المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اية وتفسيرها من كتاب الميزان


منتظر العسكري
17-11-2014, 10:09 PM
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ






اية وتفسبرها من كتاب الميزان


الاية :


(( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ))




- بيان -




لما امتن الله تعالى على النبي والمسلمين ، بإرسال النبي الكريم منهم إليهم نعمة لا تقدر بقدر ومنحه على منحة ـ وهو ذكر منه لهم ـ إذ لم ينسهم في هدايتهم إلى مستقيم الصراط ، وسوقهم إلى أقصى الكمال ، وزيادة على ذلك ، وهو جعل القبلة ، الذي فيه كمال دينهم ، وتوحيد عبادتهم ، وتقويم فضيلتهم الدينية والاجتماعية فرع على ذلك دعوتهم إلى ذكره وشكره ، ليذكرهم بنعمته على ذكرهم إياه بعبوديته وطاعته ، ويزيدهم على شكرهم لنعمته وعدم كفرانهم ،



وقد قال تعالى :

( واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا ) الكهف ـ ٢٤.



وقال تعالى : ( لان شكرتم لازيدنكم ) إبراهيم ـ ٧.


والآيتان جميعا نازلتان قبل آيات القبلة من سورة البقرة.




ثم إن الذكر ربما قابل الغفلة كقوله تعالى



( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) الكهف ـ ٢٨ ،



وهي انتفاء العلم بالعلم ، مع وجود أصل العلم ، فالذكر خلافه ، وهو العلم بالعلم ، وربما قابل النسيان وهو زوال صورة العلم عن خزانة الذهن ، فالذكر خلافه ،



ومنه قوله تعالى

( واذكر ربك إذا نسيت ).



وهو حينئذ كالنسيان معنى ذو آثار وخواص تتفرع عليه ، ولذلك ربما أطلق الذكر كالنسيان في موارد تتحقق فيها آثارهما وإن لم تتحقق أنفسهما ، فإنك أذا لم تنصر صديقك ـ وأنت تعلم حاجته إلى نصرك فقد نسيته ، والحال أنك تذكره ، وكذلك الذكر.




والظاهر أن إطلاق الذكر على الذكر اللفظي من هذا القبيل ، فإن التكلم عن الشئ من آثار ذكره قلبا ،

قال تعالى ( قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ) الكهف ـ ٨٣.



ونظائره كثيرة ، ولو كان الذكر اللفظي أيضا ذكرا حقيقة فهو من مراتب الذكر ، لانه مقصور عليه ومنحصر فيه ،



وبالجملة :



الذكر له مراتب كما قال تعالى :

( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد ـ ٢٨ ،



وقال

( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول ) الاعراف ـ ٢٠٥ ،



وقال تعالى

( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدذكرا )

البقرة ـ ٢٠٠ ،




فالشدة إنما يتصف به المعنى دون اللفظ ،



وقال تعالى

( واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا ) الكهف ـ ٢٤ ،



وذيل هذه الآية تدل على الامر برجاء ما هو أعلى منزلة مما هو فيه ، فيؤل المعنى إلى أنك إذا تنزلت من مرتبة من ذكره إلى مرتبة هي دونها ، وهو النسيان ، فاذكر ربك وارج بذلك ما هو أقرب طريقا وأعلى منزلة ،



فينتج



أن الذكر القلبي ذو مراتب في نفسه ، وبذلك يتبين صحة قول القائل :


أن الذكر حضور المعنى عند النفس ، فان الحضور ذو مراتب.




ولو كان لقوله تعالى ، فاذكروني ـ وهو فعل متعلق بياء المتكلم حقيقة من دون تجوز أفاد ذلك ، أن للانسان سنخا آخر من العلم غير هذا العلم المعهود عندنا الذي هو حصول صورة المعلوم ومفهومه عند العالم ، إذ كلما فرض من هذا القبيل فهو تحديد وتوصيف للمعلوم من العالم ، وقد تقدست ساحته سبحانه عن توصيف الواصفين ،


قال تعالى
( سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين ) الصافات ـ ١٦٠ ،



وقال : ( ولا يحيطون به علما ) طه ـ ١١٠ ،


وسيجئ بعض ما يتعلق بالمقام في الكلام على الآيتين إنشاء الله.





مقتبس من تفسير الميزان

منتظر العسكري
17-11-2014, 10:15 PM
( سورة المعارج )

(مكية وهي أربع وأربعون آية )


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) ).


( بحث روائي )


في المجمع ، حدثنا السيد أبو الحمد قال :
حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني وساق السند عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم‌السلام

قال :

لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله عليا

وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ،

طار ذلك في البلاد ـ فقدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌ وآله النعمان بن الحارث الفهري.
فقال :

أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ـ وأنك رسول الله وأمرتنا بالجهاد ـ والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ـ ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام ـ

فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟
فقال : والله الذي لا إله إلا هو أن هذا من الله.
فولى النعمان بن الحارث وهو يقول :
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ـ فأمطر علينا حجارة من السماء ـ فرماه الله بحجر على رأسه فقتله ـ وأنزل الله تعالى :

« سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ».
أقول :

وهذا المعنى مروي بغير طريق من طرق الشيعة ،
وقد رد الحديث بعضهم بأنه موضوع لكون سورة المعارج مكية ، وقد عرفت الكلام في مكية السورة.
وفي الدر المنثور ،
أخرج الفاريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :
« سَأَلَ سائِلٌ » قال هو النضر بن الحارث ـ

قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ـ فأمطر علينا حجارة من السماء.
وفيه ، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي :

في قوله : « سَأَلَ سائِلٌ »
قال. نزلت بمكة في النضر بن الحارث ـ
وقد قال : « اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ » الآية ـ وكان عذابه يوم بدر.

أقول :

وهذا المعنى مروي أيضا عن غير السدي ، وفي بعض رواياتهم أن القائل :

( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية هو الحارث بن علقمة رجل من عبد الدار ،
وفي بعضها أن سائل العذاب هو أبو جهل بن هشام

سأله يوم بدر ولازمه مدنية السورة
والمعتمد على أي حال نزول السورة بعد قول القائل :
( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية وقد تقدم كلام في سياق الآية.


وفي أمالي الشيخ ، بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌ السلام في حديث :
ألا فحاسبوا أنفسكم قبل


أن تحاسبوا ـ فإن في القيامة خمسين موقفا ـ كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون ـ ثم تلا هذه الآية

« فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ».

أقول :

وروي هذا المعنى في روضة الكافي ، عن حفص بن غياث عنه عليه‌السلام.
وفي المجمع ، روى أبو سعيد الخدري قال :
قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله :
ما أطول هذا اليوم ـ
فقال : والذي نفس محمد بيده ـ إنه ليخف على المؤمن ـ حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا.
أقول :

ورواه في الدر المنثور ، عن عدة من الجوامع عن أبي سعيد عنه صلى‌الله‌عليه‌ وآله.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى :

« يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ »

قال : الرصاص الذائب والنحاس كذلك تذوب السماء.
وفيه ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام :
في قوله تعالى :

« يُبَصَّرُونَهُمْ »

يقول : يعرفونهم ثم لا يتساءلون.
وفيه في قوله تعالى :

« نَزَّاعَةً لِلشَّوى »

قال : تنزع عينه وتسود وجهه.
وفيه في قوله تعالى :

« تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى »

قال : تجره إليها.


مقتبس من تفسير الميزان

منتظر العسكري
18-11-2014, 07:02 PM
قوله تعالى :


« أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ »



الاستفهام للإنكار ، والمراد بالأولين أمثال قوم نوح وعاد وثمود من الأمم القديمة عهدا ، وبالآخرين الملحقون بهم من الأمم الغابرة ، والإتباع جعل الشيء أثر الشيء.


وقوله :



« ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ »



برفع نتبع على الاستيناف وليس بمعطوف على « نُهْلِكِ » وإلا لجزم.


والمعنى


قد أهلكنا المكذبين من الأمم الأولين ثم إنا نهلك الأمم الآخرين على أثرهم.


وقوله :



« كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ »



في موضع التعليل لما تقدمه ولذا أورد بالفصل من غير عطف

كان قائلا قال :

لما ذا أهلكوا؟


فقيل :

كذلك نفعل بالمجرمين. والآيات ـ كما ترى ـ إنذار وإرجاع للبيان إلى الأصل المضروب في السورة



أعني قوله :


« وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ »


وهي بعينها حجة على توحد الربوبية فإن إهلاك المجرمين من الإنسان تصرف في العالم الإنساني وتدبير ،

وإذ ليس المهلك إلا الله ـ وقد اعترف به المشركون ـ فهو الرب لا رب سواه ولا إله غيره.


على أنها تدل

على وجود يوم الفصل لأن إهلاك قوم لإجرامهم لا يتم إلا بعد توجه تكليف إليهم يعصونه ولا معنى للتكليف إلا مع مجازاة المطيع بالثواب والعاصي بالعقاب

فهناك يوم يفصل فيه القضاء فيثاب فيه المطيع ويعاقب فيه العاصي

وليس هو الثواب والعقاب الدنيويين لأنهما لا يستوعبان في هذه الدار فهناك يوم يجازى فيه كل بما عمل ،

وهو يوم الفصل ذلك يوم مجموع له الناس.

منتظر العسكري
18-11-2014, 07:04 PM
قوله تعالى :



« وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ »



المراد بالركوع الصلاة كما قيل ولعل ذلك باعتبار اشتمالها على الركوع.



وقيل :



المراد بالركوع المأمور به الخشوع والخضوع والتواضع له تعالى باستجابة دعوته وقبول كلامه واتباع دينه ، وعبادته.



وقيل :


المراد بالركوع ما يؤمرون بالسجود يوم القيامة كما يشير إليه قوله تعالى


« وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ» القلم : ٤٢



والوجهان لا يخلوان من بعد.



ووجه اتصال الآية بما قبلها أن الكلام كان مسوقا لتهديد المكذبين بيوم الفصل وبيان تبعة تكذيبهم به وتمم ذلك في هذه الآية بأنهم لا يعبدون الله إذا دعوا إلى عبادته كما ينكرون ذلك اليوم فلا معنى للعبادة مع نفي الجزاء ،



وليكون كالتوطئة لقوله الآتي :


« فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ».



ونسب إلى الزمخشري أن الآية متصلة بقوله في الآية السابقة :


« لِلْمُكَذِّبِينَ »



كأنه قيل :


ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.



وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله :



« وَإِذا قِيلَ لَهُمُ » إلخ



وجهه الإعراض عن مخاطبتهم بعد تركهم وأنفسهم يفعلون ما يشاءون


بقوله :


« كُلُوا وَتَمَتَّعُوا ».

منتظر العسكري
18-11-2014, 07:05 PM
( سورة الناس مدنية وهي ست آيات )




بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) ).




( بيان )


أمر للنبي صلى‌ الله‌عليه‌ وآله أن يعوذ بالله من شر الوسواس الخناس

والسورة مدنية كسابقتها على ما يستفاد مما ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أن السورتين نزلتا معا.


قوله تعالى :


« قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ »



من طبع الإنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحسن من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه والذي يراه صالحا للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة


إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة ، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من
الشر ،

وهذا سبب تام في نفسه ،



وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك ، وهذا أيضا سبب تام مستقل في نفسه.


وهناك سبب ثالث


وهو الإله المعبود فإن لازم معبودية الإله وخاصة إذا كان واحدا لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه.
والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه



في قوله :



« ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ » الزمر : ٦



وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقوله :



« رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » المزمل : ٩ ،



وإلى سببية ملكه بقوله :



« لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ » الحديد : ٥



فإن عاذ الإنسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكا فالله سبحانه هو الملك الحق له الملك وله الحكم (١) وإن أراد لذلك إلها فهو الإله لا إله غيره.


فقوله تعالى :



« قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » إلخ



أمر لنبيه صلى‌ الله‌عليه‌ وآله أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس.
ومما تقدم ظهر أولا وجه تخصيص الصفات الثلاث :


الرب والملك والإله



من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر



وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولا لأنه أقرب من الإنسان وأخص ولاية



ثم الملك لأنه أبعد منالا وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه



ثم الإله لأنه ولي يقصده الإنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي.


وثانيا وجه عدم وصل قوله :


« مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ »


بالعطف وذلك للإشارة إلى كون كل من الصفات سببا مستقلا في دفع الشر



فهو تعالى سبب مستقل لكونه ربا لكونه ملكا



لكونه إلها فله السببية بأي معنى أريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله



« اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ ».


