المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستضاءة بسيرة أهل البيت (ع)


شجون الزهراء
27-01-2015, 03:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته




حين تسير ليلاً في طريق متشعب المسارات، مليء بالحفر والنتوءات، فأنت بحاجة ماسة للاستضاءة بنور القمر، من أجل أن تحدد مسار طريقك، وتحمي نفسك من الوقوع في الحفر، والتعثر بالعراقيل.



ولو جذب نظرك سحرُ القمر، وروعة جماله، خاصة حين يكون بدراً، فاتجهت نحوه ببصرك، وحدّقت فيه سارحاً بخيالك، فإنك ستجد متعة نفسية كبيرة، لكن ذلك قد يشغلك عن النظر إلى الطريق، فتهوي في المنزلقات، وتصطدم بالعراقيل، وتتعرض للتيه والضياع.


الانشداد العاطفي لا يكفي

كذلك هي سيرة أهل البيت ، إنها كالقمر الساطع المنير، الذي نحتاج ضوءه لإنارة دروب الحياة، لكن بعضنا قد ينشغل فكريًّا وعاطفيًّا بجمال وروعة تلك السيرة الطاهرة، فيستغرق في الانبهار والإعجاب بشخصيات أئمة الهدى، وينشدّ إليهم بأحاسيسه ومشاعره، لكنه يغفل عن ترسم طريقهم في الحياة، ويفوته الأخذ بهديهم لمواجهة التحديات، وتجاوز العقبات.



ولا شك أن سيرة أهل البيت بروعتها وصفائها فيها ما يغري بالانبهار والعشق، لكن ذلك لا يصح أن يكون عوضاً وبدلاً عن الاهتداء والاقتداء، بل يجب أن يكون العشق لجمالهم المقدس دافعاً للاقتباس من هديهم، والاستضاءة بنورهم.

ونجد فيما روي عن أهل البيت تأكيداً على أن العلاقة بهم يجب أن تتأسس على قاعدة الاتباع لهم والاقتداء بهم، لا مجرد الانشداد العاطفي إليهم.

قال رجل للإمام الحسن : إني من شيعتكم.

فقال : (يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم)

وعن الباقر : (لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز و جل) .

وعن الصادق : (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا) .

وعن العسكري : (شيعة علي هم الذين يقتدون بعلي) .

إن النظر إلى أهل البيت كلوحات فنية جميلة معلقة على جدار الزمن، نتأمل روعتها وحسنها، ونظهر الإشادة والإعجاب بها، أو كقطع أثرية نادرة تعرض في متاحف التاريخ، نقوّمها بأغلى الأثمان، دون أن يكون لها انعكاس أو تأثير على مسار حياتنا، إنما يعني ذلك التنكر والتجاهل لأهم وظيفة ودور أراده الله تعالى لهذه العترة الطاهرة، وهو دور الإمامة والهداية في حياة البشر.

إن أهل البيت جديرون بكل مدح وإطراء، وأهل لكل فضيلة ومكرمة، بل ما عسى أن يقال فيهم بعد ثناء الله تعالى عليهم في كتابه المجيد، وعلى لسان نبيه الصادق الأمين .


الاقتداء هو المطلوب

إن ما يسـرّ أهل البيت ، هو معرفة نهجهم واتباع هديهم، لا مجرد الاستغراق في مدحهم وذكر فضائلهم.

كما أن الانتصار لظلامة أهل البيت ومعاناتهم من الحاسدين لهم والجائرين عليهم، لا يكون بمجرد سكب العبرات وجرّ الحسرات، وإنما بالعمل على تحقيق أهدافهم العظيمة في إعلاء كلمة الله تعالى، ونشـر العدل، وإقامة الحق.

وحدة الهدف وتنوع الأدوار


فأهل البيت لم يكونوا ذوات تبحث عن مواقع ومناصب، ولا جماعة تتطلع لمصالح خاصة، بل كانوا حملة رسالة عظيمة، وأصحاب قيم سامية، كرسوا وجودهم وحياتهم من أجل خدمة الرسالة ونشر القيم.

