العلوية ام موسى
24-12-2014, 02:56 PM
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(الأنبياء:105) صدق الله العلي العظيم.
---------------
المهدي منقذ البشرية.
الإمام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويخلص البشرية من كل أزماتها، فهو الإنسان الكامل الذي يتّبعه الناس عن قناعة تامة، لاعتقادهم الديني به من ناحية، ولكماله من ناحية أخرى.
أزمات المجتمع الإنساني.
هناك أزمات متعددة تعصف بالبشرية، غير أنّ أعظمها وأشدها الأزمة الأخلاقية، إذ أنّ أزمة الأخلاق والقيم تنبثق عنها مشاكل لا حد لها، ولسنا وحدنا من يتحدث عن وجود أزمة أخلاقية يعيشها العالم، بل من سبر أغوار السياسة ودخل في الواقع الاجتماعي أدرك عمق الأزمة الأخلاقية، وحاول جاداً أن يُنبه المجتمع الإنساني بمروره بأزمة لابد من تلافيها كي يحظى بالسعادة، وإن كانت الأزمة الأخلاقية متفاوتة بين مجتمعٍ وآخر، فبعض المجتمعات تتفشى فيه الجريمة بشكل أكبر، وبعضها يعاني أزمة مخدرات، وثالث يعيش أزمة في أغلب القيم الأخلاقية، فلا قيم أخلاقية تحكمه حتى في الحد الأدنى. وسنقف قليلاً في الأزمة الأخلاقية ثم نشير إلى بعض الأزمات الأخرى التي يمر بها المجتمع الإنساني وكيف يتاح لإمامنا المهدي عليه السلام المعالجة الجذرية لهذه الأزمات، ويمكن أن نوجزها في ثلاث أزمات رئيسة، الأزمة الأخلاقية، والمشكلة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الإنساني، وأزمة التفاوت المبتني على التفرقة العنصرية بين البشر.
الأزمة الاقتصادية.
يتمتع بعض مئات الملايين من المجتمع الإنساني برفاه اقتصادي، إلا أنّ المليارات منهم تعيش تحت وطأة الفقر، وهي مسحوقة لا تحَسُ بإنسانيتها، وهذه أزمة كبيرة رافقت المسار البشري منذ القدم.
أزمة التفرقة العنصرية.
كما أنّ التفاوت بين الناس على أساس الاختلاف العرقي أبرز مشكلة إنسانية واجتماعية كبيرة، باعتبار وجود عقيدة لدى بعض الأمم وثقافة خاصة تؤمن برُقي بعض العناصر من البشر على بعضها الآخر، فالحضارة الغربية تؤمن بأنّ لها حق سيادة وإدارة شؤون الكون، ولا تنظر إلى نفسها متساوية مع سائر الأمم الأخرى، وقد يدَّعون إعلامياً أنهم متساوون مع الشعوب الأخرى، إلا أنّ ذلك شعار خالٍ من المضمون، إذ بمجرد سبر العمق الفكري للحضارة الغربية تجد الإنسان الأوروبي لا يضع نفسه مساوياً مع غيره - الإنسان الآسيوي أو الأفريقي - فالحضارة الغربية ترى لنفسها تفوقاً، وهذا ما أشار إليه بعض المفكرين، (إنّ الشرق شرق، والغرب غرب لن يلتقيا)، لأنّ الإنسان الأبيض يرى نفسه متفوقاً على بقية البشر، فهو إنسان مبدع وغيره إنسان بربري، وهذا تعبيرهم عن سائر الشعوب، وإنْ قلَّ استعمال هذا التعبير في الآونة الأخيرة في الإعلام والثقافة، إذ أنّ الغرب تلافى هذا الخطأ إعلامياً، غير أنه بقي بارزاً في التوجهات التي يعيشها ذلك الإنسان.
نظرة المفكرين في الأزمة الأخلاقية.
