المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سبب تذكير الضمير في آية التطهير


الشيخ عباس محمد
22-08-2015, 07:27 PM
سبب تذكير الضمير في آية التطهير
في آية التطهير جاء ميم الجمع بدل نون النسوة، لأنّ النساء دخل معهن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو رأس أهل بيته(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فما هي الإجابة على هذه الشبهة التي تريد أن تخرج أهل بيت الخمسة من الآية؟
الجواب:

للإجابة على ما ذكرت نقدّم نقاط:
الأول: ذُكرت عدّة آراء في المراد من (أهل البيت) في هذه الآية، نذكر المهمّ منها، فبعضها شاذّة، أو لم يقل به قائل محدّد:
أ- إنّها نزلت خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) الخمسة أصحاب الكساء.
ب- إنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء، وأزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ج- إنّها نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة.
الثاني: إنّ القول الثالث قال به عكرمة ومقاتل وعروة بن الزبير، ونقل عن ابن عبّاس، وهو قول شاذّ لم يأخذ به إلاّ المتعصّب ضدّ أهل البيت(عليهم السلام)، مع أنّه مردود لأنّ عكرمة ومقاتل لا يأخذ بقولهما، إذ كانا كذّابين مطعون بدينهما، وعروة كان يناصب أمير المؤمنين(عليه السلام) أشدّ العداء، وعدّه بعضهم ممّن يضعون الأخبار في عليّ(عليه السلام)، وما عن ابن عبّاس فضعيف، لأنّ فيه مجاهيل، مع أنّ له معارضاً من قول ابن عبّاس نفسه.
وقد استدلّ الرادّون له وللقول الثاني، بأدلّة كثيرة على بطلانهما:
منها: الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء، حيث جلّلهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) به حصراً.
ومنها: إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.
ومنها: إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء بأهل بيته للمباهلة، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.
ومنها: إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة الله بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.
ومنها: إنّ الأزواج لم يدّعين دخولهن فيها، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.
ومنها: الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة؛ كدلالة تغيير الضمير، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس، وإنّ إختلاف المخاطب لا يقدح بوحدة السياق، وقد ورد كثيراً في القرآن، وإنّ الإلتزام بوحدة السياق إجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة، وعدم الإلتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود، وأنّه هو المنزل، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة، وغيرها.
الثالث: المهمّ إنّ الذين إختاروا إختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق، وقد عرفت الردّ عليه، ولكن عندما جوبهوا بإختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) معهن، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ، وهو الإختصاص بالنساء، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.
مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة، وجعل الآية عامّة في نساء النبيّ، والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وكان لنفس السبب، وهو تذكير الضمير، فراجع أقوالهم، كابن كثير، وابن روزبهان، بل وابن تيمية، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع النساء فقط.
وبعبارة أُخرى: إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط بمقتضى السياق، وكان قولهم تخلّصاً وتملّصاً من ورود الإشكال عليهم، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال، سوى هذا الإدعاء، ولم يستندوا فيه إلى حديث، أو قول لغويّ، أو دليل عقليّ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، ورددناه وأثبتنا بطلانه! فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده فقط معهن؟
ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا، لماذا أدخل الله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هنا في هذه الآية بالخصوص، ولم يدخله في الآيات الأُخر، التي جاء فيها الضمير مؤنّث، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا، لما فيها من ظاهر الضمير، وظاهر التهديد والوعيد، المبرأ عنه الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط، فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.
الرابع: فإذا قالوا: أدخله في هذه الآية فقط، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.
قلنا: إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط، وإنّما دخل معهن غيرهن، بمقتضى تذكير الضمير، وأنّ الإعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.
وعليه؛ فإذا كنّا نحن والآية فقط، نضيف: أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر، فما هو دليلكم على دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، فلعلّ معه غيره.
وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء، وهذا عود من البدء، وهو دور صريح.
فلا يبقى إلاّ الإعتماد على قرينة من داخل الآية، وهو المعنى المراد من أهل البيت(عليهم السلام)، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً، ومنها مدّعاكم، وقد رددناه بما لا مزيد عليه، بل إنّ القرينة (الداخلية) في الآية تخرج النساء أصلاً، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد وإحتمال صدور المعصية منهن، أو الإعتماد على قرينة من خارج الآية من سُنّة أو لغة، وهي معنا كما عرفت سابقاً.







