الشيخ عباس محمد
13-08-2016, 04:07 PM
الادلة على وجود الابواب
من المهازل المضحكة ـ وشرّ البليّة ما يضحك ـ إنكار أن يكون في ذلك الزمان أبواب، فادُّعي بأنّ العرب آنذاك يستعملون الستائر فقط، وليس لهم حظٌّ من الأبواب في شيء،.
وكلّ ذلك لأجل تبرئة العجل الّذي أُشرب في قلوبهم حبّه وتقديسه، فلذا دافعوا عنه دفاع المستميت، ولو بالطعن في كلّ القيم والمبادئ والحضارات العريقة، وإنكار أبده البديهيّات، ولا أظنّ عاقلاً يقبل تلك المهزلة.
.
من راجع كتب اللغة لا يجد أنّ معنى الباب هو الستار، والتعبير بإغلاق الباب في الزخم الهائل من تراثنا، لا شك أنّه مغاير لإسدال الستارة، وكأنّهم لم يقرأوا القران الكريم حيث يقول:{ وغلّقت الأبواب(1)} فالأبواب موجودة بصريح القرآن الكريم في ذلك الزمان فكيف بزمان الرسالة المحمّديّة (على الصادع بها آلاف التحيّة)، والستائر لا تمنع من الخروج السهل ليوسف (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام).
_____1- سورة يوسف 12\23.
بل لا نتوقع أصلاً أن تكون البيوت مشرعة بلا باب يغلق يستر أهله، ولا شكّ أن أهل اللغة يفرّقون بين الباب والمدخل الّذي لا باب فيه، ويقولون فتح الباب ولا يعنون أنّه أزاح الستاره، فمحصّل الأمر أنّ إنكار الباب معناه تغيير لكل المعاني اللغوية، والأساليب العربية، والمفاهيم العرفيّة.
ومن منّا لم ير الآثار المنتشرة شرقاً وغرباً، في جميع أنحاء الدنيا، وهي ذات أبواب، سواء كانت حصوناً وقلاعاً أو بيوتاً أو غير ذلك.
وإذا كان إنكار وجود الخشب، لمجرد أن الكعبة المشرّفة، قد تمّ تسقيفها من خشب سفينة، قد تحطمت في ميناء جدّه، على الساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، كما يحدثنا بذلك ابن هشام في السيرة، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهما.
فهذا لا يعني أن الخشب ليس موجوداً عندهم، وهل يتصور عاقل عندما يقول القائل: أخذت خشباً من البلد الفلانيّة، أنّ الخشب ليس موجوداً في
بلده؟! علاوة على ذلك أننا لو رجعنا إلى النّص لوجدناه يصرّح بأنّ الخشب موجود عندهم ومعروف لديهم، فاقرأ معي ما ذكره ابن هشام:
(( وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدّة، لرجل من تجار الروم فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها.
وكان بمكة رجل قبطي نجّار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها )).
فإذا كان الخشب غير موجود عندهم، فلماذا يوجد بينهم هذا النجّار، وهذا النجار منهم لا من غيرهم بدليل النص (( فتهيأ لهم في أنفسهم )).
كما أنّ المدينة المنورة (على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام) معروفة بزراعة النخيل، وجذوعها مصدر من مصادر الخشب عندهم، كما يستعملون سعف النخيل أيضاً في سدّ حاجتهم في إنشاء بيوتهم.
ولذلك كان باب فاطمة (صلوات اللّه وسلامه عليها ) يجمع بين الخشب وسعف النخيل، وهو ما يقتضيه الجمع بين رواية المجلسي في بحاره(1) الدالّة على أنّه من خشب، ورواية المفيد في كتاب الاختصاص(2) الدالّة على أنّه من سعف النخيل، المتقدّمتين في البحوث السابقة.
كما أنّ التعبير بعضادة أو عضادتي الباب مذكور كثيراً في كتب التاريخ، بل أشبعت السير بمثل هذا التعبير، حتّى بالنسبة لبيت فاطمة(عليها السلام).
ومن راجع كتب اللغة وجدهم قد اتفقوا على أنّ معنى عضادتي الباب: هما
____________
1- البحار ج53 ص18 .
2- الاختصاص ص185 .
خشبتاه من جانبيه، وهذا يدل بوضوح أنّ الخشب موجود آنذاك وهو محل الاستعمال الشايع.
أمّا كلام أهل اللغة فنورد بعضاً منها:
ذكر الطريحي في مجمع البحرين(1): عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
وذكر الجوهري في الصحاح(2): وكذلك عضادتا الباب وهما: خشبتاه من جانبيه.
وأيضاً المنجد(3) قال: عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
وعلى هذا المنوال بقيّة كتب اللغة، فراجع إن شئت.
وأمّا أنّ لبيت فاطمة(عليها السلام) له عضادتان فروايته متعددة منها:
ذكر القمي في تفسيره(4):
عند تفسير قوله تعالى: { وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها(5)}: فإنّ اللّه أمره أن يخصّ أهله دون الناس، ليعلم النّاس أنّ لأهل محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عند اللّه منزلة خاصّة، ليست للناس، إذ أمرهم مع النّاس عامّة، ثمّ أمرهم خاصّة.
____________
1- مجمع البحرين ج3 ص102 .
2- الصحاح ج2 ص509 .
3- المنجد في اللغة ص511 .
