المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مؤثرات في التربية


الشيخ عباس محمد
28-08-2016, 10:34 PM
مؤثرات في التربية
العوامل المؤثرة في التربية

هناك ثلاث مسائل يمكن لها أن تلعب الدور الكبير في تكوين وتركيب شخصية الطفل، إلا أن تأثير هذه المسائل الثلاث، لا يعني أبداً أنه يخرج عن كونه مختاراً، فلو فرضنا أن ولداً تأثر بجو معين وانحرف عن جادة الصواب، فإن ذلك لا يعني أنه مجبر على سلوك درب الانحراف، بل إن الظروف المحيطة به ساعدته على الوقوع بسوء الاختيار والإنحراف.

ولأجل أهمية هذه الظروف الثلاثة، ينبغي لنا أن نلتفت إليها نحن الأهل، لأن الأهل بالدرجة الأولى هم مسؤولون عن مراقبة وصيانة الظروف المحيطة بأولادهم وعن تربيتهم والإشراف عليهم. وأما الظروف الثلاثة فهي:

________________________________________
1- الأبوان‏

إن الأبوين في عيني الولد هما الأنموذج الكامل، وأول قدوة يحاول أن يقلدها، ولذا فإن الطفل ينظر إلى أفعالهما نظرة على أنها الأعمال الصحيحة، فلا يعتبر أن ما يقومان به هو أمر خاطئ بل إن معيار الصواب لديه هو نفس عمل الأبوين، ولذا فإن الأهل تقع عليهم المسؤولية تجاه الولد من عدة جهات:

أ- اتفاقهما واختلافهما:

فإن الولد حينما يفتح بصره على الحياة في ظروف مليئة بالتشنج والتوتر بين أبويه، ولا سيما حينما يتعاركان أمام عينيه، هذا السلوك الخاطئ من الأهل، يجعل نفسية الولد مضطربة ومتوترة على الدوام.

________________________________________
ب- عدم التجاهر بالعادات القبيحة:

لأن الولد سيحمل معه هذه العادات لكونه يعتبرها من الكمالات لا من السيئات، ولو تعوّد على فعلها منذ الصغر اقتداءً بذويه فإنه وإن علم بقبحها في مرحلة وعيه، فإن من الصعب اقتلاعها حينئذٍ، ويتحمل الأهل مسؤولية ذلك، ولا سيما إذا كانت العادات هذه من المحرمات الشرعية بناء على قاعدة الحديث الشريف المروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... إياك أن تسنّ‏َ سنَّة بدعةٍ فإنّ‏َ العبد إذا سن سنَّةً سيئةً، لحقه وزره ووزر من عمل بها"1.

2- المدرسة

المدرسة هي البيئة الثانية التي يأخذ منها الطفل علومه الأولى، ولذا فإن اختيار الأهل للمدرسة الملائمة للطفل له الدور الكبير في الحفاظ على سلامته الدينية بحيث يتربى على المبادئ الصالحة التي يرغب الأبوان في أن يحملها ولدهما عند كبره، فإن المدرسة الجيدة التي تبني الأولاد على مبادئ الإسلام، هي الموضع الصالح الذي أشارت إليه الروايات؛ ففي وصية النبي لعلي عليه السلام قال: "يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه ويضعه موضعاً صالحاً"2.

________________________________________
3- الأصدقاء

على الأهل أن يلتفتوا جيداً إلى خطورة الأصدقاء، وإلى كيفية اختيار الطفل لهم، فإن الصديق يوثر على الصديق، ولذا أكدت الروايات على اتخاذ الصديق الحسن ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "ليس شي‏ء أدعى لخيرٍ، وأنجى من شرٍ، من صحبة الأخيار"3. كما أن الصديق السيئ يفسد الجيد كما تفسد الفاكهة الفاسدة الفاكهة الجيدة، ومن هنا كان التحذير في الروايات من صحبة الأشرار، ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "صحبةُ الأشرار تُكسِبُ الشرَّ، كالريح إذا مرَّتْ بالنَتن حملت نتنا"4 .

________________________________________
المراحل العمرية الثلاث‏

ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد سيد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين فان رضيت خلائقه لإحدى وعشرين، وإلا فضرب على جنبه فقد أعذرت إلى الله تعالى"5.

قسَّم الحديثُ الشريف المراحل التربويَّة للطفل إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: وهي مرحلة الطفولة، ومرحلة اللهو واللعب عند الطفل، ولذلك وصفه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالسيد، لأن الولد لا يلام في هذا العمر على كثير من التصرفات لمحدودية قدراته الفكرية وانصرافه في هذه المرحلة إلى كماله الخاص به وهو اللعب واللهو.

________________________________________
المرحلة الثانية: وهي مرحلة ينبغي أن تكون مرحلة التربية المباشرة والتأديب بأسس الأخلاق والخصال الحميدة ولذلك عبرت عنه الرواية بالعبد أي يتلقى الأوامر وتراقب تصرفاته.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الشباب والمراهقة فيلازم أباه فيها كملازمة الوزير للملك فيكتسب من خبرات أبيه في الحياة ويتعلم أساليب العمل والعيش...

وسنتحدث عن هذه المراحل بشي‏ء من التفصيل مستعينين بما ورد في الشرع الأقدس من إرشادات عامة أو خاصة بهذه المراحل.

________________________________________
المرحلة الأولى 1-7 سنوات

إن طبيعة الطفل في السنوات السبع الأولى من عمره، طبيعة بريئة ولطيفة، كما أن المستوى العقلي لدى الولد ولا سيما في السنوات الثلاث الأولى من عمره، محدود للغاية، ومن هنا أرشدتنا الروايات إلى عدة أمور ينبغي مراعاتها في هذا العمر وفي هذه المرحلة الأولى ومن هذه الأمور:

________________________________________
1- التغذية العاطفيَّة

والمقصود بها هنا المحبة وإظهارها للطفل، فهي الغذاء الروحي الأول لشخصيته، وإعطاء العاطفة للطفل يتم من خلال أمور:

أ- التعبير الكلامي:

والتعبير الكلامي أسلوب ندبت إليه الروايات، كما أن ذلك كان من فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت، فهذا الرسول يقول عن الحسن والحسين عليه السلام: "اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما"6.

ومن كلام أمير المؤمنين يخاطب به ولده الحسن بكلمات بليغة يفيض منها الصدق وتعبق بحنان الأبوة الجارف فيقول له: "...

________________________________________
ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني"7.

وليعلم الأب والأم الكريمان أن محبة الأطفال زيادة عن كونها غريزة إنسانية جعلها الله في كل إنسان، فهي من الأمور التي يحبها الله تعالى في عباده، بل جعلها من الأعمال ذات الفضل الكبير عنده، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: قال موسى: " يا رب أيّ‏ُ الأعمال أفضل عنك؟ قال: حبّ‏ُ الأطفال، فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمَتُّهُمْ أدخلتهم جنتي برحمتي"8. وفي رواية أخرى أن الله تعالى يشفق على المحب لولده فينزل عليه الرحمة لأجل حبه له، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ‏َ الله عز وجل ليرحم العبد لشدةِ حبِّه لولده"9.

ب- تقبيل الولد:

من الأمور التي تشحن الولد بالعاطفة التقبيل، فقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسن والحسين عليه السلام فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يرحم لا يُرحم"10.

________________________________________
ولتقبيل الولد ثواب كبير عند الله تعالى؛ ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم بكل قبلة درجةً في الجنَّة مسيرةَ خمسمائةِ عامٍ"11.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قبَّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرَّحه الله يومَ القيامة..."12.

ج- التّصابي لهم:

فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان عنده صبي فليتصاب له"13.

والمقصود من التصابي أن لا يتوقع الوالد من ولده سلوك الكبار، بل على العكس، فعلى الوالد أن يتواصل مع الصبي بأسلوبه وبحسب عمره، وقد ورد أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاعب الحسن والحسين عليه السلام ويتصابى لهما، ففي الرواية عن جابر قال: "دخلت على النبي والحسن والحسين عليه السلام على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما"14.

________________________________________
2- الابتعاد عن أسلوب الضرب

‏إن الولد في صغره لا يعرف وسيلة للتعبير سوى البكاء، وعلى الأهل أن لا ينزعجوا من ولدهم لبكائه، بل عليهم البحث عن سببه وما يريد هذا الولد من بكائه.

فوظيفة الأهل في هذه الحالة أن يتحملوا هذا الأمر، وألا يقدموا على ضرب الأطفال بسبب بكائهم: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"15.

وقد يكون بكاء الولد لمرض أصابه، فعلى الأهل في هذه الحالة أن يستعينوا بالصبر على مرض الأولاد وبكائهم، وليتذكروا الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبي فقال عليه السلام: "كفارة لوالديه"16.

