المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البلوغ الشرعي


الشيخ عباس محمد
23-08-2015, 08:56 PM
البلوغ الشرعي








مع حلول مرحلة المراهقة ، يدخل الطفل في طور جديد من الحياة تحصل لديه فيه تغييرات نفسية عديدة . وهذه المسالة ليست خاصة بسن معين ، وإنما هي حالة عامة يمر بها جميع أفراد البشر خلال مراحل حياتهم . ففي هذه الثناء يكون الشخص قد طوى مرحلة الطفولة ووفد الى مرحلة أخرى هي الحد الفاصل بين الطفولة والبلوغ .
تشمل التغييرات ، خلال فترة المراهقة ، الأبعاد العضوية والإجتماعية والنفسية معا . فهي من جهة تؤدي الى بروز تطورات عضوية تترك آثارا على شكل وهيئة الشخص ن ومن جهة أخرى ،تنعكس مفاعيلها على مزاجه وأخلاقه وسلوكه في المجتمع.
إن مرحلة المراهقة هي فترة من حياة الشخص يشعر فيها بإستشراء الدوافع الجنسية في كيانه وتقلب أحواله النفسية على خلاف العادة. وتختلف بداية هذه الحالة عند الفتيات والفتيان ، وبشكل عام تحصل في سن 10 ـ 12 . وبالطبع لا يتوقف الدخول في هذه المرحلة على السن دائما وإنما هناك عوامل أخرى أيضا مؤثرة في هذا المجال.
سرعة التغير





نعلم إن الشخص يتعرض الى تغييرات وتقلبات عديدة خلال مرحلة الطفولة أيضا ، خصوصا في الفترة الجنينية والسنوات الثلاث الأول من حياته، غير أننا لا نجد مرحلة من العمر يزداد فيها إيقاع النمو وسرعة التغير عند الشخص






مثلما يحصل في مرحلة المراهقة.
إن التغييرات في هذه المرحلة تشمل جميع أبعاد الشخصية ، العضوية والنفسية ، والفكرية ، والعاطفية ، وهي من الحدة الى درجة يبدو معها الشخص وكأنه قد تغير كليا أو هو في طريقة الى التغير الى شخص ىخر لا يشبه السابق ، وهو ما يضع الشخص وأولياء الأمور والمربين أحيانا في موقف محرج ، ولا يدرون كيف ينبغي التعامل مع الوضع الجديد.
فمن جهة تدعو هذه التغييرات الى السرور والتطلع الى المستقبل بإعتبارها حركة جديدة بإتجاه النضوج والتكامل ، ومن جهة أخرى، تدعو الى الخوف والقلق على مستقبل الشخص لحساسيتها المفرطة هصوصا في ظل تساهل أو جهل أولياء الأمور في التعامل السليم مع هذه المرحلة.
مرحلة جديدة من وجهة نظر الشرع





تعد مرحلة المراهقة ، خصوصا بعد إجتياز سن التاسعة ، مرحلة هامة وجديدة في حياة الفتيات من وجهة نظر الشعر الإسلامي . فالإسلام لا يعتبر الفتاة في سن العاشرة ظفلة قاصرة ومعفية من القيام بالواجبات والتكاليف ، بل ينظر اليها بإعتبارها إنسانة بالغة يترتب عليها واجب الحفاظ على أنوثتها وتحمل مسؤولياتها العبادية والإجتماعية كالأشخاص البالغين.
وبعبارة أخرى ، ينظر الإسلام الى الفتاة في سن العاشرة على أنها إنسانة بالغة وقد إجتازت مرحلة الطفولة ، ويتعامل معها على أساس إنها إمرأة ناضجة ن ويفرض عليها ما يفرضه على المكلفات من واجبات وصلاة وصوم وطقوس عبادية والتزامات شرعية في حياتها الفردية والإجتماعية(1).

(1) الرسائل العملية لمراجع الدين.








سر التكليف الشرعي





كما قلنا فإن التكليف الشرعي للفتيات يبدأ بإجتياز سن التاسعة والدخول في سن العاشرة من العمر ، الا أننا عندما ننظر الى حجم وهيئة الفتاة في هذه الأثناء نجدها ما زالت صغيرة بإستثناء حالات محدودة ، وحتى يمكن أن نلاحظ بوادر وصبيانية في طريقة تفكيرها وتصرفاتها . وهذا يدفعنا الى الإعتقاد بأن الفتاة في هذه السن ليست في ظرف يسمح لها أن تفكر وتتصرف في حياتها وفي علاقاتها بالآخرين بشكل منطقي وسليم . ومن هنا يطرح هذا التساؤل وهو ما السر في تكليف الفتاة بالواجبات الشرعية في هذه السن وهي ما هي عليها من نقص في مداركها العقلية ومن حاجة الى عون ورعاية الآخرين؟
المستفاد من بعض الروايات ,الأحاديث الواردة بهذا الشأن في الإسلام هو إن الشارع المقدس أراد ، فضلا عن الحِكَم الالهية الأخرى ، بهذا التشريع أن يحصن وجود الفتيات ويعدهن لحفظ أنفسهن بشكل مبكر ، وذلك لأنهن ينضجن قبل الفتيان ويكن أكثر عرضة لوساوس وإغواءات وخداع المستغلين.
ضرورة الإعداد