وقد تنوعت الظروف الاجتماعية والأوضاع السياسية التي عاصروها طيلة قرنين ونصف من الزمن، مما فرض تنوع الأدوار والمواقف في سيرتهم، مع وحدة الاتجاه والهدف.

إن المصلحة العامة للدين والأمة هي الهدف الأساس الثابت لأئمة أهل البيت .

أما منهجية العمل والموقف فهي متحركة حسب مقتضيات الواقع الاجتماعي.

ذلك أن الثبات ضمن منهجية دور وموقف محدد، لا يستجيب لتغيرات الواقع، أمر مخالف لمنطق العقل، وسيرة الأنبياء ، كما يضـر بالرسالة، ويفوّت فرص خدمتها.

من هنا كان تنوع المواقف والأدوار في سيرة أئمة أهل البيت ، على الصعيد السياسي والاجتماعي. حيث نجد منهم من قام بأعباء الحكم، ومن صالح متنازلاً عن الحكم، ومن ثار في وجه السلطة، ومن هادن ووادع السلطة، ومن قبل منصب ولاية العهد، ومن تحمّل عناء السجون والإقامة الجبرية..

ونجد من تصدى للحركة العلمية، ومن ركز على التربية الإيمانية الأخلاقية، ومن اهتم بحاجات الفقراء والمساكين، بمعنى أن تكون هذه الصفة أو تلك هي الأبرز في سيرته وعهده.

لذا فإن علينا أن نقرأ سيرة أهل البيت بموضوعية وشمول، حتى لا نقع في أسر الأُحادية والفهم المبتور.


الاجتهاد في فهم الواقع


وإذا كان تنوع الأدوار والمواقف في سيرة أهل البيت حقيقة تاريخية لا جدال فيها، فإن إسقاط هذا الدور أو ذاك الموقف على واقع اجتماعي سياسي معاصر، يكون مورداً قابلاً للاختلاف وتفاوت وجهات النظر، من حيث تشخيص الواقع الخارجي، وتحديد الموقف الأصلح في التعامل معه.

وحين يختلف التشخيص للواقع، فقد يترتب عليه الاختلاف في الموقف المختار، وبإمكان كل طرف أن يجد في سيرة أهل البيت وفي مجمل التراث الديني، ما يستدل به على صحة موقفه ومشـروعيته، لكنه لا يستطيع إدانة موقف الطرف الآخر، ما دام يتفق معه في المبادئ والقيم، ويختلف معه في التشخيص والتقويم.

فالخلاف ليس على مشـروعية الثورة والمعارضة، ولا على مشـروعية المصالحة والمهادنة، فكلاهما له أصل في الدين، وممارسة في سيرة أهل البيت ، إنما الخلاف وتفاوت الاجتهاد في تشخيص وتقويم الواقع الخارجي، واستلزامه لهذا الموقف أو ذاك.


مواقف الأئمة والمعارضون

وقد واجه أئمة أهل البيت أنفسهم بعض الاعتراضات على مواقفهم السياسية من قبل معاصرين لهم، فكانوا يجيبون المعترضين، بتبيين رأيهم في تشخيص الواقع الذي اقتضى منهم ذلك الموقف.

كما أجاب الإمام الحسن المعترضين على صلحه لمعاوية، وأجاب الإمام الحسين الناصحين له بعدم الخروج إلى العراق ومواجهة الحكم الأموي، وأجاب الإمام الصادق الداعين له للانضمام إلى حركة الثورات على السلطة.



ففي تلك الإجابات لم يكن النقاش في مبدأ الجهاد ورفض الظلم، ولا في ضرورة مراعاة المصلحة العامة، وإنما الكلام حول مقتضيات الظرف والواقع.

وكمثال واضح ننقل ما رواه الكليني في الكافي ج 5 صفحة 19 عن عبدالملك بن عمر قال: «قلت لأبي عبد الله (جعفر الصادق) : إن الزيدية يقولون: ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا أنه لا يرى الجهاد. فقال : أنا لا أراه؟ بلى والله إني لأراه ولكن أكره أن أدع علمي إلى جهلهم».

هكذا يحدد الإمام أنه لا يختلف معهم في مبدأ الجهاد، لكنه يعلم من مقتضى الواقع ما يجهلون