هذه الأزمة شغلت بال كبار السياسيين في العالم، وسوف نستعرض رأي شخصيتين بارزتين :
الأولى: الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون)، فقد ركّز على الأزمة الأخلاقية في كتابه (الفرصة السانحة)، فقال: (الحضارة والبحث في معنى الحياة منذ البدء، يطرد ويستمر، ولن ينتهي أبدا،ً لأنّ الجواب الشافي النهائي يفلت منا دائماً، ولكن الأهمية الحيوية بمكان أن ننشغل بالبحث، لأننا بهذا نهيئ لأنفسنا حياة أفضل وأعمر، ويعتقد البعض أنّ الجواب الشافي يوجد في أمهات الكتب، في حين يبحث عنه غيرهم في الدين، ولنا أن نستوثق من هذه الحقيقة وهي أنّ معنى الحياة لا يمكن أن يوجد في المادية المجردة)، بل لابد من قِيَم ٍتسود الإنسان، أما التركيز على الجانب المادي وتحويل الإنسان إلى غُولٍ يأكل بعضه بعضاً، هذا لا يحقق حياة مطمئنة للإنسان، وفي كتابه - نصر بلا حرب - يقول: (وعلينا أن نحاول إعادة تشكيل العالم سياسياً من خلال إستراتيجية تستهدف تحقق سلام حقيقي، وفي الوقت نفسه ينبغي أن لا يغيب عنا التصدي لقضية البعد الروحي في الإنسان).
الثانية: الزعيم السوفيتي (غورباتشوف)، الذي أَلَفَ كتاب البروستريكا، (ومعناها إعطاء الأولوية لتطوير المجال الاجتماعي والاهتمام بالثروة الثقافية والروحية لتقدم الإنسانية)، قال في الكتاب: (مهمتنا الرئيسة اليوم أن نرفع من روح الفرد، ونحترم عالمه الداخلي، ونعطيه قوة معنوية)، فالإنسان إذا كان في هرم القيادة عليه أن يُولي جُلَّ اهتمامه للبعد الروحي للإنسان، وهذا الكلام صدر من زعيم قاد إمبراطورية كبيرة، إلا أنه رأى أنّ مهمة السياسي الكائن على قمة الهرم، هي الاهتمام بالقيم الأخلاقية، وقال أيضاً: (ونحن نسعى بأن نجعل كل قدرات المجتمع الفكرية وكل إمكاناته الثقافية تعمل من أجل تشكيل شخص نشط اجتماعياً وغني روحياً ومستقيم وحي الضمير، وينبغي أن يعرف كل فرد ويشعر أنّ هناك حاجة إلى إسهامه، وأنّ كرامته لا تخدش، وأن يعامل بثقة واحترام وعندما يرى الفرد كل ذلك فإنّ في مقدوره أن يحقق الكثير).
مواصفات نظام حل الأزمة.
وقال (غورباتشوف): (ونحن نقترب من نهاية القرن - لأنّ تأليف كتابه كان في الثمانينات - ينبغي أن تعترف البشرية بالضرورة الحيوية للقيم)، فعالم بلا قيم هو عالم الغاب، ويقول: (رغم كافة متناقضات عالم اليوم ورغم كل تنوع الأنظمة الاجتماعية والسياسية به ورغم كافة الخيارات المختلفة التي قامت بها البلدان في مختلف الأزمنة فإنّ هذا العالم يعتبر مع ذلك كُلاً واحداً)، وهذه حقيقة، فالعالم لا يمكن أن يقاد إلاّ بنظام واحد للقضاء على الطبقية والاختلاف، وهذا ما يحققه الإمام المهدي عليه السلام، فهو يستلم القيادة للكرة الأرضية بأجمعها بقناعة تامة لأهل الأرض بأنّ هذا القائد هو الذي يحقق مصالح الجميع، لكماله من ناحية ولارتباطه بالسماء من ناحية أخرى، ثم قال: (ونحن جميعاً رُكاب على ظهر سفينة واحدة، هي الأرض وعلينا أن لا نسمح بأن تغرق هذه السفينة فلن تكون هناك سفينة نوح مرة أخرى تُنجي العالم)، وهو يشير إلى الأسلحة الفائقة الخطورة، التي لا يمكن لأحد أن ينتصر بها على أحد.
