الشيخ عباس محمد
20-04-2015, 03:47 PM
ما هي أدلة جواز التطبير ؟
بسم الله الرحمن الرحيم ..
لمشهور فقهاؤنا رضوان الله عليهم ، القائلين بجواز التطبير ، مجموع عدّة أدلّة ، أربعة أو أكثر ، بعضها اعتضاديّة ، أذكرها -بلفظي القاصر- كالآتي :
الدليل الأوّل : إباحة التطبير بالأصل الأوّلي
وحاصله : إنّ الأفعال والأشياء على أصل الإباحة والحليّة إلاّ إذا دلّ الدليل على غير ذلك ، ولم يدل دليل من الشرع على حرمة إدماء المرء نفسه بالتطبير ، مع الأمن الضرر ، والتهلكة ؛ بيان ذلك :
فأمّا التهلكة فواضح ؛ فمسألة التطبير خارجة تخصّصاً عن مراد قوله تعالى من سورة البقرة : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } إجماعاً منا ومن أهل السنّة ؛ فالتهلكة كما قال علماء السنّة والشيعة ، هي إمّا إهلاك النفس (=كالانتحار ) ، أو قطع عضو (كقطع المرء يده) ، أو تعطيله (شللها) ، والتطبير ليس واحداً من هذه الثلاثة ، فبطل الاحتجاج بالآية على حرمة التطبير جزماً ويقيناً ..
وأمّا الضرر ؛ فلعدم الخلاف في أنّ الضرر المحرّم ، هو المعتد به وليس كلّ ضرر..
فالضرر على قسمين : معتد به ؛ كمن يأكل أكلة يتبعها مرض مزمن ، يطول علاجه ، فهذا هو الضرر المحرّم إجماعاً ..
وأمّا غير المعتد به ، فهو الذي لا يعتد به الشرع والعرف بحيث يكون موضوعا لفتوى الحرمة ؛ كمن يأكل على الشبع ، فيتخم قليلاً من دون أن تبع ذلك مرضاً ما ، فهذا ضرر من دون كلام ، لكنّه ضرر خفيف ليس بمحرم ، بلى ربما يكون موضوعاً لأدلّة الكراهة ، وهذا بحث آخر ..
والزبدة :فالتطبير لا تتناوله أدلة التهلكة والضرر بأي وجه من الوجوه ، فيبقى على أصل الإباحة ، بل قد يقال : إنّ الإدماء -في نفسه- راجح في الشرع بعنوانين هم الفصد والحجامة ، وهما راجحان إجماعاً ونصّاً ؛ فليكن التطبير فرد لأحدهما ولو بغير التفات. مع التنبيه إلى أنّ هذا الدليل لا ينهض إلاّ للقول بالإباحة كأيّ فعل مباح ، أمّا الرجحان أو خصوص الاستحباب منه فلا .
الدليل الثاني : تحقيق المناط القطعي .
من قوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِفَهُوَ كَظِيمٌ }يوسف84
وهو نص ظاهر في جواز ، أو رجحان ، الجزع على معصوم إلى حدّ تعطيل عضو ، إلى العمى (=ابيضاض العين ) ، والحسين عليه السلام أولى من يوسف عليهما السلام ، ولا أقل من المساواة ؛ تقريب ذلك ..
أجمع الفقهاء سنّة وشيعة ، على حرمة الجزع إلى هذه المرتبة (تعطيل عضو) لاطلاق آية التهلكة ، والتعطيل من التهلكة قطعاً كما بينّا أعلاه ، فيحرم ، وهنا إمّا أن نقول بأنّ يعقوب النبيّ عليه السلام ارتكب محرّمأً ، بل كبيرة من الكبائر ، أو لا ؟؟؟؟؟
والأوّل لا يصار إليه لوضوح بطلانه حتى عند مشهور أهل السنّة الأعظم ، القائلين بمنع وقوع الكبائر أو هذا الضرب من المعاصي من الانبياء عليهم السلام ، فلم يبق إلاّ افتراض واحد ، وهو تخصيص أدلّة حرمة الجزع بفعل يعقوب عليه السلام ..
ونتيجته : يحرم الجزع إذا جرّ إلى تعطيل عضو ، إلاّ إذا كان على معصوم ، أيّ معصوم ، فيجوز .
إشكال أوّل : وحاصله : الآية نصّ في البكاء ، فما علاقتها بالتطبير ؟!!!.
