المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شؤون الفتيات


الشيخ عباس محمد
22-08-2015, 11:03 PM
شؤون الفتيات

أوّلاً ـ الأُنثى كالذّكر:
أنتِ أختُ أخيك.. لا فضل له عليك ولا فضل لكِ عليه.. بل الفضل فيما يحمله كلّ منكما من علم وعمل وأخلاق والتزام ديني. فالله الذي خلق الإنسان من ذكر ومن أنثى قد ساوى بينهما في المسـؤولية وإن فرّق بينهما في طبيعة الخـلق، حيث جعل كلّ جنس ميسّراً لما خلق به، وبالتالي فـ «قيمةُ كلّ إمرئ ما يُحسنه».
وأمّا قوله تعالى: (وليسَ الذَّكرُ كالأُنثى)(آل عمران/ 36)، فليس تمييزاً جنسياً أو تفضيلاً خلقياً لأحد الجنسين على الآخر، بل وارد في خصوصية الخدمة في بيت المقدّس التي كانت للذكور دون الأناث.
وأمّا قوله تعالى: (الرِّجال قوّامون على النِّساء بما فضّل اللهُ بَعضهم على بعض) (النساء/ 34)، فالقوامة هي مسؤولية الحماية والرعاية، وليست السيادة والتفوّق والهيمنة. أي أنّ الله سبحانه وتعالى حمّل كلّ جنس ما يحتمله من تكاليف ومهام بحسب القدرات التي منحه إيّاها.
فالقوامة أيضاً ليست تفضيلاً، وإنّما هي وضع كلّ جنس في الموقع المناسب. وليس من الصحيح إجراء مقارنة بين الرجال والنساء في اللياقة البدنية والقوّة العضلية أو القيام بالأشغال الشاقّة، وإنّما تصحّ المقارنة في ذلك بين رجل ورجل وبين إمرأة وإمرأة، فالفعل (فضّل) يعني بما وهب كلاً منهما من امتيازات أو مواصفات تتناسب وطبيعة جنسه.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: (وللرِّجال عليهنَّ دَرجة) (البقرة/ 228)، فهو وارد في مجال الإنفاق والطلاق. وهي درجة محدودة من أجل النظام الأسري، وليس فرصة للتعالي والتطاول والتفاضل، وإلاّ فمعيار المفاضلة هو (التقوى): (إنّ أكرمَكُم عِندَ الله أتقاكُم)(الحجرات/ 13).
وما عدا ذلك.. فأنتِ كفتاة مسؤولة كما أنّ أخاك الشاب مسؤول.. والعبادات مفروضة عليكِ كما هي مفروضة عليه.. والعقوبات على المخالفات الشرعية تقع عليه كما تقع عليك.
وإذا كان الجهاد ـ أي القتال في ساحات الحرب ـ قد سقط عنكِ وتحمّله أخوك الشـاب، فإنّ لك ساحتك التي تجاهدين عليها، وهي رعاية شـؤون الأسرة زوجةً وأولاداً «جهادُ المرأة حسنُ التبـعّل» وهي ساحة جهاد أكبر وأطول.
وفوق هذا وذاك، فالجنّـة للنساء وللرجال معاً.. والنار للرجال وللنساء معاً.
فلا تصدّقي مَن يقول إنّك أقلّ من أخيك أو أصغر شأناً منه.
أنت كما هو.. بل كم من الفتيات من يفقن أقرانهنّ من الشبان في وعي وفي خُلق وعمل وذكاء وإبداع وحسن تدبير.
الذكورة ليست ميزة أو فضيلة حتى تتمنين لو كنتِ ذكراً.
والأنوثة ليست مثلبة أو انتقاصاً حتى تتمنين لو لم تكوني أنثى.
والله لا يحاسبنا يوم الحساب على الجنس، وإنّما بما كلّف كلاًّ منّا، وبما أحسن كلٌّ منّا (ليبلوكم أيّكم أحسنُ عَملا)(هود/ 7).
وهذا هو تأريخ المرأة قبل الإسلام وبعده نقّلي بصرك فيه وسترين كيف أنّه يثبت أنّك أخت الرجل وقرينته وقد فُقتهِ في بعض المجالات. فعقلكِ مثلُ عقله.. وإرادتك مثل إرادته.. ووعيك مثل وعيه، وإنّما هي الظروف المحيطة قد ترفع هذا وتضع تلك.
وأيّ صورة مغايرة لهذه الصورة هي إمّا ليست إسلامية، أو عدوانية متجنّية.. أو مفروضة تفرزها طبيعة الواقع الذكوري.
ومن المشهود به، أنّ المرأة ومن خلال كفاحها الطويل، بدّدت النظرة السلبية عنها في العديد من الإبداعات والإنجازات التي تُذكر فتُشكر.

ثانياً ـ نظرات خاطئة:
تقرأين في الحِكَم والأمثال والأقوال الكثير من التصوّرات الخاطئة عن المرأة، والتي جاء بعضها كنتيجة طبيعية للتعامل السلبي الطويل مع المرأة.
وقد تركت هذه التصورات آثارها النفسية والاجتماعية السيِّئة على الكثير من الفتيات والنِّساء، وقد جرى التعامل معها ـ من قبلهنّ ـ على أساس أنّها أقوال مقدّسة لا تقبل النقض أو التأويل.
والغريـب في الأمر، أنّ المرأة هي حلم الرجل وأنسه ومودّته ورحمته التي رحمه الله بها، وقد يصل الأمر به إلى أن يقتل نفسه أو يقتل غيره إن لم يفز بالمرأة التي يحبّ. فمن أين جاء هذا التناقض بين (حبّ) الرجل للمرأة وبين (عداوته) لها؟
إنّ للتربية الأسرية والخلفية الثقافية، والجوّ الاجتماعي ـ أعرافاً وتقاليد ـ والأفكار التي ينشأ عليها الفتى أو الشاب منذ طفولته هي التي تشترك في تكوين نظرته عن الجنس الآخر.
ومن تلك النظرات، قولهم «النساء حبائل الشيطان» و «المرأة باب الجحيم». وهو تبرير ذكوري لحالة الإسترسال مع الشهوات وضعف الإرادة، وتعليق لكلّ حالة انحراف يقوم بها الشاب أو الرجل على شماعة النساء.
وإلاّ فالرجال أيضاً حبائل الشيطان بما يفعلون من ألوان الإغواء والإغراء والإستدراج لإيقاع الفتيات والنساء في شباكهم، ذلك أنّ دور الرجل ليس دور المتلقّي السلبي حتى يلقي تبعة انحرافاته على كاهل المرأة، بل هو مشارك فاعل، بل ودافع لها أحياناً على الإنحراف.
إنّ الله زين حبّ الشهوات من النساء، وقد أحلّ للشبان والرجال اتباع غرائزهم بالحلال عن طريق الزواج. وإذا ما تزوّج المرء فقد أحرز نصف دينه ـ حسب الحديث المروي ـ وهذا يعني أنّ المرأة عاصمة للرجل وواقية له من الانحراف ومن تسويلات الشيطان في الفحشاء والمنكر.
وكما ابتلى الله الرجال والنساء معاً بالامتناع عن الخمر ولحم الخنزير والميتة والقمار، فمن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فقد وقع في حبائل الشيطان، لأنّه عطّل إرادته وتقواه، فكذلك الزنا.. حتى ليمكن القول إنّ حبائل الشيطان هي من صناعة المرأة والرجل معاً، فلم تتحمّل المرأة فقط مسؤولية نسج خيوط هذه الشبكة ويعفى منها الرجل؟!
ومن ذلك قولهم: «مَن كانت له إمرأة كان له عدوّ» كما كانت امرأة نوح عدوّة لزوجها. ولكن في الرجال أيضاً مَن هم أعداء لأزواجهم، ألم يكن فرعون عدوّاً لزوجته المؤمنة آسية بنت مزاحم؟
وإذا كانت الأحاديث الشريفة تتحدّث عن أنّ المرأة الصالحة درع حصينة من النار، فإنّها الصديق الصدوق والمخلص الوفي إن هي حظيت بثقة الرجل وتقديره وإحترامه، وإذا كان الخالق سبحانه وتعالى قد أودع في المرأة والرجل المودّة والرّحمة (ومِن آياتهِ أن خلقَ لكُم مِن أنفُسكم أزواجاً لِتَسكنوا إليها وجَعلَ بَينكُم مودّة ورَحمة )(الروم/ 21)، فمن أين جاءت العداوة والله هو الذي جعل العلاقة بين الزوجين تقوم على ركائز الكبيرة (السكن) و(المودّة) و(الرّحمة)؟
ما ذاك إلاّ نتاج التربية السيِّئة والمحيط الفاسد، والأعراف العقيمة، فإذا كانت بعض النِّساء عدوّات لأزواجهنّ فليس معنى ذلك أنّ كلّ امرأة هي عـدوّ لزوجها وإلاّ لما استقامت الحياة الزوجية، ولما عمّر بعضها عمراً طويلاً!
