المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغيبة الصغرى والكبرى وطول عمر الامام عج


الشيخ عباس محمد
09-06-2017, 07:53 PM
الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ


تمهيد

عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر يقول: "لقائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى"1.

تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع عن أنَّ للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.

الإمامة والغيبة الصغرى

بدأت فترة الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.

وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.

41

السفراء الأربعة

كان المؤمنون يتّصلون بالإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف خلال فترة الغيبة الصغرى عبر أشخاص مُحدَّدين كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام فيجيب عنها بالكتابة أيضاً وتعاد لصاحبها.

هؤلاء الأشخاص الُمحدَّدين اصْطُلِحَ عليهم باسم السفراء وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، وهؤلاء السفراء هم على التوالي:

السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي2 ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكريّ من قبله حيث قال بشأنه:"هذا أبو عمرو الثِّقة الأمين، ثّقة الماضي وثِّقتي في المحيى والمَمَات فما قاله لكم فعنِّي يقوله وما أدَّى إليكم فعنِّي يُؤدِّيه"3.

السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ4 وقد أخبر الإمام العسكريّ عليه السلام عن هذا الدور في إحدى الروايات:"اشهدوا أنَّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي وأنَّ ابنه محمَّداً وكيل ابني مهديّكم"5.

السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي6 حيث جاء عن محمَّد بن عثمان العمريّ بشأنه وذلك قبل موته بمدَّة "إنْ حَدَثَ عليّ حَدَثُ الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فأرجعوا إليه، وعَوِّلُوا في أموركم عليه"7.

42

السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ8. وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، حيث كتب عجل الله فرجه الشريف:"بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمَّد السمريّ:أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعِي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم"9.

وفي اليوم السادس مرض السمريُّ رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلَّم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال:"لله أمر هو بالغه".

أسباب الغيبة الصغرى

لماذا اتَّبع الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف هذا الطريق للاتصال بشيعته، حيث اقتصر باتِّصاله المباشر على أشخاص محدَّدين فيما اتَّصل بالباقين عبر هؤلاء وبشكل غير مباشر... إنَّ لهذه الطريقة التي اتَّبعها الإمام العديد من الأسباب، أهمُّها ما يلي:

أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله فرجه الشريف

ذكرنا فيما سبق أنَّ الحكومة العباسيَّة كانت تترصَّد المولود الجديد لتقتله، ونتيجة تدبير الإمام العسكريّ لم يتم لهم معرفة ذلك، ولكن بعد ولادته عجل الله فرجه الشريف تناهى لمسامعهم بعض الأخبار عن ذلك فتمَّت مداهمة بيت الإمام العسكريِّ عليه السلام مرَّات عديدة للقبض على المولود الجديد وتصفيته، ولكن دون جدوى.

43

وفي هذه الظروف الصعبة والمطاردة العباسيَّة لم يكن للإمام أن يظهر أمام الناس جميعاً، فهو مكلَّف بالحفاظ على نفسه ليتمكَّن حين يحين الموعد من إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة، وهذا ما تشير إليه عدَّة روايات، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال:"لابدَّ للغلام من غيبة، فقيل له:وَلِمَ يا رسول الله، قال:يخاف القتل"10.

وخرج في التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف اللمحمَّد بن عثمان العمريِّ في علَّة عدم ذكره عليه السلام باسمه:"فإنَّهم إنْ وقفوا على الاسم أذاعوه، وإنْ وقفوا على المكان دلُّوا عليه"11. فالإمام لم يضمن عدم تسريب مكان تواجده إذا عرفه عامَّة الناس. بل من المتوقَّع أن يصل للعباسيِّين.

ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى

فقد كان المؤمنون قبل ذلك يرتبطون بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالأئمَّة عليهم السلام مباشرة، ويتلقّون منهم الأحكام الشرعيَّة، ويتعلَّمون منهم معالم الدين، ويلجأون إليهم لحلِّ النزاعات بينهم... واستمرَّ هذا الأمر حتَّى عام 260 هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام، وحتَّى لا تحصل المفاجأة بالانقطاع التامِّ والغيبة الكبرى، كان لا بدَّ من تهيئة الناس من خلال فترة برزخيَّة يكون فيها الإمام منقطعاً جزئيَّاً عن الناس، حتَّى إذا اعتاد الناس على هذه الصيغة صار من الممكن تطويرها لصيغة الغيبة الكبرى والانقطاع التامِّ.

