليه مجلس المحافظة، الذي خصص نسبة عشرين في المئة فقط على الرغم من مطالباتنا بان ترتفع الى ستين بالمئة، ليتم استثمارها في مشاريع لتشغيل العاطلين والفقراء في المحافظة".
وكان مجلس الديوانية، أعلن، مطلع نيسان الماضي، عن المصادقة على خطة تنمية الأقاليم لعام 2014 الحالي، مبيناً أنها تتضمن 500 مشروع بكلفة بلغت نحو 700 مليار دينار من شأنها الإسهام بتحسين أوضاع المحافظة، (180كم جنوب العاصمة بغداد) لاسيما الصحية منها.
وكانت حكومة الديوانية، أكدت (منتصف شباط الماضي)، أن وزارة التخطيط خفضت تخصيصاتها للعام 2014 الحالي من تريليون إلى 700 مليار دينار، مما سيؤثر على مشاريعها، وفي حين اتهم مجلس المحافظة المجالس البلدية في الأقضية والنواحي، بأنها "غير مؤهلة" لإعداد الخطط السنوية، وحمل الحكومة الاتحادية والبرلمان مسؤولية بقاء تلك المجالس "جاثمة على صدور المواطنين" منذ سنة 2003 لعدم تشريع القانون الخاص بها، رد أعضاء بتلك المجالس باتهام حكومة المحافظة "بتهميشهم" والسعي لـ"فرض إرادتها عليهم لدوافع سياسية وغايات انتخابية".
وتعد محافظة الديوانية، ثاني أفقر المحافظات العراقية، حيث تشكل نسبة الفقر فيها نحو 35%، لكنها ارتفعت الى 45%، بحسب آخر الاحصاءات