ومن ذلك قولهم: «مَن يثق بالنساء يكتب على الثلج». وهذا دليل آخر على بعض التجارب الفاشلة مع المرأة، والتي للمرأة تجارب مثلها مع الرجال، حتى قيل إنّ التي تثق برجل تكون كمن يضع الماء في الغربال.
فالثقة ـ أيّة ثقة ـ لا تبنى إلاّ على طرفين، فحتى أثق بكِ لابدّ أن تثقي بي، وإذا وثق كلٌّ منّا بالآخر توطّدت العلاقة المبنية على الثقة وتعذّر تقوّضها.
ومن هذا القول نشمّ رائحة تخوين المرأة على الدوام، وأ نّها ليست أهلاً للأمانة والثقة، والحال أنّ الكثير من النساء العفيفات الشريفات المؤمنات كنّ على مستوى من الثقة ما لا تقاس به ثقة بعض الرجال. فالثقة، وغيرها من الأخلاق والصفات، لا جنسيّة لها، أي أنّها ليست حكراً على الشاب دون الفتاة أو الرجل دون المرأة.
ومن ذلك قولهم: «ذلّ قوم أسندوا أمرهم إلى إمرأة» وهذا يتناقض تناقضاً صريحاً مع ما جاء في القرآن الكريم من تقييم صورة (بلقيس) ملكة سبأ على أنّها المرأة القائدة القديرة والواعية البصيرة التي تحكم برجاحة عقل حتى أنّ الرجال الذين استشارتهم أوكلوا الأمر إليها في البت في الموضوع الذي استشارتهم فيه، وقد عزّوا بموقفها ولم يذلّوا.
وكم نلاحظ اليـوم في مخـتلف مواقع وحقول العمـل من النساء المديرات القديرات والقائدات الزعيمات ذوات الحنكة في تسيير أمور العمل وشؤون السلطة وتولِّي المناصب الحسّاسة، فـ (بلقيس) ليست مثالاً نادراً أو أوحداً، لكنّها المثال الذي يدحض ما يذهب إليه بعض الرجال.
ومن ذلك قولهم: «للنساء فساتين طويلة وأفكار قصيرة»، أو «المرأة شعرها طويل وفكرها قصير». فهؤلاء يتحدّثون عن نقصان في عقل المرأة، وذلك في عملية تمييز جنسي مقيتة بين عقل ذكوري راجح وعقل أنثوي قاصر.
وقد أثبت العلم أنّ عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل في شيء، كما أثبتت التجارب أنّ عقول بعض النساء أرجح من عقول بعض الرجال، عندما تمنح للفتيات أو النساء الفرص المتكافئة في التعليم والتربية والعمل.
فالمرأة التي تعيش في أجواء الإهمال والتهميش والانتقاص والكبت والحرمان والشعور بالدونيّة، كما هو الرجل الذي يعيش في هذه الأجواء المثبطة، لا يكونان إلاّ عنصرين خاملين سلبيين لا يأتي منهما أيّ خير.. والعكس صحيح.
إنّ هذه الأقوال، وغيرها في ثقافتنا الشعبية الكثير، تشكّل ثقافة مريضة، ولا يصحّ إطلاقاً أن نعمِّم التجارب الفاشلة لتصبح هي القاعدة التي نقيس بها وعليها كلّ إمرأة.
إنّ من مسؤولية كلّ فتاة واعية ومثقفة أن تكافح هذه النظرات السلبية على المستويين النظري والعملي، وأن تربِّي بناتها في المستقبل على الإحساس بكرامتهنّ ورفضهنّ لكلّ ما يسيء إلى هذه الكرامة أو ينتقص منها.
غير أنّ الفتاة لا تعدم في قبال هذه النظرات الجائرة، نظرات إنسانية منصفة، لابدّ لها أن تتربّى عليها، وأن تربِّي بناتها عليها أيضاً.
فمن ذلك قولهم: «النساء شقائق الرجال».
ومن ذلك قولهم: «إنّ وراء كلّ عظيم إمرأة».
ومن ذلك قولهم: «إنّ المرأة الفاضلة التي تهزّ المهد بيد وتهزّ العالم باليد الأخرى».
ومن ذلك قولهم: «كنوز العالم بأسرها لا توازي المرأة الفاضلة».
ومن ذلك قولهم: «المهر الحقيقي هو في الفتاة نفسها.
ومن ذلك قولهم: «المرأة الشريفة والجميلة، هي شريفة مرّتين».
ومن ذلك قولهم: «مَن كانت له إمراة صالحة رزق خير الدنيا والآخرة».
ومنه: «ما أكرم المرأة إلاّ كريم وما أهانها إلاّ لئيم».
ومنه: «المرأة الصالحة درع حصينة من النار».
ومنه: «البنات حسنات».
وغيره كثير.

ثالثاً ـ الحياء والخجل:
حباكِ اللهُ حليةً لا أحلى ولا أجمل.. تلك هي (الحياء).
فمهما كنتِ تمتلكين من صفات الجمال فإنّ ما يزين هذا الجمال ويزيد في تألّقه هو هذا الحياء الذي يرفع من شأنك بين قريناتكِ من الفتيات، وبين الشبّان الذين يقدّرون قيمة الحياء.
فـ «الحياء من الإيمان» لأنّه يميِّز بين الفتاة الملتزمة بدينها، وتلك التي لا تكترث للقيم الدينية والفضائل الخلقية. وإذا ما سقط برقع الحياء أو تمزّق أو ضعف، تحولت الفتاة من إنسانة محترمة إلى (دمية) وعرضة لتلاعب المتلاعبين وغرضاً لسهام الطامعين.
إنّ الحياء أجمل الزينة.. وهو جلباب لا يبلى.. وحسنٌ لا يتغيّر.. «ومَن كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه». وهو الذي يغذِّي نبتة العفاف في نفس الفتاة لتؤتي أكلها كلّ حين.
والحياء ـ على عكس الخجل ـ لايناقض الحزم والإرادة، فهو قوّة أخلاقية لها هيبتها، وجاذبية لا تعرف قدرها المتبرّجات.
غير إنّك لابدّ أن تميِّزي بين ما هو (حياء) وما هو (خجل).
كوني حيّية.. ولكن لا تكوني خجولة .
إنّ الكثير من الفتيات يخلطن بين الأمرين.. وقد يعتبرن الحياء مذموماً، أو عقدة تثير الشعور بالنقص، وهنّ في حقيقة الأمر يعانين من وطأة الشعور بالخجل، الذي هو شعور يدفع إلى التواري والإنعزال والإنطوائية، بل ويعتبر في مجال الصحّة النفسية مرضاً يعاني منه حتى بعض الشبّان، ولكنّ انتشاره بين الفتيات أكثر، لا سيما اللواتي نشأن تنشئة صارمة.
فالخجل راجع في العديد من حالاته إلى التربية الأولى للفتاة، ولكنّ التخلّص منه ممكن إذا قاومته الفتاة بمزيد من طلب العلم والعمل وزرع الثقة بالنفس من خلال نقاط القوّة التي تمتلكها أيّة فتاة.
أدرسي أسباب خجلك لتعالجيه من خلالها، فعلماء النفس يقولون إنّ النحول والهزال الزائد ينزعان بصاحبهما إلى نوع من الخجل، والحسّاسية الزائدة وسرعة الإنفعال والهروب من النقد، وعدم القدرة على مواجهة الواقـع، بل حتى المراهقة نفسها تعدّ أسـباباً للتردّد والجمود والخجل، وكلّها أسباب قابلة للعلاج.
تذكّري أنّ عزيمتك تقوى مع الأيام، وحاولي أن تتجاوزي بسرعة حالات الإرتباك والإحراج.. كوني على سجيّتك.. إعتبري الخطأ أو الإشتباه أمراً طبيعياً فصدوره محتمل حتى من أقوى الشخصيات.. واطرحي رأيك حتى ولو كان ضعيفاً أو غير مقبول وقولي: هذا هو رأيي.. أو لكلّ شخص رأيه.. أشكركم على ملاحظاتكم.. وعدي بأن تتحسّني.. اختاري من الكلمات أبسطها وأوضحها.. شاركي في الدعابات.. كوني مستمعة جيِّدة.. ومبادرة جيِّدة، ومشاركة في الأعمال الإجتماعية بلا تردد واطرحي رداء الخجل.. وإذا هبتِ أمراً فقعي فيه فإنّ شدّة توقّيه أعظم مما تخافين منه.

رابعاً ـ العاطفة رأسمال حقيقي:
تمتازين بعاطفة جيّاشة.. وهذه هبة من الله لكلّ فتاة منذ طفولتها، ففي قلبك دفء مكنون.. يحتاجه أمّك وأبوك لتضفي على حياتهما أنساً مشعّاً معطّراً، ويحتاجه إخوانك في تعاملك الرفيق والرقيق معهم.. ويحتاجه زوجك في المستقبل لتسبغي جوّاً من الحبّ والسعادة على حياتكما المشتركة.. ويحتاجه أولادك في حنان فيّاض يفيئون إليه كلّما أصابهم مكروه أو وقعوا في مأزق أو مشكلة أو فشل.