وجوابه عدم القول بالفصل ، فموارد الجزع المحرم ؛ كجز الشعر على المصيبة ونتفه ، وشقّ الثياب ، وخمش الوجوه ، واللطم عليها ، والصراخ بالويل والعويل ، وإدماء البدن ...، لم يفصل فيه العلماء ؛ فإمّا أن تكون جميع أفراد الجزع هذه محرّمة ، كما هو الحال قبل طروّ التخصيص بالمعصوم ، وإمّا لا بعد طروّ التخصيص في المعصوم عليه السلام ، أمّا التفصيل فلا دليل عليه إجماعاً فيبقى الإطلاق على أصله ..
وبعبارة ثانية فالجزع جزع سواء كان إدماءً أو خمش وجوه أو شق ثياب ، وهو أما حرام في كلافراده المحرمة ، وإمّا لا بعلة التخصيص في المعصومين والأنبياء ولا ثالث .
إشكال ثان : أنتم قلتم إنّ الإدماء مباح في الدليل الأوّل ، وهو هنا -قبل التخصيص بالمعصوم - محرّم فما الفرق ؟؟؟؟؟
جوابه : الإدماء -في نفسه- ، مباح على ما مرّ في الدليل الأول ، لكنّه هنا إدماء بما هو جزع ، فمن ههنا يحرم ، ومثاله : أن يكون عندنا ثوباً بالياً ، فلا إشكال في شقّه وإتلافه في نفسه ، لكن لو شققناه جزعاً على مصيبة يحرم ؛ لتبدل العنوان والموضوع .
إشكال ثالث : الآية خاصّة بموردها .
وحاصله : بكاء يعقوب على يوسف عليهما السلام جزعاً ، بكاء أب على ابنه ، فما علاقته ببكائنا على الحسين عليه السلام ؟؟؟؟؟
وجوابه :
أولاً :فعل المعصوم -أي معصوم- سنّة ، يستن بها عامّة الخلق ، إلاّ إذا ورد دليل صريح على التخصيص ، كما في وجوب صلاة الليل على خصوص النبي محمد صلى الله على محمد وآل محمد دون بقيّة الأمّة ..
ثانياً :وهو رد دامغ : فلقد تواترت النصوص أنّ الحسين -بل أي معصوم- أولى من الآباء والأمّهات والأبناء ، ومن قال بغير ذلك حجد القرآن ومتواترات السنّة ، وحسبنا قوله تعالى : {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}الشورى23
إشكال رابع : فهل نفهم من ذلك جواز الإقدام إهلاك عضو جزعاً على مصيبة المعصوم عليه السلام ؟؟؟؟
الجواب : المتيقّن أنّه إذا وقع اتفاقاً فلا بأس ، إمّا إذا كان مقصوداً من البداية ، فلا يخلو من إشكال واضح ؛ لأنّه على الأظهر الأقوى مصداقاً للتهلكة في قوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } والإقدام على العمى إقدام عليها فلا يجوز .
إشكال خامس : ما الفرق بين التهلكة التي تقع اتفاقاً ، وما بين ما تقع بسبب الإقدام عليها ، أليست النتيجة واحدة ؟؟؟؟؟؟
قلنا : الفرق عند عامة الفقهاء سنّة وشيعة ، أوضّحه بهذا المثال ، وهو أننا إذا أردنا السفر بواسطة الطيّارة ، فههنا احتمالان : الأوّل احتمال سقوطها ، والثاني اليقين بسقوطها ، فلو ركبنا الطائرة على الاحتمال الأوّل فجائز بإجماع الفقهاء سنة وشيعة ، ووجهه أنّ احتمال السقوط ضعيف ، لا يعتد به العرف ولا الشرع ولا العقلاء وإلاّ لأغلقنا المطارات بمجرد هذا الاحتمال الضعيف ، لكن لو ركبنا الطائرة مع اليقين بسقوطها ، كما لو علمنا أنّ فيها عطلاً كبيراً وسقطت فهذا إقدام على التهلكة وهو حرام ..
الدليل الثالث : استثناء الجزع على الحسين عليه السلام خاصّة ، وأهل البيت عامّة ، ومطلق المعصوم على الأعم .
أخرج الطوسي قدس سره في أماليه بسند حسن عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال : كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام.اهـ.
كما قد أخرج الصدوق قدس سره في ثواب الأعمال بسند صحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال : وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا .
وههنا تنبيهات :
التنبيه الأوّل :فالجزع المحرّم على قسمين..
فالقسم الأوّل هو كلّ ما ينطبق عليه حدّ الجزع ، الذي هو : هو السخط من فعل الله تعالى. فكل أفعل العباد التي تنطوي على ذلك هي من الجزع المحرّم .
