شذى القرآن
07-03-2015, 09:37 AM
تكريت ودموع التماسيح
المسألة لا تتعلّق بالتقييم والايديولوجيا والانحيازات، بل بالالتزام بحدٍّ أدنى من مفهوم «الحقيقة». فحتى حين يعلن ضباط القيادة المركزية الأميركية، بوضوح وفي مؤتمر صحافي رسمي، أن «التحالف» لا يشارك في معركة تكريت، وتزدحم الصحف الأميركية بتقارير بالمعنى ذاته، ويعترف رئيس الوزراء العراقي بأن قوى الحشد الشعبي أطلقت النار على مروحيات اميركية اقتربت منها، يستمرّ الاعلام الطائفي المهيمن بتكرار سردية البروباغاندا عن «الحشد الشعبي الذي يتقدّم بحماية الطائرات الأميركية»، بل وتجد تقارير في صحفٍ خليجية توصّف القصف الجوي على تكريت وتأثيره، كأنه يجري أمامهم.
هذا الاستخفاف بالجمهور العربي، والإطمئنان في موقع الهيمنة الى درجة خلق واقعٍ خيالي زائف وزجّ الناس فيه، هو عنوان الثقافة السياسية الجديدة التي يحاول مال النفط فرضها، في محاولة لبناء مواطنٍ عربي يناسبه. المشكلة الأكبر هي أنّ الذين يروّجون للـ«اتّهام» أعلاه يمثّلون، من دون استثناء، القوى المتحالفة علناً ــــ وذيلياً ــــ مع اميركا وجيشها؛ كأنّما أقصى حجّة بقيت في متناولهم، على ما لاحظ الزميل عبد الرحمن نصار، هي في أن يقولوا لخصومهم «انتم مثلنا».
المعركة في تكريت حقيقية، وهي ستسفر عن نتائج تاريخية، وستُرتكب في اطارها جرائم ومظالم، ولكن ليس على طريقة الدعاية الطائفية البدائية التي يُضلّل الاعلام العربي بها جمهوره. الخوف المصطنع على أهالي تكريت لم نره منذ أشهر، حين تهجّر أكثر سكان المدينة وقُتل المئات منهم ودمّرت «داعش» حياتهم. أمّا الآن، حين يقاتل أبناء العراق لتحرير مدينتهم، التي صارت حصناً لـ«داعش» لا يحضن الا المقاتلين والمفخخات، تصعد لغة التحريض والحرص الكاذب على «المدنيين».
أرض المعركة الدائرة حالياً، من الدور جنوباً الى حدود التأميم، لها رمزية استثنائية. فهي الحاضنة التي خرجت منها نخبةٌ حكمت العراق لأكثر من ثلاثة عقود، بقادتها وسياسييها وضباطها. اليوم، الحرب قد وصلت الى ديارهم وقراهم ولم يعد هناك من مفرّ. وبالنسبة الى الكتلة التي دعمت «داعش» وتبنّتها، فإن هذه هي نهاية الطريق.
صلاح الدين ليست مختلطة طائفياً أو عرقياً، لذا لا صحّة للكلام عن هندسة طائفية و«ابادة»، ولكنّ هذا لا يقلّل من أهمية ما يجري: هناك عشائر وفروع، كالبيجات والبوناصر والبوعجيل، ستفقد نفوذها وسطوتها، فيما تصعد عشائر كالعبيد والجبور دعمت الحكومة وعادت «داعش». بالمعنى الأشمل، فإن تكريت نفسها قد تذوي ــــ بمعنى الأهمية والوزن ــــ أمام سامراء، التي ستسترجع مكانها كالمدينة الرئيسية في وسط العراق (وهو الدور الذي سلبته منها تكريت في العهد الصدّامي).
تقفل اليوم، بعنفٍ، صفحة من صفحات التاريخ؛ والتحدي الأساسي أمام العراقيين يتمثّل في تأسيس وطنية جديدة عبر معركة التحرير. أمّا من يتباكى على عشائر تكريت ويستثمرها في حروبه الطائفية، فينبغي تذكيره بأن عواصمه ــــ تحديداً ــــ هي التي أصرّت على حصار العراق واستنزافه وضربه، حتى وصل التكارتة الى دركهم اليوم، فلا داعي لذرف دموع التماسيح.