العاطفة عندكِ إذاً نعمة، وليست عيباً فـ «مَن لان عوده كثفت أغصانه».
قد يقولون عنكِ إنّك فتاة عاطفية.. لا بأس .
إنّ العاطفة لطف وخير وبركة. وإنّ جفافها بما يظهر من قسوة وجفاء وتكبّر وتعال وظلم.. بؤسٌ وشقاء.
إنّك بما تحملين من رهافة الوجدان ورقّة المشاعر ومرونة التعامل وحرارة العاطفة تحيلين الحياة من حولك إلى جنّة وارفة الظلال.
وللعاطفة بعد ذلك مجالات استثمار أخرى، منها:
- إنّ العاطفة تنفعك في بناء شخصيتك الإيمانية، فللعاطفة تأثير كبير في الجانب الروحي لدى الإنسان، وكلّما رقّت المشاعر ورهفت الأحاسيس وصفا الوجدان نبتت أشجار الإيمان وتكاثفت أغصانها وأوراقها.
- وهي كذلك تفيد في الحبّ الذي تغمرين به بيت الزوجية.
- وفي التأثير التربوي على أولادك وبناتك في مستقبل الأيام حيث يجدون فيك ما يمتصّ أحزانهم، والصدر الذي يحنو عليهم، والحاجة الدائمة إلى دعائك لهم بالتوفيق والنجاح.
- وفي ممارسة أعمال البرّ والخير والإحسان والشعور بمشاعر الآخرين والمشاركة الوجدانية.
- بل وفي توظيف ما تتمتعين به من خيال خصب وعاطفة رقيقة دافئة في مجال الإبداع الأدبي والفني شعراً ونثراً ورسماً وفنوناً جميلة أخرى.
فالكتابة علاوة على أنّها تعبير عن الإبداع، تجنّب الذات حالات التسمّم والإختناق والتشنّج مما يعتريها من حزن أو كآبة أو تأزّم أو إضطراب، فيأتي سكب الخواطر والذكريات والقصص والإنطباعات على الورق بمثابة المهدِّئ والمنفِّس عن ذلك كلّه.
تقول إحدى الفتيات عن دفتر مذكراتها: "إنّني ألجا إلى الأوتوجراف لأبوح عمّا أفكِّر فيه وأتمنّاه.. لأجد ذاتي.. فأنا لا أستطيع الإنفتاح مع أهلي أو البوح لهم بأحلامي وأمانيّ.. والبديل أوتوجرافي وكلمات صديقاتي"!
ومع أنّنا لا نريد لدفتر الذكريات أن يكون بديلاً عن الإنفتاح على الأهل لأنّهم أقرب الناس إلينا.. يفرحهم ما يفرحنا.. ويحزنهم ما يحزننا، لكنّ هذه الكلمات تعبِّر عن أنّ دفتر المذكرات وأمثاله من دفاتر الأشعار والخواطر والوصف والمقالات يمثِّل بعض عالم الفتيات الخاص، وهو بالتأكيد أفضل من أن تدفن الفتاة رأسها في رمال الكآبة، والإستغراق في الخيالات المريضة والتي تصل أحياناً إلى درجة الرغبة في التخلّص من الحياة.
إنّ الجمع بين الرهافة والنعومة وقوّة الإرادة ممكن، فليس إعتبارك من الجنس اللطيف أو الناعم يتعارض أو يتنافس مع إمتلاكك للإرادة الصلبة، بل هو مطلوب في الكثير من مواقف حياتك الحاضرة والمستقبلة، فكم من أمّ مدّت إبنها أو إبنتها – وهما في حالة إنهيار – بالثبات والتماسك، ولم لم تكن ذات إرادة قويّة لما تمكنت من ذلك، فـ "فاقد الشيء لا يعطيه".

خامساً ـ تجربةُ أُمّي:
لا شكّ أنّ تأثّر الفتاة بأمّها كبير لدرجة أن تصبح بعض الفتيات نسخة طبق الأصل من أمّهاتهنّ.
إنّ تأثّرك بأمّك له جانبان:
إيجابي، فأنتِ تعيشين معها تجربة حيّة يومية في كيفية إدارة المنزل وإسعاد الزوج وتربية الأولاد، ومواجهة متطلبات ومشاكل الحياة.
وإذا كنتِ تحظين بأمّ مؤمنة صالحة ومثقّفة رشيدة وصاحبة تجربة غنيّة في الحياة، فذلك مما سيدرّ عليك ربحاً كثيراً في إغناء شخصيتك، مما يجعلها نموذجك الذي تحتذين به، ويبقى عليك تطويره وتفادي نقاط ضعفه وثغراته.
فالعلاقة التي تربط الفتاة بأمّها متينة جدّاً، وهي في الغالب حافظة أسرارها، وهذه العلاقة مرشحة إلى النموّ باستمرار خاصّة إذا نشأت الثقة بينك وبين أمّك في أجواء التفاهم والحوار، فلا تكتمين عنها ما يعترض حياتك من مواقف صعبة، أو مشكلات نفسية وإجتماعية وعائلية وعاطفية، وتقبّلي بصدر رحب ما تقدِّم لك من نصائح ومواعظ، فليس هناك في صديقاتك مَن هي أحرص من أمّك عليك، وليس فيهنّ مَن هي أوفى وأخلص لك منها.
وإذا كانت أمّك لم تتلقّ تربية وتعليماً كافيين، فلربّما كانت لديها تجربتها الحياتية الغنيّة التي يمكن أن تستفيدي منها، فكم من النساء القليلات الثقافة قد أوتين حسّاً اجتماعياً مرهفاً بحيث تتمكّن من إعداد جيل من البنين والبنات فاقوا في مجال الدراسة والعمل أقرانهم.
وأمّا الجانب السلبي، فأن تكوني ضعيفة الشخصية متّكلة على أمّك في كلّ شيء حتى في مسائلك الشخصية الصغيرة، فإذا أردت كيّ الملابس فهي التي تفعل لكِ ذلك، وإذا أردت تنظيف غرفتك وترتيبها فهي التي تقوم ذلك بالنيابة عنك.. وإذا أردتِ إصلاح فستان أو جورب فهي التي تتولّ ذلك.. وما إلى ذلك هناك من شؤون يمكن أن تقومي بها بنفسك، فتثري تجربتك، باعتبار أنّك ستكونين مثلها مسؤولة عن بيت وزوج وأولاد، فما أجدرك أن تكوني رفيقتها ومعاونتها في الشؤون المنزلية منذ الآن.
لا تفرحي بكونك فتاة مدلّلة.. فالدلال مفسد في كثير من حالاته.. وقد ترى الأم الحكيمة التي تنظر بعيداً أن توزِّع أعمال البيت بينها وبين إبنتها أو بناتها لإدخالهنّ في دورة تدريبية مجانية. وحتى لو لم تفعل أمّك ذلك أطلبي أنتِ منها ذلك.. شاركيها في أعمال البيت وخدماته بل حتى في معالجة مشاكله.. كوني علامة الوصل التي تربط بينها وبين أبيك إذا اختلفا.. خفِّفي عنها بعض أثقالها في تربية وتعليم ورعاية إخوانك وأخواتك الصغار، ذلك أنّ عاطفة الأمومة لا تنمو غريزياً فقط بل تكتسب إكتساباً أيضاً، فحسب إحدى الإحصائيات أنّ (30) ألف طفل تقتلهم أمّهاتهم في أميركا سنوياً، وثبت أنّ السيِّدات اللواتي يرتكبن مثل هذه الجرائم لم ينلن القسط الوافي من التربية على أيدي أمّهاتهنّ.
تعلّمي من الآن فنّ إدارة الحياة الأسرية من خير معلّمة.. وهي أمّك.. والحياة الزوجية من أوفى زوجة.. وهي أمّك.. والحياة التربوية من أفضل مربية.. وهي أمّك.. واضيفي عليه ما تقدِّمه لك الحياة العصرية من تعليم وثقافة وتجربة.
ـ وفي التأثير التربوي على أولادك وبناتك في مستقبل الأيام حيث يجدون فيك ما يمتصّ أحزانه، والصدر الذي يحنو عليهم، والحاجة الدائمة إلى دعائك لهم بالتوفيق والنجاح.
ـ وفي ممارسة أعمال البرّ والخير والإحسان التي تحتاج فيما تحتاج إليه العطف والشفقة والشعور بمشاعر الآخرين والمشاركة الوجدانية.
ـ بل وفي توظيف ما تتمتعين به من خيال خصب وعاطفة رقيقة دافئة في مجال الإبداع الأدبي والفني شعراً ونثراً ورسماً وفنوناً جميلة أخرى.
فالكتابة علاوة على أنّها تعبير عن الإبداع، تجنّب الذات حالات التسمّم والإختناق والتشنّج مما يعتريها من حزن أو كآبة أو تأزّم أو اضطراب، فيأتي سكب الخواطر والذكريات والقصص والانطباعات على الورق بمثابة المهدِّئ والمنفِّس عن ذلك كلّه.