والقسم الثاني: المنصوص عليه حتى لو لم يكن فيه سخط ؛ كجزّ الشعر وخمش الوجوه ، فهذا القسم إنما يحرم للنص حتى لو لم يكن فيه سخط ؛ ووجهه أنّ غالب البشر لا يفعلونه إلاّ عن سخط ، وهو على هذا تشريع يراد منه دفع المفسدة النوعيّة حتى مع اليقين من عدم المفسدة الشخصيّة ، نظير تحريم الشارع شرب قطرة واحدة من الخمر ؛ دفعاً لنوع المفسدة ..
التنبيه الثاني :ثمّة جزع وهو جائز إجماعاً ، وهو الجزع العرفي اللغوي ، وهو على قسمين أيضاً ، مستحب ومكروه ، وهناك مرتبة أمر بين أمرين بينهما ..
وحدّ هذا الجزع الجائز ، هو : قلّة الصبر على المصيبة. لكن ليس الباعث له السخط من فعل الله تعالى ، بل نفس طبيعة الإنسان ، كما في بكاء النبي على إبراهيم عليه السلام ، أو أمّه آمنة سيّدة المحظر والمحشر صلوات الله عليها ، أو بكائه على بعض أصحابه وهكذا ؛ وهذا جائز لقول النبي : العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون . وأمّا المكروه فهو أن يمعن الإنسان في هذا الجزع ، فترتبك أعماله ومسؤولياته وشؤوناته وهكذا ..
التنبيه الثالث :حاصل الجمع بين قولي الصادق عليه السلام : كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام.اهـ.
وقوله الآخر عليه السلام : وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخةالتي كانت لنا .
هو رجحان الجزع في أهل البيت عامّة عليهم السلام ، لكن في الحسين آكد وأشدّ صلوات الله عليه ، بضميمة ماتواتر عن النبوّة في ذلك في خصوص الحسين عليه السلام .
فإذا اتضح هذا فتقريب الاستدلال بهذا الحديث أن يقال : إنّ قول الإمام الصادق عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه...، نص في استغراق وشمول كل أفراد الجزع المبغوض ، حتّى المحرّم منه ؛ ضرورة أنّ كلّ الجزع ليس مكروهاً ، بل فيه ما هو محرّم وفيه ما هو جائز ، فكيف يقول عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه. مع القطع بأنّ من الجزع ما هو محرّم ..؟؟؟
فهذه قرينة قطعيّة على أنّ المقصود من قول الإمام : مكروه ، الأعمّ من الكراهة الاصطلاحيّة والحرمة وإلاّ لقال عليه السلام : الجزع والبكاء مكروه ، من دون لفظ : كلّ الصريح في شموله واستيعابه للمكروه الاصطلاحي وللمحرم سواء .
وقد يقال : فلم قال الإمام مكروه ولم يقل حرام ؟؟؟!!!
قلنا حتى يستوعب في كلامه سلام الله عليه كل أفراد الجزع المبغوضة ، سواء ما ن منها حراماً وما كان منها مكروهاً ، ومن القرائن القطعيّة على ضرورة هذا الحمل ، ما مرّ في الدليل الثاني من فعل يعقوب عليه السلام ، فتذكّر !!!.
والزبدة : فكل جزع بقسميه المكروه والحرام ، هو -بنص هذه الحسنة- مستثنى في الحسين عليه السلام خاصّة ، وفي أهل البيت عامّة ، وفي مطلق المعصومين بنحو أعمّ .
قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه : قال النجفي صاحب الجواهر قدس سره : وما يحكى من فعل الفاطميات ، كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق عليه السلام ، بل ربما قيل : إنّه متواتر...، على أنّه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، أو خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي عليهما السلام كما يشعر به الخبر المتقدم ، وكذا غيره من الأخبار ، التي منها حسن معاوية السابق عن الصادق: «كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام» ، المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها ، ولو بقرينة ما رواه جابر عن الباقر عليه السلام : « أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز العشر» مضافاً إلى السيرة في اللطم والعويل ونحوهما ممّا هو حرام في غيره قطعاً.
الدليل الرابع (وقد يعد من المؤيدات) : إمضاء فعل الرباب عليها السلام
روى أهل السنّة ما يؤيّد هذا ، فقد قال ابن عساكر وابن الأثير وابن العديم في بغية الطلب ما نصّه :
زوجة الحسين الرباب بنت امرىء القيس ، أم سكينة بنت الحسين عليهم السلام ، كانت مع الحسين في كربلاء ، فلمّا قتل ، خطبها أشراف قريش وألحّوا عليها . فقالت : ما كنتُ لأتّخذ حمواً بعد رسول الله ، فلم تتزوج ، وعاشت بعده سنة ، لم يظلّها سقف بيت ، حتى بَليت وماتت كمداً ، وكانت من أجمل النساء وأعقلهن .
