شجون الزهراء
04-02-2015, 01:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لا إشكال أنَّ الهدف الأسمى والسعادة الكبرى هي في التشرّف بلقاء الإمام الحجّة (عليه السلام) ولكن حتَّى نفهم هذه النقطة جيّداً فهناك ثلاثة أسئلة نطرحها ونجيب عنها:
1. السؤال الأوّل: هل من الممكن لقاء الإمام (عليه السلام) أم لا؟
ربَّما يقول شخص بأنَّ لقاء الإمام باب مسدود مغلق،
لما رواه الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين)، والشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)، عن الحسن بن أحمد المكتَّب (رضي الله عنه) _ كان من أجلاّء علماء الإماميّة _، يقول في آخر سنة وفي آخر شهر من حياة السفير الرابع وهو (علي بن محمّد السمري) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إليه توقيع من الإمام المنتظر (عليه السلام):
(بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيَّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أيَّام فَأجْمِعْ أمْرَكَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم), حيث يستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه يقول: (من ادَّعى المشاهدة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر ليس كذلك لعدّة أمور:
• الأمر الأوّل: إنَّ غيبة الإمام ليست غيبة انعزالية وإنَّما هي غيبة اتّصالية بمعنى أنَّ الإمام ليس غائباً عن المجتمع ويعيش في جبل أو في جزيرة أو في مكان وحده، لا، ليس الأمر كذلك، فغيبة الإمام غيبة اتّصالية، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو يعيش مع الناس، يأكل معهم، يشرب معهم، وقد يتزوَّج، هو بين ظهرانينا لكنّا لا نعرف عنوانه، فغيبته غيبة اتّصالية وليست غيبة انعزالية،
ولذلك نقرأ في دعاء الندبة: (بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ اُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا),
إذن غيبته هي غيبة عنوان لا غيبة شخص فهو متَّصل بنا يعيش معنا، ولذلك فإنَّ لقائه أمر ممكن جدَّاً وأمر متيسّر إذا أراد الإمام ذلك فإنَّ بيده تحديد اللقاء وليس بأيدينا.
• الأمر الثاني: تواتر لدى الشيعة الإماميّة لقاء الإمام مع كثير من العلماء بنحو يورث القطع واليقين بأنَّ لقائه ممكن وليس باباً مغلقاً ولا مسدود.
• الأمر الثالث: هذا التوقيع الشريف الذي قال:
(ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، يتحدَّث عن السفارة لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارة بمعنى أنَّه بعد السفير الرابع لا توجد سفارة إلى أن يخرج الإمام ويظهر ظهوراً تامّاً،
فالمغلق هو السفارة لا اللقاء، والقرينة على ذلك سياق الرواية لأنَّها تتكلَّم عن كتاب إلى سفير الإمام تقول: أنت آخر سفير ولا توص لأحد من بعدك، قد وقعت الغيبة التامّة، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة بمعنى (من يدَّعي السفارة)، فمن ادّعى المشاهدة يعني السفارة فهو كاذب مفتر,
والسفير يختلف عن الإنسان العادي، فإنَّ المواطن يعرف بعض أخبار الدولة لكن سفيرها يعرف أسرارها ويعرف سياستها الداخلية والخارجية ويناط به البحث في قضايا مصيرية وخطيرة.
والإمام المنتظر يقول: (لا سفير لي بعد السفير الرابع) يعني لا أبعث للأمّة سفيراً يعرف أسراري ويبلغ الأمّة القضايا المصيرية والخطيرة فهذا باب مسدود، أمَّا أن يلتقي الإنسان بالإمام ويستنير بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممكن وليست سفارة حتَّى ينفيها هذا الحديث.
وإن كان الإمام (عليه السلام) لا يبذل لقائه لكلّ أحد، بل هو الذي يختار من يلتقي به لمصلحة عامّة أو خاصّة، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأيّ شخص لكان ذلك خلاف الحكمة أي نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (عليه السلام) لا يلتقي بشخص إلاَّ لأجل مصلحة عامّة أو خاصّة تقتضي هذا اللقاء، فلا بدَّ أن يكون الملاقي أهلاً لهذا اللقاء ولتحقيق هذه المصلحة العامّة أو الخاصّة.
2. السؤال الثاني: ما هي طبيعة لقاء الإمام (عليه السلام)
لقاء الإمام هو لقاء الله لأنَّ الإمام مظهر لله، فلقاء الإمام يعني لقاء الله عز وجل، وهو لقاء
الفناء لا لقاء الارتباط كما يعبَّر عنه في مصطلح علم الفلسفة, إذ هناك فرق بين العلاقة الارتباطية والعلاقة الفنائية :
ولتقريب الفكرة نضرب مثلاً:
إذا وضعت عسلاً في كأس حليب، فالحليب مع العسل يسمّى (علاقة ارتباطية) إذ ما زلت عندما تشرب الحليب تشعر أنَّ هناك حليباً وأنَّ هناك عسلاً، يعني هناك وجودان ارتبط أحدهما بالآخر،
بينما إذا صهر الذهب مع معدن آخر وأصبح مادة واحدة فهذه تسمّى (علاقة فنائية)، لأنَّك لا تشعر بأنَّ هناك شيئين، بل مادة واحدة، بينما علاقة الامتزاج بين الحليب والعسل علاقة ارتباطية لا فنائية، هذا بلحاظ الوجود الخارجي وكذلك بلحاظ الوجود الذهني ويحصل بالتأمّل في علاقة الاسم بالمسمّى،
مثلاً: إذا جيء لي بولد وأسميته نادر فعندما يقول لي واحد من الناس: نادر، لا يتبادر ذهني إلى الولد لأنّي لم أتعوَّد على ذلك, فأشعر بأنَّ هناك وجودين وجود للولد وهو ابني ووجود للحروف، لكن إذا مرَّت الأيّام واعتدت على الاسم فبمجرَّد أن يقال لي: نادر، ينتقل ذهني إلى ولدي ولا أشعر بالحروف أبداً، وهذه تسمّى (علاقة فنائية) فناء الاسم في المسمّى،
فالعلاقة بين الاسم وبين المسمّى في أوّل أيّام الولادة كانت ارتباطية ربط الاسم بالمسمّى، لكن بمرور الوقت تحوَّلت العلاقة من علاقة ارتباطية إلى علاقة فنائية، ولا تشعر بالاسم أبداً،
وهكذا لقاؤنا مع الله يجب أن يكون لقاء فناء بحيث نشعر أن ليس هناك وجودان وجود لنا ووجود لله، ولا نشعر إلاَّ بوجود الله، هذا ما يسمّى بالعلاقة الفنائية،
واللقاء الفنائي أن يصل الإنسان إلى حدّ الإحساس بحضور الله،
فالقرآن الكريم يعبّر عن العلاقة الفنائية عندما يقول:
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح: 10)، حيث يشعر الإنسان أنَّ يد الله تلامس يده، ويقول تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (التوبة: 104)، بحيث نصل إلى الشعور بأنَّ الله هو الذي يأخذ صدقاتنا منّا، وقال تعالى في آية ثالثة: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) (الحجّ: 37).
فالمطلوب في لقائنا مع الله أن يكون لقاء الفناء أي أن لا نشعر بأنفسنا، بل لا نشعر إلاَّ بوجود الله، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء يوم عرفة: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ، وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبَّكَ نَصِيباً).
