المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التربية الفعلية


الشيخ عباس محمد
29-08-2016, 10:31 PM
التربية الفعلية
لمرحلة الثانية( 14 - 7 سنة)

إن السنوات السبع الثانية، أي من عمر سبع سنين إلى سن الأربعة عشر عاماً، هي سنوات اكتساب الصفات والمواهب والتحصيل العلمي للولد، ففي هذا العمر تتوسع القدرات العقلية للولد ويتلقى العلوم الأساسية، والمسلكيات الاجتماعية، كما أن تركيز الأهل على الولد في هذا العمر ينبغي أن يكون أكثر من سابقه ولا سيما على من يصادق...

وقد أشارت الروايات إلى العديد من الأمور التي ينبغي على الولد تحصيلها في هذه السنوات السبع ومنها:

1- الآداب والأخلاق

فإن الولد في هذه الفترة صفحة بيضاء يتلقى
________________________________________
الآداب والمسلكيات والأخلاق التي يراها لتترسخ في نفسه ويسير على نهجها، وإن الأساس في سلوكه ينبغي أن يبدأ في هذه المرحلة فعلى الوالدين أن يعلما أولادهما الأخلاق والآداب الاجتماعية، ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أكرموا أولادكم وحسنوا آدابهم يغفر لكم" 1.

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لئن يؤدب أحدكم ولداً خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم" 2.
________________________________________
2- التعلم‏

وأساس العلم القراءة والكتابة، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حق الولد على والده ثلاثة يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ" 3.

وعلى الوالدين أن يراعيا تطورات الزمان في تعليم أولادهما، لأن العلوم في تطور وتوسع مستمر، كما أن العلم هو أساس جل الأعمال في مستقبلهم.

3- تعليم الصلاة

فعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: "علموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم" 4.
________________________________________
وينبغي التنبه هنا إلى تعليم الصلاة في هذا العمر تم تمييزه في الرواية عن عمر البلوغ، فبعد البلوغ يؤخذ بها وهذه عبارة تدل على إلزاميتها وعدم إمكان التراخي فيها، ولكنه قبل ذلك يتعلمها، وهذا يشير إلى أن تعليمه في هذه السن ينبغي أن يكون بالرفق واللين.

4- تعليم القرآن‏

فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... ومن علمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنة" 5. والقرآن هو دستور الحياة ونور القلوب، وهو الكفيل بتأمين المساعدة لمن يعي مقاصده ويلتزم بأحكامه، وحيث إن الولد أقدر على حفظ القرآن الكريم من الكهول والآباء، فمن المهم للأهل أن يرشدوا الأولاد إلى حفظ القرآن وتعلم أحكامه ومعانيه.

5- تعليم الأحاديث الشريفة

أي أحاديث الرسول الأكرم محمد، وأهل بيته، ولابد من أن يراعى في اختيار الحديث أن يحتوي على المضامين الصحيحة وغير الملتبسة
________________________________________
وليحذر على الولد في هذا العمر من أي تيارات منحرفة، فإن الولد سهل الاقتناع بما يقال له عادة، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة" 6.

6- تعليم الحلال والحرام‏

ومن الأمور التي ينبغي تعلمها في هذا العمر الحلال والحرام، والأحكام الشرعية الأساسية، فعن الإمام الصادق، قال: "الغلام يلعب سبع سنين...، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين" 7.

7- السباحة والرماية

والسباحة والرماية من الرياضات المفيدة، وقد ندبت الروايات الشريفة إلى تعليمها للأولاد، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "علموا أولادكم السباحة والرماية" 8.
________________________________________
ضرب الأولاد في هذا العمر

ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل شهر رمضان: "ووقروا كباركم وارحموا صغاركم" 9.

إن من الظلم أن يجعل الولد متنفساً للضغط النفسي للأهل، فتصبح طريقة تربيته المتبعة هي الضرب فقط! كالأب المرهق من العمل في خارج بيته، ثم يأتي إلى المنزل ليجد ولده قد أخطأ خطأً ما فلا يتبادر إلى فكره طريقة لتربيته إلا الضرب.

فمن الخطأ والظلم الكبيرين أن يكون الولد ضحية للعقد النفسية التي قد يحملها الأبوان، لذلك نجد الأحاديث الشريفة أشارت إلى أن الضرب ليس هو الأسلوب الأنسب لتربية الولد، فعن أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام قال: شكوت إلى أبى الحسن موسى عليه السلام ابناً لي فقال:
________________________________________
"لا تضربه واهجره ولا تطل" 10.

فالإمام عليه السلام أجاب السائل بأن لا يضرب ابنه بل يتبع أسلوباً آخر للتقريع إذا كان لا بد منه وهو إشعاره بعدم الرضا من خلال هجره، هذا الهجر الذي لا يجوز أن يتحول إلى قطيعة "لا تطل"، بل يأخذ دوره كتأنيب نفسي رادع له لتصحيح مسلكيته.

حدود ضرب الولد

إذا انقطعت سبل تربية الولد ولم يبق إلا الضرب سبيلاً وحيداً لتأديبه في مفردة ما، فيمكن تأديبه من خلال ذلك، لكن ضمن حدود لا يجوز تجاوزها.

وقد حددت الرواية عن حماد بن عثمان ذلك حيث قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام في أدب الصبي والمملوك، فقال خمسة أو ستة وأرفق" 11.

فلا يكون الضرب مستمراً وكثيراً لأكثر من خمسة أو ستة، كما لا يكون شديداً بل برفق لا يصل إلى حد تغير لون بشرته نتيجة الضرب إلى الأحمر أو الأسود... فضلاً عن التسبب بأذيته من جرح أو كسرٍ والعياذ بالله.

فإذا تجاوز هذا الحد وجب عليه دفع الدية لولده، وسنشرح فيما يلي هذه الدية.
________________________________________
دية الضرب‏

لقد جعل الشرع ديّة للضرب القاسي الذي يستعمله بعض الأهل مع أبنائهم، عقاباً لهم على ما اقترفوه بحق الأولاد، ولتوضيح الديات قسمنا الضرب إلى ثلاثة أقسام ضمن الجداول التالية:
________________________________________
دية ضرب الوجه 12:

الحالة/الدية بالذهب

• إذا احمر الوجه: 5,4 غرام
‏• إذا اخضر الوجه: 10,8 غرام
‏• إذا اسود الوجه: 21,6 غرام

الحالة/ ‏الدية بالبعير

‏• إذا تقشر الجلد من دون إدماء بما يشبه الخدش: بعير
• إذا دخل الجرح في اللحم يسيراً: بعيران
• إذا دخل الجرح في اللحم كثيرا ولم يبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم: ‏ثلاثة أبعرة
‏• إذا دخل الجرح في اللحم كثيرا وقطعت الجلدة الرقيقة المغشية للعظم: أربعة أبعرة
• ‏الجرح إذا ظهر منه بياض العظم: خمسة أبعرة

دية البدن 13:

الحالة/ الدية بالذهب
• إذا احمر البدن: 2,7 غرام
‏• إذا اخضر البدن: 5,4 غرام
‏• إذا اسود البدن: 10,8 غرام

‏وأما الجرح في البدن فتختلف ديته بحسب موضعه من الجسد، وفيه تفاصيل كثيرة تراجع في كتب الفقه.
________________________________________
المرحلة الثالثة (14 - 21 سنة)

بعد المرحلة الأولى والثانية يصبح عمر الولد أربع عشرة سنة، وفي هذا العمر تبدأ مرحلة المراهقة، ويتميز هذا العمر بالعديد من الأمور على المستوى النفسي والفكري فمن مميزات هذا العمر:

يطمح الشباب بقوة إلى الحرية والاستقلال، ويرغب في القيام بأعماله من دون تدخل الآخرين، واتخاذ القرارات بنفسه أيضاً، ولا يشعر بالحاجة إلى آراء الكبار أي الأهل، في قراراته الخطيرة كترك الدراسة، أو تغيير حقله التخصصي، وغيرها من الأمور 14.

وفي هذا العمر تتفجر المواهب لدى الشباب، وتحتاج إلى التنمية بالشكل الصحيح، فلو كان لدى
________________________________________
الشاب موهبة الشعر أو الرياضة مثلاً، فلا بد من ترشيد الموهبة، لكي لا تسلك الطريق الخاطئ. وتتميز المرحلة أيضا بأخطر الأمور وهي فوران الغرائز كغريزة القدرة وغريزة حب السيطرة وغريزة التناسل.

ومن هنا ينبغي أن نلتفت إلى خطورة هذه المرحلة على الشباب إذ أن هذه المرحلة هي المفترق الفاصل بين دروب الحياة، فإما أن يسلك الشاب بها درب الهدى، وإما أن ينحرف إلى دروب الغي والضياع.

