الشيخ عباس محمد
11-04-2015, 06:10 PM
1- التغيير الجوهري!..
إن الهدف من المجالس الحسينية، هي أن يخرج الإنسان بتغيير جوهري في ذاته، وإلا فالذي يدخل الحمام ثم يخرج وآثار الدرن مازالت على بدنه، يُعلم بأنه لم يستحم أو لم ينتفع من دخوله؛ لأن حاله قبل الدخول هي ذاتها بعد الخروج.. فدخول الحمام ليس مطلوباً في حد ذاته، بل إنه يستلزم التخلص من الأدران العالقة بالبدن.. فالذي تمر عليه المواسم العبادية في شهر محرم وصفر، وفي موسم رمضان والحج.. دون أن يلمس تغييراً في هذه الروح -والتي شأنها أعلى وأسمى من ذلك البدن- ولم يطهرها من الشوائب والعوالق، مثله كمن يتناول دواءً طلباً للاستشفاء ولكن لا يجده مؤثراً.. والسبب في ذلك أنه على شكل الدواء، وليس هو الدواء نفسه؛ وإلا كان مؤثرا.. فمن انتفاء الأثر نعلم أن المؤثر ليس هو الحقيقي.
2- راعي الأمة!..
إن البعض قد يتعذر بعدم وجود الدليل والمرشد، والحال بأن صاحب الأمر (ع) في كل عصر هو المسؤول والراعي لهذه الأمة، وهدفه تنمية القابليات.. نحن نعتقد أن الإمام الحسين (ع) وصل إلى قمة السفر، وأخذ بيد أصحابه، وآخر قابلية نماها، هي قابلية الحر بن يزيد.. فهو بنظرة ملكوتية ولائية أنقذه مما هو فيه، وإلا فإن الحياة التي أمضاها الحر في جهاز الظالمين لم تكن تخوله لهذه النقلة، ولكن يقال بأن الذي جعله يترشح لكرامة ونظرة إمام زمانه، هو صلاته مع الإمام (ع)، واحترامه لمولاتنا فاطمة الزهراء (ع) عندما قال له الإمام: ثكلتك أمك!.. وإذا به يستنكف أن يرد بالمثل وإمامه ابن فاطمة (ع).. فالحر الذي كان قائد جيش يقاتل إمام زمانه، والذي أرعب قلوب الهاشميات، رأى فيه الإمام الحسين (ع) القابلية، ونمى هذه القابلية بدعائه وبحركته وبقوله.. ومن المعلوم أن صاحب الأمر هو وارث الحسين (ع)، ونحن عندما نقول: (السلام عليك يا وراث أبا عبد الله) مخاطبين إمام زماننا، فعلينا أن نعرف أن هذه الوارثية ليست من ناحية الثأر لدمه فحسب!.. إنما ملكات الأئمة وكل ما يقال عن المعصومين، كلها مجتمعة في إمام زماننا (ع)، وهو راعي هذه الأمة.. فإذن، المهم على الإنسان أن يبدي صدقه ويثبت حسن نيته.
3- السفينة الشراعية!..
لاشك أن الاستماع للمواعظ التي تلقى هذه الأيام والليالي في مجالس أهل البيت (ع) -وبالأخص في العشرة الأولى- يختلف عن باقي الأيام والليالي؛ إذ أن معها دفعا من عالم الغيب، كالسفينة الشراعية التي تبحر في البحر، ولكن الأمواج والهواء تدفعها إلى الإمام.. ومن الملاحظ -هذه الأيام- وجود حالة العطش لتقبل المعارف والمعاني الإلهية، وهذه ظاهرة غير طبيعية، فالمجالس -بحمد الله- تزداد في كل سنة، والجمهور يزيد بشكل ملفت، وهذه -إن شاء الله- من علامات البشرى لظهور إمامنا (عج)، حيث أصبحت القلوب تقبل على أهل البيت (ع) وعلى الإسلام الصحيح.
4- الوضوح الفكري!..
إن الإيمان حالة انكشاف الرؤيا الباطنية لهذا الوجود.. حيث أن هناك فرقا بين إنسان يعتقد الوجود لله -عز وجل- من خلال قانون العلية؛ أي لكل علة معلول، فللكون علة، وعلة الكون هو رب العالمين، حتى الطفل يفهم هذهِ المعادلة.. وبين من يعيش حالة الوجود الإلهي، وهو برهان الصديقين!.. نعم، المؤمنون المتقون إيمانهم بالغيب هكذا؛ كما قال الإمام علي (ع): (وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم).. فرقٌ بين من يعتقد بكلام الأنبياء حول جهنم، وبين من يستمع زفير جهنم في أصول أذانه.. ومن هنا فإن العمل الواحد قد يصدر من فردين مختلفين: أحدهما لهُ علاقة متميزة مع رب العالمين، فإن هذا العمل الواحد يكتسب قيمة كبرى، قياساً إلى طرفٍ آخر.. الدليل على ذلك أصحاب سيد الشهداء الذين إلى يومنا هذا نخاطبهم: (بأبي أنتم وأمي)، (طابت الأرض التي فيها دفنتم)، (يا ليتنا كنا معكم)!.. أصحاب سيد الشهداء قتلوا، والكثيرون طوال التاريخ قتلوا أيضاً في سبيل الله؛ ولكن لا نقدسهم هذا التقديس، فقط نقول: فلان مات شهيداً، أو قتل شهيداً، لأن الوضوح والرؤيا التي كانت عند أصحاب سيد الشهداء، كانت رؤيا متميزة.
5- اللون الموحد!..
إن اللون الموحد الذي يجمع بين كل ألوان نشاطات الأئمة (ع) في حياتهم المباركة، هي تلك السمة التي كانت في حياة النبي الأكرم (ص)، وهي سمة العبودية.. إن الإمام -الذي هو حجة الله على خلقه في كل عصر- يمثل أعلى صور العبودية لله -عز وجل- في كل شؤون الحياة.. نحن نلاحظ من خلال سيرة الأئمة (ع)، أنه ما تركوا فرصة من الفرص، إلا وبينوا فيها العبودية لله عز وجل بكل صورها.. في سيرة أصحاب الحسين (ع): في ليلة عاشوراء وفي يوم عاشوراء، كان الجو جوا قتاليا، وجو حماس، وجو استشهاد، فقد يضعف أو يفتر فيه الجانب العبادي الفردي.. ولكن نلاحظ أن هذه السمة كانت متجلية بشكل واضح، من خلال عبادتهم المكثفة في ليلة عاشوراء، فكان لهم دويّ كدويّ النحل، بين قارئ للقرآن ومصلٍ.. والحسين (ص) من أبرز حركاته في يوم عاشوراء، صلاة الحرب وصلاة الزوال، فقد قتل (ع) بعد أن صلى صلاته؛ ولا شك أن الإقبال القلبي والتركيز الذي كان فيه سيد الشهداء (ع) في يوم عاشوراء، ما كان أقل من تركيزه وهو في حرم جده، أيام كونه في المدينة آمناً.
6- تقليص الغفلة!..
إن عطاء الموسم أو عطاء المجلس عطاء مرحلي آني.. كم أقمنا في محرم وصفر من مجالس، وكم اشتركنا وبكينا وندبنا و...الخ!.. هذا جهد مشكور ومجزيٌ عليه، ولكن الآن لو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنه لا يمتلك من عطاء الموسمين، ما يكون معه إلى طوال السنة.. عطاء الموسم هو أن يعيش الإنسان حالة من حالات التذكر المستمر، والمعية الإلهية الدائمة، وأن يتأسى بأئمة أهل البيت (ع) وبالنبي المصطفى (ص)، وألا يغفل عن ذكر الله -عز وجل- قدر الإمكان.. نحن لا ندعو إلى الذكر الدائم، فريما لا يتحقق هذا الشعار في حياتنا، وإنما إلى تقليص الغفلة إلى أدنى مستوياتها الممكنة، فإن هذه ثمرة كبيرة من ثمار مواسم أهل البيت (ع).. وعليه، فإنه ينبغي للذي يشارك في المناسبات الفرحية أو الحزينة، أن يستمع جيداً إلى الكلام النافع.. فإن الذي يمكن أن يؤثر في مسيرته الحياتية، أن يستمع إلى سنة وسيرة المعصوم -الإمام الذي كان خليفة الله في زمانه-، ويحاول أن يطبق ذلك في حياته ما أمكنه ذلك.
7- ابتكار الأساليب المثيرة!..
إن المجلس الذي يقام في قرية من القرى، غير المجلس الذي يقام في عاصمة أوروبية مثلاً؛ فلكل بلد ولكل بيئة ولكل زمان خصوصيات.. لذا، علينا أن نبحث عن الأداة المناسبة، لإيصال الفكرة إلى نفوس الغير، وعلى الخصوص الشباب.. نلاحظ أن الجهات التي تريد تذويب الكيان الإسلامي؛ تستغل حتى الأفلام المتحركة لزرع بعض الأفكار.. ونحن أيضاً لابد أن نكتشف الأساليب الجديدة، في إيصال الفكرة المؤثرة إلى نفوس الناشئة.. نحن مشكلتنا الشباب والناشئة، وإلا كبار السن لهم دربهم الثابت في الحياة؛ فلابد أن نبتكر الأساليب، من أجل جذب الناشئة والشبيبة المؤمنة إلى طاعة رب العالمين.
8- بين المقدمة والنتيجة!..
