المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توصيات المرجعية العليا للشباب


راية الكرار
31-03-2016, 06:12 PM
اوصى سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي الحسيني السيستاني الشباب المؤمن بثمانية نصائح منها ان يستأنس الشاب بثلاث كتب يتزود منها بالتأمّل والتفكير وهي كتاب الله القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية محذرا الفتيات وأولياؤهن من ترجيح الوظائف على تكوين الأسرة والاهتمام بها.
جاء ذلك في رد سماحته على رسالة عدد من الشباب الجامعي، مقدما لهم بعض النصائح والتوصيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
تحيّة طيبة للمرجع الديني الأعلى سماحة آية الله السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف)
نحن جمعٌ من الشباب الجامعي ومن الذين ينشطون في المجال الاجتماعي، نرجو التفضّل علينا ببعض النصائح التي تنفعنا في هذه الأيّام والتي توضح دور الشباب وماذا يتطلّب منهم لكي يمارسوا دورهم، وغيرها من النصائح التي تنفعهم برأيكم الكريم.
جمعٌ من الشباب الجامعي والناشطين الاجتماعيين
وفیما جواب سماحة السيد السيستاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمّا بعد فإنّني أوصي الشباب الأعزاء –الذين يعنيني من أمرهم ما يعنيني من أمر نفسي وأهلي– بثمان وصايا هي تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وهي خلاصة رسائل الله سبحانه إلى خلقه وعظة الحكماء والصالحين من عباده، وما أفضت إليه تجاربي وانتهى إليه علمي:
الأولى: لزوم الاعتقاد الحق بالله سبحانه والدار الآخرة، فلا يفرطن أحدكم بهذا الاعتقاد بحال ٍ بعد أن دلّت عليه الأدلّة الواضحة وقضى به المنهج القويم، فكل كائن في هذا العالم ـــ إذا سبر الإنسان أغواره ـــ صنع بديع يدلّ على صانع قدير وخالق عظيم، وقد توالت سبحانه رسائله من خلال أنبيائه للتذكير بذلك، وقد أبان فيها عزّ وجل أنّ حقيقة هذه الحياة ـــ كما رسمها هو ـــ مضمار يبلو فيه عباده أيّهم أحسن عملاً، فمن حجب عنه وجود الله سبحانه والدار الآخرة فقد غاب عنه من الحياة معناها وآفاقها وعاقبتها وأظلمت عليه المسيرة فيها، فليحافظ كلّ واحد ٍ منكم على اعتقاده بذلك، وليجعله أعزّ الأشياء لديه كما هو أهمّها، بل يسعى إلى أن يزداد به يقيناً واعتباراً حتّى يكون حاضراً عنده، ينظر إليه بالبصيرة النافذة والرؤية الثاقبة، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
وإذا وجد المرء من نفسه في برهة من عنفوان شبابه ضعفاً في دينٍ مثل تثاقلٍ عن فريضة ٍ أو رغبة ٍ في ملذّة ٍ فلا يقطعن ارتباطه بالله سبحانه وتعالى تماماً، فيصعّب على نفسه سبيل الرجعة، وليعلم أنّ الإنسان إذا تنكّر لأمر الله سبحانه في حالة الشعور بالقوّة والعافية اغتراراً بها فإنّه يؤوب إليه تعالى في مواطن العجز والضعف اضطراراً، فليتأمل حين عنفوانه ــ الذي لا يتجاوز مدّة محدودة ــ في ما هو مقبل عليه من مراحل الضعف والوهن والمرض والشيخوخة.
وإيّاه أن ينزلق إلى التشكيك في المبادئ الثابتة لتوجيه مشروعية ممارساته وسلوكه اقتفاءً لشبهات لم يصبر على متابعة البحث فيها، أو استرسالاً في الاعتماد على أفكارٍ غير ناضجة أو اغتراراً بملذّات هذه الحياة وزبرجها، أو امتعاضاً من إستغلال بعضٍ لاسم الدين للمقاصد الشخصيّة، فإنّ الحق لا يقاس بالرجال بل يقاس الرجال بالحق.