كما كان عليه السلام متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث استطاع العديد من المؤمنين ملاقاته في الفترة الأولى، ثُمَّ صار يقلُّ العدد ويزداد احتجابه عجل الله فرجه الشريف حتَّى وصل إلى زمن السفير الرابع، الذي لا يكاد ينقل أحد مشاهدته غير السفير نفسه.

44

خلاصة الدرس

بدأت فترة الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع.

وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط. وكان له سفراء أربعة هم:أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الأسدي 12، ثُمَّ أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمري13، ثُمَّ أبو القاسم حسين بن روح النوبختي14، وأخيراً أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ15.

أسباب الغيبة الصغرى:

أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله فرجه الشريف، بعد مطاردة العباسيِّين له ومحاولة تصفيَّته من قبلهم.

ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى، لكي يستعدّوا لها ويتلقّوها بشكل تدرِّيجيّ. كما كان عليه السلام متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة.


للحفظ


عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف:" بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمَّد السمريّ: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّابٌ مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم".

أسئلة حول الدرس

1 ما الفرق بين الغيبة الكبرى والغيبة الصغرى؟
2 لماذا لم يُعلم الإمام عموم الناس بمكان تواجده، واعتمد على أشخاص محدَّدين؟
3 عدِّد السفراء الأربعة بالترتيب.
4 ما هو دور هؤلاء السفراء الأربعة وكيف تمَّ تعيينهم؟
5 عدِّد أسباب الغيبة الصغرى؟


للمطالعة


تشرف السيّد المرعشيّ بلقاء الإمام عجل الله فرجه الشريف16

ينقل السيّد عادل العلوي عن أستاذه آية الله السيّد المرعشي النجفي قدس سره قوله:

اشتقت كثيراً إلى رؤية جمال مولانا بقيّة الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف، وتعاهدت مع نفسي أن أذهب ماشياً كلّ ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة لمدّة أربعين ليلة، لأفوز بذلك الفوز العظيم.

وفي ليلة باردة وموحشة، ولعلّها الليلة الخامسة والثلاثين سمعت صوت قدمٍ خلفي، فنظرت وإذا بي أرى سيّداً عربيّاً بزيّ أهل البادية، اقترب منّي وقال بلسان فصيح: يا سيّد السلام عليكم.فشعرت بزوال الوحشة من نفسي، والعجيب كيف التفت إليّ أنّي سيّد في مثل هذه الليلة الموحشة؟

مشينا معاً، وبعد خطواتٍ وصلنا إلى مسجد زيد بن صوحان، وهو مسجد صغير بالقرب من مسجد السهلة، فقال السيّد العربيّ:حبّذا لو دخلنا هذا المسجد وصلينا وأدّينا تحيّة المسجد فيه.

فدخلنا وصلّى السيّد العربيّ وأخذ بالدعاء، وكأنّ جدران المسجد تبتهل معه! فأحسستُ بثورةٍ عجيبةٍ في نفسي أعجز عن وصفها!

ثمّ التفتَ إليّ وقال: قم لنذهب إلى مسجد السهلة، فدخلنا المسجد وكان السيّد العربيّ يأتي بالأعمال الواردة في المقامات وأنا أتابعه، وصلّى المغرب والعشاء واقتديت به من دون اختيار، ولم ألتفت بعدُ من هو هذا السيّد.

ولمّا أنهينا، قلت له: هل تشتهي الشاي أو القهوة أو السيجار حتى أعدّه لكم؟

فأجاب بكلمةٍ جامعةٍ وما زالت الرعشة تعتريني عندما أتذكرها:"هذه الأمور من فضول المعاش، ونحن نتجنّب فضول المعاش".

ثمّ تحدّثنا حول مطالب متعدّدة أذكر منها:

1-الاستخارة حيث سألني السيّد العربيّ: يا سيّد كيف عملك للاستخارة بالسبحة، فقلت: ثلاث مرّات صلوات وثلاث مرّات (أستخير الله برحمته خيرةً في عافية) ثمّ آخذُ قبضةً من السبحة، وأعدّها، فإن بقي زوجٌ فليست جيّدة، وإن بقي فردٌ فجيّدة.

فقال السيّد: لهذه الاستخارة تتمّة لم تصل إليكم، وهي عندما يبقى فردٌ، يؤخذ من السبحة مرّةً أخرى على ترك العمل، فإن بقي زوجٌ، فالاستخارة جيّدة، وإن بقي فردٌ فهي وسط.

قلت في نفسي عليّ أن أطالبه بالدليل، فأجاب: "وصلنا من مكانٍ رفيع". فوجدت بمجرّد هذا القول الانقياد والتسليم، ومع هذا لم ألتفتُ من هو هذا السيّد؟

2-تأكيده على تلاوة سورة يس بعد صلاة الصبح، وسورة عمّ بعد الظهر، وسورة نوح بعد العصر، وسورة الواقعة بعد المغرب، وسورة الملك بعد العشاء.

3-تأكيده على قراءة دعاء "اللهمّ سرّحني من الهموم والغموم ووحشة الصدر ووسوسة الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين".

4-تأكيده على زيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

وبعد هذا أردتُ الخروج لحاجةٍ، وعندما وصلت إلى الحوض وهو في وسط المسجد تبادر لذهني: أيّ ليلة هي هذه؟ ومن هذا السيّد العربيّ صاحب الفضائل؟ ربما هو مقصودي، فرجعت مضطرباً، فلم أجد أثراً لذلك السيّد، فبكيتُ ناحباً كالمجنون، وكلّما ذكرتُ تلك الليلة ذُهلتُ عن نفسي.

إقرأ


كتاب: معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

تأليف: الهيئة العلميَّة في مؤسسة المعارف الإسلاميَّة، تحت اشراف الشيخ عليّ الكورانيّ

المضمون: يتألَّف الكتاب من خمسة أجزاء، ويذكر في مقدمته "كانت الحاجة إلى عمل أساسيّ يُسهِّل على الباحث والقارئ أن يرجع إلى النصِّ في أيِّ موضوع شاء فيرى هويَّته الكاملة ويفهم منه أكثر ممَّا يقدِّمه له الكاتب.وذلك هو هدفنا من معجم أحاديث الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف وموضوعاتها". والمقصود خصوص النصوص المتعلِّقة بالإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف.

هوامش

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 365
2- لمدة 5 سنوات
3-العلامة المجلسي,بحار الانوار,ج51,ص344
4- لمدة 40 سنة
5-العلامة المجلسي,بحار الانوار ج51,ص346
6-لمدة 21 سنة
7- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 355
8 - لمدة 3 سنين
9 - العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 361
10- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 243
11- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 364
12- لمدة 5 سنوات
13-لمدة 40 سنة
14- لمدة 21 سنة
15- لمدة 3 سنين
16-عبد العظيم المهتدي البحراني,قصص وخواطر,قصة169 ص221 بتصرف.


يتبع

الشيخ عباس محمد
09-06-2017, 07:54 PM
الغيبة الكبرى

تمهيد

في الرواية عن الإمام محمَّد التقيّ عليه السلام أنه قال: "إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت، فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً، ثُمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون1.

لقد مهَّد أهل البيت عليهم السلام للدور الذي سيقوم به الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، منذ ولادته حتَّى قيام دولته العادلة، وسلطته على الأرض كلِّها، والمراحل التي ستمرُّ بين ذلك، خصوصاً مرحلة الغيبة الكبرى لما تحتاج هذه المرحلة من تهيئة المؤمنين لهذا

51

الموضوع، وتعايشهم مع غيبة إمامهم، واستعدادهم لمواجهة تحدِّيات مرحلة الغيبة. فكانت هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام وغيرها من الروايات التي تحمل في طيَّاتها رسائل واضحة للمؤمنين تثبِّتهم في غيبته وترشدهم إلى مثل هذه المرحلة التي ينبغي أن يكونوا جاهزين لها على المستوى العقائديّ والنفسيّ. وببركة هذه التوجيهات استطاع المؤمنون أن يتعايشوا مع هذه المرحلة ويوفِّروا متطلباتها، إلى أن يأذن الله تعالى لمولانا صاحب الزمان بالظهور. وهناك أمور لا بدَّ من الإجابة عنها في هذا الإطار نستعرضها خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.

أسباب الغيبة

لا شكَّ أنَّ غيبة الإمام ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أن يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، يدير وينظِّم ويدبِّر الشؤون ويحقِّق الأهداف، من خلال توجيهاته وقيادته ومواكبته للأمور وحضوره المستمر.