إن إبداء الشوق والتشبه بالمحبين، هذا ليس حباً.. ولهذا يقول البعض في الرواية المعروفة: (أحب الله من أحب حسيناً): جعل الله -عز وجل- حب الحسين لوحده من موجبات الحب الإلهي.. حيث يُعلم من خلال المسانخة بين المبتدأ والخبر، بين المقدمة وبين النتيجة، بين الصدر وبين الذيل.. أن هذه المحبة محبة مؤثرة، تلك المحبة البليغة المؤثرة في تغيير السلوك، كما ذكره القرآن الكريم: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}.. فإذن، (أحب الله، من أحب حسيناً) أي اشتاق إليه، وأحبه المحبة التي توجب الإتباع.. ومن الطبيعي إذا اجتمع حب الحسين مع العمل برسالة الحسين، وما جاء به جد الحسين؛ كان ذلك كافياً لأن يحب رب العالمين ذلك العبد الذي أحب الحسين بشرطه وشروطه.. وحب الله للعبد؛ من أسباب النجاة، ودخول الجنة.
9- تأديب المؤمن!..
إن المؤمن أكثر الناس ابتلاء: فحياته حياة فقر، ومشاكل عائلية، ونكبات دراسية، وأمراض نفسية؟.. وذلك لأن رب العالمين يريد أن يؤدب المؤمن، لأنه سفير الله في الأرض.. فالإنسان عندما يرتدي السواد أيام عاشوراء، أي أنه يقول: أنا حسيني الانتماء.. ولذا، فإنه عندما يعصي الله بهذا الثوب، فينظر إلى امرأة وهو في حداد، فإن رب العالمين لا يؤخر العقوبة له.
10- نجم عاشوراء!..
إن نجم عاشوراء يتألق دائما، ونعتقد أن الحركة الحسينية ستزداد تألقاً في العالم على مرور الأيام.. فالدم الحسيني هو الذي يمد هذا الطريق بعوامل الثبات والاستقامة، حيث الفناء في الله ولله وبالله وإلى الله -تعالى- أخيراً، ويقوي هذا الدرب على مر الأجيال، وهو الذي حفظ الإسلام، وإلا لتعرض للتحريف كما هو في بقية الأديان الأخرى.
11- أبواب الخلود!..
إن من بركات هذا الدين وهذا الخط المبارك، أنه هيأ لنا الأرضية العاطفية.. فتح أبواب الخلود من خلال ما جرى عليهم من المصائب، لينفذ الإنسان من بوابة القلب إلى مدينة الفكر.. فلولا حركة الإمام الحسين -عليه السلام- والدماء المراقة في أرض الطف، لما تجمع المؤمنون تحت سقف واحد -قبة سيد الشهداء (ع)- في شرق الأرض وغربها.. وعليه، فلابد أن نستثمر هذه الجلسات المباركة التي دعا لها الإمام الصادق (ع).
12- مفهوم النصر!..
إن البعض يحصر مفهوم النصر بالقضاء على الخصم عند المواجهة، والحال أن للنصر مفهوما أوسع من ذلك بكثير.. فإن بقاء القيم التي ضحى صاحبها من أجلها، لهو أكبر دليل على النصر.. وهذه هي رسالات الأنبياء والأوصياء نابضة بشعار التوحيد، رغم ما جرى عليهم من صنوف الأذى.. فها هو الحسين (ع) الذي تشابهت نهاية حياته الكريمة، مع نهاية حياة يحيى بن زكريا (ع) يقول: (من هوان الدنيا على الله عز وجل، أن رأس يحيى بن زكريا، أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل).. ولكن الله -تعالى- كرمه في القرآن بتكريم منقطع النظير حينما قال: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}.
13- الزاوية الاجتماعية للعبادة!..
لئن كانت العشرة الأخيرة من شهر رمضان، محطة تركيز على العلاقة الخاصة مع رب العالمين، من الزاوية الفردية للعبادة.. فإن العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، تمثل محطة تركيز أيضا على تلك العلاقة من الزاوية الاجتماعية للعبادة؛ تأسيا بسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة، مجسدا بذلك شعار إحياء الخلق، لأنهم عباد الله.. وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
14- النتيجة الطبيعية!..
إن حق الحسين (ع) عظيم على الأمة جمعاء، لأنه أحدث بشهادته هزة عنيفة أيقظت الأمة من سباتها.. وأي سبات أعظم من أن يستبدل خير الخلق إلى الله -تعالى- في زمانه، بشارب الخمور ومستحل الحرمات زاعما أمرة المؤمنين!.. وما آل إليه أمر الأمة، كان نتيجة طبيعية لمخالفة المنهج الرباني، الذي رسمه الله -تعالى- للأمة يوم الغدير.
15- التجانس!..
إن من أعظم وظائف المحبين في هذه الأيام، هو تجسيد الحب، لا من خلال مظاهر العزاء فحسب، بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب!.. إذ أن الحب ما هو إلا التجانس بين المحب والمحبوب، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات.. وأعظم قربان يقرب إلى الله -تعالى- في هذه الأيام، هو نفي إنية النفس الأمارة: اجتثاثا لملكة خبيثة، أو إقلاعا عن منكر نعكف عليه.
16- المشاطرة!..
إن البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الأنبياء والأوصياء في تأثرهم بمصيبة الحسين (ع).. إذ لم يتحقق على وجه الأرض منذ أن خلق آدم (ع)، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في: النفس، والعيال، حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع).. ومن المعلوم أن هذه الظلامة قائمة، لأنه لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع).. ومرور الليالي والأيام، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذي اقشعرت له أظلة العرش قبل أركان الأرض.. ولا ننسى أن صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين، هو الذي وطأته الخيل بحوافرها، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن!..
17- الفناء في الله عز وجل!..
إذا أردنا أن نصف ما جرى في كربلاء بعبارة موجزة، فإن خير ما يقال في هذا المجال: أن الذين حضروا تلك الواقعة، لم تبق لهم ذوات حاكمة في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى.. وهذا هو مقام الفناء في الله، الذي طالما طرحه القوم نظرية في عالم التصور، إلا أنها تحققت على صعيد كربلاء في فتية صدقوا ما عاهدوا الله -تعالى- عليه.
18- عدم اليأس!..
إن الذين ضحوا بأرواحهم فداء للإسلام مع الحسين (ع) كانوا من شرائح مختلفة.. فمنهم من هو قديم العهد في الوفاء لرب العالمين: كحبيب بن مظاهر، ومنهم من هو جديد العهد بالهداية: كالحر بن يزيد.. ولكن العاقبة كانت واحدة، ألا وهي الاستقرار في مقعد الصدق عند مليك مقتدر، مما يدفع أحدنا لعدم اليأس مهما غرق في بحر المعاصي، فإن الأمور بخواتيمها.
19- دور الإمام!..
إن دور الإمام في قيادة الأمة يتجلى من خلال واقعة الطف أيضاً.. فإن النفوس الصالحة من أصحابه الميامين، لم تكن لتصل إلى ملكة الرشد والكمال الفعلي؛ إلا من خلال رعايته وتربيته الروحية والعقائدية.. وهكذا لو ثنيت الوسادة للمعصوم (ع) في الأمة، لحوّل الطاقات الكامنة فيها إلى ملكات فعلية، تتجلى في التضحية والإيثار في سبيل المبدأ.. ومن هنا يشتد أسفنا لما وقع من الظلامة على أوصياء النبي (ص) بتنحيتهم عن هرم الهداية والإرشاد بشتى صور الظلم.
20- صرخة مدوية!..
إن الأرض طوال التاريخ، شهدت أنواعا من الحضارات قامت وأخرى اندثرت، وهذه هي السياسة الإلهية في الأرض، إذ أن الأيام –كما ذكرها القرآن الكريم– يداولها بين الناس، ويدفع الناس بعضهم ببعض!.. فلا ينبغي الركون لليأس، عندما يرى الإنسان غربة الدين في مرحلة من المراحل، فإن المد الإلهي كان في عملية صراع دائم مع الباطل، منذ أن خلق الله -تعالى- آدم.. فمن كان يصدق في الأيام الأولى لغربة الإسلام، أن يصل نداء التوحيد لشتى بقاع المعمورة، ومن كان يصدق أن تصل صرخة الحسين (ع) يوم عاشوراء مدوية في عمق التاريخ؟!..
21- ليال قدر أخرى!..
إن شهر رمضان؛ هو شهر الدعاء، وشهر الإنابة إلى الله عز وجل.. وشهر محرم أيضا: شهر الدعاء، وشهر البكاء، وشهر العمل، وشهر الانقطاع إلى الله عز وجل.. في شهر رمضان نتوجه إلى الله في ليالي القدر، وهذه العشرة أيضا هي ليال قدر.. حيث بإمكان الإنسان في مثل هذه الأيام أن يتطهر من ذنوبه، يقول الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام)!..
22- اقتران العاطفة بالعقل!..
إن العاطفة لها موقع ممتاز ومتميز، ولكن العاطفة تعطي ثمارها إذا اقترنت بالجانب العقلي والمعرفي.. فالمعرفة الكاملة أو الوافية، والعاطفة الجياشة، عندما يختلطان؛ فالنتيجة هي الحركة الخارجية والفعل.. أي أن الجوارح تابعة للحركات العاطفية المدروسة، والارتباط الفكري والعقلي بهم صلوات الله -تعالى- عليهم.
23- إعلان موقف!..
إن البكاء على الحسين (ع) هو عبارة عن إعلان موقف.. فالدول عندما تريد أن تحتج على عمل ما، فإنها ترفع مذكرة للجهات المعنية، أو ترفع لافتة، أو تقوم بمظاهرة.. فأخذ الموقف مسألة مهمة، والدول تجتمع في نقطة معينة لتدين إجماعا دولة من لدول.. فنحن بالبكاء على الإمام الحسين (ع) نسجل موقفا: وهو مظلومية الإمام (ع).. وكلما اشتد البكاء، كلما كان تسجيل الموقف أقوى!..
