شجون الزهراء
23-11-2014, 01:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الاختيار حقيقة مسلّمة
إنّ اختيار الإنسان، وحريّة إرادته، حقيقة مسلّمةٌ وواضحةٌ، وفي مقدور كلّ أحَد أن يُدركَه، ويقف عليه من طُرُق مختلِفة نشير إليها فيما يأتي:
ألف : إنّ وجدان كُلّ شخص يشهَد بأنّه قادرٌ ـ في قراراته ـ على أن يختارَ أحدَ الطرفين: الفعلَ أو التركَ، ولو أنّ أحداً تردّد في هذا الإدراك البديهي وجب أن لا يقبل أيَّة حقيقة بديهية أيضاً.
ب : إنَّ المدحَ والقدحَ للأشخاص المختلفين في كلّ المجتمعات البشرية الدينيّة وغير الدينيّة، علامةٌ على أَن المادحَ أو القادحَ اعتبر الممدوح، أو المقدوحَ فيه ، مختاراً في فعلهِ، وإلاّ لَما كانَ المدحُ والقدح منطقياً، ولا مُبرَّراً.
ج : إذا تَجاهَلنا اختيارَ الإنسان وحرّية إرادته، كان التشريعُ أمْراً لَغواً وغيرَ مفيد أيضاً، لأنّ الإنسانَ إذا كان مضطراً على سلوك دون اختياره، بحيث لا يمكنه تجاوزه، والخروجَ عنه، لم يكن للأمرِ والنهي والوَعد والوعيد، ولا الثواب والعقاب أيُّ مَعنى.
د : نَحنُ نرى طوالَ التاريخ البشري أشخاصاً أقدَموا على إصلاح الفردِ، أو المجتمع البشري وبذَلوا جهوداً في هذا السبيل فَحَصَلُوا على نتائجها وثمارها.
إنّ مِنَ البَدِيهي أنّ تحقّق هذه النتائج لا يتناسب مع كون الإنسان مجبوراً، لأنّه مع هذا الفَرض تكونُ كلُ تلك الجهود لاغيةً وغيرَ منتجة.
إنَّ هذه الشواهدَ الأربعةَ تؤكّدُ مبدأَ الاختيار، وحرية الإرادة، وتجعله حقيقة لا تقبل الشك والترديد.
على أنّنا يجب أن لا نستنتج من مبدأ حرية الإنسان وكونه مختاراً أن الإنسان متروكٌ لحالهِ، وأن إرادته مطلقةُ العنان، وأنّه ليس لله أيّ تأثير في فعله، لأنّ مثل هذه العقيدة التي تعني التفويض تنافي أصل احتياج الإنسان الدائم إلى الله، كما أنّ ذلك يحدّد دائرةَ القُدرة والخالقية الإلهيّتين، ويقيّدهما، بل حقيقة الأمر هي على النحو الذي سيأتي بيانهُ في الأصل التالي.
لاجبر ولاتفويض بل أمر بين أمرين
بعد وَفاة النبيّ الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ طُرحَت مسائل خاصّة في المجتمع الإسلامي منها مسألة كيفية صدورِ الفِعل من الإنسان .
فقد ذَهَبَ فريق إلى اختيار عقيدةِ الجبر، وقالوا بأنَّ الإنسان فاعلٌ مجبور، مسيَّر. وفي المقابل ذَهَبَ فريقٌ آخر إلى اختيار نظرية مخالفة، وقالوا إنّ الإنسانَ كائن متروكٌ لحاله، مفوّضٌ إليه، وأنّ أفعاله لا تستند إلى الله مطلقاً.
إنّ كلا الفريقين تصوّرا ـ في الحقيقة ـ أنّ الفِعل إمّا أنّه يجب أن يستند إلى الإنسان، أو يستند إلى الله، أي إمّا أن تكون القدرة البشرية لوحدها هي المؤثرة، وإمّا أن تكون القدرةُ الإلهيّة هي المؤثّرةُ، ليس إلاّ.
في حين هناك طريق ثالث أرشدنا إليه الأئمة المعصومون.
يقول الإمامُ جعفر الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «لا جَبْرَ ولا تفويضَ، ولكن أمرٌ بَين الأمرين»([1] ).
يعني أنّ فعل الإنسان في حال كونه مستنداً إلى العبد، مستند إلى الله أيضاً، لأنّ الفعلَ صادرٌ مِن الفاعل، وفي نفس الوقت يكون الفاعلُ وقدرتهُ مخلوقين لله، فكيف يمكن أن ينقطع عن الله تعالى؟
إنّ طريقة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ في بيان حقيقة الفعل البشريّ تتطابق تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم.
فإنّ هذا الكتاب السماوي ربّما نَسَب فِعلاً ـ مع نِسبَتِه وإسناده إلى فاعلهـ إلى الله تعالى أيضاً، يعني أنه يقبل كِلا الإسنادين وكلتا النِسبتين، إذ يقول: ( وما رَمَيْت إذ رَمَيْتَ ولكنَّ اللهَ رَمى) ([2] ) .