ومن الأمور التي أرشد إليها الإسلام في هذه المرحلة العمرية:
________________________________________
1- نقل التجارب إلى الشاب

وأفضل نموذج يمكن أن نسلط الضوء عليه في هذا المضمار هو أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسن، فمن وصيته له: "... فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك لتستقبل بجد رأيك 15 من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة" 16.

فالتجربة التي ينبغي أن تنقل للشاب لها دور مؤثر في تأمين سعادته لأنها تكشف له حقائق الأمور، وتمزق أستار الأوهام والتصورات الباطلة، فكل تجربة تفتح في قلب الإنسان باباً من العلم وتقربه من الحقيقة خطوة، فعن الإمام علي عليه السلام: "وفي التجارب علم مستأنف" 17.
________________________________________
2- التفقه في الدين

لأن الولد يبلغ في هذا العمر سن البلوغ فلا بد له من معرفة التكاليف الإلهية التي ألقيت على عاتقه، وقد ورد في الحديث عن الإمام الكاظم: "لو وجدت شاباً من شبان الشيعة لا يتفقه لضربته ضربة بالسيف" 18، وما التعبير بالضرب بالسيف إلا كناية عن أهمية التفقه في مرحلة الشباب.

كما أن التعلم لأحكام الدين والفهم لأهداف الإسلام يؤمنان للشاب هدفاً صالحاً، فلا يترك فريسة لأوهام النفس ووسوسات الأفكار والتيارات المنحرفة، دون إرشاد، مما قد يتسبب بضياعه.
________________________________________
3- الإرشاد إلى القدوة الصحيحة

إن القدوة الصحيحة للشاب هي التي توضح الطريق أمامه في درب المستقبل، والقدوة السيئة هي التي تجرفه إلى وديان الجهالة والانحراف.

وكثيراً ما نجد وسائل الدعاية والإعلام تحاول أن تطرح للشاب قدوات تضيّع الأهداف الحقيقية، بعيداً عن القدوة الحقيقية المتمثلة والمثال الأعلى الذي يتجلى بالرسول الأكرم، وأهل البيت و...

فعلى الأهل دائما أن يلتفتوا إلى شبابهم ليوجهوهم دائماً إلى القدوة الصحيحة، بالشكل الملائم الذي يجعل هذه القدوة هي خيار الشاب وتوجهه ظاهراً وباطناً.
________________________________________
4- إرشاد الشباب إلى الفتوة الحقيقية

إن عنوان الفتوة والقوّة وحب الاقتدار عند الشباب يكون في أعلى مستوياته في هذه المرحلة العمرية، وتشكل الفتوة بالنسبة إليه أمراً بالغ الأهميّة.

ودور الأهل في هذا المجال يتجلى في إفهام الشاب أن الفتوة الحقيقيّة ليست في عظمة الساعدين ولا عرض المنكبين والقوة في العراك، بل في العقل الواعي والقلب الملي‏ء بالإيمان، فإن هذا المعنى هو الذي يريدنا أهل البيت أن نعيه، ففي الرواية أنه مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم يتساءلون حجراً، فقال: "ما هذا، وما يدعوكم إليه؟ قالوا: لنعرف أشدنا وأقوانا، قال: أفلا أدلّكم على أشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في
________________________________________
إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق" 19.

فبهذه الخطوات وغيرها نكون قد وجهنا الشاب إلى الهدف الواقعي والصحيح وهو السلوك المستقيم، بحيث يصبح عنصر خير لمجتمعه، يعيش الصلاح في الدنيا، فيكون من أحب الخلائق إلى الله تعالى، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أحبّ‏َ الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسن جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقا"20.
________________________________________
________________________________________



هوامش
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏101، ص 95.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏101، ص 95.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج‏15، ص 166.
4- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج‏15، ص 169.
5- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏6، ص‏49.
6- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏17، ص‏331.
7- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج‏15، ص 165.
8- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج‏17، ص‏331.
9- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج‏10، ص 399.
10- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏101، ص 99.
11- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏7، ص‏268.
12- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني قدس سره، ج‏2، ص 536 535، طبعة دار المنتظر.
13- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني قدس سره ج‏2، ص 536، طبعة دار المنتظر.
14- الأفكار والميول، الاستاذ محمد تقي فلسفي، ج‏2، ص 182.
15- يكون جد رأيك أي محققه وثابته مستعدا لقبول الحقائق التي وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها. والبغية بالكسر: الطلب.
16- نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام ، ج‏3، ص‏40.
17- الكافي،ج‏8، ص 22.
18- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏75، ص 346.
19- من لا يحضره الفقيه، ج‏4، ص‏407.
20- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص 1401.