24- العاقبة للحركة الحسينية!..
إن الدرس الأساسي من يوم عاشوراء، هو التطبيق العملي لهذه المقولة: (أن للحق دولة، وللباطل جولة)، فإذا رأينا انتصار الباطل وعتوه وتجبره، لا يأخذنا اليأس، ولنعلم بأن العاقبة للحركة الحسينية، حيث انتصار الدم على السيف.. وهذا هو ما جرى بعد عاشوراء على الظالمين، من انتقام على يد الثورات التي أبادتهم عن بَكرة أبيهم.. إن رب العالمين أراد أن يعلم الأمة، بأنه لا يمكن أن يُمى الذكر الإلهي، وهو النور الذي لا يمكن أن يطفأ.
25- الحسين (ع) منعطف تاريخي!..
ينبغي أن لا ننظر إلى قضية الحسين (ع) على أنها مأساة إنسانية، وعبارة عن مقتل صحابي يقاتل غيره من الصحابة.. فالإمام الحسين (ع) يشكل منعطفا تاريخيا، حيث أنه عاش في مواجهة رجل فاسق كيزيد، كان دون مستوى الإنسانية بمراحل، أراد أن يمسخ الإسلام ويقلبه إلى الجاهلية الأولى.. إن ما بأيدينا اليوم من الإسلام على اختلاف الجهات، هو من بركات دماء سيد الشهداء (ع)، وهو جد الإمام الصادق (ع) الذي يفتخر به بعض أئمة المذاهب عندما قال: (لولا السنتان لهلك النعمان).. الحسين (ع) على رأس سلسلة في التأريخ، شأنه شأن إبراهيم الخليل (ع)، الذي اكتسب الخلود على مر العصور، الكثيرون حطموا الأصنام، لماذا الله -تعالى- يخلد حركة إبراهيم (ع) دون يحيى (ع) الذي قتل تلك القتلة الفجيعة؟!.. لماذا رب العالمين يخلد هرولة هاجر ورميها للجمرات؟!.. ثم أن النبي (ص) هو أول الباكين على الحسين (ع).. فإذن، نحن نبكي الحسين (ع)؛ لأنه منعطف تاريخي في حياة الأمة، وكذلك تأسياً بالنبي (ص).. وخير شاهد على ذلك، البركات التاريخية لإقامة عزاء الحسين (ع).
26- استنزال النصر!..
إننا نستطيع أن نتصدى للعدوان البغيض على الأمة، الذي يستهدف نهب ثرواتها وسحق شعوبها؛ مستلهمين ذلك من ثورة الحسين(ع).. في أن ننظر إلى عناصر القوة والانتصار في ثورة الحسين (ع)، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}.. أي علينا أن نعمل بما يوجب استنزال النصر الإلهي، الذي هو حليف كل من يسير على درب الشهادة والانتصار في دين الله عز وجل، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.. وهنا دعوة لكل فرد منّا أن يعمل بتكليفه، سواءً مع أسرته أو مجتمعه، وأن ينظر إلى رضا الله -عز وجل- في كل صغيرة وكبيرة.. ولهذا نلاحظ بأن المدد الإلهي -ملائكة النصر- أنزلها الله -تعالى- في معركة بدر، بينما في أحد هنالك انتكاسة؛ بسبب إقبال الناس على الدنيا.. فإذن، يجب علينا أن نعمل بتكليفنا أولاً، ونستلهم النصر من الله، ونمشي على درب الحسين (ع)، حيث أنه كان مستعداً لبذل كل شيء في سبيل نصرة هذا الدين، وشعاره كما نعلم: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني).
27- المدرسة العاشورائية!..
إن مجالس أبي عبد الله الحسين (ع) لا تقتصر على مسألة الدمعة، فهنالك عنصر الاستفادة العلمية، والتأثر الفكري بما يقوله الخطيب، واستيعاب الدروس من هذه الثورة المباركة.. وبالنسبة لحالة الرقة القلبية، ينبغي التفريق بين مسألة الرقة، ومسألة الدمعة.. فالإنسان من الممكن أن يرق قلبه، وينكسر فؤاده.. ولكن لعوامل صحية، يعيش حالة من حالات الجفاف الدمعي.. وعليه، فإنه يكفي في هذه الحالة الرقة الباطنية والتباكي.. أما إذا كان السبب هي الذنوب والمعاصي، فعليه أن يعاهد رب العالمين، بأن يكون من خريجي المدرسة العاشورائية، بالإقلاع عن كل ذلك.. ولنعلم أن من علامات قبول العزاء، هو الخروج بهذه الثمرة.
28- المجالس أرضية خصبة للثقافة الدينية!..
إن المجالس الحسينية هي مجالس مفتوحة لكل المسلمين، وهي أرضية ثرية خصبة للثقافة الدينية في مختلف حقولها: تفسيراً، وسيرة، وفقهاً، وعرفاناً، وغير ذلك من حقول المعرفة.. إن الإمام الحسين (ع) هو حفيد النبي (ص)، ومصادر المسلمين ثرية بما ورد في فضل البكاء عليه (ع).. فلماذا نجد هذا التأثر من غير المسلم الذي لا يعتقد بالدين، في حين أنهم أولى بذلك؟!.. لنحاول إيصال هذا الفكر للطرف المقابل، بأسلوب هادئ موضوعي، بعيداً عن الجدال العقيم.. وعلى كلٍّ فإن هذه الوسائل التثقيفية الهائلة اليوم، أكملت الحجة على جميع المتصدين لعالم التثقف والفهم في هذا المجال.
29- حملة لواء التوحيد!..
إن أئمتنا (ع) هم حملة لواء التوحيد: الحسين (ع) كان يعيش في يوم عاشوراء أجواء الشهادة، ومن يعيش هذه الأجواء، لابد وأن يكون في حالة مناجاة مع رب العالمين.. ولكن صلة الحسين (ع) بالدعاء هي صلة قديمة.. لذا نلاحظ في يوم عرفة والناس بإحرامهم على صعيد عرفة، لا يمكنهم التخلي عن معلمين مهمين هما: دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)، وزيارة الحسين (ع) في يوم عرفة.. وهذا حقيقة من موجبات خلود ذكر الحسين (ع).
30- شعور المعزي!..
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، هي مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذٍّ باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).
31- الذكر بين الغافلين!..
إن الذاكر لله -سبحانه وتعالى- بين الغافلين، هو كالمقاتل بين الفارين.. وعليه، فإن إقامة عزاء أهل البيت (ع) في بلاد الغرب تلك البلاد النائية، لها وزنها عند الله تعالى.. وهي من الصدقات الجارية البليغة، في دفع البلاء عن الإنسان.
32- إضفاء البعد التوحيدي!..
إن على المؤمن قصد القربة الواضحة المركزة، عند حضور مجالس الحسين (ع).. وصلاة ركعتين تحية المسجد، إذا كان المجلس مقاما في مسجد.. ثم السجود لله شكراً، بعد الانتهاء من المجلس.. واستغلال ساعة الإقبال بعد انتهاء المجلس -حيث الدموع الجارية - بالمناجاة مع رب الأرباب؛ فهذه فرصة ذهبية، وليس من المعلوم أن تتكرر مرة أخرى.
33- الإشعاع النوري!..
إن البعض من خطباء المنبر الحسيني، هم من النخبة الاجتماعية.. وهؤلاء تصدوا لهذا المقام العظيم، الممتد في شرق الأرض وغربها، والتي تضم في قاعاتها المتعددة -من أكواخ البوادي، إلى أفخم الأبنية- مختلف الطبقات الاجتماعية.. وهذا من أسباب التفوق العلمي في الموالين نسبة إلى غيرهم، وذلك لتعرضهم لهذا الإشعاع النوري منذ نعومة أظفارهم.. وهنا دعوة للخطباء، بتلوين العطاء الذي سخره الله -تعالى- لهم، بأن يمزجوا القرآن الكريم بالحديث بالتاريخ بالسيرة بالبكاء والإبكاء؛ ليخرج الجمهور وقد تكامل في كل أبعاده.
34- البكاء والإبكاء!..
إن الإبكاء على الحسين (ع) لا يحتاج إلى صعود المنابر أو الجمهور العريض.. فبإمكان الإنسان المؤمن أن يجمع العائلة والأطفال الصغار، وينقل لهم جزيئات المقتل ولو بشكل سرد عادي.. قال الإمام الصادق (ع): (من أنشد في الحسين فأبكى عشرة، فله الجنة.. ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحدا، فله الجنة!.. ثم قال: من ذكره فبكى، فله الجنة).. أي أن هنالك ما يقتضي دخوله الجنة.. ولو أن الإنسان جاء يوم القيامة، وقد تساوت حسناته وسيئاته، ولم يبقَ في دفتر أعماله إلا هذا البكاء على سيد الشهداء (ع) قطعاً وبلا ريب أن له الجنة.
35- الموازنة بين العاطفة والعقل!..
إن من الضروري الموازنة بين العقلانية والعاطفة، فالذي يتكلم عن ثائرية الحسين (ع)، عليه أن يكون في مقام العمل رسالياً ينتهج منهج الحسين (ع).. ولابد له من طراوة عاطفية؛ لينقل الفكرة إلى مستوى الجوارح.. فهذا غاندي وهو غير مسلم يقول بأنه تعلم من الحسين (ع)، كيف يكون مظلوماً فينتصر!..
36- تجليات الرحمة!..
إن الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء كما يفهم من سيرته، كان له بكاءان: بكاء على أهل بيته، وما سيصيبهم بعده.. وبكاء على هذه الأمة، أنها ستدخل النار بسببه.. هذه هي الرحمة، والرحمة إذا وجدت لها تجليات، فهي ليست حالة مستبطنة في الباطن، إنما تتجلى في الخارج، وأهل البيت في قمة هذه الحالة.
