الحسد عند الاقرباء

[حسين البهبهاني]

الحسد عند الاقرباء


{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } سورة الفلق {1-5}


الحسد هذه الحقيقة التي يثبتها القران الكريم بقوله ( ومن شر حاسد اذا حسد ) هي واحدة من الذنوب الكبيرة
وهي رذيلة من الرذائل ومرض من الامراض التي اصيب بها الكثيرون ممن عميت بصيرتهم وبصرهم بسبب الحسد 0
هذا المرض الخطير ، لماذا يشتد بين الاقرباء مرة وبين العلماء مرة ثانية وبين الاصدقاء في المرة الثالثة ..؟احببت ان اسلط الضوء على الحسد بين الاقرباء في هذه الكلمات التي ارجوان تكون فيها لله رضا ولااخواني في الايمان فائدة .
اخوتي في الله
الاصل في الامور ان يفرح الاخ لأخيه اذا شاهده قد توفق على الصعيد الديني او الاجتماعي او حتى السياسي والثقافي ، وان يدعوا الله ان يوفق اخيه في حمل هذه المسؤلية والامانة التي من الله بها على اخيه ، إما ما نشاهده في الواقع الاجتماعي عكس ذلك تماما ، ومما يؤسف له فأن بعض الاخوة يكون موقفهم -- وبسبب الحسد -- من اخيهم موقف اخوة يوسف من يوسف عليه السلام ، لايوجد اي مبرر لهؤلاء الاخوة في القضاء على اخيهم ، وبهذه الطريقة المفجعة سوى الحسد ، الذي لايربي نفسه بما يحب الله ويرضى ، ليس فقط الحسد يعشش في صدره ، بل الكثير من الامراض التي تفتك به حتى توصله الى مرحلة الانتقام والقتل ، الم يقتل قابيل اخيه الشهيد هابيل بسب الحسد ، لعل البعض يقول :
من هو الحاسد ...؟
اقول :
الحاسد هو الذي يكره نعمة الله على غيره، فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال، أو جاه، أو علم أو غير ذلك فيحسده .
اذن وماهو الحسد ...؟
الحسد وهو الفعل الذي يصدر من الحاسد وهو
نوعان :
نوع يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره ، لكن لا يتعرض للمحسود بشيء ، تجده مهموماً ومغموماً من نعم الله على غيره ، لكنه لا يعتدي على صاحبه.
والطامة الكبرى والشر والبلاء ، إنما هو بالحاسد إذا حسد ولهذا قال تعالى :
{ إذا حسد }
ومن حسد الحاسد العين التي تصيب المحسود ، فيكون الحاسد عنده كراهة لنعم الله على الغير فإذا أحس بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة (( خصوصا اذا كان الحاسد والمحسود اقرباء )) خرج من نفس الحاسد الخبيثة معنى وشيء لا نستطيع أن نصفه ، ولايمكن لنا ان نتصوره ، لأنه مجهول بالنسبة لنا ، فيصيب بها المحسود بالعين ، ومن تسلط عليه هذه العين أحياناً يموت ( لا سامح الله ) ، وأحياناً يمرض، وأحياناً يُجن ، ولقد اثبتت البحوث العلمية ، ان عين الحاسد يخرج منها شعاع يذيب الحديد ويفتته ،
هذا الحاسد اذا حسد -- ويا للاسف -- نجده بين الاب وابنه وبين الزوج وزوجته وبين الاخ واخيه وهكذا بين الاقرباء كافة .
لماذا لايدخل السرور على قلبك حينما تشاهد ان اخاك اصبح عالما اوفقيا او دكتورا او له بين الناس محبوبية او انعم الله عليه مثلا (( بمرأة مطيعة ودابة سريعة وبيت وسيعة )) كما تقول الروايات الشريفة ، لماذا لاتفتخر بذلك وتشكر الله على ما انعم به على اخيك ، حتى يعطيك بمثل ما اعطها وزيادة ،
اخوة الايمان
اختتم هذه الكلمات بروايات عن اهل البيت ( عليهم السلام ) تتحدث عن الحسد بشكل عام حيث الذمّ الشديد لحالة الحسد بحيث قلّما نجد صفة من الصفات الرذيلة قد ورد ذمّها بهذه الشدّة في النصوص الدينية، وعلى سبيل المثال وكنماذج وعيّنات من ذلك نكتفي بإستعراض عدّة روايات تتحدّث حول هذا الموضوع :
1 ـ ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : « اَلْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ » ( 1 )
والتعبير أعلاه يشير إشارة واضحة إلى انّ نار الحسد يمكنها أن تأتي على جميع عناصر السعادة لدى الإنسان وتحرق حسناته وأتعابه طيله عمره وتهدر ثمرات اتعابه بحيث يخرج من الدنيا صفر اليدين .
2 ـ وهذا المعنى ورد بصورة أشد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) حيث قالا : «اِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاِْيمانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» ( 2 )
أجل فإنّ الصفة الرذيلة للحسد لا تحرق الحسنات فقط بل تحرق الإيمان أيضاً وتبدّله إلى رماد، واعلم ان الحسد هذا اعم من ان يكون فقط بين الاقرباء .
3 ـ وفي حديث آخر عن الإمام أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال : «اَلْحَسَدُ شَرُّ الاَْمْرَاضِ» ( 3 ) وطبقاً لهذا الحديث الشريف فإنه ليس هناك من الأمراض الأخلاقية والتي تصيب روح الانسان ، أسوء وأشر من الحسد .
4 ـ وقد ورد عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أيضاً قوله : «رَأْسُ الرَّذَائِلِ الْحَسَدُ»
( 4 )
5 ـ وعنه صلوات الله عليه في تعبيره الكنائي عن الحسد «للهِ دَرُّ الْحَسَدِ مَا اَعْدَلَهُ بَدَءَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ»(5).
6 ـ وأيضاً عن امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قوله : «ثَمَرَةُ الْحَسَدِ شَقَاءُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَة»(6).
7 ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «آفَةُ الدِّينِ الْحَسَدُ وَالْعُجْبُ وَالْفَخْرُ»( 7).
نختتم القول ان الحسد
عند الاقرباء او العلماء او حتى الاصدقاء هو جرح ولكنه عند الاقرباء يكون هذا الجرح اعمق والمه اكثر ، اجارنا الله وإياكم من شرور انفسنا (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )) الاية 53 سورة يوسف
6 رجب الحرام 1438
مسجد جمكران المقدس
الراجي دعائكم
ابو تقى الكوفي
@@@@@@@@@
1. المحجّة البيضاء،
ج 5، ص 325.
2. اُصول الكافي،
ج 2، ص 306، ح 1 و 2.
3. غرر الحكم الشرح الفارسي، ج 1، ص 91.
4. المصدر السابق.
5. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،
ج 1، ص 316،
بحار الأنوار، ج 70،
ص 241.
6. غرر الحكم، ح 6857.
7. المحجّة البيضاء، ج 5، ص 327.