شجون الزهراء
31-01-2015, 02:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وفي الحديث النبوي المروي عن الطرفين: (ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا) . ويعني هذا فيما يعني - على ما يبدو - ما يكون من جدال بالباطل نحو ما جاء في سورة غافر: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) .
وفي سورة غافر: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) . إذ يضيف لنفسه الكبر وهو ضلال أيضا فيصر على العناد .
فهنا تأتي كلمة أترك الجدال ولو كان على حق ما تجادل فيه، وعلى باطل ما يجادل به الآخر، طبعا هذا بعد مقارعته بالحجج، فليس يعني هذا لا تجادله بل يعني أترك مجادلته بعد الحجة، إن أصر على الكبر والعناد فتكون بذلك قد خرجت عن مسؤولية الأمر بالمجادلة في (وجادلهم) .
وكذلك ورد النهي عن الجدل (ولا تجادلهم عن الذين يختانون أنفسهم) (1) .
وفي آية أخرى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) (2) .
ـــــــــــــ
(1) سورةالنساء:الآية 107 .
(2) سورةالحج:الآية 3 . (*)
فلنجادل بالحسنى - ومن باب أولى أن يكون بالتي هي أحسن بيننا نحن المسلمين، لا أن يفتح أحدنا باب الجدال مع أخيه بالتي هي أسوء . كاتهامه بالشرك، كما حدث لكثير من الحجاج الذين قبلوا ضريح النبي (صلى الله عليه وآله) فزجرهم الآخرون (شرك . شرك . شرك . . ومع الضرب بالعصا فاقتصر هنا على ذكر بعض ما صدر من بعض المشوشين على بعض أهل الزعامة ومثلا من ذلك).
محاورة ظريفة إن أبا حنيفة أسمع بهلول بن عمرو وكان قد مر به . قال: لقد تكلم جعفر الصادق بن محمد بثلاث مسائل ما يعجبني كلامه فيها . يقول إن أفعال الخلق مستنده إليهم مع أن الآيات دالة على أن الله فاعل كل شئ .
ويقول: إن الله موجود لكن لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة . وهل يكون موجود من لا يرى . . ؟ ما هذا إلا تناقض، ويقول: أن الشيطان خلق من النار ويعذب بالنار، فكيف يعذب الشئ بجنسه ؟ فما كان من بهلول إلا أن تناول حجرا وضرب به رأس أبي حنيفة وشجه . فذهب إلى القاضي يشتكي منه فأحضرهما القاضي وقال لبهلول: أأنت ضربته . . ؟ قال: نعم . قال له: ولم ؟ فقال: أيها القاضي إن هذا الرجل غلط جعفر بن محمد في ثلاث مسائل فهاكها في الرد عليه:
الأولى: إن أبا حنيفة يزعم أن الأفعال لا فاعل لها إلا الله فهذه الضربة من الله فما تقصيري . . ؟
الثانية: يقول أن كل موجود لا بد أن يرى فهذا الوجع الذي في رأسه موجود لكن لا يراه أحد . أهو أبيض أم أسود . . ؟
الثالثة: يقول إن الشئ لا يتعذب بجنسه وهو مخلوق من التراب وهذا الحجر من التراب أيضا فكيف يتعذب بجنسه . . ؟ فلم يدر القاضي ولا أبو حنيفة بماذا يجيبان . محاورة أخرى أظرف وفي نهاية المطاف ولتعميم الفائدة أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم المحاورة التي جرت بين أبي حنيفة وفضال بن الحسين بن فضال الكوفي على ما نقلها الشيخ قطب الدين أبو الحسن سعد بن هبة الله الراوندي في سنة (573 ه) في كتابه الخرايج والجرايح، قال: لما أراد الحسين (عليه السلام) أن يدفن الحسن (عليه السلام) عند جده أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية وقال: أيدفن عثمان أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا . ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم أتريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب . فقال ابن عباس لمروان: انصرفوا لا نريد دفن صاحبنا فإنه كان أعلم وأعرف بحرمة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير أن يطرق عليه . هجما كما طرق عليه غيره هجما بيته بغير إذنه انصرف ونحن ندفنه بالبقيع كما وصى . ثم قال لعائشة: واسوأتاه يوما على جمل ويوما على بغل، وفي رواية يوما تجملت ويوما تبغلت وإن عشت تفيلت . فأخذ الشاعر الحسين بن الحجاج البغدادي فقال: يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت لك التسع من الثمن وبالكل تحكمت تجملتي (1) تبغلتي (2) وإن عشت تفيلتي قال الراوندي: بيان قوله لك التسع من الثمن إنما كان في مناظرة فضال بن الحسين بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة فقال له فضال: قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) . منسوخ أو غير منسوخ قال: غير منسوخ . قال: ما تقول في خير الناس بعد رسول الله أبو بكر أو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فقال: أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره فأي حجة تريد أوضح من هذه في فضلهما . فقال له فضال: لقد ظلما إذا أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق وإن كان الموضع لهما ووهباه من رسول الله لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما، وقد أقررت أن قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) غير منسوخ فأطرق ثم قال: لم يكن له ولا لهما خاصة لكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما . فقال له فضال: أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع حشايا وكان لهن الثمن لمكان فاطمة فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبره والحجرة كذا وكذا طولا وعرضا فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك .
ــــــــــــــ
(1) إشارة إلى ركوبها الجمل .
(2)إشارة إلى ركوبها البغلة يوم منعت دفن الحسن بجانب جده . (*)
وبعد فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنته لا ترثه ومنعت الميراث فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة . فقال أبو حنيفة نحوه عيني فإنه رافضي خبيث (1) .
ــــــــــــــــــ
(1) الخرايجوالجرايح:ص 24،بحر المعارف:ص 144 . (*)
نعم هكذا كان الجدل، مقارعة الحجة بالحجة فهذه الإشاعة ليست إلا تهربا من الدليل . وهكذا كانت سيرة المخالفين حين لا يجدون جوابا يتهمون الآخرين بالرفض وهكذا كانت سياسة القوم تعتمد على التأويل والتبرير والإشاعات والأبواق المأجورة للتغطية على الحقائق حيث منعوا بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) السيدة فاطمة من جميع حقوقها الشرعية والاجتماعية حتى ماتت حزنا وأسى .
لفتت نظري محاورة بين السيدة عائشة وأم سلمة (رض) قالت لها أم سلمة: لقد سمعت رسول الله يقول: علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني . أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟
فقالت عائشة: اللهم نعم . قالت أم سلمة: فاتق الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسوله ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب . وبعد هذه النصيحة وهذا التذكير من أم سلمة خرجت عائشة من عندها وهي حنقة عليها (1) .
فلما خرجت لمحاربة الإمام حلفت أم سلمة ألا تكلمها أبدا فلما رجعت عائشة من حرب الجمل دخلت على أم سلمة فقالت عائشة السلام عليك يا أم المؤمنين . فقالت أم سلمة يا حائط ألم أنهك ألم أقل لك ؟ ! فقالت عائشة فإني أستغفر الله وأتوب إليه كلميني يا أم المؤمنين ؟ قالت: يا حائط ألم أقل لك ؟ ألم أنهك فلم تكلمها حتى ماتت (2) .
ــــــــــــــــ
)1) الفتوحلابن أعثم: 2 - 283،شرح النهج: 6 - 217،المعيار والموازنة:ص - 29 .
(2) المحاسن والمساوئ:للبيهقي: ص 297 - 298 . (*)
مقارنات (بين إرث عائشة، وحرمان فاطمة) عائشة تطالب بالإرث وطلب نساء النبي إرثهن على حسب الجبلة البشرية والعرف . إلا أن عائشة بعد موت الزهراء نسيت هذا الحديث ورجعت إلى الحق والفطرة البشرية فتراها تطرق باب عثمان للمطالبة بإرثها من النبي (صلى الله عليه وآله) .