الثانية: الاتّصاف بحسن الخلق، فإنّه جامع للفضائل الكثيرة من الحكمة والتروّي والرفق والتواضع والتدبير والحلم والصبر وغيرها، وهو بذلك من أهمّ أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وأقرب الناس إلى الله سبحانه وأثقلهم ميزاناً في يوم ٍ تخفّ فيه الموازين هو أحسنهم أخلاقاً، فليُحسّن أحدكم أخلاقه مع أبويه وأهله وأولاده وأصدقائه وعامّة الناس، فإن وجد من نفسه قصوراً فلا يهملنّ نفسه بل يحاسبها ويسوقها بالحكمة إلى غايته، فإن وجد تمنّعاً منها فلا ييأس بل يتكلّف الخلق الحسن، فإنّه ما تكلّف امرؤٌ طباع قوم إلاّ كان منهم، وهو في مسعاه هذا أكثر ثواباً عند الله سبحانه ممّن يجد ذلك بطبعه.
الثالثة: السعي في إتقان مهنة و كسب تخصّص، وإجهاد النفس فيه، والكدح لأجله، فإنّ فيه بركات كثيرة يشغل به قسماً من وقته، وينفق به على نفسه وعائلته، وينفع به مجتمعه، ويستعين به على فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به ماله، فإنّ المال كلّما كان التعب في تحصيله أكثر كان أكثر طيباً وبركة، كما أنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الإنسان الكادح الذي يجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كلاّ ً على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب، فلا ينقضينَّ شباب أحدكم من دون إتقان مهنة أو تخصّص ٍ فإنّ الله سبحانه جعل في الشباب طاقات ٍ نفسيّة ٍ و جسديّة ٍ ليكوّن المرء من خلالها رأس مال ٍ لحياته، فلا يضيعنّ بالتلهّي والإهمال.
وليهتم كلّ واحدٍ بمهنته وتخصّصه حتى يتقنها، فلا يقولنّ بغير علم ولا يعملنّ على غير خبرة، بل يعتذر فيما لا يستطيعه أو يعلمه أو فليرجع إلى غيره ممن هو أخبر منه، فإنّه أزكى له وأجلب للوثوق به، وليعمل عمله ووظيفته بنَفَسٍ واهتمام، وتذوّقٍ وإقبال، فلا يكون همّه مجرّد جمع المال ولو من غير محلّه، فإنّه لا بركة في المال الحرام، ومن جمع مالاً من غير حلّه لم يأمن من أن يفتح الله عليه من البلاء ما يضطرّ إلى إنفاقه فيه مع مزيد عناءٍ وابتلاء، فلا غنى به للمرء في الدنيا، وهو وبال عليه في الآخرة.
وليجعل نفسه ميزاناً بينه وبين غيره فيكون عمله لغيره على نحو ما يعمله لنفسه، ويحبّ أن يعمله له الآخرون، وليحسن كما يحب أن يُحسن الله سبحانه إليه، وليراع أخلاقيات المهنة ولياقاتها، فلا يتشبث بالطرق الوضيعة التي يستحي من أن يعلنها، وليعلم أن العامل والمتخصّص مؤتمن على عمله من قِبَل من يعمل له ويرجع إليه، فليكن ناصحاً له، وليحذرن خيانته من حيث لا يعلم، فإنّ الله تعالى رقيب عليه وناظر إلى عمله، ومستوفٍ منه إن عاجلاً أو آجلاً، وأنّ الخيانة والغدر لهما أقبح الأعمال عند الله سبحانه وأخطرها من حيث العواقب والآثار.
وليهتمّ الأطباء بين أهل المهن بمزيد اهتمام بهذه النصائح لأنهم يتعاملون مع نفوس الناس وأبدانهم، فليحذرن كل الحذر من تخطّى ما تقدّم فإنّه يؤول إلى سوء العاقبة وإنّ غداً لناظره قريب.
