أم كوثر
28-11-2007, 11:59 AM
خصائص الزهراء (عليها السلام)
السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم
ممّا لاشك فيه أن نبي الهدى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما يصدر منه مع خاصة أهله ممّا فيه الميزة على ذوي قرباه وأمته منبعث عن سر إلهي ربّما يقصر العقل عن إدراكه، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) في المتواتر من الآثار: (حديثنا صعب مستصعب لا يتحمّله إلا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان)(1)، فما ورد في النقل من مميّزات آل الرسول (صلى الله عليه وآله) مما لا تحيله العقول لا يرمى بالإعراض بعد إمكان أن يكون له وجه يظهره المستقبل الكشاف.
وعلى هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السنة والشيعة من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته فاطمة دون سائر أخواتها من الإكثار في تقبيل وجهها حتى أنكرت عليه بعض أزواجه فقال راداً عليها: (وما يمنعني من ذلك وإني أشمّ منها رائحة الجنة، وهي الحوراء الإنسية)(2)، و(كان يقوم لها إن دخلت عليه معظماً ومبجلاً لها)(3)، و(إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله ابنته فاطمة وإذا رجع من السفر فأول ما يبتدأ بها)(4). وقوله (صلى الله عليه وآله) وقد أخذ بيد الحسنين: (من أحبني وهذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)(5).
ووقوفه عند الفجر على باب فاطمة ستة أشهر بعد نزول آية التطهير يؤذّنهم للصلاة ثم يقول: (إنما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(6).
وقوله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: (يا بنيّة من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة)(7). وقوله (صلى الله عليه وآله): (أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم(8)، وعدو لمن عاداهم)(9). وقوله: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها)(10)، (إن فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها)(11)، إلى غير ذلك من كلماته الذهبية التي تنمّ عمّا حباها المهيمن جلّ شأنه من ألطاف ومزايا اختصّت بها دون البشر، وكيف لا تكون كذلك وقد اشتقّت من النور الإلهي الأقدس، ولقد علمنا من مقام النبوة ومما ورد في نصوص السنة النبوية والعلوية أن النبي لم يحب أحداً لمحض العاطفة أو واشجة القربى فما يلفظه من قول أو ينوء به من عمل ولاسيما في أمثال المقام لا يكون إلا عن حقيقة راهنة لا كمن يحدوه إلى الإطراء الميول والشهوات، فما صدر منه (صلى الله عليه وآله) من خصائص الصديقة لا يكون إلاّ عن وحي يحاول أن يرفع مستواها عن مستوى البشر أجمع، فالرسول الأعظم لم يصدع إلاّ بحقائق راهنة جعلتها يد المشيئة حيث أجرت عليها سيل الفضل الربوبي فكوّنتها على مثال العظمة وأفرغتها في بوتقة القداسة، فهي نماذج عن الحقيقة المحمدية المجعولة حلقة بين المبدأ والمنتهى، ورابطة بين الحديث والقديم.
عصمة الصديقة (عليها السلام)
لقد عرفت فيما تقدم اتفاق المفسرين وأرباب الحديث والتاريخ على أن الآية الكريمة: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) نزلت فيمن اشتمل عليهم الكساء، وهم النبي الأعظم ووصيه المقدم وابنته الزهراء وسبطاه سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولم يخف المراد من الرجس المنفي في الآية بعد أن كانت واردة في مقام الامتنان واللطف بمن اختصّت بهم فإنّ الغرض بمقتضى أداة الحصر قصر إرادة المولى (سبحانه) على تطهير من ضمّهم الكساء عن كلّ ما تستقذره الطّباع ويأمر به الشيطان ويحقّ لأجله العذاب ويشين السمعة وتقترف به الآثام وتمجّه الفطرة وتسقط به المروءة، وإليه يرجع ما ذكره ابن العربي في [الفتوحات المكية: الباب 29] من أن الرجس فيها عبارة عن كلّ ما يشين الإنسان، وكذا ما حكاه النووي في [شرح صحيح مسلم] عن الأزهري من أنه كلّ مستقذر من عمل وغيره.
وليس من المعقول تفسيره بخصوص الحدث المرتفع بالطهارات الثلاث الوضوء والغسل والتيمّم، بحيث يكون المراد من تطهيرهم كونهم دائماً على طهارة رافعة للحدث الأصغر إذ لم يثبت لهم هذا الحكم دون الأمة كما لا يراد منه خصوص الخبث لأنّ التطهير منه واجب على عامة المكلفين، ولا يختصّ بمن نزلت فيهم الآية وحمل التطهير في الآية على عدم تأثر الأخباث فيهم إذا أصابتهم لا قرينة عليه.