وزاد ابن الأثير : وقيل : إنّها أقامت على قبر الحسين سنة ، وعادت إلى المدينة ، فماتت عليه أسفا.
ووجه الاستشهاد به ، هو موتها رضوان الله عليها أسفاً على الحسين عليه السلام، وأنّها سلام الله عليها ، لم يظلها سقفحتّى بليت وماتت كمدا ، وهذا من الجزع المحرّم قطعاً ، لكن إمضاء علماء الزمان آنذاك ، ومنهم أهل البيت عليهم السلام ، حيث لم يستنكر أحد منهم هذا عليها ، حجّة شرعيّة في رجحان هذا الفعل في الحسين عليه السلام ، لا تقبل الجدال ؛ إذ ما قيمة التطبير قياساً بالموت كمداً وأسفاً على الحسين عليه السلام ، حيث لم تستظل ببيت على روحها المقدسة السلام ؟!! لا قياس ، ولا ننسى عدم القول بالفصل لو تنزلنا .
الدليل الخامس : إمضاء فعل الفواطم عليهن السلام والرضوان .
تواتر عن الهاشميات والفاطميات عليهنّ من الله تعالى الرضوان والسكينة والسلام ، لطم الوجوه والصدور وشق الثياب على الحسين عليه السلام ، وممّن صرح بتواتر ذلك ، العاملي في مفتاح الكرامة وغيره حيث قال :
فعل الفاطميات سلام الله عليهنّ على الحسين عليه السلام متواتر...، مع تقرير زين العابدين عليه السلام... .
وتقريب الاستدلال به ، هو القول بعدم الفصل ، فاللطم على الوجوه والصدور عمل محرّم ، لأنّه من الجزع المحرّم ؛ لكنّ إمضاء الإمام السجاد عليه السلام للفاطميات حجّة ، بل في بعض الأخبار أنّه عليه السلام كان بيديه الشريفتين يطبخ لهنّ الطعام إذا اشتغلن بالمصيبة ، وبما أنّ محرمات الجزع لا تفصيل فيها كما أوضحنا ؛ لأنها إمّا كلّها حرام ، وإما أنّ كلها حلال في خصوص الحسين عليه السلام أو أهل العصمة عامّة ، ينتج أنّ حال الإدماء حال اللطم على الوجوه بهذا الإمضاء ؛ لعدم القول بالفصل .
فائدة أدلة من قال بحرمة التطبير ..
الأوّل : ذكر بعضهم أنّها بدعة ، والمتيقن من البدعة بإجماع السنة والشيعة ، هو إلصاق شيء بالدين من دون دليل شرعي .
فهل التطبير فعلاً ، لا دليل عليه من الشرع ولو احتمالاً معقولاً ؟؟؟!!!
وكأنّ القائل بهذا لا يعرف أبسط تعاريف الشرع المبين ، أو نقول إنّه يقصد البدعة اللغوية ، وليست الشرعيّة ، واللغوية هي التي كانت بعد أن لم تكن ولا حرمة فيها ؛ كركوب الطائرة للحج فالنبي لم يفعل ذلك ، وليست اللغوية من قبيل بدعة عمر في التراويح ، فهذه بدعة شرعيّة ؛ للنص النبوي في النهي عنها كما في صحيح البخاري مثلاً ، أو لتوقيفيتها .
الثاني : وهن المذهب ، ويردّه ؛ إنّه مجرّد ظن ، وهو لا يغني من الحق شيئاً ؛ لعدم القطع أو ما ينزل منزلته في كونه وهناً ، فالاستناد الى الظنون في بناء دين الله منهي عنه .
وأمّا ما ينسب إلى البعض من أنّ التطبير حرام ، لأدلة الضرر والتهلكة ، فأحسن ما يقال له أنّه بقّال يهرف بما لا يعرف ، وليس مجتهداً ، على ما اتضح في الدليل الأول ، اللهم إلاّ إذا عنوا الضرر على المذهب وهذا يرجع إلى دليل الوهن .
ملاحظة كان كل مقصودنا ممّا ذكرناه ، التعريف الإجمالي بأدّلّة من قال بالتطبير ، وهناك ماهو أدق وأعمق من هذا ، لكن هذا أقصى ما يمكن أن يقال في منتدى يريد التعريف بأدلّة مسألة شرعيّة ، بل قد أفرطنا والله ، وأيّاً فقد كان مقصودنا من هذه المحاولة العاجلة ، هو إبقاء موضوع الشيخ المنار بعيداً عن مثل هذه التساؤلات التي كادت أن تضيّع موضوعه الشريف هناك ، فمن أراد أن يطلع على المسألة فقهياً فليأت هنا ولا يتحدث عنها هناك ..