وبذلك يظهر أيضا وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال :


ربهم وإلههم



فقد أشير به إلى أن كلا من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الأخريين لاستقلالها


ولله الأسماء الحسنى جميعا ،



وللقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات
__________________
(١) التغابن : ١.


وسائر ما مر من الخصوصيات وجوه لا تغني شيئا.


قوله تعالى :


« مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ »


قال في المجمع :



الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره وذكروا أنه سماعي والقياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعي المجرد وكيف كان فالظاهر كما استظهر أن المراد به المعنى الوصفي مبالغة ، وعن بعضهم أنه صفة لا مصدر.


والخناس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل :


سمي الشيطان خناسا لأنه يوسوس للإنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته.


قوله تعالى :



« الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ »


صفة للوسواس الخناس ، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة هو مبدأ الإدراك من الإنسان وهو نفسه وإنما أخذت الصدور مكانا للوسواس لما أن الإدراك ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب والقلب في الصدر كما قال تعالى :


« وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » الحج : ٤٦.


قوله تعالى :

« مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ »



بيان للوسواس الخناس وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم



كما قال تعالى :



« شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ » الأنعام : ١١٢.

منتظر العسكري
18-11-2014, 07:06 PM
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

هذي الحكايه
19-11-2014, 03:46 AM
من اجمل ما قرأت
فعلا من المواضيع المفيده جدا
كتبها الله في ميزان حسناتكم

منتظر العسكري
19-11-2014, 06:33 PM
نسال الله تعالى ان يجعلنا واياكم من اهل
خيركم من تعلم القران وعلمه
بحق محمد وال محمد

منتظر العسكري
20-11-2014, 04:46 PM
قوله تعالى :



« يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »


سؤالهم سؤال حاجة فهم في حاجة من جميع جهاتهم إليه تعالى متعلقو الوجودات به متمسكون بذيل غناه وجوده ،


قال تعالى :


« أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ » فاطر : ١٥ ،



وقال في هذا المعنى من السؤال :



« وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » إبراهيم : ٣٤.



وقوله :



« كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »


تنكير « شَأْنٍ » للدلالة على التفرق والاختلاف



فالمعنى :

كل يوم هو تعالى في شأن غير ما في سابقه ولاحقه من الشأن فلا يتكرر فعل من أفعاله مرتين ولا يماثل شأن من شئونه شأنا آخر من جميع الجهات وإنما يفعل على غير مثال سابق وهو الإبداع ،



قال تعالى : « بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » البقرة : ١١٧.



ومعنى ظرفية اليوم(كُلَّ يَوْمٍ) إحاطته تعالى في مقام الفعل على الأشياء فهو سبحانه في كل زمان وليس في زمان وفي كل مكان وليس في مكان ومع كل شيء ولا يداني شيئا.

__________________



مقتبس من تفسير الميزان

منتظر العسكري
20-11-2014, 05:17 PM
تفسير قوله تعالى



(هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام)
http://www.ruqayah.net/question/images/white.gif


http://www.ruqayah.net/images/mainline-r-l.gif
http://www.ruqayah.net/images/mainline-r-l.gif


قال السيد الطباطبائي في ( الميزان في تفسير القرآن) ج2 / 102:

قوله تعالى:

(( هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) ،

الظلل جمع ظلة وهي ما يستظل به ، وظاهر الآية ان الملائكة عطف على لفظ الجلالة ، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة وتبديل خطابهم بخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالاعراض عن مخاطبتهم بأن هؤلاء حالهم حال من ينتظر ما أوعدناهم به من القضاء على طبق ما يختارونه من اتباع خطوات الشيطان والاختلاف والتمزق ، وذلك بأن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، ويقضي الامر من حيث لا يشعرون ، أو بحيث لا يعبئ بهم وبما يقعون فيه من الهلاك ، وإلى الله ترجع الأمور ، فلا مفر من حكمه وقضائه ، فالسياق يقتضي ان يكون قوله : هل ينظرون ، هو الوعيد الذي أوعدهم به في قوله ‹تعالى في الآية السابقة فاعلموا ان الله عزيز حكيم . ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب والسنة ان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة الأجسام ولا ينعت بنعوت الممكنات مما يقضي بالحدوث ، ويلازم الفقر والحاجة والنقص ،

فقد قال تعالى :
(( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ )) (الشورى:11)،
وقال تعالى : (( وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ )) (فاطر:15) ،
وقال تعالى: (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ )) (الزمر:62)،
إلى غير ذلك من الآيات ،

وهي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن ، فما ورد من الآيات وظاهرها إسناد شئ من الصفات أو الأفعال الحادثة إليه تعالى ينبغي ان يرجع إليها ، ويفهم منها معنى من المعاني لا ينافي صفاته العليا وأسمائه الحسنى تبارك وتعالى ، فالآيات المشتملة على نسبة المجئ أو الاتيان إليه تعالى

كقوله تعالى: (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )) (الفجر:22)،
وقوله تعالى: (( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا )) (الحشر:2)،
وقوله تعالى: (( فَأَتَى اللَّهُ بُنيَانَهُم مِنَ القَوَاعِدِ )) (النحل:26) ،

كل ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدست أسمائه كالإحاطة ونحوها ولو مجازا ، وعلى هذا فالمراد بالاتيان في قوله تعالى :

أن يأتيهم الله الإحاطة بهم للقضاء في حقهم . على أنا نجده سبحانه وتعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النسب وفعلا من الافعال عن استقلال الأسباب ووساطة الأوساط فربما نسبها إلى نفسه وربما نسبها إلى امره كقوله تعالى: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ )) (الزمر:42)،
وقوله تعالى : (( قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوتِ )) (السجدة:11),
وقوله تعالى: (( تَوَفَّتهُ رُسُلُنَا )) (الأنعام:61)،
فنسب التوفي تارة إلى نفسه ،
وتارة إلى الملائكة ثم قال تعالى في أمر الملائكة:
(( وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ )) (الأنبياء:27) ،
وكذلك قوله تعالى: (( إِنَّ رَبَّكَ يَقضِي بَينَهُم )) (يونس:93)،
وقوله تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَمرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالحَقِّ )) (غافر:78) ،
وكما في هذه الآية :
ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام الآية وقوله تعالى :
(( هَل يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ أَمرُ رَبِّكَ )) (النحل:33).

وهذا يوجب صحة تقدير الامر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى نظير :
جاء ربك ، ويأتيهم الله ،
فالتقدير جاء أمر ربك ويأتيهم أمر الله . فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج في معنى هذه النسب على ما يراه جمهور المفسرين لكن التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذه النسب معنى أرق وألطف من ذلك ، وذلك أن أمثال قوله تعالى:
(( وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ )) (فاطر:15)،
وقوله تعالى: (( العَزِيزِ الوَهَّابِ )) (صّ:9)،
وقوله تعالى (( أَعطَى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى )) (طـه:50)،
تفيد أنه تعالى واجد لما يعطيه من الخلقة وشؤونها وأطوارها ، ملئ بما يهبه ويجود به وان كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة وأحكامها الجسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبته إليه تعالى ، لكن هذه المعاني إذا جردت عن قيود المادة وأوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور فالنقص والحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى ، فإذا لم يصاحب المعنى نقصا وحاجة لتجريده عنه صح اسناده إليه تعالى بل وجب ذلك لان كل ما يقع عليه اسم شئ فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه وعظمته .
فالمجئ والآتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة واقترابه منه إذا جرد عن خصوصيه المادة كان هو حصول القرب ، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات ، وحينئذ صح إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز : فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم ، وهذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفق الأبحاث البرهانية لنيله إلا بعد إمعان في السير ، وركوبها كل سهل ووعر ، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة .
وكيف كان فهذه الآية تتضمن الوعيد الذي ينبئ عنه قوله سبحانه في الآية السابقة :
إن الله عزيز حكيم ، ومن الممكن أن يكون وعيداً بما سيستقبل القوم في الآخرة يوم القيامة كما هو ظاهر قوله تعالى في نظير الآية:
(( هَل يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ أَمرُ رَبِّكَ )) (النحل:33)،
ومن الممكن أن يكون وعيد بأمر متوقع الحصول في الدنيا كما يظهر بالرجوع إلى ما في سورة يونس بعد قوله تعالى:
(( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ )) (يونس:47) ،
وما في سورة الروم بعد قوله تعالى :
(( فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً )) (الروم:30)،
وما في سورة الأنبياء وغيرها
على أن الآخرة آجلة هذه العاجلة وظهور تام لما في هذه الدنيا ،
ومن الممكن أيضا أن يكون وعيدا بما سيقع في الدنيا والآخرة معا ، وكيف كان فقوله في ظلل من الغمام يشتمل من المعنى على ما يناسب مورده .

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:09 PM
أَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَ سبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (42) هُوَ الّذِى يُصلى عَلَيْكُمْ وَ مَلَئكَتُهُ لِيُخْرِجَكم مِّنَ الظلُمَتِ إِلى النّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلَمٌ وَ أَعَدّ لهَُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يَأَيهَا النّبىّ إِنّا أَرْسلْنَك شهِداً وَ مُبَشراً وَ نَذِيراً (45) وَ دَاعِياً إِلى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجاً مّنِيراً (46) وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنّ لهَُم مِّنَ اللّهِ فَضلاً كَبِيراً (47) وَ لا تُطِع الْكَفِرِينَ وَ الْمُنَفِقِينَ وَ دَعْ أَذَاهُمْ وَ تَوَكلْ عَلى اللّهِ وَ كَفَى بِاللّهِ وَكيلاً (48)



بيان



آيات تدعو المؤمنين إلى الذكر و التسبيح و تبشرهم و تعدهم الوعد الجميل و تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفاته الكريمة و تأمره أن يبشر المؤمنين و لا يطيع الكافرين و المنافقين، و يمكن أن يكون القبيلان مختلفين في النزول زمانا.

قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا" الذكر ما يقابل النسيان و هو توجيه الإدراك نحو المذكور و أما التلفظ بما يدل عليه من أسمائه و صفاته فهو بعض مصاديق الذكر.

قوله تعالى: "و سبحوه بكرة و أصيلا" التسبيح هو التنزيه و هو مثل الذكر لا يتوقف على اللفظ و إن كان التلفظ بمثل سبحان الله بعض مصاديق التسبيح.

و البكرة أول النهار و الأصيل آخره بعد العصر و تقييد التسبيح بالبكرة و الأصيل لما فيهما من تحول الأحوال فيناسب تسبيحه و تنزيهه من التغير و التحول و كل نقص طار، و يمكن أن يكون البكرة و الأصيل معا كناية عن الدوام كالليل و النهار في قوله: "يسبحون له بالليل و النهار": حم السجدة: 38.

قوله تعالى: "هو الذي يصلي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور" المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف فيختلف باختلاف ما نسب إليه و لذلك قيل: إن الصلاة من الله الرحمة و من الملائكة الاستغفار و من الناس الدعاء لكن الذي نسب من الصلاة إلى الله سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصة بالمؤمنين و هي التي تترتب عليها سعادة العقبى و الفلاح المؤبد و لذلك علل تصليته عليهم بقوله: "ليخرجكم من الظلمات إلى النور و كان بالمؤمنين رحيما".

و قد رتب سبحانه في كلامه على نسيانهم له نسيانه لهم و على ذكرهم له ذكره لهم فقال: "نسوا الله فنسيهم": التوبة: 67، و قال: "فاذكروني أذكركم": البقرة: 125 و تصليته عليهم ذكر منه لهم بالرحمة فإن ذكروه كثيرا و سبحوه بكرة و أصيلا صلى عليهم كثيرا و غشيهم بالنور و أبعدهم من الظلمات.

و من هنا يظهر أن قوله: "هو الذي يصلي عليكم" إلخ، في مقام التعليل لقوله: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا" و تفيد التعليل أنكم إن ذكرتم الله كثيرا ذكركم برحمته كثيرا و بالغ في إخراجكم من الظلمات إلى النور و يستفاد منه أن الظلمات إنما هي ظلمات النسيان و الغفلة و النور نور الذكر.

و قوله: "و كان بالمؤمنين رحيما" وضع الظاهر موضع المضمر، أعني قوله: "بالمؤمنين" و لم يقل: و كان بكم رحيما، ليدل به على سبب الرحمة و هو وصف الإيمان.