37- الضريبة!..
إن هذه الولاية لها ضريبتها، التجار في بلاد الغرب يشتكون من الضرائب!.. كلما زاد المحل التجاري سعة؛ كلما تنوعت بضاعته.. وكلما زادت تجارته، جاءت الضرائب الفادحة بعد ذلك!.. (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة، عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره)، فالإنسان عندما يُري الآخرين بأنه حُسيني في زيه، وفي شكله، فإن هذه الحركة لها ضريبة!.. والضريبة هي أن نكون على خط الحسين –عليه السلام– في كل شيء!..
38- الكاميرا!..
إن الشياطين أيام شهر رمضان تتلوى يميناً وشمالاً، لأن الناس صيام ومعزون ومصلون، وليس هنالك شيعي موال ينظر إلى نساء الغير.. روي (أن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حُرَم المسلمين، فلطمه عليّ، فاستعدى عليه عمر، فقال: ضربك بحق، أصابته عين من عيون الله)!.. وفي هذا العصر إمامنا صاحب الأمر –عليه السلام– ينظر إلينا، فعلينا أن لا نجرح فؤاده بما لا يليق بنا.. إن العسكري الذي يرتكب المخالفة في زيه، يعاقب أشد العقوبة!.. وأنتم اليوم بهذا الزي زي رثاء الحسين –عليه السلام– تمشون في الشوارع، والناس تنظر إليكم على أنكم أنتم حملة راية الحسين.. وهذه الأيام الكاميرات تلاحق كل شيء، وإذا صدر منك ما لا يليق بك، فإنها تصطاد المناظر الملفتة دعاية لها.. فكيف بكاميرا السماء؟!.. وكيف بالله –عز وجل– وهو البصير الخبير!.. لذا على الإنسان أن لا ينظر إلى معصيته، بل ينظر إلى من عصى!..
39- التأثر الشعوري!..
إن التأثر الشعوري بمصائب أهل البيت -صلوات الله وسلامه عليهم- نقطة مهمة أيضاً.. لأن الإنسان كلما زاد بلوغاً ذكرياً وعاطفياً، كلما زاد تفاعله بمصائب أهل البيت عليهم السلام.. لأنَّ الأئمة -عليهم السلام- وعلى رأسهم النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- يمثلون أعزَّ الخلقِ على الله عزَّ وجلَّ.. وما وقع عليهم من كوارث: كاستشهاد مولانا أمير المؤمنين، وقتل الحسين -صلوات الله وسلامه عليه- وسجن مولانا موسى بن جعفر، وتخفي موالينا الإمام الهادي والعسكري -صلوات الله وسلامه عليهما- هذه المصائب وقعت على أعزِّ خلق الله عزّ وجلّ.. وبالطبع من محبة الله، أن يتألم الإنسان لما يقع على مَن أحبه الله عزَّ وجلّ.. فكما نعلم: أحباؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك.. وكذلك أعداؤك: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك.
40- التعويض!..
لو أن إنسانا بعث أحداً لقضاء حاجته، وهذا الإنسان ذهب مستصحباً أهله وعياله، وفي الطريق،-ومن أجل خدمته، ومن أجل قضاء حاجته لا لشيء آخر؛ أصابهم ما أصابهم.. فهو كإنسان له مشاعر إنسانية وله وفاء، ماذا سيعمل في مقام التعويض؟.. فلو كان ملكاً أو أميراً، وبيده المقدرات، فإنه يمنحه كل ما يمكن، حتى لو زاد الإنسان وفاءً، من الممكن أن يتنازل عن ملكه مثلاً.. ورب العالمين أمر حبيبه الحسين بما أمره.. وشاء أن يراه قتيلاً، فاستجاب.. وشاء أن يرى أسرته سبايا، فاستجاب.. ولكن ما جرى على سيد الشهداء كما نقرأ في زيارة يوم عاشوراء: (وجلت وعظمت مصيبتك في السماوات، وعلى جميع أهل السماوات).. لأنه ما أبقى لنفسه شيئاً من الطفل الرضيع، إلى علي الأكبر.. ومن أخيه، لأصحابه.. فقد قدم عائلته وأسرته، وعرضهم للسبي، لمصلحة عليا.
41- استبطان العصاة!..
إن رب العالمين يستبطن العصاة، كما استبطن الحسين -عليه السلام- الحر استبطاناً مميزاً لم يتكرر لأحدٍ من أصحابه؛ وهو الذي أدخل الرعب في قلوب بنات النبوة، ولكن عندما جاء للإمام الحسين -عليه السلام- وقال له: هل لي من توبة؟.. الإمام (ع) أكرم هذا التائب!.. وهذا التائب صارَ لهُ مزار، كما أن للعباس (ع) مزاراً مستقلا.. كان على رأس جيش حارب الإمام الحسين عليه السلام؛ ولكن عاد إلى الله عز وجل؛ والله -عز وجل- قبل توبته.
42- الاستبشار بالتضحية!..
إنه من الطبيعي أن المنبع الذي وهب هذا الحب للأم الذي له ما له من المعاني، بإمكانه أيضا أن يقذف درجة أعلى وأعلى من هذا الحب في قلوب عباده المؤمنين.. فالذي جعل المودة الزوجية، والذي جعل مودة الأمومة، ما المانع أن يجعل ما لا يقاس بذلك في قلب المؤمن؟.. ففي حياة النبي وآل النبي (ص) هذه العلاقة كانت تصل إلى درجة أنهم يستبشرون في التضحية في مجال القرب إلى الله عز وجل.. شاء الله -عز وجل- أن يرى الحسين قتيلا وشهيدا، ومن هنا كلما اشتدد عليه البلاء أشرق لونه؛ لأنه يرى أن هذا البلاء في مرضاة رب العالمين، وهو الذي ختم حياته المباركة في المناجاة الحسينية: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك؛ لا معبود لي سواك).
43- المزج بين دمعتين!..
إن على المؤمن أن يمزج بين دمعتين: دمعة التأسف على مصائبهم –عليهم السلام– كما قال الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. وبين دمعة من دموع المناجاة بين يدي الله -عز وجل-.. هاتان الدمعتان إذا امتزجتا، خلقتا المعجزات، أقلها العتق!.. فإذن، على المؤمن أن لا يطلب من الله -عز وجل- عتق هذه الليالي، أو عتق السنة.. بل يقول: يا رب!.. أعتقنا إلى الأبد من نار جهنم.
44- العطاء لمن تعرض له!.
إن هذا العطاء الحسيني الذي هو كالشمس، عطاء عام شامل، ولكن هذا العطاء لمن تعرض له.. فكلنا غرقى، وكلنا هلكى، والحسين (ع) سفينة النجاة.. ولكن سفينة النجاة تنتشل من طلب النجاة، وإلا الذي لا يريد النجاة، والذي لا يستغيث بأهل النجاة، هذا الإنسان قد لا يغاث إلا تفضلاً.
45- خلود القضية الحسينية!..
إن البعض يظن أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها، وهذا خطأ جسيم!.. فكما أن تاريخ المواجهات لم يمت -طوال التاريخ- بين الأنبياء وأعدائهم، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة، لأن منهجه (منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي) لازال حياً ماثلاً للجميع.. فمتى مات الباطل، لتموت المواجهة معه؟..
46- توقير المجالس!..
إن مجالس ذكر الحسين (ع) إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى، فإنه إنما اكتسب الخلود، بتحقيقه أعلى صور العبودية لرب العالمين.. وهي الفداء بالنفس، وأية نفس؟!.. وعليه، فلابد من توقير تلك المجالس، بالدخول فيها: بالتسمية، والطهور، واستحضارها كجامعة من أعرق الجامعات الإسلامية الشعبية.
47- المجالس الحسينية جامعة كبرى!..
إن مجالس الحسين (ع) تعد بحق جامعة كبرى لها فروعها في عواصم المدن الكبرى إلى الأرياف الصغرى.. ومن هنا لا نرى أمة متفقهة في كليات الشريعة -فقها، وتاريخا، وسيرة- كأتباع مذهب أهل البيت (ع) الذين يدخلون هذه الجامعة شهرين في كل عام، سواء في ذلك الصغير الذي لم يبلغ الحلم، إلى الكبير الذي وصل إلى مشارف نهاية عمره!..
48- موسم مصالحة!..
هناك ارتباط وتجانس بين عشرات ثلاث: العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، والعشر الأوائل من محرم الحرام.. وهي بمجموعها تمثل شهرا كاملا في كل عام.. علينا أن نتخذ من مجموع هذه العشرات المباركات، والموزعة على مدار السنة محطات لإعادة الصلة بالله -تعالى- الذي نبتعد عنه خطوة بعد كل معصية؛ لنعوض بذلك أميال البعد عنه، بخطوة جريئة إليه في كل موسم مصالحة!..
49- درس العبودية!..
إن حركة الحسين (ع) كانت أسلوب حياة في التعامل مع النفس والآخرين، فإنه أراد أن يعلمنا درس العبودية في كل مراحل حركته المباركة.. فنراه يخرج من جانب البيت الإلهي الآمن، عندما يرى رضا ربه في ذلك.. ونراه يعرض عياله للأسر والسبي، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراهن سبايا.. ويعرض نفسه لأقصى صور الهتك والتعذيب، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراه قتيلا.
50- تخليد الذكر!..
إن الطبع البشري يميل إلى تخليد الذكر، وبقاء الأثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالارتباط بمبدأ الخلود، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود، كما ورد فيما أوحاه الله -تعالى- إلى نبي من أنبيائه: (إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية).. وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع)؛ ففي كل سنة تمر علينا ذكراه، وكأنها ذكرى جديدة.