الإمام المهدي عليه السلام والأزمات البشرية.
أزمات المجتمع الإنساني الثلاث، الآنفة الذكر لن يقف الإمام المهدي عليه السلام مكتوف الأيدي تجاهها، وإنما سيعالجها بحكمة وعمق واستشراف واعٍ للمستقبل من خلال الكمال الذي يتمتع به وجوده المقدس والبعد العقدي المرتبط بالسماء، فهو عليه السلام الإنسان الكامل الذي اختاره الله تعالى كما اختار الأنبياء والرسل، وهذا ما جاءت به الروايات، قال النبي صلى الله عليه وآله: ‹‹المهدي طاووس أهل الجنة››، ومعنى طاووس أهل الجنة أنه يتمتع بكل كمال وجمال حقيقي، يجذب الغير إليه، فإذا رأت البشرية ذلك أذعنت واتبعت هذا الإنسان الكامل لأنّ اتِّباع الكامل أمر فطري، فكل إنسان يتألق في فن أو علم أو ثقافة يشد الانتباه إليه، ويجبر الآخرين قسراً أن يلتفتوا إلى ما يتمتع به من كمال، والنبي صلى الله عليه وآله أبان في حديثه عن المهدي عليه السلام صفة الجمال التي يتمتع بها الطاووس بين سائر الطيور، والمهدي عليه السلام إذا أتيح له إدارة الكرة الأرضية سيشد انتباه الجميع إلى قدراته الروحية والقيمية التي يتمتع بها، وسيخضع له الجميع طائعين.
حلَّ الأزمات الاقتصادية.
أما ما يرجع إلى المشكلة الاقتصادية، التي يعاني منها الكثير من البشر من كل أمم الأرض، فهناك أمم مسحوقة، كما يشاهد في القارة السمراء وفي بعض دول جنوب شرق آسيا، فالملايين من البشر يعيشون تحت خط الفقر، لا يجدون الكفاف من العيش، غير أنّ الله تعالى سيجمع كل خيرات الأرض بين يدي الإمام المهدي عليه السلام، وإذا اجتمعت الخيرات يعطي الناس بلا حساب، فالإنسان يأخذ كما يشاء، هذا ما جاء عن إمامنا الباقر عليه السلام، ‹‹وتجمع إليه أموال الدنيا من باطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم به الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعطه أحدٌ كان قبله››، وقال المصطفى صلى الله عليه وآله في حديثه عن عطاء المهدي عليه السلام: ‹‹يحثوا المال حثواً، ولا يَعُدُهُ عَداًَ››، وهذا ما لا يقدر عليه أحد، فلا مشاكل اقتصادية بعد أن يستتب الأمر لإمامنا المهدي عليه السلام.
علاج التفرقة العنصرية.