تقول إحدى الفتـيات عن دفتر مذكراتها: «إنّني ألجـأ إلى الأوتوجراف لأبوح عمّا أفكِّر فيه وأتمنّاه.. لأجد ذاتي.. فأنا لا أستطيع الإنفتاح مع أهلي أو البوح لهم بأحلامي وأمانيّ.. والبديل أوتوجرافي وكلمات صديقاتي»!
ومع أنّنا لا نريد لدفتر الذكريات أن يكون بديلاً عن الانفتاح على الأهل لأ نّهم أقرب الناس إليـنا.. يفرحهم ما يفرحـنا.. ويحزنهم ما يحزننا، لكنّ هذه الكلمات تعبِّر عن أنّ دفتر المذكرات وأمثاله من دفاتر الأشعار والخواطر والوصف والمقالات يمثِّل بعض عالم الفتيات الخاص، وهو بالتأكيد أفضل من أن تدفن الفتاة رأسها في رمال الكآبة، والإستغراق في الخيالات المريضة والتي تصل أحياناً إلى درجة الرغبة في التخلّص من الحياة.
إنّ الجمع بين الرهافة والنعومة وقوّة الإرادة ممكن، فليس اعتبارك من الجنس اللطيف أو الناعم يتعارض أو يتنافس مع امتلاكك للإرادة الصلبة، بل هو مطلوب في الكثير من مواقف حياتك الحاضرة والمستقبلة، فكم من أمّ مدّت إبنها أو بنتها ـ وهما في حالة إنهيار ـ بالثبات والتماسك، ولو لم تكن ذات إرادة قويّة لما تمكنت من ذلك، فـ «فاقد الشيء لا يعطيه».

سادساً ـ الثرثرة:
قد يعتقد البعض أنّ النساء أو الفتيات يتصفن عموماً بالثرثرة.. وربّما كان ذلك بسبب ظروف القهر الذي تعرضن له فرحن ينفسن عن بعض همومهنّ وأوجاعهنّ بالكلام المجرّد.. وربّما اتّخذت الثرثرة صفة العادة المتوارثة، أو فرصة للسمر والترويج عن النفس بعد نهار مثقل بالمتاعب.
وأيّاً كان السبب، فإنّنا لا نحبّ لكِ كفتاة مثقّفة وواعية ومؤمنة ورشيدة أن تأكلي لحم الكلمات النيِّئ.. فإطلاق العنان للكلام يوقع في أضرار ومفاسد كثيرة، كالغيبة والبهتان والكذب والمبالغة والهزء بالآخرين، وهو تعبير ـ سواء عند الرجال أو النساء ـ عن فراغ، أو تعبئة للفراغ بالفراغ!
ولذلك نهت بعض الأحاديث عن أن يكون كلام المؤمن هذراً. فلقد جاء في الحديث: «ليقل أحدكم خيراً أو فليسكت». وهذا ما عبّر عنه أحد الشعراء بقوله:
الصّمتُ زينٌ والسّكوتُ سلامةٌ فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما إن ندمتُ على سكوتي مرّةً ولقد ندمتُ على الكلام مرارا
وليس هناك قاعدة يمكن اعتمادها عن كمّ الكلام وكمّ السكوت، فقد يكون السكوت في موضع الكلام مضرّاً، كما أنّ الكلام في موضع السكوت مضرّ، والتقدير متروك لنا، فالإعتدال حتى في الكلام محبّب.
كيف تبتعدين عن الثرثرة؟
- ابحثي عن صديقات هادئات وادعات يكرهن الكلام الكثير الذي لا فائدة ترجى منه، فالكلام الذي لا حاجة له ولا يغني شيئاً قد يكون ضرّه أكبر من نفعه، وقد يذهب مع الريح لكنّ تبعاته تبقى.
- ابتعدي ما أمكن عن أماكن الصخب والضجيج.. فالأماكن الهادئة تربِّي في النفس ملكة الهدوء والتأمّل والإقتصاد في الكلمات، والإقتصار على الضروري من الكلام، فلقد كان العرب قديماً يقولون للمتكلّم: «أوجز فأبلغ» أي اضغط كلماتك ولا تسهب بها. وقيل أيضاً: «الصمت أجمل حلية تتزيّن بها المرأة».
- تذكّري أنّ الفتيات الكثيرات الكلام غالباً ما يكنّ قليلات العمل.. فلا تزهدي بالوقت فتقطّعيه أو تقتليه بسكاكين الثرثرة والهذر، والكلام يجرّ الكلام، ففي الحديث: «وهل يكبّ الناس على مناخيرهم يوم القيامة سوى حصاد ألسنتهم».
يقول بعض المختصّين في الشؤون النفسية: «إنّ الحركات العفوية والتصرفات اللاّواعية والعادات التي تأصّلت ولم يبق عندك فيها يد، هي التي تضعف شخصية كلّ إنسان، إمرأة كان أو رجلاً، وهي التي تنزع عنك الصفات التي تحببك إلى الآخرين، وتجعلك محترماً عندهم».
- تأمّلي بين الحين والآخر في فتيات ثرثارات.. لا تتكلّمي معهنّ.. أنصتي فقط لما يقلن.. ستجدين الأحاديث المكرورة.. وربّما التافهة.. ومحاولات النّيـل من هذه وتلك.. والتنقلات السريعة بين مواضيع لا رابط بينها.. وقد لا تخرجين بمحصلة نافعة من كلامهنّ.. وتلك هي الثرثرة.. فهل تحبّين أن تكوني فرداً في القطيع أو عضواً في (الجوقة) أي تصبحين ثرثارة مثلهنّ؟!
- تذكّري دائماً قوله تعالى: (ما يلفظ مِن قول إلاّ لَدَيه رقيبٌ عتِيد) (ق/ 18).
إنّ الحاجة إلى السمر والأحاديث العفوية والدعابة ومجاذبة أطراف الحديث في بعض الشؤون الخاصّة والعامّة.. حاجة نفسية لإستفراغ بعض المتراكم في داخل صدورنا.. لكن تمضية الساعات الطويلة في الكلام الفارغ.. هو الثرثرة التي لا نريد لك أن توصفي بها.

سابعاً ـ حديث المرآة:
أقرب صديقة لأيّة فتاة هي المرآة.
تطول وقفاتها قبالتها.. تتطلّع فيها إلى جمالها ومحاسنها.. تسرِّح شعرها وتتأمّله.. كما تتأمل قوامها وهندامها وزينتها، وقد قيل في بعض الأمثال: «المرآة روح المرأة كما السيف روح المحارب».
ولن ينتهي حديث المرأة مع المرآة لا في صغر ولا في كبر.. فهي رفيقتها في البيت وفي السيارة وفي حقيبة اليد، بل وفي كلّ مكان ترى فيه وجهها حتى ولو كان سطحاً صقيلاً.
أمّا حديث المرآة إلى المرأة فنتمنّى عليك أن تسمعيه.
فقد لا تكون عيناك واسعتين.. لكن بإمكانك أن تتأمّلي بعدستيهما الكثير من عبر الحياة ودروسها ومحنها وامتحاناتها، وأن ترمي بنظراتهما إلى آفاق المستقبل، وأن تنظري بهما بعطف ولطف ورأفة إلى الصغار والكبار، وأن تغترفي بهما أنوار المعرفة.. ساعتها تأمّلي في المرآة.. وسترين أنّ لك عينين من أجمل العيون!
وقد لا يكون لك شعر طويل كثيف أسود أو أشقر.. لكنّكِ تحملين فوق رأسك تاجاً من الفضائل مرصّعاً بجواهر العفاف والنبل والسخاء ودفء العاطفة ورقّة الطبع.. قد لا يظهر تاجك المرصّع هذا في المرآة، لأ نّه غير مرئي.. لكنّ مرايا العيون تراه فتنبهر به!
وقد يكون حظّ وجهك من الجمال بسيطاً.. لكن ابتسامتك العذبة ونظراتك الحانيـة، وجبينك الوضّاء، وروحك الرقيقة الطافيـة على ملامحك، تعكس للمرآة وجهاً آخر.. كلّه إشراق!
وقد تبحثين عن أفضل كحل تكتحلين به.. لكنّ اكتحال عينيك بمرأى الرضا في عيون الناس عن أعمالك الصالحة لا يعدله كحل في جميع المكاحل المتوافرة في الأسواق!
وقد تسألين عن أروع أحمر شفاة تزينين به شفتيك، فلا تجدين كالإبتسامة الصافية التي تتدفق من شفتيك تدفّق الماء العذب من النبع الرقراق، ولا كالكلمات الطيِّبة التي تخرج منهما لتشيع الدفء والمحبّة والسلام من حولك!
إنّ لك جمالاً آخر لا تكشفه المرايا.. لكنّك ترينه في مرايا العيون.
فإبتسامة الوجه، وذلاقة اللسان، وشفافية الروح، ورشاقة السلوك، وزينة الحياء، وجواهر الأخلاق يُكسبن الفتاة، أي فتاة، تتحلّى بهنّ ألقاً وجمالاً وبهاءً يفوق جمال الطبيعة وسحرها.