3. السؤال الثالث: هل يريد الإمام (عليه السلام) لقاءنا؟
إنَّ علماء العرفان يقولون: هناك فرق بين :
• لقاء الأنس
• ولقاء التشريف,
والفرق بينهما هو أنَّ لقاء التشريف بمعنى أن يمنَّ عليَّ الإمام(عليه السلام) ويريني طلعته الرشيدة وغرَّته الحميدة كما جاء في الدعاء: (اللَّهُمَّ أرِني الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِري بِنَظْرَةٍ مِنّي إِلَيْهِ، وَعَجَّلْ فَرَجَهُ )،
لكن الإمام لا يريد ذلك, بل الإمام يريد لقاء الأنس، وكيف يلتقي بنا الإمام لقاء الأنس إذا لم نكن أهلاً لإيناس الإمام, ولم نكن أهلاً لتفريح قلب الإمام،
إذن الإمام يريد شيئاً ونحن نريد شيئاً، نحن نريد أن نبقى على ذنوبنا ومعاصينا وعلى الإمام أن يشرّفنا بلقائه ويكرمنا بطلعته والإمام ينادينا: أنا لا أريد هذا اللقاء :
أريد لقاء الأنس أريد أن التقي بكم وأنا فرح بكم، مبتهج بكم، والفرح والبهجة والأنس تتوقَّف على أن ننصهر بالإمام وأن تكون علاقتنا بالإمام علاقة فنائية لا ارتباطية حتَّى يكون لقاؤنا مع الإمام لقاء الأنس،
وإلاَّ فالإمام يتفضَّل علينا باللقاء وهو كريم لكنَّه يريد أن يكرمنا بلقاء يعبّر عنه بلقاء الأنس، فما نطلبه نحن غير ما يطلبه الإمام منّا.
علاقة العشق بالإمام (عليه السلام):
من المفيد الاعتراف بأنَّ علاقتنا بالإمام علاقة سطحية، علاقة جافّة جدَّاً، علاقة يابسة، ربَّما تكون علاقتنا بأساتذتنا أقوى من علاقتنا بالإمام,
ربَّما تكون علاقتنا بأصدقائنا وأحبّائنا أقوى من علاقتنا بالإمام، ربَّما تكون علاقتنا بمراجعنا وزعمائنا أقوى من علاقتنا بالإمام،
فلذا يجب مراجعة الذوات لتكون علاقتنا بالإمام علاقة حبّ وعشق لا مجرَّد دعاء، فنحن ندعو للإمام ولكن ما يريده الإمام منّا ليس مجرَّد لقلقة لسان في الدعاء،
بل الإمام المهدي (عجل) يريد علاقة حبّ وعشق كي نكون أهلاً للقائه وأهلاً لتكريمه وأهلاً لتشريفه.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لا إشكال أنَّ الهدف الأسمى والسعادة الكبرى هي في التشرّف بلقاء الإمام الحجّة (عليه السلام) ولكن حتَّى نفهم هذه النقطة جيّداً فهناك ثلاثة أسئلة نطرحها ونجيب عنها:
1. السؤال الأوّل: هل من الممكن لقاء الإمام (عليه السلام) أم لا؟
ربَّما يقول شخص بأنَّ لقاء الإمام باب مسدود مغلق،
لما رواه الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين)، والشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)، عن الحسن بن أحمد المكتَّب (رضي الله عنه) _ كان من أجلاّء علماء الإماميّة _، يقول في آخر سنة وفي آخر شهر من حياة السفير الرابع وهو (علي بن محمّد السمري) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إليه توقيع من الإمام المنتظر (عليه السلام):
(بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيَّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أيَّام فَأجْمِعْ أمْرَكَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم), حيث يستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه يقول: (من ادَّعى المشاهدة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر ليس كذلك لعدّة أمور:
• الأمر الأوّل: إنَّ غيبة الإمام ليست غيبة انعزالية وإنَّما هي غيبة اتّصالية بمعنى أنَّ الإمام ليس غائباً عن المجتمع ويعيش في جبل أو في جزيرة أو في مكان وحده، لا، ليس الأمر كذلك، فغيبة الإمام غيبة اتّصالية، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو يعيش مع الناس، يأكل معهم، يشرب معهم، وقد يتزوَّج، هو بين ظهرانينا لكنّا لا نعرف عنوانه، فغيبته غيبة اتّصالية وليست غيبة انعزالية،
ولذلك نقرأ في دعاء الندبة: (بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ اُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا),
إذن غيبته هي غيبة عنوان لا غيبة شخص فهو متَّصل بنا يعيش معنا، ولذلك فإنَّ لقائه أمر ممكن جدَّاً وأمر متيسّر إذا أراد الإمام ذلك فإنَّ بيده تحديد اللقاء وليس بأيدينا.