وقد قال سبحانه عزّ من قائل: [وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ]، وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
وليهتم طلاّب العلم الجامعي والأساتذة فيه بالإحاطة بما يتعلّق بمجال تخصّصهم مما انبثق في سائر المراكز العلمية وخاصّة علم الطب حتّى يكون علمهم ومعالجتهم لما يباشرونه في المستوى المعاصر في مجاله، بل عليهم أن يهتمّوا بتطوير العلوم من خلال المقالات العلمية النافعة والاكتشافات الرائدة، ولينافسوا المراكز العلمية الأخرى بالإمكانات المتاحة، وليأنفوا من أن يكونوا مجرّد تلامذة لغيرهم في تعلّمها ومستهلكين للآلات والأدوات التي يصنعونها، بل يساهموا مساهمة فعّالة في صناعة العلم وتوليده وانتاجه، كما كان آباؤهم روّاداً فيها وقادةً لها في أزمنة سابقة، وليست أمة أولى من أمة بذلك، وعليكم برعاية القابليّات المتميّزة بين الناشئين والشباب ممّن يمتاز بالنبوغ ويبدو عليه التفوّق والذكاء حتّى إذا كان من الطبقات الضعيفة وأعينوهم مثل إعانتكم لأبنائكم حتّى يبلغوا المبالغ العالية في العلم النافع، فيكتب لكم مثل نتاج عملهم وينتفع به مجتمعكم وخلفكم.
الرابعة: التزام مكارم الأفعال والأخلاق وتجنّب مذامها، فما من سعادةٍ وخيرٍ إلاّ ومبناها فضيلة، وما من شقاء ٍ وشرّ ٍ ــ عدا ما يختبر الله به عباده ــ إلاّ ومنشؤهُ رذيلة، وقد صدق الله سبحانه إذ قال [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ].
فمن الخصال الفاضلة: المحاسبة للنفس، والعفاف في المظهر والنظر والسلوك، والصدق في القول، والصلة للأرحام، والأداء للأمانة والوفاء بالعهود والالتزامات، والحزم في الحق، والترفع عن التصرّفات الوضيعة والسلوكيّات السخيفة.
ومن مذامّ الخصال: العصبيّات الممقوتة، والانفعالات السريعة،والملاهي الهابطة، ومراءاة الناس، والإسراف عند الغنى، والاعتداء عند الفقر، والتبرّم عند البلاء، والإساءة إلى الآخرين ولا سيّما الضعفاء، وهدر الأموال، وكفران النعم، والعزّة بالإثم، والإعانة على الظلم والعدوان، وحب المرء أن يُحمد على ما لم يفعله.
وأؤكد على الفتيات في أمر العفاف، فإنّ المرأة لظرافتها أكثر تأذّياً وتضرّراً بالسلبيات الناتجة عن عدم الحذر تجاه ذلك، فلا ينخدعن بالعواطف الزائفة ولا يلجن في التعلقات العابرة مما تنقضي ملذّتها، وتبقى مضاعفاتها ومنغّصاتها. فلا ينبغي للفتيات التفكير إلاّ في حياة مستقرّة تملك مقوّمات الصلاح والسعادة، وما أوقر المرأة المحافظة على ثقلها ومتانتها المحتشمة في مظهرها وتصرفاتها، المشغولة بأمور حياتها وعملها ودراستها.
الخامسة: الاهتمام بتكوين الأسرة بالزواج و الإنجاب من دون تأخير، فإنّ ذلك أنسُ للإنسان ومتعة، وباعثُ على الجدّ في العمل، وموجبُ للوقار والشعور بالمسؤولية، واستثمار للطاقات ليوم الحاجة ووقاية للمرء عن كثيرٍ من المعاني المحظورة والوضيعة حتى ورد أنّ من تزوّج فقد أحرز نصف دينه، وهو قبل ذلك كلّه سنة لازمة من أوكد سنن الحياة وفطرة فطرت النفس عليها، لم يفطم امرؤ نفسه عنها إلاّ وقع في المحاذير وابتلى بالخمول والتكاسل، ولا يخافنّ أحدٌ فيه فقراً فإنّ الله سبحانه جعل في الزواج من أسباب الرزق ما لا يحتسبه المرء في بادىء نظره، وليهتم أحدكم بخلق من يتزوجها ودينها ومنبتها، ولا يبالغن في الاهتمام بالجمال والمظهر والوظيفة فإنّه اغترار سرعان ما ينكشف عنه الغطاء عند ما تفصح له الحياة عن جدّها واختباراتها، وقد ورد في الحديث التحذير من الزواج بالمرأة لمحض جمالها، وليعلم أنّ من تزوّج امرأة لدينها وخلقها بورك له فيها.