لا نقول ذلك تهدئـة للخاطر وترضية للمشاعر، فالدراسات النفسية تتحدّث عن مغناطيسية الشخصية، أو ما يسمّى بـ «سحر الشخصية» ونقول إنّك قد ترين بعض الفتيات الجميلات لكنّهنّ لا يمتلكن الجاذبية التي لدى فئة من الفتيات، وقد ترين أخريات أقلّ حظّاً من الجمال لكنّهنّ يحظين بقسط كبير من السحر الحلال بما يمتلكن من مواصفات الجمال المعنوي والمزايا العاطرة والشمائل الوديعة.
فحينما تقفين أمام المرآة تأمّلي جمالك الآخر، فله إشعاع ينبثق من لمحات الذكاء في عينيك، ومن عذوبة الكلام في شفتيك، ومن استقامة السلوك في قوامك، ومن حركة البذل والعطاء في حياتك.
وتذكّري أيضاً:
أنّ الجمال الباهر مدعاة للغرور «إعجاب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله»..
ومدعاة إلى الإفتـتان، والمفتون لا يطوِّر نفسـه. ففي الحديث: «الإعجاب يمنع من الإزدياد»..
ومدعاة إلى المتاعب الكثيرة..
وأنّ الجمال هبة الله، ونعمته التي تحتاج إلى الشكر، وشكرها أن تضعي جمالك في الموضع الصحيح، فلا تبرّج ولا خلاعة ولا ميوعة ولا مجون ولا استعراض..
أمّا التكلّف والتصنّع والتمثيل فمن مفسدات الجمال، فحتى لو كنت أجمل الجميلات فسوف يفسد التصنّع جمالك ويشوّهه.
إنّ البساطة جمال.. والنظافة جمال.. والأناقة جمال.. والتناسق جماله.. والذوق جمال.. والموهبة جمال.. والإبداع جمال.. ولمسات الجمال لو بحثتِ عنها كثيرة..
فإذا كان حظّك من الجمال بسيطاً فاعرضي على مرآة ذاتك جمالك الداخلي، وسترين أنّ لك جمالاً لا يشيخ..
وقد لا يرى الناس ذلك الجمال، فلهم الشكل الظاهري، لكنّ الوقت لن يطول بهم حتى يكتشفوا ذلك الجمال الأخّاذ.
وتذكّري أيضاً:
أنّنا لم نختر لون عيوننا وبشراتنا وشعورنا.. ولا طول قاماتنا.. ولا استدارة أو استطالة وجوهنا.. وقد يتدخّل التجميل ـ في أدوات زينة أو جراحة ـ في تعديلات طفيفة هنا وهناك، لكن جمالنا الخارجي غير قابل للتطوير كثيراً..
أمّا الجمال الآخر.. جمال الروح.. جمال الشخصية.. جمال الخصال، ففيه للنمو والرقيّ والسموّ، آفاق واسعة..
وإذا دعتك المرآة للمقارنة بين جمالك وبين جمال الأخريات.. فابحثي عن مزايا وصفات تتفرّدين بها.. ولا يمتلكنها،وستدركين أنّ لك جمالات أخرى ليس لهنّ مثلهنّ، وقد يحسدنك عليها!
وإذا كنتِ ذات جمال بارع..فاحمدي الله على أن حسّن خَلقَك.. واطلبي منه أن يُحسِّن خُلقَك، فمن الذكر أن تقولي وأنت تقفين إزاء المرآة: «أللّهمّ كما حسّنت خَلقي فحسِّن خُلقي».
وإذا دعاك جمالكِ للغرور، وكثيراً ما يصنع ذلك، فقولي له: ليس لك من فضل.. إنّك لستَ صناعتي.. إنّك إبداع الخالق!
وإذا دعاكِ حسنك الفتّان إلى التبرّج فتذكّري عفاف مريم ابنة عمران، والسيِّدة الزهراء (عليها السلام) ابنة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا تكتفي به شكلاً جميلاً.. بل ضُمِّي إليه جوهراً جميلاً!!

ثامناً ـ حاذري الوقوع في هذه الشباك!!
أربع شباك.. حاذري من الوقوع فيهنّ:
أ) المعاكسة.
ب) الهاتف.
ج) الرسالة.
د) المقهى الالكتروني.
ودعينا نقف عند كلّ واحـدة من هذه الشباك لنعرف مدى خطورتها على الفتيات المراهقات، بل وعلى غير المراهقات أيضاً.
فخّ المعاكسة:
نظراً لعدم انضباط عدد لا يستهان به من الشبّان بضوابط الأخلاق وقواعد السلوك، ولأنّ الخوف من رقابة الله وحسابه لم يعد يدور في خلد هؤلاء، وأيضاً لتأثيرات البيئة الأخرى وما تقوم به وسائل الإعلام المبتذلة التي دأبت على تشجيع الفحشاء والمنكر، بتنا نشـاهد الكثير من التصرّفات المخلّة بالآداب العامّة، تنتشر انتشار النار في الهشيم دونما وازع من ضمير أو رادع من قانون أو انزجار من رقيب.
ومن تلك التصرّفات (معاكسة الفتيات) سواء أمام أبواب المدارس حينما يحين موعد خروجهنّ، أو في الشوارع المؤدّية إلى بيوتهـنّ، أو حينما يتمشين لوحـدهنّ أو مع بعض صديقاتهنّ، أو في الأسواق التي يكثر تردد الفتيات عليها. أمّا الأماكن المختلطة كالنوادي والمتنزهات والحفلات، فحدّثي ولا حرج.
تنطلق خطورة المعاكسة، وهي الكلمات المعسولة التي يُطلقها شبان فارغون متسكّعون يتصيّدون أعراض الناس، من أنّ الفتاة بطبيعتها ميّالة إلى حبّ الثناء والاستحسان، وقد قال الشاعر في ذلك:
خدعوها بقولهم حسناءُ والغواني يغرّهنّ الثّناءُ
ولذا كانت تجمّعات الشباب الضائع في المنعطفات والطرق المؤدّية إلى المدارس ظاهرة شائعة، فتراهم يطلقون الكلمات التي فيها ثناء على جمال الفتاة، والأوصاف التي تشبع حالة الغرور لديها، فإذا ما صدّقت ذلك، كانت الخطوة الأولى نحو الانجرار والانجراف.
والفتيات في موقفهنّ من المعاكسة يختلفن.. فقد تسارع الفتاة إلى المضي في طريقها دون أن تُلقي بالاً للمتصيدين، وقد تبتسم فيعرف المعاكس أنّها استجابت لمعاكسـته، ليزداد خبثاً ومعاكسة ومطاردة حتى يوقع الطريدة في شباكه.
المعاكسةُ إذاً فخّ.. ينصبه شبّان لا همّ لهم سوى التباهي بسياراتهم الفارهة، وملابسهم الأنيقة ووقاحتهم الزائدة. وهم في العادة يعبثون بمشاعر الفتيات وليسوا جادّين إطلاقاً بإقامة علاقة شرعية معهنّ.
وقد لوحظ من خلال بعض التحقيقات أنّ الفتيات المحجّبات الملتزمات بالستر الشرعي أقلّ عرضة للتحرّش والمعاكسة، وكلّما كانت الفتاة متبرّجة أكثر كانت عرضة للتحرّش أكثر.
هذا فخّ ظاهره الرحمة وباطنه العذاب .
فقد تنخدع الفتاة من الحبوب التي يلقيها الصياد في فخّه، فتتصورها طعاماً مقدّماً بحسن نيّة، فتمشي برجلها إلى الفخ. ولو كان المعاكسون صادقين لأتوا البيوت من أبوابها، وطلبوا يد الفتاة من أهلها، لكنّهم عاطلون عن العمل يبحثون عن التسلية واللهو العابث واللذّة المحرّمة، ويبتهجون بتعريض الفتيات إلى المواقف الاجتماعية والأخلاقية المحرجة.
كوني من هؤلاء على حذر.
أمّا الكلمات التي تسمعينها منهم فهي اسطوانات مشروخة تقال لكِ ولكل صيد سهل يغري بنفسه، وهم يقولون ما لا يعنون.
إنّ الإعراض عن منتهكي الأعراض.. وإخبار الأهل بما يفعلون ليتولوا زجرهم وردعهم عن أفعالهم المنكرة، وعـدم التجاوب معهم حتى على مستوى الردّ على كلماتهم البذيئة، سوف يجنّبك الوقوع في هذا الفخّ.
مصيدة الهاتف:
من الاستخدامات السيِّئة لهذا الجهاز العصري الكثير الخدمات، استغلاله من قبل الشبان الفارغين الذين لا يراعون حرمة البيوت ولا سلامة وأمن أهلها. إنّهم يديرون قرص الهاتف على هذا البيت أو ذاك ليقوموا بمعاكسة الفتيات في عقر دارهنّ.
