مروان1400
09-01-2017, 10:12 AM
من الضروري قراءة المقدمات التاريخية لادراك حبكة اغتيال ابوعبيدة من قبل الخليفة الثاني , المقدمة التاريخية هي في بداية الموضوع الاتي
اغتيال ابوعبيدة عامر بن الجراح , عمر قاتل ابوعبيدة!
الاغتيالات في عهد عمر مهدت لدولة بني أمية
ردد عمر أكثر من مرة بأنه إذا سيستخلف من بعده فأن أختياره سيكون على رجل من بين ثلاثة رجال فقط! أولئك الرجال الثلاثة هم :
أبوعبيدة عامر بن الجراح,
معاذ بن جبل,
وسالم مولى أبي حذيفة .
كان عمر يسمي أباعبيدة الجراح أمين الامة ويقول أن النبي سماه ذلك , أما في معاذ فكان عمر يقول (من أراد الفقه فليأت معاذا )( صحيح البخاري , باب مناقب الانصار رقم الحديث 3595), وهو قول يدعو للعجب فما كان معاذ أفقه من علي بن أبي طالب ولا أقدم أسلاماُ وهل أفلس الصحابة من علم الفقه ولم يبق سوى معاذ بن جبل ؟ أما مدحه لسالم مولى أبي حذيفة فقوله فيه :أنه شديد الحب لله!
يروي ابن الاثير : إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت. فقال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته وقلت لربي إن سألني: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة ,ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته وقلت لربي أن نبيك قال أن سالما شديد الحب لله ).( الكامل لابن الاثير ج2 ,باب الشورى. طبقات ابن سعد ج 3 ص 343).
وفي نص آخر يقول عمر (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) ( سير اعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاذ. وورد مثله في مسند أحمد).
روى ابن شبة : قال عمر:يا ابن عباس لو كان فيكم مثل أبي عبيدة بن الجراح لم أشْكُكْ في استخلافه لأني سمعت رسول الله يقَول: لكل أُمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح , لو كان فيكم مثل مُعَاذ بن جبل لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول اللّه يقول: معاذ بن جبل أعلم الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، يأْتي يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة , لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول الله يقول: سالم مولى أبي حذيفة آمَنَ وأحبَ الله فأحبه ولو كان ما يخاف اللّه ما عصاه.)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبة, باب مقتل عمر)
ذكر الذهبي قول عمر في أبي عبيدة ومعاذ أيام طاعون عمواس في الشام :
(لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ ( اسم منطقة) حُدثَّ أن بالشام وباء شديدا ، فقال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي ، استخلفته ، فإن سألني الله : لم استخلفته على أمة محمد ؟ قلت : إني سمعت رسول الله يقول : إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح . قال : فأنكر القوم ذلك ، وقالوا : ما بال علياء قريش ؟ يعنون بني فهر . ثم قال : وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة ، أستخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني ربي ، قلت : إني سمعت نبيك يقول : إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة) ( سير أعلام النبلاء للذهبي, باب صحابة النبي , سيرة أبي عبيدة). تأمل تعجب القوم من قول عمر ثم يذكرونه بالنخبة من قريش ولكنه لايأبه لذلك. لم يذكر عمر سالماً في الحديث أعلاه لأن سالم مولى ابي حذيفة كان قد مات في حرب اليمامة. وردت أقوال عمر في الرجال الثلاثة في مصادر شتى لتواتر الخبر وانتشاره منها سير أعلام النبلاء للذهبي , مسند أحمد بن حنبل , طبقات ابن سعد , تاريخ الرسل والملوك للطبري , وتاريخ ابن الاثير وغيرها.
الذي يثير الانتباه هو لماذا هؤلاء الرجال وليس غيرهم ؟وصحابة النبي فيهم من فيهم ؟ ولا يجيب أهل العلم بجواب مقنع على سبب أختيار عمر لهؤلاء الثلاثة دون غيرهم, ولكن لامن مجيب! الجواب على ذلك يعودالى أيام ماقبل السقيفة وما قبل وفاة النبي محمد (ص)و المصدر التاريخي الاوحد الذي يجيب على هذا التساؤل هو أقدم كتاب كُتب في تاريخ الاسلام وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي . مؤلف الكتاب سليم ولد قبل هجرة النبي (ص) بسنتين أي أنه عاصر في طفولته النبي (ص) وشاهد في شبابه وكهولته أحداثا كثيرة حتى توفي في سنة 78 هجرية في عهد حكومة بني أمية . أستعان جمع من المؤرخين بكتاب سليم في رواية أحداث مهمة كأحداث السقيفة ووقائع الملاحم والفتن في صدر الاسلام. لا يعترف جمهور السنة وفقائهم بكتاب سليم لحجة واحدة هي أن سليم كان متشيعاً لعلي بن أبي طالب ولبنيه ولآل بيته, ولا يوجد جواب مقنع على معرفة سر تشبث عمر بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم الا ماذكره كتاب سليم الهلالي وأذا استطاع المحققون الاتيان بجواب من مصدر آخر فنّعمَّا ذلك , ولكن لاجواب!
يذكر سليم في كتابه يوم وفاة النبي (ص) وما جرى فيه فيروي حواراً بين سلمان الفارسي وبين علي بن أبي طالب ,وفي الحوار يأتي سلمان عليا ليخبره بما حصل في السقيفة ,وحينها كان علي مشغولاً بتجهيز النبي (ص) وغسله :
(قال سلمان الفارسي: فأخبرت علياً بن أبي طالب - وهو يغسل رسول الله (ص) بما صنع القوم، وقلت له : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله. فقال علي : يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (ص)؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل) ( كتاب سليم الهلالي المتوفي سنة 78 هجرية, ص 144).
تقدم في فصل السقيفة أن أول من بايع أبابكر هو بشير بن سعيد ثم أبوعبيدة ثم عمر بن الخطاب والاخرين من بعده وهو قول أهل الجمهور , وكذلك ذكر كتاب سليم الهلالي , فالثلاثة الذي تمنى عمر وجودهم كي يستخلفهم من بعده وهم ( أبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ) كانوا اوائل المبايعين للخليفة الاول ابوبكر بإتفاق المؤرخين.
وتقدم كذلك أن عليا لم يبايع (أبوبكر) يوم السقيفة وعلى ذلك اتفق المؤرخون وفي ذلك يروي كتاب سليم مايظهر ضلوع الرجال الثلاثة (ابوعبيدة, سالم, معاذ) في مؤامرة السقيفة وكما يلي في هذا الحديث بين الخليفة وعلي :
(فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال لعلي بن أبي طالب: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)! فقال علي : هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك؟ فقال عمر صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال, وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله .)( كتاب سليم ص 153). تأمل تعصب الرجال معاً وكأن بينهم اتفاقاُ سرياُ. ثم يستأنف علي ليبين أن هناك حقاُ تنظيم داخلي بين المسلمين وبعض رجاله هم الثلاثة الذي كان يذكرهم عمر في خلافته ويتمنى استخلافهم من بعده , يقول علي كما يروي الكتاب :
(فقال لهم علي : لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت!
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها !فقال علي : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن ابابكر وعمرا وأبا عبيدة ومعاذاً وسالماً قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي! قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك فقال علي : أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة) ( عن كتاب سليم الهلالي , ص 154)
في الحوار أعلاه يتبين سبب تعصب الخمسة لنيل الخلافة وهم ( ابوبكر, عمر , أبوعبيدة, معاذ , وسالم ) وهذا هو سبب تشبث عمر بهم.
