m-mahdi.com
24-11-2007, 03:39 PM
مجلة الانتظار/مركز الدراسات التخصصية
قد يقال ما هي الحكمة من غياب الإمام، وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة، خاصة وأن الاثني عشرية يجعلون وجود الإمام لطفاً للعباد، وهل يجوز غياب اللطف عن الملطوف بهم؟!
والجواب على ذلك:
إن الحكمة من غيبته غائبة عنّا، وانكشاف وجه الحكمة سيتمّ عند ظهوره، وإن كان انكشاف جزء الحكمة أو بعضها هو لحفظ نفسه الشريفة من كيد الأعداء ومطاردتهم إيّاه، فيجب أن يحفظ وجوده الذي تتم _بهذا الوجود_ حكمة الله من خلقه، في تفصيل يأتي في محله.
أما واجبات الإمامة فلا تعارضها غيبته عليه السلام، فمجرد وجوده عليه السلام هو من ضمن واجبات الإمامة، كما أن معرفة الإمام _ بغض النظر عن حضوره أو غيبته_ تجعل المكلفين ضمن دائرة (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ودخول الأفراد ضمن هذه الدائرة أو خروجهم عنها يتعلّق بمدى معرفتهم للإمام وعدم معرفتهم به، فإذن وجوده ومعرفة العباد به تكليف آخر يدخل ضمن تكاليف العباد.
على أن وجوده عليه السلام وجودٌ للحجة الإلهية التي لولاها لساخت الأرض بأهلها، فمجرد وجوده يُعدّ من أعظم الفوائد على العباد.
وكذلك الإمام يُعدُّ واسطة الفيض الإلهي حاضراً كان أو غائباً، فإن فيوضات الله تعالى لا تنزل على الأرض وأهلها إلا بواسطة، ولا واسطة لفيوضاته تعالى إلا الإمام، فوجوده فائدة لنزول الفيض، كما في ليلة القدر فإنها تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم على الإمام، ولولاه لما تم هذا التنزيل، فعلى من يتم النزول لو لا الإمام؟! وإلى هذا أشار الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لجده الإمام الحسين عليه السلام: إلى أن قال: .. من أراد الله بدأ بكم، من أراد الله بدأ بكم، من أراد الله بدأ بكم، بكم يبيّن الله الكذب، وبكم يباعد اللهُ الزمانَ الكَلِب، وبكم يفتح الله وبكم يختم الله، وبكم يمحو الله ما يشاء، وبكم يثبت، وبكم يفكّ الذلّ من رقابنا، وبكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن ومؤمنة تطلب، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها، وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزل الله الغيث، وبكم تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم..[1]
وكذلك الإمام يُعدُّ شاهداً على أعمال العباد كما في قوله تعالى: ((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))[2] فقد ثبت في محله أن الله تعالى يُثيب ويعاقب على الشهادة وهو مقتضى عدله، فلابد من شاهدٍ على أعمال العباد، وهذا الشاهد هو الحجة على الخلق غائباً كان أو حاضراً.
إضافةً إلى ذلك فإن وجود الإمام يبعث على طمأنة النفوس واستقرارها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله عند وجوده في المعركة، فهو وإن لم يشارك في قتال؛ إلا أن وجوده صلوات الله عليه طمأنة للنفوس وتقوية لعزيمة المقاتلين، كما أن شفقته عليه السلام على شيعته ورعايته لهم وحرصه عليهم يؤكّده دعاؤه لهم، ودعاء الإمام مستجاب عند الله تعالى، وهذا ما نص عليه في رسالته للشيخ المفيد بقوله عليه السلام: نحن وإن كنّا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنّا نُحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مُذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهرهم كأنهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم.[3]
وليس أدل على فائدة وجوده ـ حتى مع غيبته ـ ما ورد عن الصادق عليه السلام حينما سئل عن فائدة غيبته عليه السلام، فقال بما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وآله حينما سئل بمثل ذلك فقال: والذي بعثني بالنبوة إنّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب.[4]
أما كون وجوده لطف فإن اللطف هذا لا يتخلف في حال غيبته، وعدم استفادة المكلفين من هذا اللطف يرجع سببه فيهم، فهم اللذين تسبّبوا في إبعاد اللطف عنهم، فلطف الإمام موجود على أي حال، لكن ابتعاد الناس عن لطفه بسبب عدم تهيئة فرص الاستفادة من هذا اللطف، وليس الإمام سبباً في حرمان المكلفين من لطفه، كما أن معرفة الله لطفٌ، وعدم معرفة الكافر لهذا اللطف لا ينفي اللطف عن معرفته تعالى، وإنّما الكافر فوّت على نفسه فرصة لطف معرفة الله على نفسه.
إذن لا ينافي لطف الإمامة غيبة الإمام عليه السلام.
[1] _ من لا يحضره الفقيه 2: 358 حديث 1614.
[2] _ البقرة: 143.
[3]الاحتجاج: 497.
[4]كمال الدين.
ملاحظة:ـ الآراء الواردة في هذا المقال تمثل راي صاحبها وليس بالظرورة تمثل رآي مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي(عليه السلام) .