4- تفسير القمي: ج2 ص67 .
5- سورة طه: 20\132 .
فلمّا أنزل اللّه تعالى هذه الآية كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يجيء كلّ يوم عند صلاة الفجر، حتّى يأتي باب عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) فيقول: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين: وعليك السّلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثمّ يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة الصلاة يرحمكم اللّه { إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً(1)} فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا، وقال أبو الحمراء خادم النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): أنا أشهد به يفعل ذلك(2).
وراجع أيضاً البحار ج 35 ب 5 ص 209 و214 ح 8 و18 .
فإذا كان بيت فاطمة(عليها السلام) فيه عضادتان ـ كما نصّت عليه الروايات السابقة ـ والعضادتان هما من الخشب ـ كما نصّ عليه أهل اللغة ـ فلماذا ننفي أن يكون هناك خشب أصلاً؟!
وأمّا الروايات الّتي ورد فيها ذكر العضادتين في ذلك الزمان فكثيرة جدّاً ونكتفي بذكر بعض المصادر من البحار:
جزء
باب
صفحة
حديث
نقلاً عن
6
8
220
14
علل الشرايع وأمالي الصدوق ومثله في أمالي الطوسي.
15
1
135
71
مجمع البيان للطبرسي.
16
5
16
17
من لا يحضره الفقيه ومثله اليعقوبي في تاريخه.
21
26
132
22
إعلام الورى ومثله إرشاد المفيد وابن شهراشوب في المناقب.
21
26
135
26
فروع الكافي.
28
4
309
50
إثبات الوصية.
32
9
347
330
علل الشرايع ومثله في تاريخ دمشق وابن خالويه في كتاب الآل وغيرهم
38
61
122
70
كتاب كشف اليقين.
39
87
268
42
كشف الغمة.
43
5
132
32
كشف الغمة عن المناقب.
76
48
242
22
دعوات الراوندي.
92
124
354
23
الدر المنثور.
103
6
263
2
مكارم الأخلاق.
ولعمري هذا إسهاب وتطويل، ولكنني معذور في أن أُسهب بأكثر من هذا، فأُورد إليك أيّها المنصف الغيور بعض النصوص التاريخيّة، الّتي تثبت أيضاً أنّ الأبواب كانت موجودة آنذاك، ومن غير النصوص السابقة، فإليك ما يزيد عن حاجتك:
باب الكعبة
إنّ الكعبة المشرفة لها باب يغلق، كما لها مفتاح أيضاً، ويدل على ذلك الروايات الآتية:
روى مسلم في مسنده(3) فقال:
حدّثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدريُّ، كلُّهم عن حمَّاد بن زيد، قال أبو كامل: حدَّثنا حمَّاد، حدَّثنا أيُّوب عن نافع، عن ابن عمر،
____________
1- سورة الأحزاب 33\33 .
2- البحار ج35 ص207 ح2 .
3- مسند مسلم ج2 ص966 ح389 .
قال: قدم رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوم الفتح. فنزل بفناء الكعبة(1) وأرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتح(2)، ففتح الباب، قال: ثمَّ دخل النَّبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وأمر بالباب فأغلق، فلبثوا فيه مليًّا، ثمَّ فتح الباب... إلى آخر الحديث.
وروى مسلم في مسنده(3) أيضاً فقال:
وحدثنا ابن أبي عمر، حدَّثنا سفيان، عن أيُّوب السختيانيِّ، عن نافع، عن ابن عمر. قال: أقبل رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، عام الفتح، على ناقة لأُسامة بن زيد، حتَّى أناخ بفناء الكعبة، ثمَّ دعا عثمان ابن طلحة فقال: ائتني بالمفتاح، فذهب إلى أمِّه، فأبت أن تعطيه، فقال: واللّه! لتعطينيه، أو ليخرجنَّ هذا السيف من صلبي، قال: فأعطته إيَّاه، فجاء به إلى النَّبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فدفعه إليه، ففتح الباب، ثمَّ ذكر بمثل حديث حمَّاد بن زيد.
وكذلك روى مسلم في مسنده(4) فقال:
وحدَّثني زهير بن حرب. حدَّثنا يحيى (وهو القطَّان)، ح وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدَّثنا أبو أسامة، ح وحدَّثنا ابن نمير (واللَّفظ له) حدَّثنا عبدة، عن
____________
1- (بفناء الكعبة) جانبها وحريمها.
2- (بالمفتح) هو المفتاح.
3- مسند مسلم ج2 ص966 ح390 .
4- مسند مسلم ج2 ص967 ح391 .
عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر. قال: دخل رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) البيت، ومعه أسامة وبلال وعثمان بن طلحة. فأجافوا(1)عليهم الباب طويلاً. ثمَّ فتح...إلى آخر الحديث.
وفي أمالي ابن الشيخ(2):
جماعة عن أبي المفضّل، عن محمد بن جرير الطّبريّ، عن عيسى بن مهران، عن مخوّل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمان بن الأسود، عن عليّ بن الحزوّر، عن أبي عمر البزّاز، عن رافع مولى أبي ذرّ قال: قال صعد أبو ذرّt على درجة الكعبة حتّى أخذ بحلقة الباب، ثمّ أسند ظهره إليه، ثمّ قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: إنّما مثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها هلك، وسمعت رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرّأس من الجسد، ومكان العينين من الرّأس، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرّأس، ولا يهتدي الرّأس إلاّ بالعينين(3).