لقد تقول ابوبكر على النبي محمد (ص) مرة أخرى بعد وفاته فمرة زعم أن النبي كان قد قال (نحن الانبياء لانورث مانتركه صدقة) فحرم الزهراء بنت محمد وزوجها عليا وأولادهما من إرثهم كما تقدم ذكره في فصل السقيفة , وفي هذه المرة زعم كذلك أن النبي كان قد قال إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. ونقول إذا كان النبي قد قال ذلك حقا فما بال علي لم يسمع به وهو الاولى من باقي الناس بسماع مايخصه في الخلافة والامامة وكيف يقول النبي حديثا مهما كهذا بخصوص أهل بيته وعائلته, وهم لم يسمعوا به وسمعه أبوبكر لوحده؟ .
نص الحوار الاتي بين عمر بن الخطاب وابن عباس يبين تزوير الخليفة أبوبكر في حديثه.
جرى بين عمر ايام خلافته وبين ابن عباس حوار نقلته كتب جمهور السنة وفيه يردد عمر نفس معنى كلام أبوبكر الذي زعم أبوبكر أن النبي قد قاله في حديث عندما قال لعلي أنه ( ابوبكر) سمع النبي يقول : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة),
لكن عمر لايذكر نص الحديث وانما يذكر المعنى ,فيروي في ذلك ابن الاثير :
(قال عمر : يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني! فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت. قال :تكلم.
قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) (محمد 9)
فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كنت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنك حسدا وبغيا وظلما.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك: حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسدون.
فقال عمر: هيهات هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول.
فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس.
فقلت: أفعل. فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال: يا ابن عباس مكانك! فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ.
ثم قام فمضى ( الكامل لابن الاثير ج2 , باب ذكر نسب عمر وصفته , ومثله في شرح النهج لابن ابي الحديد )
قول عمر أعلاه يبين إدعاء الخليفة الاول في أن النبي قال يوما : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة), وكان الشاهد حينها عمرا وابوعبيدة ومعاذا وسالما, كما ذكرهم كتاب سليم. ولو كان الحديث الذي قاله أبوبكر صحيحا لقاله عمر وتشبث به لكنه نسيه فعاد يقوله كفكرة من افكاره, وتحليلا من تحليلاته ثم تأمل قوله أن قريش هي التي كرهت ان تجمع لال محمد النبوة والخلافة معاُ وليس الله أمر بذلك كما أدعى أبوبكر من قبل في حديثه المزعوم, إن حجة عمر على ابن عباس هي نفس حجة أبي بكر على علي, لكن أبابكر صاغ قوله على شكل حديث نبوي . أن ترديد نفس الحجة على لسان عمر يدل على تآمر العصبة الخمسة فيما بينهم وأبرامهم أمراُ اتفقوا عليه في الخفاء ثم هيئوا حجتهم وأدعوا أنها حديث نبوي فشهد جميعهم لتصديقها !
لقد جمع الله النبوة والحكمة والكتاب والملك قبل ذلك لآل أبراهيم وهم أجداد آل محمد ؟ تقول الاية الكريمة ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم مُلكاً عظيماً) ( النساء 54). لكن أبابكر وعمر وباقي الثلاثة من عصبة الخمسة كانوا قد أبرموا أمرهم .
من ترابط الادلة التاريخية التي تقدمت , يتبين بوضوح تحزب الخمسة ( أبو بكر وعمر وأبي عبيدة ومعاذ وسالم ) على نيل الخلافة, ويذكر كتاب سليم الهلالي أنهم كتبوا عهدهم في صحيفة وكاتب الصحيفة وحافظها هو أبوعبيدة بن الجراح وهذا يفسر لنا تسمية أبا عبيدة بأمين الامة ,فهو الامين على صحيفة العهد بين الخمسة.
يروى ان عمرا بن الخطاب قبل يد اباعبيدة يوما وجعلا يبكيان ! روي البيهقي في سننه واللفظ له :
(ولما أتى عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح، وفاض إليه ألماً، فالتزمه عمر، وقبل يده، وجعلا يبكيان ) ( سنن البيهقي ج7 ص 101. وذكره الطبري في تاريخه ) ونقول أن عمر قبل اليد التي كتبت صحيفة العهد بين الخمسة , تلك الصحيفة التي أوصلت عمر بن الخطاب الى السلطة ,وبكاء الرجلين معاً مزيج من فرحة بالفوز و شعور بذنب عظيم ليس إلا !
يتبع لطفا ...
اغتيال ابوعبيدة عامر بن الجراح , عمر قاتل ابوعبيدة!
الاغتيالات في عهد عمر مهدت لدولة بني أمية
ردد عمر أكثر من مرة بأنه إذا سيستخلف من بعده فأن أختياره سيكون على رجل من بين ثلاثة رجال فقط! أولئك الرجال الثلاثة هم :
أبوعبيدة عامر بن الجراح,
معاذ بن جبل,
وسالم مولى أبي حذيفة .
كان عمر يسمي أباعبيدة الجراح أمين الامة ويقول أن النبي سماه ذلك , أما في معاذ فكان عمر يقول (من أراد الفقه فليأت معاذا )( صحيح البخاري , باب مناقب الانصار رقم الحديث 3595), وهو قول يدعو للعجب فما كان معاذ أفقه من علي بن أبي طالب ولا أقدم أسلاماُ وهل أفلس الصحابة من علم الفقه ولم يبق سوى معاذ بن جبل ؟ أما مدحه لسالم مولى أبي حذيفة فقوله فيه :أنه شديد الحب لله!
يروي ابن الاثير : إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت. فقال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته وقلت لربي إن سألني: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة ,ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته وقلت لربي أن نبيك قال أن سالما شديد الحب لله ).( الكامل لابن الاثير ج2 ,باب الشورى. طبقات ابن سعد ج 3 ص 343).
وفي نص آخر يقول عمر (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) ( سير اعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاذ. وورد مثله في مسند أحمد).
روى ابن شبة : قال عمر:يا ابن عباس لو كان فيكم مثل أبي عبيدة بن الجراح لم أشْكُكْ في استخلافه لأني سمعت رسول الله يقَول: لكل أُمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح , لو كان فيكم مثل مُعَاذ بن جبل لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول اللّه يقول: معاذ بن جبل أعلم الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، يأْتي يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة , لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول الله يقول: سالم مولى أبي حذيفة آمَنَ وأحبَ الله فأحبه ولو كان ما يخاف اللّه ما عصاه.)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبة, باب مقتل عمر)
ذكر الذهبي قول عمر في أبي عبيدة ومعاذ أيام طاعون عمواس في الشام :
(لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ ( اسم منطقة) حُدثَّ أن بالشام وباء شديدا ، فقال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي ، استخلفته ، فإن سألني الله : لم استخلفته على أمة محمد ؟ قلت : إني سمعت رسول الله يقول : إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح . قال : فأنكر القوم ذلك ، وقالوا : ما بال علياء قريش ؟ يعنون بني فهر . ثم قال : وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة ، أستخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني ربي ، قلت : إني سمعت نبيك يقول : إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة) ( سير أعلام النبلاء للذهبي, باب صحابة النبي , سيرة أبي عبيدة). تأمل تعجب القوم من قول عمر ثم يذكرونه بالنخبة من قريش ولكنه لايأبه لذلك. لم يذكر عمر سالماً في الحديث أعلاه لأن سالم مولى ابي حذيفة كان قد مات في حرب اليمامة. وردت أقوال عمر في الرجال الثلاثة في مصادر شتى لتواتر الخبر وانتشاره منها سير أعلام النبلاء للذهبي , مسند أحمد بن حنبل , طبقات ابن سعد , تاريخ الرسل والملوك للطبري , وتاريخ ابن الاثير وغيرها.
الذي يثير الانتباه هو لماذا هؤلاء الرجال وليس غيرهم ؟وصحابة النبي فيهم من فيهم ؟ ولا يجيب أهل العلم بجواب مقنع على سبب أختيار عمر لهؤلاء الثلاثة دون غيرهم, ولكن لامن مجيب! الجواب على ذلك يعودالى أيام ماقبل السقيفة وما قبل وفاة النبي محمد (ص)و المصدر التاريخي الاوحد الذي يجيب على هذا التساؤل هو أقدم كتاب كُتب في تاريخ الاسلام وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي . مؤلف الكتاب سليم ولد قبل هجرة النبي (ص) بسنتين أي أنه عاصر في طفولته النبي (ص) وشاهد في شبابه وكهولته أحداثا كثيرة حتى توفي في سنة 78 هجرية في عهد حكومة بني أمية . أستعان جمع من المؤرخين بكتاب سليم في رواية أحداث مهمة كأحداث السقيفة ووقائع الملاحم والفتن في صدر الاسلام. لا يعترف جمهور السنة وفقائهم بكتاب سليم لحجة واحدة هي أن سليم كان متشيعاً لعلي بن أبي طالب ولبنيه ولآل بيته, ولا يوجد جواب مقنع على معرفة سر تشبث عمر بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم الا ماذكره كتاب سليم الهلالي وأذا استطاع المحققون الاتيان بجواب من مصدر آخر فنّعمَّا ذلك , ولكن لاجواب!
يذكر سليم في كتابه يوم وفاة النبي (ص) وما جرى فيه فيروي حواراً بين سلمان الفارسي وبين علي بن أبي طالب ,وفي الحوار يأتي سلمان عليا ليخبره بما حصل في السقيفة ,وحينها كان علي مشغولاً بتجهيز النبي (ص) وغسله :
(قال سلمان الفارسي: فأخبرت علياً بن أبي طالب - وهو يغسل رسول الله (ص) بما صنع القوم، وقلت له : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله. فقال علي : يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (ص)؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل) ( كتاب سليم الهلالي المتوفي سنة 78 هجرية, ص 144).
تقدم في فصل السقيفة أن أول من بايع أبابكر هو بشير بن سعيد ثم أبوعبيدة ثم عمر بن الخطاب والاخرين من بعده وهو قول أهل الجمهور , وكذلك ذكر كتاب سليم الهلالي , فالثلاثة الذي تمنى عمر وجودهم كي يستخلفهم من بعده وهم ( أبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ) كانوا اوائل المبايعين للخليفة الاول ابوبكر بإتفاق المؤرخين.
وتقدم كذلك أن عليا لم يبايع (أبوبكر) يوم السقيفة وعلى ذلك اتفق المؤرخون وفي ذلك يروي كتاب سليم مايظهر ضلوع الرجال الثلاثة (ابوعبيدة, سالم, معاذ) في مؤامرة السقيفة وكما يلي في هذا الحديث بين الخليفة وعلي :
(فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال لعلي بن أبي طالب: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)! فقال علي : هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك؟ فقال عمر صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال, وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله .)( كتاب سليم ص 153). تأمل تعصب الرجال معاً وكأن بينهم اتفاقاُ سرياُ. ثم يستأنف علي ليبين أن هناك حقاُ تنظيم داخلي بين المسلمين وبعض رجاله هم الثلاثة الذي كان يذكرهم عمر في خلافته ويتمنى استخلافهم من بعده , يقول علي كما يروي الكتاب :
(فقال لهم علي : لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت!
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها !فقال علي : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن ابابكر وعمرا وأبا عبيدة ومعاذاً وسالماً قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي! قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك فقال علي : أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة) ( عن كتاب سليم الهلالي , ص 154)
في الحوار أعلاه يتبين سبب تعصب الخمسة لنيل الخلافة وهم ( ابوبكر, عمر , أبوعبيدة, معاذ , وسالم ) وهذا هو سبب تشبث عمر بهم.
لقد تقول ابوبكر على النبي محمد (ص) مرة أخرى بعد وفاته فمرة زعم أن النبي كان قد قال (نحن الانبياء لانورث مانتركه صدقة) فحرم الزهراء بنت محمد وزوجها عليا وأولادهما من إرثهم كما تقدم ذكره في فصل السقيفة , وفي هذه المرة زعم كذلك أن النبي كان قد قال إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. ونقول إذا كان النبي قد قال ذلك حقا فما بال علي لم يسمع به وهو الاولى من باقي الناس بسماع مايخصه في الخلافة والامامة وكيف يقول النبي حديثا مهما كهذا بخصوص أهل بيته وعائلته, وهم لم يسمعوا به وسمعه أبوبكر لوحده؟ .
نص الحوار الاتي بين عمر بن الخطاب وابن عباس يبين تزوير الخليفة أبوبكر في حديثه.
جرى بين عمر ايام خلافته وبين ابن عباس حوار نقلته كتب جمهور السنة وفيه يردد عمر نفس معنى كلام أبوبكر الذي زعم أبوبكر أن النبي قد قاله في حديث عندما قال لعلي أنه ( ابوبكر) سمع النبي يقول : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة),
لكن عمر لايذكر نص الحديث وانما يذكر المعنى ,فيروي في ذلك ابن الاثير :
(قال عمر : يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني! فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت. قال :تكلم.
قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) (محمد 9)
فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كنت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنك حسدا وبغيا وظلما.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك: حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسدون.
فقال عمر: هيهات هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول.
فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس.
فقلت: أفعل. فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال: يا ابن عباس مكانك! فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ.
ثم قام فمضى ( الكامل لابن الاثير ج2 , باب ذكر نسب عمر وصفته , ومثله في شرح النهج لابن ابي الحديد )
قول عمر أعلاه يبين إدعاء الخليفة الاول في أن النبي قال يوما : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة), وكان الشاهد حينها عمرا وابوعبيدة ومعاذا وسالما, كما ذكرهم كتاب سليم. ولو كان الحديث الذي قاله أبوبكر صحيحا لقاله عمر وتشبث به لكنه نسيه فعاد يقوله كفكرة من افكاره, وتحليلا من تحليلاته ثم تأمل قوله أن قريش هي التي كرهت ان تجمع لال محمد النبوة والخلافة معاُ وليس الله أمر بذلك كما أدعى أبوبكر من قبل في حديثه المزعوم, إن حجة عمر على ابن عباس هي نفس حجة أبي بكر على علي, لكن أبابكر صاغ قوله على شكل حديث نبوي . أن ترديد نفس الحجة على لسان عمر يدل على تآمر العصبة الخمسة فيما بينهم وأبرامهم أمراُ اتفقوا عليه في الخفاء ثم هيئوا حجتهم وأدعوا أنها حديث نبوي فشهد جميعهم لتصديقها !
لقد جمع الله النبوة والحكمة والكتاب والملك قبل ذلك لآل أبراهيم وهم أجداد آل محمد ؟ تقول الاية الكريمة ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم مُلكاً عظيماً) ( النساء 54). لكن أبابكر وعمر وباقي الثلاثة من عصبة الخمسة كانوا قد أبرموا أمرهم .
من ترابط الادلة التاريخية التي تقدمت , يتبين بوضوح تحزب الخمسة ( أبو بكر وعمر وأبي عبيدة ومعاذ وسالم ) على نيل الخلافة, ويذكر كتاب سليم الهلالي أنهم كتبوا عهدهم في صحيفة وكاتب الصحيفة وحافظها هو أبوعبيدة بن الجراح وهذا يفسر لنا تسمية أبا عبيدة بأمين الامة ,فهو الامين على صحيفة العهد بين الخمسة.
يروى ان عمرا بن الخطاب قبل يد اباعبيدة يوما وجعلا يبكيان ! روي البيهقي في سننه واللفظ له :
(ولما أتى عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح، وفاض إليه ألماً، فالتزمه عمر، وقبل يده، وجعلا يبكيان ) ( سنن البيهقي ج7 ص 101. وذكره الطبري في تاريخه ) ونقول أن عمر قبل اليد التي كتبت صحيفة العهد بين الخمسة , تلك الصحيفة التي أوصلت عمر بن الخطاب الى السلطة ,وبكاء الرجلين معاً مزيج من فرحة بالفوز و شعور بذنب عظيم ليس إلا !
يتبع لطفا ...