شجون الزهراء
31-01-2015, 12:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
هل نجحت الزهراء (عليها السلام) في صراعها اولا؟
وهذا السؤال يواجه كل تحرك وكل عمل اجتماعي أو سياسي أو اصلاحي من أيّ نمط كان فنحتاج للاستفادة من هذه التجربة لنفكر ونتأمل في النتائج التي حققتها الزهراء (عليها السلام) كمعالم لانتصارها أو الخسائر التي قدمتها كعلامات لتضحيتها.
يمكن أن نقول أن هذه المقاييس باجمعها خاطئة من جهة انها لم تتخذ الهدف الذي ينبغي أن يكون هدفاً في كل تفاصيل حركة الإنسان و الغاية القصوى له، ألا وهو تحقيق رضى الله تعالى من خلال أداء التكليف الشرعي، ولا يمكن ان نحكم على أي مشروع بالفشل أو النجاح لانه لاقى رواجاً وترحيباً جماهيرياً واسعاً، أو حقق مكاسب عظيمة من دون أن يكون مرتبطاً بالمنهج الشرعي ومنسجماً مع التكليف الإلهي.
وهذا الامر من الواضحات التي نجدها غائبة عن أذهان الكثير من الناس.
حينما نلاحظ أهداف الزهراء (عليها السلام) في حركتها القصيرة الأمد. والصاعقة والقوية إلى أبعد الحدود في حماسها وإندفاعها وتأثيرها على مجريات الأحداث، يمكن أن نشخص ان:
الهدف الأول: والأقصى هو تحقيق رضى الله عزوجل، ولكن لاجل الوصول لهذا الهدف لابد من أهداف متوسطة تكون طريقاً ووسيلة لتحقيق ذلك الهدف الاسمى.
الهدف الثاني: اقامة الحجة وهداية الناس للحق، الذي واجه معارضة كبرى في فترة حرجة جدّاً من التأريخ.
الهدف الثالث: عود الحق إلى نصابه ورجوع الخلافة المغتصبة إلى صاحبها الشرعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فهل الزهراء (عليها السلام) حققت هذه الاهداف أواستشهدت دون تحقيقها؟
الهدف الأول والاقصى، فلا ريب انه تحقق، ولا يمكن ان لا يتحقق، لان الزهراء (عليها السلام) معصومة ولانها ممن يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها (1) وما ذلك إلا لأن رضاها وغضبها (عليها السلام) وفق الموازين الحقيقية للرضا والغضب فهي علامة وميزان لرضى الله عزوجل ولغضبه.
وإذا ذلك تحقق فليكن ما يكون من بعده، كما قال ولدها علي الأكبر (عليه السلام): ¥لا نبالي أن نموت محقين ¤(2).
اذن بتحقيق هذا الهدف ضمنَا في بداية حديثنا ان الزهراء (عليها السلام) قد حققت هدف اهدافها - ان صح التعبير -، نعم قد لا يكون تحقيق هذه الاهداف بالمرتبة العليا التي كانت تسعى إليها سيدة النساء (عليها السلام)، ولم يكن بالطريقة المثلى التي كانت تحاول سيدة نساء العالمين تحقيقه.
الهدف الثاني: (إقامة الحجة وهداية من يستحق الهداية)
وهو طريق إلى الهدف الأول و هذا الهدف هو هدف الانبياء على مرّ التاريخ، وبتحقيق هذا الهدف وعدمه يمكن أن تقيّم مسيرة الرسالات السماوية من بعدها الاجتماعي.
الزهراء (عليها السلام) كبضعة للمصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حققت هذا الهدف وباكمل وجه فان الحق الذي تآمر عليه أغلبية المسلمين لتضيعيه واشتركوا في هذه المؤامرة ولو اشتراك صمت واستسلام وخضوع للأشخاص المنافقين الذين كانوا يحيكون تلك المؤامرة، وكان الأمر يبدو للمراقب للأحداث وكأن المسلمين قد اجمعوا على انتخاب خليفة آخر غير من نصَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الاجماع والتطابق الذي يبدو وكأنه يمثل نظرة الإسلام إلى الخلافة خصوصاً وانه جاء في عصر ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرةً فيمكن ان تكون قوته التعبيرية عن الخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدرجه أقوى من كل ما يفرض من احتمالات اخرى، فلو كان هذا الانحراف قد ظهر وتحقق عند الخليفة الشرعي الخامس أو السادس لما كان هذا الأمر بهذا المستوى من الخطورة، أما أن ينفذ مشروع الخلافة وبشكل مباشر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذه الطريقه، فهذا يهدد اصل تشريع الخلافة بالتلاشي والذوبان.
فكان دور الزهراء (عليها السلام) أن تحققّ اقامة الحجة من خلال وسيلتين:
الوسيلة الأولى: أن تفضح هذه المؤامرة وان تتحدث في مركز العاصمة الإسلامية ومن الموقع الذي كان يمثل محور وموقع القيادة التي كانت تقاد الأمة من خلاله وهو مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتلقي تلك الخطبة التي حفظها لنا التاريخ و لتؤبن الخلافة الشهيدة المضيّعة، ولتنعى ذلك الجيل الذي سرعان ما ضيّع أمانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي خلفّها بعده ولتسجل انها ـ وهي بضعة ابيها ـ رافضة كل الرفض لهذا الانحراف، فإذا أراد أي أحد أن يعرف رأي الإسلام ورأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمكن أن يلمس ذلك من خلال بضعته الزهراء سيدة نساء العالمين التي لم يكن يتمكن أيّ أحد ان يجد فيها أي مهمز أو مغمز يؤثر على حجيتها.
