المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمامُ عليٌ (عليه السلام) في آية التبليغ والتنصيب نصاً


مرتضى علي الحلي
09-10-2014, 11:54 AM
الإمامُ عليٌ (عليه السلام) في آية التبليغ والتنصيب نصاً
___________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين

إنَّ آية التبليغ ( 67) من سورة المائدة الشهيرة والقطعية في تنصيب عليٍ أميراً للمؤمنين وخليفةً للمسلمين من بعد شهادة الرسول الأكرم

محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)

قد اختزلت في منطوقها ومفادها فتح الإمامة المجعولة من الله تعالى بدءاً

بعلي والأئمة المعصومين من ولده وختماً بالإمام المهدي


ذلك إنّ من الثابت عَقََديّا عندنا نحن أتباع مذهب أهل البيت المعصومين

هو أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ومعصوماً لأنّ العصمة من الأمور

الباطنية التي لايعلمها إلاّ الله تعالى .

فلا بد مِن نص مَن يَعلم عصمته عليه (وهو الله تعالى)

أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه (أي على يد المعصوم)

وقد دارت نزاعات كلامية كثيرة بعد شهادة الرسول الأكرم محمد (ص وآله)

بخصوص هذا المَطلَبُ المهم والخطير عَقدّياً والحساس في حياة الناس

لغرض فض النزاع الذي دار حول الإمامة

وهل هي بالنص ؟

أم بالبيعة (أي الانتخاب البشري للإمام) ؟



فثبت عندنا نحن الشيعة الإثني عشرية أنّ طريق تعيين الإمام المعصوم

هو النص لا غير (أي لا الإنتخاب) ومستندنا في ذلك

هو أنّ الإمامة المنصوبة والمعصومة هي أمرٌ إلهي لا يعلم مُستحقيه إلاّ الله تعالى

فلابد من التنصيص الإلهي والنبوي والإمامي على إمامة الإمام الحق ربانيا

والمعصوم فعليّاً بعد رسول الله أو بعد الإمام إبتداءً من الإمام علي وختما

بالإمام المهدي

وإلاّ أي وإن لم يكن النص(التعيين) طريقا الى معرفة الإمام الحق يبقى خيار

إظهار المعجزة على يد مَن يدعي الإمامة الحقة إثباتا لصدق دعواه



وأما التنصيص الإلهي على إمامة الأئمة الإثني عشر فثابت عندنا بالقطع

واليقين قرآنيا ونبويا وإماميا

فهناك العديد من الآيات القرآنية النّاصة علنا على ضرورة نصب الإمام وعصمته

فضلاً عن الحادثة التأريخية الشهيرة لتنصيب الإمام علي بن أبي طالب

والتنصيص على إمامته الحقة وخلافته بعد رسول الله محمد

في 18/من شهر ذي الحجة الحرام لسنة /10/ للهجرة النبوية الشريفة في حجة الوداع .

وهذه الحادثة قد تحدّث عنها أئمة المذاهب الأخرى بصورة صريحة ومفروغٌ من

صدقيتها وحقانيتها دينيا وتأريخيا


فمثلا حينما قال رسول الله في حق علي في حادثة الغدير

(من كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه أللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه)


نجدُ أنّ أحمدَ بن حنبل إمام الحنابلة في مسنده : ج 4: ص281

يعطي إهتماما كبيرا لحديث الغدير هذا ويقول في حقه

( رواه ثلاثون صحابيا)

وللتوسعة في هذا المجال يمكن مراجعة كتاب الغدير للعلامة الأميني:ج1

فقد أحصى رضوان الله تعالى عليه أغلب مُحدّثي أهل السنة والجماعة فردا فردا وذكر شهاداتهم بحديث الغدير

والقرآن الكريم أفصح نصا عن تلك الحادثة المهمة في آية التبليغ من سورة المائدة

إذ قال الله تعالى


(( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )) المائدة67


و عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام ) قال :

أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه

(( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))المائدة55

وفرض ولاية أولي الامر ، فلم يدروا ما هي

فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية ، كما فسر لهم الصلاة ، والزكاة والصوم والحج

فلما أتاه ذلك من الله ، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف

أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه


((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ))

فصدعَ بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم ،

فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب

وقال أبو جعفر (الباقر) عليه السلام

وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض

فأنزل الله عز وجل

(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ))


قال أبو جعفر عليه السلام : يقول الله عز وجل

لا انزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض )

الكافي : الكليني:ج1: ص289:





فإذاً إنّ أصل الفتح العقدي والشرعي لمنصِب الإمامة الإلهية قد تمّ دينياً

وتأريخيا وبدء بشخص الإمام علي وسيُختم بشخص الإمام المهدي

ولا أحد يستطيع إنكار ذلك ولو حتى على المستوى التأريخي إلاّ مُكابر أو مُعاند للحق .