• الأمر الثاني: تواتر لدى الشيعة الإماميّة لقاء الإمام مع كثير من العلماء بنحو يورث القطع واليقين بأنَّ لقائه ممكن وليس باباً مغلقاً ولا مسدود.
• الأمر الثالث: هذا التوقيع الشريف الذي قال:
(ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، يتحدَّث عن السفارة لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارة بمعنى أنَّه بعد السفير الرابع لا توجد سفارة إلى أن يخرج الإمام ويظهر ظهوراً تامّاً،
فالمغلق هو السفارة لا اللقاء، والقرينة على ذلك سياق الرواية لأنَّها تتكلَّم عن كتاب إلى سفير الإمام تقول: أنت آخر سفير ولا توص لأحد من بعدك، قد وقعت الغيبة التامّة، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة بمعنى (من يدَّعي السفارة)، فمن ادّعى المشاهدة يعني السفارة فهو كاذب مفتر,
والسفير يختلف عن الإنسان العادي، فإنَّ المواطن يعرف بعض أخبار الدولة لكن سفيرها يعرف أسرارها ويعرف سياستها الداخلية والخارجية ويناط به البحث في قضايا مصيرية وخطيرة.
والإمام المنتظر يقول: (لا سفير لي بعد السفير الرابع) يعني لا أبعث للأمّة سفيراً يعرف أسراري ويبلغ الأمّة القضايا المصيرية والخطيرة فهذا باب مسدود، أمَّا أن يلتقي الإنسان بالإمام ويستنير بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممكن وليست سفارة حتَّى ينفيها هذا الحديث.
وإن كان الإمام (عليه السلام) لا يبذل لقائه لكلّ أحد، بل هو الذي يختار من يلتقي به لمصلحة عامّة أو خاصّة، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأيّ شخص لكان ذلك خلاف الحكمة أي نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (عليه السلام) لا يلتقي بشخص إلاَّ لأجل مصلحة عامّة أو خاصّة تقتضي هذا اللقاء، فلا بدَّ أن يكون الملاقي أهلاً لهذا اللقاء ولتحقيق هذه المصلحة العامّة أو الخاصّة.
2. السؤال الثاني: ما هي طبيعة لقاء الإمام (عليه السلام)
لقاء الإمام هو لقاء الله لأنَّ الإمام مظهر لله، فلقاء الإمام يعني لقاء الله عز وجل، وهو لقاء
الفناء لا لقاء الارتباط كما يعبَّر عنه في مصطلح علم الفلسفة, إذ هناك فرق بين العلاقة الارتباطية والعلاقة الفنائية :
ولتقريب الفكرة نضرب مثلاً:
إذا وضعت عسلاً في كأس حليب، فالحليب مع العسل يسمّى (علاقة ارتباطية) إذ ما زلت عندما تشرب الحليب تشعر أنَّ هناك حليباً وأنَّ هناك عسلاً، يعني هناك وجودان ارتبط أحدهما بالآخر،
بينما إذا صهر الذهب مع معدن آخر وأصبح مادة واحدة فهذه تسمّى (علاقة فنائية)، لأنَّك لا تشعر بأنَّ هناك شيئين، بل مادة واحدة، بينما علاقة الامتزاج بين الحليب والعسل علاقة ارتباطية لا فنائية، هذا بلحاظ الوجود الخارجي وكذلك بلحاظ الوجود الذهني ويحصل بالتأمّل في علاقة الاسم بالمسمّى،
مثلاً: إذا جيء لي بولد وأسميته نادر فعندما يقول لي واحد من الناس: نادر، لا يتبادر ذهني إلى الولد لأنّي لم أتعوَّد على ذلك, فأشعر بأنَّ هناك وجودين وجود للولد وهو ابني ووجود للحروف، لكن إذا مرَّت الأيّام واعتدت على الاسم فبمجرَّد أن يقال لي: نادر، ينتقل ذهني إلى ولدي ولا أشعر بالحروف أبداً، وهذه تسمّى (علاقة فنائية) فناء الاسم في المسمّى،
فالعلاقة بين الاسم وبين المسمّى في أوّل أيّام الولادة كانت ارتباطية ربط الاسم بالمسمّى، لكن بمرور الوقت تحوَّلت العلاقة من علاقة ارتباطية إلى علاقة فنائية، ولا تشعر بالاسم أبداً،
وهكذا لقاؤنا مع الله يجب أن يكون لقاء فناء بحيث نشعر أن ليس هناك وجودان وجود لنا ووجود لله، ولا نشعر إلاَّ بوجود الله، هذا ما يسمّى بالعلاقة الفنائية،
واللقاء الفنائي أن يصل الإنسان إلى حدّ الإحساس بحضور الله،
فالقرآن الكريم يعبّر عن العلاقة الفنائية عندما يقول:
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح: 10)، حيث يشعر الإنسان أنَّ يد الله تلامس يده، ويقول تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (التوبة: 104)، بحيث نصل إلى الشعور بأنَّ الله هو الذي يأخذ صدقاتنا منّا، وقال تعالى في آية ثالثة: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) (الحجّ: 37).