روى شريك بن عبد الله في حديث رفعه أن عائشة وحفصة جاءتا عثمان حين نقص أمهات المؤمنين ما كان يعطيهن عمر فسألتاه أن يعطيهما ما فرض عمر فقال: لا والله ما ذاك لكما عندي . فقالتا له: تأتنا ميراثنا من رسول الله من حيطانه، وكان عثمان متكئا فجلس وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) جالسا عنده فقال: ستعلم فاطمة أي ابن عم لها اليوم: ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر ولفقتما ومعكما أعرابيا يتطهر ببوله مالك بن الحويرث من الحدثين فشهدتم أن النبي قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما وإن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . فقالتا له: يا نعثل والله لقد شبهك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنعثل اليهودي . فقال لهما: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) . أخرج ابن داود وابن ماجة عن عامر عن سعد بن أبيه قال: مرضت عام الفتح حتى أشفيت على الموت فعادني رسول الله فقلت: أي رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي . أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال: لا . قلت: فالشطر ؟ قال: لا . قلت: فالثلث ؟ قال: الثلث والثلث كثير إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس فكيف يأمر رسول الله بذلك ويترك ابنته وهو يعلم ما ستلاقي من الظلم والاضطهاد وقد ردت الزهراء الحديث الذي ادعاه أبو بكر بالأدلة والآيات المحكمة في خطبتها الغراء التي قالت فيها: (يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! ! أفعلى عمد تركتم كتاب ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) .
وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) . فخرجنا من عنده (1) .
ـــــــــــــــ
(1) الإيضاحللفضل بن شاذان ص (258 - 268) .
هذا الكلام من عثمان كان صاعقة عليهما لأنه يحمل آيات الحق ويبين ظلمهما للزهراء (عليها السلام) لما لفقتا كذبا وزورا لمنع الزهراء من إرث أبيها . الزهراء (عليها السلام) تطالب بالإرث وبناء على مذهب أهل السنة فإن عائشة لا تملك شيئا ولا سائر أخواتها من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وهذه الحقيقة من أبرز ما وقع فيه الخلاف بعد الخلافة، فبعد أن استولى أبو بكر على الخلافة صادر أموال النبي (صلى الله عليه وآله) ومنع الزهراء مما أعطاها النبي (صلى الله عليه وآله) في مال حياته فأخذ منها فدك وأخرج عاملها منها فجاءته الزهراء (عليها السلام) وطالبته بإرثها من أبيها وما أفاء الله عليه من المدينة وما بقي من خمس خيبر وفدك فأجابها أبو بكر بما أخرجه البخاري وغيره من كبار أئمة الحديث بما نصه: قال أبو بكر: إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملت فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي (عليه السلام) ليلا ولم يؤذن لها أبو بكر (1) .
وفي عبارة أخرى: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن النبي لا يورث (2) وفي عبارة ثالثة: حدثني رسول الله إن الله يطعم النبي (صلى الله عليه وآله) الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت (3) .
وفي عبارة رابعة: قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنما هي طعمة أطعمني إياها الله في حياتي ما دامت فهي بين المسلمين (4) .
ــــــــــــــــ
(1) صحيحالبخاري: 5 - 177 و 8 - 185،صحيح مسلم: 3 - 1280،سنن البيهقي: 6 - 30 .
(2) شرح النهجلابن أبي الحديد المعتزلي: 16 - 219 .
(3) المصدر السابق: 16 - 223 .
(4) فتوح البلدان:ص 38 . (*)
لقد أنكرت سيدة نساء العالمين على أبي بكر هذا الحديث لأنه خلاف القرآن وسيرة الأنبياء والعرف البشري منذ خلق الله الإنسان .