ثم خطبت مرّة اخرى خطاباً نسوياً تحدثت فيه مع نساء المهاجرين والانصار وبصراحة اكثر وبوضوح لتبين التخاذل والنكوص عن نصرتها وتلبية نداءاتها التي انطلقت في المسجد النبوي الشريف ولتنعى للأمة الأمة نفسها ولتبين أن هذه الأمة قد تحقق فيها نبوأة القرآن الكريم حيث قال: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [(3)
كانت الزهراء (عليها السلام) على ما نزل بها من البلاء وعلى ما تعيشه من المصاب برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يحمله جسدها الواهن من جراحات تدور في ظلام المساء على بيوت المهاجرين والانصار وتطرق الابواب باباً باباً وتدعوهم لنصرتها ـ وهذا أمر عندما يتكلم به الإنسان يعتصر قلبه بالالم ويكاد يجزع له- فالزهراء (عليها السلام) بمقامها الشامخ وبعزّها الذي لا يرقى إليه عزّ، وببيتها الذي كان اول بيت يستقبل به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينته عندما يعود إليها وآخر بيت يودع منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينته عندما يخرج منها، ذلك البيت الذي طالما وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بابه ليقول ويؤكد ان هذه الآية نزلت في ذلك البيت ويكرر: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (4)
فهذه الزهراء الكريمة العزيزة تخرج من بيتها لتطرق الابواب ولتطلب النصرة وهم بمنتهى التخاذل وعندما تخاطبهم لا تخاطبهم خطاباً جمعياً لئلا يتأثر بعض المتخاذلين بتخاذل البعض الآخر ويشيع جو التخاذل بينهما، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة إلا الخذلان ورغم ذلك أدّت هذا الدور صلوات الله عليها. وعلى ضوء هذا الدور الكبير قد يمكن ان نفسر ماورد عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) من: ¥نحن حجج الله على خلقه وامنا فاطمة حجة الله علينا¤ فانها (عليها السلام) اقامت الحجة للقاصي والداني على امامة حجج الله على الخلق وهم الائمة الاثنا عشر (عليهم السلام)0
الوسيلة الثانية: إنها حمت إمام الأمة أمير المؤمنين (عليه السلام) القتل ومن البيعة التي هي قتل معنوي لامير المؤمنين اولاً ولخلافته ثانياً أي حمته من أن يقتل إذا رفض البيعة، وإذا قتل فان صاحب الحق سيُغيّب بعد أن غيب حقه فتزول حقوق الخلافة بدرجة اعلى بكثير مما كانت عليه والإمام إنما لم يبايع لئلا يقول القائلون ان علياً بنفسه قد بايع ابابكر فلماذا تنكرون الخلافة لأبي بكر؟؟
وعلى تقدير صدور البيعة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فان المؤرخين اجمعوا على أنه (عليه السلام)لم يبايع حتى وفاة الزهراء (عليها السلام)، فهو (عليه السلام) كان رافضاً لهذا الأمر وكانت عنده حماية منه فإذا أنهار هذا الدفاع وسقط ذلك الجبل الشامخ، اضطر الإمام ان يبايع تقيةً، والتقية مبدأ قرآني صرّح به القرآن الكريم عندما قال: ]إلا أن تتقوا منهم تقاة [ (5) والموقف من ناحية امير المؤمنين (عليه السلام) مبرر تماماً وهو الموقف الشرعي ولكن لو كان امير المؤمنين(عليه السلام) قد بايع من اول يوم أو قُتل لكان الحال خطيرا جدا فمن الذي يتمكن ان يحفظ امير المؤمنين من البيعة والقتل سوى الزهراء (عليها السلام) لم يكن عنده ناصر ينهض ويقف ويدافع عنه ولو قارنا ذلك بالامام الحسين (عليه السلام) الذي كان معه اثنان وسبعون من انصاره الذين دافعوا عنه حتى استشهدوا دونه، أما حينما نقف أمام الإمام أمير المؤمنين لنزوره تقول الزيارة الواردة: ¥السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنت اول مظلوم واول من غصب حقه ¤ (6)
فمن هوان الدنيا على الله سبحانه وتعالى ان الإمام علي (عليه السلام) ذلك الاسد الهمام الذي هتف جبرائيل بشجاعته بين السماء والأرض وعلى رؤوس الاشهاد ¥لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذوالفقار ¤ (7) وإذا به، بسبب خذلان الأمة يصل إلى هذا الحال ان يهدد بالقتل أو البيعه وتضييع الحق تماماً لو لا موقف الزهراء (عليها السلام).
فالزهراء (عليها السلام) حققت هذا الأمر ودافعت عن امير المؤمنين (عليه السلام) كما تقرأون وتستمعون في مصائب الزهراء (عليها السلام) انها خرجت خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن أفاقت من إغمائها ـ فهي أغمي عليه لما نزل بهامن الدفاع في مقابل العصابه التي اقتحمت الدار لأخراج امير المؤمنين ـ وهي المرأة المخدرة خرجت لتدخل في معركة وتدافع عن امير المؤمنين ويفهم القوم خطورة الأمر ويستعدون لارتكاب اشدّما يتمكنون من ارتكابه في حق الزهراء (عليها السلام) وفي حق جسدها وفي حق قرطها وفي حق جنبها الذي وكزه بسيفه لاجل أن ترجع ولكنها مع ذلك أصرت حتى وقفت على باب المسجد وقالت: ¥لا أدع عضادة باب المسجد حتى أرى ابن عمي سالماً ¤.
وعاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد أن استنقذته زوجته الزهراء (عليها السلام) .