لأنّ هذه الإمامة المفتوحة إلهيّاً بعد ختم النبوة المحمدية الشريفة

قد انحصرت بإثني عشر أميرا أوخليفة بحسب طرق نقل الحديث الشهير


روائيا وهو قول النبي محمد (ص)


وهو كالآتي


:1:

( عن جابر بن سمرة قال :

سمعتُ النبي يقول: يكون إثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال : كلهم من قريش )

: صحيح البخاري: آخر كتاب الأحكام :ج8: ص127 .



:2:

ما رواه مسلم في صحيحه

( عن جابر بن سمرة: قال :
دخلتُ مع أبي على النبي فسمعته يقول :

إنّ هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة
قال: ثم تكلمّ بكلام خفي عليَّ

قال :فقلتُ لأبي ما قال؟ أي ما قال النبي
قال: قال كلهم من قريش )

صحيح مسلم/ج12/ص 201 :




وهنا يتبيّن جليّا أنّ أمر الإمامة المفتوحة ربانيا بعد ختم النبوة المحمدية الشريفة

قد انحصر نصاً بإثني عشر إماما لا غير وكلّهم من قريش أي من أهل البيت المعصومين

ويتبيّن أيضا أنّ أمر الإمامة المفتوحة إلهيّا سيستمر الى يوم يقوم آخر الأئمة المعصومين وهو الإمام المهدي (عليه السلام) .


حيث يظهر ويقوم بأمر الله تعالى فينشر العدل والحق في الأرض قاطبة

وهذا هو معنى قوله (ص)

(إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)




:3:

(عن مسروق قال كنا جلوسا ليلة عند عبد الله (ابن عمر)

يقرئنا القرآن فسأله رجل فقال يا ابا عبد الرحمن

هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟

فقال عبد الله ما سألني عن هذا أحد منذ قدمتُ العراق قبلك

قال : (أي عبد الله) سألناه فقال اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل )

المستدرك: الحاكم النيسابوري:ج4: ص501.




وهذا التحديد بالرقم (ا ثنا عشر) والتنظير له قرآنيا

بقوله تعالى

(( وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)) 12/المائدة



يجب الإنتباه إليه بوعي وبدقة إذ أنه ينص على أنّ التحديد للعدد

(إثنا عشر) له مدخليّة في أنّ الأمر بفتح الإمامة هو رباني الجعل وتعينيّاً من الله تعالى حصراً

فالتأسيس والتأصيل لفتح الإمامة المنصوبة والمعصومة وبأمر الله تعالى وبتبليغٍ

من رسوله الأكرم محمد (ص وآله)


قد بدأ فعليًّاً في يوم الغدير وإن كان قد نبَّه رسول الله على وزارة ووصاية

الإمام علي مرارا من قبل يوم الغدير وفي مواقف كثيرة مُسجّلة وموثقة تأريخيا


لكن التبليغ في يوم الغدير كان هو الحد الفاصل والأخير في حياة النبي الذي دنا رحيله الى الرفيق الأعلى فيما بعد حادثة الغدير


وبهذا يكون فتح الإمامة المنصوبة والمعصومة وبأمر الله تعالى قد تمّ يوم الغدير الشريف رسمياً وبإمامة الإمام علي (عليه السلام)


وإذا كان التنصيب والتعيين قد ثبت للإمام علي وللحسن والحسين قُرآنيا بحكم مشموليتهم المقطوع بها بعنوان (أهل البيت)

فضلا عن ثبوت التعيين والتنصيب للإمام علي في آية الولاية والتبليغ آنفة الذكر أعلاه .