____________
1- (فأجافوا) في النهاية: أجاف الباب رده عليه.
2- أمالي ابن الشيخ ص307 .
3- البحار ج23 ص121 ح43 ب7 .
باب خيبر
كانت الحصون والقلاع لها أبواب تغلق في وجه العدو، وتحفظ أهلها من أي غزو يداهمهم ومن ذلك حصن مرحب:
ذكر الواقدي في المغازي(1):
فانكشف المسلمون، وثبت عليٌّ(عليه السلام)، فاضطربا ضرباتٍ، فقتله عَليٌّ(عليه السلام)، ورجع أصحابُ الحارث إلى الحصن فدخلوه، وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، وخرج مّرْحَب وهو يقول:
قد عَلِمتْ خَيْبَرُ أَنّى مَرْحَبُ
شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ
أضرِبُ أَحياناً وحِيناً أُضْرَبُ
فحمل عليٌّ عليه السلام فقطَّره(2) على الباب، وفتح الباب: وكان للحِصن بابان.
وذكر الواقدي في المغازي(3) أيضاً:
وقال أَبو رافع: كنَّا مع عَليٍّ(عليه السلام) حين بعثه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالراية، فلقي عليٌّ(عليه السلام) رجلا على باب، فضرب عّليًّا، واتقاه بالتُّرس عَليٌّ، فتناول عليٌ باباً كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتّى فتح
____________
1- المغازي للواقدي ج2 ص654 .
2- قطره: أي ألقاه على أحد قطريه، وهما جانباه.
3- المغازي للواقدي ج2 ص655 .
اللّه عليه الحصن، وبعث رجلاً يُبشّر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح الحصن، حصن مّرْحَب ودخولِهم الحصن.
وذكر المجلسي(رحمه الله) في البحار(1).
وهذا الكلام الآتي مع طوله نقلناه تيمناً وتبرّكاً بذكر فضيلة بل فضائل لأمير المؤمنين(عليه السلام)، لأجل أن أكتب عند الله(عزّ وجلّ) ممّن كتب فضيلة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، علاوةً على وجود الشاهد فيها.
قال الطبرسيُّ(رحمه الله): لمّا قدم رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة، ثمَّ خرج منها غادياً إلى خيبر، وذكر ابن إسحاق بإسناده عن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جدّه(2)، قال: خرجنا مع رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى خيبر حتى إذا كنا قريباً منها، وأشرفنا عليها قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم): قفوا. فوقف الناس. فقال: اللّهمّ ربَّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن(3)، إنّا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية، وشرّ أهلها، وشرّ ما فيها، أقدموا، بسم اللّه الرحمن الرحيم.
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص1 .
2- في سيرة ابن هشام، قال ابن اسحاق حدثنى من لا أتهم، عن عطاء بن ابي مروان الأسلمي، عن ابيه، عن ابى معتب بن عمرو.
3- زاد في السيرة: ورب الرياح وما أذرين، فإنّا.
وعن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك(1)؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فجعل يقول:
لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا(2)
ولا تصدّقنا ولا صلّينا(3)
فاغفر فداء لك ما اقتنينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
إنّا إذا صيح بنا أنينا
وبالصّياح عوّلوا علينا.
فقال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم): من هذا السائق؟ قالوا: عامر، قال: ي(رحمه الله). قال عمر وهو على جمل: وجبت يا رسول اللّه لولا أمتعتنا به، وذلك أنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما استغفر لرجل قطّ يخصّه إلاّ استشهد، قالوا: فلمّا جدّ الحرب وتصافّ القوم خرج يهوديٌّ وهو يقول:
قد عَلِمتْ خَيْبَرُ أَنّى مَرْحَبُ
شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إذ الحروب أقبلت تلهّب
فبرز إليه عامر وهو يقول:
____________
1- في السيرة: من هناتك.
2- الموجود في السيرة بعد ذلك.
أنا إذا قوم بغوغ علينا وأن أرادوا فتنة ابينا
فانزلن سكينة علينا وثبت الأقدام ان لاقينا
3- حجينا خ ل. أقول: في السيرة: والله لولا الله ما اهتدينا.
قد علمت خيبر أنّي عامرٌ
شاكي السلاح بطلٌ مغامرٌ
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف اليهوديّ في ترس عامر، وكان سيف عامر فيه قصرٌ، فتناول به ساق اليهودي ليضربه، فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر، فمات منه. قال سلمة: فإذا نفر من أصحاب رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقولون: بطلَ عملُ عامر، قتل نفسه، قال: فأتيت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأنا أبكي، فقلت: قالوا: إنّ عامراً بطل عمله، فقال: من قال ذلك؟ قلت: نفر من أصحابك. فقال: كذب أولئك، بل أوتي من الأجر مرّتين. قال: فحاصرناهم حتّى إذا أصابتنا مخمصة شديدة، ثمّ إنّ اللّه فتحها علينا، وذلك أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أعطى اللّواء عمر بن الخطّاب(1) ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، يجبنه أصحابه ويجبنهم. وكان رسول اللّه أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فقال حين أفاق من وجعه: ما فعل الناس بخيبر؟ فأخبر. فقال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه.
وروى البخاريّ ومسلم(2) عن قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمان
____________
1- وكان ذلك بعد ما اعطى اللواء ابا بكر فرجع. ذكره ابن هشام في السيرة.
2- وروياه أيضا بأسانيد اخرى. راجع البخاري 5ج ص22 و23 و171 طبعة محمد على صبيح، وصحيح مسلم 5ج ص195 و ج6 ص121 و122 طبعة محمد على صبيح.
الاسكندرانيّ، عن أبي حازم، عن سعد بن سهل: أنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر: لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه، يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم(1) أيّهم يُعطاها(2) فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين عليّ ابن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: فأرسِلوا إليه. فأُتي به، فبصق رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في عينيه ودعا له، فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية، فقال عليّ: يا رسول اللّه ! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمَّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ اللّه فيه، فواللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
قال سلمة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... الأبيات.
فبرز له عليّ(عليه السلام) وهو يقول:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
____________
1- في البحار: يدوكون بجملتهم.
2- يعطيها خ ل.
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب رأس مرحب فقتله، ثمّ كان الفتح على يديه.
أورده مسلم في الصحيح
وروى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرجنا مع عليّ(عليه السلام) حين بعثه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ(عليه السلام) باب الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح اللّه عليه، ثمّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم(1) نجهد على أن نقلّب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلّبه.
وبإسناده عن ليث بن أبي سليم(2)، عن أبي جعفر محمد بن عليّ (عليه السلام) قال: حدّثني جابر بن عبد الله أنّ عليّاً(عليه السلام) حمل الباب يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه، فاقتحموها ففتحوها، وإنّه حرّك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً.
____________
1- ثامنهم خ ل. أقول: يوجد ذلك في المصدر والسيرة.
2- سلمة خ ل.
من قضاء
أمير المؤمنين (عليه السلام)
النجارون موجودون، والخشب موجود، والمسامير موجودة، فأي مهزلة هذه أن ينكر كلّ ذلك من يّدعي العلم مكابرةً، فهذه قضية من قضاء أمير المؤمنين(عليه السلام)، ينقلها الوسائل(1) والكافي(2) والتهذيب(3) والإستبصار(4)، لعلّ في هذا رجوع وصحوة، وما أظن عند هذا الرجل شيء من ذلك، وعلى كلّ حال فاقرأ معي هذه الرواية:
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) رفع إليه رجل استأجر رجلاً ليصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين(عليه السلام).
عسس عمر
قد عرف عن عمر عسسه ليلاً، وتسلقه جدران المسلمين، وإنّما اضطرّ إلى ذلك لأنّ هناك أبواب مغلقة، ولو لم يكن هناك أبواب لسهل عليه الدخول من خلال الستائر، دون أن يكلّف نفسه عناء التسلّق، وزيادة في الأمر وضوحاً تأمّل في تعبير الرواية الثانية الآتية (( فهمَّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين
____________
1- الوسائل ج19 ص144 ح24326 ب29 .
2- الكافي ج5 ص243 ح9 ب29 .
3- التهذيب ج7 ص219 ح41 ب22 .
4- الإستبصار ج3 ص132 ح5 ب87 .
البيت فتسوَّر على السَّطح )).
ويعدّ أنّه أوّل من أوجد العسس، وتطور إلى زماننا هذا إلى ما يسمّى بدوائر الأمن والمخابرات تارة، والمباحث تارة أخرى، وننقل من عسسه روايتين:
الرواية الأولى:
عن عمر بن الخطاب أنّه كان يعسُّ ليلة، فمرَّ بدار سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوَّر، فرأى رجلاً عند امرأة وزقَّ خمر، فقال: يا عدوَّ اللّه أظننت أنَّ اللّه يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة، فقد أخطأت في ثلاث: قال اللّه تعالى: } ولا تجسَّسوا(1){ وقد تجسست، وقال:} وأتوا البيوت من أبوابها(2){ وقد تسوَّرت، وقال: } ...إذا دخلتم بيوتاً فسلّموا(3){ وما سلّمت.
فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، واللّه لا أعود. فقال: إذهب فقد عفوت عنك(4).
____________
1- سورة الحجرات 49\12 .
2- سورة البقرة 2\189 .
3- سورة النور 24\61 .
4- الغدير ج6 ص121 ح1 ، نقلاً عن ألرِّياض النضرة ج2 ص46، شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص61، ج3 ص96، ألدرّ المنثور ج6 ص93، ألفتوحات الإسلاميَّة ج2 ص477.
الرواية الثانية:
خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة، فرأى في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً، فوقف على الباب يتجسَّس، فرأى عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مزرٌ وهو يشرب، ومعه جماعةٌ فهمَّ بالدخول من الباب، فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوَّر على السَّطح، ونزل إليهم من الدَّرجة ومعه الدرَّة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسك الأسود، فقال له: يا أمير المؤمنين! قد أخطأت وإنّي تائبٌ فاقبل توبتي، فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث: فإنَّ اللّه تعالى قال: } ولا تجسَّسوا(1){، وأنت تجسَّست وقال تعالى: } وأتوا البيوت من أبوابها(2){ وأنت أتيت من السَّطح. وقال تعالى: } لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها(3){ وأنت دخلت وما سلّمت. إلخ(4).
يتبع
من المهازل المضحكة ـ وشرّ البليّة ما يضحك ـ إنكار أن يكون في ذلك الزمان أبواب، فادُّعي بأنّ العرب آنذاك يستعملون الستائر فقط، وليس لهم حظٌّ من الأبواب في شيء،.
وكلّ ذلك لأجل تبرئة العجل الّذي أُشرب في قلوبهم حبّه وتقديسه، فلذا دافعوا عنه دفاع المستميت، ولو بالطعن في كلّ القيم والمبادئ والحضارات العريقة، وإنكار أبده البديهيّات، ولا أظنّ عاقلاً يقبل تلك المهزلة.
.
من راجع كتب اللغة لا يجد أنّ معنى الباب هو الستار، والتعبير بإغلاق الباب في الزخم الهائل من تراثنا، لا شك أنّه مغاير لإسدال الستارة، وكأنّهم لم يقرأوا القران الكريم حيث يقول:{ وغلّقت الأبواب(1)} فالأبواب موجودة بصريح القرآن الكريم في ذلك الزمان فكيف بزمان الرسالة المحمّديّة (على الصادع بها آلاف التحيّة)، والستائر لا تمنع من الخروج السهل ليوسف (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام).
_____1- سورة يوسف 12\23.
بل لا نتوقع أصلاً أن تكون البيوت مشرعة بلا باب يغلق يستر أهله، ولا شكّ أن أهل اللغة يفرّقون بين الباب والمدخل الّذي لا باب فيه، ويقولون فتح الباب ولا يعنون أنّه أزاح الستاره، فمحصّل الأمر أنّ إنكار الباب معناه تغيير لكل المعاني اللغوية، والأساليب العربية، والمفاهيم العرفيّة.
ومن منّا لم ير الآثار المنتشرة شرقاً وغرباً، في جميع أنحاء الدنيا، وهي ذات أبواب، سواء كانت حصوناً وقلاعاً أو بيوتاً أو غير ذلك.
وإذا كان إنكار وجود الخشب، لمجرد أن الكعبة المشرّفة، قد تمّ تسقيفها من خشب سفينة، قد تحطمت في ميناء جدّه، على الساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، كما يحدثنا بذلك ابن هشام في السيرة، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهما.
فهذا لا يعني أن الخشب ليس موجوداً عندهم، وهل يتصور عاقل عندما يقول القائل: أخذت خشباً من البلد الفلانيّة، أنّ الخشب ليس موجوداً في
بلده؟! علاوة على ذلك أننا لو رجعنا إلى النّص لوجدناه يصرّح بأنّ الخشب موجود عندهم ومعروف لديهم، فاقرأ معي ما ذكره ابن هشام:
(( وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدّة، لرجل من تجار الروم فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها.
وكان بمكة رجل قبطي نجّار، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها )).
فإذا كان الخشب غير موجود عندهم، فلماذا يوجد بينهم هذا النجّار، وهذا النجار منهم لا من غيرهم بدليل النص (( فتهيأ لهم في أنفسهم )).
كما أنّ المدينة المنورة (على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسلام) معروفة بزراعة النخيل، وجذوعها مصدر من مصادر الخشب عندهم، كما يستعملون سعف النخيل أيضاً في سدّ حاجتهم في إنشاء بيوتهم.
ولذلك كان باب فاطمة (صلوات اللّه وسلامه عليها ) يجمع بين الخشب وسعف النخيل، وهو ما يقتضيه الجمع بين رواية المجلسي في بحاره(1) الدالّة على أنّه من خشب، ورواية المفيد في كتاب الاختصاص(2) الدالّة على أنّه من سعف النخيل، المتقدّمتين في البحوث السابقة.
كما أنّ التعبير بعضادة أو عضادتي الباب مذكور كثيراً في كتب التاريخ، بل أشبعت السير بمثل هذا التعبير، حتّى بالنسبة لبيت فاطمة(عليها السلام).
ومن راجع كتب اللغة وجدهم قد اتفقوا على أنّ معنى عضادتي الباب: هما
____________
1- البحار ج53 ص18 .
2- الاختصاص ص185 .
خشبتاه من جانبيه، وهذا يدل بوضوح أنّ الخشب موجود آنذاك وهو محل الاستعمال الشايع.
أمّا كلام أهل اللغة فنورد بعضاً منها:
ذكر الطريحي في مجمع البحرين(1): عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
وذكر الجوهري في الصحاح(2): وكذلك عضادتا الباب وهما: خشبتاه من جانبيه.
وأيضاً المنجد(3) قال: عضادتا الباب: خشبتاه من جانبيه.
وعلى هذا المنوال بقيّة كتب اللغة، فراجع إن شئت.
وأمّا أنّ لبيت فاطمة(عليها السلام) له عضادتان فروايته متعددة منها:
ذكر القمي في تفسيره(4):
عند تفسير قوله تعالى: { وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها(5)}: فإنّ اللّه أمره أن يخصّ أهله دون الناس، ليعلم النّاس أنّ لأهل محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عند اللّه منزلة خاصّة، ليست للناس، إذ أمرهم مع النّاس عامّة، ثمّ أمرهم خاصّة.
____________
1- مجمع البحرين ج3 ص102 .
2- الصحاح ج2 ص509 .
3- المنجد في اللغة ص511 .
4- تفسير القمي: ج2 ص67 .
5- سورة طه: 20\132 .
فلمّا أنزل اللّه تعالى هذه الآية كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يجيء كلّ يوم عند صلاة الفجر، حتّى يأتي باب عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) فيقول: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين: وعليك السّلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثمّ يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة الصلاة يرحمكم اللّه { إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً(1)} فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا، وقال أبو الحمراء خادم النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): أنا أشهد به يفعل ذلك(2).
وراجع أيضاً البحار ج 35 ب 5 ص 209 و214 ح 8 و18 .
فإذا كان بيت فاطمة(عليها السلام) فيه عضادتان ـ كما نصّت عليه الروايات السابقة ـ والعضادتان هما من الخشب ـ كما نصّ عليه أهل اللغة ـ فلماذا ننفي أن يكون هناك خشب أصلاً؟!
وأمّا الروايات الّتي ورد فيها ذكر العضادتين في ذلك الزمان فكثيرة جدّاً ونكتفي بذكر بعض المصادر من البحار:
جزء
باب
صفحة
حديث
نقلاً عن
6
8
220
14
علل الشرايع وأمالي الصدوق ومثله في أمالي الطوسي.
15
1
135
71
مجمع البيان للطبرسي.
16
5
16
17
من لا يحضره الفقيه ومثله اليعقوبي في تاريخه.
21
26
132
22
إعلام الورى ومثله إرشاد المفيد وابن شهراشوب في المناقب.
21
26
135
26
فروع الكافي.
28
4
309
50
إثبات الوصية.
32
9
347
330
علل الشرايع ومثله في تاريخ دمشق وابن خالويه في كتاب الآل وغيرهم
38
61
122
70
كتاب كشف اليقين.
39
87
268
42
كشف الغمة.
43
5
132
32
كشف الغمة عن المناقب.
76
48
242
22
دعوات الراوندي.
92
124
354
23
الدر المنثور.
103
6
263
2
مكارم الأخلاق.
ولعمري هذا إسهاب وتطويل، ولكنني معذور في أن أُسهب بأكثر من هذا، فأُورد إليك أيّها المنصف الغيور بعض النصوص التاريخيّة، الّتي تثبت أيضاً أنّ الأبواب كانت موجودة آنذاك، ومن غير النصوص السابقة، فإليك ما يزيد عن حاجتك:
باب الكعبة
إنّ الكعبة المشرفة لها باب يغلق، كما لها مفتاح أيضاً، ويدل على ذلك الروايات الآتية:
روى مسلم في مسنده(3) فقال:
حدّثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدريُّ، كلُّهم عن حمَّاد بن زيد، قال أبو كامل: حدَّثنا حمَّاد، حدَّثنا أيُّوب عن نافع، عن ابن عمر،
____________
1- سورة الأحزاب 33\33 .
2- البحار ج35 ص207 ح2 .
3- مسند مسلم ج2 ص966 ح389 .
قال: قدم رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوم الفتح. فنزل بفناء الكعبة(1) وأرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتح(2)، ففتح الباب، قال: ثمَّ دخل النَّبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وأمر بالباب فأغلق، فلبثوا فيه مليًّا، ثمَّ فتح الباب... إلى آخر الحديث.
وروى مسلم في مسنده(3) أيضاً فقال:
وحدثنا ابن أبي عمر، حدَّثنا سفيان، عن أيُّوب السختيانيِّ، عن نافع، عن ابن عمر. قال: أقبل رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، عام الفتح، على ناقة لأُسامة بن زيد، حتَّى أناخ بفناء الكعبة، ثمَّ دعا عثمان ابن طلحة فقال: ائتني بالمفتاح، فذهب إلى أمِّه، فأبت أن تعطيه، فقال: واللّه! لتعطينيه، أو ليخرجنَّ هذا السيف من صلبي، قال: فأعطته إيَّاه، فجاء به إلى النَّبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فدفعه إليه، ففتح الباب، ثمَّ ذكر بمثل حديث حمَّاد بن زيد.
وكذلك روى مسلم في مسنده(4) فقال:
وحدَّثني زهير بن حرب. حدَّثنا يحيى (وهو القطَّان)، ح وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدَّثنا أبو أسامة، ح وحدَّثنا ابن نمير (واللَّفظ له) حدَّثنا عبدة، عن
____________
1- (بفناء الكعبة) جانبها وحريمها.
2- (بالمفتح) هو المفتاح.
3- مسند مسلم ج2 ص966 ح390 .
4- مسند مسلم ج2 ص967 ح391 .
عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر. قال: دخل رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) البيت، ومعه أسامة وبلال وعثمان بن طلحة. فأجافوا(1)عليهم الباب طويلاً. ثمَّ فتح...إلى آخر الحديث.
وفي أمالي ابن الشيخ(2):
جماعة عن أبي المفضّل، عن محمد بن جرير الطّبريّ، عن عيسى بن مهران، عن مخوّل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمان بن الأسود، عن عليّ بن الحزوّر، عن أبي عمر البزّاز، عن رافع مولى أبي ذرّ قال: قال صعد أبو ذرّt على درجة الكعبة حتّى أخذ بحلقة الباب، ثمّ أسند ظهره إليه، ثمّ قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: إنّما مثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها هلك، وسمعت رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرّأس من الجسد، ومكان العينين من الرّأس، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرّأس، ولا يهتدي الرّأس إلاّ بالعينين(3).
