المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الارادة الالهية بإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصة


الشيخ عباس محمد
22-08-2015, 07:45 PM
الارادة الالهية بإذهاب الرجس عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصة
إذا قال شخص: إنّ (إنّما) تحصر - فقط سبب الإرادة - في إذهاب الرجس، بحيث يكون معنى الآية: إنّ سبب إرادة الله هو لمنفعة الناس لا لمنفعته هو عزّ وجلّ..
لا أنّ (إنّما) - أيضاً تحصر- المخاطبين بآل البيت فقط... ممّا يجعل الإرادة لهم ولعامة الناس، فيجعل المراد بها الإرادة التشريعية! فما هو الرد؟
وإذا قال: إنّ هناك أحكاماً خاصّة لبعض الناس دون بعض، مثل زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيحرم عليهن الزواج بأيّ رجل بعد زوجهن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), بينما لا يحرم ذلك على باقي النساء.. ممّا يبطل قولنا: أنّ التشريع لا يمكن أن يكون خاصاً!
فما هو الرد؟
الجواب:

إنّ هذا الإشكال طرح من قبل الفخر الرازي في تفسيره ولكن ليس بهذا الشكل.
فقد قال: (( (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الاحزاب:33)، يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله، ولا تنفعن الله فيما تأتين به، وإنّما نفعه لكُنّ، وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن))(1).
فهو كأنّما قد خصّ الآية بنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فجعلها تعليلاً لما جاء من أوامر ونواهي سابقة عليها تخص النساء، وهذا فيه ما فيه، أقلّه عدم تفسير إبدال الضمير في (عليكم) من التأنيث إلى التذكير! فإنّ الآية لا يمكن أن تختص بالنساء فقط لمكان (عليكم)، فلا بد أن يكون الخطاب في الآية لهنّ وغيرهن أو لغيرهن خاصّة.
فإذا قلنا: إنّ المراد بإذهاب الرجس مجرد التقوى والإلتزام بالأوامر الألهية وإجتناب النواهي، وإنّ المعنى هو كما ذكره الرازي، بأنّ الله لا ينتفع من توجيهه هذه التكاليف لكُنّ، وإنّما نفعه عائد إليكنّ، سوف لا يتفق ولا يتلاءم مع المعنيين الذين فرضناهما لأهل البيت! إذ أنّه يعم جميع المسلمين كما لا يخفى، فإنّ الله يريد منهم بالأوامر والنواهي منفعتهم لا منفعته ولا يبقى معنى للإختصاص بأهل البيت بكلمة (( إِنَّمَا )) في الآية، فلم يبقى ألاّ أن نقول أنّ المراد بإذهاب الرجس هو العصمة، ولا يكون المراد بأهل البيت سوى غير النساء لأنهن غير معصومات بالإتفاق، فيثبت المطلوب.
ثم إنّ هذا المستشكل لمّا رأى أدلة الشيعة على عدم نزول الآية في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأدلّتهم على كون الإرادة في الآية تكوينية لا تشريعية لظهور (( إِنَّمَا )) في الإختصاص، حاول تطوير استدلال الفخر الرازي وطرحه بأسلوب آخر على أنّه إشكال جديد، وذلك بإبدال كون المنفعة في كلام الرازي من كونها راجعة إلى النساء وجعلها راجعة إلى عموم المسلمين، ونسي أنّ الأساس في قول الرازي هو بناءه على أنّ الإرادة في الآية تشريعية لا تكوينية، وبالتالي الإضطرار لجعل مصب الآية التعليل لا التأسيس.
وعلى كلّ نقول:
أولاً: إنّ الآية تصدرت بـ(( إِنَّمَا )) وهي كما نقل أهل اللغة من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية، وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه، كقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي)، والمعنى ما يدافع عن أحسابهم إلاّ أنا أو مثلي(2).
فيكون معنى الآية: ما يريد الله إذهاب الرجس إلاّ عنكم أهل البيت. فعليه يكون في الآية قصران: حصر الإرادة الالهية بإذهاب الرجس، وقصرها على أهل البيت(عليهم السلام) خاصّة.
فما قاله المستشكل أنّها تحصر سبب الإرادة فقط وهو كونها لمنفعة الناس غير صحيح، لأنّ في الآية قصران لا قصر واحد. وهو خلاف الظاهر جداً.
ثانياً: إنّ من قال (الفخر الرازي) بأنّ الآية تعليلية، أُلزم بذلك، بعد أن بنى على أنّها نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط لورود الخطاب لهنّ في الآيات السابقة، ولا نعلم من أين جاء ذكر الناس كلّهم في الآيات حتى يدّعي هذا المدعي حصر الإرادة بالتبع لهم؟! فهذا أجنبي وبعيد عن مراد الآية، والآيات الأخرى أيضاً ولا دخل للناس أو المسلمين بها، وإنّما الأمر يدور على أقصى الإحتمال في تفسير أهل البيت بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع آخرين، أو الأخرين غير النساء فقط.
ثالثاً: إذا كانت إرادته تعالى لمنفعة الناس، فلماذا حصر إرادة التطهير بأهل البيت(عليهم السلام) فقط، بإيراد (( إِنَّمَا )) في أوّل الآية؟ ونحن نعلم بشكل كلّي؛ أنّ لا نفع ولا فائدة ترفع لله سبحانه وتعالى من خلق الكون وعالم الممكنات كلّه، لا فقط إرادة التطهير وإذهاب الرجس، سواء قلنا أنّها عامّة لكلّ الناس أم خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام)، لأنّه لا يطلب النفع إلاّ من فيه جهة من جهات النقص يريد إكمالها، ونعوذ بالله جلّ جلاله من نسبة ذلك لله.
رابعاً: نحن لا ننكر أنّ هناك أحكاماً خاصّة بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن نقول:
إنّ إرادة الله التشريعية بالتطهير عامّة لكلّ المسلمين بلا جدال، فلا وجه لتخصيصها وحصرها هنا بأهل البيت(عليهم السلام)، إلاّ إذا كان للإرادة معنى آخر هو الإرادة التكوينية التي لا يتخلف المراد منها.
ثم إنّ هناك طريقاً آخر لا مجال للتفصيل فيه هنا، ولكن لا بأس بالإشارة إليه، وهو: لو سلمنا أنّ هذه الإرادة خاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) وأنّها من التكاليف الخاصّة، فما هو السبب لهذا الإختصاص؟ إذ لابد من ميزة لهم في ذلك. والتأمل في هذه الميزة يقرب لك قولنا.


(1) التفسير الكبير 25: 209 قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً)).
(2) لسان العرب 13: 31 مادة (أنن).