المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوادث المريرة بعد رحيل النبي (ص)


شجون الزهراء
18-12-2014, 10:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



هبّت رياح الفتن عُقْبَ وفاة النبي (صلى اله عليه وآله) على المسلمين وغُربِلُوا غربالاً شديداً حتّى تميز المؤمن الراسخ في عقيدته عن المنافق الذي تستر بواجهة الإسلام، وصدق قوله سبحانه: (وَما مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل أَفَإِنْ ماتَ أَوْقُتِل انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّه شَيئاً وَسَيَجْزي اللّهُ الشّاكِرين)(1) .


وقد أسفرت هذه الفتن المحدقة بالمسلمين عن ظهور العُقَد والضغائن الكامنة حيال أهل بيت النبوة (عليهم السلام) الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) المنصوص على خلافته في غير موضع من المواضع(2) فقد كان اللازم على المسلمين التمسّك باهداب وصية النبي (صلى اله عليه وآله) في تعيين أمير المؤمنين خليفة عليهم بعد رحيله، والاستظلال تحت رايته، والاحتراز عن الخلافات التي تهدِّد كيان الدولة الإسلامية الفتيّة التي كانت لا تزال بعد مهددة بأخطار جسيمة على الصعيد الداخلي والخارجي.
أمّا الداخلي فحزب النفاق الذي كان ينشر بذور العداء والشحناء في صفوف المسلمين بُغية نيل م آربه وهي الإطاحة بالدولة الإسلامية والقضاء على زعيمها النبي (صلى اله عليه وآله)، وكان يترصّد بالمسلمين الدوائر للانقضاض عليهم، وما برح على هذا النحو حتى قضى رسول اللّه (صلى اله عليه وآله) نحبه واختاره اللّه لجواره. ومن غريب الأمر أن يمدّ أبو سفيان يده للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) للبيعة ـ و هو يجهز النبي (صلى اله عليه وآله) للدفن ـ قائلاً: «واللّه إنّي لأرى عجاجة لا يُطفئها إلاّ دم، يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أُموركم، أين المستضعفان أين الأذلاّن: علي و العباس، وقال: يا أبا حسن أبسط يدك حتى أُبايعك». فأبى علي عليه وزجره وقال: «إنّك واللّه ما أردت بهذا إلاّ الفتنة وانّك واللّه طال ما بغيت الإسلام شرّاً لا حاجة لنا في نصيحتك»(3) وكان علي (عليه السلام) واقفاً على خبث سريرته وسوء باطنه، وأنّه وأتباعه من المنافقين بصدد الانقضاض على الإسلام والقضاء عليه لو سُنِحت لهم الفرص. إنّ حزب النفاق الذي أعرب سبحانه عن مدى خطورتهم على الإسلام من خلال كثرة الآيات الواردة التي تفضح خططهم، و ما زالوا بوفرة في المدينة وحولها متربّصين بالإسلام الدوائر.