ونحن نعلم أنه بحسب الوضع الطبيعي ان الإمام هو يحمي الزهراء لا العكس ولكن أي بلاء واي محنة عصفت بذلك البيت النبوي بحيث انقلبت فيه المقاييس الى هذا المستوى ونحن نجد ان هذا الامر ـ وهو اقامة الحجة على اغتصاب الخلافة وعلى هضم الحق بعد مرور الجيال المتعاقبةـ مازال اقوى واوضح وانفذ ما يكون حجة عندما تطرح الزهراء (عليها السلام) كدليل على الامامة وهذا الامر يعرفه كل من يهتم بالحوار المذهبي وهذا ما لمسناه بشكل مباشر من خلال الحوارات الكثيرة مع ابناء المذاهب الاخرى وهي اقوى حجة لنا على الخصم عندما يكون دليلنا على الامامة هو الزهراء (عليها السلام) وهذا الامر وعاه خصوم الزهراء (عليها السلام) انفسهم. حاولوا ان يرجعوها باي وسيلة ممكنة مهما ارتكبوا في سبيل ذلك من جرائم لم تكن مقبولة في ذلك العصر حتى اضطروا في اخر الامر الى ان يخلوا سبيل أمير المؤمنين (عليه السلام).
وخصوم الزهراء (عليها السلام) وعوا هذا الامر عندما حاولوا ان يسترضوا سيدة النساء وجاؤوها الى البيت, فلابد ان نفكر لماذا هذا الاهتمام باسترضائها وليس فقط نقرأ ونتألم ونتعذب للعذابات التي مرت عليها بلا تفكير وتحليل.
ففي صحاح اهل السنة واسانيدهم وبالضبط في كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة الذي هومن اقدم الكتب التاريخية التي تسجل تاريخ الخلافة وفق المنظور العامي , يقول: حينما جاء الشيخان لعيادتها بعد ان ان استأذنا من امير المؤمنين في ذلك ـ لان الزهراء (عليها السلام) أبت ان تاذن لهما بعد أن طلبا منها الاذن مرارا , الى ان طلبا الاذن من الامير علي (عليه السلام) فجاء اليها يطلب منها الاذن لهما فقالت: ¥البيت بيتك والحرة زوجتك، أما أنا لا اكلمهما من رأسي كلمة أبداً ¤ فلماذا هذا الاصرار ونحن نعلم ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عفى حتى عن قاتل حمزة (عليه السلام) والزهراء بضعة من الرسول فاهل هذا البيت اهل رحمة ولطف يقبلون من المعتذر بعض الاحيان قبل أن يعتذر، ولكن لماذا هذا الموقف والاصرار، ¥وقالت بعد ان جلسا ـ أرأيتكما أن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به قالا نعم فقالت: نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد احبني ومن ارضى فاطمة فقد ارضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ ¤ قالا: نعم. سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم: قالت: ¥فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاشكونكما إليه ¤، فقال أبو بكر: انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم أنتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق، وهي تقول: والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصليها) (8) وهذا يعلمنا ان الرضا والغضب لابد ان يكون لله عز وجل وانهما لابد ان لا يخضعا للمصالح المحدودة الضيقة.
وإذا كان عندنا وعي ومعرفة بزماننا، وإذا كنا على مستوى عالٍ من الوعي بحيث نعتبر كنماذج للوعي في الامة، بل بعض الناس ليس فقط يقُدّمون كنماذج لعامة الامة وانما يقدمهم اتباعهم كنماذج للواعين من العلماء فهل يصح ان نتجاهل ونتغافل عن دور الزهراء (عليها السلام) في الاستدلال على امامة امير المؤمنين؟، وإمامة علي (عليه السلام) وامامة الائمة من بعده هي روح التشّيع وذاته وبدونها لا يبقى للتشيع أي قيمة.
مع الاسف في حوار مباشر مع بعض الاشخاص الذين يتصفون بتلك الأوصاف المتقدمة يقول:لاأدري ما علاقة مسألة الزهراء بالعقائد، فهي قضية تاريخية؟، وكأنها قضية تاريخة عادية، واذا كان كل شيء من الماضي نستطيع أن نعتبره من التاريخ ونخرجه من العقائد فالقرآن ايضاً نصّ تاريخي فلماذا هذا الاهتمام الخاص به؟!
أنا اجبته مباشرة وقلت له: أنا الآن يمكنني ان اثبت امامة امير المؤمنين من خلال موقف الزهراء (عليها السلام)، لان الخلافه قائمة ودائرة بين علي (عليه السلام) أو أبي بكر ولا يحتمل أن يكون سعد بن عبادة أو غيره، فاذا كان ابو بكر قد لطّخ بغضب الزهراء الذي هو غضب الرسول فكيف يستحق الإمامة والخلافة؟! وبه تثبت الخلافة للإمام علي (عليه السلام) وهذه مسألة واضحة يدركها كل منصف عاقل.
طبعاً يستطيع الانسان ان يشكل على كل شيء ويناقشه ولكن المهم ان تكون المناقشة صحيحة، فقال لي: عندنا ادّلة أخرى على امامة امير المؤمنين، وكأنه اذا صارت عندنا ادّلة اخرى على أمامة أمير المؤمنين فلابد ان نبطل هذا الدليل، وهو دليل واضح الدلالة ومضمخ بدماء الشهيدة فهل نتنازل عنه؟! واذا لم يكن عندنا وعي بالتحديات التي يواجها التشيع في هذا العصر وبخطر الوهابية التي تريد ان تقتلع التشيع من جذوره وتخرجه عن الساحه الاسلامية، فاذا لم يكن عندنا فهم لهذا الواقع الموجود وكان عندنا وعي للحوار المذهبي من جهة تاريخية على الاقل فهذا الحوار المذهبي اذا كنا نفهمه يفترض بنا ان لا نشارك ادنى مشاركه نضيع هذا الحق.