أما ما يرجع إلى التفاوت، المبتني على التفرقة العنصرية - والذي على أساسه ينعدم العدل - لا وجود له في عصر الإمام المهدي عليه السلام، بل، يصبح العدل أمراً لا مناص منه، هذا ما جاء في الروايات، فقد ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام، ‹‹أما والله ليَدخُلنَّ عليهم عَدلُهُ جوفَ بيوتهم كما يدخل الحر والقر- البرد -››، فلا يمكن لأحد أن يتخلص من البرد إذا جاء الشتاء، ولا يمكن لأحد أن يتخلص من الحر إذا جاء الصيف، فالجميع ستسوده عدالة السماء، ويصبح العدل ثقافة عامة سائدة على الكرة الأرضية، وسوف تحل مشكلة التفرقة العنصرية التي جعلت بعض أمم الأرض ترى نفسها متفوقة، لا تقبل المساواة مع الأمم الأخرى، حتى من ناحية تقنية وعلمية، فلا يسمحون للدول الأخرى أن تصل إلى نفس المستوى العلمي، لأنهم يرون تلكم الدول ليست مؤهلة أن تصل إلى ذلك المستوى، ويرون الغير تبعاً لهم في نظرة استعلاء لديهم. وفي عصر الإمام المهدي عليه السلام تحل المشكلة عقدياً، فهذه الشعوب التي ترى لنفسها تفوقاً، تؤمن بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وتعتقد أنه الإنسان الأكمل، الذي ينزل من السماء ليخلص الإنسانية من مآسيها، وهذه الرؤية تتقاطع مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله، ‹‹كيف أنتم إذا نزل ابنُ مريم فيكم، وإمامكم منكم››، فالمسيح عليه السلام سيُخبر هؤلاء أنّ الإمام المهدي عليه السلام هو الأكمل، وهو الذي يجب اتِّباعه والحديث لا يختص بأتباع أهل البيت عليهم السلام فقد ورد في البخاري، وهو يبين فضل المهدي عليه السلام لتقدمه على عيسى عليه السلام مع كونه من أولي العزم من الرسل، وقد أكد ابن حجر في فتح الباري هذا المعنى فقال:(تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأمة، وأنّ عيسى سينزل، ويصلي خلفه)، وهذا ما يحل مشكلة التفرقة العنصرية.
المهدي القائد الفذ.
والإمام عليه السلام لا نظير له في عالم الإمكان في كماله، وهو كما يتاح له أن يحل الأزمة الاقتصادية كما جاء في الروايات، ويحل إشكالية التفوق العنصري سيتاح له قبول الجميع بقيادته العالمية التي تتمتع بكل كمال، وحينئذ يتحقق الوعد الإلهي للبشرية، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(الأنبياء:105).
---------------
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أوليائه وأتباعه والمستشهدين بين يديه، وصلى الله وسلم وزاد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(الأنبياء:105) صدق الله العلي العظيم.
---------------
المهدي منقذ البشرية.
الإمام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويخلص البشرية من كل أزماتها، فهو الإنسان الكامل الذي يتّبعه الناس عن قناعة تامة، لاعتقادهم الديني به من ناحية، ولكماله من ناحية أخرى.
أزمات المجتمع الإنساني.
هناك أزمات متعددة تعصف بالبشرية، غير أنّ أعظمها وأشدها الأزمة الأخلاقية، إذ أنّ أزمة الأخلاق والقيم تنبثق عنها مشاكل لا حد لها، ولسنا وحدنا من يتحدث عن وجود أزمة أخلاقية يعيشها العالم، بل من سبر أغوار السياسة ودخل في الواقع الاجتماعي أدرك عمق الأزمة الأخلاقية، وحاول جاداً أن يُنبه المجتمع الإنساني بمروره بأزمة لابد من تلافيها كي يحظى بالسعادة، وإن كانت الأزمة الأخلاقية متفاوتة بين مجتمعٍ وآخر، فبعض المجتمعات تتفشى فيه الجريمة بشكل أكبر، وبعضها يعاني أزمة مخدرات، وثالث يعيش أزمة في أغلب القيم الأخلاقية، فلا قيم أخلاقية تحكمه حتى في الحد الأدنى. وسنقف قليلاً في الأزمة الأخلاقية ثم نشير إلى بعض الأزمات الأخرى التي يمر بها المجتمع الإنساني وكيف يتاح لإمامنا المهدي عليه السلام المعالجة الجذرية لهذه الأزمات، ويمكن أن نوجزها في ثلاث أزمات رئيسة، الأزمة الأخلاقية، والمشكلة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الإنساني، وأزمة التفاوت المبتني على التفرقة العنصرية بين البشر.
الأزمة الاقتصادية.