فتراهم يبثون عبر الأسلاك فحيحهم لإغواء الفتيات وإغرائهنّ بالمعصية، فإذا ما لمسوا أيّ تجاوب من لدن الفتاة المستهدفة تشجّعوا لتكرار المحاولة وإعادة الإتصال في أوقات مختلفة حتى أثناء الليل.
إنّهم يتحدّثون بألسنة الخداع والكذب عن استعدادهم للإقتران الشرعي كخطوة ممهدة لطمأنة الفتاة أنّهم يحبّونها حبّاً شريفاً عفيفاً يريدون له أن ينتهي بالزواج، ويطالبون الفتاة أن تفسح لهم المجال في التعريف بأنفسهم أكثر فيحدّدون لها مواعيد خارج البيت لتبدأ رحلة استدراج الطريدة.
وكما في المعاكسة المباشرة، فإنّ المعاكسة عبر الهاتف تستهدف الغاية الدنيئة نفسها: إيقاع الفتاة في شرك المطامع الشهوانية والأهواء الفاسدة.
ولذا فإنّ تعنيف هؤلاء في الهاتف، وتهديدهم بأخبار الأهل أو السلطات الأمنية ـ إن كانت هناك سلطات تحافظ على الأمن حقّاً ـ وإغلاق الهاتف بوجههم بانزعاج واضح، قد لا يقطع أمل بعضهم من تكرار المعاكسة، لكنّه في الغالب أسلوب ناجح في إيقافهم عند حدّهم.
كمين الرسالة:
وقد يلجأ صنف آخر من الشبّان الفارغين إلى كتابة الرسائل ليرقق مشاعر الفتاة التي يريد إيقاعها في الكمين المنصوب لها، فيختار العبارات اللاّهبة الساخنة، والأبيات الشعرية الغزلية الرقيقة، والمبالغة في وصف العواطف المتفجرة، والادّعاءات التي تقول إنّه لا يريد إلاّ الحسن، فيدسّها في يد فتاة أخرى لتوصلها إلى الفريسة أو يسلمها إليها مباشرة، وإذا عرف بريدها فبالبريد، وطرق هؤلاء اللاّهين في نصب كمائنهم كثيرة. فإذا ما مزّقت الفتاة الرسالة قبل قرائتها، ورمتها بوجه كاتبها، فإنّه سيرتدع، وربّما يبقى مصرّاً على لعبته لتصوّره أنّ إصراره قد يوحي للفتاة المستهدفة بصدق مشاعره، الأمر الذي قد ينطلي على بعض الفتيات اللواتي يتصورن أنّ الإصرار دليل الصدق والإخلاص وحسن النيّة.
إنّ إغلاق الباب منذ أوّل وهلة بوجه هذا اللص الذي يتصيّد في المياه العكرة هو أفضل ردّ يجنّب الفتاة متاعب لاحقة لا تُحصى إن هي فتحت الباب أو تركته موارباً.
إنّ الشيطان قد يأتي للفتاة من هذا الباب ويقول لها: لا تتركيه.. إنّه فرصتك.. والفرص تمرّ مرّ السحاب.. تشبّثي به إنّه صادق المشاعر.. إنّه يريدك زوجة له!
ولعلّ أفضل اختبار لهؤلاء هو الطلب منهم أن يقدّموا إثباتاً لصدق مشاعرهم في أن يتقدّموا لطلب يد الفتاة إن كانوا في سن وإمكانات تسمح لهم بالزواج، وإن كانوا دون ذلك فهذا دليل أنّهم ليسوا على استعداد للرباط الشرعي.
وقد يقول بعضهم أنّ هذه الخطوة لاحقة، وأ نّها ستأتي في حينها، وأ نّه يريد الاطمئنان لمشاعر الفتاة نحوه حتى يتقدّم لخطبتها، ولكنّ الفتاة الحكيمة الواعية تعرف أنّه سيطالبها بأكثر من ذلك، فحتى يتعرّف عليها لابدّ من لقاءات في الخلوات، وهي لقاءات محرّمة إن لم يكن هناك رابط شرعي أو عقد يجيز اللقاء، وقديماً قال الشاعر:
دخولُ المرءِ في الشبكاتِ سهلٌ ولكنّ المصيبة في الخروج!
إنّ التكتّم والسرية في هذه الأمور هي أوّل الوهن، فلابدّ من إخبار الأم المتفهّمة أو الصديقة المخلصة، أو الأخت الكبيرة ليكونوا عوناً لك في عدم الإنجرار وراء هذه اللعبة الخطيرة التي لا تدرين إلى أين تقودك؟!
وفي أثناء ذلك، تذكّري القصص المريرة لفتيات طرحن الثقة بأمثال هؤلاء الذين يأتون البيوت من أبوابها الخلفية، فكانت النتائج الوخيمة المؤسفة التي لا تترك مجالاً للندم.
إنّ الخـطوة الصغيرة تجرّ إلى الأكبر منها.. والانزلاق يجتذب الانزلاق.. والسقوط من مكان عال، بعدما تكون الفتاة قد أسلست القياد للمتصيّد ومشت معه خطوات في طريق مطامعه، اصاباته خطيرة.
وإذا رفضت الإنسياق وراء اللعبة، ضعي هذه اللاّفتة القرآنية نصبَ عينيك: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3)، ولا تصدّقي مقالة الشيطان أنّها فرصة ولا تضيعيها فقد لا يأتيك غيره، فالفرص الطيبة للتعرّف على شخص نبيل قادمة بإذن الله.
مُنزلق (المقهى الالكتروني):
نحن في عصر.. الدخول فيه إلى البيوت بلا استئذان.
فجهاز الحاسوب (الكومبيوتر) الذي راح يغزو البيوت على أنّه اختراع العصر ولغته.. بقدر ما جلب إلينا من الخيرات جلب معه أيضاً الكثير من الويلات.
فبعد ما أتيحت اللقاءات الحرّة عبر (الانترنيت) وازدادت فرص الانفتاح وغرف الدردشة، وامكانية المخاطبة عبر الصوت والصورة، وكثرت مواقع الإغواء والإغراء، بدأت تتكشّف مخاطر هذه القنوات التي ينفذ من خلالها الشيطان.
ففي دراسة عن مفاسد الشبكة العنكبوتية أجريت في إحدى البلدان الإسلامية إتّضح أنّ 90 % من روّاد المقاهي الألكترونية في سن خطرة وحرجة جداً، وأنّ 60 % من الشبّان والفتيات يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثـة، وأنّ الإقبال عليها يأتي كنتيجة لضعف الرقابة الأسرية، والفراغ الذي يعاني منه الشباب، والفضول أو البحث عن الممنوع.
وخطورة هذه المقاهي في أنّها تجعل الباب مشرعاً لمغازلة الفتيات وإيقاعهنّ في الفخّ ـ شأنها شأن المعاكسة المباشرة والهاتف والمراسلة مع فارق أنّ المقهى يجمع ذلك كلّه!
وكما في مواجهة الشباك السابقة، فإن تذكّر أن طُعم الصنّارة التي تريد أن تصطادك قد يبدو حلو المذاق لكنّه يستبطن السمّ، ونعني بالسّم ما يخفيه الصيّاد من قرار التهام الفريسة.
إنّ الدخول على أي مقهى مشبوه أو مريب ستكون ضريبته باهضة، فسياسة الشيطان هي سياسة استدراجية، سياسة الخطوة خطوة (فلا تتّبِعوا خُطُوات الشّيطان ) (البقرة/ 168)، التي تقودكم إلى المنزلق الخطير والوقوع في جوف الهاوية.
لقد تبيّن من خلال دراسات اجتماعية عن تأثير الانترنيت والمقاهي الالكترونية أنّها كانت السبب في ضعف التوجّه الديني، وانخفاض المستوى الدراسي، وزيادة الاضطراب النفسي.
إنّ المشكلة ـ كما تعلمين ـ ليست في الكومبيوتر كجهاز،وإنّما في استخدامه، وقد صدق مَن قال: لسنا ضدّ التقنيات الحديثة من تلفاز وسينما وغيرها، وإنّما نحن ضدّ الفحشاء والمنكر.

تاسعاً ـ الأفلام والأغاني:
تستقطب مشاهدة الأفلام والإستماع إلى الأغاني طائفة كبيرة من الفتيات. وقد يكون مرجع ذلك مناغاة عواطف الفتاة في كلمات الأغنية، وما تعكسه الأفلام والمسلسلات العاطفية من خيالات مجنّحة تخاطب في الفتاة والشاب غريزتهما فقط.
والأفلام والمسلسلات تقدّم ـ في العادة ـ واقعاً مصنوعاً، هو بعض خيال الكاتب والمؤلِّف، ورشحة من رشحات تفكيره ونظرته للحياة. ومكمن الخطورة في هذه الأفلام والمسلسلات هو في قلبها للمفاهيم والاهتمامات، وفرض النموذج الغربي على حياتنا الإسلامية.
وقد كشفت بعض الدراسات الميدانية المتخصصة أنّ العلاقة بين ما يشاهده الشاب أو الفتاة وبين الانحراف طردية. وأنّ نسبة الذين يشاهدون الأفلام والمسلسلات أكثر بخمسـة أضعاف نسـبة الذين يشاهدون البرامج التوجيهية، أي الدينية والعلمية والثقافية، وأنّ الكثير من المشاهدين يقلّدون ما يشاهدونه في الأفلام.
