مشاهدة النسخة كاملة : القلب حرم الله
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:02 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
القلب حرم الله
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : « القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله »
هنالك ثلاثة ابعاد في شخصية الانسان المؤمن تعكس ايمانه بالله عزوجل ، ومدى تدينه ، وتتفاوت هذه الابعاد في القوة من شخص لاخر. وهذه الابعاد هي :
1 ـ البعد العقلي « العلمي ».
2 ـ البعد السلوكي « العملي ».
3 ـ البعد النفسي « المعنوي ».
ماذا تعني هذه الابعاد ؟
ـ البعد العقلي .. ويعني ان يكون ايمان الانسان وتدينه قائماً على اساس عقلي وادلة علمية مستوحاة من القرآن واحاديث الرسول وآل البيت ( عليهم السلام ) ومن الطبيعة والسنن الكونية ، والتي عبرها يستطيع الرد على المبطلين والملحدين.
ـ البعد السلوكي .. ويعني الممارسات الدينية والطقوس العبادية التي يمارسها الانسان المتدين من صلاة وصيام والتزام بالاحكام في مختلف ـ المجالات ، وقد تكون هذه السلوكيات العبادية على اساس علمي كما مضى او على اساس تقليدي وراثي او توافق اجتماعي.
ـ البعد النفسي ... وهذا البعد والذي سوف نتناوله بشيء من التفصيل يحتاج منا الى تعريف النفس ولو باختصار ، ويقصد بالنفس هنا الدائرة الداخلية في كيان الانسان والتي تتمركز فيها العواطف والمشاعر والاحاسيس السلبية منها والايجابية اللذيذ منها والمؤلم.
وعلى هذا فان هذا البعد يختلف عن البعدين الاخرين وهو اهم منهما لانه الحصانة لهما. ذلك ان البعد الاول المستند على ادلة علمية لايمكنه ان يحصن الانسان من الانحراف لان جل الانحرافات التي تصيب الانسان مصدرها النفس وليس العقل. كما ان البعد السلوكي للتدين والذي ربما يكون باعثه تقليلد الاباء والمحيط الاجتماعي هذا البعد قد ينهار عندما ينتقل الانسان الى محيط آخر ، بينما البعد النفسي والذي يعني تفاعل المشاعر والاحاسيس مع وجود الله ، مثل الحب والبغض والخوف والرجاء والرضا والغضب ، والهيام والشوق والمناجاة ، هذه المشاعر هي ركيزة الايمان والتدين والمناعة ضد الغواية والانحراف والسلاح الذي يشهره الانسان المؤمن في وجه الشيطان والاغراءات الدنيوية.
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:08 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
نوعية التدين عند المجتمع
بالرغم من ان ابعاد التدين الثلاثة في شخصية الانسان المؤمن تتفاوت من حيث القوة والضعف من انسان لاخر ، فهناك من يبرز البعد العقلي في شخصيته دون البعدين الاخرين ، وآخر يبرز البعد السلوكي دون البعد العقلي والنفسي وهكذا .. غير ان اكثر مجتمعاتنا جل افرادها المتدينين يبدو في شخصياتهم البعد العقلي والسلوكي بينما ينحصر البعد النفسي للتدين في مجموعات البعد العقلي والسلوكي بينما ينحصر البعد النفسي للتدين في مجموعات وفئات قليلة من المجتمع ، وهذا ما يلاحظ في المناقشات التي تدور في المجالس والخطب التي تلقى من على المنابر والكتابات التي تصدر انما تدور حول الادلة العلمية والعقلية لاثبات وجود الله ، وكذلك يبدو الجانب السلوكي بشكل واضح ، بينما يكاد يختفي التفاعل النفسي مع تلك الحقائق الالهية والسلوكيات العبادية.