وهذا الموقف الزهرائي الذي استشهدت دونه الزهراء (عليها السلام)، بلغ من الاهمية القصوى بحيث سيدة نساء العالمين تقدم نفسها على مذبح الامامه شهيدة دون هذا الامر، فلا نتمكن ان نتعامل مع هذا الامر ببساطة وبتغير مواقف و نبقى نغيّر ونؤول ثم نعدّل ثم نقول هذا غير مقصودنا ثم تقول هذا كان في حوار شخصي ثم تقول كان في حوار خاص ثم تقول ضُغط علينا فقلنا كذا.
هذه مسألة حساسة اساسية ومصيرية لا تتحمل المساس والتساهل وهذا يفسر لنا كيف ان مراجع الدين(9) ـ الذين هم احرص الناس على وحدة الامة وانسجامها ـ يجعلون لهذه المسألة اولوية مطلقة، ويتصدون وبشكل يبدو أنه شديد وعنيف وغير مألوف لهذا الامر فنحن نتحد كأمّة على مبادئنا وعلى امامة الائمة وعلى وضوح حقهم وعلى اقامة الحجة للناس وعلى بثّ الهداية بين المسلمين
الهدف الثالث: ان يعود الحق الى نصابه وان يرجع زمام الامور لتلك اليد الامينة التي اخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده ورفعها على رؤوس الاشهاد في يوم الغدير ليقول ويهتف بهم ¥من كنت مولاه فهذا علي مولاه ¤.
هذا الهدف وهذا الامر لم يتحقق وبقيت ظلامات الزهراء (عليها السلام)، وظلاماتها وآلامها كثيرة، وهناك كثير من الامور قطعاً وجزماً لم يستطع التاريخ أن يسجلها ولم يتمكن اهل البيت (عليهم السلام)من أن يبينوها لشيعتهم، لان الظروف التي كانت تحيط بهم دائماً ضاغطة وقاهرة فلم يتمكنوا من بيان جميع المعاناة.
الزهراء (عليها السلام) كانت فاقدة لأبيها شابة في مقتبل العمر يافعة، ودعّت الدنيا ـ على أقصى الاحتمالات التاريخية ـ ولها ثماني وعشرون سنه، وإلا ففي بعض الروايات اقل من هذا بكثير، فلماذا هذا الموت المفاجئ؟!....
هل حدثكم التاريخ أن الزهراء (عليها السلام) كانت مريضه في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله كان يرصد كل أوضاع الزهراء (عليها السلام)، والقرآن الكريم سجل لنا حتى جوع هذا البيت العلوي وتصدق هذا البيت عندما نزل قوله تعالى: ]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [ (10).
فلماذا تودع الزهراء الدنيا فجأة؟ هناك علامات استفهام كبيرة، الزهراء (عليها السلام) لم تمنح حقوق الفاقد الذي يبكي على فقيده، فكيف اذا كان الفقيد هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الزهراء تريد ان، تبكي على ابيها فتمنع من البكاء، فلاحظ الى أي حدّ بلغ الظلم من هؤلاء القوم وايّ قساوة كانت منهم، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل هي صلوات الله عليها لم تحصل على حقوق الميت، وهذه كارثه كبرى!! فينبغي للميت ان يُشيّع. والزهراء لم تشيّع جهاراً بل ليلاً ودفنت ليلاً عندما نامت العيون وهدأت الاصوات، وكل ميت ينبغي ان يكون له قبر لكي يزار من قبل احباء صاحب القبر فنحن عندما نشتاق الى الإمام الحسين (عليه السلام) تهفو قلوبنا الى تلك الايام أو ليالي الجمع والزيارات التي كنّا نلوذ فيها بضريحه ونستنشق عبق الشهادة في تلك الاجواء الكريمة، ولكن عندما نتذكر الزهراء فالى اين تهفو فلوبنا؟ تهفوا قلوبنا الى بيتها موضع هجوم القوم عليها، وليس عندها قبر، وبقيت هذه الظلامات شواهد حيّة تذكّر الاجيال بظلامتها وتثير علامات استفهام لا يتمكن أي احد حتّى ولو كان على درجة عالية من التعسّف وعدم الانصاف من الرد عليها.
كيف بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم قبرها؟؟!!.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا على منهجها وان يرزقنا الاقتداء بها في الدفاع عن ائمتنا صلوات الله عليهم وعن امتدادات الإمامة من نوّاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذين نصبهم بتوقيعه الشريف عندما قال ¥واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ¤ (11) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا شفاعتها يوم تلقط شيعتها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء لتقودهم في موكب مهيبٍ الى رضوان الله وجنانه.
واستغفر الله لي ولكم.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــ
1ـ نص الحديث: ¥يا فاطمة ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ¤ المستدرك للحاكم النيسابوري.
2ـ روضة الواعظين للنيسابوري: ص 179.
3ـ آل عمران: 144.
4ـ الاحزاب: 33.
5ـ آل عمران: 28.
6ـ الكافي: ج 4 ص 569
7ـ شرح الاخبار للقاضي النعماني: ج2 ص 495.
8ـ كل القصة موجودة في كتاب الإمامة والسياسة: ص 31 تحقيق علي شيري طبعة انتشارات الشريف الرضي 1413هـ.
9ـاشارة الى موقف المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني و آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي وغيرهم من المراجع في مواجهة التشكيك في ظلمات الزهراء (عليها السلام).
10ـ الإنسان: 8 و 9.