بسم الله الرحمن الرحيم ..
لمشهور فقهاؤنا رضوان الله عليهم ، القائلين بجواز التطبير ، مجموع عدّة أدلّة ، أربعة أو أكثر ، بعضها اعتضاديّة ، أذكرها -بلفظي القاصر- كالآتي :
الدليل الأوّل : إباحة التطبير بالأصل الأوّلي
وحاصله : إنّ الأفعال والأشياء على أصل الإباحة والحليّة إلاّ إذا دلّ الدليل على غير ذلك ، ولم يدل دليل من الشرع على حرمة إدماء المرء نفسه بالتطبير ، مع الأمن الضرر ، والتهلكة ؛ بيان ذلك :
فأمّا التهلكة فواضح ؛ فمسألة التطبير خارجة تخصّصاً عن مراد قوله تعالى من سورة البقرة : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } إجماعاً منا ومن أهل السنّة ؛ فالتهلكة كما قال علماء السنّة والشيعة ، هي إمّا إهلاك النفس (=كالانتحار ) ، أو قطع عضو (كقطع المرء يده) ، أو تعطيله (شللها) ، والتطبير ليس واحداً من هذه الثلاثة ، فبطل الاحتجاج بالآية على حرمة التطبير جزماً ويقيناً ..
وأمّا الضرر ؛ فلعدم الخلاف في أنّ الضرر المحرّم ، هو المعتد به وليس كلّ ضرر..
فالضرر على قسمين : معتد به ؛ كمن يأكل أكلة يتبعها مرض مزمن ، يطول علاجه ، فهذا هو الضرر المحرّم إجماعاً ..
وأمّا غير المعتد به ، فهو الذي لا يعتد به الشرع والعرف بحيث يكون موضوعا لفتوى الحرمة ؛ كمن يأكل على الشبع ، فيتخم قليلاً من دون أن تبع ذلك مرضاً ما ، فهذا ضرر من دون كلام ، لكنّه ضرر خفيف ليس بمحرم ، بلى ربما يكون موضوعاً لأدلّة الكراهة ، وهذا بحث آخر ..
والزبدة :فالتطبير لا تتناوله أدلة التهلكة والضرر بأي وجه من الوجوه ، فيبقى على أصل الإباحة ، بل قد يقال : إنّ الإدماء -في نفسه- راجح في الشرع بعنوانين هم الفصد والحجامة ، وهما راجحان إجماعاً ونصّاً ؛ فليكن التطبير فرد لأحدهما ولو بغير التفات. مع التنبيه إلى أنّ هذا الدليل لا ينهض إلاّ للقول بالإباحة كأيّ فعل مباح ، أمّا الرجحان أو خصوص الاستحباب منه فلا .
الدليل الثاني : تحقيق المناط القطعي .
من قوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِفَهُوَ كَظِيمٌ }يوسف84
وهو نص ظاهر في جواز ، أو رجحان ، الجزع على معصوم إلى حدّ تعطيل عضو ، إلى العمى (=ابيضاض العين ) ، والحسين عليه السلام أولى من يوسف عليهما السلام ، ولا أقل من المساواة ؛ تقريب ذلك ..
أجمع الفقهاء سنّة وشيعة ، على حرمة الجزع إلى هذه المرتبة (تعطيل عضو) لاطلاق آية التهلكة ، والتعطيل من التهلكة قطعاً كما بينّا أعلاه ، فيحرم ، وهنا إمّا أن نقول بأنّ يعقوب النبيّ عليه السلام ارتكب محرّمأً ، بل كبيرة من الكبائر ، أو لا ؟؟؟؟؟
والأوّل لا يصار إليه لوضوح بطلانه حتى عند مشهور أهل السنّة الأعظم ، القائلين بمنع وقوع الكبائر أو هذا الضرب من المعاصي من الانبياء عليهم السلام ، فلم يبق إلاّ افتراض واحد ، وهو تخصيص أدلّة حرمة الجزع بفعل يعقوب عليه السلام ..
ونتيجته : يحرم الجزع إذا جرّ إلى تعطيل عضو ، إلاّ إذا كان على معصوم ، أيّ معصوم ، فيجوز .
إشكال أوّل : وحاصله : الآية نصّ في البكاء ، فما علاقتها بالتطبير ؟!!!.