إن الهدف من المجالس الحسينية، هي أن يخرج الإنسان بتغيير جوهري في ذاته، وإلا فالذي يدخل الحمام ثم يخرج وآثار الدرن مازالت على بدنه، يُعلم بأنه لم يستحم أو لم ينتفع من دخوله؛ لأن حاله قبل الدخول هي ذاتها بعد الخروج.. فدخول الحمام ليس مطلوباً في حد ذاته، بل إنه يستلزم التخلص من الأدران العالقة بالبدن.. فالذي تمر عليه المواسم العبادية في شهر محرم وصفر، وفي موسم رمضان والحج.. دون أن يلمس تغييراً في هذه الروح -والتي شأنها أعلى وأسمى من ذلك البدن- ولم يطهرها من الشوائب والعوالق، مثله كمن يتناول دواءً طلباً للاستشفاء ولكن لا يجده مؤثراً.. والسبب في ذلك أنه على شكل الدواء، وليس هو الدواء نفسه؛ وإلا كان مؤثرا.. فمن انتفاء الأثر نعلم أن المؤثر ليس هو الحقيقي.
2- راعي الأمة!..
إن البعض قد يتعذر بعدم وجود الدليل والمرشد، والحال بأن صاحب الأمر (ع) في كل عصر هو المسؤول والراعي لهذه الأمة، وهدفه تنمية القابليات.. نحن نعتقد أن الإمام الحسين (ع) وصل إلى قمة السفر، وأخذ بيد أصحابه، وآخر قابلية نماها، هي قابلية الحر بن يزيد.. فهو بنظرة ملكوتية ولائية أنقذه مما هو فيه، وإلا فإن الحياة التي أمضاها الحر في جهاز الظالمين لم تكن تخوله لهذه النقلة، ولكن يقال بأن الذي جعله يترشح لكرامة ونظرة إمام زمانه، هو صلاته مع الإمام (ع)، واحترامه لمولاتنا فاطمة الزهراء (ع) عندما قال له الإمام: ثكلتك أمك!.. وإذا به يستنكف أن يرد بالمثل وإمامه ابن فاطمة (ع).. فالحر الذي كان قائد جيش يقاتل إمام زمانه، والذي أرعب قلوب الهاشميات، رأى فيه الإمام الحسين (ع) القابلية، ونمى هذه القابلية بدعائه وبحركته وبقوله.. ومن المعلوم أن صاحب الأمر هو وارث الحسين (ع)، ونحن عندما نقول: (السلام عليك يا وراث أبا عبد الله) مخاطبين إمام زماننا، فعلينا أن نعرف أن هذه الوارثية ليست من ناحية الثأر لدمه فحسب!.. إنما ملكات الأئمة وكل ما يقال عن المعصومين، كلها مجتمعة في إمام زماننا (ع)، وهو راعي هذه الأمة.. فإذن، المهم على الإنسان أن يبدي صدقه ويثبت حسن نيته.
3- السفينة الشراعية!..
لاشك أن الاستماع للمواعظ التي تلقى هذه الأيام والليالي في مجالس أهل البيت (ع) -وبالأخص في العشرة الأولى- يختلف عن باقي الأيام والليالي؛ إذ أن معها دفعا من عالم الغيب، كالسفينة الشراعية التي تبحر في البحر، ولكن الأمواج والهواء تدفعها إلى الإمام.. ومن الملاحظ -هذه الأيام- وجود حالة العطش لتقبل المعارف والمعاني الإلهية، وهذه ظاهرة غير طبيعية، فالمجالس -بحمد الله- تزداد في كل سنة، والجمهور يزيد بشكل ملفت، وهذه -إن شاء الله- من علامات البشرى لظهور إمامنا (عج)، حيث أصبحت القلوب تقبل على أهل البيت (ع) وعلى الإسلام الصحيح.
4- الوضوح الفكري!..
إن الإيمان حالة انكشاف الرؤيا الباطنية لهذا الوجود.. حيث أن هناك فرقا بين إنسان يعتقد الوجود لله -عز وجل- من خلال قانون العلية؛ أي لكل علة معلول، فللكون علة، وعلة الكون هو رب العالمين، حتى الطفل يفهم هذهِ المعادلة.. وبين من يعيش حالة الوجود الإلهي، وهو برهان الصديقين!.. نعم، المؤمنون المتقون إيمانهم بالغيب هكذا؛ كما قال الإمام علي (ع): (وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم).. فرقٌ بين من يعتقد بكلام الأنبياء حول جهنم، وبين من يستمع زفير جهنم في أصول أذانه.. ومن هنا فإن العمل الواحد قد يصدر من فردين مختلفين: أحدهما لهُ علاقة متميزة مع رب العالمين، فإن هذا العمل الواحد يكتسب قيمة كبرى، قياساً إلى طرفٍ آخر.. الدليل على ذلك أصحاب سيد الشهداء الذين إلى يومنا هذا نخاطبهم: (بأبي أنتم وأمي)، (طابت الأرض التي فيها دفنتم)، (يا ليتنا كنا معكم)!.. أصحاب سيد الشهداء قتلوا، والكثيرون طوال التاريخ قتلوا أيضاً في سبيل الله؛ ولكن لا نقدسهم هذا التقديس، فقط نقول: فلان مات شهيداً، أو قتل شهيداً، لأن الوضوح والرؤيا التي كانت عند أصحاب سيد الشهداء، كانت رؤيا متميزة.
5- اللون الموحد!..
إن اللون الموحد الذي يجمع بين كل ألوان نشاطات الأئمة (ع) في حياتهم المباركة، هي تلك السمة التي كانت في حياة النبي الأكرم (ص)، وهي سمة العبودية.. إن الإمام -الذي هو حجة الله على خلقه في كل عصر- يمثل أعلى صور العبودية لله -عز وجل- في كل شؤون الحياة.. نحن نلاحظ من خلال سيرة الأئمة (ع)، أنه ما تركوا فرصة من الفرص، إلا وبينوا فيها العبودية لله عز وجل بكل صورها.. في سيرة أصحاب الحسين (ع): في ليلة عاشوراء وفي يوم عاشوراء، كان الجو جوا قتاليا، وجو حماس، وجو استشهاد، فقد يضعف أو يفتر فيه الجانب العبادي الفردي.. ولكن نلاحظ أن هذه السمة كانت متجلية بشكل واضح، من خلال عبادتهم المكثفة في ليلة عاشوراء، فكان لهم دويّ كدويّ النحل، بين قارئ للقرآن ومصلٍ.. والحسين (ص) من أبرز حركاته في يوم عاشوراء، صلاة الحرب وصلاة الزوال، فقد قتل (ع) بعد أن صلى صلاته؛ ولا شك أن الإقبال القلبي والتركيز الذي كان فيه سيد الشهداء (ع) في يوم عاشوراء، ما كان أقل من تركيزه وهو في حرم جده، أيام كونه في المدينة آمناً.
6- تقليص الغفلة!..
إن عطاء الموسم أو عطاء المجلس عطاء مرحلي آني.. كم أقمنا في محرم وصفر من مجالس، وكم اشتركنا وبكينا وندبنا و...الخ!.. هذا جهد مشكور ومجزيٌ عليه، ولكن الآن لو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنه لا يمتلك من عطاء الموسمين، ما يكون معه إلى طوال السنة.. عطاء الموسم هو أن يعيش الإنسان حالة من حالات التذكر المستمر، والمعية الإلهية الدائمة، وأن يتأسى بأئمة أهل البيت (ع) وبالنبي المصطفى (ص)، وألا يغفل عن ذكر الله -عز وجل- قدر الإمكان.. نحن لا ندعو إلى الذكر الدائم، فريما لا يتحقق هذا الشعار في حياتنا، وإنما إلى تقليص الغفلة إلى أدنى مستوياتها الممكنة، فإن هذه ثمرة كبيرة من ثمار مواسم أهل البيت (ع).. وعليه، فإنه ينبغي للذي يشارك في المناسبات الفرحية أو الحزينة، أن يستمع جيداً إلى الكلام النافع.. فإن الذي يمكن أن يؤثر في مسيرته الحياتية، أن يستمع إلى سنة وسيرة المعصوم -الإمام الذي كان خليفة الله في زمانه-، ويحاول أن يطبق ذلك في حياته ما أمكنه ذلك.
7- ابتكار الأساليب المثيرة!..
إن المجلس الذي يقام في قرية من القرى، غير المجلس الذي يقام في عاصمة أوروبية مثلاً؛ فلكل بلد ولكل بيئة ولكل زمان خصوصيات.. لذا، علينا أن نبحث عن الأداة المناسبة، لإيصال الفكرة إلى نفوس الغير، وعلى الخصوص الشباب.. نلاحظ أن الجهات التي تريد تذويب الكيان الإسلامي؛ تستغل حتى الأفلام المتحركة لزرع بعض الأفكار.. ونحن أيضاً لابد أن نكتشف الأساليب الجديدة، في إيصال الفكرة المؤثرة إلى نفوس الناشئة.. نحن مشكلتنا الشباب والناشئة، وإلا كبار السن لهم دربهم الثابت في الحياة؛ فلابد أن نبتكر الأساليب، من أجل جذب الناشئة والشبيبة المؤمنة إلى طاعة رب العالمين.
8- بين المقدمة والنتيجة!..