11ـ وسائل الشيعة: الباب 11 من ابواب صفات القاضي: الحديث9
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
هل نجحت الزهراء (عليها السلام) في صراعها اولا؟
وهذا السؤال يواجه كل تحرك وكل عمل اجتماعي أو سياسي أو اصلاحي من أيّ نمط كان فنحتاج للاستفادة من هذه التجربة لنفكر ونتأمل في النتائج التي حققتها الزهراء (عليها السلام) كمعالم لانتصارها أو الخسائر التي قدمتها كعلامات لتضحيتها.
يمكن أن نقول أن هذه المقاييس باجمعها خاطئة من جهة انها لم تتخذ الهدف الذي ينبغي أن يكون هدفاً في كل تفاصيل حركة الإنسان و الغاية القصوى له، ألا وهو تحقيق رضى الله تعالى من خلال أداء التكليف الشرعي، ولا يمكن ان نحكم على أي مشروع بالفشل أو النجاح لانه لاقى رواجاً وترحيباً جماهيرياً واسعاً، أو حقق مكاسب عظيمة من دون أن يكون مرتبطاً بالمنهج الشرعي ومنسجماً مع التكليف الإلهي.
وهذا الامر من الواضحات التي نجدها غائبة عن أذهان الكثير من الناس.
حينما نلاحظ أهداف الزهراء (عليها السلام) في حركتها القصيرة الأمد. والصاعقة والقوية إلى أبعد الحدود في حماسها وإندفاعها وتأثيرها على مجريات الأحداث، يمكن أن نشخص ان:
الهدف الأول: والأقصى هو تحقيق رضى الله عزوجل، ولكن لاجل الوصول لهذا الهدف لابد من أهداف متوسطة تكون طريقاً ووسيلة لتحقيق ذلك الهدف الاسمى.
الهدف الثاني: اقامة الحجة وهداية الناس للحق، الذي واجه معارضة كبرى في فترة حرجة جدّاً من التأريخ.
الهدف الثالث: عود الحق إلى نصابه ورجوع الخلافة المغتصبة إلى صاحبها الشرعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فهل الزهراء (عليها السلام) حققت هذه الاهداف أواستشهدت دون تحقيقها؟
الهدف الأول والاقصى، فلا ريب انه تحقق، ولا يمكن ان لا يتحقق، لان الزهراء (عليها السلام) معصومة ولانها ممن يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها (1) وما ذلك إلا لأن رضاها وغضبها (عليها السلام) وفق الموازين الحقيقية للرضا والغضب فهي علامة وميزان لرضى الله عزوجل ولغضبه.
وإذا ذلك تحقق فليكن ما يكون من بعده، كما قال ولدها علي الأكبر (عليه السلام): ¥لا نبالي أن نموت محقين ¤(2).
اذن بتحقيق هذا الهدف ضمنَا في بداية حديثنا ان الزهراء (عليها السلام) قد حققت هدف اهدافها - ان صح التعبير -، نعم قد لا يكون تحقيق هذه الاهداف بالمرتبة العليا التي كانت تسعى إليها سيدة النساء (عليها السلام)، ولم يكن بالطريقة المثلى التي كانت تحاول سيدة نساء العالمين تحقيقه.
الهدف الثاني: (إقامة الحجة وهداية من يستحق الهداية)
وهو طريق إلى الهدف الأول و هذا الهدف هو هدف الانبياء على مرّ التاريخ، وبتحقيق هذا الهدف وعدمه يمكن أن تقيّم مسيرة الرسالات السماوية من بعدها الاجتماعي.
الزهراء (عليها السلام) كبضعة للمصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حققت هذا الهدف وباكمل وجه فان الحق الذي تآمر عليه أغلبية المسلمين لتضيعيه واشتركوا في هذه المؤامرة ولو اشتراك صمت واستسلام وخضوع للأشخاص المنافقين الذين كانوا يحيكون تلك المؤامرة، وكان الأمر يبدو للمراقب للأحداث وكأن المسلمين قد اجمعوا على انتخاب خليفة آخر غير من نصَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الاجماع والتطابق الذي يبدو وكأنه يمثل نظرة الإسلام إلى الخلافة خصوصاً وانه جاء في عصر ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرةً فيمكن ان تكون قوته التعبيرية عن الخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدرجه أقوى من كل ما يفرض من احتمالات اخرى، فلو كان هذا الانحراف قد ظهر وتحقق عند الخليفة الشرعي الخامس أو السادس لما كان هذا الأمر بهذا المستوى من الخطورة، أما أن ينفذ مشروع الخلافة وبشكل مباشر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذه الطريقه، فهذا يهدد اصل تشريع الخلافة بالتلاشي والذوبان.
فكان دور الزهراء (عليها السلام) أن تحققّ اقامة الحجة من خلال وسيلتين:
الوسيلة الأولى: أن تفضح هذه المؤامرة وان تتحدث في مركز العاصمة الإسلامية ومن الموقع الذي كان يمثل محور وموقع القيادة التي كانت تقاد الأمة من خلاله وهو مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتلقي تلك الخطبة التي حفظها لنا التاريخ و لتؤبن الخلافة الشهيدة المضيّعة، ولتنعى ذلك الجيل الذي سرعان ما ضيّع أمانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي خلفّها بعده ولتسجل انها ـ وهي بضعة ابيها ـ رافضة كل الرفض لهذا الانحراف، فإذا أراد أي أحد أن يعرف رأي الإسلام ورأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمكن أن يلمس ذلك من خلال بضعته الزهراء سيدة نساء العالمين التي لم يكن يتمكن أيّ أحد ان يجد فيها أي مهمز أو مغمز يؤثر على حجيتها.
