المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين


alyatem
22-04-2015, 01:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أجمع المسلمون بمختلف فرقهم على تنزيه زوجات الأنبياء عن ارتكاب الفاحشة، والمراد منها هنا الزنا، وخاصة نبينا الأكرم (ص) أكمل خلق الله على الإطلاق.

وقد استُدِلَّ لذلك ـ عدا الإجماع ـ بأدلة عديدة، منها أن في ذلك تنزيهاً لساحة الأنبياء عمّا يشينهم ويطعن فيهم ويكون سبباً لإسقاطهم بين الناس أو الرد عليهم، وقد تكفّل الله تعالى بصيانة الأنبياء عن كلّ ما يمسّهم من جهة أعراضهم فأحاطهم برعايته فيها كما أحاطهم برعايته في أمور التبليغ.
وبأن العقل يحكم بلزوم تنزيه زوجات الأنبياء عن هذا النوع من الشين صيانة لأعراض الأنبياء.

ولا يلزم من وجوب تنزيه أعراض الأنبياء وجوب إيمان أزواجهنّ، لأن عدم إيمانهنّ لا يضر بالأنبياء مع اعتقادنا بأن الإنسان غير مجبور على اعتقادته، وإلا يلزم الجبر الباطل.
نعم العناية الإلهية المانعة عن السقوط في الرذيلة تحفظ الأنبياء من السقوط الاجتماعي الذي يكون حجة تامة عند الناس في إنكار نبوة الأنبياء.

ورغم وضوح هذا الدليل وتماميّته، فقد أنكره بعضٌ، وزعم أنه لا مانع من ارتكاب زوجات الأنبياء لذلك، وتجاوز بعضهم الإمكان مدّعياً وقوع ذلك فعلاً، في زوجتي نوح ولوط، وفي عائشة زوج النبي (ص).

ورغم أن إنكار الدليل لا يسقطه عن دليليته، كما لم تسقط أدلتنا العقلية التي دلّت على لزوم العصمة المطلقة في الأنبياء قبل البعثة وبعدها وإن أنكر حدودها المخالفون، وكما لم تسقط أدلة الموحّدين على وجود الله تعالى رغم إنكار الملحدين لها. رغم أن ذلك لا يسقط دليلنا، إلا أنا نتعرّض في هذا البحث لما ادّعاه الطرف المقابل دليلاً على وقوع ذلك الفعل من بعض زوجات الأنبياء (ع)، ونبيّن أن ما توهّمه البعض دليلاً لا يصلح للاستدلال كما سيأتي إن شاء الله.

ونعرض أولاً لما يرتبط بزوجتي أنبياء الله نوح ولوط، ثم لعائشة زوج النبي (ص)، ونعرّج لاحقاً على معنى أمهات المؤمنين إن شاء الله تعالى.

على أنه لا يفوتنا الإشارة إلى ما ذكره العلماء أن تنزيه زوجات الأنبياء عن هذه الرذيلة هو صيانة للنبي (ع)، أما الكفر أو النفاق أو المعصية فمما لم يقم الدليل على امتناعها في حق زوجات الأنبياء، بل قام الدليل على وقوع بعضها من بعضهنّ ولو في أوقات معيّنة، وعليه فليس في هذا التنزيه تبرئة لإحداهنّ مما جنتها يداها.

والإشارة إلى خطورة رمي الأعراض، فقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور : 4] فكيف بمن يرمي زوجات أنبياء الله تعالى ؟!

زوجتي نوح ولوط
1. الدليل القرآني

قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم : 10]

يمكن ان يستدل القائلون بارتكاب زوجتي النبي نوح ولوط للزنا بهذه الآية الشريفة، بتقريب أن الخيانة الاصطلاحية للزوجة هي الزنا، فيثبت بذلك أن زوجتي نوح ولوط قد ارتكبتا الزنا.

ويرد عليه:

أولاً: أن هذا يتوقف على كون المراد من (فخانتاهما) هو الخيانة المذكورة، وبالعودة إلى معاجم اللغة نجد ما يلي:
قال في معجم مقاييس اللغة ج2 ص231: خون‌ الخاء و الواو و النون أصلٌ واحد، و هو التنقص. يقال خانَه يخُونه خَوْناً. و ذلك نُقصانُ الوَفاء.
قال في مفردات ألفاظ القرآن ص305: الخِيَانَة و النّفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال اعتبارا بالعهد و الأمانة، و النّفاق يقال اعتبارا بالدّين، ثم يتداخلان، فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. و نقيض الخيانة:الأمانة، يقال: خُنْتُ فلانا، و خنت أمانة فلان.
قال في لسان العرب ج13 ص144: خون‌: المَخانَةُ: خَوْنُ النُّصْحِ و خَوْنُ الوُدِّ، و الخَوْنُ على محن شَتَّى..
فدلّ ذلك على أن الخيانة نقصان الوفاء، أو أنها خلاف الأمانة أي عدم حفظ الأمانة.
وهذا عام لا يمكن حمله على خصوص تلك الخيانة الزوجية ما لم تقم قرينة على ذلك.