بل المراد من إذهاب الرجس الذي هو مساوق لحصول الطهارة المرادة للمولى (جلّ شأنه) معنى أرقى من جميع ذلك، وهو ما أشرنا إليه من نفي عموم الرجس فإن اللام الداخلة عليه للاستغراق الجنسي، ولم تكن هناك قرينة متصلة أو منفصلة على تخصيصه بنوع خاص من الرجس، وهذا المعنى الذي قلناه هو الموافق للامتنان الإلهي واللطف الربوبي وهو عبارة عن العصمة العامة التي تقول بها الإمامية الاثنا عشرية في أئمتهم (عليهم السلام)، فالكتاب العزيز معاضد لما أفادته البراهين الجلية من قداستهم عن كلّ ذلك.
وعليه فالآية المباركة دالة على مشاركة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لهم في هذا المعنى الجليل أعني العصمة الثابتة للأنبياء والأوصياء لأنها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية الكريمة، ومن أولئك الأفراد الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً).
ولو أعرضنا عن البرهنة العلمية فإنّا لا ننسى مهما نسينا شيئاً أنها (صلوات الله عليها) مشتقة من نور النبي (صلى الله عليه وآله) المنتجب من الشّعاع الإلهي، فهي شظية من الحقيقة المحمدية المصوغة من عنصر القداسة المفرغة في بوتقة النزاهة، وإنها من أغصان الشجرة النبوية، وفرع من جذم الرسالة، ولمعة من النور الأقدس المودع في ذلك الأصل الكريم، فمن المستحيل والحالة هذه أن يتطرّق الإثم إلى أفعالها أو أن توصم بشيء من شية العار فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين أخذاً من الميول والأهواء المردية بأنّ العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحمّلهم الحجية من رسالة أو إمامة، وقد تخلّت الحوراء عنهما فلا تجب عصمتها فإنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم (عليهم السلام) لأجل تبليغ الأحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها وإنما تمسّكنا لعصمتهم بعد نصّ الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكوّنة من النور الإلهي المستحيل، فيمن اشتقّ منه مقارنة إثم أو تلوّث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في مثل ترك الأولى. وهذه القدسية كما أوجبت عدم تمثّل الشيطان بصورهم في المنام على ما أنبأت عنه الآثار الصحيحة أوجبت نزاهة الزهراء عمّا يعتري النساء عند العادة والولادة تفضيلاً لها لمن ارتكض في بطنها من طاهرين مطهرين. ومما يؤكد العصمة فيها المتواتر من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) : (فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها ويسرّني من سرّها وإنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)(12)، فإنّ هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب (جل شأنه) وغضبه بغضبها، حتى إنها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لابدّ من أن يكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات، ولم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية، وهذا معنى العصمة الثابتة لها (سلام الله عليها).
وقد استفاد السهيلي من هذه الأحاديث أنها أفضل من الشيخين لكونها بضعة من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وأنّ سبّها كفر لأنه يغضب أباها قطعاً، ويوجب سخط المولى (سبحانه)، ويقول ابن حجر: كلّ من أوقع في فاطمة فتأذت به فالنبي (صلى الله عليه وآله) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا إشكال في تحريم أذى من يتأذّى المصطفى (صلى الله عليه وآله) بتأذيه(13). فتنبه من هذا الأمر غامض.
الهوامش
1- بصائر الدرجات: للصفار ص6 ملحق (بنفس الرحمن في فضل سلمان).
2- مناقب ابن شهر آشوب: ج 2 / ص 96 - 97.
3- كشف الغمة : ص136.
4- مناقب ابن شهر آشوب: ج 2 / ص 95، و مستدرك الحاكم: ج 3 ص 156.
5- كشف الغمة : ص 135، عن مسند أحمد.
6- مستدرك الحاكم : ج 3 ص 158، ومنتخب كنز العمال: بهامش (مسند أحمد): ج 5 ص 96.
7- كشف الغمة : ص 142.
8- الرياض النظرة : ج 2 ص 189.
9- الصواعق المحرقة : ص 85.
10- صحيح مسلم : ج 2 ص 339، و الخصائص: للنسائي ص 35.
11- صحيح البخاري: ج 2 ص 260 مناقب فاطمة.
12- الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني (ج 7 ص 176.