وحاشا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) الذي كان يعلم ما سيحل بأهل بيته أن يتركهم حتى يحتاجوا إلى الناس، وكيف يمنع أهل بيته من الإرث وهو الذي منع أحد أصحابه أن يتصدق بشطر ماله .
ثم قالت: أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ ! فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون . ولا ينفعكم إذ تندمون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) (1) .
ـــــــــــــــ
(1) توجد هذه الخطبة الموجهة لأبيبكر:بلاغات النساء:ص 14أعلامالنساء: 3 - 1208،شرح النهج: 16 - 211،وقد أخرجها الطبرسي فيالإحتجاج . (*)
فسبحان من خصها بهذا البيان القاطع والبلاغة الواضحة حيث أنها لم تبق للخليفة أي مهرب وقد استدلت بتوريث الأنبياء ثم بتوريث الناس . وهذه الآيات كلها عامة فكيف يخص بها محمد (صلى الله عليه وآله) دون غيره من سائر بني الإنسان .
ولذا كان أبو بكر متهما بحديثه الذي تفرد به دون سائر الصحابة . وهذا الحديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده .
وإن حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) مخالف للقرآن والعرف البشري ومنه منع أبي بكر الزهراء (عليها السلام) من إرثها وكان خلاف القرآن والسنة الطبيعية البشرية فلذا غضبت عليه وقاطعته وقد منعته من الدخول عليها لعيادتها، وبقيت غاضبة عليه حتى ماتت وأوصت أن تدفن ليلا ولا يصلي عليها وكانت تدعو عليه دبر كل صلاة كما تقدم، وهذا المنع للزهراء (عليها السلام) إنما وقع عليها خاصة دون العالمين لأسباب سياسية حتى لا تأتي في اليوم الثاني وتطالب بالخلافة لزوجها فلا يمكن للخليفة الذي صدقها في دعواها بالأمس في الإرث أن يكذبها في دعواها الخلافة اليوم .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وفي الحديث النبوي المروي عن الطرفين: (ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا) . ويعني هذا فيما يعني - على ما يبدو - ما يكون من جدال بالباطل نحو ما جاء في سورة غافر: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) .
وفي سورة غافر: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) . إذ يضيف لنفسه الكبر وهو ضلال أيضا فيصر على العناد .
فهنا تأتي كلمة أترك الجدال ولو كان على حق ما تجادل فيه، وعلى باطل ما يجادل به الآخر، طبعا هذا بعد مقارعته بالحجج، فليس يعني هذا لا تجادله بل يعني أترك مجادلته بعد الحجة، إن أصر على الكبر والعناد فتكون بذلك قد خرجت عن مسؤولية الأمر بالمجادلة في (وجادلهم) .
وكذلك ورد النهي عن الجدل (ولا تجادلهم عن الذين يختانون أنفسهم) (1) .
وفي آية أخرى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) (2) .
ـــــــــــــ
(1) سورةالنساء:الآية 107 .
(2) سورةالحج:الآية 3 . (*)
فلنجادل بالحسنى - ومن باب أولى أن يكون بالتي هي أحسن بيننا نحن المسلمين، لا أن يفتح أحدنا باب الجدال مع أخيه بالتي هي أسوء . كاتهامه بالشرك، كما حدث لكثير من الحجاج الذين قبلوا ضريح النبي (صلى الله عليه وآله) فزجرهم الآخرون (شرك . شرك . شرك . . ومع الضرب بالعصا فاقتصر هنا على ذكر بعض ما صدر من بعض المشوشين على بعض أهل الزعامة ومثلا من ذلك).
محاورة ظريفة إن أبا حنيفة أسمع بهلول بن عمرو وكان قد مر به . قال: لقد تكلم جعفر الصادق بن محمد بثلاث مسائل ما يعجبني كلامه فيها . يقول إن أفعال الخلق مستنده إليهم مع أن الآيات دالة على أن الله فاعل كل شئ .