اذ يؤمن الانسان ـ مثلاً ـ بوجود اسرار الطبيعة والسنن الكونية الا ان هذا الايمان لا يخرج عن الاطار النظري ليدخل في الاطار النفسي كلا ، بل يبقى بعيدا عن التفاعل النفسي ، تماماً مثل ذلك الانسان الذي يخضع لحكومته نظرياً وسلوكياً غير انه غير خاضع نفسياً وشعورياً لها.
وقد اشار الله سبحانه وتعالى الى هذه الحقيقة في كتابه الكريم حيث قال : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فاني تؤفكون ) (1) ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعقلون ) (2) ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) (3) ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) (4).
اذن المشكلة ليست في الايمان العقلي بل هي في الايمان النفسي والخضوع لتلك الحقائق والتفاعل معها حيث ان الادلة التي تثبت وحدانية الله وملكيته وحاكميته لا يمكن لاحد عاقل ان ينكرها ولكنه ينكمنه ان لا يتفاعل معها ، فلهذا لا عجب ان نرى كثيراً من المسلمين لا ينكرون وجود الله عقلاً ومنطقاً الا انهم لا يتفاعلون مع هذا الايمان العقلي ولا ينعكس على مشاعرهم وتصرفاتهم.
1 ـ سورة العنكبوت : ـ 61.
2 ـ سورة العنكبوت : ـ 63.
3 ـ سورة الزخرف : ـ 87.
4 ـ سورة النمل : ـ 14.
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:19 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
التفاعل النفسي مع الدين :
من هنا لابد من التفاعل النفسي مع الدين وتحكيمه في عواطفنا ومشاعرنا فيكون الله عزوجل حاضراً امام اعيننا وفي نفوسنا دائماً لكيلا نغفل ونتيه ، اذ ان حضور الدين في مشاعر الحب والخوف والرضا والغضب والرغبة والكره تنمي في شخصية الانسان المقاومة ، بينما خلو المشاعر من التدين يؤدي الى سهولة انحراف الانسان ، وهذا الامر هو سبب انحراف قطاع واسع من ابناء المجتمع ورفضهم للتضحية في سبيل الله ، فالتضحية انما تتأتى عبر التفاعل مع الله سبحانه وتعالى والاشتياق لملاقاته كما ان الاغراءات والضغوط التي يواجهها الانسان او المجتمع في حياته ليست فكرية عقلية وانما هي في غالبها نفسية روحية ، فحينما اراد الماركسيون ابعاد الامة عن دينها بطرح الشبهات الفكرية والنظريات العقلية لمن ينجحوا في التأثير على قطاع صغير من الامة ، ولكن الغربيين الرأسماليين كانوا اكثر نجاحاً لانهم عملوا على اضعاف التدين في نفوس ابناء الامة بأساليب اليموعة والانحلال وتشجيع الروح المادية والمصلحية والتوجيهات الدنيوية.
ومشكلة التوجيه الديني الموجود في مجتعاتنا اضافة الى قلته ومحدوديته انه كان وما زال يركز على تعميق التدين في عقلية المجتمع ويطرح الادلة العقلية والبراهين النقلية على احقية الاسلام وضرورته ووجود الله وو ... ، وهذا ما يلاحظ بصورة جلية في الكتب والخطابات الاسلامية ، بينما اغفل الجانب المهم في شخصية المجتمع وهو الجانب النفسي وتعميق التدين في روح المجتمع ، مما مكن الاستعمار من غزو بلادنا ، فمع ان الجميع متفق على ضرورة محاربة الاستعمار ومقاومته الا اننا نقبل كل ما يرد الينا منه ونتفاعل معه نفسياً وذلك لزوال المانع النفسي والتدين المعنوي في كياننا.