فأين تنصيب وتعيين الأئمة المعصومين البقية ومنهم الإمام الخاتم المهدي قرآنيا ؟



والجواب /

إنّ ثبوت التعيين والتنصيب للإمام علي والحسن والحسين قرآنيا بإعتبارهم

أجلى وأرقى مصاديق الإمامة المنصوبة والمعصومة في وقتهم أي في زمن البعثة الشريفة للنبي محمد ومن بعده


وكان نظرُ وهدفُ الله تعالى في فتحه للإمامة المنصوبة والمعصومة

هو الجعل و الـتأصيل والتأسيس الأولي لمفهوم وماهية الإمامة ربانيا


وهو تعالى قد قصَدَ أشخاص المعصومين من الأئمة كشخص علي والحسن

والحسين في التنصيب والتعيين قرآنيا في عنوان أهل البيت وآيات الولاية والتبليغ وغيرها كثير


وأما بيان بقية أسماء و مصاديق الإمامة المفتوحة إلهيا في ثبوت التعيين والتنصيب لهم قرآنياً

فقد أُوكِلَ الى رسول الله

وحال هذا الأمر في الثبوت حال ثبوت وجوب الصلاة بما هي هي إذ لم يُبيّن

من وجوب الصلاة قرآنيا في أغلب الأحوال إلاّ أوقاتها ومقدمتها كالوضوء والشيء اليسير


أما أعدادها وأنواعها وتفاصليها الجزئية فقد تكفّلَ ببيانها النبي محمد والأئمة المعصومين من بعده .

فكذلك الحال مع بيان أسماء ومصاديق الأئمة المعصومين

إذ جاء توضيح ذلك عن النبي محمد (ص) وعن نفس الأئمة المعصومين من بعده

هذا بحسب الظاهر وإن كان عندنا نحن أتباع المعصومين جوابا قرآنيا عن ذلك :
أي عن مشموليّة الأئمة المعصومين كافة ومنهم الخاتم الإمام المهدي
بعنوان أهل البيت قرآنيا :


في قوله تعالى



(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))
الأحزاب 33


( فعن عبد الرحمان بن كثير قال :

قلتُ لأبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق)عليه السلام

ما عَنى الله تعالى بقوله : (أي ما قصدَ)؟

(( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ؟

قال : نزلت في النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وأمير المؤمنين علي والحسن ، والحسين ، وفاطمة عليهم السلام
فلما قبض الله نبيه ، كان أمير المؤمنين ، ثم الحسن ، ثم الحسين عليهم السلام

ثم وقع تأويل هذه الآية

(( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) الأنفال75

فكان علي بن الحسين عليه السلام

ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ، فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله )

ابن بابويه القمي :الإمامة والتبصرة :ص48 .




وهم كافة (عليه السلام) مشمولونٌ أيضا

بقول النبي محمد ( صلى الله عليه وآله )

( إنّي تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا ، حتى يردا علي الحوض)



وقوله صلى الله عليه وآله

( من أهل بيتي اثني عشر نقيبا نجباء ، محدثون ، مفهمون ، آخرهم ، القائم بالحق عليه السلام )

: المحقق الحلي :ج1:ص24. المُعتَبَر:



إنّ فلسفة وحكمة تنصيب الأئمة المعصومين في هذه الحياة الدنيا

قد بيّنها الإمام علي في قوله

( إنّما الأئمة قُوّام الله على خلقه وعرفاءه على عباده ..لا يدخل الجنة إلاّ من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم ونكروه )

نهج البلاغة : خطبة: 212: ص152 .





فالإمامة المعصومة والمنصوص عليها إلهيا ونبويا لها أبعادها المتعددة

وأهمها البعد الروحي والمعنوي والعبادي في تعاطي الأمة مع الإمام المعصوم
حتى وإن كان غائبا كحال إمامنا المهدي

فلربما تكمن المصلحة والحكمة في غيابة بأهمية تربية وتوعيّة وتأهيل الأمة

في القدرة على نصرته والسير خلفه وطاعته في يوم ظهوره وقيامه بدولته الكريمة


ولذا جاء الحديث النبوي الشريف مؤسسّاً لهذه الحقيقة الدينية والوجودية في كل زمان ولكل إناس مطلقا

( مَنْ ماتَ بغير إمام مات ميتةً جاهلية )

مسند أحمد بن حنبل : ج4: ص96 .




والقرآن الكريم أيضا تعرّض للتأسيس لوجوبية معرفة إمام الوقت والإنسان في هذه الحياة

قال الله تعالى

(( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ))الإسراء71



وهذا النص القرآني الشريف في سورة الإسراء/71

فيه من أهمية وضرورة معرفة إمام الوقت والزمان ما لا تخفى على أي عاقل مُنصِف

فضلاً عن ربط النص في متنه بين أهمية معرفة إمام الزمان وحساب الإنسان

يوم القيامة ومسؤوليته عن ذلك .





وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


__________________________________

مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف