الشيخ عباس محمد
04-06-2017, 03:12 PM
معرفة الإمام
تمهيد
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني نَفْسَكَ لَم أَعرِفْ نَبيَّك. اللهمَّ عَرِّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجَّتَك. اللهمَّ عَرِّفْني حجَّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَن دِيْني"1.
إنَّ لمعرفة الإمام وتولِّيه والإلتزام بأوامره ونواهيه والتعلّم عنه، كلّ ذلك يضمن للإنسان الدين الصحيح، والصراط المستقيم. وهذا ما أشارت إليه العديد من الروايات كما ورد في مضمون هذا الدعاء المرويِّ عن الإمام الصادق عليه السلام، وليس بعيداً عن هذا المعنى قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾2، هذه الآية الكريمة التي نزلت بعد مناسبة الغدير التي تمَّ فيها تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام إماماً على الناس، وتولِّيه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومن خلال هذه ا لولاية تمَّت النعمة الإلهيَّة عليّنا.
وهذا ما سنشرع بتفصيله في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
7
دور النبوّة
لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة وجيزة إبلاغ الرسالة الإلهيّة، وقلب المجتمع من مجتمع جاهليٍّ يعيش على الغزوات، ويمارس وأدَ البنات، ويعبد العُزَّى والَّلات، وغيرها من الأوثان والأنصاب والأزلام، إلى حضارة الإسلام ومجتمع العدالة والإستقرار وعبادة الإله الواحد القهَّار... ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز الْحَمِيدِ﴾3.
وقد قام النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الإنجاز العظيم من خلال دورين أساسِيَّين، هما:
الأوّل، تبليغ التشريع الإلهيّ
وشرحه وبيان تفصيلاته، يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾4، ذلك القانون العادل الذي يضمن من خلال الإلتزام به خير الدُّنيا وبركاتها، وفوز الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾5، ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عليهم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾6.
الثاني، قيادة المجتمع الإنسانيّ
وذلك لأجل تطبيق هذه الأحكام والقوانين، وتحقيق المصالح، للوصول إلى الأهداف الإلهيَّة التي تتمثَّل بالإنسان الكامل والمجتمع الصالح. هذه القيادة التي أوجب الله تعالى على المسلمين التمسّك بها والإلتزام بمضمونها، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾7.
8
ضرورة الإمامة
يقول تعالى: ﴿مَّا كَانَ محمَّد أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليّمًا﴾8، فالآية تصرِّح بختم النبوّة، فلا نبيَّ بعد نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ولا رسالة بعد الإسلام، هذا الإسلام الذي يجب أن يبقى واضحاً في تشريعاته، مستمرّاً في مسيرته، فما الذي يضمن ذلك كلّه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال تعالى: ﴿َمَا محمَّد إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾9.
والإمامة تمثّل الضمان الحقيقيّ لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة بالشكل الصحيح، وقد استفاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من كلّ فرصة مفصليّة ليرسِّخ الإمامة ويؤكّد على متابعة الإمام بعده، امتثالاً لأمر الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينََ﴾10.
فكان للإمام دور حفظ التشريع، ومنع أيِّ تحريفٍ في مفاهيم وقواعد الشريعة، وهذا ما أشارت إليه العديد من النصوص الشرعيّة؛ كالرواية عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"11.
وكان للإمام أيضاً دور قيادة الأمّة وتحقيق الأهداف الإلهيّة في المجتمع، يقول تعالى ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾12.
ومع ضمان الاستمرار من خلال الإمامة، تحقّق كمال الرسالة ونزلت الآية بعد التبليغ بالولاية، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾13.
9
معرفة الإمام
إنّ الإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقاً، والمسلمون مكلّفون بتولّيه، والسير على نهجه، والائتمار بأمره، كما ذكرت الآية الكريمة، والعديد من النصوص الأخرى كنصّ الغدير، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنتُ مولاه فعليّ مولاه..."14.
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة"15، لأنّ الذي لم يعرف إمامه سيضيّع ميزان تمييز الحقائق، وبالتالي ستضيع عليه تلك الحقائق، وهذا ما تشير إليه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"16.
من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتَّى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف، صاحب الزمان.
خلاصة الدرس
لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلب المجتمع الجاهليّ إلى حضارة الإسلام من خلال دورين أساسيّين، هما:
1- تبليغ التشريع الإلهيّ، وشرحه وبيان تفصيلاته.
2- قيادة المجتمع للوصول إلى الأهداف الإلهيّة.
وحيث لا نبيّ بعد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ الإمامة تمثّل الضمان لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة.
فالإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون مكلّفون بتولّيه والائتمار بأمره.
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف، صاحب الزمان.
للحفظ
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إن لَم تُعرّفْني نَفْسَكَ لَم اَعرِفْ نَبِيَّك. اللهمَّ عَرّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ اَعرفْ حُجَّتك. اللهمَّ عَرِّفْني حُجّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني".
أسئلة حول الدرس
1- ما هو الدور الأساس للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
2- ما الدليل على ختم النبوّة؟
3- ما هي الحاجة لوجود إمام وما هو الدور الذي يقوم به؟
4- هل يشترط معرفة الإمام بشخصه ؟ لماذا؟
5- لماذا مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية؟
للمطالعة
رؤية الإمام بين الواقع والخيال
إنّ حلّ الجدل القائم بين العلماء حول إمكانيّة رؤية الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف يبتني على التمييز بين نوعين من الرؤية:
1- الرؤية بمعنى ادّعاء السفارة الخاصّة، التي كانت في زمن الغيبة الصغرى، بحيث يكون مدّعي الرؤية سفيراً وواسطة بين الناس وإمامهم. فهذه يحكم باستحالتها لما جاء في توقيع المولى عجل الله فرجه الشريف للسمريّ: "وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة, ألا من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة, فهو كاذب مفترِ"17.
2- الرؤية غير المقترنة بنيابة خاصّة، فهذه الرؤية ممكنة، ودلّ عليها الكثير المشاهدات التي حصلت لكبار علمائنا ولأناس عاديين معروفين بحسن السيرة، كانت لهم ظروف خاصّة منحتهم متعة النظر إلى نور الإمامة.
1 ـ يقول السيّد المرتضى (355 ـ 436هـ): "... إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وإن هذا لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه"18.
2 ـ يقول صاحب كنز الفوائد الشيخ الكراجكي (ت 449هـ): في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام رغم غيبته: "ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام لا يعرفه أحد ولا يصير (يصل) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه"19.
3 ـ يقول الشيخ الطوسي (358 ـ 460هـ): في مقام الإجابة عن سؤال يتعلّق برؤيته عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وما ينبغي أن يقال في الجواب هو أنّنا لا نقطع استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم"20.
كذلك تبنّى القول بإمكانية الرؤية ووقوعها السيّد بحر العلوم، والمحدّث النوري صاحب المستدرك، والسيّد محسن الأمين.
وما هذا إلاّ جانب ممّا يجده المتتبع في هذا المجال، لذا يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها. ولم نجد أحداً من العلماء يتبنّى القول بعدم إمكان رؤيته .
أما المنفي فهو أمران:
الأول: أن يدّعي شخص النيابة الخاصّة، على غرار ما كان الأمر عليه في الغيبة الصغرى.
الثاني: أن يدّعي شخص ظهوره وانتهاء الغيبة الكبرى التي لا تنتهي إلا بالسفياني والصيحة.
فرؤية الإمام إذاً ممكنة ولكنّها بحاجة إلى عمل صالح وقلب نقيّ ونيّة صادقة وقابلية إيمانيّة وافرة. فإنّه يرانا ولكنّنا لا نراه للحجب والموانع التي اصطنعناها لأنفسنا باتباعنا خطوات المعاصي وانغماسنا في وحول الملذّات.
"وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذ غيّبتها عن الأبصار السحاب"21...
عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم (أي في الحج)، فيراهم ولا يرونه"22، وقد أكّد ذلك أحد سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف محمَّد بن عثمان العمري رضوان ال بقوله: "والله، إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنّة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه"23.
إقرأ
كتاب: الأربعون حديثاً في المهديّ.
تأليف: الحافظ أبي نُعيم الأصبهاني المتوفّى سنة 430 هـ.
تحقيق: عليّ جلال باقر.
المضمون: الكتاب يتعرَّض لأربعين حديثاً وردوا في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، متنوّعة في مضمونها، تستوعب للكثير من قضايا الإمام الحجّة، لجهة البشارة به، ونسبه، وأنّه من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واسمه وكنيته وصفاته، وفي القرية التي يخرج منها، وراياته، وفي عدله، ومدّة ملكه، وتنعُّم الأُمّة في زمانه، وعود الإسلام به عزيزاً، وبه يؤلِّف الله بين قلوب العباد، وأنّه يعمل بسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه سيّد من سادات الجنّة، ولا خير في عيش بعده وغيرها من الأمور...
هوامش
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 342
2- المائدة: 3
3- إبراهيم: 1
4- النحل: 44
5- الأنعام: 155
6- الأعراف: 96
7- محمد: 33
8- الأحزاب: 40
9- آل عمران: 144
10- المائدة: 67
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34
12- المائدة: 55
13: المائدة: 3
14- الكافي، ج 1، ص 295
15- المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 5، ص 199
16- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34
17- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 516
18- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 323
19- أبو الفتح الكراكجي، كنز الفوائد، ص 302
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 323
21- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 485
22- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 327
23- الشيخ الصدوق، من لا يحضره، ج 2، ص520
تمهيد
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني نَفْسَكَ لَم أَعرِفْ نَبيَّك. اللهمَّ عَرِّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجَّتَك. اللهمَّ عَرِّفْني حجَّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَن دِيْني"1.