وجوابه عدم القول بالفصل ، فموارد الجزع المحرم ؛ كجز الشعر على المصيبة ونتفه ، وشقّ الثياب ، وخمش الوجوه ، واللطم عليها ، والصراخ بالويل والعويل ، وإدماء البدن ...، لم يفصل فيه العلماء ؛ فإمّا أن تكون جميع أفراد الجزع هذه محرّمة ، كما هو الحال قبل طروّ التخصيص بالمعصوم ، وإمّا لا بعد طروّ التخصيص في المعصوم عليه السلام ، أمّا التفصيل فلا دليل عليه إجماعاً فيبقى الإطلاق على أصله ..
وبعبارة ثانية فالجزع جزع سواء كان إدماءً أو خمش وجوه أو شق ثياب ، وهو أما حرام في كلافراده المحرمة ، وإمّا لا بعلة التخصيص في المعصومين والأنبياء ولا ثالث .
إشكال ثان : أنتم قلتم إنّ الإدماء مباح في الدليل الأوّل ، وهو هنا -قبل التخصيص بالمعصوم - محرّم فما الفرق ؟؟؟؟؟
جوابه : الإدماء -في نفسه- ، مباح على ما مرّ في الدليل الأول ، لكنّه هنا إدماء بما هو جزع ، فمن ههنا يحرم ، ومثاله : أن يكون عندنا ثوباً بالياً ، فلا إشكال في شقّه وإتلافه في نفسه ، لكن لو شققناه جزعاً على مصيبة يحرم ؛ لتبدل العنوان والموضوع .
إشكال ثالث : الآية خاصّة بموردها .
وحاصله : بكاء يعقوب على يوسف عليهما السلام جزعاً ، بكاء أب على ابنه ، فما علاقته ببكائنا على الحسين عليه السلام ؟؟؟؟؟
وجوابه :
أولاً :فعل المعصوم -أي معصوم- سنّة ، يستن بها عامّة الخلق ، إلاّ إذا ورد دليل صريح على التخصيص ، كما في وجوب صلاة الليل على خصوص النبي محمد صلى الله على محمد وآل محمد دون بقيّة الأمّة ..
ثانياً :وهو رد دامغ : فلقد تواترت النصوص أنّ الحسين -بل أي معصوم- أولى من الآباء والأمّهات والأبناء ، ومن قال بغير ذلك حجد القرآن ومتواترات السنّة ، وحسبنا قوله تعالى : {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}الشورى23
إشكال رابع : فهل نفهم من ذلك جواز الإقدام إهلاك عضو جزعاً على مصيبة المعصوم عليه السلام ؟؟؟؟
الجواب : المتيقّن أنّه إذا وقع اتفاقاً فلا بأس ، إمّا إذا كان مقصوداً من البداية ، فلا يخلو من إشكال واضح ؛ لأنّه على الأظهر الأقوى مصداقاً للتهلكة في قوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } والإقدام على العمى إقدام عليها فلا يجوز .
إشكال خامس : ما الفرق بين التهلكة التي تقع اتفاقاً ، وما بين ما تقع بسبب الإقدام عليها ، أليست النتيجة واحدة ؟؟؟؟؟؟
قلنا : الفرق عند عامة الفقهاء سنّة وشيعة ، أوضّحه بهذا المثال ، وهو أننا إذا أردنا السفر بواسطة الطيّارة ، فههنا احتمالان : الأوّل احتمال سقوطها ، والثاني اليقين بسقوطها ، فلو ركبنا الطائرة على الاحتمال الأوّل فجائز بإجماع الفقهاء سنة وشيعة ، ووجهه أنّ احتمال السقوط ضعيف ، لا يعتد به العرف ولا الشرع ولا العقلاء وإلاّ لأغلقنا المطارات بمجرد هذا الاحتمال الضعيف ، لكن لو ركبنا الطائرة مع اليقين بسقوطها ، كما لو علمنا أنّ فيها عطلاً كبيراً وسقطت فهذا إقدام على التهلكة وهو حرام ..
الدليل الثالث : استثناء الجزع على الحسين عليه السلام خاصّة ، وأهل البيت عامّة ، ومطلق المعصوم على الأعم .
أخرج الطوسي قدس سره في أماليه بسند حسن عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال : كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام.اهـ.
كما قد أخرج الصدوق قدس سره في ثواب الأعمال بسند صحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال : وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا .
وههنا تنبيهات :
التنبيه الأوّل :فالجزع المحرّم على قسمين..
فالقسم الأوّل هو كلّ ما ينطبق عليه حدّ الجزع ، الذي هو : هو السخط من فعل الله تعالى. فكل أفعل العباد التي تنطوي على ذلك هي من الجزع المحرّم .