ثانياً: إن ادّعي أن القرينة على ذلك هي الاصطلاح، قلنا أن الاصطلاح ممنوع إذ وردت الخيانة في آيات عدة بغير هذا المعنى منها:
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال : 71]
فليس المراد جزماً من الخيانة في الآية تلك الخيانة التي نبحث عنها، إذ أنها لا تتصور من الجهتين: جهة الخائن وهم الأسرى الذين وقعوا في أيدي المسلمين، وجهة من خانه الأسرى وهي خيانة الله تعالى والرسول، وليس للمورد أو الموضوع علاقة بذلك المعنى.
ومثلها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال : 27]
وقوله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة : 13]
وقوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر : 19]
فقد استعملت الخيانة في كل هذه الآيات دون أن يقصد منها الزنا، وعليه فليس هناك من آية دالة على ارتكاب زوجات الأنبياء لذلك إذ لا تساعد عليه كلمات أهل اللغة في معنى الخيانة، ولا الاستعمالات القرآنية لهذه الكلمة.

ثالثاً: أن في الآية الشريفة إشعار بأن دخولهم للنار هو دخول تأبيدي ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾، والمقتضي للخلود في النار هو الكفر حصراً دون المعاصي حتى الكبائر، فإنها ـ أي الكبائر ـ إنما تقتضي دخول النار لأمد محدد لا الخلود فيها، ويؤكد هذا الإشعار في الآية كون المثل قد ضرب للكفار، فتكون الآية بنفسها دليلاً على أن الخيانة هي الكفر ولو في الباطن، فكل معصية ما لم تؤدِّ بصاحبها إلى الخروج عن ربقة الإيمان بالله تعالى تبقي لصاحبها نافذة للخروج من نار الجحيم أعاذنا الله منها، بخلاف الكفر في الواقع.
فلا يكون الاستدلال بالآية تاماً على المُدَّعى بل نافياً له.

رابعاً: أن بعض من زعم ارتكاب زوجات الأنبياء للزنا أقرّ بأن ذلك غير ممكن في حياة الأنبياء، وإنما يمكن أن يقع بعد وفاة النبي (ع)، والحال أن الالتزام بأن الفاحشة هنا هي الزنا يعني ارتكاب زوجتي نوح ولوط الزنا في حياة النبيين بقرينة ﴿كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين﴾ فإنهما قد ارتكبتا تلك الفاحشة حال كونهما زوجتين للنبيين (ع)، وهذه بنفسها قرينة أخرى على منع إرادة الزنا من الفاحشة هنا.

زوجتي نوح ولوط
2. الدليل الروائي

ما ورد في تفسير الخيانة بالفاحشة، بتقريب أن الفاحشة ظاهرة في الزنا إن لم تكن نصاً في ذلك، والظهور حجة ما لم ترفع اليد عنه بقرينة صارفة.
ومن ذلك ما في تفسير القمي: قال علي بن إبراهيم في قوله ﴿ضرب الله مثلا﴾: ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال : ﴿ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما﴾ فقال: والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة.( تفسير القمي ج2 ص377)

ويرد عليه:

أولاً: يظهر أن هذه الجملة هي من تفسير القمي نفسه للآية، لا أنها حديث شريف، حيث لم ينسبها للإمام عليه السلام كما نسب ما قبلها مثلاً، ويظهر ان المجلسي فهم ذلك أيضاً ـ أي أنها من تفسير القمي ـ كما يظهر عند نقله لها في ج11 ص310 فلم يذكر أنها حديث أو ما شابه كما جرت عادته عند نقل الأحاديث.
ولو سلّمنا بأنها حديث فإنها حديث مرفوع لا يصح الاعتماد عليه خاصة في مثل هذه الموارد.