إنَّ لمعرفة الإمام وتولِّيه والإلتزام بأوامره ونواهيه والتعلّم عنه، كلّ ذلك يضمن للإنسان الدين الصحيح، والصراط المستقيم. وهذا ما أشارت إليه العديد من الروايات كما ورد في مضمون هذا الدعاء المرويِّ عن الإمام الصادق عليه السلام، وليس بعيداً عن هذا المعنى قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾2، هذه الآية الكريمة التي نزلت بعد مناسبة الغدير التي تمَّ فيها تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام إماماً على الناس، وتولِّيه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومن خلال هذه ا لولاية تمَّت النعمة الإلهيَّة عليّنا.
وهذا ما سنشرع بتفصيله في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
7
دور النبوّة
لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة وجيزة إبلاغ الرسالة الإلهيّة، وقلب المجتمع من مجتمع جاهليٍّ يعيش على الغزوات، ويمارس وأدَ البنات، ويعبد العُزَّى والَّلات، وغيرها من الأوثان والأنصاب والأزلام، إلى حضارة الإسلام ومجتمع العدالة والإستقرار وعبادة الإله الواحد القهَّار... ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز الْحَمِيدِ﴾3.
وقد قام النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الإنجاز العظيم من خلال دورين أساسِيَّين، هما:
الأوّل، تبليغ التشريع الإلهيّ
وشرحه وبيان تفصيلاته، يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾4، ذلك القانون العادل الذي يضمن من خلال الإلتزام به خير الدُّنيا وبركاتها، وفوز الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾5، ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عليهم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾6.
الثاني، قيادة المجتمع الإنسانيّ
وذلك لأجل تطبيق هذه الأحكام والقوانين، وتحقيق المصالح، للوصول إلى الأهداف الإلهيَّة التي تتمثَّل بالإنسان الكامل والمجتمع الصالح. هذه القيادة التي أوجب الله تعالى على المسلمين التمسّك بها والإلتزام بمضمونها، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾7.
8
ضرورة الإمامة
يقول تعالى: ﴿مَّا كَانَ محمَّد أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليّمًا﴾8، فالآية تصرِّح بختم النبوّة، فلا نبيَّ بعد نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ولا رسالة بعد الإسلام، هذا الإسلام الذي يجب أن يبقى واضحاً في تشريعاته، مستمرّاً في مسيرته، فما الذي يضمن ذلك كلّه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال تعالى: ﴿َمَا محمَّد إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾9.
والإمامة تمثّل الضمان الحقيقيّ لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة بالشكل الصحيح، وقد استفاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من كلّ فرصة مفصليّة ليرسِّخ الإمامة ويؤكّد على متابعة الإمام بعده، امتثالاً لأمر الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينََ﴾10.
فكان للإمام دور حفظ التشريع، ومنع أيِّ تحريفٍ في مفاهيم وقواعد الشريعة، وهذا ما أشارت إليه العديد من النصوص الشرعيّة؛ كالرواية عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"11.
وكان للإمام أيضاً دور قيادة الأمّة وتحقيق الأهداف الإلهيّة في المجتمع، يقول تعالى ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾12.
ومع ضمان الاستمرار من خلال الإمامة، تحقّق كمال الرسالة ونزلت الآية بعد التبليغ بالولاية، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾13.
9
معرفة الإمام
إنّ الإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقاً، والمسلمون مكلّفون بتولّيه، والسير على نهجه، والائتمار بأمره، كما ذكرت الآية الكريمة، والعديد من النصوص الأخرى كنصّ الغدير، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنتُ مولاه فعليّ مولاه..."14.
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة"15، لأنّ الذي لم يعرف إمامه سيضيّع ميزان تمييز الحقائق، وبالتالي ستضيع عليه تلك الحقائق، وهذا ما تشير إليه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"16.
من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتَّى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف، صاحب الزمان.
خلاصة الدرس
لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلب المجتمع الجاهليّ إلى حضارة الإسلام من خلال دورين أساسيّين، هما:
1- تبليغ التشريع الإلهيّ، وشرحه وبيان تفصيلاته.
2- قيادة المجتمع للوصول إلى الأهداف الإلهيّة.
وحيث لا نبيّ بعد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ الإمامة تمثّل الضمان لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة.
فالإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون مكلّفون بتولّيه والائتمار بأمره.
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف، صاحب الزمان.
للحفظ
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إن لَم تُعرّفْني نَفْسَكَ لَم اَعرِفْ نَبِيَّك. اللهمَّ عَرّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ اَعرفْ حُجَّتك. اللهمَّ عَرِّفْني حُجّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني".
