المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جَنَّـاتِ عَدْن الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَـنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْد


سلام العراق
07-10-2016, 08:53 PM
جَنَّـاتِ عَدْن الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَـنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْد





بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
(جَنَّـاتِ عَدْن الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَـنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
(61) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلَاـمَاً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً(62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً)
(63) سورة مريم
(عدن) في اللغة بمعنى الإِقامة، وهنا تعطي هذا المعنى، بأنّ ساكني تلك الجنان سيكونون مقيمين فيها دائماً.
وصفت الجنّة ونعمها في هذه الآيات حيث جاء ذكرها في الآيات السابقة، فهي تصف الجنّة الموعودة بأنّها (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إِنّه كان وعده مأتياً).
ممّا يستحق الإِهتمام ويسترعي الإِنتباه أن الآيات السابقة التي تحدثت عن التوبة والإِيمان والعمل الصالح، جاء الوعد فيها بالجنّة بصيغة المفرد (جنة)، أمّا هنا فقد ورد بصيغة الجمع (جنات) لأنّ الجنّة في الحقيقة متكونة من حدائق متعددة وغنية بالنعم جدّاً، وستكون تحت تصرف المؤمنين الصالحين.
إنّ وصف الجنّة بـ (عدن) التي تعني الدوام والخلود، دليل على أنّ الجنّة ليست كحدائق وبساتين هذه الدنيا ونعمها الزائلة، لأنّ الشيء الذي يقلق الإِنسان فيما يتعلق بنعم هذه الدنيا الكثيرة هو زوالها في النهاية، إِلاّ أن مثل هذا القلق بالنسبة لنعم الجنّة لا معنى له
كلمة (عباده) تعني عباد الله المؤمنين، لا جميع العباد، والتعبير (بالغيب) الذي جاء بعدها يعني غيبته واختفاءه عن نظرهم إِلاّ أنّهم يؤمنون به. وفي الآية (30) من سورة الفجر نقرأ أيضاً: (فادخلي في عبادي وادخلني جنتي).
ويحتمل أيضاً في معنى الغيب أنّ نعم الجنّة على هيئة لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تخطر على فكر وقلب بشر، وبكلمة واحدة: إِنّها غائبة عن حسنا وإِدراكنا، عالم أسمى وأوسع من هذا العالم، ونحن لا نرى منها إِلا شبحاً من بعيد بعين الروح والقلب.
ان الجنات لا ترى بالشهود ، بل بالغيب
ان الطالب الذي يجسد امام ناظريه قاعة الامتحان ، و التاجر الذي يتصور يوم خسارته ، و الجندي الذي يتخيل في ذهنه ساحة المعركة ، ان هؤلاء انفع من غيرهم ، و هكذا الحياة كلها و القرآن الحكيم يقول : " وعد الرحمان عباده بالغيب " فالرحمان برحمته الواسعــة يــريد ان يرحم عباده الذين خلقهم فجعل لهم جنة كبيرة مليئة بالطيبات و النعم ، ولكن بشرط ان يؤمنوا بها بالغيب
وقوله تعالى:{ إنه كان وعده } أي موعوده { مأتيا } أي آتيا لا محالة والمفعول هنا بمعنى الفاعل لأن ما آتيته فقد أتاك وما أتاك فقد أتيته يقال أتيت على خمسين سنة وأتت عليَّ خمسون سنة. وقيل: إن الموعود هو الجنة والجنة مأتية يأتيها المؤمنون
ثمّ تشير بعد ذلك إِلى نعمة أُخرى من أكبر نعم الجنّة فتقول:
(لا يسمعون فيها لغواً)
اللغو:هو الانحراف مثل السب و الفحش ، و الجدل ، و كل ما يعكس حالة العداء بين الناس ، و يقابله السلام ذلك النور الذي يضيء الجنة وإن أول وأهم تجليات السلام هــو ســلام القلب حيث يعيش الجميع في ظل رب السلام يشربون من كأس السلام ، و يسرحون في وادي السلام ، ويسمون الى افق السلام ، ولا يبقى غل في قلوبهم ، ولا طمع ولا حسد ، واذا التقى بهم خزنة الجنة حيوهم بالسلام :
و سلام القلب يعكس سلامة الاعضاء و العافية من جميع الأخطار الحالية و المستقبلية
فهناك لاكذب، ولا عداء، لا تهمة ولا جرح لسان، لا سخرية ولا حتى كلام لا فائدة فيه، بل الشيء الوحيد الذي يسمعونه هو السلام
(إِلاّ سلاماً).
و«السلام» بالمعنى الواسع للكلمة، والذي يدل على سلامة الروح والفكر واللسان والسلوك والعمل.
السلام الذي جعل ذلك الجو وتلك البيئة جنة، واقتلع كل نوع من الأذى منها.