يتمتع بعض مئات الملايين من المجتمع الإنساني برفاه اقتصادي، إلا أنّ المليارات منهم تعيش تحت وطأة الفقر، وهي مسحوقة لا تحَسُ بإنسانيتها، وهذه أزمة كبيرة رافقت المسار البشري منذ القدم.
أزمة التفرقة العنصرية.
كما أنّ التفاوت بين الناس على أساس الاختلاف العرقي أبرز مشكلة إنسانية واجتماعية كبيرة، باعتبار وجود عقيدة لدى بعض الأمم وثقافة خاصة تؤمن برُقي بعض العناصر من البشر على بعضها الآخر، فالحضارة الغربية تؤمن بأنّ لها حق سيادة وإدارة شؤون الكون، ولا تنظر إلى نفسها متساوية مع سائر الأمم الأخرى، وقد يدَّعون إعلامياً أنهم متساوون مع الشعوب الأخرى، إلا أنّ ذلك شعار خالٍ من المضمون، إذ بمجرد سبر العمق الفكري للحضارة الغربية تجد الإنسان الأوروبي لا يضع نفسه مساوياً مع غيره - الإنسان الآسيوي أو الأفريقي - فالحضارة الغربية ترى لنفسها تفوقاً، وهذا ما أشار إليه بعض المفكرين، (إنّ الشرق شرق، والغرب غرب لن يلتقيا)، لأنّ الإنسان الأبيض يرى نفسه متفوقاً على بقية البشر، فهو إنسان مبدع وغيره إنسان بربري، وهذا تعبيرهم عن سائر الشعوب، وإنْ قلَّ استعمال هذا التعبير في الآونة الأخيرة في الإعلام والثقافة، إذ أنّ الغرب تلافى هذا الخطأ إعلامياً، غير أنه بقي بارزاً في التوجهات التي يعيشها ذلك الإنسان.
نظرة المفكرين في الأزمة الأخلاقية.
هذه الأزمة شغلت بال كبار السياسيين في العالم، وسوف نستعرض رأي شخصيتين بارزتين :
الأولى: الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون)، فقد ركّز على الأزمة الأخلاقية في كتابه (الفرصة السانحة)، فقال: (الحضارة والبحث في معنى الحياة منذ البدء، يطرد ويستمر، ولن ينتهي أبدا،ً لأنّ الجواب الشافي النهائي يفلت منا دائماً، ولكن الأهمية الحيوية بمكان أن ننشغل بالبحث، لأننا بهذا نهيئ لأنفسنا حياة أفضل وأعمر، ويعتقد البعض أنّ الجواب الشافي يوجد في أمهات الكتب، في حين يبحث عنه غيرهم في الدين، ولنا أن نستوثق من هذه الحقيقة وهي أنّ معنى الحياة لا يمكن أن يوجد في المادية المجردة)، بل لابد من قِيَم ٍتسود الإنسان، أما التركيز على الجانب المادي وتحويل الإنسان إلى غُولٍ يأكل بعضه بعضاً، هذا لا يحقق حياة مطمئنة للإنسان، وفي كتابه - نصر بلا حرب - يقول: (وعلينا أن نحاول إعادة تشكيل العالم سياسياً من خلال إستراتيجية تستهدف تحقق سلام حقيقي، وفي الوقت نفسه ينبغي أن لا يغيب عنا التصدي لقضية البعد الروحي في الإنسان).
الثانية: الزعيم السوفيتي (غورباتشوف)، الذي أَلَفَ كتاب البروستريكا، (ومعناها إعطاء الأولوية لتطوير المجال الاجتماعي والاهتمام بالثروة الثقافية والروحية لتقدم الإنسانية)، قال في الكتاب: (مهمتنا الرئيسة اليوم أن نرفع من روح الفرد، ونحترم عالمه الداخلي، ونعطيه قوة معنوية)، فالإنسان إذا كان في هرم القيادة عليه أن يُولي جُلَّ اهتمامه للبعد الروحي للإنسان، وهذا الكلام صدر من زعيم قاد إمبراطورية كبيرة، إلا أنه رأى أنّ مهمة السياسي الكائن على قمة الهرم، هي الاهتمام بالقيم الأخلاقية، وقال أيضاً: (ونحن نسعى بأن نجعل كل قدرات المجتمع الفكرية وكل إمكاناته الثقافية تعمل من أجل تشكيل شخص نشط اجتماعياً وغني روحياً ومستقيم وحي الضمير، وينبغي أن يعرف كل فرد ويشعر أنّ هناك حاجة إلى إسهامه، وأنّ كرامته لا تخدش، وأن يعامل بثقة واحترام وعندما يرى الفرد كل ذلك فإنّ في مقدوره أن يحقق الكثير).
مواصفات نظام حل الأزمة.
وقال (غورباتشوف): (ونحن نقترب من نهاية القرن - لأنّ تأليف كتابه كان في الثمانينات - ينبغي أن تعترف البشرية بالضرورة الحيوية للقيم)، فعالم بلا قيم هو عالم الغاب، ويقول: (رغم كافة متناقضات عالم اليوم ورغم كل تنوع الأنظمة الاجتماعية والسياسية به ورغم كافة الخيارات المختلفة التي قامت بها البلدان في مختلف الأزمنة فإنّ هذا العالم يعتبر مع ذلك كُلاً واحداً)، وهذه حقيقة، فالعالم لا يمكن أن يقاد إلاّ بنظام واحد للقضاء على الطبقية والاختلاف، وهذا ما يحققه الإمام المهدي عليه السلام، فهو يستلم القيادة للكرة الأرضية بأجمعها بقناعة تامة لأهل الأرض بأنّ هذا القائد هو الذي يحقق مصالح الجميع، لكماله من ناحية ولارتباطه بالسماء من ناحية أخرى، ثم قال: (ونحن جميعاً رُكاب على ظهر سفينة واحدة، هي الأرض وعلينا أن لا نسمح بأن تغرق هذه السفينة فلن تكون هناك سفينة نوح مرة أخرى تُنجي العالم)، وهو يشير إلى الأسلحة الفائقة الخطورة، التي لا يمكن لأحد أن ينتصر بها على أحد.
الإمام المهدي عليه السلام والأزمات البشرية.
أزمات المجتمع الإنساني الثلاث، الآنفة الذكر لن يقف الإمام المهدي عليه السلام مكتوف الأيدي تجاهها، وإنما سيعالجها بحكمة وعمق واستشراف واعٍ للمستقبل من خلال الكمال الذي يتمتع به وجوده المقدس والبعد العقدي المرتبط بالسماء، فهو عليه السلام الإنسان الكامل الذي اختاره الله تعالى كما اختار الأنبياء والرسل، وهذا ما جاءت به الروايات، قال النبي صلى الله عليه وآله: ‹‹المهدي طاووس أهل الجنة››، ومعنى طاووس أهل الجنة أنه يتمتع بكل كمال وجمال حقيقي، يجذب الغير إليه، فإذا رأت البشرية ذلك أذعنت واتبعت هذا الإنسان الكامل لأنّ اتِّباع الكامل أمر فطري، فكل إنسان يتألق في فن أو علم أو ثقافة يشد الانتباه إليه، ويجبر الآخرين قسراً أن يلتفتوا إلى ما يتمتع به من كمال، والنبي صلى الله عليه وآله أبان في حديثه عن المهدي عليه السلام صفة الجمال التي يتمتع بها الطاووس بين سائر الطيور، والمهدي عليه السلام إذا أتيح له إدارة الكرة الأرضية سيشد انتباه الجميع إلى قدراته الروحية والقيمية التي يتمتع بها، وسيخضع له الجميع طائعين.
حلَّ الأزمات الاقتصادية.