ثانياً: أنه ليس في ذلك دلالة على ارتكاب زوجات الأنبياء للزنا، ذلك أن إثبات الدعوى متوقف على أن يكون معنى الفاحشة هنا كذلك، وهذا ممنوع لأن الفاحشة لغة أعم من ذلك.
قال الخليل بن أحمد: فحش‌: الفُحْش: معروف، و الفَحْشَاء: اسم للفاحِشة. و أَفْحَشَ في القول و العمل و كل أمر: لم يوافق الحق فهو فاحِشة. وقوله تعالى: ﴿ِإلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾، يعني خروجها من بيتها بغير إذن زوجها المطلقها.(العين ج3 ص96)
قال الجوهري: و كلُّ شي‌ءٍ جاوزَ حدَّه فهو فَاحِشٌ.و قد فَحُشَ الأمر بالضم فُحْشاً، و تَفَاحَشَ.و يسمى الزِنَى فَاحِشَةً (الصحاح ج3 ص1014)
قال ابن فارس: فحش‌ الفاء و الحاء و الشين كلمةٌ تدلُّ على قُبحٍ فى شى‌ء و شَناعة.من ذلك الفحْش و الفَحْشاء و الفاحشة. يقولون: كلُّ شى‌ء جاوَزَ قَدرَه فهو فاحش؛ و لا يكون ذلك إلّا فيما يُتَكَرَّه.(معجم مقاييس اللغة ج4 ص478)
فالزنا وإن كان من الفاحشة إلا أنه واحد من مصاديقها، ولا يمكن إثبات معنى خاص محدد من أفراد اللفظ العام ما لم يثبت الانصراف أو يُدّعى قيام قرينة على ذلك.

ثالثاً: أن انصراف لفظ الفاحشة للزنا ممنوع، فإن موارد استعمال الفاحشة أو الفحشاء في القرآن الكريم كانت أعم في كثير من الأحيان، ومن ذلك:
قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام : 151]
وهي نصٌّ في أن الفاحشة أعم من الزنا.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : 169]
وقوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة : 268]
وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت : 45]
وهذه الآيات ظاهرة في عمومية الفحشاء.
وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف : 28]
وقد فسّرت في الروايات بأن المراد منها غير الزنا قطعاً فإن أحداً لم يزعم أن الله تعالى أمر بالزنا !!
وغيرها من الآيات الشريفة.

رابعاً: قد يُدَّعى قيام القرينة على إرادة الزنا من الفاحشة، وهي ذيل ما ذكره القمي حول عائشة وخروجها، وبما أن له ارتباطاً بزوج النبي (ص) نترك البحث له الى القسم القادم ونبيّن هناك وجه المنع عن قرينيته على ذلك.

وبهذا يتبيّن أن ما ادّعي من أن خيانة زوجتي نوح ولوط هي الزنا غير تام.

زوجات النبي الخاتم (ص)

أما البحث في زوجات النبي (ص)، فيقع في مقامين، الأول فيما ورد عن العامرية والكندية، والثاني فيما ورد عن عائشة.

1. العامرية والكندية
روى الكليني هذه الرواية: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ أَبِي عُرْوَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ يُقَالُ لَهَا سَنَى، وَ كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ أَهْلِ زَمَانِهَا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ قَالَتَا: لَتَغْلِبُنَا هَذِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) بِجَمَالِهَا، فَقَالَتَا لَهَا: لَا يَرَى مِنْكِ رَسُولُ اللَّهِ (ص) حِرْصاً.
فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) تَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ ، فَانْقَبَضَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) عَنْهَا فَطَلَّقَهَا وَ أَلْحَقَهَا بِأَهْلِهَا.
وَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ بِنْتَ أَبِي الْجَوْنِ فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) ابْنُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيّاً مَا مَاتَ ابْنُهُ، فَأَلْحَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِأَهْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ وُلِّيَ النَّاسَ أَبُو بَكْرٍ أَتَتْهُ الْعَامِرِيَّةُ وَالْكِنْدِيَّةُ وَ قَدْ خُطِبَتَا فَاجْتَمَعَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَقَالا لَهُمَا: اخْتَارَا إِنْ شِئْتُمَا الْحِجَابَ وَ إِنْ شِئْتُمَا الْبَاهَ، فَاخْتَارَتَا الْبَاهَ فَتَزَوَّجَتَا، فَجُذِمَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ وَ جُنَّ الْآخَرُ .

قَالَ عُمَرُ بْنُ أُذَيْنَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلَ فَرَوَيَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) أَنَّهُ قَالَ: مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا وَ قَدْ عُصِيَ فِيهِ، حَتَّى لَقَدْ نَكَحُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ (ص) مِنْ بَعْدِهِ، وَ ذَكَرَ هَاتَيْنِ الْعَامِرِيَّةَ وَ الْكِنْدِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): لَوْ سَأَلْتَهُمْ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَتَحِلُّ لِابْنِهِ؟ لَقَالُوا: لَا، فَرَسُولُ اللَّهِ (ص) أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ آبَائِهِمْ. (الكافي ج5 ص421)

واستدل القائلون بأن زوجات النبي قد أقدمن على الزنا بهذه الرواية، وما نقله الكليني في الواقع روايتان، الأولى ضعيفة بقتادة والحسن البصري، والثانية صحيحة السند عن أبي جعفر عليه السلام.

ويلاحظ على الأولى عدا ضعف سندها ببعض رموز العامة:

أولاً: أن أبا بكر وعمر قد خيرا العامرية والكندية بين الحجاب والزواج فتزوجتا، فجُذِمَ أحد الزوجين (وهو مرض يقطع اللحم ويسقطه) وجُنَّ الآخر، وفي هذا إشعار بتدخل إلهي لمنع هذين الرجلين من مقاربة زوجتي النبي (ص) حفظاً لشرف النبي (ص) حيث حرم زواجهنّ من الرجال أبداً.

ثانياً: أن أقصى ما تدلّ عليه هو إجراء عقد النكاح لا أكثر بقرينة الجنون والجذام، وهذا لا سبيل إلى منعه، فإن الله تعالى حرّم أن يعقد أحد على زوجات النبي (ص) وأن يتصرف معهنّ كأنهن زوجات له، ولما عصي الله في الأولى أي في العقد تدخلت القدرة الإلهية في الثانية وهي حفظ ما ينتهك شرف زوجة النبي (ص).

ثالثاً: أنه لو لم يثبت شيء مما قلنا فإن الرواية لا تدل على ما ذهب إليه صاحب الدعوى، بل تدلّ على خلاف ما يذهب إليه، فإنها تنفي الزنا من حيث تثبت إقدامهنّ على الزواج، وهذا وإن كان محرّماً في الواقع لكن لما أجاز لهن أبو بكر وعمر ذلك ثبت أنهنّ كنّ معتقدات بحلية ذلك الزواج، وعليه يكون الزواج عن شبهة ولا يثبت به الزنا.
لا يقال: هل يمكن أن لا يعرف عمر مثل هذا الحكم الذي نزلت به الآيات المباركة ؟ وأن تنطلي فتواه على زوجات النبي (ص) ؟
فإنا نقول: نعم وأكثر من ذلك، فقد تواتر نقل هذه الأمور عن عمر، وقد روى السنة في صحاحهم أنه كان يترك الصلاة عند جنابته إلى أيام خلافته، بل كان يأمر من يسأله عن حكم ذلك بجواز ترك الصلاة ! حتى ذكره عمار بما سمعاه عن النبي (ص)، (راجع صحيح مسلم.... وغيره) وما أكثر ما كان يجهله رغم وضوحه، وأما زوجتي النبي (ص) فإنهنّ ما عاشرن النبي (ص) ولا تعلّمن منه وقد طلّقهنّ قبل الدخول بهنّ، وما أكثر ما كان يجهله كثير من الصحابة مما ورد صريحاً في آيات الكتاب العزيز والسنة القطعية.

رابعاً: أنه حتى على القول بعلمهما حرمة النكاح، يحتمل كون الفاحشة هي مجرد العقد عليهما، وقد عبّر تعالى في القرآن الكريم عن نكاح زوجات الآباء ـ وهو محرّم ـ بالفاحشة، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً﴾ [النساء : 22] .

خامساً: ما سيأتي من التفصيل عند بعض المسلمين بين من مات عنها النبي (ص) ومن فارقها في حياته دون الدخول بها، فيحرم النكاح في الصورة الأولى دون الثانية، وهو وجه من وجوه الشافعي كما سيأتي، وعليه، فلو لم يتم شيء من الوجوه المتقدمة يكون زواج العامرية والكندية موافقاً لما ذهب اليه بعض المسلمين من جواز زواجهن، وهو ما أفتى لهنّ به أبو بكر وعمر، فكن مستحلّات له، فلا يثبت به الزنا، وهو قريب من بعض الوجوه المتقدمة.

ويلاحظ على الرواية الثانية ما ذكرناه في الشق الثاني المتقدم، فإن قوله (ع) (حَتَّى لَقَدْ نَكَحُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ص مِنْ بَعْدِهِ) قابل للإنطباق على العقد الشرعي فإنه نكاح شرعي، بل قد يُدّعى ظهوره في إجراء عقد النكاح في النصوص الشرعية، بتقريب أنه أريد في أكثر الموارد الذي استعمل فيها لفظ (النكاح) في الروايات أريد إجراء العقد، وأما ما سواه فعُبِّرَ عنه بتعابير أخرى كالمقاربة والوطأ والغشيان وغير ذلك.
فيكون مشتركاً مع الحديث الأول في عدم دلالته على المُدَّعى.

زوجات النبي الخاتم (ص)
2. عائشة

ورد في تفسير القمي في ذيل ما تقدّم حول زوجتي نوح ولوط عليهما السلام: قال علي بن إبراهيم في قوله ﴿ضرب الله مثلا﴾: ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال : ﴿ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما﴾ فقال: والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة.
وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق ... وكان فلان يحبها فلما أرادت ان تخرج إلى . . . قال لها فلان: لا يحل لك ان تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان. ( تفسير القمي ج2 ص377)
ونقله عنه صاحب تفسير البرهان (ج5 ص431) مع اختلاف في بعض ألفاظها، من ذلك قوله: (في طريق البصرة).
ونقله عنه صاحب تفسير نور الثقلين (ج5 ص375) مع الاختلاف المذكور إضافة إلى أنه ذكر (طلحة) بدل (فلان).

ويمكن تقريب دعوى المستدل عدا عما مرّ بأن هناك عدة قرائن تؤكد إرادة الزنا هنا ومنها: إقامة الحد عليها، وكون فلان يحبها وأنها زوجت نفسها منه.

ويلاحظ على ذلك:

أولاً: ما تقدّم من ضعف الرواية وعدم اعتبارها فراجع.

ثانياً: ما تقدّم من توقفه على كون الفاحشة هي الزنا، وهو ممنوع بالتقريب المتقدم أيضاً من حيث الوضع والاستعمال اللغوي، ومن حيث الاستعمال القرآني والروائي.

ثالثاً: أن الأمور التي ذكرناها مما قد يتصور قرينيتها على إرادة الزنا مدفوعة:
أما إقامة الحد: فلأن الحدّ لا يختص بالزنا وقد أفرد الفقهاء باباً لذكر الحدود التي تقام على كل معصية، ومما تقام عليه الحدود مثلاً حدّ المحاربة، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة : 33]
فيمكن أن يكون المراد هو حد خروجها على إمام زمانها، بقرينة أن سبب الحد ما فعلته في طريق البصرة أي حرب أمير المؤمنين (ع) لا ما فعلته قبل خروجها من تزويج نفسها بحسب المدعى.

وأما قرينية أن فلاناً كان يحبها وزوجت نفسها منه: فهذا غير تامٍّ أيضاً لوجوه:

أوّلها: ما تقدّم من كون الزواج والنكاح أعم من المقاربة، بل أنها ظاهرة في العقد الشرعي فراجع.

ثانيها: أن التزويج يدفع الزنا، غاية الأمر أنه تزويج عن شبهة.

ثالثها: أن تزويجها كان لأجل خروجها مع محرم لشبهة عدم جواز الخروج دون محرم، فهذه قرينة على خلاف المدعى بحيث تنحصر الدلالة على إرادة العقد جزماً دون شيء آخر سواه.

هذا كلّه مع التنزّل والاعتماد على الرواية، وإلا فهي ضعيفة لا يصحّ الاعتماد عليها.

طلاق عائشة

ثم إنه قد أثيرت في المقام مسألة أخرى، وهي أن أمير المؤمنين (ع) قد طلّق عائشة وأخرجها عن أمومة المؤمنين، وبذلك لا تبقى عرضاً لرسول الله (ص)، فلا مانع من ارتكابها الزنا بعد طلاقها.

وينبغي النظر أولاً في معنى أمومة المؤمنين وأحكامها:
إن أصل ما استُدِلَّ به على كون زوجات النبي أمّهات المؤمنين هو قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب : 6] ولم يكن الدليل على عدم جواز نكاحهنّ بعده (ص) هو تسميتهنّ أمهات المؤمنين فقط، إنما استدل على عدم جواز نكاحهنّ بعد النبي (ص) بالآية الشريفة: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً﴾ [الأحزاب : 53]

وقد ذكر العلماء أن تسميتهنّ بأمّهات المؤمنين مجاز وليس حقيقة، وأن القدر المتيقّن منه هو كونه كناية عن تحريم نكاحهنّ، ولا يجوز النظر إليهنّ ولا الخلوة بهنّ. (راجع مسالك الأفهام للشهيد الثاني ج7 ص79 على سبيل المثال)
ولذا يصحّ الزواج من بناتهنّ كما تزوج أمير المؤمنين عليه السلام سيدتنا الزهراء عليها السلام وأمها أم المؤمنين خديجة عليها السلام.

