المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس السيد محمد باقر السيستاني حول منهج التثبت في شأن الدين ( الحلقة 7)


حفيد الكرار
15-08-2016, 10:48 PM
دروس السيد محمد باقر السيستاني حول منهج التثبت في شأن الدين ( الحلقة 7)

1
(منھج التثبت في شأن الدین)

الحلقة السابعة
:

اختلاط المشاعر النبیلة التي ھي أساس التشریع
بالمشاعر الأخرى أحیانا ولزوم الاسترشاد بشأنھا
.

إن المشاعر الإنسانیة النبیلة بحسب المنظور الدیني
الموافق للتشخیص العقلي عرضة للاشتباه بالمشاعر الأخرى
مما یقتضي مزید اً من التثبت في نوع الشعور، والاسترشاد فیھ
بالدین
...

وتوضیح ذلك
: إن المشاعر الإنسانیة على قسمین:
(أولھما): مشاعر نبیلة تمثل القانون الفطري في داخل
الإنسان، وھي المأخذ الأم للتشریع الفاضل الحكیم، وھذه المشاعر

-
على العموم - توصف بالوسطیة والاعتدال، وتضمن مراعاتھا
النظم العام، بعید اً عن المضاعفات السلبیة.
(ثانیھما): مشاعر أخرى تتجھ نحو الإفراط أو التفریط في
مواردھا، ومن أمثلتھا:
1. الشعور بالرقّة فیما إذا كان ناشئ اً عن الضعف النفسي،
كالرقة بالمجرم المحترف للقتل، وكذلك رقة النباتیین بالحیوانات
عن أن تؤكل، ومن ھذا الباب رقة بعض الأمھات بالأولاد في
مواقع تقتضي الحزم ویؤدي التساھل إلى تضرّر الطفل في مستقبلھ
تضرراً كبیر اً، ورقة بعض أولیاء المرضى في إجراء العملیة
للمریض بقطع الرجل أو الید أو نحو ذلك.

والأمثلة على ذلك كثیرة
.. ومنھا یتّضح: أن لیس كل شعور
بالرق ة شعور اً فاضلا ونبیلا ، بل منھ ما ینشأ عن الضعف النفسي،
ولا یحمد عقباه، ویستتبع مفاسد لاحقة.
2. الغلظة الشدیدة في التعامل مع الخطیئة أو الخطأ
الیسیر، كغلظة بعض الآباء مع أولادھم بأسالیب غیر مشروعة
تترك آثاراً سلبیة جسدیة ونفسیة على الطفل.

فمن الخطأ اعتبار كلّ شعور مندفع من الحفاظ على قیمة
فطریة شعور اً فاضلا ، بل قد ینشأ ذلك الاندفاع عن محض الانفعال
ویترك مضاعفات سلبیة أكبر، كما في حالات الاندفاعات الشدیدة
الزائدة على اقتضاء أسبابھا
.

2
3.
الأنانیة؛ فإن الإنسان الأناني یرى ویستبیح لنفسھ من
التصرفات وردود الأفعال أكثر مما یسوغ لھ، ویرى على الآخرین
من الواجبات أكثر مما یجب علیھم، والمشاعر التي تنشأ عن ذلك
لیست فطریة، بل منشؤھا حب الامتیاز عن الآخرین والاستعلاء
علیھم بأي وجھ كان، وإن كان الإنسان الأناني یزعم أن ذلك
استحقاق لھ ویرى في منعھ عنھ ظلم اً لھ وإجحاف اً بھ.
4. الرغبة في التساوي من غیر تقدیر المؤھلات الفارقة،
كما في الطالب الكسول الذي یرغب أن یعطى درجة الطالب
المثابر، وی تّھم الأ ستاذ بتقلیل درجتھ عمّ ا یستحقھ، ویشعر بالغبن
والجفاء من تعاملھ معھ، وكذلك الحال في سائر من ھو أدنى درجة
في شيء - سواء كان ذلك لقلة جھده أم لجریان المقادیر بھ، مثل:

الجمال والغنى الموروث
- فإنھ قد لا یرضى باستحقاقھ، ویبتلي
بھذا الإحساس تجاه من ھو أعلى منھ، فیوجب حسده لھ وحقده
علیھ، وقد یؤدي بھ ذلك إلى تصرفات غیر لائقة.
وقد یكون التساوي الذي یتوقعھ المرء كاذب اً، بمعنى: أن ما
وقع لم یكن یمثّل تفریقاً بین الطرفین – ولو على أساس اختلاف
مستوى الأھلیة -، بل كان تقدیراً لحالتین مختلفتین نوع اً تقدیراً
مختلفاً حسب تناسبھما، كما إذا وفر الأب لأحد ابنیھ جھازاً یناسب
عملھ ووفّر للآخر جھازاً مختلفاً بالنظر إلى اختلاف عملھ، وكان
الجھاز الأول أغلى من الجھاز الثاني؛ فیعدّ الابن الثاني ھذا تمییز اً
غیر عادل ویأخذ مأخذ اً من نفسھ، مع أن ھذا ممّا لا تقتضیھ
التسویة بینھما وفق احتیاجاتھما. ومن ذلك أیضاً: المطالبة بالتسویة
بین الرجل والمرأة في بعض المجالات رغم اختلافھما في
تكوینھما النفسي والبدني.
[اشتباه الرغبات الإنسانیة الاعتیادیّة بعواطف إنسانیّة نبیلة]:

إن كثیرا من الرغبات الإنسانیة الاعتیادیة - مثل حب الجاه
والمال - عندما یُفرط الإنسان فیھا وتطغى علیھ قد تشتبھ عنده
بعواطف إنسانیة نبیلة في مقام تشخیصھا؛ بمعنى: أن المرء یعتقد
خطأً أن ھذا الشعور الخاص من قبیل الشعور النبیل، ولكنّھ في
الحقیقة نحو شعور اعتیاديّ ملحّ یصرّ على الاستجابة لھ والإیفاء
بمقتضاه فیتراءى لھ شعوراً نبیلاً، وقد رُصِد في علم النفس الحدیث
بوضوح أن إدراك الإنسان یتأثر برغباتھ ومقاصده، بل ھذا المعنى
على الإجمال من البدیھیات العامة. وقد یتّفق أن ھذا الترائي إنما
یحجب الحقیقة في ظاھر الإدراك الإنساني ویعقد قلبھ علیھ، ویكون
الإنسان في قرارة نفسھ على بصیرة بعدم صحة ھذا الاعتقاد؛
بحیث لو استنطق باطنھ تجلّت لھ حقیقة ھذا الشعور..
3
وإذا كان الإنسان لا یشعر بما یقع من ذلك من نفسھ، فإنھ
یجده من الآخرین بسھولة، حیث یُلاحظ تمسكھم بعواطف نبیلة
وھي في الواقع ناشئة عن رغبات اعتیادیة ، كما جاء في الآیة
الشریفة: [قُلْ ھَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمَالًا الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُھُمْ فِي
الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَھُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّھُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعًا]
1، وجاء عن فرعون
قولھ عن موسى(ع): [وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْیَدْعُ رَبَّھُ
إِنِّي أَخَافُ أَنْ یُبَدِّلَ دِینَكُمْ أَوْ أَنْ یُظْھِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ] 2 ، وقولھ
لقومھ عن نفسھ: [قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِیكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَھْدِیكُمْ إِلَّا
سَبِیلَ الرَّشَادِ] 3، وقال الإمام علي (ع) یصف حجج الذین خرجوا
. علیھ في حرب الجمل: (ولِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ ولِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْھَةٌ) 4

[
العوامل المسبّبة للقسم الثاني من المشاعر]:

ویلاحظ أن القسم الثاني المتقدّم من المشاعر - التي لا تنبع
في حقیقتھا من الضمیر الإنساني - تنشأ عن عوامل متعددة، منھا:
1.
صفات نفسیة خاصة، كالضعف النفسي الموجب للمیل
إلى اللین في مواضع الحزم، أو الحدّة النفسیة الموجبة للشدة في
مواضع اللین.
2. عدم استحضار العواقب الخطرة لعدم الحزم، أو
العواقب الحمیدة ل لّین، أو عدم وعیھا حق الوعي؛ فیؤدي إلى
تغلیب الجوانب الحاضرة والعاجلة، وإلى ذلك تشیر الحكمة العربیة
المشھورة: (القتل أنفى للقتل)، والتي أكّ دھا القرآن الكریم في قولھ
. تعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَیَاةٌ یَا أُولِي الْأَلْبَابِ] 5

3.
أن یكون نمط حیاة الإنسان على مثال محدد فیثقل علیھ
ما یخالف ذلك المثال. مثل ما یُلاحظ من عامة الناس الذین یرق ون
عن رؤیة تشریح الجسم أو العملیات الجراحیة، لما فیھا من قص
وقطع للأعضاء وإراقة للدماء، لأن ذلك یخالف النمط الذي اعتادوا
علیھ في حیاتھم، ولكن الطبیب الذي اعتاد على رؤیة ذلك
وممارستھ لن یرقّ عن ذلك، وشعوره ھو الموافق للحكمة - وأما
شعور الناس فھو ناشئ من الاعتیاد -؛ وذلك بالنظر إلى وضوح
ضرورة إجراء العملیة إنقاذا للمریض.
ومن ذلك أیض اً: رقة كثیر من الناس عن ذبح الحیوان - لا
سیما في ھذا الزمان الذي اعتادوا فیھ على شراء الحیوانات
المذبوحة أو لحومھا الجاھزة -، ولكنّ القصّابین لا یرقون عن ذلك،

.
1 الكھف/ 103 104
. 2 غافر/ 26
. 3 غافر/ 29
. 4 نھج البلاغة، ص: 206
. 5 البقرة/ 179

4
وھذا ھو الموافق للحكمة بطبیعة الحال بعد استساغة أكل لحم
الحیوان. ومن أمثلة ذلك أیض اً التعامل مع الأموات وقتال الأعداء.
وقد یكون من ذلك أیضاً: رقة كثیر في المجتمع الغربي عن
بعض أسالیب العقوبة واستھجانھم لھا، كإعدام القاتل جزاءً لما
ارتكبھ على أن بعضھم لا یرقّ عن ذلك وما زالت ھذه العقوبة
نافذة في بعض الولایات الأمریكیة ، فإنھ ناشئ بعض الشيء من
حیاة الدعة والرفاھیة والراحة والملذات.
ومما یثیر الالتفات أن بعض الناس في بلاد الشرق یقتفون
أثرھم، من غیر أن یكون لدیھم تلك المقومات الاجتماعیة والنفسیة،
ممّ ا یجعل الأمر أشبھ بالمحاكاة.
ومن ذلك أیض اً، ما یُلاحظ من تغیّب المشاعر الإنسانیة -
كالشفقة والرحمة واللین - لدى بعض الأطباء الذین یسرقون
الأعضاء الصحیحة للمریض، وبعض أمراء الحرب الذین لا
یأبھون بإراقة الدماء لأمور سخیفة؛ فإن غیاب ھذه المشاعر ناشئ
عن اعتیادھم القسوة والعنف.
4.
ألا یشعر المرء بقبح الشيء حق قبحھ فیستكثر بعض
وجوه الحزم في التعامل معھ، أو یبالغ في قبح الشيء من جھة
اختلاطھ بوجوه من العصبیة والأنانیة..

والأول: یتفق في حال انتشار منكر ما في مجتمع، إما من
جھة الترف، كانتشار بعض المحظورات الأخلاقیة في بعض
المجتمعات المعاصرة، أو من جھة الضغط، كانتشار الفساد
الإداري والرشوة في بعض البلاد إثر ظروف الحصار الخانق
وسوء أحوال الناس؛ فیقلّ قبح التصرف الشائع في أنظار أفراد ذاك
المجتمع و تُستكثر بعض التصرفات الحازمة.
والثاني: یتفق في بعض المجتمعات القبلیة والعشائریة التي
تبالغ في قبح بعض الأمور وتعتبره عار اً؛ فتریق لأجلھ الدماء
وتھتك الأعراض وتسلب الأموال، وربما تكتفي في إثباتھ بالظ نّة
والاحتمال. وقبح ذلك كلھ أكبر من قبح الأمر الذي أوجب إثارة ھذه
المشاعر.
5.
ردود الأفعال المبالغ فیھا، فإن الإنفعال الشدید في مقام
ردّ الفعل على بعض الحوادث قد یخرج الإنسان عن الاعتدال،
ویؤدي إلى وقوعھ في المنحى المعاكس؛ بأن یقع في التفریط إن
كانت ردّة فعلھ من إفراط مبالغ فیھ ، وفي الإفراط إن كانت ردّة
فعلھ من تفریط باھت .
وقد تتفق ھذه الحالة في المجتمعات كما تتفق بالنسبة إلى
الأفراد بأن توجب حادثة ما ردّ فعل اجتماعي یتّسم بالشدّة والعنف
في الاتجاه المعاكس. ومن أمثلة ذلك: بعض ردود الأفعال في

5
بعض المجتمعات الغربیة تجاه بعض المسلمین فیھا جراء
تصرفات خادشة للفطرة الإنسانیة من قبل أفراد خرجوا عن حدود
الاعتدال .
وقد تبقى آثار ردود الأفعال في ذاكرة المجتمع في الأزمنة
اللاحقة، أو تتوارثھ الأجیال اللاحقة عن الأجیال السابقة فیتحول
إلى ثقافة. وربما یكون ھذا الأمر من جملة عوامل النظرة السلبیة
إلى الدین في المجتمعات الغربیة، من جھة ما عانت منھ في القرون
الوسطى بسبب معارضة الكنیسة لمسیرة العلم فیھا.
6.
المحاكاة، بأن تتأثر بعض المجتمعات ببعض آخر
بافتراض أنّھا المجتمع الأمثل من غیر أن یملك المجتمع التابع
البنى النفسیة المناسبة للمجتمع المتبوع. ومن أمثلة ذلك: تأثر بعض
الناس في المجتمعات الشرقیة ببعض الظواھر الموجودة في
المجتمعات الغربیة كما مرّ ذكره . ومن أمثلتھ أیضاً: تأثر
الأجیال اللاحقة بالأجیال السابقة في أعراف مبنیة على مبادئ
خاطئة.
7. الاشتباھات الفكریة، بأن یستند تصرف ما محبذ أو
مبغوض إلى منشأ معین، ولكن یتلقاه الإنسان مستنداً إلى أمر
مرافق لھ، فتحدث تجاھھ مشاعر إیجابیة أو سلبیة. ومن أمثلة ذلك:
تأثیر بعض التصرفات الذمیمة لبعض المعتنقین للدین الناتجة عن
أمزجتھم الخاصّة أو انطباعاتھم الخاطئة في كره بعض الناس
للدین، وتأثیر بعض التصرفات الحمیدة الصادرة من بعض
المعتنقین لدین أو فكر آخر في الرغبة إلى ذلك الدین أو المنھج
الفكري وإن لم تكن لھ أسس تاریخیة فكریة متینة .

[
أمثلة وتطبیقات لاختلاط المشاعر النبیلة بغیرھا]:

وإذا نظرنا إلى الواقع العملي وجدنا في بعض الأمواج
الفكریة والثقافیة مثلاً واضحاً لاعتبار بعض المشاعر من قبیل
المشاعر النبیلة، مع عدم كونھا منھا واقع اً. ومن مصادیق ذلك:
١. الاتجاه الاشتراكي الذي ظھر في القرن المتقدم وساد
أجزاء واسعة من العالم لعقود من الزمن، والذي كان مبنیّاً على
عناوین فطریة مثل: العدالة وإنصاف المظلومین؛ إلا أنھ في
الحقیقة قراءة خاطئة للفطرة الإنسانیة نجمت عن ردود أفعال وقتیة
للظلم والاضطھاد والإقطاع واحتكار الثروة ونحو ذلك، وقد تبیّن
بعد ذلك مخالفتھ للفطرة الإنسانیة حتى صار موقفاً منقرضاً في
أوساط علماء القانون والتشریع الوضعي، بل رُفض الأخذ بھ حتى
كصیغة للعقد الاجتماعي بین الناس.
6
٢. انحراف العلاقة الزوجیة التي تبتني في طبیعة التكوین
البدني والنفسي للإنسان على ثنائیة الرجل والمرأة في إطار تكوین
الأسرة رعایةً للسكن والاستقرار، وحفاظاً على النوع الإنساني
ومصلحة الجیل المقبل عن مسارھا الصحیح في الثقافة الغربیة
المعاصرة؛ فغُلّب فیھا جانب المتعة واللذة، وضُ عِّ فت الجوانب
الفطریة من قبیل: تكوین الأسرة وتكامل الأدوار بین أفرادھا،
وتوفیر الحضانة السلیمة للجیل اللاحق، رغم كون ھذه الثقافة مبنیة
على التمسك بعناوین فطریة مثل: الحرمة، والحقّ الشخصي في
الاختیار، ونحو ذلك.
وممّا یشبھ إضفاء النُبل على المشاعر الاعتیادیة: تحدید
المشاعر النبیلة بجزء من المساحة المفترضة لھا من جھة غلبة
مشاعر أخرى بالجزء الآخر منھا، ومن مصادیق ذلك جملة ممّا
تشتمل علیھ الثقافة الغربیة المعاصرة، وتمثل نقاط ضعف فیھا
بحسب المنطق الفطري. ومن قبیل: ابتناء حقوق الإنسان الملزمة
فیھا على العقد الاجتماعي، فتكون محدودة بأسوار تلك البلاد ولا
یلتزم بھا خارجھا؛ ولذا تقوم بعض الدول ببناء سجون لھا خارج
أراضیھا؛ كي لا تكون مشمولة بالقانون، فیمارس فیھا أمور لا
تناسب المنحى الفطري للقانون في تلك الدول.
وقد لوحظ أنّ ھذه الدول التي ضَ منت شیئاً من الحقوق
الاجتماعیة لمواطنیھا تعاملت في كثیر من الحالات كدول
مستعمرة مع الآخرین؛ فلم ترعَ فیھم إلاً ولا ذمةً واستباحت نفوسھم
وثرواتھم، ولا تزال تعاملاتھا مع الآخرین مختلفة عن تعاملاتھا
مع مواطنیھا بما ینافي روح العدالة والفضیلة بوضوح .
ومثل ھذه الثقافة وما تُسوّقھ من انتھاكات یؤدي - لا محالة
- إلى ردود أفعال جمعیة من الدول أو الفئات المتضررة، مما یولد
حركات عنیفة تجد أنھا مستضعفة ومظلومة. ولا یُجدي حینئذ في
تبریره ھذه الانتھاكات التش بّث بعدم مخالفتھا للقانون الدولي؛ فإن
الراسمین لھ لم ینصحوا للمجتمع العالمي بمجموعھ، بل لاحظوا -
في كثیر من الحالات - المصالح السیاسیة لبلدانھم.
ویتّضح ممّا تقدم: أنّ الفطرة الإنسانیة، وإن كانت سھلة
التناول بمنظور ما، ولكنھا من قبیل الممتنع بمنظور آخر؛ إذ یمكن
أن یعتقد الإنسان خطأً أنّ بعض المشاعر ھي من المشاعر
الفطریة، بل قد یستمر ذلك لعقود من الزمن نتیجة لاستیلاء
أمواج من المشاعر المتمثلة بعناوین فطریة في ملابسات زمنیة
خاصّة حتى یتبین عدم كونھا كذلك بعد تجربتھا في میدان العمل،
ویظھر خطؤھا بعد مضاعفات كبیرة.
7
ومن ھذا یتبیّن حاجة المعرفة الإنسانیة إلى التأكید والترشید
والإعانة في مجال التشریع كما ھو الحال في مجال الرؤیة الكونیة
على ما سبق بیانھ .