وقد تجد الفـتاة في الأفلام الرومانسية (الخيالية الحالمة) بعض ما تهوى، وربّما ترسم لحياتها صورة مستوحاة من أحداث فيلم أو مجريات مسلسل، وتنسى أنّ الحياة ليست كلّها حبّاً وغراماً وعواطف متأجّجـة، وإنّما هي بالاضافـة إلى ذلك أعباء وكدح ومسـؤوليات وهموم وطموحات وأشـياء أخرى، بل إنّ مساحة هذه الأمور هي أوسع بكثير من مساحة الغرام والهيام.
وقد تخاطب الأغاني في الفتاة غرورها بما تتغزّل به من صفاتها الجمالية الخارجية، وربّما تتصوّر أنّ كلمات الشخص الذي سيتزوّجها مستقبلاً كلّها أغان فتحلّق في فضاء الأحلام دون أن تنزل إلى الواقع قليلاً لتقارن وتوازن بين ما هو حلم وما هو حقيقة.
وقد تبيّن من خلال إحدى التحقيقات الصحفية أنّ بعض اللواتي تزوّجن كنّ يرسمن صورة مستقبلية لحياتهنّ على ضوء كلمات أغنية، وحينما انغمسن أو انهمكن في خضم الحياة الزوجية بكل متطلباتها، ارتطمن بواقع يقول إنّ الحياة يمكن أن تكون جميلة حتى في متاعبها، ولكنّها ليست كلمات أغنية حالمة، أو مشاهد فيلم هندي أو مسلسل مكسيكي!!

عاشراً ـ الدعاية والإعلان:
يلعب التلفزيون دور الموجّه للعواطف والاهتمامات والرغبات، ومن بين موادّه التي تشغل حيّزاً كبيراً من مساحة البث (الدعاية والإعلان) والتي راحت تتخلّل حتى نشرات الأخبار والبرامج السياسية والدينية والثقافية.
فلقد كانت هناك فترة إعلانية، واليوم الإعلانات أكثر من برامج التلفزيون الأخرى، وذلك لما تدرّه من أرباح على أصحاب الشركات المستثمرة أو الجهات المسؤولة. وقد لوحظ أنّ نسبة الذين ينخدعون بهذه الإعلانات من الأطفال والشبان والنساء كبيرة، حتى أنّ الإعلان عندهم (جهينة)[1] (http://www.balagh.com/pages/book.php?bcc=25&itg=18&bi=172&s=ct#_ftn1) أو(حذام) يُصدّق في كلّ ما يقول دونما اعتراض أو مناقشة.
ولعلّ السبب في ذلك هو الأسلوب الفنّي الذي يعتمد الإبهار في الصورة والكلمة والمبالغة والتكرار.
وقد أثبتت التجربة أنّ الذين صدّقوا ما يقوله الإعلان وتطرحه الدعاية لم يجدوا في البضائع التي اشتروها المواصفات المذكورة، وأ نّهم اشتروا ما لم يكونوا يرغبون بشرائه، وأ نّهم أحدثوا خلخلة أو هزّة في ميزان مصروفاتهم،وأنّهم كانوا ضحيّة إعلانات أخرى أيضاً.
إنّ افتراض أنّ ما يقوله الإعلان صحيح مائة بالمائة هو الذي يجعل مروِّجي الإعلانات يكسبون أضعاف ما يحلمون بكسبه، ولذلك فحريّ بمشاهد أو مشاهدة التلفزيون أن يتعاملوا بمنطق الشكّ مع الإعلان حتى تثبت الصحّة، وأن يتم إخبار من لم يتورط بعدُ بعدم التورّط، و «مَنْ جرّب المجرّب حلّت به الندامة».
وهذا الكلام بالطبع لا يصدق ولا ينطبق على الإعلانات كلّها بل على الكثير منها. ناقشي إذاً المادة المعروضة للإعلان، ولا تستغرقي في الجوّ المصنوع حولها، فكم من الشامبوات التي تدّعي أنّها لإزالة القشرة زادت في كمِّيّة القشرة!!

حادي عشر ـ العلم والزواج:
رغم أنّ التجارب الزوجية كشفت عن دور العلم والثقافة في نجاح الحياة الاُسرية، لكنّنا ما زلنا نشاهد عدداً من الأسر التي تجبر بناتهنّ على ترك تعليمهنّ والقبول بالزواج كبديل.
ومع أنّ بعض الفتيات يشترطن ـ حتى مع القبول بالزواج ـ إكمال دراسـتهنّ، فإنّ البعض الآخر يرضخن للتضـحية بالتعلّم من أجل الزواج. وقد تبيّن من بعض استطلاعات الرأي الشبابية أنّ الغالبية العظمى من الشبّان يميلون للزواج من الفتاة المتعلّمة والمثقّفة.
ولا يمكن وضع قاعدة عامّة في هذا المجال، فلكلّ حالة خصوصيتها، فالزواج فرصة عمر رائعـة لا ينبغي تفـويتها عند توفّر الزّوج الكفؤ المناسـب، كما إنّ طلب العلم فريضـة على كل مسلم ومسلمة، فإذا استطاعت الفتاة استكمال تعليمها، ولا نعني سنوات الدراسة فقط، بل بالاستمرار بطلب العلم حتى بعد الزواج، فإنّ ذلك مما يعينها على أن تكون زوجة سعيدة وأمّاً ناجحة ومديرة للبيت موفّقة، بل بإمكانها أن تقوم بالإضافة إلى ذلك بنشاطات اجتماعية، فليس حدود نشاطك البيت فقط.
وينبغي الاشارة هنا إلى أنّ تحصيل العلم واكتساب الثقافة لايتوقّف على الدراسـة في المدارس والجامـعات المنتظمة،بل يمكن للانسان مواصلة تعليمه ثقافته بالمعاهد والدراسات الفصلية والدورات التعليمية المقطعية، أو بواسطة حضور واستماع المحاضرات، أو مطالعة الكتب والمجلاّت ومشاهدة واستماع البرامج الثقافية المفيدة.
والمهم بالنسبة لكلّ فتاة أن تخطّط لطلب العلم حتى ولو كانت في بيت الزوجيـة، فليس مكان العلم هو مقاعد الدراسة فحسب، بل الحياة نفسها معلّم كبير، والمكتبات تضع بين يديك عقول الآخرين، وتوفِّر لك من الثقافة والعلم ما لا توفِّره مناهج الدراسة.
ولذلك فإنّ العلم والثقافة الأسرية والتربوية والفقهية والاجتماعية والنفسية مطلوبة بالنسبة للفتاة قبل الزواج ومعه وبعده، فلا ترتضي أن تكوني الزوجة الأمّية والأم الأميّة، أي الفتاة التي حصلت على حظ مناسب من التعليم لكنّها أهملت تنمية ثقافتها وكأ نّها حينما تزوّجت طلّقت الثقافة بلا رجعة. فكِّري من الآن أن تكوني حاجة دائمة، أو مرجعاً أسرياً للزوج وللأولاد، ولن تكوني كذلك إلاّ بمزيد من طلب العلم وتغذية المحصول الثقافي.

ثاني عشر ـ لا تندبي الحظ:
أنتِ فتاة عاقلة.. وعقلك كنز ثمين.. فاستخدميه.
وأنتِ فتاة ذات إرادة.. والإرادة سلاح فعّال.. فاستعمليه.
وأنتِ فتاة شابّة.. والشباب موسم العطاء.. فاستثمريه.
وأنتِ فتاة مؤمنة.. والإيمان طاقة زاخرة.. ففجريها.
ولا تكوني كاللواتي يعلّقن كلّ فشل أو خسارة أو مشكلة أو سوء تخطيط على شـمّاعة الحظّ.. ولسان حال كلّ واحدة منهنّ: إنّه حظي العاثر فماذا أصنع؟!
وقد تلجأ بعض الفتيات إلى الأبراج والفناجين وقراءة الكفّ وما إلى ذلك من استكناه الغيب ومعرفة الطالع، لتبحث عن رفّة أمل هنا، وبصيص ضوء هناك، وعن صدفة طارئة، وكلمة مطمئنة حتى ولو كانت مخدّرة، لتركن إليها.
وحتى تضـعي قدمـكِ على الطريق الصـحيح، إطّلعي على ما توصّلت إليه الدراسات العلمية في هذا المجال حتى تعرفي حقيقة الحظّ وطبيعته[2] (http://www.balagh.com/pages/book.php?bcc=25&itg=18&bi=172&s=ct#_ftn2). وإليك فيما يلي خلاصة بذلك:
1- إنّ الثقة تولّد النجاح، وضعف المعنويات يولّد الإخفاق.
2- الإرادة عنصر فعّال وجوهري في بناء الحظّ من جهة، ثمّ في توجيهه من جهة ثانية، ذلك بأنّ الارادة تخلق لصاحبها جوّاً غنيّاً بالفرص والمناسبات السعيدة.