أما ما يرجع إلى المشكلة الاقتصادية، التي يعاني منها الكثير من البشر من كل أمم الأرض، فهناك أمم مسحوقة، كما يشاهد في القارة السمراء وفي بعض دول جنوب شرق آسيا، فالملايين من البشر يعيشون تحت خط الفقر، لا يجدون الكفاف من العيش، غير أنّ الله تعالى سيجمع كل خيرات الأرض بين يدي الإمام المهدي عليه السلام، وإذا اجتمعت الخيرات يعطي الناس بلا حساب، فالإنسان يأخذ كما يشاء، هذا ما جاء عن إمامنا الباقر عليه السلام، ‹‹وتجمع إليه أموال الدنيا من باطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم به الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعطه أحدٌ كان قبله››، وقال المصطفى صلى الله عليه وآله في حديثه عن عطاء المهدي عليه السلام: ‹‹يحثوا المال حثواً، ولا يَعُدُهُ عَداًَ››، وهذا ما لا يقدر عليه أحد، فلا مشاكل اقتصادية بعد أن يستتب الأمر لإمامنا المهدي عليه السلام.
علاج التفرقة العنصرية.
أما ما يرجع إلى التفاوت، المبتني على التفرقة العنصرية - والذي على أساسه ينعدم العدل - لا وجود له في عصر الإمام المهدي عليه السلام، بل، يصبح العدل أمراً لا مناص منه، هذا ما جاء في الروايات، فقد ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام، ‹‹أما والله ليَدخُلنَّ عليهم عَدلُهُ جوفَ بيوتهم كما يدخل الحر والقر- البرد -››، فلا يمكن لأحد أن يتخلص من البرد إذا جاء الشتاء، ولا يمكن لأحد أن يتخلص من الحر إذا جاء الصيف، فالجميع ستسوده عدالة السماء، ويصبح العدل ثقافة عامة سائدة على الكرة الأرضية، وسوف تحل مشكلة التفرقة العنصرية التي جعلت بعض أمم الأرض ترى نفسها متفوقة، لا تقبل المساواة مع الأمم الأخرى، حتى من ناحية تقنية وعلمية، فلا يسمحون للدول الأخرى أن تصل إلى نفس المستوى العلمي، لأنهم يرون تلكم الدول ليست مؤهلة أن تصل إلى ذلك المستوى، ويرون الغير تبعاً لهم في نظرة استعلاء لديهم. وفي عصر الإمام المهدي عليه السلام تحل المشكلة عقدياً، فهذه الشعوب التي ترى لنفسها تفوقاً، تؤمن بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وتعتقد أنه الإنسان الأكمل، الذي ينزل من السماء ليخلص الإنسانية من مآسيها، وهذه الرؤية تتقاطع مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله، ‹‹كيف أنتم إذا نزل ابنُ مريم فيكم، وإمامكم منكم››، فالمسيح عليه السلام سيُخبر هؤلاء أنّ الإمام المهدي عليه السلام هو الأكمل، وهو الذي يجب اتِّباعه والحديث لا يختص بأتباع أهل البيت عليهم السلام فقد ورد في البخاري، وهو يبين فضل المهدي عليه السلام لتقدمه على عيسى عليه السلام مع كونه من أولي العزم من الرسل، وقد أكد ابن حجر في فتح الباري هذا المعنى فقال:(تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأمة، وأنّ عيسى سينزل، ويصلي خلفه)، وهذا ما يحل مشكلة التفرقة العنصرية.
المهدي القائد الفذ.
والإمام عليه السلام لا نظير له في عالم الإمكان في كماله، وهو كما يتاح له أن يحل الأزمة الاقتصادية كما جاء في الروايات، ويحل إشكالية التفوق العنصري سيتاح له قبول الجميع بقيادته العالمية التي تتمتع بكل كمال، وحينئذ يتحقق الوعد الإلهي للبشرية، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(الأنبياء:105).
---------------
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أوليائه وأتباعه والمستشهدين بين يديه، وصلى الله وسلم وزاد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.