13- المصدر نفسه: ج 7 ص 235.
السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم
ممّا لاشك فيه أن نبي الهدى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما يصدر منه مع خاصة أهله ممّا فيه الميزة على ذوي قرباه وأمته منبعث عن سر إلهي ربّما يقصر العقل عن إدراكه، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) في المتواتر من الآثار: (حديثنا صعب مستصعب لا يتحمّله إلا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان)(1)، فما ورد في النقل من مميّزات آل الرسول (صلى الله عليه وآله) مما لا تحيله العقول لا يرمى بالإعراض بعد إمكان أن يكون له وجه يظهره المستقبل الكشاف.
وعلى هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السنة والشيعة من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته فاطمة دون سائر أخواتها من الإكثار في تقبيل وجهها حتى أنكرت عليه بعض أزواجه فقال راداً عليها: (وما يمنعني من ذلك وإني أشمّ منها رائحة الجنة، وهي الحوراء الإنسية)(2)، و(كان يقوم لها إن دخلت عليه معظماً ومبجلاً لها)(3)، و(إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله ابنته فاطمة وإذا رجع من السفر فأول ما يبتدأ بها)(4). وقوله (صلى الله عليه وآله) وقد أخذ بيد الحسنين: (من أحبني وهذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)(5).
ووقوفه عند الفجر على باب فاطمة ستة أشهر بعد نزول آية التطهير يؤذّنهم للصلاة ثم يقول: (إنما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(6).
وقوله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: (يا بنيّة من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة)(7). وقوله (صلى الله عليه وآله): (أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم(8)، وعدو لمن عاداهم)(9). وقوله: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها)(10)، (إن فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها)(11)، إلى غير ذلك من كلماته الذهبية التي تنمّ عمّا حباها المهيمن جلّ شأنه من ألطاف ومزايا اختصّت بها دون البشر، وكيف لا تكون كذلك وقد اشتقّت من النور الإلهي الأقدس، ولقد علمنا من مقام النبوة ومما ورد في نصوص السنة النبوية والعلوية أن النبي لم يحب أحداً لمحض العاطفة أو واشجة القربى فما يلفظه من قول أو ينوء به من عمل ولاسيما في أمثال المقام لا يكون إلا عن حقيقة راهنة لا كمن يحدوه إلى الإطراء الميول والشهوات، فما صدر منه (صلى الله عليه وآله) من خصائص الصديقة لا يكون إلاّ عن وحي يحاول أن يرفع مستواها عن مستوى البشر أجمع، فالرسول الأعظم لم يصدع إلاّ بحقائق راهنة جعلتها يد المشيئة حيث أجرت عليها سيل الفضل الربوبي فكوّنتها على مثال العظمة وأفرغتها في بوتقة القداسة، فهي نماذج عن الحقيقة المحمدية المجعولة حلقة بين المبدأ والمنتهى، ورابطة بين الحديث والقديم.
عصمة الصديقة (عليها السلام)
لقد عرفت فيما تقدم اتفاق المفسرين وأرباب الحديث والتاريخ على أن الآية الكريمة: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) نزلت فيمن اشتمل عليهم الكساء، وهم النبي الأعظم ووصيه المقدم وابنته الزهراء وسبطاه سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولم يخف المراد من الرجس المنفي في الآية بعد أن كانت واردة في مقام الامتنان واللطف بمن اختصّت بهم فإنّ الغرض بمقتضى أداة الحصر قصر إرادة المولى (سبحانه) على تطهير من ضمّهم الكساء عن كلّ ما تستقذره الطّباع ويأمر به الشيطان ويحقّ لأجله العذاب ويشين السمعة وتقترف به الآثام وتمجّه الفطرة وتسقط به المروءة، وإليه يرجع ما ذكره ابن العربي في [الفتوحات المكية: الباب 29] من أن الرجس فيها عبارة عن كلّ ما يشين الإنسان، وكذا ما حكاه النووي في [شرح صحيح مسلم] عن الأزهري من أنه كلّ مستقذر من عمل وغيره.
وليس من المعقول تفسيره بخصوص الحدث المرتفع بالطهارات الثلاث الوضوء والغسل والتيمّم، بحيث يكون المراد من تطهيرهم كونهم دائماً على طهارة رافعة للحدث الأصغر إذ لم يثبت لهم هذا الحكم دون الأمة كما لا يراد منه خصوص الخبث لأنّ التطهير منه واجب على عامة المكلفين، ولا يختصّ بمن نزلت فيهم الآية وحمل التطهير في الآية على عدم تأثر الأخباث فيهم إذا أصابتهم لا قرينة عليه.