منقول
عامر محسن
المسألة لا تتعلّق بالتقييم والايديولوجيا والانحيازات، بل بالالتزام بحدٍّ أدنى من مفهوم «الحقيقة». فحتى حين يعلن ضباط القيادة المركزية الأميركية، بوضوح وفي مؤتمر صحافي رسمي، أن «التحالف» لا يشارك في معركة تكريت، وتزدحم الصحف الأميركية بتقارير بالمعنى ذاته، ويعترف رئيس الوزراء العراقي بأن قوى الحشد الشعبي أطلقت النار على مروحيات اميركية اقتربت منها، يستمرّ الاعلام الطائفي المهيمن بتكرار سردية البروباغاندا عن «الحشد الشعبي الذي يتقدّم بحماية الطائرات الأميركية»، بل وتجد تقارير في صحفٍ خليجية توصّف القصف الجوي على تكريت وتأثيره، كأنه يجري أمامهم.
هذا الاستخفاف بالجمهور العربي، والإطمئنان في موقع الهيمنة الى درجة خلق واقعٍ خيالي زائف وزجّ الناس فيه، هو عنوان الثقافة السياسية الجديدة التي يحاول مال النفط فرضها، في محاولة لبناء مواطنٍ عربي يناسبه. المشكلة الأكبر هي أنّ الذين يروّجون للـ«اتّهام» أعلاه يمثّلون، من دون استثناء، القوى المتحالفة علناً ــــ وذيلياً ــــ مع اميركا وجيشها؛ كأنّما أقصى حجّة بقيت في متناولهم، على ما لاحظ الزميل عبد الرحمن نصار، هي في أن يقولوا لخصومهم «انتم مثلنا».
المعركة في تكريت حقيقية، وهي ستسفر عن نتائج تاريخية، وستُرتكب في اطارها جرائم ومظالم، ولكن ليس على طريقة الدعاية الطائفية البدائية التي يُضلّل الاعلام العربي بها جمهوره. الخوف المصطنع على أهالي تكريت لم نره منذ أشهر، حين تهجّر أكثر سكان المدينة وقُتل المئات منهم ودمّرت «داعش» حياتهم. أمّا الآن، حين يقاتل أبناء العراق لتحرير مدينتهم، التي صارت حصناً لـ«داعش» لا يحضن الا المقاتلين والمفخخات، تصعد لغة التحريض والحرص الكاذب على «المدنيين».
أرض المعركة الدائرة حالياً، من الدور جنوباً الى حدود التأميم، لها رمزية استثنائية. فهي الحاضنة التي خرجت منها نخبةٌ حكمت العراق لأكثر من ثلاثة عقود، بقادتها وسياسييها وضباطها. اليوم، الحرب قد وصلت الى ديارهم وقراهم ولم يعد هناك من مفرّ. وبالنسبة الى الكتلة التي دعمت «داعش» وتبنّتها، فإن هذه هي نهاية الطريق.
صلاح الدين ليست مختلطة طائفياً أو عرقياً، لذا لا صحّة للكلام عن هندسة طائفية و«ابادة»، ولكنّ هذا لا يقلّل من أهمية ما يجري: هناك عشائر وفروع، كالبيجات والبوناصر والبوعجيل، ستفقد نفوذها وسطوتها، فيما تصعد عشائر كالعبيد والجبور دعمت الحكومة وعادت «داعش». بالمعنى الأشمل، فإن تكريت نفسها قد تذوي ــــ بمعنى الأهمية والوزن ــــ أمام سامراء، التي ستسترجع مكانها كالمدينة الرئيسية في وسط العراق (وهو الدور الذي سلبته منها تكريت في العهد الصدّامي).
تقفل اليوم، بعنفٍ، صفحة من صفحات التاريخ؛ والتحدي الأساسي أمام العراقيين يتمثّل في تأسيس وطنية جديدة عبر معركة التحرير. أمّا من يتباكى على عشائر تكريت ويستثمرها في حروبه الطائفية، فينبغي تذكيره بأن عواصمه ــــ تحديداً ــــ هي التي أصرّت على حصار العراق واستنزافه وضربه، حتى وصل التكارتة الى دركهم اليوم، فلا داعي لذرف دموع التماسيح.
منقول
عامر محسن