إن إبداء الشوق والتشبه بالمحبين، هذا ليس حباً.. ولهذا يقول البعض في الرواية المعروفة: (أحب الله من أحب حسيناً): جعل الله -عز وجل- حب الحسين لوحده من موجبات الحب الإلهي.. حيث يُعلم من خلال المسانخة بين المبتدأ والخبر، بين المقدمة وبين النتيجة، بين الصدر وبين الذيل.. أن هذه المحبة محبة مؤثرة، تلك المحبة البليغة المؤثرة في تغيير السلوك، كما ذكره القرآن الكريم: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}.. فإذن، (أحب الله، من أحب حسيناً) أي اشتاق إليه، وأحبه المحبة التي توجب الإتباع.. ومن الطبيعي إذا اجتمع حب الحسين مع العمل برسالة الحسين، وما جاء به جد الحسين؛ كان ذلك كافياً لأن يحب رب العالمين ذلك العبد الذي أحب الحسين بشرطه وشروطه.. وحب الله للعبد؛ من أسباب النجاة، ودخول الجنة.
9- تأديب المؤمن!..
إن المؤمن أكثر الناس ابتلاء: فحياته حياة فقر، ومشاكل عائلية، ونكبات دراسية، وأمراض نفسية؟.. وذلك لأن رب العالمين يريد أن يؤدب المؤمن، لأنه سفير الله في الأرض.. فالإنسان عندما يرتدي السواد أيام عاشوراء، أي أنه يقول: أنا حسيني الانتماء.. ولذا، فإنه عندما يعصي الله بهذا الثوب، فينظر إلى امرأة وهو في حداد، فإن رب العالمين لا يؤخر العقوبة له.
10- نجم عاشوراء!..
إن نجم عاشوراء يتألق دائما، ونعتقد أن الحركة الحسينية ستزداد تألقاً في العالم على مرور الأيام.. فالدم الحسيني هو الذي يمد هذا الطريق بعوامل الثبات والاستقامة، حيث الفناء في الله ولله وبالله وإلى الله -تعالى- أخيراً، ويقوي هذا الدرب على مر الأجيال، وهو الذي حفظ الإسلام، وإلا لتعرض للتحريف كما هو في بقية الأديان الأخرى.
11- أبواب الخلود!..
إن من بركات هذا الدين وهذا الخط المبارك، أنه هيأ لنا الأرضية العاطفية.. فتح أبواب الخلود من خلال ما جرى عليهم من المصائب، لينفذ الإنسان من بوابة القلب إلى مدينة الفكر.. فلولا حركة الإمام الحسين -عليه السلام- والدماء المراقة في أرض الطف، لما تجمع المؤمنون تحت سقف واحد -قبة سيد الشهداء (ع)- في شرق الأرض وغربها.. وعليه، فلابد أن نستثمر هذه الجلسات المباركة التي دعا لها الإمام الصادق (ع).
12- مفهوم النصر!..
إن البعض يحصر مفهوم النصر بالقضاء على الخصم عند المواجهة، والحال أن للنصر مفهوما أوسع من ذلك بكثير.. فإن بقاء القيم التي ضحى صاحبها من أجلها، لهو أكبر دليل على النصر.. وهذه هي رسالات الأنبياء والأوصياء نابضة بشعار التوحيد، رغم ما جرى عليهم من صنوف الأذى.. فها هو الحسين (ع) الذي تشابهت نهاية حياته الكريمة، مع نهاية حياة يحيى بن زكريا (ع) يقول: (من هوان الدنيا على الله عز وجل، أن رأس يحيى بن زكريا، أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل).. ولكن الله -تعالى- كرمه في القرآن بتكريم منقطع النظير حينما قال: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}.
13- الزاوية الاجتماعية للعبادة!..
لئن كانت العشرة الأخيرة من شهر رمضان، محطة تركيز على العلاقة الخاصة مع رب العالمين، من الزاوية الفردية للعبادة.. فإن العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، تمثل محطة تركيز أيضا على تلك العلاقة من الزاوية الاجتماعية للعبادة؛ تأسيا بسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة، مجسدا بذلك شعار إحياء الخلق، لأنهم عباد الله.. وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
14- النتيجة الطبيعية!..
إن حق الحسين (ع) عظيم على الأمة جمعاء، لأنه أحدث بشهادته هزة عنيفة أيقظت الأمة من سباتها.. وأي سبات أعظم من أن يستبدل خير الخلق إلى الله -تعالى- في زمانه، بشارب الخمور ومستحل الحرمات زاعما أمرة المؤمنين!.. وما آل إليه أمر الأمة، كان نتيجة طبيعية لمخالفة المنهج الرباني، الذي رسمه الله -تعالى- للأمة يوم الغدير.
15- التجانس!..
إن من أعظم وظائف المحبين في هذه الأيام، هو تجسيد الحب، لا من خلال مظاهر العزاء فحسب، بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب!.. إذ أن الحب ما هو إلا التجانس بين المحب والمحبوب، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات.. وأعظم قربان يقرب إلى الله -تعالى- في هذه الأيام، هو نفي إنية النفس الأمارة: اجتثاثا لملكة خبيثة، أو إقلاعا عن منكر نعكف عليه.
16- المشاطرة!..
إن البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الأنبياء والأوصياء في تأثرهم بمصيبة الحسين (ع).. إذ لم يتحقق على وجه الأرض منذ أن خلق آدم (ع)، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في: النفس، والعيال، حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع).. ومن المعلوم أن هذه الظلامة قائمة، لأنه لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع).. ومرور الليالي والأيام، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذي اقشعرت له أظلة العرش قبل أركان الأرض.. ولا ننسى أن صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين، هو الذي وطأته الخيل بحوافرها، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن!..
17- الفناء في الله عز وجل!..
إذا أردنا أن نصف ما جرى في كربلاء بعبارة موجزة، فإن خير ما يقال في هذا المجال: أن الذين حضروا تلك الواقعة، لم تبق لهم ذوات حاكمة في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى.. وهذا هو مقام الفناء في الله، الذي طالما طرحه القوم نظرية في عالم التصور، إلا أنها تحققت على صعيد كربلاء في فتية صدقوا ما عاهدوا الله -تعالى- عليه.
18- عدم اليأس!..
إن الذين ضحوا بأرواحهم فداء للإسلام مع الحسين (ع) كانوا من شرائح مختلفة.. فمنهم من هو قديم العهد في الوفاء لرب العالمين: كحبيب بن مظاهر، ومنهم من هو جديد العهد بالهداية: كالحر بن يزيد.. ولكن العاقبة كانت واحدة، ألا وهي الاستقرار في مقعد الصدق عند مليك مقتدر، مما يدفع أحدنا لعدم اليأس مهما غرق في بحر المعاصي، فإن الأمور بخواتيمها.
19- دور الإمام!..
إن دور الإمام في قيادة الأمة يتجلى من خلال واقعة الطف أيضاً.. فإن النفوس الصالحة من أصحابه الميامين، لم تكن لتصل إلى ملكة الرشد والكمال الفعلي؛ إلا من خلال رعايته وتربيته الروحية والعقائدية.. وهكذا لو ثنيت الوسادة للمعصوم (ع) في الأمة، لحوّل الطاقات الكامنة فيها إلى ملكات فعلية، تتجلى في التضحية والإيثار في سبيل المبدأ.. ومن هنا يشتد أسفنا لما وقع من الظلامة على أوصياء النبي (ص) بتنحيتهم عن هرم الهداية والإرشاد بشتى صور الظلم.
20- صرخة مدوية!..
إن الأرض طوال التاريخ، شهدت أنواعا من الحضارات قامت وأخرى اندثرت، وهذه هي السياسة الإلهية في الأرض، إذ أن الأيام –كما ذكرها القرآن الكريم– يداولها بين الناس، ويدفع الناس بعضهم ببعض!.. فلا ينبغي الركون لليأس، عندما يرى الإنسان غربة الدين في مرحلة من المراحل، فإن المد الإلهي كان في عملية صراع دائم مع الباطل، منذ أن خلق الله -تعالى- آدم.. فمن كان يصدق في الأيام الأولى لغربة الإسلام، أن يصل نداء التوحيد لشتى بقاع المعمورة، ومن كان يصدق أن تصل صرخة الحسين (ع) يوم عاشوراء مدوية في عمق التاريخ؟!..
21- ليال قدر أخرى!..
إن شهر رمضان؛ هو شهر الدعاء، وشهر الإنابة إلى الله عز وجل.. وشهر محرم أيضا: شهر الدعاء، وشهر البكاء، وشهر العمل، وشهر الانقطاع إلى الله عز وجل.. في شهر رمضان نتوجه إلى الله في ليالي القدر، وهذه العشرة أيضا هي ليال قدر.. حيث بإمكان الإنسان في مثل هذه الأيام أن يتطهر من ذنوبه، يقول الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام)!..
22- اقتران العاطفة بالعقل!..
إن العاطفة لها موقع ممتاز ومتميز، ولكن العاطفة تعطي ثمارها إذا اقترنت بالجانب العقلي والمعرفي.. فالمعرفة الكاملة أو الوافية، والعاطفة الجياشة، عندما يختلطان؛ فالنتيجة هي الحركة الخارجية والفعل.. أي أن الجوارح تابعة للحركات العاطفية المدروسة، والارتباط الفكري والعقلي بهم صلوات الله -تعالى- عليهم.
23- إعلان موقف!..
إن البكاء على الحسين (ع) هو عبارة عن إعلان موقف.. فالدول عندما تريد أن تحتج على عمل ما، فإنها ترفع مذكرة للجهات المعنية، أو ترفع لافتة، أو تقوم بمظاهرة.. فأخذ الموقف مسألة مهمة، والدول تجتمع في نقطة معينة لتدين إجماعا دولة من لدول.. فنحن بالبكاء على الإمام الحسين (ع) نسجل موقفا: وهو مظلومية الإمام (ع).. وكلما اشتد البكاء، كلما كان تسجيل الموقف أقوى!..
24- العاقبة للحركة الحسينية!..
إن الدرس الأساسي من يوم عاشوراء، هو التطبيق العملي لهذه المقولة: (أن للحق دولة، وللباطل جولة)، فإذا رأينا انتصار الباطل وعتوه وتجبره، لا يأخذنا اليأس، ولنعلم بأن العاقبة للحركة الحسينية، حيث انتصار الدم على السيف.. وهذا هو ما جرى بعد عاشوراء على الظالمين، من انتقام على يد الثورات التي أبادتهم عن بَكرة أبيهم.. إن رب العالمين أراد أن يعلم الأمة، بأنه لا يمكن أن يُمى الذكر الإلهي، وهو النور الذي لا يمكن أن يطفأ.
25- الحسين (ع) منعطف تاريخي!..
ينبغي أن لا ننظر إلى قضية الحسين (ع) على أنها مأساة إنسانية، وعبارة عن مقتل صحابي يقاتل غيره من الصحابة.. فالإمام الحسين (ع) يشكل منعطفا تاريخيا، حيث أنه عاش في مواجهة رجل فاسق كيزيد، كان دون مستوى الإنسانية بمراحل، أراد أن يمسخ الإسلام ويقلبه إلى الجاهلية الأولى.. إن ما بأيدينا اليوم من الإسلام على اختلاف الجهات، هو من بركات دماء سيد الشهداء (ع)، وهو جد الإمام الصادق (ع) الذي يفتخر به بعض أئمة المذاهب عندما قال: (لولا السنتان لهلك النعمان).. الحسين (ع) على رأس سلسلة في التأريخ، شأنه شأن إبراهيم الخليل (ع)، الذي اكتسب الخلود على مر العصور، الكثيرون حطموا الأصنام، لماذا الله -تعالى- يخلد حركة إبراهيم (ع) دون يحيى (ع) الذي قتل تلك القتلة الفجيعة؟!.. لماذا رب العالمين يخلد هرولة هاجر ورميها للجمرات؟!.. ثم أن النبي (ص) هو أول الباكين على الحسين (ع).. فإذن، نحن نبكي الحسين (ع)؛ لأنه منعطف تاريخي في حياة الأمة، وكذلك تأسياً بالنبي (ص).. وخير شاهد على ذلك، البركات التاريخية لإقامة عزاء الحسين (ع).
26- استنزال النصر!..
إننا نستطيع أن نتصدى للعدوان البغيض على الأمة، الذي يستهدف نهب ثرواتها وسحق شعوبها؛ مستلهمين ذلك من ثورة الحسين(ع).. في أن ننظر إلى عناصر القوة والانتصار في ثورة الحسين (ع)، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}.. أي علينا أن نعمل بما يوجب استنزال النصر الإلهي، الذي هو حليف كل من يسير على درب الشهادة والانتصار في دين الله عز وجل، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.. وهنا دعوة لكل فرد منّا أن يعمل بتكليفه، سواءً مع أسرته أو مجتمعه، وأن ينظر إلى رضا الله -عز وجل- في كل صغيرة وكبيرة.. ولهذا نلاحظ بأن المدد الإلهي -ملائكة النصر- أنزلها الله -تعالى- في معركة بدر، بينما في أحد هنالك انتكاسة؛ بسبب إقبال الناس على الدنيا.. فإذن، يجب علينا أن نعمل بتكليفنا أولاً، ونستلهم النصر من الله، ونمشي على درب الحسين (ع)، حيث أنه كان مستعداً لبذل كل شيء في سبيل نصرة هذا الدين، وشعاره كما نعلم: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني).
27- المدرسة العاشورائية!..
إن مجالس أبي عبد الله الحسين (ع) لا تقتصر على مسألة الدمعة، فهنالك عنصر الاستفادة العلمية، والتأثر الفكري بما يقوله الخطيب، واستيعاب الدروس من هذه الثورة المباركة.. وبالنسبة لحالة الرقة القلبية، ينبغي التفريق بين مسألة الرقة، ومسألة الدمعة.. فالإنسان من الممكن أن يرق قلبه، وينكسر فؤاده.. ولكن لعوامل صحية، يعيش حالة من حالات الجفاف الدمعي.. وعليه، فإنه يكفي في هذه الحالة الرقة الباطنية والتباكي.. أما إذا كان السبب هي الذنوب والمعاصي، فعليه أن يعاهد رب العالمين، بأن يكون من خريجي المدرسة العاشورائية، بالإقلاع عن كل ذلك.. ولنعلم أن من علامات قبول العزاء، هو الخروج بهذه الثمرة.
28- المجالس أرضية خصبة للثقافة الدينية!..
إن المجالس الحسينية هي مجالس مفتوحة لكل المسلمين، وهي أرضية ثرية خصبة للثقافة الدينية في مختلف حقولها: تفسيراً، وسيرة، وفقهاً، وعرفاناً، وغير ذلك من حقول المعرفة.. إن الإمام الحسين (ع) هو حفيد النبي (ص)، ومصادر المسلمين ثرية بما ورد في فضل البكاء عليه (ع).. فلماذا نجد هذا التأثر من غير المسلم الذي لا يعتقد بالدين، في حين أنهم أولى بذلك؟!.. لنحاول إيصال هذا الفكر للطرف المقابل، بأسلوب هادئ موضوعي، بعيداً عن الجدال العقيم.. وعلى كلٍّ فإن هذه الوسائل التثقيفية الهائلة اليوم، أكملت الحجة على جميع المتصدين لعالم التثقف والفهم في هذا المجال.
29- حملة لواء التوحيد!..
إن أئمتنا (ع) هم حملة لواء التوحيد: الحسين (ع) كان يعيش في يوم عاشوراء أجواء الشهادة، ومن يعيش هذه الأجواء، لابد وأن يكون في حالة مناجاة مع رب العالمين.. ولكن صلة الحسين (ع) بالدعاء هي صلة قديمة.. لذا نلاحظ في يوم عرفة والناس بإحرامهم على صعيد عرفة، لا يمكنهم التخلي عن معلمين مهمين هما: دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)، وزيارة الحسين (ع) في يوم عرفة.. وهذا حقيقة من موجبات خلود ذكر الحسين (ع).
30- شعور المعزي!..
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، هي مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذٍّ باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).
31- الذكر بين الغافلين!..
إن الذاكر لله -سبحانه وتعالى- بين الغافلين، هو كالمقاتل بين الفارين.. وعليه، فإن إقامة عزاء أهل البيت (ع) في بلاد الغرب تلك البلاد النائية، لها وزنها عند الله تعالى.. وهي من الصدقات الجارية البليغة، في دفع البلاء عن الإنسان.
32- إضفاء البعد التوحيدي!..
إن على المؤمن قصد القربة الواضحة المركزة، عند حضور مجالس الحسين (ع).. وصلاة ركعتين تحية المسجد، إذا كان المجلس مقاما في مسجد.. ثم السجود لله شكراً، بعد الانتهاء من المجلس.. واستغلال ساعة الإقبال بعد انتهاء المجلس -حيث الدموع الجارية - بالمناجاة مع رب الأرباب؛ فهذه فرصة ذهبية، وليس من المعلوم أن تتكرر مرة أخرى.
33- الإشعاع النوري!..
إن البعض من خطباء المنبر الحسيني، هم من النخبة الاجتماعية.. وهؤلاء تصدوا لهذا المقام العظيم، الممتد في شرق الأرض وغربها، والتي تضم في قاعاتها المتعددة -من أكواخ البوادي، إلى أفخم الأبنية- مختلف الطبقات الاجتماعية.. وهذا من أسباب التفوق العلمي في الموالين نسبة إلى غيرهم، وذلك لتعرضهم لهذا الإشعاع النوري منذ نعومة أظفارهم.. وهنا دعوة للخطباء، بتلوين العطاء الذي سخره الله -تعالى- لهم، بأن يمزجوا القرآن الكريم بالحديث بالتاريخ بالسيرة بالبكاء والإبكاء؛ ليخرج الجمهور وقد تكامل في كل أبعاده.
34- البكاء والإبكاء!..
إن الإبكاء على الحسين (ع) لا يحتاج إلى صعود المنابر أو الجمهور العريض.. فبإمكان الإنسان المؤمن أن يجمع العائلة والأطفال الصغار، وينقل لهم جزيئات المقتل ولو بشكل سرد عادي.. قال الإمام الصادق (ع): (من أنشد في الحسين فأبكى عشرة، فله الجنة.. ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحدا، فله الجنة!.. ثم قال: من ذكره فبكى، فله الجنة).. أي أن هنالك ما يقتضي دخوله الجنة.. ولو أن الإنسان جاء يوم القيامة، وقد تساوت حسناته وسيئاته، ولم يبقَ في دفتر أعماله إلا هذا البكاء على سيد الشهداء (ع) قطعاً وبلا ريب أن له الجنة.
35- الموازنة بين العاطفة والعقل!..
إن من الضروري الموازنة بين العقلانية والعاطفة، فالذي يتكلم عن ثائرية الحسين (ع)، عليه أن يكون في مقام العمل رسالياً ينتهج منهج الحسين (ع).. ولابد له من طراوة عاطفية؛ لينقل الفكرة إلى مستوى الجوارح.. فهذا غاندي وهو غير مسلم يقول بأنه تعلم من الحسين (ع)، كيف يكون مظلوماً فينتصر!..
36- تجليات الرحمة!..
إن الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء كما يفهم من سيرته، كان له بكاءان: بكاء على أهل بيته، وما سيصيبهم بعده.. وبكاء على هذه الأمة، أنها ستدخل النار بسببه.. هذه هي الرحمة، والرحمة إذا وجدت لها تجليات، فهي ليست حالة مستبطنة في الباطن، إنما تتجلى في الخارج، وأهل البيت في قمة هذه الحالة.