3- عدم العلاقة الخاصة أمامه

‏من الأمور التربوية غير السليمة والخطرة على الطفل إقامة العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة أمام مرأى الطفل الصغير، وقد نهت الكثير من

________________________________________
الروايات عن هذا العمل، ومن تلك الروايات ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما، ما أفلحَ أبداً إذا كانَ غلاماً كانَ زانياً أو جاريةً كانتْ زانيةً"17.

________________________________________
4- عدم التمييز بين الأولاد

إن التمييز بين الأولاد هو أرضية خصبة للكثير من المشاكل النفسية التي ستشوه نفس الطفل وتكبر معه لتتحول بعد ذلك إلى تهديد قد يوصله المهالك.

فالتمييز قد يتسبب في نشوب الغيرة والحسد، والأحقاد بين الأخوة، ولأجل ذلك كان ديدن أهل البيت و أن يعدلوا بين الأولاد، رغم التميز الحقيقي الذي يكون عند بعضهم، وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله إني لأصانع بعض وِلْدِي وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر، وإن الحقّ ‏َأي الإمامة لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف وإخوته"18.
________________________________________
وفي أحسن الأحوال يتسبب بالإحساس بالمظلومية وعدم الانصاف، هذا التمييز الذي قد يظهر من خلال مزايا إضافية كالمصروف أو الملبس أو المحبة والعطف...

كيف يكون العدل بين الأولاد؟

لقد أكدت الأحاديث الكثيرة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليه السلام على العدل بين الأولاد فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"19.

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك"20.

ولكن كيف يكون العدل بين الأولاد؟

أشارت الروايات إلى العديد من الأمور منها:

أ- في الهدايا:

فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"اعدلوا بين أولادكم في النِحَل"21، والمقصود بالنِحَل العطايا والهبات، فليس من المناسب أن يعطي الإنسان ولداً هدية من دون أن يهدي ولده الآخر أيضا، فإن هذا

________________________________________
يشعر الولد الآخر بقلة الاهتمام به، وأنه شخص غير محبوب في العائلة، وأن أخاه أفضل منه، وغير ذلك من المشاعر التي تولد الغيرة والحسد، أو الشعور بالمظلومية.

ب- في التقبيل:

فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل"22 فالقبلة، وإن كانت تصرفاً صغيراً، إلا أنها تحمل مداليل عاطفية كبيرة، ومن هنا ورد في الحديث أنه "نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا واسيت بينهما"23، وهذا يظهر مدى حرص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على مشاعر الأطفال.

ج‌- عدم التمييز بين الجنسين‏:

إن بعض المجتمعات تميز الذكر عن الأنثى فتعطيه الامتيازات، وتحرم الأنثى في المقابل، وقد حارب الإسلام هذا النوع من التربية، وأمر بالاهتمام بالإناث، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "من كان له أنثى فلم يبدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنة"24.

________________________________________
كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم الولد البنات المخدرات25، من كانت عنده واحدة جعلها الله سترا له من النار"26.

5- عدم الخلف بالوعد لهم

‏إن الوفاء بالوعد من الأمور التي أكد عليها الشرع المقدس على كل حال، وفي خصوص الولد هناك تأكيد خاص أيضاً بعدم الخلف بالوعود التي تعطى له، فروح الولد في أوَّل عمره حساسة للغاية، وقد أكدت الروايات على ترك الخلف بما وعد به الأهلُ أطفالهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئا ففوا لهم فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم"27.
________________________________________


هوامش
1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج‏1، ص‏236.
2- وسائل الشيعة الإسلامية، الحر العاملي، ج‏15، ص‏123.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص 1568.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص 1568.
5- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏101، ص 95.
6- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏37، ص 74.
7- نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام، ج‏3، ص 38.
8- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج‏6، ص 551.
9- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3669.
10- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏21، ص 485.
11- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏21، ص 485.
12- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏6، ص‏49.
13- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏21، ص 486.
14- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏43، ص 285.
15- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏21، ص 447.
16- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏6، ص‏52.
17- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏5، ص‏500.
18- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3673.
19- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3673.
20- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3673.
21- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3673.
22- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3673.
23- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج‏3، ص 483.
24- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج‏15، ص 118.
25- المخدرات: من الخدر، والخدر هو الستر.
26- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏4، ص 3672.
27- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏6، ص‏49.