سلام العراق
06-10-2016, 01:14 PM
معنى قوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾
المسألة:
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾(1) ألا يُفهم منه احتمالية أو إمكانية عبادة غير الله تعالى؟
الجواب:
الغرض من سَوْق الآية بهذا الأسلوب هو التأكيدُ على النفي القاطع لما يدَّعيه أو يتوهَّمُه المشركون من أنَّ لله تعالى ولداً سبحانه، فمثلُ هذا الأسلوب يتعاطاه أهلُ المحاورة لمجاراة مَن يختلفون معهم في الرأي، والتأكيد بعده على خطأ ما يتوهَّمونه، فمساقُ الآية هو مساقُ ما يقولُه الزعيم لجلسائه المخالفين له في الرأي: لو كان في الحرب على العدوِّ مصلحة لنا لكنتُ أولَ المبادرين إلى اشعالِها، فهو يريد بذلك التأكيد لجلسائه على أنَّه لا مصلحة في الحرب وأنَّ رأيهم في اشعالها ليس صائباً وأنَّ الذي يمنعه من اشعال الحرب هو انَّه لا يرى فيها مصلحة.
فغرض المتكلِّم من صَوغِ الكلام بهذا الأسلوب هو التأكيد للمخاطَب أنَّ دافعه لتخطئته ليس هو العناد والمكابرة بل لأنُّه يرى أنَّ الحقَّ على خلاف ما يدعو إليه المخاطَب ويعتقدُه.
وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ هو أنَّ الإعتقاد بأنَّ لله تعالى ولداً باطلٌ وذلك هو ما يدفعني إلى تخطئتكم وليس هو العناد والمكابرة إذ لو كان ما تزعمونه من أنَّ لله ولداً حقَّاً لكنتُ أول المبادرين إلى عبادته لكنَّه لمَّا كان باطلاً لذلك فأنا لا أعبده.
وبتعبير آخر أرادت الآية المباركة القول بأنَّ الإعتقاد بأنَّ لله ولداً اعتقاد باطل ولا يدفعني للقول ببطلان هذا الإعتقاد غرض شخصي إذ لا غضاضة لديَّ لو كان هذا الإعتقاد صحيحاً أن أعتمدُه وأعتقد به لكنَّه باطل لذلك فأنا لا أعتقد به.
فليس في الآية إشعار بالتردُّد في بطلان زعمهم بل هي صريحة في التعبير عن القطع ببطلان ما يعتقدُه المشركون، وحيث إنَّه كان يدعوهم للتوحيد ونفي الولد عن الله تعالى لذلك أراد أنْ ينزِع من نفوسهم شبهة أنَّ غرضه من دعوتهم للتوحيد هو مناكفتُهم، فهو قد أراد من استعمال هذا الأسلوب القول بأنَّ ما جئتُ به من الدعوة للتوحيد ونفي الولد لا أستهدفُ منه المناكفة والمكابرة لكم بل لأنَّ ذلك هو الحق، ولو كان ما تعتقدونه هو الحقُّ لما كان في نفسي أيُّ غضاضةٍ من الجري معكم ولكنَّه باطل، وبطلان ما أنتم عليه هو وحده الذي يدفعني للإنكار عليكم وعدم الجري معكم.
فمثل هذا الأسلوب يستعمله أهل المحاورة لغرض التأكيد على انَّ الموقف الذي يقع الجدال حوله مع الخصم لم ينشأ عن دوافع شخصية بل عن رؤية عقليَّة أو عقلائيَّة محضة، ويستبطنُ هذا الأسلوب أيضاً الإشارة إلى أنَّ الرأي المقابل هو من السقوط بحيث لا يسعُ العاقل قبولَه واعتمادَه.
فحين يقول المتكلِّم مثلاً لمن يحاورُه لو كان الإنسياق مع المشتهيات لا يتعقُّبه حسابٌ وعقاب في الآخرة لكنتُ من أول الخائضين فيها. فإنَّ المخاطَب يفهم من كلام المتكلِّم انَّ الإنسياق مع المشتهيات خطأ وحماقة لا ينبغي للعاقل التورُّط بها، ذلك لأنَّ الواقع هو أنَّ وراء هذه الدنيا حسابٌ وعقاب.
فمثل هذا الأسلوب من الخطاب يستهدفُ التعبير عن أمورٍ ثلاثة:
الأول: هو التأكيد على خطأ ما يعتقده المخاطَب أو التأكيد على خطأ السلوك الذي اتَّخذه المخاطَب لنفسه.
الثاني: هو الإشارة إلى أنَّ التخطئة للمخاطَب لم تنشأ عن دوافع شخصيَّة بل نشأت عن مبرِّرات عقليَّة أو عقلائيَّة محضة.
الثالث: هو الإشارة إلى أنَّ ما يعتمده المخاطَب أو يعتقد به هو من السقوط بحيثُ لا يسع العاقل القبول به. فيكون هذا الأسلوب مستبطناً لدعوة المخاطَب إلى مراجعة ما يَعتقد به ويتبنَّاه.
فكثيرا ما يقول الأب لإبنه الكسول الذي يفضل النوم والراحة على الدراسة والتحصيل يقول له: إنْ كان النوم والإستجمام يصنعان مستقبل الإنسان فأنا أسبقك إليهما، فهو لا يريد من ذلك القول بأن النوم والإستجمام يصنعان مستقبل الإنسان بل ولا يريد التعبير بذلك عن التردُّد واحتمال أنَّ النوم يصنع مستقبل الإنسان بل يريدُ من ذلك الإنكار على ولده وتوبيخه على كثرة نومه وتضييعه لمستقبله، وفي ذلك دعوة له إلى ترك النوم والإستجمام والتوجُّه إلى الطريق الذي يصنعُ له مستقبلاً زاهراً.
هذا هو تماماً هو ما أرادت الآية المباركة التعبير عنه لذلك ذيِّلت بتنزيه الله عما يقولون ويزعمون والتأكيد على أنَّ كلَّ مَن في السموات والأرض فهم مربوبون لله جلَّ وعلا قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾.
فمفاد الآية هو انَّه إن كان لله ولداً كما تزعمون فإنِّي لا أرى أيَّ غضاضة في عبادتِه لكنَّ دعوى انَّ لله تعالى ولداً باطلٌ لأنَّه تعالى منزَّه عن أنْ يكونَ له ولد، وهذا هو معنى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾(2) فكلُّ مَن في السموات والأرض بما فيهم مَن تزعمون انَّه ابنٌ الله كالمسيح والملائكة، كلُّ هؤلاء الموجودون في السموات والأرض وتحت العرش مربوبون لله وعبادٌ له جلَّ وعلا، ثم خاطبت الآية النبيَّ محمد (ص) بالقول إنَّهم إنْ استجابوا لدعوتك للتوحيد ونفي الولد وإلا فذرهم يخوضوا ويلعبوا ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ (3).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
المسألة:
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾(1) ألا يُفهم منه احتمالية أو إمكانية عبادة غير الله تعالى؟
الجواب:
الغرض من سَوْق الآية بهذا الأسلوب هو التأكيدُ على النفي القاطع لما يدَّعيه أو يتوهَّمُه المشركون من أنَّ لله تعالى ولداً سبحانه، فمثلُ هذا الأسلوب يتعاطاه أهلُ المحاورة لمجاراة مَن يختلفون معهم في الرأي، والتأكيد بعده على خطأ ما يتوهَّمونه، فمساقُ الآية هو مساقُ ما يقولُه الزعيم لجلسائه المخالفين له في الرأي: لو كان في الحرب على العدوِّ مصلحة لنا لكنتُ أولَ المبادرين إلى اشعالِها، فهو يريد بذلك التأكيد لجلسائه على أنَّه لا مصلحة في الحرب وأنَّ رأيهم في اشعالها ليس صائباً وأنَّ الذي يمنعه من اشعال الحرب هو انَّه لا يرى فيها مصلحة.
فغرض المتكلِّم من صَوغِ الكلام بهذا الأسلوب هو التأكيد للمخاطَب أنَّ دافعه لتخطئته ليس هو العناد والمكابرة بل لأنُّه يرى أنَّ الحقَّ على خلاف ما يدعو إليه المخاطَب ويعتقدُه.
وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ هو أنَّ الإعتقاد بأنَّ لله تعالى ولداً باطلٌ وذلك هو ما يدفعني إلى تخطئتكم وليس هو العناد والمكابرة إذ لو كان ما تزعمونه من أنَّ لله ولداً حقَّاً لكنتُ أول المبادرين إلى عبادته لكنَّه لمَّا كان باطلاً لذلك فأنا لا أعبده.
وبتعبير آخر أرادت الآية المباركة القول بأنَّ الإعتقاد بأنَّ لله ولداً اعتقاد باطل ولا يدفعني للقول ببطلان هذا الإعتقاد غرض شخصي إذ لا غضاضة لديَّ لو كان هذا الإعتقاد صحيحاً أن أعتمدُه وأعتقد به لكنَّه باطل لذلك فأنا لا أعتقد به.