37- الضريبة!..
إن هذه الولاية لها ضريبتها، التجار في بلاد الغرب يشتكون من الضرائب!.. كلما زاد المحل التجاري سعة؛ كلما تنوعت بضاعته.. وكلما زادت تجارته، جاءت الضرائب الفادحة بعد ذلك!.. (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة، عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره)، فالإنسان عندما يُري الآخرين بأنه حُسيني في زيه، وفي شكله، فإن هذه الحركة لها ضريبة!.. والضريبة هي أن نكون على خط الحسين –عليه السلام– في كل شيء!..
38- الكاميرا!..
إن الشياطين أيام شهر رمضان تتلوى يميناً وشمالاً، لأن الناس صيام ومعزون ومصلون، وليس هنالك شيعي موال ينظر إلى نساء الغير.. روي (أن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حُرَم المسلمين، فلطمه عليّ، فاستعدى عليه عمر، فقال: ضربك بحق، أصابته عين من عيون الله)!.. وفي هذا العصر إمامنا صاحب الأمر –عليه السلام– ينظر إلينا، فعلينا أن لا نجرح فؤاده بما لا يليق بنا.. إن العسكري الذي يرتكب المخالفة في زيه، يعاقب أشد العقوبة!.. وأنتم اليوم بهذا الزي زي رثاء الحسين –عليه السلام– تمشون في الشوارع، والناس تنظر إليكم على أنكم أنتم حملة راية الحسين.. وهذه الأيام الكاميرات تلاحق كل شيء، وإذا صدر منك ما لا يليق بك، فإنها تصطاد المناظر الملفتة دعاية لها.. فكيف بكاميرا السماء؟!.. وكيف بالله –عز وجل– وهو البصير الخبير!.. لذا على الإنسان أن لا ينظر إلى معصيته، بل ينظر إلى من عصى!..
39- التأثر الشعوري!..
إن التأثر الشعوري بمصائب أهل البيت -صلوات الله وسلامه عليهم- نقطة مهمة أيضاً.. لأن الإنسان كلما زاد بلوغاً ذكرياً وعاطفياً، كلما زاد تفاعله بمصائب أهل البيت عليهم السلام.. لأنَّ الأئمة -عليهم السلام- وعلى رأسهم النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- يمثلون أعزَّ الخلقِ على الله عزَّ وجلَّ.. وما وقع عليهم من كوارث: كاستشهاد مولانا أمير المؤمنين، وقتل الحسين -صلوات الله وسلامه عليه- وسجن مولانا موسى بن جعفر، وتخفي موالينا الإمام الهادي والعسكري -صلوات الله وسلامه عليهما- هذه المصائب وقعت على أعزِّ خلق الله عزّ وجلّ.. وبالطبع من محبة الله، أن يتألم الإنسان لما يقع على مَن أحبه الله عزَّ وجلّ.. فكما نعلم: أحباؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك.. وكذلك أعداؤك: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك.
40- التعويض!..
لو أن إنسانا بعث أحداً لقضاء حاجته، وهذا الإنسان ذهب مستصحباً أهله وعياله، وفي الطريق،-ومن أجل خدمته، ومن أجل قضاء حاجته لا لشيء آخر؛ أصابهم ما أصابهم.. فهو كإنسان له مشاعر إنسانية وله وفاء، ماذا سيعمل في مقام التعويض؟.. فلو كان ملكاً أو أميراً، وبيده المقدرات، فإنه يمنحه كل ما يمكن، حتى لو زاد الإنسان وفاءً، من الممكن أن يتنازل عن ملكه مثلاً.. ورب العالمين أمر حبيبه الحسين بما أمره.. وشاء أن يراه قتيلاً، فاستجاب.. وشاء أن يرى أسرته سبايا، فاستجاب.. ولكن ما جرى على سيد الشهداء كما نقرأ في زيارة يوم عاشوراء: (وجلت وعظمت مصيبتك في السماوات، وعلى جميع أهل السماوات).. لأنه ما أبقى لنفسه شيئاً من الطفل الرضيع، إلى علي الأكبر.. ومن أخيه، لأصحابه.. فقد قدم عائلته وأسرته، وعرضهم للسبي، لمصلحة عليا.
41- استبطان العصاة!..
إن رب العالمين يستبطن العصاة، كما استبطن الحسين -عليه السلام- الحر استبطاناً مميزاً لم يتكرر لأحدٍ من أصحابه؛ وهو الذي أدخل الرعب في قلوب بنات النبوة، ولكن عندما جاء للإمام الحسين -عليه السلام- وقال له: هل لي من توبة؟.. الإمام (ع) أكرم هذا التائب!.. وهذا التائب صارَ لهُ مزار، كما أن للعباس (ع) مزاراً مستقلا.. كان على رأس جيش حارب الإمام الحسين عليه السلام؛ ولكن عاد إلى الله عز وجل؛ والله -عز وجل- قبل توبته.
42- الاستبشار بالتضحية!..
إنه من الطبيعي أن المنبع الذي وهب هذا الحب للأم الذي له ما له من المعاني، بإمكانه أيضا أن يقذف درجة أعلى وأعلى من هذا الحب في قلوب عباده المؤمنين.. فالذي جعل المودة الزوجية، والذي جعل مودة الأمومة، ما المانع أن يجعل ما لا يقاس بذلك في قلب المؤمن؟.. ففي حياة النبي وآل النبي (ص) هذه العلاقة كانت تصل إلى درجة أنهم يستبشرون في التضحية في مجال القرب إلى الله عز وجل.. شاء الله -عز وجل- أن يرى الحسين قتيلا وشهيدا، ومن هنا كلما اشتدد عليه البلاء أشرق لونه؛ لأنه يرى أن هذا البلاء في مرضاة رب العالمين، وهو الذي ختم حياته المباركة في المناجاة الحسينية: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك؛ لا معبود لي سواك).
43- المزج بين دمعتين!..
إن على المؤمن أن يمزج بين دمعتين: دمعة التأسف على مصائبهم –عليهم السلام– كما قال الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. وبين دمعة من دموع المناجاة بين يدي الله -عز وجل-.. هاتان الدمعتان إذا امتزجتا، خلقتا المعجزات، أقلها العتق!.. فإذن، على المؤمن أن لا يطلب من الله -عز وجل- عتق هذه الليالي، أو عتق السنة.. بل يقول: يا رب!.. أعتقنا إلى الأبد من نار جهنم.
44- العطاء لمن تعرض له!.
إن هذا العطاء الحسيني الذي هو كالشمس، عطاء عام شامل، ولكن هذا العطاء لمن تعرض له.. فكلنا غرقى، وكلنا هلكى، والحسين (ع) سفينة النجاة.. ولكن سفينة النجاة تنتشل من طلب النجاة، وإلا الذي لا يريد النجاة، والذي لا يستغيث بأهل النجاة، هذا الإنسان قد لا يغاث إلا تفضلاً.
45- خلود القضية الحسينية!..
إن البعض يظن أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها، وهذا خطأ جسيم!.. فكما أن تاريخ المواجهات لم يمت -طوال التاريخ- بين الأنبياء وأعدائهم، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة، لأن منهجه (منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي) لازال حياً ماثلاً للجميع.. فمتى مات الباطل، لتموت المواجهة معه؟..
46- توقير المجالس!..
إن مجالس ذكر الحسين (ع) إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى، فإنه إنما اكتسب الخلود، بتحقيقه أعلى صور العبودية لرب العالمين.. وهي الفداء بالنفس، وأية نفس؟!.. وعليه، فلابد من توقير تلك المجالس، بالدخول فيها: بالتسمية، والطهور، واستحضارها كجامعة من أعرق الجامعات الإسلامية الشعبية.
47- المجالس الحسينية جامعة كبرى!..
إن مجالس الحسين (ع) تعد بحق جامعة كبرى لها فروعها في عواصم المدن الكبرى إلى الأرياف الصغرى.. ومن هنا لا نرى أمة متفقهة في كليات الشريعة -فقها، وتاريخا، وسيرة- كأتباع مذهب أهل البيت (ع) الذين يدخلون هذه الجامعة شهرين في كل عام، سواء في ذلك الصغير الذي لم يبلغ الحلم، إلى الكبير الذي وصل إلى مشارف نهاية عمره!..
48- موسم مصالحة!..
هناك ارتباط وتجانس بين عشرات ثلاث: العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، والعشر الأوائل من محرم الحرام.. وهي بمجموعها تمثل شهرا كاملا في كل عام.. علينا أن نتخذ من مجموع هذه العشرات المباركات، والموزعة على مدار السنة محطات لإعادة الصلة بالله -تعالى- الذي نبتعد عنه خطوة بعد كل معصية؛ لنعوض بذلك أميال البعد عنه، بخطوة جريئة إليه في كل موسم مصالحة!..
49- درس العبودية!..
إن حركة الحسين (ع) كانت أسلوب حياة في التعامل مع النفس والآخرين، فإنه أراد أن يعلمنا درس العبودية في كل مراحل حركته المباركة.. فنراه يخرج من جانب البيت الإلهي الآمن، عندما يرى رضا ربه في ذلك.. ونراه يعرض عياله للأسر والسبي، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراهن سبايا.. ويعرض نفسه لأقصى صور الهتك والتعذيب، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراه قتيلا.
50- تخليد الذكر!..
إن الطبع البشري يميل إلى تخليد الذكر، وبقاء الأثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالارتباط بمبدأ الخلود، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود، كما ورد فيما أوحاه الله -تعالى- إلى نبي من أنبيائه: (إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية).. وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع)؛ ففي كل سنة تمر علينا ذكراه، وكأنها ذكرى جديدة.