قد يقال ما هي الحكمة من غياب الإمام، وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة، خاصة وأن الاثني عشرية يجعلون وجود الإمام لطفاً للعباد، وهل يجوز غياب اللطف عن الملطوف بهم؟!
والجواب على ذلك:
إن الحكمة من غيبته غائبة عنّا، وانكشاف وجه الحكمة سيتمّ عند ظهوره، وإن كان انكشاف جزء الحكمة أو بعضها هو لحفظ نفسه الشريفة من كيد الأعداء ومطاردتهم إيّاه، فيجب أن يحفظ وجوده الذي تتم _بهذا الوجود_ حكمة الله من خلقه، في تفصيل يأتي في محله.
أما واجبات الإمامة فلا تعارضها غيبته عليه السلام، فمجرد وجوده عليه السلام هو من ضمن واجبات الإمامة، كما أن معرفة الإمام _ بغض النظر عن حضوره أو غيبته_ تجعل المكلفين ضمن دائرة (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ودخول الأفراد ضمن هذه الدائرة أو خروجهم عنها يتعلّق بمدى معرفتهم للإمام وعدم معرفتهم به، فإذن وجوده ومعرفة العباد به تكليف آخر يدخل ضمن تكاليف العباد.
على أن وجوده عليه السلام وجودٌ للحجة الإلهية التي لولاها لساخت الأرض بأهلها، فمجرد وجوده يُعدّ من أعظم الفوائد على العباد.
وكذلك الإمام يُعدُّ واسطة الفيض الإلهي حاضراً كان أو غائباً، فإن فيوضات الله تعالى لا تنزل على الأرض وأهلها إلا بواسطة، ولا واسطة لفيوضاته تعالى إلا الإمام، فوجوده فائدة لنزول الفيض، كما في ليلة القدر فإنها تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم على الإمام، ولولاه لما تم هذا التنزيل، فعلى من يتم النزول لو لا الإمام؟! وإلى هذا أشار الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لجده الإمام الحسين عليه السلام: إلى أن قال: .. من أراد الله بدأ بكم، من أراد الله بدأ بكم، من أراد الله بدأ بكم، بكم يبيّن الله الكذب، وبكم يباعد اللهُ الزمانَ الكَلِب، وبكم يفتح الله وبكم يختم الله، وبكم يمحو الله ما يشاء، وبكم يثبت، وبكم يفكّ الذلّ من رقابنا، وبكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن ومؤمنة تطلب، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها، وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزل الله الغيث، وبكم تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم..[1]
وكذلك الإمام يُعدُّ شاهداً على أعمال العباد كما في قوله تعالى: ((وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))[2] فقد ثبت في محله أن الله تعالى يُثيب ويعاقب على الشهادة وهو مقتضى عدله، فلابد من شاهدٍ على أعمال العباد، وهذا الشاهد هو الحجة على الخلق غائباً كان أو حاضراً.
إضافةً إلى ذلك فإن وجود الإمام يبعث على طمأنة النفوس واستقرارها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله عند وجوده في المعركة، فهو وإن لم يشارك في قتال؛ إلا أن وجوده صلوات الله عليه طمأنة للنفوس وتقوية لعزيمة المقاتلين، كما أن شفقته عليه السلام على شيعته ورعايته لهم وحرصه عليهم يؤكّده دعاؤه لهم، ودعاء الإمام مستجاب عند الله تعالى، وهذا ما نص عليه في رسالته للشيخ المفيد بقوله عليه السلام: نحن وإن كنّا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنّا نُحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مُذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهرهم كأنهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم.[3]
وليس أدل على فائدة وجوده ـ حتى مع غيبته ـ ما ورد عن الصادق عليه السلام حينما سئل عن فائدة غيبته عليه السلام، فقال بما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وآله حينما سئل بمثل ذلك فقال: والذي بعثني بالنبوة إنّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب.[4]
أما كون وجوده لطف فإن اللطف هذا لا يتخلف في حال غيبته، وعدم استفادة المكلفين من هذا اللطف يرجع سببه فيهم، فهم اللذين تسبّبوا في إبعاد اللطف عنهم، فلطف الإمام موجود على أي حال، لكن ابتعاد الناس عن لطفه بسبب عدم تهيئة فرص الاستفادة من هذا اللطف، وليس الإمام سبباً في حرمان المكلفين من لطفه، كما أن معرفة الله لطفٌ، وعدم معرفة الكافر لهذا اللطف لا ينفي اللطف عن معرفته تعالى، وإنّما الكافر فوّت على نفسه فرصة لطف معرفة الله على نفسه.
إذن لا ينافي لطف الإمامة غيبة الإمام عليه السلام.
[1] _ من لا يحضره الفقيه 2: 358 حديث 1614.
[2] _ البقرة: 143.
[3]الاحتجاج: 497.
[4]كمال الدين.
ملاحظة:ـ الآراء الواردة في هذا المقال تمثل راي صاحبها وليس بالظرورة تمثل رآي مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي(عليه السلام) .