والقسم الثاني: المنصوص عليه حتى لو لم يكن فيه سخط ؛ كجزّ الشعر وخمش الوجوه ، فهذا القسم إنما يحرم للنص حتى لو لم يكن فيه سخط ؛ ووجهه أنّ غالب البشر لا يفعلونه إلاّ عن سخط ، وهو على هذا تشريع يراد منه دفع المفسدة النوعيّة حتى مع اليقين من عدم المفسدة الشخصيّة ، نظير تحريم الشارع شرب قطرة واحدة من الخمر ؛ دفعاً لنوع المفسدة ..
التنبيه الثاني :ثمّة جزع وهو جائز إجماعاً ، وهو الجزع العرفي اللغوي ، وهو على قسمين أيضاً ، مستحب ومكروه ، وهناك مرتبة أمر بين أمرين بينهما ..
وحدّ هذا الجزع الجائز ، هو : قلّة الصبر على المصيبة. لكن ليس الباعث له السخط من فعل الله تعالى ، بل نفس طبيعة الإنسان ، كما في بكاء النبي على إبراهيم عليه السلام ، أو أمّه آمنة سيّدة المحظر والمحشر صلوات الله عليها ، أو بكائه على بعض أصحابه وهكذا ؛ وهذا جائز لقول النبي : العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون . وأمّا المكروه فهو أن يمعن الإنسان في هذا الجزع ، فترتبك أعماله ومسؤولياته وشؤوناته وهكذا ..
التنبيه الثالث :حاصل الجمع بين قولي الصادق عليه السلام : كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام.اهـ.
وقوله الآخر عليه السلام : وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخةالتي كانت لنا .
هو رجحان الجزع في أهل البيت عامّة عليهم السلام ، لكن في الحسين آكد وأشدّ صلوات الله عليه ، بضميمة ماتواتر عن النبوّة في ذلك في خصوص الحسين عليه السلام .
فإذا اتضح هذا فتقريب الاستدلال بهذا الحديث أن يقال : إنّ قول الإمام الصادق عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه...، نص في استغراق وشمول كل أفراد الجزع المبغوض ، حتّى المحرّم منه ؛ ضرورة أنّ كلّ الجزع ليس مكروهاً ، بل فيه ما هو محرّم وفيه ما هو جائز ، فكيف يقول عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه. مع القطع بأنّ من الجزع ما هو محرّم ..؟؟؟
فهذه قرينة قطعيّة على أنّ المقصود من قول الإمام : مكروه ، الأعمّ من الكراهة الاصطلاحيّة والحرمة وإلاّ لقال عليه السلام : الجزع والبكاء مكروه ، من دون لفظ : كلّ الصريح في شموله واستيعابه للمكروه الاصطلاحي وللمحرم سواء .
وقد يقال : فلم قال الإمام مكروه ولم يقل حرام ؟؟؟!!!
قلنا حتى يستوعب في كلامه سلام الله عليه كل أفراد الجزع المبغوضة ، سواء ما ن منها حراماً وما كان منها مكروهاً ، ومن القرائن القطعيّة على ضرورة هذا الحمل ، ما مرّ في الدليل الثاني من فعل يعقوب عليه السلام ، فتذكّر !!!.
والزبدة : فكل جزع بقسميه المكروه والحرام ، هو -بنص هذه الحسنة- مستثنى في الحسين عليه السلام خاصّة ، وفي أهل البيت عامّة ، وفي مطلق المعصومين بنحو أعمّ .
قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه : قال النجفي صاحب الجواهر قدس سره : وما يحكى من فعل الفاطميات ، كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق عليه السلام ، بل ربما قيل : إنّه متواتر...، على أنّه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، أو خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي عليهما السلام كما يشعر به الخبر المتقدم ، وكذا غيره من الأخبار ، التي منها حسن معاوية السابق عن الصادق: «كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام» ، المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها ، ولو بقرينة ما رواه جابر عن الباقر عليه السلام : « أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز العشر» مضافاً إلى السيرة في اللطم والعويل ونحوهما ممّا هو حرام في غيره قطعاً.
الدليل الرابع (وقد يعد من المؤيدات) : إمضاء فعل الرباب عليها السلام
روى أهل السنّة ما يؤيّد هذا ، فقد قال ابن عساكر وابن الأثير وابن العديم في بغية الطلب ما نصّه :
زوجة الحسين الرباب بنت امرىء القيس ، أم سكينة بنت الحسين عليهم السلام ، كانت مع الحسين في كربلاء ، فلمّا قتل ، خطبها أشراف قريش وألحّوا عليها . فقالت : ما كنتُ لأتّخذ حمواً بعد رسول الله ، فلم تتزوج ، وعاشت بعده سنة ، لم يظلّها سقف بيت ، حتى بَليت وماتت كمداً ، وكانت من أجمل النساء وأعقلهن .