بل المراد من إذهاب الرجس الذي هو مساوق لحصول الطهارة المرادة للمولى (جلّ شأنه) معنى أرقى من جميع ذلك، وهو ما أشرنا إليه من نفي عموم الرجس فإن اللام الداخلة عليه للاستغراق الجنسي، ولم تكن هناك قرينة متصلة أو منفصلة على تخصيصه بنوع خاص من الرجس، وهذا المعنى الذي قلناه هو الموافق للامتنان الإلهي واللطف الربوبي وهو عبارة عن العصمة العامة التي تقول بها الإمامية الاثنا عشرية في أئمتهم (عليهم السلام)، فالكتاب العزيز معاضد لما أفادته البراهين الجلية من قداستهم عن كلّ ذلك.
وعليه فالآية المباركة دالة على مشاركة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لهم في هذا المعنى الجليل أعني العصمة الثابتة للأنبياء والأوصياء لأنها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية الكريمة، ومن أولئك الأفراد الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً).
ولو أعرضنا عن البرهنة العلمية فإنّا لا ننسى مهما نسينا شيئاً أنها (صلوات الله عليها) مشتقة من نور النبي (صلى الله عليه وآله) المنتجب من الشّعاع الإلهي، فهي شظية من الحقيقة المحمدية المصوغة من عنصر القداسة المفرغة في بوتقة النزاهة، وإنها من أغصان الشجرة النبوية، وفرع من جذم الرسالة، ولمعة من النور الأقدس المودع في ذلك الأصل الكريم، فمن المستحيل والحالة هذه أن يتطرّق الإثم إلى أفعالها أو أن توصم بشيء من شية العار فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين أخذاً من الميول والأهواء المردية بأنّ العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحمّلهم الحجية من رسالة أو إمامة، وقد تخلّت الحوراء عنهما فلا تجب عصمتها فإنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم (عليهم السلام) لأجل تبليغ الأحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها وإنما تمسّكنا لعصمتهم بعد نصّ الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكوّنة من النور الإلهي المستحيل، فيمن اشتقّ منه مقارنة إثم أو تلوّث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في مثل ترك الأولى. وهذه القدسية كما أوجبت عدم تمثّل الشيطان بصورهم في المنام على ما أنبأت عنه الآثار الصحيحة أوجبت نزاهة الزهراء عمّا يعتري النساء عند العادة والولادة تفضيلاً لها لمن ارتكض في بطنها من طاهرين مطهرين. ومما يؤكد العصمة فيها المتواتر من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) : (فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها ويسرّني من سرّها وإنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)(12)، فإنّ هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب (جل شأنه) وغضبه بغضبها، حتى إنها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لابدّ من أن يكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات، ولم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية، وهذا معنى العصمة الثابتة لها (سلام الله عليها).
وقد استفاد السهيلي من هذه الأحاديث أنها أفضل من الشيخين لكونها بضعة من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وأنّ سبّها كفر لأنه يغضب أباها قطعاً، ويوجب سخط المولى (سبحانه)، ويقول ابن حجر: كلّ من أوقع في فاطمة فتأذت به فالنبي (صلى الله عليه وآله) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا إشكال في تحريم أذى من يتأذّى المصطفى (صلى الله عليه وآله) بتأذيه(13). فتنبه من هذا الأمر غامض.
الهوامش
1- بصائر الدرجات: للصفار ص6 ملحق (بنفس الرحمن في فضل سلمان).
2- مناقب ابن شهر آشوب: ج 2 / ص 96 - 97.
3- كشف الغمة : ص136.
4- مناقب ابن شهر آشوب: ج 2 / ص 95، و مستدرك الحاكم: ج 3 ص 156.
5- كشف الغمة : ص 135، عن مسند أحمد.
6- مستدرك الحاكم : ج 3 ص 158، ومنتخب كنز العمال: بهامش (مسند أحمد): ج 5 ص 96.
7- كشف الغمة : ص 142.
8- الرياض النظرة : ج 2 ص 189.
9- الصواعق المحرقة : ص 85.
10- صحيح مسلم : ج 2 ص 339، و الخصائص: للنسائي ص 35.
11- صحيح البخاري: ج 2 ص 260 مناقب فاطمة.
12- الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني (ج 7 ص 176.
13- المصدر نفسه: ج 7 ص 235.