فالمطلوب في لقائنا مع الله أن يكون لقاء الفناء أي أن لا نشعر بأنفسنا، بل لا نشعر إلاَّ بوجود الله، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء يوم عرفة: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ، وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبَّكَ نَصِيباً).
3. السؤال الثالث: هل يريد الإمام (عليه السلام) لقاءنا؟
إنَّ علماء العرفان يقولون: هناك فرق بين :
• لقاء الأنس
• ولقاء التشريف,
والفرق بينهما هو أنَّ لقاء التشريف بمعنى أن يمنَّ عليَّ الإمام(عليه السلام) ويريني طلعته الرشيدة وغرَّته الحميدة كما جاء في الدعاء: (اللَّهُمَّ أرِني الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِري بِنَظْرَةٍ مِنّي إِلَيْهِ، وَعَجَّلْ فَرَجَهُ )،
لكن الإمام لا يريد ذلك, بل الإمام يريد لقاء الأنس، وكيف يلتقي بنا الإمام لقاء الأنس إذا لم نكن أهلاً لإيناس الإمام, ولم نكن أهلاً لتفريح قلب الإمام،
إذن الإمام يريد شيئاً ونحن نريد شيئاً، نحن نريد أن نبقى على ذنوبنا ومعاصينا وعلى الإمام أن يشرّفنا بلقائه ويكرمنا بطلعته والإمام ينادينا: أنا لا أريد هذا اللقاء :
أريد لقاء الأنس أريد أن التقي بكم وأنا فرح بكم، مبتهج بكم، والفرح والبهجة والأنس تتوقَّف على أن ننصهر بالإمام وأن تكون علاقتنا بالإمام علاقة فنائية لا ارتباطية حتَّى يكون لقاؤنا مع الإمام لقاء الأنس،
وإلاَّ فالإمام يتفضَّل علينا باللقاء وهو كريم لكنَّه يريد أن يكرمنا بلقاء يعبّر عنه بلقاء الأنس، فما نطلبه نحن غير ما يطلبه الإمام منّا.
علاقة العشق بالإمام (عليه السلام):
من المفيد الاعتراف بأنَّ علاقتنا بالإمام علاقة سطحية، علاقة جافّة جدَّاً، علاقة يابسة، ربَّما تكون علاقتنا بأساتذتنا أقوى من علاقتنا بالإمام,
ربَّما تكون علاقتنا بأصدقائنا وأحبّائنا أقوى من علاقتنا بالإمام، ربَّما تكون علاقتنا بمراجعنا وزعمائنا أقوى من علاقتنا بالإمام،
فلذا يجب مراجعة الذوات لتكون علاقتنا بالإمام علاقة حبّ وعشق لا مجرَّد دعاء، فنحن ندعو للإمام ولكن ما يريده الإمام منّا ليس مجرَّد لقلقة لسان في الدعاء،
بل الإمام المهدي (عجل) يريد علاقة حبّ وعشق كي نكون أهلاً للقائه وأهلاً لتكريمه وأهلاً لتشريفه.