هذا هو الخطر الداخلي وأمّا الخارجي فقد كان خطر الروم يهدّد كيان الإسلام، وكانت تربطه بحزب النفاق روابط وثيقة، ولم يكن هجومه على المدينة أمراً بعيداً عن الأذهان ولم يغب عن بال النبي (صلى اله عليه وآله) خطرُهم حتى على فراش الموت فكان يوصي أصحابه بالانضواء تحت لواء أُسامة بن زيد بغية المسير إلى ثغورهم، وكان يُلحّ عليهم بالذهاب كلّما أفاق من مرضه ويلعن من تخلّف عنه ويقول: «جهّزوا جيش أُسامة لعن اللّه من تخلّف عنه»(4) وثمّة عامل ثالث كان محطَّ إثارة قلق لكلّ من ينبض قلبه للإسلام، وهو طروء روح العصيان على القبائل المجاورة للمدينة حيث كانوا على عتبة الارتداد من أجل التخلّف عن أداء الزكاة ودفع الضرائب للحكومة المركزية. هذه العوامل الثلاثة التي تكفي واحدة منها في إثارة القلق والاضطراب صارت سبباً لغض الإمام علي (عليه السلام) عن حقه وسكوته أمام المؤامرات التي حيكت في السقيفة، فلو كان الإمام مصرّاً على تسنّم منصة الخلافة وخوض غمار الحرب من أجل الوصول إلى هدفه، فليس من البعيد أن تتاح الفرصة للمنافقين للتصيّد بالماء العكر، وبالتالي هجوم الروم على المدينة ومحو الإسلام، وقد نوه الإمام بهذه الأُمور العصيبة الداعية إلى السكوت في بعض خطبه، وقال:«فواللّه ما كان يُلقى في روعي، ولا يخطر ببالي، انّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلى اله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنّهم مُنحّوه عني من بعده! فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (صلى اله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله ان أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه»(5) إنّ النبيّ (صلى اله عليه وآله) كان ينظر بنور اللّه وقد تنبّأ في بعض كلامه بالأخطار التي كانت تحدق بعلي (عليه السلام) وأهل بيته بعد رحيله. أخرج الحاكم في مستدركه انّ النبي (صلى اله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): أما انّك ستلقى بعـدي جهداً، قـال علـي (عليه السلام): فـي سلامة من دينـي؟، قـال: في سلامة من دينك(6) وأخرج المحب الطبري انّ النبي (صلى اله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): «ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلاّمن بعدي»(7) وفي كلام آخر للنبي (صلى اله عليه وآله): «يا علي انّك ستبتلي بعدي فلا تقاتلن». (8) وهذه الروايات تعرب عن أنّ النبي (صلى اله عليه وآله) كان عالماً بتضافر الأُمّة على هضم حقوق الإمام عليه السَّلام ولذلك أوصاه بالصبر والمثابرة دون أن يتعرض للقوم بعنف.
السقيفة والحوادث التي رافقتها
ابتدرت الأنصار إلى عقد مؤتمر السقيفة للتباحث فيمن يلي أمر الحكومة بعد رحيل النبي (صلى اله عليه وآله) وكان على رأسهم سعد بن عبادة وعشيرته. ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه وهو ما هي الدواعي التي حدت بهم إلى عقد السقيفة في وقت مبكِّر؟
وللإجابة عنه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمة مخاوف كانت تساور الأنصار حيال المهاجرين، ذلك انّهم قتلوا جمّاً غفيراً من أرحام المهاجرين في معارك بدر وأُحد، وكانوا يخافون من اعتلاء المهاجرين منصَّة الحكم، وممارستهم الظلم والاضطهاد في حقّهم انتقاماً لما بدر منهم. فهذه المخاوف حدت بهم إلى عقد مؤتمر بغية تعيين الخليفة من بينهم ليكون لهم الشوكة والمنعة من الحوادث المريرة التي ربما يُتعرضون لها على يد المهاجرين. فاجتمعت قبائل الأوس والخزرج في سقيفة بني ساعدة، وقام سعد بن عبادة رئيس الخزرج ينشد فضائل الأنصار ويقول: يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب انّ محمّداً (صلى اله عليه وآله) لبث بضعة عشر سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلاّرجال قليل ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول اللّه ولا أن يُعزّوا دينَه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عمّوا به، حتّى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصّكم بالنعمة، فرزقكم اللّه الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه، فكنتم أشدّ الناس على عدّوه منكم وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر اللّه طوعاً وكرهاً، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن اللّه عزّوجلّ لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفّاه اللّه وهو عنكم راضوبكم قرير عين، استبدّوا بهذا الأمر دون الناس(9) كان سعد بن عبادة يخطب في سقيفة بني ساعدة والمهاجرون كلّهم حيارى يتشاورون في تعيين مثوى النبي (صلى اله عليه وآله) وكيفية تجهيزه وتغسيله والصلاة عليه، فإذا بنفرين أحدهما معن بن عدي، والآخر عويم بن ساعدة يتكلّمان مع أبي بكر ويهمسان في أُذنه بأنّ الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الخليفة، فعندئذ اعتزل أبو بكر وعمر و أبو عبيدة عن جماعة المهاجرين دون أن ينبسوا ببنت شفة ويخبروهم عن مقصدهم وم آربهم حتى جاءوا سقيفة بني ساعدة وسعد على بساط متكئاً على وسادة وهو يخطب، فأراد عمر أن يتكلّم، فنهاه أبو بكر وتكلم وقال: نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، و أحسنهم وجوهاً، وأمسّهم برسول اللّه رحماً، وأنتم إخواننا في الإسلام وشركاؤنا في الدين نصرتم وواسيتم فجزاكم اللّه خيراً، فنحن الأُمراء وأنتم الوزراء(10) ومع أنّ سعد بن عبادة و أبا بكر قد خطبا وذكر كلّ مالهم من فضل وكرامة، ولكن يقع السؤال انّه لماذا تم الاقتراع وخرجت القرعة باسم أبي بكر؟!