3- ليس سوء الحظّ ـ في التحليل الأخير ـ سوى (التخاذل) حيال أحداث الحياة، وليس حسن الحظّ غير الشجاعة، والارادة الناشطة، والفطنة الناجمة عن الانتباه والتفكير.
4- الحظ محصّلة ظروف نفسية، وصفات أخلاقية، ومعان أدبية، وشمائل ومزايا شخصية، يسوءُ إذا كانت سيِّئة، ويحسن إذا كانت حسنة.
5- المحظوظون من الكائنات البشرية يسمحون لأنفسهم بعمل كلّ شيء.
6- الحظّ في حقيقته: ثقة بالسلامة، ورغبة حادّة في العافية، وتطلّع إلى النور.
7- الحظّ ـ في نظر الاختصاصيين من أهل الحكمة والفلسفة والأدب النفسي ـ واقع ذاتي صرف ـ يحدث إذ يحدث ـ داخل الكيان الشخصي، ويؤثر في سيرة صاحبه الشخصية، ويستقطب الحوادث من حوله استقطاباً خاصّاً، ويوجّهها في وجهة معيّنة.
8- الحظّ نتاج مواهب وظروف ومبادئ وامكانات وقواعد عامّة ومصارف خاصّة، وحاصل ضرب كلّ هذه الأشياء بعضها ببعض.
9- إنّ الاعتماد على المصادفة خلقٌ مسفّ، مذلّ، مهين، يسوق صاحبه في النهاية مهما بلغ من رفعة وعلو شأن أو ثروة إلى الهوان والخسران.
10- لابدّ من إيجاد جوّ اجتماعي، يتيح للفرد، لأيّ فرد، أن يحقّق إمكاناته ومواهبه في مختلف ميادين الحياة، فتكثر فرص النجاح، ويقلّ أثر المصادفة.
11- لا تنتظري المعجزات، فالطبيعة تفرض حدودها، فإذا أردنا تربية الحظّ وتقويمـه، وجب علينا أن نؤدِّي هذه المهمّة من الداخل، لا من الخارج، أي من داخل حدود الطبيعة وقوانينها.
12- الحظّ رفيق طبيعي للثقة، فهو متحزّب لا يتسامح أبداً.
13- كوني مترويّة، متأنيّة، في كلّ قول وعمل، تملكين مفتاح الحظّ السعيد.
14- المهارة ليست عادة فحسب، وإنّما هي مرتبطة أيضاً بالحالة النفسية التي يزاول فيها المرء عمله، فقد يحدث لأمهر الصيادين أن يكون دون مستواه المشهود.
15- إنّ كلّ ما يهزّ العاطفة ويوقظ الثقة النفسية يحرّك الدفاع ويجعله ناشطاً فعّالاً، فلا تتركي هذه الفرص تفوتك في الحياة، لأ نّها تفتح للنفس باب الحظّ السعيد.
16- يجب أن تمـرِّني عينيك الداخليتـين على مشاهدة الأمل والاستمتاع به دون أن تلحظي الخوف الذي يرافقه عادة كظلّه. يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس من خوف الذلّ في ذلّ».
17- أشعة الشمس التي تتلاقى في العدسـة، تستطيع إيجاد حرائق هائلة. فإذا كانت لديك مجموعة أعمال، فيحسن بكِ أن لا تقتربي منها وهي جبهة متراصّة، والأكثر فائدة أن تعالجيها بالتوالي واحدة واحدة بادئة بالأهم فالمهم، تاركة في الظلّ ما عداهما، فالحظّ لا يأتي في زحمة الأعمال المتراكمة.
18- الإيمان كالثقة، أساس في اجتذاب الحوادث السعيدة.
19- الثقافة النفسية ـ أي الاحاطة بقوانين السلوك، وطرائق التفكير، وقواعد الحياة الاجتماعية، من أكبر العوامل على تحسين حظّ الفرد. يقول (ديكارت): «إنِّي لأجرؤ على الاعتقاد أنّ للفرح الداخلي قوّة تمكن الفرد من تحسين نصيبه في هذه الدنيا».
20- إنّ من شأن الحرفة أن تمدّ صاحبها دوما بعنصرين: عنصر الثقـة، وعنصر البراعة ومعرفة الغيـب. فمن التجّـار من يحرزون ما يحدث في السوق التـجاري قبل أعـوام ويتصرّفون على أسـاس ما يحرزون، وينالون حظّاً يدهش زملاءهم.

ثالث عشر ـ تصرّفات غير لائقة:
تتخذ علاقة الصداقة بين الفتيات صفة العلاقة الروحية، فأنتِ مع صديقتكِ تشكّلين عالماً خاصّاً من التفاهم والانسجام وتبادل الأسرار والشكاوى والآمال.
وعلى ذلك، يتعين عليك اختيار الصديقة المناسبة التي تنصح وتسدّد وترشد إلى طريق الخير والصلاح. وإلاّ فكم جرّت العلاقة مع الصديقات السيِّئات من المآسي على صديقاتهنّ بحيث أودت بهنّ إلى أسوأ مصير وأوخم عاقبة.
إنّ الصداقة أمانة يجب أن تودع عند الصديقة الأمينة، فليس المهم الكمّ الكبير من الصديقات، فصديقة مخلصة ودودة مؤمنة صالحة خير من عشرات من صديقات السوء اللواتي يردن بك سوءاً، وقديماً قال الشاعر:
لاتربط الجرباء حول صحيحة خوفاً على تلك الصحيحة تجربُ
وكم أدّت صحبة صالحة مع صديقة مؤمنة ملتزمة بأخلاق الاسـلام وآدابه وعفافه إلى أن يزداد إيمان التي تصاحبها، وتصلح سيرتها، وتطيب حياتها، ويستقيم سلوكها وتحسن عاقبتها.
وإنّ من بين نتـائج الصحبة السيِّئة أن يشجعنك صويحباتك على السخرية والاستهزاء بفتيات أخريات.. ينتقدن مشية هذه، وملابس تلك، وضحكة أخرى، وأسلوب هذه وتلك في الكلام.. وقد لا يوفّرن فتاة إلاّ وتنالها سهامهنّ.
إنّ التي تعيب غيرها تنسى أنّ لها عيوباً يمكن أن تنتقد:
لسانكَ لا تذكر به عورة امرء فكلّكَ عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
كما يغيب عن بالها أنّ الفتاة التي تسخر منها قد تكون أفضل منها في دين وفي خلق (لا يسخر قوم مِن قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ) (الحجرات/ 11).
فمن غير اللاّئق إنسانياً، ومن المخالف للآداب الاسلامية، أن تنالي من فتاة فقيرة بسيطة الهندام والملابس، أو تهزأين من شكل فتاة لم تؤتَ حظاً من الجمال مثلما أوتيتِ، أو تنتقدين تصرفاتها أمام الأخريات لإضحاكهنّ وإسقاط حرمة المنتقدة في دائرة الصديقات. إنّ «الغيبة جهد العاجز» ولو كنتِ مخلصة لقدّمتِ ملاحظاتك على طبق من النقد البنّاء، وبشكل شخصي، أي بينك وبين مَن تنتقدين، وقد جاء في الحديث: «مَن وعظ أخاه علناً شانه، ومَن وعظه سرّاً فقد زانه». ضعي نفسك في ظروف الصديقة التي تغتابينها.. وبدلاً من تجريح شخصيتها إبحثي لها عن العذر، فللأسف الشديد أنّ الكثير من مجالس وحلقات السـمر بين الفتيات تتحوّل إلى مجالس للغيـبة كجزء من المنادمة والترفيه عن النفس، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الغيبة في قوله: (ولايغتب بعضكم بعضاً أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) (الحجرات/ 12). ومن التصرفات غير اللاّئقة بالفتاة المؤمنة أو المثقفة أن تتباهى وتتفاخر بزيّها وحليّها أمام الفتيات المعوزات اللواتي لا يجدن ما يشترين به ملابس أفضل، أو يزيّن جيدهنّ أو معاصمهنّ بقطعة من حليّ، فذلك مما يجرح أحاسيس الفتاة صاحبة الهندام المتواضع و«مَن كسر مؤمناً فعليه جبره». فلابدّ من الظهور بمظهر المتواضعة التي تتودّد وتتقرّب الى الصديقات الفقيرات، فإن التعالي عليهن يقيم بينك وبينهن حواجز نفسية يعصب ردمها. وكما لابدّ للجميلة أن تبحث عن الجمال في غير شكلها ومظهرها الخارجي، فكذلك يمكن أن ترى في الفقيرات جمالاً نفسياً وروحياً وأخلاقياً يمكن أن يجتذبها إليهنّ، ويمكن أن تكتسب بعض ذلك منهنّ. فالجميلة جميلة بروحها وسلوكها وعواطفها، وإذا دعاها جمالها للإستهزاء بالإدنى جمالاً وأبسط مظهراً، فكأنها وظقت هبة الله (الجمال) في الانتقاص من عباج الله (الأقل جمالاً).