قوله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام و أعد لهم أجرا كريما" ظاهر السياق أن "تحيتهم" مصدر مضاف إلى المفعول أي إنهم يحيون - بالبناء للمفعول - يوم يلقون ربهم من عند ربهم و من ملائكته بالسلام أي إنهم يوم اللقاء في أمن و سلام لا يصيبهم مكروه و لا يمسهم عذاب.

و قوله: "و أعد لهم أجرا كريما" أي و هيأ الله لهم ثوابا جزيلا.

قوله تعالى: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا" شهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأعمال أن يتحملها في هذه النشأة و يؤديها يوم القيامة و قد تقدم في قوله: "لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا": البقرة: 121، و غيره من آيات الشهادة أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد الشهداء.

و كونه مبشرا و نذيرا تبشيره المؤمنين المطيعين لله و رسوله بثواب الله و الجنة و إنذاره الكافرين و العاصين بعذاب الله و النار.

قوله تعالى: "و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا" دعوته إلى الله هي دعوته الناس إلى الإيمان بالله وحده، و لازمه الإيمان بدين الله و تقيد الدعوة بإذن الله يجعلها مساوقة للبعثة.

و كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) سراجا منيرا هو كونه بحيث يهتدي به الناس إلى سعادتهم و ينجون من ظلمات الشقاء و الضلالة فهو من الاستعارة، و قول بعضهم: إن المراد بالسراج المنير القرآن و التقدير ذا سراج منير تكلف من غير موجب.

قوله تعالى: "و بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا"، الفضل من العطاء ما كان من غير استحقاق ممن يأخذه و قد وصف الله عطاءه فقال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها": الأنعام: 106، و قال: "لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد": ق: 35، فبين أنه يعطي من الثواب ما لا يقابل العمل و هو الفضل و لا دليل في الآية يدل على اختصاصه بالآخرة.

قوله تعالى: "و لا تطع الكافرين و المنافقين و دع أذاهم و توكل على الله" إلخ، تقدم معنى طاعة الكافرين و المنافقين في أول السورة.

و قوله: "و دع أذاهم" أي اترك ما يؤذونك بالإعراض عنه و عدم الاشتغال به و الدليل على هذا المعنى قوله: "و توكل على الله" أي لا تستقل بنفسك في دفع أذاهم بل اجعل الله وكيلا في ذلك و كفى بالله وكيلا.




بحث روائي


في الكافي، بإسناده عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من شيء إلا و له حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض الله عز و جل الفرائض فمن أداهن فهو حدهن و شهر رمضان فمن صامه فهو حده و الحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز و جل لم يرض منه بالقليل و لم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم تلا: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا - و سبحوه بكرة و أصيلا" فقال: لم يجعل الله له حدا ينتهي إليه. قال: و كان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه و إنه ليذكر الله و آكل معه الطعام و إنه ليذكر الله و لقد كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله و كنت أرى لسانا لازقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله. و كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منا و من كان لا يقرأ منا أمره بالذكر، و البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر الله عز و جل فيه يكثر بركته و يحضره الملائكة و يهجره الشياطين و يضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب لأهل الأرض و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر الله يقل بركته و يهجره الملائكة و يحضره الشياطين. و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أ لا أخبركم بخير أعمالكم أرفعها في درجاتكم و أزكاها عند مليككم و خير لكم من الدينار و الدرهم و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم و يقتلوكم؟ فقالوا: بلى. قال: ذكر الله عز و جل كثيرا. ثم قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكرا. و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أعطي لسانا ذاكرا فلقد أعطي خير الدنيا و الآخرة. و قال في قوله تعالى: "و لا تمنن تستكثر" قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله. و فيه، بإسناده عن أبي المعزى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية و لا يذكرونه في السر فقال الله عز و جل: "يراءون الناس و لا يذكرون الله إلا قليلا". أقول: و هو استفادة لطيفة.

و في الخصال، عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما ابتلي المؤمن بشيء أشد عليه من ثلاث خصال يحرمها. قيل: و ما هي؟ قال: المواساة في ذات يده، و الإنصاف من نفسه، و ذكر الله كثيرا. أما إني لا أقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و إن كان منه و لكن ذكر الله عند ما أحل له و ذكر الله عند ما حرم عليه.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و الترمذي و البيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرا. قلت: يا رسول الله و من الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار و المشركين حتى ينكسر و يختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل درجة منه.

و في العلل، بإسناده عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأي شيء سميت محمدا و أحمد و أبا القاسم و بشيرا و نذيرا و داعيا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي عز و جل، و أما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، و أما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني.

الحديث.

و في تفسير القمي،: في قوله: "يا أيها النبي إنا أرسلناك إلى قوله و دع أذاهم و توكل على الله و كفى بالله وكيلا" أنها نزلت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:10 PM
(كلام في الامتحان وحقيقته)


لا ريب أن القرآن الكريم يخص أمر الهداية بالله سبحانه غير أن الهداية فيه لا تنحصر في الهداية الاختيارية إلى سعادة الآخرة أو الدنيا فقد قال تعالى فيما قال : ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) ، : طه : ـ ٥٠ ، فعمم الهداية لكل شيء من ذوي الشعور والعقل وغيرهم ، وأطلقها أيضا من جهة الغاية ، وقال أيضا : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) ، : الأعلى ـ ٣ ، والآية من جهة الإطلاق كسابقتها.

ومن هنا يظهر أن هذه الهداية غير الهداية الخاصة التي تقابل الإضلال فإن الله سبحانه نفاها وأثبت مكانها الضلال في طوائف والهداية العامة لا تنفي عن شيء من خلقه ، قال تعالى : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) : الجمعة ـ ٥ ، وقال : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) : الصف ـ ٥ ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

وكذا يظهر أيضا أن الهداية المذكورة غير الهداية بمعنى إراءة الطريق العامة للمؤمن والكافر كما في قوله تعالى : ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) : الدهر ـ ٣ ، وقوله : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) : ، حم السجدة ـ ١٧ ، فإن ما في هاتين الآيتين ونظائرهما من الهداية لا يعم غير أرباب الشعور والعقل وقد عرفت أن ما في قوله : ( ثُمَّ هَدى ) وقوله : ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) عام من حيث المورد والغاية جميعا ،


على أن الآية الثانية تفرع الهداية على التقدير ، والهداية الخاصة لا تلائم التقدير الذي هو تهيئة الأسباب والعلل لسوق الشيء إلى غاية خلقته ، وإن كانت تلك الهداية أيضا من جهة النظام العام في العالم داخلة في حيطة التقدير لكن النظر غير النظر فافهم ذلك.
وكيف كان فهذه الهداية العامة هي هدايته تعالى كل شيء إلى كمال وجوده ، وإيصاله إلى غاية خلقته ، وهي التي بها نزوع كل شيء إلى ما يقتضيه قوام ذاته من نشوء واستكمال وأفعال وحركات وغير ذلك ، وللكلام ذيل طويل سنشرحه إن ساعدنا التوفيق إن شاء الله العزيز.
والغرض أن كلامه تعالى يدل على أن الأشياء إنما تنساق إلى غاياتها وآجالها بهداية عامة إلهية لا يشذ عنها شاذ ، وقد جعلها الله تعالى حقا لها على نفسه وهو لا يخلف الميعاد ، كما قال تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ) : الليل ـ ١٣ ، والآية كما ترى تعم بإطلاقها الهداية الاجتماعية للمجتمعات والهداية الفردية مضافة إلى ما تدل عليه الآيتان السابقتان.
فمن حق الأشياء على الله تعالى هدايتها تكوينا إلى كمالها المقدر لها وهدايتها إلى كمالها المشرع لها ، وقد عرفت فيما مر من مباحث النبوة أن التشريع كيف يدخل في التكوين وكيف يحيط به القضاء والقدر فإن النوع الإنساني له نوع وجود لا يتم أمره إلا بسلسلة من الأفعال الاختيارية الإرادية التي لا تقع إلا عن اعتقادات نظرية وعملية فلا بد أن يعيش تحت قوانين حقة أو باطلة ، جيدة أو ردية ، فلا بد لسائق التكوين أن يهيئ له سلسلة من الأوامر والنواهي ( الشريعة ) وسلسلة أخرى من الحوادث الاجتماعية والفردية حتى يخرج بتلاقيه معهما ما في قوته إلى الفعل فيسعد أو يشقى ويظهر ما في مكمن وجوده ، وعند ذلك ينطبق على هذه الحوادث وهذا التشريع اسم المحنة والبلاء ونحوهما.
توضيح ذلك أن من لم يتبع الدعوة الإلهية واستوجب لنفسه الشقاء فقد حقت عليه كلمة العذاب إن بقي على تلك الحال ، فكل ما يستقبله من الحوادث المتعلقة بها الأوامر والنواهي الإلهية ويخرج بها من القوة إلى الفعل تتم له بذلك فعلية جديدة من الشقاء وإن كان راضيا بما عنده مغرورا بما يجده ، فليس ذلك إلا مكرا إلهيا فإنه


يشقيهم بعين ما يحسبونه سعادة لأنفسهم ويخيب سعيهم في ما يظنونه فوزا لأنفسهم ، قال تعالى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) : آل عمران ـ ٥٤ ، وقال : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ، : فاطر ـ ٤٣ ، وقال : ( لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ ) ، : الأنعام ـ ١٢٣ ، وقال : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) ، : الأعراف ـ ١٨٣ ، فما يتبجح به المغرور الجاهل بأمر الله أنه سبق ربه في ما أراده منه بالمخالفة والتمرد فإنه يعينه على نفسه فيما أراده ، قال تعالى : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ » : العنكبوت ـ ٤ ، ومن أعجب الآيات في هذا الباب قوله تعالى « فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً » : الرعد ـ ٤٢.
فجميع هذه المماكرات والمخالفات والمظالم والتعديات التي تظهر من هؤلاء بالنسبة إلى الوظائف الدينية ، وكل ما يستقبلهم من حوادث الأيام ويظهر بها منهم ما أضمروه في قلوبهم ودعتهم إلى ذلك أهواؤهم ، مكر إلهي وإملاء واستدراج فإن من حقهم على الله أن يهديهم إلى عاقبة أمرهم وخاتمته وقد فعل ، والله غالب على أمره.
وهذه الأمور بعينها إذا نسبت إلى الشيطان كانت أقسام الكفر والمعاصي إغواء منه لهم ، والنزوع إليها دعوة ووسوسة ونزعة ووحيا وإضلالا ، والحوادث الداعية وما يجري مجراها زينة له ووسائل وحبائل وشبكات منه على ما سيجيء بيانه في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى.
وأما المؤمن الذي رسخ في قلبه الإيمان فما تظهر منه من الطاعات والعبادات وكذا الحوادث التي تستقبله فيظهر منه عندها ذلك ، ينطبق عليها مفهوم التوفيق والولاية الإلهية والهداية بالمعنى الأخص نوع انطباق ، قال تعالى : « وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ » : آل عمران ـ ١٣ ، وقال : « وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » : آل عمران ـ ٦٨ ، وقال : « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » : البقرة ـ ٢٥٧ ، وقال : « يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ » : يونس ـ ٩ ، وقال : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » : الأنعام ـ ١٢٢ ، هذا إذا نسبت هذه الأمور إلى الله سبحانه ، وأما إذا نسبت إلى الملائكة فتسمى تأييدا وتسديدا منهم ، قال تعالى : « أُولئِكَ كَتَبَ فِي


قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » المجادلة ـ ٢٢.
ثم إنه كما أن الهداية العامة تصاحب الأشياء من بدء كونها إلى آخر أحيان وجودها ما دامت سالكة سبيل الرجوع إلى الله سبحانه كذلك المقادير تدفعها من ورائها كما هو ظاهر قوله تعالى : « وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى » : الأعلى ـ ٣ ، فإن المقادير التي تحملها العلل والأسباب المحتفة بوجود الشيء هي التي تحول الشيء من حال أولى إلى حال ثانية وهلم جرا فهي لا تزال تدفع الأشياء من ورائها.
وكما أن المقادير تدفعها من ورائها كذلك الآجال ( وهي آخر ما ينتهي إليه وجود الأشياء ) تجذبها من أمامها كما يدل عليه قوله تعالى : « ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ » : الأحقاف ـ ٣ ، فإن الآية تربط الأشياء بغاياتها وهي الآجال ، والشيئان المرتبطان إذا قوي أحدهما على الآخر كان حاله بالنسبة إلى قرينه هو المسمى جذبا والآجال المسماة أمور ثابتة غير متغيرة فهي تجذب الأشياء من أمامها وهو ظاهر.
فالأشياء محاطة بقوى إلهية : قوة تدفعها ، وقوة تجذبها ، وقوة تصاحبها وتربيها وهي القوى الأصلية التي تثبتها القرآن الكريم غير القوى الحافظة والرقباء والقرناء كالملائكة والشياطين وغير ذلك.
ثم إنا نسمي نوع التصرفات في الشيء إذا قصد به مقصد لا يظهر حاله بالنسبة إليه : هل له صلوحه أو ليس له؟ بالامتحان والاختبار ، فإنك إذا جهلت حال الشيء أنه هل يصلح لأمر كذا أو لا يصلح؟ أو علمت باطن أمره ولكن أردت أن يظهر منه ذلك أوردت عليه أشياء مما يلائم المقصد المذكور حتى يظهر حاله بذلك هل يقبلها لنفسه أو يدفعها عن نفسه؟ وتسمي ذلك امتحانا واختبارا واستعلاما لحاله ، أو ما يقاربها من الألفاظ.
وهذا المعنى بعينه ينطبق على التصرف الإلهي بما يورده من الشرائع والحوادث الجارية على أولي الشعور والعقل من الأشياء كالإنسان ، فإن هذه الأمور يظهر بها حال الإنسان بالنسبة إلى المقصد الذي يدعى إليه الإنسان بالدعوة الدينية فهي امتحانات إلهية.
وإنما الفرق بين الامتحان الإلهي وما عندنا من الامتحان أنا لا نخلو غالبا عن


الجهل بما في باطن الأشياء فنريد بالامتحان استعلام حالها المجهول لنا ، والله سبحانه يمتنع عليه الجهل وعنده مفاتح الغيب ، فالتربية العامة الإلهية للإنسان من جهة دعوته إلى حسن العاقبة والسعادة امتحان لأنه يظهر ويتعين بها حال الشيء أنه من أهل أي الدارين دار الثواب أو دار العقاب؟.
ولذلك سمى الله تعالى هذا التصرف الإلهي من نفسه أعني التشريع وتوجيه الحوادث بلاء وابتلاء وفتنة فقال بوجه عام : « إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » : الكهف ـ ٧ ، وقال : « إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً » : الدهر ـ ٢ ، وقال : « وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً » : الأنبياء ـ ٣٥ ، وكأنه يريد به ما يفصله قوله : « فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ » : الفجر ـ ١٦ ، وقال : « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » : التغابن ـ ١٥ ، وقال : « وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ » : محمد ـ ٤ ، وقال : « كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ » : الأعراف ١٦٣ ، وقال : « وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » : الأنفال ـ ١٧ ، وقال : « أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ » : العنكبوت ـ ٣.
وقال في مثل إبراهيم : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ » البقرة ـ ١٢٤ ، وقال في قصة ذبح إسماعيل : « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ » : الصافات ـ ١٠٦ ، وقال في موسى : « وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً » : طه ـ ٤٠ ، إلى غير ذلك من الآيات.
والآيات كما ترى تعمم المحنة والبلاء لجميع ما يرتبط به الإنسان من وجوده وأجزاء وجوده كالسمع والبصر والحياة ، والخارج من وجوده المرتبط به بنحو كالأولاد والأزواج والعشيرة والأصدقاء والمال والجاه وجميع ما ينتفع به نوع انتفاع ، وكذا مقابلات هذه الأمور كالموت وسائر المصائب المتوجهة إليه ، وبالجملة الآيات تعد كل ما يرتبط به الإنسان من أجزاء العالم وأحوالها فتنة وبلاء من الله سبحانه بالنسبة إليه.
وفيها تعميم آخر من حيث الأفراد فالكل مفتنون مبتلون من مؤمن أو كافر ، وصالح أو طالح ، ونبي أو من دونه ، فهي سنة جارية لا يستثني منها أحد.


فقد بان أن سنة الامتحان سنة إلهية جارية ، وهي سنة عملية متكئة على سنة أخرى تكوينية وهي سنة الهداية العامة الإلهية من حيث تعلقها بالمكلفين كالإنسان وما يتقدمها وما يتأخر عنها أعني القدر والأجل كما مر بيانه.
ومن هنا يظهر أنها غير قابلة للنسخ فإن انتساخها عين فساد التكوين وهو محال ، ويشير إلى ذلك ما يدل من الآيات على كون الخلقة على الحق ، وما يدل على كون البعث حقا كقوله تعالى : « ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى » الأحقاف ـ ٣ ، وقوله تعالى : « أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ » المؤمنون ـ ١١٥ ، وقوله تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ » : الدخان ـ ٣٩ ، وقوله تعالى : « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ » : العنكبوت ـ ٥ ، إلى غيرها فإن جميعها تدل على أن الخلقة بالحق وليست باطلة مقطوعة عن الغاية ، وإذا كانت أمام الأشياء غايات وآجال حقة ومن ورائها مقادير حقة ومعها هداية حقة فلا مناص عن تصادمها عامة ، وابتلاء أرباب التكليف منها خاصة بأمور يخرج بالاتصال بها ما في قوتها من الكمال والنقص والسعادة والشقاء إلى الفعل ، وهذا المعنى في الإنسان المكلف بتكليف الدين امتحان وابتلاء فافهم ذلك.
ويظهر مما ذكرناه معنى المحق والتمحيص أيضا ، فإن الامتحان إذا ورد على المؤمن فأوجب امتياز فضائله الكامنة من الرذائل ، أو ورد على الجماعة فاقتضى امتياز المؤمنين من المنافقين والذين في قلوبهم مرض صدق عليه اسم التمحيص وهو التمييز وكذا إذا توالت الامتحانات الإلهية على الكافر والمنافق وفي ظاهرهما صفات وأحوال حسنة مغبوطة فأوجبت تدريجا ظهور ما في باطنهما من الخبائث ، وكلما ظهرت خبيثة أزالت فضيلة ظاهرية كان ذلك محقا له أي إنفادا تدريجيا لمحاسنها ، قال تعالى : « وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ » : آل عمران ـ ١٤١.
وللكافرين محق آخر من جهة ما يخبره تعالى أن الكون ينساق إلى صلاح البشر وخلوص الدين لله ، قال تعالى : « وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى : طه ـ ١٣٢ ، وقال : « أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » : الأنبياء ـ ١٠٥.


قوله تعالى : « وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » الموت زهاق الروح وبطلان حياة البدن ، والقتل هو الموت إذا كان مستندا إلى سبب عمدي أو نحوه ، والموت والقتل إذا افترقا كان الموت أعم من القتل ، وإذا اجتمعا كان الموت هو ما بحتف الأنف والقتل خلافه.
وانقلب على عقبيه أي رجع قال الراغب : ورجع على عقبيه إذا انثنى راجعا ، وانقلب على عقبيه نحو رجع على حافرته ، ونحو ارتدا على آثارهما قصصا ، وقولهم رجع عوده إلى بدئه ، انتهى.
وحيث جعل الانقلاب على الأعقاب جزاء للشرط الذي هو موت الرسول أو قتله أفاد ذلك أن المراد به الرجوع عن الدين دون التولي عن القتال إذ لا ارتباط للفرار من الزحف بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قتله ، وإنما النسبة والرابطة بين موته أو قتله وبين الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان.
ويدل على أن المراد به الرجوع عن الدين ما ذكره تعالى في قوله : ( وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ) إلى آخر الآيات ، على أن نظير ما وقع في أحد من فرارهم من الزحف وتوليهم عن القتال تحقق في غيره كغزوة حنين وخيبر وغيرهما ولم يخاطبهم الله بمثل هذا الخطاب ولا عبر عن توليهم عن القتال بمثل هذه الكلمة قال تعالى : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ » : البراءة ـ ٢٥ ، فالحق أن المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق.
فمحصل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ : أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس إلا رسولا من الله مثل سائر الرسل ، ليس شأنه إلا تبليغ رسالة ربه لا يملك من الأمر شيئا ، وإنما الأمر لله والدين دينه باق ببقائه ، فما معنى اتكاء إيمانكم على حياته حيث يظهر منكم أن لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين ، ورجعتم إلى أعقابكم القهقرى واتخذتم الغواية بعد الهداية؟.
وهذا السياق أقوى شاهد على أنهم ظنوا يوم أحد بعد حمي الوطيس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل فانسلوا عند ذلك وتولوا عن القتال ، فيتأيد بذلك ما ورد في الرواية والتاريخ


ـ كما في ما رواه ابن هشام في السيرة ـ : أن أنس بن النضر ـ عم أنس بن مالك ـ انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار ـ وقد ألقوا بأيديهم ـ فقال : ما يحبسكم؟ قالوا : قتل رسول الله قال : فما ذا تصنعون بالحياة بعده؟ فموتوا على ما مات عليه رسول الله ، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وبالجملة فمعنى هذا الانسلال والإلقاء بالأيدي : أن إيمانهم إنما كان قائما بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يبقى ببقائه ويزول بموته ، وهو إرادة ثواب الدنيا بالإيمان وهذا هو الذي عاتبهم الله عليه ، ويؤيد هذا المعنى قوله بعده : ( وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ، فإن الله سبحانه كرر هذه الجملة في الآية التالية بعد قوله : ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ) ، فافهم ذلك.
وقوله : ( وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ، بمنزلة الاستثناء مما قبله على ما يعطيه السياق ، وهو الدليل على أن القوم كان فيهم من لم يظهر منه هذا الانقلاب أو ما يشعر به كالانسلال والتولي وهم الشاكرون.
وحقيقة الشكر إظهار النعمة كما أن الكفر الذي يقابله هو إخفاؤها والستر عليها ، وإظهار النعمة هو استعمالها في محلها الذي أراده منعمها وذكر المنعم بها لسانا وهو الثناء وقلبا من غير نسيان ، فشكره تعالى على نعمة من نعمه أن يذكر عند استعمالها ويوضع النعمة في الموضع الذي أراده منها ولا يتعدى ذلك ، وإن من شيء إلا وهو نعمة من نعمه تعالى ، ولا يريد بنعمة من نعمه إلا أن تستعمل في سبيل عبادته ، قال تعالى : ( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) ، : إبراهيم ـ ٣٤ ، فشكره على نعمته أن يطاع فيها ويذكر مقام ربوبيته عندها.
وعلى هذا فشكره المطلق من غير تقييد ، ذكره تعالى من غير نسيان ، وإطاعته من غير معصية ، فمعنى قوله : « وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ » : البقرة ـ ١٥٢ ، اذكروني ذكرا لا يخالطه نسيان ، وأطيعوا أمري إطاعة لا يشوبها عصيان ، ولا يصغي إلى قول من يقول : إنه أمر بما لا يطاق فإنه ناش من قلة التدبر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبودية.
وقد عرفت فيما تقدم من الكتاب أن إطلاق الفعل لا يدل إلا على تلبس ما ،


بخلاف الوصف فإنه يدل على استقرار التلبس وصيرورة المعنى الوصفي ملكة لا تفارق الإنسان ، ففرق بين قولنا : الذين أشركوا ، والذين صبروا ، والذين ظلموا ، والذين يعتدون ، وبين قولنا. المشركين ، والصابرين ، والظالمين ، والمعتدين ، فالشاكرون هم الذين ثبت فيهم وصف الشكر واستقرت فيهم هذه الفضيلة ، وقد بان أن الشكر المطلق هو أن لا يذكر العبد شيئا « وهو نعمة » إلا وذكر الله معه ، ولا يمس شيئا « وهو نعمة » إلا ويطيع الله فيه.
فقد تبين أن الشكر لا يتم إلا مع الإخلاص لله سبحانه علما وعملا ، فالشاكرون هم المخلصون لله ، الذين لا مطمع للشيطان فيهم.
ويظهر هذه الحقيقة مما حكاه الله تعالى عن إبليس ، قال تعالى : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » : ـ ص ـ ٨٣ ، وقال تعالى : « قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » الحجر ـ ٤٠ ، فلم يستثن من إغوائه أحدا إلا المخلصين ، وأمضاه الله سبحانه من غير رد ، وقال تعالى : « قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » : الأعراف ـ ١٧ ، وقوله : ولا تجد إلخ بمنزلة الاستثناء فقد بدل المخلصين بالشاكرين ، وليس إلا لأن الشاكرين هم المخلصون الذين لا مطمع للشيطان فيهم ، ولا صنع له لديهم ، وإنما صنعه وكيده إنساء مقام الربوبية والدعوة إلى المعصية.
ومما يؤيد ذلك من هذه الآيات النازلة في غزوة أحد قوله تعالى فيما سيأتي من الآيات : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ، مع قوله في هذه الآية التي نحن فيها : ( وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ، وقوله فيما بعدها : ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ، وقد عرفت أنه في معنى الاستثناء.
فتدبر فيها واقض عجبا مما ربما يقال : إن الآية أعني قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ ) ناظرة إلى ما روي : أن الشيطان نادى يوم أحد : « ألا قد قتل محمد » فأوجب ذلك وهن المؤمنين وتفرقهم عن المعركة! فاعتبر إلى أي مهبط أهبط كتاب الله من أوج حقائقه ومستوى معارفه العالية؟.