والجواب انّ بشير بن سعد ابن عم سعد بن عبادة قد حسد ابن عمه ورأى انّه على قاب قوسين أو أدنى من الخلافة والرئاسة ألقى خطاباً لصالح قريش وطلب من الأنصار التخلّـي عن دعواهم في الخلافة، فقال: يا معشر الأنصار انّا واللّه لئن كنّا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلاّ رضا ربنا وطاعة نبيّنا... إلى أن قال: ألا إنّ محمّداً من قريش وقومه أحقّ به وأولى، وأيم اللّه لا يراني اللّه أنازعهم هذا الأمر أبداً، فاتّقوا اللّه ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم. ثمّ قام فبايع أبا بكر: ولقد تنبّأ الحباب بن منذر لما دعاه إلى هذه البيعة، فخاطبه وقال: «يا بشير بن سعد عققت عقَاقِ ما أحوجك إلى ما صنعت، أنَفِسْت على ابن عمك الإمارة». (11) ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وماتدعوا إليه قريش و ما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض: واللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، فقام رئيسهم أُسيد بن حضير فبايع أبا بكر، وصار ذلك سبباً لبيعة عشيرته واحداً تلو الآخر، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم. وقد اكتفى أبو بكر ببيعة الأوس فخرجوا من السقيفة قاصدين المسجد يأخذون البيعة من كلّ من رأوه في الطريق إلى أن وصلوا إلى المسجد(12) دع ما وقع في السقيفة من صخب وهياج وضرب وشتم، فانّ الحديث ذو شجون. وقد أخذت البيعة طوعاً وكرهاً وعلي (عليه السلام) وأهل بيته يجهزون النبي (صلى اله عليه وآله) ويا ليت الخليفة وأتباعه اكتفوا بما وقع ولكنّهم حاولوا أخذ البيعة من علي وأهل بيته بالقوة والعنف والتهديد، وذلك عندما اجتمع رجال من بني هاشم في بيت علي معترضين على هذا النوع من البيعة. وهناك ظهرت حوادث مريرة للغاية، وقد سكت قسم من المؤرخين عن سردها خوفاً ورهبة أو تزلّفاً وطمعاً. وهناك من أخذته الحمية في الدين فسجلوا تلك الوقائع بنحو موجز، وهم على قسمين:
أ. من اقتصر على ما دار بين علي والبيت الهاشمي مع عمر من مناشدات واحتجاجات وتهديدات.
ب. من أزاح الستار عما قام به عمر بن الخطاب من أخذ البيعة بالعنف حتى انتهى الأمر إلى إحراق الباب وكسره وما تلاه من حوادث. فها نحن نذكر كلمات كلا الفريقين ليعلم أنّ حديث الباب وشهادة بنت المصطفى من جراء تلك القلاقل ليست أُسطورة تاريخية وإنّما هي حقيقة تاريخية.