ويقول: إن الله موجود لكن لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة . وهل يكون موجود من لا يرى . . ؟ ما هذا إلا تناقض، ويقول: أن الشيطان خلق من النار ويعذب بالنار، فكيف يعذب الشئ بجنسه ؟ فما كان من بهلول إلا أن تناول حجرا وضرب به رأس أبي حنيفة وشجه . فذهب إلى القاضي يشتكي منه فأحضرهما القاضي وقال لبهلول: أأنت ضربته . . ؟ قال: نعم . قال له: ولم ؟ فقال: أيها القاضي إن هذا الرجل غلط جعفر بن محمد في ثلاث مسائل فهاكها في الرد عليه:
الأولى: إن أبا حنيفة يزعم أن الأفعال لا فاعل لها إلا الله فهذه الضربة من الله فما تقصيري . . ؟
الثانية: يقول أن كل موجود لا بد أن يرى فهذا الوجع الذي في رأسه موجود لكن لا يراه أحد . أهو أبيض أم أسود . . ؟
الثالثة: يقول إن الشئ لا يتعذب بجنسه وهو مخلوق من التراب وهذا الحجر من التراب أيضا فكيف يتعذب بجنسه . . ؟ فلم يدر القاضي ولا أبو حنيفة بماذا يجيبان . محاورة أخرى أظرف وفي نهاية المطاف ولتعميم الفائدة أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم المحاورة التي جرت بين أبي حنيفة وفضال بن الحسين بن فضال الكوفي على ما نقلها الشيخ قطب الدين أبو الحسن سعد بن هبة الله الراوندي في سنة (573 ه) في كتابه الخرايج والجرايح، قال: لما أراد الحسين (عليه السلام) أن يدفن الحسن (عليه السلام) عند جده أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية وقال: أيدفن عثمان أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا . ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم أتريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب . فقال ابن عباس لمروان: انصرفوا لا نريد دفن صاحبنا فإنه كان أعلم وأعرف بحرمة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير أن يطرق عليه . هجما كما طرق عليه غيره هجما بيته بغير إذنه انصرف ونحن ندفنه بالبقيع كما وصى . ثم قال لعائشة: واسوأتاه يوما على جمل ويوما على بغل، وفي رواية يوما تجملت ويوما تبغلت وإن عشت تفيلت . فأخذ الشاعر الحسين بن الحجاج البغدادي فقال: يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت لك التسع من الثمن وبالكل تحكمت تجملتي (1) تبغلتي (2) وإن عشت تفيلتي قال الراوندي: بيان قوله لك التسع من الثمن إنما كان في مناظرة فضال بن الحسين بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة فقال له فضال: قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) . منسوخ أو غير منسوخ قال: غير منسوخ . قال: ما تقول في خير الناس بعد رسول الله أبو بكر أو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فقال: أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره فأي حجة تريد أوضح من هذه في فضلهما . فقال له فضال: لقد ظلما إذا أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق وإن كان الموضع لهما ووهباه من رسول الله لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما، وقد أقررت أن قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) غير منسوخ فأطرق ثم قال: لم يكن له ولا لهما خاصة لكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما . فقال له فضال: أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع حشايا وكان لهن الثمن لمكان فاطمة فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبره والحجرة كذا وكذا طولا وعرضا فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك .
ــــــــــــــ
(1) إشارة إلى ركوبها الجمل .
(2)إشارة إلى ركوبها البغلة يوم منعت دفن الحسن بجانب جده . (*)
وبعد فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنته لا ترثه ومنعت الميراث فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة . فقال أبو حنيفة نحوه عيني فإنه رافضي خبيث (1) .