فليس في الآية إشعار بالتردُّد في بطلان زعمهم بل هي صريحة في التعبير عن القطع ببطلان ما يعتقدُه المشركون، وحيث إنَّه كان يدعوهم للتوحيد ونفي الولد عن الله تعالى لذلك أراد أنْ ينزِع من نفوسهم شبهة أنَّ غرضه من دعوتهم للتوحيد هو مناكفتُهم، فهو قد أراد من استعمال هذا الأسلوب القول بأنَّ ما جئتُ به من الدعوة للتوحيد ونفي الولد لا أستهدفُ منه المناكفة والمكابرة لكم بل لأنَّ ذلك هو الحق، ولو كان ما تعتقدونه هو الحقُّ لما كان في نفسي أيُّ غضاضةٍ من الجري معكم ولكنَّه باطل، وبطلان ما أنتم عليه هو وحده الذي يدفعني للإنكار عليكم وعدم الجري معكم.
فمثل هذا الأسلوب يستعمله أهل المحاورة لغرض التأكيد على انَّ الموقف الذي يقع الجدال حوله مع الخصم لم ينشأ عن دوافع شخصية بل عن رؤية عقليَّة أو عقلائيَّة محضة، ويستبطنُ هذا الأسلوب أيضاً الإشارة إلى أنَّ الرأي المقابل هو من السقوط بحيث لا يسعُ العاقل قبولَه واعتمادَه.
فحين يقول المتكلِّم مثلاً لمن يحاورُه لو كان الإنسياق مع المشتهيات لا يتعقُّبه حسابٌ وعقاب في الآخرة لكنتُ من أول الخائضين فيها. فإنَّ المخاطَب يفهم من كلام المتكلِّم انَّ الإنسياق مع المشتهيات خطأ وحماقة لا ينبغي للعاقل التورُّط بها، ذلك لأنَّ الواقع هو أنَّ وراء هذه الدنيا حسابٌ وعقاب.
فمثل هذا الأسلوب من الخطاب يستهدفُ التعبير عن أمورٍ ثلاثة:
الأول: هو التأكيد على خطأ ما يعتقده المخاطَب أو التأكيد على خطأ السلوك الذي اتَّخذه المخاطَب لنفسه.
الثاني: هو الإشارة إلى أنَّ التخطئة للمخاطَب لم تنشأ عن دوافع شخصيَّة بل نشأت عن مبرِّرات عقليَّة أو عقلائيَّة محضة.
الثالث: هو الإشارة إلى أنَّ ما يعتمده المخاطَب أو يعتقد به هو من السقوط بحيثُ لا يسع العاقل القبول به. فيكون هذا الأسلوب مستبطناً لدعوة المخاطَب إلى مراجعة ما يَعتقد به ويتبنَّاه.
فكثيرا ما يقول الأب لإبنه الكسول الذي يفضل النوم والراحة على الدراسة والتحصيل يقول له: إنْ كان النوم والإستجمام يصنعان مستقبل الإنسان فأنا أسبقك إليهما، فهو لا يريد من ذلك القول بأن النوم والإستجمام يصنعان مستقبل الإنسان بل ولا يريد التعبير بذلك عن التردُّد واحتمال أنَّ النوم يصنع مستقبل الإنسان بل يريدُ من ذلك الإنكار على ولده وتوبيخه على كثرة نومه وتضييعه لمستقبله، وفي ذلك دعوة له إلى ترك النوم والإستجمام والتوجُّه إلى الطريق الذي يصنعُ له مستقبلاً زاهراً.
هذا هو تماماً هو ما أرادت الآية المباركة التعبير عنه لذلك ذيِّلت بتنزيه الله عما يقولون ويزعمون والتأكيد على أنَّ كلَّ مَن في السموات والأرض فهم مربوبون لله جلَّ وعلا قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾.
فمفاد الآية هو انَّه إن كان لله ولداً كما تزعمون فإنِّي لا أرى أيَّ غضاضة في عبادتِه لكنَّ دعوى انَّ لله تعالى ولداً باطلٌ لأنَّه تعالى منزَّه عن أنْ يكونَ له ولد، وهذا هو معنى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾(2) فكلُّ مَن في السموات والأرض بما فيهم مَن تزعمون انَّه ابنٌ الله كالمسيح والملائكة، كلُّ هؤلاء الموجودون في السموات والأرض وتحت العرش مربوبون لله وعبادٌ له جلَّ وعلا، ثم خاطبت الآية النبيَّ محمد (ص) بالقول إنَّهم إنْ استجابوا لدعوتك للتوحيد ونفي الولد وإلا فذرهم يخوضوا ويلعبوا ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ (3).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور