المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم الوعد في القرآن


الباحث الطائي
01-02-2017, 03:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم


وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ،،، سورة النّور - آية 55




اقول :


1- الوعد : تبدأ الاية الكريمة بوعدٍ إلهي ( وعد الله ) ، ومعلوم وثابت في القرآن أنّ الله لا يخلف ما وعد ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) ،،، ( وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )


2- متعلق الوعد واختصاصه : تعلق الوعد الإلهي واختص بـ " الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " حيث انّ كلمة " مِنْكُمْ " تخرجه من العام وتخصصه بفئة من المؤمنين لا عامة المؤمنين لان ( من ) تفيد التبعيض لغتاً .
ثم تعطي الاية لمن تعلق به الوعد من بعض الذين آمنوا وتضيف اليهم صفة ثانية وهي ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )


3- مضمون وتفاصيل هذا الوعد :*


اولا - لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ،،،وجدت افضل من فسرهذا المقطع كما يلي : *(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ) أي يجعلهم خلفاءه في أرضه (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، والمراد من المستخلفين من قبلهم إمّا مطلق أنبياء الله ورسله وأوصيائهم نظير قوله تعالى في آدم مخاطباً ملائكته ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي اْلأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة/31] وكقوله في داود مخاطباً له ( يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) [ص/27] وكقوله تعالى مخاطباً خليله إبراهيم ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة/125]، وكقوله تعالى في بعض رسله وأنبيائه ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء/74]، أو المراد من المستخلفين من قبلهم – ولعلّه هو الأولى – بعض الأنبياء الماضين الذين أهلك الله قومهم الكافرين والفاسقين منهم وأنجاهم مع المؤمنين الصالحين من اتباعهم كنوح وهود وصالح وشعيب وأمثالهم “ كما أخبر الله عن ذلك بقوله تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ اْلأَرضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم/14-15]. ... انتهــــــى ،،، اقول وحيث انه وعد الهي لخصوص بعض المؤمنين من اهل الاستخلاف الذين هم كأمثال الانبياء والرسل والاوصياء فهذا يرجح الاحتمال الثاني المذكور في النقل اعلاه اكثر من الاول الذي هو عموم الاستخلاف على الارض كاساس وسنة الهية ثابته وسيتبين ذلك اكثر لاحقا .


ثانيا - وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ،،، المضمون الثاني للوعد الإلهي وبعد وعده تعالى باستخلافه المؤمنين في ارضه كما جرت في سنن الامم الاخرى وما ثبت من تحقق وعده فيهم . فان الله سيمكن لهم دينهم الذي ارتضى ، ولمّا اتصف هذا الدين المذكور برضى الله خاصة وهو المقبول عند الله فان مصداق هذا الدين المرضي في الامة الاسلامية المحمدية الخاتمة نجدها في قوله تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ،،، ومعلوم مما ثبت روائيا ان الاية ومضمونها نزلت في حق علي امير المؤمنين بعد تنصيبه من قبل الله ورسوله وليا واماما عاما للمسلمين وبذلك كمل الدين الاسلامي المحمدي الخاتم بالولاية ، وهي ولاية الإئمة الاطهار ، وارتضى الله لهم هذا الدين ، فتأمل*
هذا الفهم يخصص الاية الكريمة بوعد الهي يجري في امة محمد ص كما جرى في الامم السابق بان يستخلف الله الذين امنوا وعملوا الصالحات وهم خصوص امة محمد من المستخلفين في الارض وهم العترة الاثني عشر الطاهرين ومن اتبعهم باحسان من اهل الدين الذين ارتضـــى الله وهو الايمان بالله ورسوله وطاعتهما والايمان بولاة الامر من بعد رسول الله وطاعتهم لانهم حجج الله وكما ثبت ذلك في قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) .


اذن هذا الوعد الإلهي الذي هو لمن سوف يستخلفه الله في ارضه ممن ارتضاهم( المستخلفين ) وارتضى دينهم ( من آمن بالمستخلفين ) ، سيكون في مضمونه تحقق " التمكين " بعد الغلبة عليهم واقصائهم ، وهذا يدخل في ملاحم القرآن وآفاقه المستقبلية الغيبية لم نجد لها تحققا فيما مضى ودللت الروايات عند جميع المذاهب بما يفيد بتحقق مصداقه ( هذا على الاقل اذا لم يكن هو نفسه قصدا كما يفهمه الشيعة الاثني عشرية ) في آخر الزمان على يدي المهدي المنتظر سواء ممن قَبِلَ فهم الاية كما فهمناها او لا .


ثالثا - وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ،،، يزيد هذا المقطع المعطوف على ما سبق كون هؤلاء الذين ارتضى الله دينهم وتعلق بهم الوعد الإلهي بالاستخلاف كما استخلف الذين من قبلهم في اممهم ، حالهم قبل استخلافهم بانهم يتصفون بالخوف ، وحيث ان القضية والموضوع هو في الدين فان متعلق الخوف هو اعتقادهم الديني ، وعلمنا مما سبق اعلاه بان الله اختص وعده في هذه الاية بالذين ارتضى دينهم وفي امة محمد ص هم الذين امنوا بتمام وكمال الدين وذلك هو الايمان بالولاية ( ولاية العترة الاثني عشر واولهم علي امير المؤمنين ) ، فان مصداق واصدق من ينطبق عليهم صفة الخوف هنا هم انفسهم ولاة الامر ثم الامثل فالامثل ممن اتبعهم واطاعهم وكان على مثل عقيدتهم .
ولا شك ولاشبهة بان التاريخ ثبت ان ال البيت ع جميعا كانوا يعيشون تحت الظلم والقهر والخوف الذي تسلط عليهم من جبابرة زمانهم وتم اقصائهم ومن ثم قتلهم جميعا ( عدى بقية الله المهدي الغائب ) وكذلك الحال جرى على شيعتهم . ولا زال النزاع والحال جاري منذ غيبة الامام الثاني عشر . ومستمرا الى يوم ظهوره وتحقق الوعد .




والله اعلم
الباحث الطائي


(( نتوقف قليلا ونكمل لاحقا ))

الباحث الطائي
01-02-2017, 03:30 PM
بسمه تعالى ، وبه نستعين*

اللهم صل على محمد واله الطاهرين وعجل فرجهم

نكمل البحث في المطلب السابق ، ونضع من جديد الاية القرانية محل البحث كما ادناه :*

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىظ° لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا غڑ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا غڑ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَظ°لِكَ فَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ،،، سورة النّور - آية 55


ثمرة الوعد الإلهي :

وصلنا الى قوله تعالى : يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا غڑ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَظ°لِكَ فَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

فبعد تحقق الوعد باستخلاف الله من اصطفاه من حججه عليهم السلام ومن امن بهم واتبعهم باحسان ، سيمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو دين التوحيد السلامي الخاتم والتام الكامل بالولاية الحق ، والمتحقق على يدي بقية الله من عترة الرسول وهو الامام المهدي عليه السلام ،

هنا سيتحقق في دولة العدل الإلهي واحدة من اهم الغايات على الاطلاق في حياة البشرية جمعاء وهي التي تعبر عنها الاية المباركة بـ : ( يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )
وهذا موافق للغاية الاصيلة في خلق البشرية ذكرها القران في قوله تعالى : *(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )

ولعله من يطلع على تاريخ البشرية قبل اليوم الموعود وما سجله القرآن عن حقيقة ايمان الناس سواء من يحسب على اهل الايمان فضلا عمّن دونهم يرى الفرق الشاسع الكبير والقفزة الايمانية العظمى التي ستتحقق في عصر الظهور ، وهنا سألفت الى هذه المسألة التي لعله لم يلتفت اليها من تناول هذا المبحث بحسب اطلاعي من المفسرين عموما والباحثين المهدويين خصوصا ،

فانظر الى قوله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ / سورة يوسف 106
فهذه حقيقة واقعة جرت وتجري في كل الامم وهي عدم خلوص التوحيد واختلاطه بنوع شركٍ الا الاندر كامثال الرسل والانبياء والاوصياء والاولياء وقليلٌ من خواص المؤمنين بدليل قوله تعالى انه نفى اكثرهم وليس فقط كثير وهذه تفيد الغلبة الا الاقل ، فتامل .

في حين ان الخطاب والتوصيف القرآني لحال الناس المؤمنين في يوم تحقق الوعد يقول فيهم : يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ،،، وهذا هو تحقق عين الغاية ، وهذا هو تحقق العبادة الكاملة التامة التي لا يشوبها شرك ابدا*
ومنها نستظهر اكبر واهم دليل على اختصاص الاية المباركة باخر الزمان وما يتعلق بصاحبها وإمامها الذي نؤمن يقينا بانه الامام المهدي الحجة بن الامام الحسن العسكري الامام الثاني عشر والخليفة المستخلف على اهل الارض . فافهم .

ولقد بينت بعض الروايات هذه الحقيقة والغاية الايمانية الكبرى التي سوف تتحقق في اليوم الموعود اجمالا وكما في الروايات التالية :*

تفسير العياشي : عن رفاعة بن موسى قال : سمعت أبا عبد الله**يقول : " وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها " قال : إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله*

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً .

وروى الشيخ الكليني: عن ابن أبي يعفور، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم, وكملت بها أحلامهم .


اقول :*
فالدين الاسلامي المحمدي الخاتم سيكون هو دين كل اهل الارض ، يؤمنون به بكماله وتمامه الذي ينعقد بالولاية كما اشرنا الى ذلك في اية ( اليوم اكملت لكم دينكم .... الخ )
فاذا تحقق هذا الدين الحق تنفتح بركات السماء والارض على اهل الارض كما في قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ

فهذه البركات الربانية مشروطة بتحقق الايمان والتقوى وهذه البركات من جميع انواع الخيرات ، منها الحسية والمادية التي مصدرها الارض ، والمعنوية كالعقائدية والايمانية التي مصدرها السماء ، لان السماء كمفهوم قرآني هي جهة العلو المتمثل بجهة القدس الإلهية ومن مصاديقها السماء المادية ، ولذلك ترى الوصف القراني يقول : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُون ،،، ومن جملة بل واهم ما وعدت السماء وربها هو هذا الامر الذي نبحثه ووعدها باستخلاف المؤمنين من امة محمد ومن ثم الوصول الى تحقيق مقدمة الغاية الكبرى في عبادة البشرية وهي " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " ، او هي عبادة الله من دون اشراك " يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا غڑ " بعد ان كانت "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " وهذا كله مقدمة للغاية الاسمى وهو الوصول الى اليقين في العبادة التامة كما في قوله تعالى : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىظ° يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ، وهذه المرتبة التي في مضمونها الانفتاح الى حقائق عالم الملكوت ولقد بينت بعض الروايات ان في دولة الامام المهدي ع سوف ينفتح المؤمنون على عالم الملكوت وعالم الجنة ويتواصلون معها .

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

نسألكم الدعاء ، والله اعلم
الباحث الطائي