والمراد هو أنّ النبيَّ الأكرمَ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عندما قام بفعل لم يفعَلْه بنفسه، بل فَعَله بالقُدرةِ الإلهيّة، وعلى هذا الأساس تصحّ كلتا النسبتين.
لاتنافي بين علم الله الأزلي وحرية الإنسان
نحن مع إعتقادنا باختيار الإنسان، وحريّة إرادته، نعتقد انّ اللهَ كان عالماً بفعلنا من الأوّل، ولا منافاة بين العقيدتين، فإنّ على الذين لا يمكنُهم الجمعُ بين هذين الاعتقادين أنّ يعلموا بأنَّ عِلم الله الأزليّ تعلَّقَ بصُدُور الفِعلِ مِن الإنسانِ على نحو الإختيار، ومِن الطبيعيّ أن لا يتَنافى مِثلُ هذا العلم مع حريّة الإنسان وكونهِ مختاراً.
وبعبارة أُخرى; إنّ العلم الإلهيّ كما تعلّق بأصلِ صُدُور الفِعل مِنَ الإنسان تعلّق كذلك بِكيفيّة صُدُور الفِعل عنه (وهو اختيار الإنسان وانتخابه بنفسه).
إنّ مثل هذا العِلم الأَزَليّ ليس فقط لا يتنافى مع اختيار الإنسانِ بل يُثبتُ ذلك، ويؤكّدُهُ، لأنّ الفعلَ إذا لم يصدُر من إختيار الإنسانِ لم يكن علمُ اللهِ آنذاك كاشفاً عن الواقع، لأنّ كاشفيّة العلمِ إنّما تكون إذا تحقّقت على النحو الّذي تعلّق بالشيء. ومن الطبيعيّ انّ العلمَ الإلهيّ تعلّق بصدورِ الفِعل البشريِّ على النحو الاختياريّ، يعني أن يقوم الإنسانُ بهذا العَمَل بصورة حرّة وباختياره وإرادته، ففي هذه الصورة يجب أن يقع الفعل ويتحقّق بهذه الخصوصية، لا على نحو الجبر والإضطرار.
مِن هذا البَيان اتّضَحَ عدمُ تنافي إرادة اللهِ الأزليّة مع اختيار الإنسان، وكونه حرّاً في إرادته.
---------------------------------
[1] . التوحيد للصدوق: الباب 59 الحديث 8 .
[2] . الانفال / 17 .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الاختيار حقيقة مسلّمة
إنّ اختيار الإنسان، وحريّة إرادته، حقيقة مسلّمةٌ وواضحةٌ، وفي مقدور كلّ أحَد أن يُدركَه، ويقف عليه من طُرُق مختلِفة نشير إليها فيما يأتي:
ألف : إنّ وجدان كُلّ شخص يشهَد بأنّه قادرٌ ـ في قراراته ـ على أن يختارَ أحدَ الطرفين: الفعلَ أو التركَ، ولو أنّ أحداً تردّد في هذا الإدراك البديهي وجب أن لا يقبل أيَّة حقيقة بديهية أيضاً.
ب : إنَّ المدحَ والقدحَ للأشخاص المختلفين في كلّ المجتمعات البشرية الدينيّة وغير الدينيّة، علامةٌ على أَن المادحَ أو القادحَ اعتبر الممدوح، أو المقدوحَ فيه ، مختاراً في فعلهِ، وإلاّ لَما كانَ المدحُ والقدح منطقياً، ولا مُبرَّراً.
ج : إذا تَجاهَلنا اختيارَ الإنسان وحرّية إرادته، كان التشريعُ أمْراً لَغواً وغيرَ مفيد أيضاً، لأنّ الإنسانَ إذا كان مضطراً على سلوك دون اختياره، بحيث لا يمكنه تجاوزه، والخروجَ عنه، لم يكن للأمرِ والنهي والوَعد والوعيد، ولا الثواب والعقاب أيُّ مَعنى.
د : نَحنُ نرى طوالَ التاريخ البشري أشخاصاً أقدَموا على إصلاح الفردِ، أو المجتمع البشري وبذَلوا جهوداً في هذا السبيل فَحَصَلُوا على نتائجها وثمارها.
إنّ مِنَ البَدِيهي أنّ تحقّق هذه النتائج لا يتناسب مع كون الإنسان مجبوراً، لأنّه مع هذا الفَرض تكونُ كلُ تلك الجهود لاغيةً وغيرَ منتجة.
إنَّ هذه الشواهدَ الأربعةَ تؤكّدُ مبدأَ الاختيار، وحرية الإرادة، وتجعله حقيقة لا تقبل الشك والترديد.
على أنّنا يجب أن لا نستنتج من مبدأ حرية الإنسان وكونه مختاراً أن الإنسان متروكٌ لحالهِ، وأن إرادته مطلقةُ العنان، وأنّه ليس لله أيّ تأثير في فعله، لأنّ مثل هذه العقيدة التي تعني التفويض تنافي أصل احتياج الإنسان الدائم إلى الله، كما أنّ ذلك يحدّد دائرةَ القُدرة والخالقية الإلهيّتين، ويقيّدهما، بل حقيقة الأمر هي على النحو الذي سيأتي بيانهُ في الأصل التالي.
لاجبر ولاتفويض بل أمر بين أمرين
بعد وَفاة النبيّ الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ طُرحَت مسائل خاصّة في المجتمع الإسلامي منها مسألة كيفية صدورِ الفِعل من الإنسان .
فقد ذَهَبَ فريق إلى اختيار عقيدةِ الجبر، وقالوا بأنَّ الإنسان فاعلٌ مجبور، مسيَّر. وفي المقابل ذَهَبَ فريقٌ آخر إلى اختيار نظرية مخالفة، وقالوا إنّ الإنسانَ كائن متروكٌ لحاله، مفوّضٌ إليه، وأنّ أفعاله لا تستند إلى الله مطلقاً.
إنّ كلا الفريقين تصوّرا ـ في الحقيقة ـ أنّ الفِعل إمّا أنّه يجب أن يستند إلى الإنسان، أو يستند إلى الله، أي إمّا أن تكون القدرة البشرية لوحدها هي المؤثرة، وإمّا أن تكون القدرةُ الإلهيّة هي المؤثّرةُ، ليس إلاّ.
في حين هناك طريق ثالث أرشدنا إليه الأئمة المعصومون.
يقول الإمامُ جعفر الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «لا جَبْرَ ولا تفويضَ، ولكن أمرٌ بَين الأمرين»([1] ).
يعني أنّ فعل الإنسان في حال كونه مستنداً إلى العبد، مستند إلى الله أيضاً، لأنّ الفعلَ صادرٌ مِن الفاعل، وفي نفس الوقت يكون الفاعلُ وقدرتهُ مخلوقين لله، فكيف يمكن أن ينقطع عن الله تعالى؟
إنّ طريقة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ في بيان حقيقة الفعل البشريّ تتطابق تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم.
فإنّ هذا الكتاب السماوي ربّما نَسَب فِعلاً ـ مع نِسبَتِه وإسناده إلى فاعلهـ إلى الله تعالى أيضاً، يعني أنه يقبل كِلا الإسنادين وكلتا النِسبتين، إذ يقول: ( وما رَمَيْت إذ رَمَيْتَ ولكنَّ اللهَ رَمى) ([2] ) .
والمراد هو أنّ النبيَّ الأكرمَ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عندما قام بفعل لم يفعَلْه بنفسه، بل فَعَله بالقُدرةِ الإلهيّة، وعلى هذا الأساس تصحّ كلتا النسبتين.
لاتنافي بين علم الله الأزلي وحرية الإنسان
نحن مع إعتقادنا باختيار الإنسان، وحريّة إرادته، نعتقد انّ اللهَ كان عالماً بفعلنا من الأوّل، ولا منافاة بين العقيدتين، فإنّ على الذين لا يمكنُهم الجمعُ بين هذين الاعتقادين أنّ يعلموا بأنَّ عِلم الله الأزليّ تعلَّقَ بصُدُور الفِعلِ مِن الإنسانِ على نحو الإختيار، ومِن الطبيعيّ أن لا يتَنافى مِثلُ هذا العلم مع حريّة الإنسان وكونهِ مختاراً.
وبعبارة أُخرى; إنّ العلم الإلهيّ كما تعلّق بأصلِ صُدُور الفِعل مِنَ الإنسان تعلّق كذلك بِكيفيّة صُدُور الفِعل عنه (وهو اختيار الإنسان وانتخابه بنفسه).
إنّ مثل هذا العِلم الأَزَليّ ليس فقط لا يتنافى مع اختيار الإنسانِ بل يُثبتُ ذلك، ويؤكّدُهُ، لأنّ الفعلَ إذا لم يصدُر من إختيار الإنسانِ لم يكن علمُ اللهِ آنذاك كاشفاً عن الواقع، لأنّ كاشفيّة العلمِ إنّما تكون إذا تحقّقت على النحو الّذي تعلّق بالشيء. ومن الطبيعيّ انّ العلمَ الإلهيّ تعلّق بصدورِ الفِعل البشريِّ على النحو الاختياريّ، يعني أن يقوم الإنسانُ بهذا العَمَل بصورة حرّة وباختياره وإرادته، ففي هذه الصورة يجب أن يقع الفعل ويتحقّق بهذه الخصوصية، لا على نحو الجبر والإضطرار.
مِن هذا البَيان اتّضَحَ عدمُ تنافي إرادة اللهِ الأزليّة مع اختيار الإنسان، وكونه حرّاً في إرادته.
---------------------------------
[1] . التوحيد للصدوق: الباب 59 الحديث 8 .
[2] . الانفال / 17 .