فالآية تدل على وجود عدة منهم يوم أحد لم يهنوا ولم يفتروا ولم يفرطوا في جنب الله سبحانه سماهم الله شاكرين ، وصدق أنهم لا سبيل للشيطان إليهم ولا مطمع له فيهم ، لا في هذه الغزوة فحسب بل هو وصف لهم ثابت فيهم مستقر معهم ، ولم يطلق اسم الشاكرين في مورد من القرآن على أحد بعنوان على طريق التوصيف إلا في هاتين الآيتين أعني قوله : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) الآية ، وقوله : ( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) الآية ، ولم يذكر ما يجازيهم به في شيء من الموردين إشعارا بعظمته ونفاسته.
قوله تعالى : « وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً » إلخ تعريض لهم في قولهم عن إخوانهم المقتولين ما يشير إليه قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ) الآية ، وقول طائفة منهم : ( لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ) الآية ، وهؤلاء من المؤمنين غير المنافقين الذين تركوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقعدوا عن القتال.
فهذا القول منهم لازمه أن لا يكون موت النفوس بإذن من الله وسنة محكمة تصدر عن قضاء مبرم ، ولازمه بطلان الملك الإلهي والتدبير المتقن الرباني وسيجيء إن شاء الله الكلام في معنى كتابة الآجال في أول سورة الأنعام.
ولما كان لازم هذا القول ممن قال به إنه آمن لظنه أن الأمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وللمؤمنين فقد أراد الدنيا كما مر بيانه ومن اجتنب هذا فقد أراد الآخرة فقال تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ) ، وإنما قال : ( نُؤْتِهِ مِنْها ) ولم يقل : نؤتها لأن الإرادة ربما لا توافق تمام الأسباب المؤدية إلى تمام مراده فلا يرزق تمام ما أراده ، ولكنها لا تخلو من موافقة ما للأسباب في الجملة دائما فإن وافق الجميع رزق الجميع وإن وافق البعض رزق البعض فحسب ، قال الله تعالى : ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) ، : الإسراء ـ ١٩ وقال تعالى : « وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى : النجم ـ ٣٩.
ثم خص الشاكرين بالذكر بإخراجهم من الطائفتين فقال : « وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ » وليس إلا لأنهم لا يريدون إلا وجه الله لا يشتغلون بدنيا ولا آخرة كما تقدم.



قوله تعالى : « وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ » إلى آخر الآيات كأين كلمة تكثير وكلمة « من » بيانية والربيون جمع ربي وهو كالرباني من اختص بربه تعالى فلم يشتغل بغيره ، وقيل : المراد به الألوف والربي الألف ، والاستكانة هي التضرع.

وفي الآية موعظة واعتبار مشوب بعتاب وتشويق للمؤمنين أن يأتموا بهؤلاء الربيين فيؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة كما آتاهم ، ويحبهم لإحسانهم كما أحبهم لذلك.

وقد حكى الله من فعلهم وقولهم ما للمؤمنين أن يعتبروا به ويجعلوه شعارا لهم حتى لا يبتلوا بما ابتلوا به يوم أحد من الفعل والقول غير المرضيين لله تعالى وحتى يجمع الله لهم ثواب الدنيا والآخرة كما جمع لأولئك الربيين.

وقد وصف ثواب الآخرة بالحسن دون الدنيا إشارة إلى ارتفاع منزلتها وقدرها بالنسبة إليها.

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:11 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣) )




( بيان )




غرض السورة هو توحيده تعالى بمعناه الأعم أعني أن للإنسان ربا هو رب العالمين جميعا منه يبدأ كل شيء وإليه ينتهي ويعود كل شيء ، أرسل رسلا مبشرين ومنذرين يهدي بهم عباده المربوبين إلى دينه الحق ، ولذلك نزلت معظم آياتها في صورة الحجاج على المشركين في التوحيد والمعاد والنبوة ، واشتملت على إجمال الوظائف الشرعية والمحرمات الدينية.

وسياقها ـ على ما يعطيه التدبر ـ سياق واحد متصل لا دليل فيه على فصل يؤدي إلى نزولها نجوما.

وهذا يدل على نزولها جملة واحدة ، وأنها مكية فإن ذلك ظاهر سياقها الذي وجه الكلام في جلها أو كلها إلى المشركين.

وقد اتفق المفسرون والرواة على كونها مكية إلا في ست آيات روي عن بعضهم أنها مدنية. وهي قوله تعالى : « وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » : ( آية ـ ٩١ ) إلى تمام ثلاث آيات ، وقوله تعالى : « قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ » : ( آية ـ ١٥١ ) إلى تمام ثلاث آيات.




وقيل : إنها كلها مكية إلا آيتان منها نزلتا بالمدينة ، وهما قوله تعالى : « قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ » والتي بعدها.
وقيل : نزلت سورة الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود ، وهو الذي قال : « ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ » الآية.
وقيل : « إنها كلها مكية إلا آية واحدة نزلت بالمدينة ، وهو قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ » الآية.
وهذه الأقوال لا دليل على شيء منها من جهة سياق اللفظ على ما تقدم من وحدة السياق واتصال آيات السورة ، وسنبينها بما نستطيعه ، وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام وكذا عن أبي وعكرمة وقتادة : أنها نزلت جملة واحدة بمكة.
قوله تعالى : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ » افتتح بالثناء على الله وهو كالمقدمة لما يراد بيانه من معنى التوحيد ، وذلك بتضمين الثناء ما هو محصل غرض السورة ليتوسل بذلك إلى الاحتجاج عليه تفصيلا ، وتضمينه العجب منهم ولومهم على أن عدلوا به غيره والامتراء في وحدته ليكون كالتمهيد على ما سيورد من جمل الوعظ والإنذار والتخويف.
وقد أشار في هذا الثناء الموضوع في الآيات الثلاث إلى جمل ما تعتمد عليه الدعوة الدينية في المعارف الحقيقية التي هي بمنزلة المادة للشريعة ، وتنحل إلى نظامات ثلاث :
نظام الكون العام وهو الذي تشير إليه الآية الأولى ، ونظام الإنسان بحسب وجوده ، وهو الذي تشتمل عليه الآية الثانية ، ونظام العمل الإنساني وهو الذي تومئ إليه الآية الثالثة.
فالمتحصل من مجموع الآيات الثلاث هو الثناء عليه تعالى بما خلق العالم الكبير الذي يعيش فيه الإنسان ، وبما خلق عالما صغيرا هو وجود الإنسان المحدود من حيث ابتدائه بالطين ومن حيث انتهائه بالأجل المقضي ، وبما علم سر الإنسان وجهره وما يكسبه.
وما في الآية الثالثة : « ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ) ، بمنزلة الإيضاح لمضمون





الآيتين ، السابقتين والتمهيد لبيان علمه بسر الإنسان وجهره وما تكسبه نفسه.
فقوله : « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ » إشارة إلى نظام الكون العام الذي عليه تدبر الأشياء على كثرتها وتفرقها في عالمنا في نظامه الجاري المحكم إلا عالم الأرض الذي يحيط به عالم السماوات على سعتها ثم يتصرف بها بالنور والظلمات اللذين عليهما يدور رحى العالم المشهود في تحوله وتكامله فلا يزال يتولد شيء من شيء ، ويتقلب شيء إلى شيء ، ويظهر واحد ويخفى آخر ، ويتكون جديد ويفسد قديم ، وينتظم من تلاقي هذه الحركات المتنوعة على شتاتها الحركة العالمية الكبرى التي تحمل أثقال الأشياء ، وتسير بها إلى مستقرها.
والجعل في قوله : « وَجَعَلَ الظُّلُماتِ » إلخ بمعنى الخلق غير أن الخلق لما كان مأخوذا في الأصل من خلق الثوب كان التركيب من أجزاء شتى مأخوذا في معناه بخلاف الجعل ، ولعل هذا هو السبب في تخصيص الخلق بالسماوات والأرض لما فيها من التركيب بخلاف الظلمة والنور ، ولذا خصا باستعمال الجعل. والله أعلم.
وقد أتى بالظلمات بصيغة الجمع دون النور ، ولعله لكون الظلمة متحققة بالقياس إلى النور فإنها عدم النور فيما من شأنه أن يتنور فتتكثر بحسب مراتب قربه من النور وبعده بخلاف النور فإنه أمر وجودي لا يتحقق بمقايسته إلى الظلمة التي هي عدمية ، وتكثيره تصورا بحسب قياسه التصوري إلى الظلمة لا يوجب تعدده وتكثره حقيقة.
قوله تعالى : « ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ » مسوق للتعجب المشوب بلوم أي إن الله سبحانه بخلقه السماوات والأرض وجعله الظلمات والنور متوحد بالألوهية متفرد بالربوبية لا يماثله شيء ولا يشاركه ، ومن العجب أن الذين كفروا مع اعترافهم بأن الخلق والتدبير لله بحقيقة معنى الملك دون الأصنام التي اتخذوها آلهة يعدلون بالله غيره من أصنامهم ويسوون به أوثانهم فيجعلون له أندادا تعادله بزعمهم فهم ملومون على ذلك.
وبذلك يظهر وجه الإتيان بثم الدال على التأخير والتراخي فكأن المتكلم لما وصف تفرده بالصنع والإيجاد وتوحده بالألوهية والربوبية ذكر مزعمة المشركين وأصحاب الأوثان أن هذه الحجارة والأخشاب المعمولة أصناما يعدلون بها رب العالمين فشغله التعجب





زمانا وكفه عن التكلم ثم جرى في كلامه وأشار إلى وجه سكوته ، وأن حيرة التعجب كان هو المانع عن جريه في كلامه فقال : ( الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ).
قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً » يشير إلى خلقه العالم الإنساني الصغير بعد الإشارة إلى خلق العالم الكبير فيبين أن الله سبحانه هو الذي خلق الإنسان ودبر أمره بضرب الأجل لبقائه الدنيوي ظاهرا فهو محدود الوجود بين الطين الذي بدأ منه خلق نوعه وإن كان بقاء نسله جاريا على سنة الازدواج والوقاع كما قال تعالى : « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » : ( السجدة : ـ ٨ ).
وبين الأجل المقضي الذي يقارن الموت كما قال تعالى : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ » : ( العنكبوت : ـ ٥٧ ) ومن الممكن أن يراد بالأجل ما يقارن الرجوع إلى الله سبحانه بالبعث فإن القرآن الكريم كأنه يعد الحياة البرزخية من الدنيا كما يفيده ظاهر قوله تعالى : « قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ ، قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » : ( المؤمنون ـ ١١٤ ) ، وقال أيضا : « وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ، ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ، وقال الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » : ( الروم : ـ ٥٦ ).
وقد أبهم أمر الأجل بإتيانه منكرا في قوله : « ثُمَّ قَضى أَجَلاً » للدلالة على كونه مجهولا للإنسان لا سبيل له إلى المعرفة به بالتوسل إلى العلوم العادية.
قوله تعالى : « وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » تسمية الأجل تعيينه فإن العادة جرت في العهود والديون ونحو ذلك بذكر الأجل وهو المدة المضروبة أو آخر المدة باسمه ، وهو الأجل المسمى ، قال تعالى : « إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ » : ( البقرة : ـ ٢٨٢ ) وهو الأجل بمعنى آخر المدة المضروبة ، وكذا قوله تعالى : « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ » : ( العنكبوت : ـ ٥ ) وقال تعالى في قصة موسى وشعيب : « قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ـ إلى أن قال ـ قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ » : ( القصص ـ ٢٨ ) وهو الأجل بمعنى تمام المدة المضروبة.





والظاهر أن الأجل بمعنى آخر المدة فرع الأجل بمعنى تمام المدة استعمالا أي أنه استعمل كثيرا « الأجل المقضي » ثم حذف الوصف واكتفي بالموصوف فأفاد الأجل معنى الأجل المقضي ، قال الراغب في مفرداته : يقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان « أجل » فيقال : دنا أجله عبارة عن دنو الموت ، وأصله استيفاء الأجل ، انتهى.
وكيف كان فظاهر كلامه تعالى أن المراد بالأجل والأجل المسمى هو آخر مدة الحياة لإتمام المدة كما يفيده قوله : « فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ » الآية.
فتبين بذلك أن الأجل أجلان : الأجل على إبهامه ، والأجل المسمى عند الله تعالى. وهذا هو الذي لا يقع فيه تغير لمكان تقييده بقوله « عِنْدَهُ » وقد قال تعالى : « وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ » : ( النحل : ـ ٩٦ ) وهو الأجل المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل قال تعالى : « إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » : ( يونس : ٤٩ ).
فنسبة الأجل المسمى إلى الأجل غير المسمى نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلق فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلق عن التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علق عليه بخلاف المطلق المنجز فإنه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة.
والتدبر في الآيات السابقة منضمة إلى قوله تعالى : « لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ، يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » : ( الرعد : ٣٩ ) يفيد أن الأجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب ، وغير المسمى من الأجل هو المكتوب فيما نسميه بلوح المحو والإثبات ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن أم الكتاب قابل الانطباق على الحوادث الثابتة في العين أي الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب العامة التي لا تتخلف عن تأثيرها ، ولوح المحو والإثبات قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربما نسميها بالمقتضيات التي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها.
واعتبر ما ذكر من أمر السبب التام والناقص بمثال إضاءة الشمس فإنا نعلم أن هذه الليلة ستنقضي بعد ساعات وتطلع علينا الشمس فتضيء وجه الأرض لكن يمكن أن يقارن ذلك بحيلولة سحابة أو حيلولة القمر أو أي مانع آخر فتمنع من الإضاءة ، وأما إذا كانت الشمس فوق الأفق ولم يتحقق أي مانع مفروض بين الأرض وبينها فإنها تضيء وجه الأرض لا محالة.





فطلوع الشمس وحده بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة لوح المحو والإثبات ، وطلوعها مع حلول وقته وعدم أي حائل مفروض بينها وبين الأرض بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ.
فالتركيب الخاص الذي لبنية هذا الشخص الإنساني مع ما في أركانه من الاقتضاء المحدود يقتضي أن يعمر العمر الطبيعي الذي ربما حددوه بمائة أو بمائة وعشرين سنة وهذا هو المكتوب في لوح المحو والإثبات مثلا غير أن لجميع أجزاء الكون ارتباطا وتأثيرا في الوجود الإنساني فربما تفاعلت الأسباب والموانع التي لا نحصيها تفاعلا لا نحيط به فأدى إلى حلول أجله قبل أن ينقضي الأمد الطبيعي ، وهو المسمى بالموت الاخترامي.
وبهذا يسهل تصور وقوع الحاجة بحسب ما نظم الله الوجود إلى الأجل المسمى وغير المسمى جميعا ، وأن الإبهام الذي بحسب الأجل غير المسمى لا ينافي التعين بحسب الأجل المسمى ، وأن الأجل غير المسمى والمسمى ربما توافقا وربما تخالفا والواقع حينئذ هو الأجل المسمى البتة.
هذا ما يعطيه التدبر في قوله : « ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » وللمفسرين تفسيرات غريبة للأجلين الواقعين في الآية :
منها : أن المراد بالأجل الأول ما بين الخلق والموت والثاني ما بين الموت والبعث ، ، ذكره عدة من الأقدمين وربما روي عن ابن عباس.
ومنها : أن الأجل الأول أجل أهل الدنيا حتى يموتوا ، والثاني أجل الآخرة الذي لا آخر له ، ونسب إلى المجاهد والجبائي وغيرهما.
ومنها : أن الأجل الأول أجل من مضى ، والثاني أجل من بقي من سيأتي ، ونسب إلى أبي مسلم.
ومنها : أن الأجل الأول النوم ، والثاني الموت.
ومنها : أن المراد بالأجلين واحد ، وتقدير الآية الشريفة : ثم قضى أجلا وهذا أجل مسمى عنده.
ولا أرى الاشتغال بالبحث عن صحة هذه الوجوه وأشباهها وسقمها يسوغه





الوقت على ضيقه ، ولا يسمح بإباحته العمر على قصره.
قوله تعالى : « ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ » من المرية بمعنى الشك والريب ، وقد وقع في الآية التفات من الغيبة إلى الحضور ، وكأن الوجه فيه أن الآية الأولى تذكر خلقا وتدبيرا عاما ينتج من ذلك أن الكفار ما كان ينبغي لهم أن يعدلوا بالله سبحانه غيره ، وكان يكفي في ذلك ذكرهم بنحو الغيبة لكن الآية الثانية تذكر الخلق والتدبير الواقعين في الإنسان خاصة فكان من الحري الذي يهيج المتكلم المتعجب اللائم أن يواجههم بالخطاب ويلومهم بالتجبيه كأنه يقول : هذا خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور عذرناكم في الغفلة عن حكمه لكون ذلك أمرا عاما ربما أمكن الذهول عما يقتضيه فما عذركم أنتم في امترائكم فيه وهو الذي خلقكم وقضى فيكم أجلا وأجل مسمى عنده؟.
قوله تعالى : « وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ » الآيتان السابقتان تذكران الخلق والتدبير في العوالم عامة وفي الإنسان خاصة ، ويكفي ذلك في التنبه على أن الله سبحانه هو الإله الواحد الذي لا شريك له في خلقه وتدبيره.
لكنهم مع ذلك أثبتوا آلهة أخرى وشفعاء مختلفة لوجوه التدبير المختلفة كإله الحياة وإله الرزق وإله البر وإله البحر وغير ذلك ، وكذا للأنواع والأقوام والأمم المتشتتة كإله السماء وإله هذه الطائفة وإله تلك الطائفة فنفى ذلك بقوله : « وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ».
فالآية نظيرة قوله : « وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ » ( الزخرف : ٨٤ ) مفادها انبساط حكم ألوهيته تعالى في السماوات وفي الأرض من غير تفاوت أو تحديد ، وهي إيضاح لما تقدم وتمهيد لما يتلوها من الكلام.
قوله تعالى : « يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ » السر والجهر متقابلان وهما وصفان للأعمال ، فسرهم ما عملوه سرا وجهرهم ما عملوه جهرا من غير ستر.
وأما ما يكسبون فهو الحال النفساني الذي يكسبه الإنسان بعمله السري والجهري من حسنة أو سيئة فالسر والجهر المذكوران ـ كما عرفت ـ وصفان صوريان لمتون الأعمال الخارجية ، وما يكسبونه حال روحي معنوي قائم بالنفوس فهما مختلفان بالصورية





والمعنوية ، ولعل اختلاف المعلومين من حيث نفسهما هو الموجب لتكرار ذكر العلم في قوله : « يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ ».

والآية كالتمهيد لما ستتعرض له من أمر الرسالة والمعاد فإن الله سبحانه لما كان عالما بما يأتي به الإنسان من عمل سرا أو جهرا ، وكان عالما بما يكسبه لنفسه بعمله من خير أو شر ، وكان إليه زمام التربية والتدبير كان له أن يرسل رسولا بدين يشرعه لهداية الناس على الرغم مما يصر عليه الوثنيون من الاستغناء عن النبوة كما قال تعالى : « إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى » : ( الليل : ١٢ ).

وكذا هو تعالى لما كان عالما بالأعمال وبتبعاتها في نفس الإنسان كان عليه أن يحاسبهم في يوم لا يغادر منهم أحدا كما قال تعالى : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » : ( ـ ص : ٢٨ ).

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:11 PM
( بحث روائي )


في الكافي ، بإسناده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن سورة الأنعام نزلت جملة ، شيعها سبعون ألف ملك حتى أنزلت على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فعظموها وبجلوها ـ فإن اسم الله عز وجل فيها في سبعين موضعا ، ولو يعلم الناس ما في قراءتها ما تركوها :

أقول : ورواه العياشي عنه عليه‌السلام مرسلا.

وفي تفسير القمي ، قال حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه‌السلام قال : نزلت الأنعام جملة واحدة ، يشيعها سبعون ألف ملك ـ لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها استغفروا له إلى يوم القيامة.

أقول : ورواه في المجمع ، أيضا عن الحسين بن خالد عنه عليه‌السلام : إلا أنه قال سبحوا له إلى يوم القيامة.

وفي تفسير العياشي ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن سورة


الأنعام نزلت جملة واحدة ـ وشيعها سبعون ألف ملك حين أنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فعظموها وبجلوها ـ فإن اسم الله عز وجل فيها سبعين موضعا ، ولو يعلم الناس ما في قراءتها من الفضل ما تركوها ، الحديث.
وفي جوامع الجامع ، للطبرسي قال : في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنزلت علي الأنعام جملة واحدة ـ يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد فمن قرأها صلى عليه أولئك السبعون ألف ملك ـ بعدد كل آية من الأنعام يوما وليلة.
أقول : ورواه في الدر المنثور ، عنه بعدة طرق.
وفي الكافي ، بإسناده عن ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الله خلق الجنة قبل أن يخلق النار ، وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية ، وخلق الرحمة قبل الغضب ، وخلق الخير قبل الشر ـ وخلق الأرض قبل السماء ، وخلق الحياة قبل الموت ، وخلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل الظلمة.
أقول : خلق النور قبل الظلمة بالنظر إلى كون الظلمة عدميا مضافا إلى النور ظاهر المعنى ، وأما نسبة الخلق إلى الطاعة والمعصية فليس يلزم منها بطلان الاختيار فإن بطلانه يستلزم بطلان نفس الطاعة والمعصية فلا تبقى لنسبتهما إلى الخلق وجه صحة بل المراد كونه تعالى يملكهما كما يملك كل ما وقع في ملكه ، وكيف يمكن أن يقع في ملكه ما هو خارج عن إحاطته وسلطانه ومنعزل عن مشيته وإذنه.؟
ولا دليل على انحصار الخلق في الإيجاد والصنع الذي لا واسطة فيه حتى يكون تعالى مستقلا بإيجاد كل ما نسب خلقه إليه فيكون إذا قيل : إن الله خلق العدل أو القتل مثلا أنه أبطل إرادة الإنسان العادل أو القاتل ، واستقل هو بالعدل والقتل بإذهاب الواسطة من البين فافهم ذلك ، وقد تقدم استيفاء البحث عن هذا المعنى في الجزء الأول من الكتاب.
وبنظير البيان يتبين معنى نسبة الخلق إلى الخير والشر أيضا ، سواء كانا خيرا وشرا في الأمور التكوينية أو في الأفعال.
وأما كون الطاعة مخلوق قبل المعصية ، وكذا الخير قبل الشر فيجري أيضا في



بيانه نظير ما تقدم من بيان كون النور قبل الظلمة من أن النسبة بينهما نسبة العدم والملكة ، والعدم يتوقف في تحققه على الملكة ويظهر به أن خلق الحياة قبل الموت.
وبذلك يتبين أن خلق الرحمة قبل الغضب فإن الرحمة متعلقة بالطاعة والخير والغضب متعلق بالمعصية والشر ، والطاعة والخير قبل المعصية والشر.
وأما خلق الأرض قبل السماء فيدل عليه قوله تعالى : « خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ » : ( حم السجدة : ١٢ ).
وأما كون خلق الشمس قبل القمر فليس كل البعيد أن يستفاد من قوله تعالى : « وَالشَّمْسِ وَضُحاها ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها » : ( الشمس : ٢ ) وقد رجحت الأبحاث الطبيعية اليوم أن الأرض مشتقة من الشمس والقمر مشتق من الأرض.
وفي تفسير العياشي ، عن جعفر بن أحمد عن العمركي بن علي عن العبيدي عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : لكل صلاة وقتان ، ووقت يوم الجمعة زوال الشمس ثم تلا هذه الآية : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ـ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ » ـ قال : يعدلون بين الظلمات والنور وبين الجور والعدل.
أقول : وهذا معنى آخر للآية ، وبناؤه على جعل قوله : « بِرَبِّهِمْ » متعلقا بقوله « كَفَرُوا » دون « يَعْدِلُونَ ».
وفي الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألت عن قول الله عز وجل « قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » قال : هما أجلان أجل محتوم وأجل موقوف.
وفي تفسير العياشي ، عن حمران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : « قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى » قال : فقال هما أجلان ـ أجل موقوف يصنع الله ما يشاء ، وأجل محتوم.
وفي تفسير العياشي ، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوله : « ثُمَ



قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » ـ قال : الأجل الذي غير مسمى موقوف يقدم منه ما شاء ، وأما الأجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد ـ أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها ـ قال : فذلك قول الله : « فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ».
وفيه ، عن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : « أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » قال : المسمى ما سمي لملك الموت في تلك الليلة ، وهو الذي قال الله « فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » وهو الذي سمي لملك الموت في ليلة القدر ، والآخر له فيه المشية إن شاء قدمه ، وإن شاء أخره.
أقول : وفي هذا المعنى غيرها من الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام ، والذي يدل عليه من معنى الأجل المسمى وغيره هو الذي تقدمت استفادته من الآيات الكريمة.
وفي تفسير علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه ، والمسمى هو الذي فيه البداء ـ يقدم ما يشاء ويؤخر ما شاء ، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير.
أقول : وقد غلط بعض من في طريق الرواية فعكس المعنى وفسر كلا من المسمى وغيره بمعنى الآخر. على أن الرواية لا تتعرض لتفسير الآية فلا كثير ضير في قبولها.
وفي تفسير العياشي ، عن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوله : « قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » قال : ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الأجل الأول هو ما نبذه إلى الملائكة والرسل والأنبياء ، والأجل المسمى عنده هو الذي ستره الله عن الخلائق.
أقول : ومضمون الرواية ينافي ما تقدمت من الروايات ظاهرا ، ولكن من الممكن أن يستفاد من قوله : « نبذه » أن المراد أنه تعالى أعطاهم الأصل الذي تستنبط منه الآجال غير المسماة وأما الأجل المسمى فلم يسلط أحدا على علمه بمعنى أن ينبذ إليه نورا يكشف به كل أجل مسمى إذا أريد ذلك ، وإن كان تعالى يسميه لملك الموت أو لأنبيائه ورسله إذا شاء ، وذلك كالغيب يختص علمه به تعالى ، وهو مع ذلك يكشف عن شيء منه لمن ارتضاه من رسول إذا شاء ذلك.



وفي تفسير البرهان ، عن ابن بابويه بإسناده عن مثنى الحناط عن أبي جعفر ـ أظنه محمد بن النعمان ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ » قال : كذلك هو في كل مكان ، قلت : بذاته؟ قال : ويحك إن الأماكن أقدار ـ فإذا قلت : في مكان بذاته ـ لزمك أن تقول : في أقدار وغير ذلك.

ولكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق علما ـ وقدرة وإحاطة وسلطانا ـ وليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء ، ولا يبعد منه شيء ، والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإرادة.

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:13 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥) ).



( بيان )



أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌ وآله أن يعوذ بالله من كل شر ومن بعضه خاصة والسورة مدنية على ما يظهر مما ورد في سبب نزولها.

قوله تعالى : « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » العوذ هو الاعتصام والتحرز من الشر بالالتجاء إلى من يدفعه ، والفلق بالفتح فالسكون الشق والفرق ، والفلق بفتحتين صفة مشبهة بمعنى المفعول كالقصص بمعنى المقصوص ، والغالب إطلاقه على الصبح لأنه المشقوق من الظلام ، وعليه فالمعنى أعوذ برب الصبح الذي يفلقه ويشقه ومناسبة هذا التعبير للعوذ من الشر الذي يستر الخير ويحجب دونه ظاهر.

وقيل : المراد بالفلق كل ما يفطر ويفلق عنه بالخلق والإيجاد فإن في الخلق والإيجاد شقا للعدم وإخراجا للموجود إلى الوجود فيكون مساويا للمخلوق ، وقيل هو جب في جهنم ويؤيده بعض الروايات.

قوله تعالى : « مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ » أي من شر من يحمل شرا من الإنس والجن والحيوانات وسائر ما له شر من الخلق فإن اشتمال مطلق ما خلق على الشر لا يستلزم الاستغراق.

قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ » في الصحاح : الغسق أول ظلمة الليل وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم والغاسق الليل إذا غاب الشفق. انتهى ، والوقوب الدخول فالمعنى ومن شر الليل إذا دخل بظلمته. ونسبة الشر إلى الليل إنما هي لكونه بظلمته يعين




الشرير في شره لستره عليه فيقع فيه الشر أكثر مما يقع منه بالنهار ، والإنسان فيه أضعف منه في النهار تجاه هاجم الشر ، وقيل : المراد بالغاسق كل هاجم يهجم بشره كائنا ما كان.
وذكر شر الليل إذا دخل بعد ذكر شر ما خلق من ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام وقد اهتم في السورة بثلاثة من أنواع الشر خاصة هي شر الليل إذا دخل وشر سحر السحرة وشر الحاسد إذا حسد لغلبة الغفلة فيهن.
قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أي النساء الساحرات اللاتي يسحرن بالعقد على المسحور وينفثن في العقد. وخصت النساء بالذكر لأن السحر كان فيهن ومنهم أكثر من الرجال ، وفي الآية تصديق لتأثير السحر في الجملة ، ونظيرها قوله تعالى : في قصة هاروت وماروت « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ » البقرة : ١٠٢ ونظيره ما في قصة سحرة فرعون.
وقيل : المراد بالنفاثات في العقد النساء اللاتي يملن آراء أزواجهن إلى ما يرينه ويردنه فالعقد هو الرأي والنفث في العقد كناية عن حله ، وهو بعيد.
قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ » أي إذا تلبس بالحسد وعمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه.
وقيل : الآية تشمل العائن فعين العائن نوع حسد نفساني يتحقق منه إذا عاين ما يستكثره ويتعجب منه.








( بحث روائي )


في الدر المنثور ، أخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال : سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل من اليهود فاشتكى ـ فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال : إن رجلا من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان ـ فأرسل عليا فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ـ فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كأنما نشط من عقال.
أقول : وعن كتاب طب الأئمة ، بإسناده إلى محمد بن سنان عن المفضل عن الصادق عليه‌السلام : مثله وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق أهل السنة باختلاف يسيرة ، وفي غير واحد منها أنه أرسل مع علي عليه‌السلام زبيرا وعمارا وفيه روايات أخرى أيضا من طرق أئمة أهل البيت عليه‌السلام.
وما استشكل به بعضهم في مضمون الروايات أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مصونا من تأثير السحر كيف؟ وقد قال الله تعالى : « وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ


كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً » الفرقان : ٩.
يدفعه أن مرادهم بالمسحور والمجنون بفساد العقل بالسحر وأما تأثره عن السحر بمرض يصيبه في بدنه ونحوه فلا دليل على مصونيته منه.
وفي المجمع ، وروي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كثيرا ما ـ يعوذ الحسن والحسين عليه‌السلام بهاتين السورتين.
وفيه ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنزلت علي آيات لم ينزل مثلهن المعوذتان ، أورده في الصحيح.
أقول : وأسندها في الدر المنثور ، إلى الترمذي والنسائي وغيرهما أيضا ، وروي ما في معناه أيضا عن الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود ، ولعل المراد من عدم نزول مثلهن أنهما في العوذة فقط ولا يشاركهما في ذلك غيرهما من السور.
وفي الدر المنثور ، أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ـ إنهما ليستا من كتاب الله ـ إنما أمر النبي أن يتعوذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما.
أقول : ثم قال السيوطي قال البزار : ولم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قرأ بهما في الصلاة وقد أثبتنا في المصحف انتهى.
وفي تفسير القمي ، بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ـ إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف. فقال : كان أبي يقول : إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه ـ وهو [ هماظ ] من القرآن.
أقول : وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين على أن هناك تواترا قطعيا من عامة المنتحلين بالإسلام على كونهما من القرآن ، وقد استشكل بعض المنكرين لإعجاز القرآن أنه لو كان معجزا في بلاغته لم يختلف في كون السورتين من القرآن مثل ابن مسعود ، وأجيب بأن التواتر القطعي كاف في ذلك على أنه لم ينقل عنه أحد أنه قال بعدم نزولهما على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قال بعدم كونهما معجزتين في بلاغتهما بل قال بعدم كونهما جزء من القرآن وهو محجوج بالتواتر.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الفلق جب في جهنم مغطى.
أقول : وفي معناه غير واحد من الروايات في بعضها : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : باب في النار إذ





فتح سعرت جهنم : رواه عقبة بن عامر ، وفي بعضها : بئر في جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر ، رواه عمرو بن عنبسة إلى غير ذلك.

وفي المجمع ، وقيل : الفلق جب في جهنم ـ يتعوذ أهل جهنم من شدة حره : عن السدي ورواه أبو حمزة الثمالي وعلي بن إبراهيم في تفسيرهما.

وفي تفسير القمي ، عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كاد الفقر أن يكون كفرا ـ وكاد الحسد أن يغلب القدر.

أقول : الرواية مروية بلفظها عن أنس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي العيون ، بإسناده عن السلطي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كاد الحسد أن يسبق القدر.

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الحسد ليأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:14 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) ).


( بيان )


السورة تصفه تعالى بأحدية الذات ورجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وهو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإسلامية.
وقد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتى ورد من طرق الفريقين أنها تعدل ثلث القرآن كما سيجيء إن شاء الله.
والسورة تحتمل المكية والمدنية ، والظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنها مكية.
قوله تعالى : « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » هو ضمير الشأن والقصة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له ، والحق أن لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربية كما أن له في غيرها من اللغات اسما خاصا به ، وقد تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة.
وأحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا ولا ذهنا ولذلك لا يقبل العد ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانيا وثالثا إما خارجا وإما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا ، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شيء.
واعتبر ذلك في قولك : ما جاءني من القوم أحد فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم وأكثر كما تنفي مجيء واحد منهم بخلاف ما لو قلت : ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد ولا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر ، ولإفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإيجاب مطلقا إلا فيه تعالى ومن لطيف البيان في هذا الباب قول
علي عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى : كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وقد أوردنا طرفا من كلامه عليه‌السلام في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب.
قوله تعالى : « اللهُ الصَّمَدُ » الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال : صمده يصمده صمدا من باب نصر أي قصده أو قصده معتمدا عليه ، وقد فسروا الصمد ـ وهو صفة ـ بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج ، وإذا أطلق في الآية ولم يقيد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإطلاق.
وإذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يحتاج إليه فيقصده كل ما صدق عليه أنه شيء غيره ، في ذاته وصفاته وآثاره قال تعالى : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » الأعراف : ٥٤ وقال وأطلق : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » النجم : ٤٢ فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئا إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.
ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وأنه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإطلاق ، وهذا بخلاف أحد في قوله « اللهُ أَحَدٌ » فإن أحدا بما يفيده من معنى الوحدة الخاصة لا يطلق في الإثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر.
وأما إظهار اسم الجلالة ثانيا حيث قيل : « اللهُ الصَّمَدُ » ولم يقل : هو الصمد ، ولم يقل : الله أحد صمد فالظاهر أن ذلك للإشارة إلى كون كل من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إن المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختص به فقيل : الله أحد الله الصمد إشارة إلى أن المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا.
والآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات وصفة الفعل جميعا فقوله : « اللهُ أَحَدٌ » يصفه بالأحدية التي هي عين الذات ، وقوله : « اللهُ الصَّمَدُ » يصفه بانتهاء كل شيء إليه وهو من صفات الفعل.
وقيل : الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد وعلى هذا يكون قوله : « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ » تفسيرا للصمد.
قوله تعالى : « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئا بتجزيه في نفسه فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى أريد من الانفصال


والاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح عليه‌ السلام إنه ابن الله وكما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه.
وتنفيان عنه أن يكون متولدا من شيء آخر ومشتقا منه بأي معنى أريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية ففي آلهتهم من هو إله أبو إله ومن هو آلهة أم إله ومن هو إله ابن إله.
وتنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله (١) وهو الإيجاد والتدبير ولم يقل أحد من المليين وغيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدد واجب الوجود عز اسمه ، وأما الكفؤ في فعله وهو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنية من البشر كفرعون ونمرود من المدعين للألوهية وملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون ألوهيته في تدبير ما فوض إليه تدبيره كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره وهم الأرباب والآلهة وهو رب الأرباب وإله الآلهة.
وفي معنى كفاءة هذا النوع من الإله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى وهو محتاج من كل جهة والآية تنفيها.
وهذه الصفات الثلاث المنفية وإن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته.
أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي والتبعض بأي معنى فسرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد ، وحاجة المركب إلى أجزائه ضرورية والله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته ولا حاجة له ، وأما كونه لم يولد فإن تولد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده وهو سبحانه صمد لا حاجة له ، وأما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفوا له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة والله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.
فقد تبين أن ما في الآيتين من النفي متفرع على صمديته تعالى ومآل ما ذكر من صمديته تعالى وما يتفرع عليه إلى إثبات توحده تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله بمعنى أنه واحد لا يناظره شيء ولا يشبهه فذاته تعالى بذاته ولذاته من غير استناد إلى غيره واحتياج إلى من سواه وكذا صفاته وأفعاله ، وذوات من سواه وصفاتهم وأفعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه وعظمته فمحصل السورة وصفه تعالى بأنه أحد واحد.
__________________
(١) لم نذكر الصفة لأنها إما صفة الذات فهي عين الذات وإما صفة الفعل منتزعة عن الفعل ، منه.