من فضائل الزهراء (عليها السلام) ليكون ذريعة لما يريد إثباته وهو انّ شهادة الزهراء (عليها السلام) أُسطورة تاريخية لا نصيب لها من الحقيقة، ومن أمعن في المقال يقف على أنّ الكاتب لا خبرة له في التاريخ، وقد جرّه رأيه المسبق إلى إنكار الحقيقة الساطعة، ولأجل ذلك ارتأينا أن نضع امام القارئ مصادر متقنة تُثبت شهادتها وهتك حرمتها.
ويدور بحثنا حول محاور ثلاثة: الأوّل: عصمة الزهراء (عليها السلام) في لسان النبي.
الثاني: المكانة الرفيعة لبيت الزهراء (عليها السلام) في القرآن والسنّة.
الثالث: الحوادث المريرة التي جرت عليها عقب وفاة أبيها الرسول الأعظم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم.
الأوّل: عصمة الزهراء (عليها السلام) على لسان النبي (صلى اله عليه وآله)
حظيت الزهراء (عليها السلام) بمقام رفيع عند الرسول (صلى اله عليه وآله)، حتّى قالصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في حقّها: «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني»(13) إنّ إغضاب النبي (صلى اله عليه وآله) يستعقب إيذاءه، و من آذاه فقد حكم عليه بالعذاب الأليم، قال سبحانه: (وَالّذينَ يُؤْذُونَ رَسُول اللّه لَهُمْ عَذابٌ أَليم).(14) وفي رواية أُخرى، بيّن انّ غضب الزهراء (عليها السلام) ورضاها يوجب غضب اللّه سبحانه ورضاه، فقال: «يا فاطمة إنّ اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(15) فأية مكانة شامخة للزهراء (عليها السلام) حتّى صار غضبها ورضاها ملاكاً لغضبه سبحانه ورضاه، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عصمتها، فهو سبحانه بما انّه عادل و حكيم لا يغضب إلاّ على الكافر والعاصي، ولا يرضى إلاّ على المؤمن والمطيع. وفي ظل تلك الكرامة أصبحت في لسان النبي (صلى اله عليه وآله) سيدة نساء العالمين، فقال (صلى اله عليه وآله): «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، وسيّدة نساء هذه الأُمّة، وسيدة نساء المؤمنين»(16) وعلى الرغم من أنّ الزهراء (عليها السلام) معصومة لا تعصي ولا تذنب، ولكنّها ليست بنبيّة، إذ لا ملازمة بين العصمة والنبوة، وهذه هي مريم البتول العذراء فهي معصومة بنصّ الكتاب الحكيم لكنّها ليست بنبية. امّا انّها معصومة، فلقوله سبحانه في حقّها: (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَة يا مَرْيَم إِنَّ اللّه اصْطَفاكِ وَطهَّركِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءْ العالمين)(17) فانّ الأخبار عن تطهير مريم بعد اصطفائها دليل على تطهيرها من الذنوب ومخالفة شريعة زمانها. وامّا انّها ليست بنبية فأمر واضح لا يحتاج إلى بيان. فلتكن بنت خاتم الرسل سيّدة نساء العالمين، كمريم البتول معصومة غير نبيّة. ولنقتصر في بيان فضائل الزهراء (عليها السلام) بهذا القدر اليسير، فانّ استيفاء البحث فيها بحاجة إلى تصنيف مفرد.