هذا وقد وقع الخلاف في أن حرمة التزويج شامل لمن فارقها النبي (ص) في حياته أو أنه مختص بمن مات عنها.
قال الشيخ الطوسي في الخلاف:
كل امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وآله، ومات عنها، لا يحل لأحد أن يتزوجها بلا خلاف، دخل بها أو لم يدخل.
وعندنا: أن حكم من فارقها النبي صلى الله عليه وآله في حياته حكم من مات عنها ، في أنها لا تحل لأحد أن يتزوجها .
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مثل ما قلناه وهو ظاهر مذهبهم.
والثاني: أنها تحل لكل أحد ، دخل بها أو لم يدخل بها .
والثالث: إن لم يدخل بها حلت لغيره، وإن دخل بها لم تحل لغيره. (الخلاف ج4 ص245)

اذا تبيّن ذلك نقول:
استدل من أثار المسألة بروايات تطليق أمير المؤمنين (ع) لعائشة، ونذكر الروايات أولاً ثم مناقشتها:

الرواية الأولى: ذكرت في عدة مصادر بتفاوتٍ واختلاف، ومن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق في حديث طويل عن سعد بن عبد الله القمي أنه سأل صاحب العصر والزمان قبل غيبته عن ذلك:
حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال : حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال : حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي: ........
قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟
قال : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات.
فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين.(كمال الدين وتمام النعمة ص459)
وقد ذكرها الطبرسي في الاحتجاج ج2 ص271 مرسلةً، مع بعض الاختلاف، وفيه:
فقلت: يا مولانا وابن مولانا روي لنا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين، حتى أنه بعث يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال: إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي حصل منك، وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة، فإن امتنعت وإلا طلقتك.
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فقال : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن لشرف الأمهات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن إن هذا شرف باق مادمن لله على طاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج، وأسقطها من شرف أمية المؤمنين.( الاجتجاج للطبرسي ج2 ص271)
ورواها الطبري أيضاً لكن بسندٍ آخر واختلاف في المتن، قال:
وأخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي: .....
فقلت : مولانا وابن مولانا، إنا روينا عنكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : "إنك قد أرهجت على الاسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك" . ونساء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد كان طلاقهن بوفاته.
قال (عليه السلام): ما الطلاق ؟
قلت: تخلية السبيل.
قال: فإذا كان وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خلى سبيلهن ، فلم لا يحل لهن الأزواج ؟
قلت : لأن الله (عز وجل) حرم الأزواج عليهن .
قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن ؟
قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال : إن الله (تقدس اسمه) : عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا أبا الحسن، إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك ، فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف الأمهات ومن شرف أمومة المؤمنين. (دلائل الإمامة للطبري الشيعي ص511)

الرواية الثانية: ما رواه الديلمي في إرشاد القلوب:
عن حذيفة: ثم أمر خادمة لأم سلمة فقال: اجمعي لي هؤلاء، يعني نساءه، فجمعتهن له في منزل أم سلمة فقال لهن: أسمعن ما أقول لكن، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لهن: هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكن وفي الأمة من بعدي فأطعنه فيما يأمركن به ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.
ثم :قال يا علي أوصيك بهن فأمسكهن ما أطعن الله وأطعنك وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك وخل سبيلهن إن عصينك.
فقال علي عليه السلام: يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي.
فقال: ارفق بهن ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها.
قال: كل نساء النبي قد صمتن فما يقلن شيئا، فتكلمت عائشة فقالت: يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.
فقال لها: بلى قد خالفت أمري أشد خلاف وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي ولتخرجين من البيت الذي أخلفك فيه متبرجة فيه قد حف بك فئات من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك ولتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا إن ذلك كائن ثم قال قمن فانصرفن إلى منازلكن فقمن فانصرفن. (إرشاد القلوب ج2 ص337)