تعليق على الجواب (1)
في جوابكم ذكرتم: ((وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود وأنّه هو المنزل , بل أنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة. وغيرها)).
هل معنى هذا الكلام إنّه تمّ اللعب بترتيب الآيات في القرآن؟
الجواب:

سوف يأتي في إجاباتنا في قسم (القرآن وعلومه) من الأسئلة العقائدية رأينا، أننا نؤمن بترتيب آيات السور في الجملة كما هي موجودة في القرآن الكريم, ولكن لا نقطع بذلك على نحو الكلّية، بحيث نجزم أن كلّ آية قد وضعت في مكانها الصحيح, ولذلك احتملنا أنّ آية التطهير قد أقحمت بين آيات النساء في سورة الأحزاب لوجود دواعي لذلك, وهو واضح من محاولة الاستدلال بالسياق في هذه الآية على الرغم من ورود سبب للنزول صريح بحصرها في الخمسة أصحاب الكساء والنصّ على نزولها لوحدها منفردة دون أي علاقة لها بآيات النساء التي قبلها وبعدها, فهي تنزل مع تلك الآيات التي تتحدث مع نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وضمير المخاطب فيها مذكّر لا يشبه ما قبلها ولا ما بعدها.
فكتبت في المصحف جزءاً من آية, وليست آية كاملة, وأُقحمت كجملة معترضة بين الآيات التي تحذر نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) , وتأمرهنّ وتنهاهنّ، كلّ ذلك ليدّعى أنّها في سياق الكلام مع النساء لتكون نازلة في النساء, مع عدم وجود رواية واحدة ولو ضعيفة بأنّها نزلت في النساء, أو أنّ لها علاقة بالنساء, أو دخول النساء فيها, أو ادعاء أحدى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدخولها وشمولها في آية التطهير, أو نزول آية التطهير فيها!!
فمع كلّ ذلك يدّعى دخولهنّ, ويدّعى أنّ السياق يقتضي ذلك، مع أنّ السياق ليس حجّة دائماً خصوصاً مع وجود قرينة, أو دليل على إرادة خلاف السياق, أو الدلالة على معنى لا علاقة له بالسياق، كما هو حاصل هنا.
مع وجود شواهد كثيرة في القرآن تنفي حجّية السياق، كقوله تعالى: (( حُرِّمَت عَلَيكُمُ المَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللّهِ بِهِ وَالمُنخَنِقَةُ وَالمَوقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيتُم وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَستَقسِمُوا بِالأَزلاَمِ ذَلِكُم فِسقٌ اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلاَ تَخشَوهُم وَاخشَونِ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضطُرَّ فِي مَخمَصَةٍ غَيرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) (المائدة:3).
فما قبل آية (إكمال الدين) وما بعدها يتكلم عن محرمات وذبائح وصيد واستقسام بالأزلام, وهي أمور محرمة منذ بداية الإسلام في مكة, وآية إكمال الدين نزلت منفردة في حجّة الوداع في غدير خم, (أو في عرفة على قول)، مع كونها في القرآن الآن في ضمن آية المحرمات التي لا علاقة لها بها, وأمثال هذه الآيات كثيرة تطلب في مظانها، من التنقل بين الموضوعات في السياق الواحد, أو الإضراب عن الموضوع فجأة, أو الإعتراض بجملة اعتراضية في أثناء آية واحدة أو سياق واحد، كما هو الشأن في آية التطهير, وآية إكمال الدين وغيرهما كثير.
ولذلك لا يمكن جعل السياق دليلاً مطلقاً دون قيد, أو شرط, أو تخصيص, أو إستثناء، أي على نحو القاعدة الكلّية.
وبالجملة: إنّما يستدل, أو يستأنس, أو يستفاد من السياق عند غياب الدليل, أو القرينة على عدم نقضه بشيء كما قدمنا في آيتي التطهير وإكمال الدين وغيرها.
والإنتقال من موضوع إلى موضوع أسلوب موجود في القرآن الكريم لوجود مناسبة ما, أو حكمة معينة تجعل إقحام بعض الآيات في سياق موضوع آخر لعلاقة ما، قد ندركها وقد لا ندركها, فلا يمكن بعد هذا الاحتجاج بالسياق لتفسير آية مع وجود أدلّة على عدم حجّية السياق هناك.