ــــــــــــــــــ
(1) الخرايجوالجرايح:ص 24،بحر المعارف:ص 144 . (*)
نعم هكذا كان الجدل، مقارعة الحجة بالحجة فهذه الإشاعة ليست إلا تهربا من الدليل . وهكذا كانت سيرة المخالفين حين لا يجدون جوابا يتهمون الآخرين بالرفض وهكذا كانت سياسة القوم تعتمد على التأويل والتبرير والإشاعات والأبواق المأجورة للتغطية على الحقائق حيث منعوا بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) السيدة فاطمة من جميع حقوقها الشرعية والاجتماعية حتى ماتت حزنا وأسى .
لفتت نظري محاورة بين السيدة عائشة وأم سلمة (رض) قالت لها أم سلمة: لقد سمعت رسول الله يقول: علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني . أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟
فقالت عائشة: اللهم نعم . قالت أم سلمة: فاتق الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسوله ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب . وبعد هذه النصيحة وهذا التذكير من أم سلمة خرجت عائشة من عندها وهي حنقة عليها (1) .
فلما خرجت لمحاربة الإمام حلفت أم سلمة ألا تكلمها أبدا فلما رجعت عائشة من حرب الجمل دخلت على أم سلمة فقالت عائشة السلام عليك يا أم المؤمنين . فقالت أم سلمة يا حائط ألم أنهك ألم أقل لك ؟ ! فقالت عائشة فإني أستغفر الله وأتوب إليه كلميني يا أم المؤمنين ؟ قالت: يا حائط ألم أقل لك ؟ ألم أنهك فلم تكلمها حتى ماتت (2) .
ــــــــــــــــ
)1) الفتوحلابن أعثم: 2 - 283،شرح النهج: 6 - 217،المعيار والموازنة:ص - 29 .
(2) المحاسن والمساوئ:للبيهقي: ص 297 - 298 . (*)
مقارنات (بين إرث عائشة، وحرمان فاطمة) عائشة تطالب بالإرث وطلب نساء النبي إرثهن على حسب الجبلة البشرية والعرف . إلا أن عائشة بعد موت الزهراء نسيت هذا الحديث ورجعت إلى الحق والفطرة البشرية فتراها تطرق باب عثمان للمطالبة بإرثها من النبي (صلى الله عليه وآله) .
روى شريك بن عبد الله في حديث رفعه أن عائشة وحفصة جاءتا عثمان حين نقص أمهات المؤمنين ما كان يعطيهن عمر فسألتاه أن يعطيهما ما فرض عمر فقال: لا والله ما ذاك لكما عندي . فقالتا له: تأتنا ميراثنا من رسول الله من حيطانه، وكان عثمان متكئا فجلس وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) جالسا عنده فقال: ستعلم فاطمة أي ابن عم لها اليوم: ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر ولفقتما ومعكما أعرابيا يتطهر ببوله مالك بن الحويرث من الحدثين فشهدتم أن النبي قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما وإن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . فقالتا له: يا نعثل والله لقد شبهك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنعثل اليهودي . فقال لهما: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) . أخرج ابن داود وابن ماجة عن عامر عن سعد بن أبيه قال: مرضت عام الفتح حتى أشفيت على الموت فعادني رسول الله فقلت: أي رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي . أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال: لا . قلت: فالشطر ؟ قال: لا . قلت: فالثلث ؟ قال: الثلث والثلث كثير إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس فكيف يأمر رسول الله بذلك ويترك ابنته وهو يعلم ما ستلاقي من الظلم والاضطهاد وقد ردت الزهراء الحديث الذي ادعاه أبو بكر بالأدلة والآيات المحكمة في خطبتها الغراء التي قالت فيها: (يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! ! أفعلى عمد تركتم كتاب ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) .
وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) . فخرجنا من عنده (1) .
ـــــــــــــــ
(1) الإيضاحللفضل بن شاذان ص (258 - 268) .