الرواية الثالثة: انه صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه إليه.
أبو الدر علي المرادي وصالح مولى التومة عن عايشة ان النبي جعل طلاق نسائه إلى علي.
الأصبغ بن نباتة قال: بعث علي (ع) يوم الجمل إلى عائشة ارجعي وإلا تكلمت بكلام تبرين من الله ورسوله.
وقال أمير المؤمنين للحسن: اذهب إلى فلانة فقل لها قال لك أمير المؤمنين والذي فلق الحبة والنوى وبرأ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين.
فلما أخبرها الحسن بما قال أمير المؤمنين قامت ثم قالت: رحلوني.
فقالت لها امرأة من المهالبة: أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم حاورتيه وخرج من عندك مغضبا وأتاك غلام فأقلعت !
قالت: ان هذا الغلام ابن رسول الله فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام وقد بعث إلي بما علمت.
قالت: فأسألك بحق رسول الله عليك إلا أخبرتنا بالذي بعث إليك.
قالت: ان رسول الله جعل طلاق نسائه بيد علي فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة. (مناقب آل أبي طالب ج1 ص397)

الرواية الرابعة:
عن إبراهيم بن الحسين، بإسناده عن سالم بن أبي الجعد، قال : بعث علي (عليه السلام) إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة، أن ارجعي إلى بيتك، فأبت، ثم أرسل إليها ثانية، فأبت، ثم أرسل إليها ثالثة: لترجعن أو لأتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله.
فقالت : أرحلوني أرحلوني .
فقالت لها امرأة ممن كان عندها من النساء : يا أم المؤمنين ما هذا الذي ذعرك من وعيد علي (عليه السلام) إياك.
قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) استخلفه على أهله، وجعل طلاق نسائه بيده. (شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج 1 ص 210).

ويلاحظ على هذه الروايات:

أولاً: من حيث السند: ضعف كافة الروايات.
فالرواية الأولى وإن كانت عن سعد بن عبد الله القمي وهو إمامي ثقة جليل القدر، إلا أن أحداً من الخمسة الذين وقعوا في طريق الصدوق إليه لم يوثق ! وان جرى الحديث في واحد من الخمسة (وهو الشبياني الذي قيل ان في مذهبه ارتفاع أو غلو).. فلا يمكن الإعتماد عليها، فضلاً عمّا ذكره النجاشي: ورأيت بعض أصحابنا يضعفون لقائه لأبي محمد [عليه السلام‏] ويقولون هذه حكاية موضوعة عليه و الله أعلم‏. (رجال‏النجاشي-باب‏السين -177)
ومثلها رواية الطبري في الضعف لتضمنها للمهملين، وبعض المختلف فيهم. ورواية الاحتجاج مرسلة.
أما الرواية الثانية (رواية الديلمي في إرشاد القلوب) فهي مرسلة لم يذكر الديلمي سندها ولا غيرها.
ومثلها سائر الروايات فهي إما مرسلة أو تتضمن مهملين أو مجهولين.

ثانياً: من حيث الدلالة: عدم دلالتها على المدعى، وذلك من جهات:
1. أن الإمام في الرواية الأولى قد أوضح أن تخلية السبيل تحصل إما بالطلاق أو بالموت، وإذا كانت زوجات النبي (ص) حرام على غيره بعد وفاته رغم تخلية سبيلهن، فإنّ هذا كان بنصّ قرآني خاص لا يخرج عنه حتى في مثل الطلاق.
ولذا التزم الشيعة أن من طلقها النبي (ص) في حياته لم تحل لأحد غيره أيضاً، كالتي مات عنها، فلا يكون طلاق أمير المؤمنين عليه السلام لها على فرض وقوعه مسوغاً لزواجها.

2. أنه ليس في هذه الروايات دلالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد طلّقها، بل إن جملة من هذه الروايات كالثالثة والرابعة دلّت على أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يطلقها حتى بعد حرب الجمل، إنما (هدّدها) بأن يطلقها بعد انقضاء الحرب إن لم ترجع، فرجعت، فهذه الروايات على خلاف أصحاب الدعوى أدلّ، حيث قالت: أرحلوني أرحلوني. أو: رحلوني.

3. أن من يدّعي ارتفاع المانع من ارتكابها للزنا بطلاق أمير المؤمنين عليه السلام لها بعد حرب الجمل، إنما يمكن أن يدّعي ذلك بعد حصول الطلاق فعلاً (على فرض حصوله)، ولكن ما يلتزمون به هو أن الزنا كان قبل خروجها إلى حرب الجمل (استناداً إلى ما نقله القمي)، والحال أنها في ذلك الوقت كانت لا تزال زوجة للنبي (ص) باعترافهم.. وهذا مما لا يلتزم به صاحب الدعوى.

4. أن هذا القول لضعفه لا يصح أن يخصص الآية القرآنية الكريمة المتقدمة ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً﴾ [الأحزاب : 53]
فإن الآية تفيد حرمة نكاحهنّ من بعده (ص) أبداً، وهذا التأبيد غير قابلٍ للتخصيص كما تأبيد خلود الكفار في جهنم.
فلسان الآية غير قابل للتخصيص أولاً، ولو كان قابلاً لما صحّ تخصيصه بالخبر الضعيف.

5. ثم إن هذه الاخبار معارضة أيضاً بأخبار أصح سنداً دلّت على حرمة نكاهنّ مؤبداً أيضاً من حيث كونها أعظم حرمة من نكاح زوجات الآباء ولو طلقهنّ الآباء.. بل شبه الحديث زوجات الرسول بالأمهات الواقعيات من هذه الجهة، وهؤلاء لا يصح نكاحهنّ مطلقاً بوجه..
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): لَوْ سَأَلْتَهُمْ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَتَحِلُّ لِابْنِهِ؟ لَقَالُوا: لَا، فَرَسُولُ اللَّهِ (ص) أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ آبَائِهِمْ. (الكافي ج5 ص421، والخبر صحيح)
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه، وقال في حديثه، ولا هم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم إن كانوا مؤمنين وإن أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحرمة مثل أمهاتهم. (الكافي ج5 ص421، والخبر موثّق)

إذاً ليس في الروايات أولاً دلالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد طلقها، بل دلت على أنه هددها بالطلاق فرجعت حينها، وحتى على فرض طلاقها فإن الروايات دالة على أنه طلاق (يبرأ الله ورسوله منها) وأنه (فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة).
وأما (فأطلق لها في الأزواج) فإنه مما لم يصح سنداً وهو معارض بما هو أقوى منه من هذه الروايات وسائر الروايات التي أوردناها، فلا يصح الالتزام بظاهره هذا بوجه..

الخاتمة

تبيّن مما تقدّم أنا لو تنزلنا عن الأدلة العقلية المانعة عن ارتكاب زوجات الأنبياء للزنا في حياة الأنبياء أو بعد وفاتهم حفظاً لما يسقط الأنبياء في المجتمع، ومع الغض عن هذه الأدلة، فإن ما ادّعي دلالته على ارتكاب أي من زوجات الأنبياء للزنا غير تام سنداً في أغلب الموارد، ولا دلالة في كل الموارد.

هذا ولا يخفى أن حكم رمي المحصنات بلا بيّنة شرعية الجلد وعدم قبول الشهادة مطلقاً وانطباق عنوان الفسق عليه، فليست المسألة استحسانية ولا أثرها سهلاً، فكيف لو مسّت سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وخيرهم وأفضلهم محمد بن عبد الله (ص) ؟!

وكما ذكرنا مراراً.. فليس في هذا تبرئة لزوجات الأنبياء عن المعاصي بل وعن الشرك أو الكفر.. فمنهنّ من كانت أشدّ على الأنبياء من أعدائهم، وحسابها عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون..

وينبغي على إخوتنا الأعزاء أن يتدبروا في الأدلة بإنصاف، وأن لا تأخذهم الحمية في إطلاق الكلام على عواهنه، فلسنا في مقام المزايدة ولا التسابق في الطعن في من خالف آل محمد، ففعلهم معروف وعذابهم معروف، وما أتت به زوجات بعض الأنبياء أسوأ بكثير من مجرد السقوط الأخلاقي، لكن هذا لا يلزم منهم سقطوهن من هذه الناحية، لأن في هذا السقوط إسقاط اجتماعي للرسول نزّهه الله تعالى عنه، والدليل عليه هو عين الدليل على عدم جواز إتيان النبي بما بنافي المروءة مثلاً.. والدليل على هذا عقليّ غير قابل للتخصيص.
والحمد لله رب العالمين

شعيب العاملي
منتديات يا حسين ع (https://www.yahosein.com/vb/showthread.php?p=2142934)

الجزائرية
05-05-2015, 01:04 AM
بارك الله فيكم وايدكم ..

بحث رائع ومفصل , ومهم لمن يرمي اي زوجة من زوجات النبي بالفاحشة والعياذ بالله ...

وقد اجدتم في التوضيح ولم تتركوا اي مجال للاثراء فبحثكم ثري ..

بوركتم .