الثاني: المكانة الرفيعة لبيت الزهراء (عليها السلام) في القرآن والسنّة
نزل قوله سبحانه: (في بُيُوت أَذِنَ اللّه أَنْ تُرفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(18) على قلب سيد المرسلين وهو (صلى اله عليه وآله) في المسجد الشريف، فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللّه؟ قال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللّه: أهذا البيت منها؟ ـ مشيراً إلى بيت علي و فاطمة عليمها السَّلام ـ قال: «نعم، من أفاضلها»(19)
فقوله سبحانه: (في بيوت) ظرف لما تقدمه من قوله (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاة فِيها مِصْباح المِصباح في زُجاجة...)(20) فالنور الذي نوهت به الآية بما له من صفات، مصدر إشعاعه هذه البيوت التي أذن اللّه أن ترفع، فكيف لا يكون لها منزلة وكرامة. قال السيوطي: أخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عن أُمّ سلمة (رضي الله عنها) قالت: في بيتي نزلت: (إِنّما يُريدُ اللّه لِيذهبَ عَنْكُمُ الرِّجْس أَهْل البَيْت) وفي البيت فاطمة، و علي و الحسن، والحسين (عليهم السلام)، فجلّلهم رسول اللّه (صلى اله عليه وآله) بكساء كان عليه، ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». وقال أيضاً: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس: انّ رسول اللّه (صلى اله عليه وآله) كان يمرّ بباب فاطمة (عليها السلام) إذا خرج إلى صلاة الفجر، ويقول: «الصلاة يا أهل البيت الصلاة (إِنّما يريدُ اللّه لِيذهب عنكمُ الرِّجس أَهل البيت وَيُطهّركُمْ تَطهيراً)(21) فإذا كانت هذه منزلة البيت وكرامته عند اللّه، فيعد اقتحامه وكشفه من أكبر الذنوب وأقبحها. لكن لم تُراعَ وصية النبي (صلى اله عليه وآله) في احترام هذا البيت وأهله، وشهد حوادث مريرة تعرض لها جمع من المؤرخين والمحدّثين ننقل نصّ أقوالهم حسب التسلسل الزمني. والمؤرخون في المقام على طائفتين: فطائفة تعرضت لمحاولات الترويع والت آمر المبيّت والنوايا الخبيثة. وطائفة أُخرى أشارت بمزيد من التفصيل لتلك المحاولات وما أعقبها من حوادث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. آل عمران:144.
2. منها: يوم الدار بعد نزول قوله سبحانه: (وَأَنْذِرْ عَشيرتَكَ الأَقْرَبين) (الشعراء:214).
ومنها:يوم مغادرته المدينة صوب تبوك فقال لعلي: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».
ومنها يوم الغدير الذي أبلغ فيه المسلمين برمتهم إمامة علي وخلافته بعد رحيله في محتشد عظيم لا ينكر. فراجع في تفاصيله إلى الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.
3. تاريخ الطبري:2/449، حوادث سنة11هـ.
4. الشهرستاني: الملل والنحل:1/23; ابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة:2/20، ط مصر.
5. نهج البلاغة، من كتاب له عليه السَّلام إلى أهل مصر، برقم 62.
6. مستدرك الحاكم:3/140 وصحّحه الذهبي أيضاً.
7. محب الدين الطبري: الرياض النضرة:2/210.
8. كنز الدقائق: للمناوي:188.
9. تاريخ الطبري:2/455 ـ456.
10. العقد الفريد:4/86، منشورات دار ومكتبة الهلال، بيروت.
11. تاريخ الطبري:2/457 ـ 458.
12. انظر تاريخ الطبري: 2/458.
13. فتح البارى في شرح صحيح البخاري:7/84، وأيضاً صحيح البخاري:4/210 دار الفكر، بيروت.
14. التوبة:61.
15. مستدرك الحاكم:3/154; مجمع الزوائد:9/203، وقد استدرك الحاكم في كتابه الأحاديث الصحيحة حسب شروط البخاري ومسلم ولكن لم يخرجاه. وعلى ذلك فهذا الحديث صحيح عند الشيخين وهو متفق عليه.
16. لمستدرك للحاكم:3/156.
17. آل عمران:42.
18. النور: 36.
19. الدر المنثور:6/203، تفسير سورة النور; روح المعاني:18/174.
20. النور:53.
21. الدر المنثور:6/604 ـ 605، ط دار الفكر، بيروت; المصنف:7/527.