وهكذا يعتبر البلوغ الشرعي المبكر للفتيات بمثابة الإستعداد والإعداد لتحمل المسؤوليات الفردية والإجتماعية في المراحل اللاحقة من الحياة بحسب التغييرات والتطورات العضوية والنفسية التي تحصل لديهن. وبعبارة اخرى يجب تدريب الفتاة مبكرا علىالالتزام وعلى تحمل مسؤولياتها في الحياة ، وهو ما يؤكده ويهدف اليه الإسلام من وراء هذا التشريع.
فمع ما نلاحظه من إنحرافات كثيرة عند الكتاب الغربيين ، وحتى عند علمائهم ، ورغم تأكيداتهم المتزايدة على الجوانب الغريزية والجنسية ، الا أننا






نصادف أيضا بعض كتاباتهم التي تعدو الى ضرورة إعداد وتربية الفتيات إبتداء من سن التاسعة.
يقول إثنان من العلماء الغربيين ، هما ميلتون و لوين ، يهذا الشأم : بالنسبة للحياة الجنسية من الأفضل أن يشرع بإعداد الفتاة لها إبتداء من سن التاسعة ، وذلك من أجل أن لا تتفاجأ بها بشك يخيفها ويخلق لديها هواجس و أوهام لا أساس لها . وكذلك يقول عالم النفس الغربي المعاصر هلن دوتش أن مرحلة المراهقة هي من الأهمية الى درجة يلازم بعض حالاتها وأعراضها جميع مراحل حياة الأشخاص ، وهو الأمر الذي يستلزم التوعية الشاملة بمختلف أبعادها.
بمن الضروري أن تكتسب الفتاة ، إبتداء من مطلع فنرة المراهقة ، وعيا عن الحياة النسوية ، وأن يتم إرشادها الى واجباتها الآنية والمستقبلية في هذا المجال ، وذلك من أجل أن تكون مستعدة فكريا ونفسيا للتعامل السليم مع الحالة الجديدة في المراحل اللاحقة من حياتها.
مقدمات أزمة





يلاحظ عادة مقدمات لتعرض الفتيات ـ بعضهن في سن التاسعة وأغلبهن بعد سن العاشرة ـ قبل حلول وقت الحيض الى أزمة متعددة الجوانب ، عضوية ونفسية وعاطفية ، تستولي بالتدريج عليهن وتترك آثارا غير قليلة على طبيعة حياتهن . وقد أشار الى هذه المسالة علماء نفس معاصرون عديدون ومنهم بياجيه الذي يقول : تتعرض الفتاة في حوالي سن الحادية عشر ، التي تبدو فيها بوادر البلوغ لدى الفتيات ، لأزمات عديدة يمكن التخفيف من وطأتها والحد من آثارها السلبية من خلال التوجيه والإرشاد الصحيحين من قبل الأمهات والمربيات.
وبالطبع فإن أزمة المراهقة تبدأ لدى الفتيات وتنتهي قبل الفتيان بسنة
تقريبا ، ومن هنا يمكن القول إن الفتيات أسرع نضوجا من الفتيان من الناحية الفسيولوجية والعاطفية.
إن الإعداد التربوي المسبق للفتيات من شأنه أن يحول دون تعرضهن للأزمات النفسية الحادة في مراحل حياتهن الأخرى ، خصوصا أزمات المراهقة ، أعني أنه يجب على الآباء والأمهات أن يأخذوا بالحسبان أن بنتهم البالغة من العمر ستة أعوام اليوم ، ستكون بعد خمسة أو ستة أعوام . فتاة مراهقة لها ما للنساء من مسائل ومشاكل وأن يستعدوا لذلك من الآن فصاعدا ويفكروا بما ينبغي القيام به في سبيل إستقبال هذه المرحلة.
نعلم إن الطفل يبدأ في التمييز بين الأشياء في حوالي سن السادسة ، ويشرع في التفكير المنطقي نسبيا في سن السابعة ، ويصل مرحلة فهم وإستقبال البرهان والإستدلال في التاسعة من العمر ، ومن هنا تكون الظروف مؤاتية في هذه الأثناء لنمو الشخصية فكريا وثقافيا وإجتماعيا ، وبإمكانها أن تميز الحسن من القبيح من الأمور وتتخذ قرارات بشأنها عن وعي ودراية.
قد لا يستطيع الفتى أو الفتاة في هذه السن الإتيان بأدلة وبراهين لجميع المسائل وقد يعجز أيضا عن إثبات قضية معينة من الناحية المنطقية ، الا أنه في وضع يتيح له فهم وإدراك إستدلال الآخرين وهو المهم ، وإذا طرحت أمامه مسالة معقولة ومنطقية فإنه يدركها ويأخذ بها ، وهذه هي فرصة طيبة لأولياء الأمور ليمارسوا دورهم في إرشاد وتوجيه الأبناء الى ما يربيهم ويوسع مداركهم في الحياة.