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:31 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
الشوق لله والتضحية في سبيله :
كما ان الانسان المحب لاخر لابد وان يشتاق للقائه والاجتماع به ويستعد لذلك اللقاء ويعمل قصارى جهده من اجل انجاح ذلك اللقاء ولو كلفه الكثير من المصروفات والعناء ، كذلك من يحب الله فانه يشتاق الله ويرغب في ملاقاته ، ولذلك تجده يعد للآخرة ويزرع لما بعد الحياة ليلقي الله سعيداً ولذلك ايضاً هو يشتاق الى لقاء الله ولايخاف من الموت. ان احد الاولياء يوصي اصدقائه بان يهنؤه عن موته لقدومه على الله سبحانه فيقول :
اذا ما صار فرشي من تراب ............... وبت مجاور الرب الرحيـم
فهنوني اصحـابي وقولـوا ............... لك البشرى قدمت على كريم
وفي الدعاء للامام الصادق ( عليه السلام ) : « سيدي انا من حبك جائع لا اشبع ، ان من حبك ظمآن لا اروى ، واشوقاه الى من يراني ولا اراه ... »
الامام الحسين ( عليه السلام ) الذي يتجسد فيه حب الله بكل ابعاده قد قدم في يوم عاشوراء كله اهله واصحابه في سبيل الله ، بل وقد اعز ابن له وهو علي الاكبر الذي كان يحبه حباً جماً الا ان حب الله كان هو الاكثر على شخصيته ، وحتى طفله الصغير قدمه قرباناً في سبيل الله ، فحينما اصابه سهم مشؤوم من قبل الاعداء وهو على صدره تلقى الحسين دم وليده بيده ورمى به نحو السماء وهو يقول : « هو علي ما نزل بي انه بعينك التي لا تنام »
وهو القائل في آخر لحظة من حياته وهوعلى رمضاء كربلاء والدماء تنزف من جسمه الشريف :
تركت الخلق طراً في هواك ................ وأيتمت العيال لكي اراك
فلو قطعتني في الحب أرباً ................ لما مال الفؤاد الى سواك
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:39 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
الجهاد الاكبر .. جهاد النفس
يقول تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } سورة النازعات : ـ 40.
قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعث سريه ـ فرقة عسكرية ـ فلما رجعوا قال : « مرحباً بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر ». قيل : يا رسول الله وما الجهاد الاكبر ؟. قال : « جهاد النفس » ثم قال : « افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه »
ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : اشجع الناس من غلب هواه »
ان اكبر واصعب امتحان كتبه الله تعالى على الانسان في هذه الحياة هو ابتلاء الانسان بنفسه ، وعلى اساس نجاح الانسان وتفوقه في هذه الامتحان يكون موقعه عند الله ، ومستقبله الدنيوي والاخروي .. من هنا كانت المعركة مع النفس اشق واخطر معركة يخوضها الانسان في حياته.
وحيد الجياشي
04-10-2014, 01:45 AM
http://im66.gulfup.com/ljhfVA.gif
النفس وتأثيرها المصيري على الانسان
حياة الانسان الدنيوية ومستقبله الاخروي ، كلاهما رهين وخاضع لتأثير حالته النفسية ، فاذا ماصفت النفس وانقادت لتوجيه العقل ضمن الانسان سعادته في الدارين ، واذا ما حصل العكس من ذلك بسيطرة اهواء النفس وشهواتها على قرار الانسان ، فان الشقاء سيلف حياته في الدنيا و الاخرة.
والنصوص الدينية تؤكد هذه الحقيقة وتسلط الاضواء على براهينها وابعادها كما يأتي :
1 ـ يقول تعالى : ( ونفس وما سواها. فالهمها فجورها وتقواها. قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ) (سورة الشمس : 7 ـ 10. ).
ففلاح الانسان ونجاحه يرتبط بتزكيته لنفسه ، والخيبة والدمار نتيجة حتمية لتمركز الانحرافات وتلويثها للنفس ، وكما ان النفس تتقبل التزكية بالتقوى ، فانها مهيأة للانحراف والفجور.
2 ـ يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « ولا يلم لائم الا نفسه » (نهج البلاغة خطبة : 16.) فالنفس هي التي تصنع مستقبل الانسان ، واذا ما لاحظ الانسان سوءاً في مصيره ومستقبله ، فلا يتحمل مسؤولية ذلك الا نفسه.
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024