السلام الذي هو علامة على المحيط الآمن، المحيط الملي بالصفاء والعلاقة الحميمة والطهارة والتقوى الصلح والهدوء والإطمئنان.
وفي آيات أُخرى من القرآن جاءت هذه الحقيقة أيضاً بتعبيرات مختلفة، ففي الآية (73) من سورة الزمر نقرأ: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين). وفي الآية (34) من سورة ق: (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود).
وليست الملائكة وحدها التي تحييهم، وليسوا لوحدهم يحيى بعضهم بعضاً، بل إنّ الله سبحانه يحييهم أيضاً، كما حياتهم في الآية (57) من سورة يس: (سلام قولا من رب رحيم). فهل يوجد محيط أصفى وأجمل من هذا الجوّ المليء بالسلام والسلامة؟
في الميزان ورد فقولك: أنت مني في أمن معناه لا تلقى مني ما يسوؤك، وقولك: سلام مني عليك معناه كل ما تلقاه مني لا يسوؤك. وإنما يسمعون السلام من الملائكة ومن رفقائهم في الجنة، قال تعالى حكاية عن الملائكة:
{ سلام عليكم طبتم }الزمر: 73]، وقال:{ فسلام لك من أصحاب اليمين }
وبعد هذه النعمة تشير الآية إِلى نعمة أُخرى فتقول:
(ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً).
الظاهر أن إتيان الرزق بكرة وعشياً كناية عن تواليه من غير انقطاع.
إِنّ هذه الجملة تثير سؤالين:
أحدهما: هل يوجد في الجنّة صبح وليل؟
وقد جاء جواب هذا السؤال في الرّوايات هكذا: إِنّ الجنّة وإن كانت دائماً منيرة مضيئة، إِلاّ أنّ أهلها يميزون الليل والنهار من قلة النور وزيادته.
والسؤال الآخر هو: إنّه يستفاد من آيات القرآن بوضوح أن كل ما يريده أهل الجنة من الهبات والأرزاق موجود تحت تصرفهم دائماً وفي أي ساعة، فأي رزق هذا الذي يأتيهم في الصبح والمساء فقط؟
ويمكن استخلاص جواب هذا السؤال من حديث جميل روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول: «وتعطيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا». ويستفاد من هذا الحديث أن هذه الهدايا الممتازة التي لا يمكن بيان ماهيتها حتى بالحدس والتخمين، نعم قيمة جداً، تهدى إِلى هؤلاء بكرة وعشياً مضافاً إِلى سائر نعم الجنّة.
ألا يدل تعبير الآية، والحديث الذي ذكر، على أنّ حياة أهل الجنّة ليست على وتيرة واحدة، بل إِن لهم في كل صباح ومساء موهبة جديدة ولطف جديد يعمهم ويشملهم!؟
أليس معنى هذا الكلام أنّ السير التكاملي للإِنسان سيستمر هناك، بالرغم من أنّه لا يعمل عملا، غير أنّه سيديم سيره التكاملي بواسطة معتقداته وأعماله في هذه الدنيا؟!
وبعد الوصف الإِجمالي للجنّة ونعمها المادية والمعنوية، تعرّف الآية أهل الجنّة في جمله قصيرة، فتقول:
(تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً)
وعلى هذا فإن مفتاح باب الجنة مع كل تلك النعم التي مرت ليس إِلاّ «التقوى».
وبالرغم من أنّ التعبير بـ «عبادنا» فيه إِشارة إِجمالية إِلى الإِيمان والتقوى، غير أنّ المحل هنا لا يكتفى فيه بالإِشارة الإِجمالية، بل لابدّ من بيان هذه الحقيقة بصراحة، بأن الجنة محل المتقين فقط.
ونواجه هنا مرّة أُخرى كلمة الإِرث، والتي تطلق عادة على الأموال التي تنتقل من شخص إِلى آخر بعد موته، في حين أنّ الجنّة ليست مملوكة لأحد حتى يمكن توريثها للآخرين.
ويمكن الإِجابة على هذا السؤال عن طريقين:
1 ـ إِنّ الإرث من الناحية اللغوية جاء بمعنى التمليك، ولا ينحصر بالإِنتقال المالي من الميت إِلى الورثة.
2 ـ إِنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من أحد إِلاّ وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار، فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة».
ويلزم هنا أيضاً ذكر هذه النكتة، وهي أن الوارثة التي وردت بذلك المعنى في الحديث ليست على أساس العلاقة النسبية، بل على أساس التقوى الدينية والعملية.
ويستفاد هذا المعنى أيضاً من سبب النّزول الذي ذكره بعض المفسّرين .
للآية، بأن أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ـ قد منع أجيره أجره ـ والظاهر أنّه كان مسلماً ـ وقال متهكماً: إن كان ما يقوله محمّد حقاً فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة، وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك! فنزلت هذه الآية وقالت: إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقياً
************************************************** ************************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير مجمع البيان
تفسير من هدي القرآن