____________
1- (فأجافوا) في النهاية: أجاف الباب رده عليه.
2- أمالي ابن الشيخ ص307 .
3- البحار ج23 ص121 ح43 ب7 .
باب خيبر
كانت الحصون والقلاع لها أبواب تغلق في وجه العدو، وتحفظ أهلها من أي غزو يداهمهم ومن ذلك حصن مرحب:
ذكر الواقدي في المغازي(1):
فانكشف المسلمون، وثبت عليٌّ(عليه السلام)، فاضطربا ضرباتٍ، فقتله عَليٌّ(عليه السلام)، ورجع أصحابُ الحارث إلى الحصن فدخلوه، وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، وخرج مّرْحَب وهو يقول:
قد عَلِمتْ خَيْبَرُ أَنّى مَرْحَبُ
شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ
أضرِبُ أَحياناً وحِيناً أُضْرَبُ
فحمل عليٌّ عليه السلام فقطَّره(2) على الباب، وفتح الباب: وكان للحِصن بابان.
وذكر الواقدي في المغازي(3) أيضاً:
وقال أَبو رافع: كنَّا مع عَليٍّ(عليه السلام) حين بعثه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالراية، فلقي عليٌّ(عليه السلام) رجلا على باب، فضرب عّليًّا، واتقاه بالتُّرس عَليٌّ، فتناول عليٌ باباً كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتّى فتح
____________
1- المغازي للواقدي ج2 ص654 .
2- قطره: أي ألقاه على أحد قطريه، وهما جانباه.
3- المغازي للواقدي ج2 ص655 .
اللّه عليه الحصن، وبعث رجلاً يُبشّر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح الحصن، حصن مّرْحَب ودخولِهم الحصن.
وذكر المجلسي(رحمه الله) في البحار(1).
وهذا الكلام الآتي مع طوله نقلناه تيمناً وتبرّكاً بذكر فضيلة بل فضائل لأمير المؤمنين(عليه السلام)، لأجل أن أكتب عند الله(عزّ وجلّ) ممّن كتب فضيلة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، علاوةً على وجود الشاهد فيها.
قال الطبرسيُّ(رحمه الله): لمّا قدم رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة، ثمَّ خرج منها غادياً إلى خيبر، وذكر ابن إسحاق بإسناده عن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جدّه(2)، قال: خرجنا مع رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى خيبر حتى إذا كنا قريباً منها، وأشرفنا عليها قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم): قفوا. فوقف الناس. فقال: اللّهمّ ربَّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن(3)، إنّا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية، وشرّ أهلها، وشرّ ما فيها، أقدموا، بسم اللّه الرحمن الرحيم.
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص1 .
2- في سيرة ابن هشام، قال ابن اسحاق حدثنى من لا أتهم، عن عطاء بن ابي مروان الأسلمي، عن ابيه، عن ابى معتب بن عمرو.
3- زاد في السيرة: ورب الرياح وما أذرين، فإنّا.
وعن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك(1)؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فجعل يقول:
لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا(2)
ولا تصدّقنا ولا صلّينا(3)
فاغفر فداء لك ما اقتنينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
إنّا إذا صيح بنا أنينا
وبالصّياح عوّلوا علينا.
فقال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم): من هذا السائق؟ قالوا: عامر، قال: ي(رحمه الله). قال عمر وهو على جمل: وجبت يا رسول اللّه لولا أمتعتنا به، وذلك أنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما استغفر لرجل قطّ يخصّه إلاّ استشهد، قالوا: فلمّا جدّ الحرب وتصافّ القوم خرج يهوديٌّ وهو يقول:
قد عَلِمتْ خَيْبَرُ أَنّى مَرْحَبُ
شاكِي السلاح بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إذ الحروب أقبلت تلهّب
فبرز إليه عامر وهو يقول:
____________
1- في السيرة: من هناتك.
2- الموجود في السيرة بعد ذلك.
أنا إذا قوم بغوغ علينا وأن أرادوا فتنة ابينا
فانزلن سكينة علينا وثبت الأقدام ان لاقينا
3- حجينا خ ل. أقول: في السيرة: والله لولا الله ما اهتدينا.
قد علمت خيبر أنّي عامرٌ
شاكي السلاح بطلٌ مغامرٌ
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف اليهوديّ في ترس عامر، وكان سيف عامر فيه قصرٌ، فتناول به ساق اليهودي ليضربه، فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر، فمات منه. قال سلمة: فإذا نفر من أصحاب رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقولون: بطلَ عملُ عامر، قتل نفسه، قال: فأتيت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأنا أبكي، فقلت: قالوا: إنّ عامراً بطل عمله، فقال: من قال ذلك؟ قلت: نفر من أصحابك. فقال: كذب أولئك، بل أوتي من الأجر مرّتين. قال: فحاصرناهم حتّى إذا أصابتنا مخمصة شديدة، ثمّ إنّ اللّه فتحها علينا، وذلك أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أعطى اللّواء عمر بن الخطّاب(1) ونهض من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، يجبنه أصحابه ويجبنهم. وكان رسول اللّه أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فقال حين أفاق من وجعه: ما فعل الناس بخيبر؟ فأخبر. فقال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه.
وروى البخاريّ ومسلم(2) عن قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمان
____________
1- وكان ذلك بعد ما اعطى اللواء ابا بكر فرجع. ذكره ابن هشام في السيرة.
2- وروياه أيضا بأسانيد اخرى. راجع البخاري 5ج ص22 و23 و171 طبعة محمد على صبيح، وصحيح مسلم 5ج ص195 و ج6 ص121 و122 طبعة محمد على صبيح.
الاسكندرانيّ، عن أبي حازم، عن سعد بن سهل: أنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر: لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه، يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم(1) أيّهم يُعطاها(2) فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين عليّ ابن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: فأرسِلوا إليه. فأُتي به، فبصق رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في عينيه ودعا له، فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية، فقال عليّ: يا رسول اللّه ! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمَّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ اللّه فيه، فواللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
قال سلمة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... الأبيات.
فبرز له عليّ(عليه السلام) وهو يقول:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
____________
1- في البحار: يدوكون بجملتهم.
2- يعطيها خ ل.
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب رأس مرحب فقتله، ثمّ كان الفتح على يديه.
أورده مسلم في الصحيح
وروى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرجنا مع عليّ(عليه السلام) حين بعثه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ(عليه السلام) باب الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح اللّه عليه، ثمّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم(1) نجهد على أن نقلّب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلّبه.
وبإسناده عن ليث بن أبي سليم(2)، عن أبي جعفر محمد بن عليّ (عليه السلام) قال: حدّثني جابر بن عبد الله أنّ عليّاً(عليه السلام) حمل الباب يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه، فاقتحموها ففتحوها، وإنّه حرّك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً.
____________
1- ثامنهم خ ل. أقول: يوجد ذلك في المصدر والسيرة.
2- سلمة خ ل.
من قضاء
أمير المؤمنين (عليه السلام)
النجارون موجودون، والخشب موجود، والمسامير موجودة، فأي مهزلة هذه أن ينكر كلّ ذلك من يّدعي العلم مكابرةً، فهذه قضية من قضاء أمير المؤمنين(عليه السلام)، ينقلها الوسائل(1) والكافي(2) والتهذيب(3) والإستبصار(4)، لعلّ في هذا رجوع وصحوة، وما أظن عند هذا الرجل شيء من ذلك، وعلى كلّ حال فاقرأ معي هذه الرواية:
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) رفع إليه رجل استأجر رجلاً ليصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين(عليه السلام).
عسس عمر
قد عرف عن عمر عسسه ليلاً، وتسلقه جدران المسلمين، وإنّما اضطرّ إلى ذلك لأنّ هناك أبواب مغلقة، ولو لم يكن هناك أبواب لسهل عليه الدخول من خلال الستائر، دون أن يكلّف نفسه عناء التسلّق، وزيادة في الأمر وضوحاً تأمّل في تعبير الرواية الثانية الآتية (( فهمَّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين
____________
1- الوسائل ج19 ص144 ح24326 ب29 .
2- الكافي ج5 ص243 ح9 ب29 .
3- التهذيب ج7 ص219 ح41 ب22 .
4- الإستبصار ج3 ص132 ح5 ب87 .
البيت فتسوَّر على السَّطح )).
ويعدّ أنّه أوّل من أوجد العسس، وتطور إلى زماننا هذا إلى ما يسمّى بدوائر الأمن والمخابرات تارة، والمباحث تارة أخرى، وننقل من عسسه روايتين:
الرواية الأولى:
عن عمر بن الخطاب أنّه كان يعسُّ ليلة، فمرَّ بدار سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوَّر، فرأى رجلاً عند امرأة وزقَّ خمر، فقال: يا عدوَّ اللّه أظننت أنَّ اللّه يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة، فقد أخطأت في ثلاث: قال اللّه تعالى: } ولا تجسَّسوا(1){ وقد تجسست، وقال:} وأتوا البيوت من أبوابها(2){ وقد تسوَّرت، وقال: } ...إذا دخلتم بيوتاً فسلّموا(3){ وما سلّمت.
فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، واللّه لا أعود. فقال: إذهب فقد عفوت عنك(4).
____________
1- سورة الحجرات 49\12 .
2- سورة البقرة 2\189 .
3- سورة النور 24\61 .
4- الغدير ج6 ص121 ح1 ، نقلاً عن ألرِّياض النضرة ج2 ص46، شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص61، ج3 ص96، ألدرّ المنثور ج6 ص93، ألفتوحات الإسلاميَّة ج2 ص477.
الرواية الثانية:
خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة، فرأى في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً، فوقف على الباب يتجسَّس، فرأى عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مزرٌ وهو يشرب، ومعه جماعةٌ فهمَّ بالدخول من الباب، فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوَّر على السَّطح، ونزل إليهم من الدَّرجة ومعه الدرَّة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسك الأسود، فقال له: يا أمير المؤمنين! قد أخطأت وإنّي تائبٌ فاقبل توبتي، فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث: فإنَّ اللّه تعالى قال: } ولا تجسَّسوا(1){، وأنت تجسَّست وقال تعالى: } وأتوا البيوت من أبوابها(2){ وأنت أتيت من السَّطح. وقال تعالى: } لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها(3){ وأنت دخلت وما سلّمت. إلخ(4).
يتبع