ومما قيل في الآية إن المراد بالكفؤ الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله : « تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً » وهو كما ترى.

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:14 PM
( بحث روائي )


في الكافي ، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن اليهود سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : انسب لنا ربك فلبث ثلاثا لا يجيبهم ـ ثم نزلت « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » إلى آخرها.
أقول : وفي الاحتجاج ، عن العسكري عليه‌السلام : إن السائل عبد الله بن صوريا اليهودي ، وفي بعض روايات أهل السنة : أن السائل عبد الله بن سلام سأله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك بمكة ـ ثم آمن وكتم إيمانه ، وفي بعضها أن أناسا من اليهود سألوه ذلك ، وفي غير واحد من رواياتهم : أن مشركي مكة سألوه ذلك ، وكيف كان فالمراد بالنسبة النعت والوصف.
وفي المعاني ، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه‌السلام في حديث : نسبة الله عز وجل قل هو الله.
وفي العلل ، بإسناده عن الصادق عليه‌السلام في حديث المعراج : أن الله قال له أي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت ـ فإنها نسبتي ونعتي.
أقول : وروي أيضا بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام ما في معناه.
وفي الدر المنثور ، أخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال قل هو الله أحد ثلث القرآن.
أقول : وقد تكاثرت الروايات من طرقهم في هذا المعنى رووه عن عدة من الصحابة كابن عباس وقد مر وأبي الدرداء وابن عمر وجابر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن أنس وأبي أيوب وأبي أمامة وغيرهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورد أيضا في عدة من الروايات عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام ، وقد وجهوا كون السورة تعدل ثلث القرآن بوجوه مختلفة أعدلها أن ما في القرآن من المعارف تنحل إلى الأصول الثلاثة : التوحيد والنبوة والمعاد والسورة تتضمن واحدا من الثلاثة وهو التوحيد.
وفي التوحيد ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : رأيت الخضر عليه‌السلام في المنام قبل بدر بليلة ـ فقلت له : علمني شيئا أنصر به على الأعداء ـ فقال : قل : يا هو يا من لا هو إلا هو ـ فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال لي : يا علي علمت الاسم الأعظم ـ فكان على
لساني يوم بدر.


وإن أمير المؤمنين عليه‌السلام قرأ قل هو الله أحد ـ فلما فرغ قال : يا هو يا من لا هو إلا هو ـ اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين.
وفي نهج البلاغة : الأحد لا بتأويل عدد.
أقول : ورواه في التوحيد ، عن الرضا عليه‌السلام ولفظه : أحد لا بتأويل عدد.
وفي أصول الكافي ، بإسناده عن داود بن القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : ما الصمد؟ قال عليه‌السلام : السيد المصمود إليه في القليل والكثير.
أقول : وفي تفسير الصمد معان أخر مروية عنهم عليه‌السلام فعن الباقر عليه‌السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه ، وعن الحسين عليه‌السلام : الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي لا ينام ، والصمد الذي لم يزل ولا يزال ، وعن السجاد عليه‌السلام : الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء ـ فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ـ وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.
والأصل في معنى الصمد هو الذي رويناه عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام لما في مادته لغة في معنى القصد فالمعاني المختلفة المنقولة عنهم عليه‌السلام من التفسير يلازم المعنى فإن المعاني المذكورة لوازم كونه تعالى مقصودا يرجع إليه كل شيء في كل حاجة فإليه ينتهي الكل من دون أن تتحقق فيه حاجة.
وفي التوحيد ، عن وهب بن وهب القرشي عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليه‌السلام ـ يسألونه عن الصمد فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ـ فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ـ ولا تتكلموا فيه بغير علم ـ فقد سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من قال في القرآن بغير علم ـ فليتبوأ مقعده من النار ، وإن الله سبحانه فسر الصمد فقال : الله أحد الله الصمد ثم فسره فقال : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وفيه ، بإسناده إلى ابن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه قال : واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد ـ لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك.
وفيه ، في خطبة أخرى لعلي عليه‌السلام : الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ـ ولم يلد فيكون موروثا هالكاً.




وفيه ، في خطبة له عليه‌السلام : تعالى أن يكون له كفؤ فيشبه به.
أقول : وفي المعاني المتقدمة روايات أخرى.

منتظر العسكري
13-12-2014, 08:16 PM
( كلام حول النفاق في صدر الإسلام )


يهتم القرآن بأمر المنافقين اهتماما بالغا ويكر عليهم كرة عنيفة بذكر مساوي أخلاقهم وأكاذيبهم وخدائعهم ودسائسهم والفتن التي أقاموها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى المسلمين ، وقد تكرر ذكرهم في السور القرآنية كسورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والعنكبوت والأحزاب والفتح والحديد والحشر والمنافقون والتحريم.
وقد أوعدهم الله في كلامه أشد الوعيد ففي الدنيا بالطبع على قلوبهم وجعل الغشاوة
على سمعهم وعلى أبصارهم وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي الآخرة بجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وليس ذلك إلا لشدة المصائب التي أصابت الإسلام والمسلمين من كيدهم ومكرهم وأنواع دسائسهم فلم ينل المشركون واليهود والنصارى من دين الله ما نالوه ، وناهيك فيهم قوله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليهم : « هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ » المنافقون : ٤.
وقد ظهر آثار دسائسهم ومكائدهم أوائل ما هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فورد ذكرهم في سورة البقرة وقد نزلت ـ على ما قيل ـ على رأس ستة أشهر من الهجرة ثم في السور الأخرى النازلة بعد بالإشارة إلى أمور من دسائسهم وفنون من مكائدهم كانسلالهم من الجند الإسلامي يوم أحد وهم ثلثهم تقريبا ، وعقدهم الحلف مع اليهود واستنهاضهم على المسلمين وبنائهم مسجد الضرار وإشاعتهم حديث الإفك ، وإثارتهم الفتنة في قصة السقاية وقصة العقبة إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات حتى بلغ أمرهم في الإفساد وتقليب الأمور على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حيث هددهم الله بمثل قوله : « لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً » الأحزاب : ٦١.
وقد استفاضت الأخبار وتكاثرت في أن عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين وهم الذين كانوا يقلبون الأمور على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتربصون به الدوائر وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم أحد فانمازوا منهم ورجعوا إلى المدينة قائلين لو نعلم قتالا لاتبعناكم وهم عبد الله بن أبي وأصحابه.
ومن هنا ذكر بعضهم أن حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة واستمرت إلى قرب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
هذا ما ذكره جمع منهم لكن التدبر في حوادث زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة والاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعالة يقضي عليه بالنظر :
أما أولا : فلا دليل مقنعا على عدم تسرب النفاق في متبعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمنين بمكة قبل الهجرة ، وقول القائل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين بمكة قبل الهجرة لم يكونوا من القوة ونفوذ الأمر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس ويتقوهم أو يرجوا منهم خيرا حتى يظهروا لهم الإيمان ظاهرا ويتقربوا منهم بالإسلام ، وهم مضطهدون مفتنون معذبون


بأيدي صناديد قريش ومشركي مكة المعادين لهم المعاندين للحق بخلاف حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة بعد الهجرة فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله هاجر إليها وقد كسب أنصارا من الأوس والخزرج واستوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنه كما يدفعون عن أنفسهم وأهليهم ، وقد دخل الإسلام في بيوت عامتهم فكان مستظهرا بهم على العدة القليلة الذين لم يؤمنوا به وبقوا على شركهم ولم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم ويظهروا شركهم فتوقوا الشر بإظهار الإسلام فآمنوا به ظاهرا وهم على كفرهم باطنا فدسوا الدسائس ومكروا ما مكروا.
غير تام ، فما القدرة والقوة المخالفة المهيبة ورجاء الخير بالفعل والاستدرار المعجل علة منحصرة للنفاق حتى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها فكثيرا ما نجد في المجتمعات رجالا يتبعون كل داع ويتجمعون إلى كل ناعق ولا يعبئون بمخالفة القوى المخالفة القاهرة الطاحنة ، ويعيشون على خطر مصرين على ذلك رجاء أن يوفقوا يوما لإجراء مرامهم ويتحكموا على الناس باستقلالهم بإدارة رحى المجتمع والعلو في الأرض وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يذكر في دعوته لقومه أن لو آمنوا به واتبعوه كانوا ملوك الأرض.
فمن الجائز عقلا أن يكون بعض من آمن به يتبعه في ظاهر دينه طمعا في البلوغ بذلك إلى أمنيته وهي التقدم والرئاسة والاستعلاء ، والأثر المترتب على هذا النوع من النفاق ليس هو تقليب الأمور وتربص الدوائر على الإسلام والمسلمين وإفساد المجتمع الديني بل تقويته بما أمكن وتفديته بالمال والجاه لينتظم بذلك الأمور ويتهيأ لاستفادته منه واستدراره لنفع شخصه. نعم يمكر مثل هذا المنافق بالمخالفة والمضادة فيما إذا لاح من الدين مثلا ما يخالف أمنية تقدمه وتسلطه إرجاعا للأمر إلى سبيل ينتهي إلى غرضه الفاسد.
وأيضا من الممكن أن يكون بعض المسلمين يرتاب في دينه فيرتد ويكتم ارتداده كما مرت الإشارة إليه في قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا » الآية ، وكما يظهر من لحن مثل قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ » المائدة : ٥٤.
وأيضا الذين آمنوا من مشركي مكة يوم الفتح لا يؤمن أكثرهم أن لا يؤمنوا إيمان صدق وإخلاص ومن البديهي عند من تدبر في حوادث سني الدعوة أن كفار مكة وما والاها وخاصة صناديد قريش ما كانوا ليؤمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا سواد جنود غشيتهم وبريق


سيوف مسلطة فوق رءوسهم يوم الفتح وكيف يمكن مع ذلك القضاء بأنه حدث في قلوبهم والظرف هذا الظرف نور الإيمان وفي نفوسهم الإخلاص واليقين فآمنوا بالله طوعا عن آخرهم ولم يدب فيهم دبيب النفاق أصلا.
وأما ثانيا : فلأن استمرار النفاق إلى قرب رحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانقطاعه عند ذلك ممنوع نعم انقطع الخبر عن المنافقين بالرحلة وانعقاد الخلافة وانمحى أثرهم فلم يظهر منهم ما كان يظهر من الآثار المضادة والمكائد والدسائس المشئومة.
فهل كان ذلك لأن المنافقين وفقوا للإسلام وأخلصوا الإيمان عن آخرهم برحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأثرت قلوبهم من موته ما لم يتأثر بحياته؟ أو أنهم صالحوا أولياء الحكومة الإسلامية على ترك المزاحمة بأن يسمح لهم ما فيه أمنيتهم مصالحة سرية بعد الرحلة أو قبلها؟ أو أنه وقع هناك تصالح اتفاقي بينهم وبين المسلمين فوردوا جميعا في مشرعة سواء فارتفع التصاك والتصادم.؟
ولعل التدبر الكافي في حوادث آخر عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والفتن الواقعة بعد رحلته يهدي إلى الحصول على جواب شاف لهذه الأسئلة.
والذي أوردناه في هذا الفصل إشارة إجمالية إلى سبيل البحث.