وزاد ابن الأثير : وقيل : إنّها أقامت على قبر الحسين سنة ، وعادت إلى المدينة ، فماتت عليه أسفا.
ووجه الاستشهاد به ، هو موتها رضوان الله عليها أسفاً على الحسين عليه السلام، وأنّها سلام الله عليها ، لم يظلها سقفحتّى بليت وماتت كمدا ، وهذا من الجزع المحرّم قطعاً ، لكن إمضاء علماء الزمان آنذاك ، ومنهم أهل البيت عليهم السلام ، حيث لم يستنكر أحد منهم هذا عليها ، حجّة شرعيّة في رجحان هذا الفعل في الحسين عليه السلام ، لا تقبل الجدال ؛ إذ ما قيمة التطبير قياساً بالموت كمداً وأسفاً على الحسين عليه السلام ، حيث لم تستظل ببيت على روحها المقدسة السلام ؟!! لا قياس ، ولا ننسى عدم القول بالفصل لو تنزلنا .
الدليل الخامس : إمضاء فعل الفواطم عليهن السلام والرضوان .
تواتر عن الهاشميات والفاطميات عليهنّ من الله تعالى الرضوان والسكينة والسلام ، لطم الوجوه والصدور وشق الثياب على الحسين عليه السلام ، وممّن صرح بتواتر ذلك ، العاملي في مفتاح الكرامة وغيره حيث قال :
فعل الفاطميات سلام الله عليهنّ على الحسين عليه السلام متواتر...، مع تقرير زين العابدين عليه السلام... .
وتقريب الاستدلال به ، هو القول بعدم الفصل ، فاللطم على الوجوه والصدور عمل محرّم ، لأنّه من الجزع المحرّم ؛ لكنّ إمضاء الإمام السجاد عليه السلام للفاطميات حجّة ، بل في بعض الأخبار أنّه عليه السلام كان بيديه الشريفتين يطبخ لهنّ الطعام إذا اشتغلن بالمصيبة ، وبما أنّ محرمات الجزع لا تفصيل فيها كما أوضحنا ؛ لأنها إمّا كلّها حرام ، وإما أنّ كلها حلال في خصوص الحسين عليه السلام أو أهل العصمة عامّة ، ينتج أنّ حال الإدماء حال اللطم على الوجوه بهذا الإمضاء ؛ لعدم القول بالفصل .
فائدة أدلة من قال بحرمة التطبير ..
الأوّل : ذكر بعضهم أنّها بدعة ، والمتيقن من البدعة بإجماع السنة والشيعة ، هو إلصاق شيء بالدين من دون دليل شرعي .
فهل التطبير فعلاً ، لا دليل عليه من الشرع ولو احتمالاً معقولاً ؟؟؟!!!
وكأنّ القائل بهذا لا يعرف أبسط تعاريف الشرع المبين ، أو نقول إنّه يقصد البدعة اللغوية ، وليست الشرعيّة ، واللغوية هي التي كانت بعد أن لم تكن ولا حرمة فيها ؛ كركوب الطائرة للحج فالنبي لم يفعل ذلك ، وليست اللغوية من قبيل بدعة عمر في التراويح ، فهذه بدعة شرعيّة ؛ للنص النبوي في النهي عنها كما في صحيح البخاري مثلاً ، أو لتوقيفيتها .
الثاني : وهن المذهب ، ويردّه ؛ إنّه مجرّد ظن ، وهو لا يغني من الحق شيئاً ؛ لعدم القطع أو ما ينزل منزلته في كونه وهناً ، فالاستناد الى الظنون في بناء دين الله منهي عنه .
وأمّا ما ينسب إلى البعض من أنّ التطبير حرام ، لأدلة الضرر والتهلكة ، فأحسن ما يقال له أنّه بقّال يهرف بما لا يعرف ، وليس مجتهداً ، على ما اتضح في الدليل الأول ، اللهم إلاّ إذا عنوا الضرر على المذهب وهذا يرجع إلى دليل الوهن .
ملاحظة كان كل مقصودنا ممّا ذكرناه ، التعريف الإجمالي بأدّلّة من قال بالتطبير ، وهناك ماهو أدق وأعمق من هذا ، لكن هذا أقصى ما يمكن أن يقال في منتدى يريد التعريف بأدلّة مسألة شرعيّة ، بل قد أفرطنا والله ، وأيّاً فقد كان مقصودنا من هذه المحاولة العاجلة ، هو إبقاء موضوع الشيخ المنار بعيداً عن مثل هذه التساؤلات التي كادت أن تضيّع موضوعه الشريف هناك ، فمن أراد أن يطلع على المسألة فقهياً فليأت هنا ولا يتحدث عنها هناك ..