هذا الكلام من عثمان كان صاعقة عليهما لأنه يحمل آيات الحق ويبين ظلمهما للزهراء (عليها السلام) لما لفقتا كذبا وزورا لمنع الزهراء من إرث أبيها . الزهراء (عليها السلام) تطالب بالإرث وبناء على مذهب أهل السنة فإن عائشة لا تملك شيئا ولا سائر أخواتها من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وهذه الحقيقة من أبرز ما وقع فيه الخلاف بعد الخلافة، فبعد أن استولى أبو بكر على الخلافة صادر أموال النبي (صلى الله عليه وآله) ومنع الزهراء مما أعطاها النبي (صلى الله عليه وآله) في مال حياته فأخذ منها فدك وأخرج عاملها منها فجاءته الزهراء (عليها السلام) وطالبته بإرثها من أبيها وما أفاء الله عليه من المدينة وما بقي من خمس خيبر وفدك فأجابها أبو بكر بما أخرجه البخاري وغيره من كبار أئمة الحديث بما نصه: قال أبو بكر: إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملت فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي (عليه السلام) ليلا ولم يؤذن لها أبو بكر (1) .
وفي عبارة أخرى: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن النبي لا يورث (2) وفي عبارة ثالثة: حدثني رسول الله إن الله يطعم النبي (صلى الله عليه وآله) الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت (3) .
وفي عبارة رابعة: قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنما هي طعمة أطعمني إياها الله في حياتي ما دامت فهي بين المسلمين (4) .
ــــــــــــــــ
(1) صحيحالبخاري: 5 - 177 و 8 - 185،صحيح مسلم: 3 - 1280،سنن البيهقي: 6 - 30 .
(2) شرح النهجلابن أبي الحديد المعتزلي: 16 - 219 .
(3) المصدر السابق: 16 - 223 .
(4) فتوح البلدان:ص 38 . (*)
لقد أنكرت سيدة نساء العالمين على أبي بكر هذا الحديث لأنه خلاف القرآن وسيرة الأنبياء والعرف البشري منذ خلق الله الإنسان .
وحاشا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) الذي كان يعلم ما سيحل بأهل بيته أن يتركهم حتى يحتاجوا إلى الناس، وكيف يمنع أهل بيته من الإرث وهو الذي منع أحد أصحابه أن يتصدق بشطر ماله .
ثم قالت: أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ ! فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون . ولا ينفعكم إذ تندمون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) (1) .
ـــــــــــــــ
(1) توجد هذه الخطبة الموجهة لأبيبكر:بلاغات النساء:ص 14أعلامالنساء: 3 - 1208،شرح النهج: 16 - 211،وقد أخرجها الطبرسي فيالإحتجاج . (*)
فسبحان من خصها بهذا البيان القاطع والبلاغة الواضحة حيث أنها لم تبق للخليفة أي مهرب وقد استدلت بتوريث الأنبياء ثم بتوريث الناس . وهذه الآيات كلها عامة فكيف يخص بها محمد (صلى الله عليه وآله) دون غيره من سائر بني الإنسان .
ولذا كان أبو بكر متهما بحديثه الذي تفرد به دون سائر الصحابة . وهذا الحديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده .
وإن حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) مخالف للقرآن والعرف البشري ومنه منع أبي بكر الزهراء (عليها السلام) من إرثها وكان خلاف القرآن والسنة الطبيعية البشرية فلذا غضبت عليه وقاطعته وقد منعته من الدخول عليها لعيادتها، وبقيت غاضبة عليه حتى ماتت وأوصت أن تدفن ليلا ولا يصلي عليها وكانت تدعو عليه دبر كل صلاة كما تقدم، وهذا المنع للزهراء (عليها السلام) إنما وقع عليها خاصة دون العالمين لأسباب سياسية حتى لا تأتي في اليوم الثاني وتطالب بالخلافة لزوجها فلا يمكن للخليفة الذي صدقها في دعواها بالأمس في الإرث أن يكذبها في دعواها الخلافة اليوم .