أسئلة حول الدرس
1- ما هو الدور الأساس للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
2- ما الدليل على ختم النبوّة؟
3- ما هي الحاجة لوجود إمام وما هو الدور الذي يقوم به؟
4- هل يشترط معرفة الإمام بشخصه ؟ لماذا؟
5- لماذا مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية؟
للمطالعة
رؤية الإمام بين الواقع والخيال
إنّ حلّ الجدل القائم بين العلماء حول إمكانيّة رؤية الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف يبتني على التمييز بين نوعين من الرؤية:
1- الرؤية بمعنى ادّعاء السفارة الخاصّة، التي كانت في زمن الغيبة الصغرى، بحيث يكون مدّعي الرؤية سفيراً وواسطة بين الناس وإمامهم. فهذه يحكم باستحالتها لما جاء في توقيع المولى عجل الله فرجه الشريف للسمريّ: "وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة, ألا من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة, فهو كاذب مفترِ"17.
2- الرؤية غير المقترنة بنيابة خاصّة، فهذه الرؤية ممكنة، ودلّ عليها الكثير المشاهدات التي حصلت لكبار علمائنا ولأناس عاديين معروفين بحسن السيرة، كانت لهم ظروف خاصّة منحتهم متعة النظر إلى نور الإمامة.
1 ـ يقول السيّد المرتضى (355 ـ 436هـ): "... إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وإن هذا لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه"18.
2 ـ يقول صاحب كنز الفوائد الشيخ الكراجكي (ت 449هـ): في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام رغم غيبته: "ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام لا يعرفه أحد ولا يصير (يصل) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه"19.
3 ـ يقول الشيخ الطوسي (358 ـ 460هـ): في مقام الإجابة عن سؤال يتعلّق برؤيته عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وما ينبغي أن يقال في الجواب هو أنّنا لا نقطع استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم"20.
كذلك تبنّى القول بإمكانية الرؤية ووقوعها السيّد بحر العلوم، والمحدّث النوري صاحب المستدرك، والسيّد محسن الأمين.
وما هذا إلاّ جانب ممّا يجده المتتبع في هذا المجال، لذا يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها. ولم نجد أحداً من العلماء يتبنّى القول بعدم إمكان رؤيته .
أما المنفي فهو أمران:
الأول: أن يدّعي شخص النيابة الخاصّة، على غرار ما كان الأمر عليه في الغيبة الصغرى.
الثاني: أن يدّعي شخص ظهوره وانتهاء الغيبة الكبرى التي لا تنتهي إلا بالسفياني والصيحة.
فرؤية الإمام إذاً ممكنة ولكنّها بحاجة إلى عمل صالح وقلب نقيّ ونيّة صادقة وقابلية إيمانيّة وافرة. فإنّه يرانا ولكنّنا لا نراه للحجب والموانع التي اصطنعناها لأنفسنا باتباعنا خطوات المعاصي وانغماسنا في وحول الملذّات.
"وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذ غيّبتها عن الأبصار السحاب"21...
عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم (أي في الحج)، فيراهم ولا يرونه"22، وقد أكّد ذلك أحد سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف محمَّد بن عثمان العمري رضوان ال بقوله: "والله، إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنّة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه"23.
إقرأ
كتاب: الأربعون حديثاً في المهديّ.
تأليف: الحافظ أبي نُعيم الأصبهاني المتوفّى سنة 430 هـ.
تحقيق: عليّ جلال باقر.
المضمون: الكتاب يتعرَّض لأربعين حديثاً وردوا في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، متنوّعة في مضمونها، تستوعب للكثير من قضايا الإمام الحجّة، لجهة البشارة به، ونسبه، وأنّه من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واسمه وكنيته وصفاته، وفي القرية التي يخرج منها، وراياته، وفي عدله، ومدّة ملكه، وتنعُّم الأُمّة في زمانه، وعود الإسلام به عزيزاً، وبه يؤلِّف الله بين قلوب العباد، وأنّه يعمل بسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه سيّد من سادات الجنّة، ولا خير في عيش بعده وغيرها من الأمور...
هوامش
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 342
2- المائدة: 3
3- إبراهيم: 1
4- النحل: 44
5- الأنعام: 155
6- الأعراف: 96
7- محمد: 33
8- الأحزاب: 40
9- آل عمران: 144
10- المائدة: 67
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34
12- المائدة: 55
13: المائدة: 3
14- الكافي، ج 1، ص 295
15- المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 5، ص 199
16- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34
17- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 516
18- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 323
19- أبو الفتح الكراكجي، كنز الفوائد، ص 302
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 323
21- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 485
22- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 327
23- الشيخ الصدوق، من لا يحضره، ج 2، ص520