ثم خطبت مرّة اخرى خطاباً نسوياً تحدثت فيه مع نساء المهاجرين والانصار وبصراحة اكثر وبوضوح لتبين التخاذل والنكوص عن نصرتها وتلبية نداءاتها التي انطلقت في المسجد النبوي الشريف ولتنعى للأمة الأمة نفسها ولتبين أن هذه الأمة قد تحقق فيها نبوأة القرآن الكريم حيث قال: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [(3)
كانت الزهراء (عليها السلام) على ما نزل بها من البلاء وعلى ما تعيشه من المصاب برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يحمله جسدها الواهن من جراحات تدور في ظلام المساء على بيوت المهاجرين والانصار وتطرق الابواب باباً باباً وتدعوهم لنصرتها ـ وهذا أمر عندما يتكلم به الإنسان يعتصر قلبه بالالم ويكاد يجزع له- فالزهراء (عليها السلام) بمقامها الشامخ وبعزّها الذي لا يرقى إليه عزّ، وببيتها الذي كان اول بيت يستقبل به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينته عندما يعود إليها وآخر بيت يودع منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينته عندما يخرج منها، ذلك البيت الذي طالما وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بابه ليقول ويؤكد ان هذه الآية نزلت في ذلك البيت ويكرر: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (4)
فهذه الزهراء الكريمة العزيزة تخرج من بيتها لتطرق الابواب ولتطلب النصرة وهم بمنتهى التخاذل وعندما تخاطبهم لا تخاطبهم خطاباً جمعياً لئلا يتأثر بعض المتخاذلين بتخاذل البعض الآخر ويشيع جو التخاذل بينهما، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة إلا الخذلان ورغم ذلك أدّت هذا الدور صلوات الله عليها. وعلى ضوء هذا الدور الكبير قد يمكن ان نفسر ماورد عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) من: ¥نحن حجج الله على خلقه وامنا فاطمة حجة الله علينا¤ فانها (عليها السلام) اقامت الحجة للقاصي والداني على امامة حجج الله على الخلق وهم الائمة الاثنا عشر (عليهم السلام)0
الوسيلة الثانية: إنها حمت إمام الأمة أمير المؤمنين (عليه السلام) القتل ومن البيعة التي هي قتل معنوي لامير المؤمنين اولاً ولخلافته ثانياً أي حمته من أن يقتل إذا رفض البيعة، وإذا قتل فان صاحب الحق سيُغيّب بعد أن غيب حقه فتزول حقوق الخلافة بدرجة اعلى بكثير مما كانت عليه والإمام إنما لم يبايع لئلا يقول القائلون ان علياً بنفسه قد بايع ابابكر فلماذا تنكرون الخلافة لأبي بكر؟؟
وعلى تقدير صدور البيعة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فان المؤرخين اجمعوا على أنه (عليه السلام)لم يبايع حتى وفاة الزهراء (عليها السلام)، فهو (عليه السلام) كان رافضاً لهذا الأمر وكانت عنده حماية منه فإذا أنهار هذا الدفاع وسقط ذلك الجبل الشامخ، اضطر الإمام ان يبايع تقيةً، والتقية مبدأ قرآني صرّح به القرآن الكريم عندما قال: ]إلا أن تتقوا منهم تقاة [ (5) والموقف من ناحية امير المؤمنين (عليه السلام) مبرر تماماً وهو الموقف الشرعي ولكن لو كان امير المؤمنين(عليه السلام) قد بايع من اول يوم أو قُتل لكان الحال خطيرا جدا فمن الذي يتمكن ان يحفظ امير المؤمنين من البيعة والقتل سوى الزهراء (عليها السلام) لم يكن عنده ناصر ينهض ويقف ويدافع عنه ولو قارنا ذلك بالامام الحسين (عليه السلام) الذي كان معه اثنان وسبعون من انصاره الذين دافعوا عنه حتى استشهدوا دونه، أما حينما نقف أمام الإمام أمير المؤمنين لنزوره تقول الزيارة الواردة: ¥السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنت اول مظلوم واول من غصب حقه ¤ (6)
فمن هوان الدنيا على الله سبحانه وتعالى ان الإمام علي (عليه السلام) ذلك الاسد الهمام الذي هتف جبرائيل بشجاعته بين السماء والأرض وعلى رؤوس الاشهاد ¥لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذوالفقار ¤ (7) وإذا به، بسبب خذلان الأمة يصل إلى هذا الحال ان يهدد بالقتل أو البيعه وتضييع الحق تماماً لو لا موقف الزهراء (عليها السلام).
فالزهراء (عليها السلام) حققت هذا الأمر ودافعت عن امير المؤمنين (عليه السلام) كما تقرأون وتستمعون في مصائب الزهراء (عليها السلام) انها خرجت خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن أفاقت من إغمائها ـ فهي أغمي عليه لما نزل بهامن الدفاع في مقابل العصابه التي اقتحمت الدار لأخراج امير المؤمنين ـ وهي المرأة المخدرة خرجت لتدخل في معركة وتدافع عن امير المؤمنين ويفهم القوم خطورة الأمر ويستعدون لارتكاب اشدّما يتمكنون من ارتكابه في حق الزهراء (عليها السلام) وفي حق جسدها وفي حق قرطها وفي حق جنبها الذي وكزه بسيفه لاجل أن ترجع ولكنها مع ذلك أصرت حتى وقفت على باب المسجد وقالت: ¥لا أدع عضادة باب المسجد حتى أرى ابن عمي سالماً ¤.
وعاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد أن استنقذته زوجته الزهراء (عليها السلام) .
ونحن نعلم أنه بحسب الوضع الطبيعي ان الإمام هو يحمي الزهراء لا العكس ولكن أي بلاء واي محنة عصفت بذلك البيت النبوي بحيث انقلبت فيه المقاييس الى هذا المستوى ونحن نجد ان هذا الامر ـ وهو اقامة الحجة على اغتصاب الخلافة وعلى هضم الحق بعد مرور الجيال المتعاقبةـ مازال اقوى واوضح وانفذ ما يكون حجة عندما تطرح الزهراء (عليها السلام) كدليل على الامامة وهذا الامر يعرفه كل من يهتم بالحوار المذهبي وهذا ما لمسناه بشكل مباشر من خلال الحوارات الكثيرة مع ابناء المذاهب الاخرى وهي اقوى حجة لنا على الخصم عندما يكون دليلنا على الامامة هو الزهراء (عليها السلام) وهذا الامر وعاه خصوم الزهراء (عليها السلام) انفسهم. حاولوا ان يرجعوها باي وسيلة ممكنة مهما ارتكبوا في سبيل ذلك من جرائم لم تكن مقبولة في ذلك العصر حتى اضطروا في اخر الامر الى ان يخلوا سبيل أمير المؤمنين (عليه السلام).
وخصوم الزهراء (عليها السلام) وعوا هذا الامر عندما حاولوا ان يسترضوا سيدة النساء وجاؤوها الى البيت, فلابد ان نفكر لماذا هذا الاهتمام باسترضائها وليس فقط نقرأ ونتألم ونتعذب للعذابات التي مرت عليها بلا تفكير وتحليل.
ففي صحاح اهل السنة واسانيدهم وبالضبط في كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة الذي هومن اقدم الكتب التاريخية التي تسجل تاريخ الخلافة وفق المنظور العامي , يقول: حينما جاء الشيخان لعيادتها بعد ان ان استأذنا من امير المؤمنين في ذلك ـ لان الزهراء (عليها السلام) أبت ان تاذن لهما بعد أن طلبا منها الاذن مرارا , الى ان طلبا الاذن من الامير علي (عليه السلام) فجاء اليها يطلب منها الاذن لهما فقالت: ¥البيت بيتك والحرة زوجتك، أما أنا لا اكلمهما من رأسي كلمة أبداً ¤ فلماذا هذا الاصرار ونحن نعلم ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عفى حتى عن قاتل حمزة (عليه السلام) والزهراء بضعة من الرسول فاهل هذا البيت اهل رحمة ولطف يقبلون من المعتذر بعض الاحيان قبل أن يعتذر، ولكن لماذا هذا الموقف والاصرار، ¥وقالت بعد ان جلسا ـ أرأيتكما أن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به قالا نعم فقالت: نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد احبني ومن ارضى فاطمة فقد ارضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ ¤ قالا: نعم. سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم: قالت: ¥فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاشكونكما إليه ¤، فقال أبو بكر: انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم أنتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق، وهي تقول: والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصليها) (8) وهذا يعلمنا ان الرضا والغضب لابد ان يكون لله عز وجل وانهما لابد ان لا يخضعا للمصالح المحدودة الضيقة.
وإذا كان عندنا وعي ومعرفة بزماننا، وإذا كنا على مستوى عالٍ من الوعي بحيث نعتبر كنماذج للوعي في الامة، بل بعض الناس ليس فقط يقُدّمون كنماذج لعامة الامة وانما يقدمهم اتباعهم كنماذج للواعين من العلماء فهل يصح ان نتجاهل ونتغافل عن دور الزهراء (عليها السلام) في الاستدلال على امامة امير المؤمنين؟، وإمامة علي (عليه السلام) وامامة الائمة من بعده هي روح التشّيع وذاته وبدونها لا يبقى للتشيع أي قيمة.
مع الاسف في حوار مباشر مع بعض الاشخاص الذين يتصفون بتلك الأوصاف المتقدمة يقول:لاأدري ما علاقة مسألة الزهراء بالعقائد، فهي قضية تاريخية؟، وكأنها قضية تاريخة عادية، واذا كان كل شيء من الماضي نستطيع أن نعتبره من التاريخ ونخرجه من العقائد فالقرآن ايضاً نصّ تاريخي فلماذا هذا الاهتمام الخاص به؟!
أنا اجبته مباشرة وقلت له: أنا الآن يمكنني ان اثبت امامة امير المؤمنين من خلال موقف الزهراء (عليها السلام)، لان الخلافه قائمة ودائرة بين علي (عليه السلام) أو أبي بكر ولا يحتمل أن يكون سعد بن عبادة أو غيره، فاذا كان ابو بكر قد لطّخ بغضب الزهراء الذي هو غضب الرسول فكيف يستحق الإمامة والخلافة؟! وبه تثبت الخلافة للإمام علي (عليه السلام) وهذه مسألة واضحة يدركها كل منصف عاقل.
طبعاً يستطيع الانسان ان يشكل على كل شيء ويناقشه ولكن المهم ان تكون المناقشة صحيحة، فقال لي: عندنا ادّلة أخرى على امامة امير المؤمنين، وكأنه اذا صارت عندنا ادّلة اخرى على أمامة أمير المؤمنين فلابد ان نبطل هذا الدليل، وهو دليل واضح الدلالة ومضمخ بدماء الشهيدة فهل نتنازل عنه؟! واذا لم يكن عندنا وعي بالتحديات التي يواجها التشيع في هذا العصر وبخطر الوهابية التي تريد ان تقتلع التشيع من جذوره وتخرجه عن الساحه الاسلامية، فاذا لم يكن عندنا فهم لهذا الواقع الموجود وكان عندنا وعي للحوار المذهبي من جهة تاريخية على الاقل فهذا الحوار المذهبي اذا كنا نفهمه يفترض بنا ان لا نشارك ادنى مشاركه نضيع هذا الحق.
وهذا الموقف الزهرائي الذي استشهدت دونه الزهراء (عليها السلام)، بلغ من الاهمية القصوى بحيث سيدة نساء العالمين تقدم نفسها على مذبح الامامه شهيدة دون هذا الامر، فلا نتمكن ان نتعامل مع هذا الامر ببساطة وبتغير مواقف و نبقى نغيّر ونؤول ثم نعدّل ثم نقول هذا غير مقصودنا ثم تقول هذا كان في حوار شخصي ثم تقول كان في حوار خاص ثم تقول ضُغط علينا فقلنا كذا.
هذه مسألة حساسة اساسية ومصيرية لا تتحمل المساس والتساهل وهذا يفسر لنا كيف ان مراجع الدين(9) ـ الذين هم احرص الناس على وحدة الامة وانسجامها ـ يجعلون لهذه المسألة اولوية مطلقة، ويتصدون وبشكل يبدو أنه شديد وعنيف وغير مألوف لهذا الامر فنحن نتحد كأمّة على مبادئنا وعلى امامة الائمة وعلى وضوح حقهم وعلى اقامة الحجة للناس وعلى بثّ الهداية بين المسلمين
الهدف الثالث: ان يعود الحق الى نصابه وان يرجع زمام الامور لتلك اليد الامينة التي اخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده ورفعها على رؤوس الاشهاد في يوم الغدير ليقول ويهتف بهم ¥من كنت مولاه فهذا علي مولاه ¤.
هذا الهدف وهذا الامر لم يتحقق وبقيت ظلامات الزهراء (عليها السلام)، وظلاماتها وآلامها كثيرة، وهناك كثير من الامور قطعاً وجزماً لم يستطع التاريخ أن يسجلها ولم يتمكن اهل البيت (عليهم السلام)من أن يبينوها لشيعتهم، لان الظروف التي كانت تحيط بهم دائماً ضاغطة وقاهرة فلم يتمكنوا من بيان جميع المعاناة.
الزهراء (عليها السلام) كانت فاقدة لأبيها شابة في مقتبل العمر يافعة، ودعّت الدنيا ـ على أقصى الاحتمالات التاريخية ـ ولها ثماني وعشرون سنه، وإلا ففي بعض الروايات اقل من هذا بكثير، فلماذا هذا الموت المفاجئ؟!....
هل حدثكم التاريخ أن الزهراء (عليها السلام) كانت مريضه في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله كان يرصد كل أوضاع الزهراء (عليها السلام)، والقرآن الكريم سجل لنا حتى جوع هذا البيت العلوي وتصدق هذا البيت عندما نزل قوله تعالى: ]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [ (10).
فلماذا تودع الزهراء الدنيا فجأة؟ هناك علامات استفهام كبيرة، الزهراء (عليها السلام) لم تمنح حقوق الفاقد الذي يبكي على فقيده، فكيف اذا كان الفقيد هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الزهراء تريد ان، تبكي على ابيها فتمنع من البكاء، فلاحظ الى أي حدّ بلغ الظلم من هؤلاء القوم وايّ قساوة كانت منهم، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل هي صلوات الله عليها لم تحصل على حقوق الميت، وهذه كارثه كبرى!! فينبغي للميت ان يُشيّع. والزهراء لم تشيّع جهاراً بل ليلاً ودفنت ليلاً عندما نامت العيون وهدأت الاصوات، وكل ميت ينبغي ان يكون له قبر لكي يزار من قبل احباء صاحب القبر فنحن عندما نشتاق الى الإمام الحسين (عليه السلام) تهفو قلوبنا الى تلك الايام أو ليالي الجمع والزيارات التي كنّا نلوذ فيها بضريحه ونستنشق عبق الشهادة في تلك الاجواء الكريمة، ولكن عندما نتذكر الزهراء فالى اين تهفو فلوبنا؟ تهفوا قلوبنا الى بيتها موضع هجوم القوم عليها، وليس عندها قبر، وبقيت هذه الظلامات شواهد حيّة تذكّر الاجيال بظلامتها وتثير علامات استفهام لا يتمكن أي احد حتّى ولو كان على درجة عالية من التعسّف وعدم الانصاف من الرد عليها.
كيف بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم قبرها؟؟!!.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا على منهجها وان يرزقنا الاقتداء بها في الدفاع عن ائمتنا صلوات الله عليهم وعن امتدادات الإمامة من نوّاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذين نصبهم بتوقيعه الشريف عندما قال ¥واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ¤ (11) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا شفاعتها يوم تلقط شيعتها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء لتقودهم في موكب مهيبٍ الى رضوان الله وجنانه.
واستغفر الله لي ولكم.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــ
1ـ نص الحديث: ¥يا فاطمة ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ¤ المستدرك للحاكم النيسابوري.
2ـ روضة الواعظين للنيسابوري: ص 179.
3ـ آل عمران: 144.
4ـ الاحزاب: 33.
5ـ آل عمران: 28.
6ـ الكافي: ج 4 ص 569
7ـ شرح الاخبار للقاضي النعماني: ج2 ص 495.
8ـ كل القصة موجودة في كتاب الإمامة والسياسة: ص 31 تحقيق علي شيري طبعة انتشارات الشريف الرضي 1413هـ.
9ـاشارة الى موقف المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني و آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي وغيرهم من المراجع في مواجهة التشكيك في ظلمات الزهراء (عليها السلام).
10ـ الإنسان: 8 و 9.
11ـ وسائل الشيعة: الباب 11 من ابواب صفات القاضي: الحديث9