وما نعيشه نحن من غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف في هذا الزمن دفعت إليه ظروف وأسباب خاصّة، يكفي أن تزول هذه الظروف وتنتهي تلك الأسباب حتَّى يعود الإمام للظهور والقيادة المباشرة وتحقيق الأهداف والوعد الإلهي.

ومن المهمِّ أن نتعرَّف على هذه الظروف والأسباب التي دعت وتدعو الإمام للغياب، حتَّى نسعى لرفعها وتجنُّبها ممَّا يُعجِل في ظهوره عجل الله فرجه الشريف، وهذا ما سنتعرَّض له فيما يلي:

فشل كلّ الأطروحات الأخرى

لقد خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدُّنيا وجعله مخيَّراً بين الطرقات والسبل بعد أن أرشده إلى طريق الحقِّ وسبيل النجاة، لكنَّ هذا الإنسان لم يندفع باتِّجاه طريق الحقِّ وسبيل النجاة حصراً بل سلك الكثير من السُبُلِ الأخرى، وكأنَّه

52

يستشعر منها فائدة له، وهذه التجارب للسُبُلِ الأخرى التي أخبر الله تعالى عنها مسبقاً أنَّها لن يكون منها سوى الخسران والضلال والظلم، ستستمرُّ حتَّى ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويتحقّق قول الله تعالى: ï´؟وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَï´¾2.

فدولة الإمام عجل الله فرجه الشريف ستكون بعد أن يجرّب الناس جميع الدول والأنظمة الأخرى ويحصلون على فرصتهم الكافية في ذلك. وعندها لا يبقى أمام الناس سوى القبول بدولة الإمام وبالمشروع الإلهيّ بعد فشل جميع مشاريعهم الأخرى.

وقد ورد عن الإمام محمَّد الباقر عجل الله فرجه الشريف قال: "إنَّ دولتنا آخر الدول ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا لو ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ï´؟وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَï´¾"43.

وعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام قال: "ما يكون هذا الأمر حتَّى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولُّوا على الناس، حتَّى لا يقول قائل: إنَّا لو وُلِّينا لعدلنا، ثُمَّ يقوم القائم بالحقّ والعدل"5.

وقد رأينا عبر التاريخ كما نرى الآن أيضاً كيف أنَّ جميع هذه الأطروحات تتهاوى وتسقط الواحدة تلو الأخرى، بعد أن تثبت ظلمها وفشلها.

تمحيص المؤمنين

إنَّ مشروعاً بحجم مشروع الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف الذي يراد له أن يكون مشروع المعمورة كلِّها، بعد أن يواجه جميع التحدّيات العسكريَّة والماديَّة والنفسيَّة والعقائديَّة...، لا يستطيع أن يقوم بحملها إلا المخلصون حقَّاً الذين واجهوا جميع أنواع التحدّيات والصعوبات وثبتوا... وحيث أنَّ مشروع الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف

53

و مشروع انتصار وحسم نهائيّ، غير قابل للتراجع أو الانهزام، كان لا بدَّ من توفر أشخاص مضمونين وممتحنين للقيام بهذا المشروع، من هنا كان تمحيص المؤمنين واختبارهم في زمن الغيبة ليقوى عود المؤمنين والمخلصين حقَّاً، ويصبحوا جاهزين للقيام بهذه المسؤوليَّة، ولينكشف الإنهزاميُّون وضعاف النفوس وينسحبوا قبل أن يشكِّلوا أيَّ ثغرة في جيش الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف قال تعالى: ï´؟مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عليه حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِï´¾6.

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال:"والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعناقكم حتَّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثمَّ قرأ قوله تعالى: ï´؟ألم * أَحَسِبَ الناسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَï´¾"7 8.

التسليم المطلق بعد سنين الغيبة

إنِّ فقد الإمام وغيبته، تشعر أنصاره بأهميَّة نعمة حضوره، وبالأضرار الجسيمة التي تلحق غيبته، وبالتالي يرتبطون به ارتباطاً عقليَّاً وقلبيَّاً عالياً جدَّاً، بحيث أنَّه لو ظهر لانساقوا إليه ولبايعوه وتابعوه وأطاعوا أوامره بكلِّ قوَّة وتسليم ووضوح رؤية.

فمن المعروف أنَّ الإنسان لا يقدِّر قيمة الشيء إلا بعد فقده، وهذا ما حصل لبنيّ إسرائيل في صحراء سيناء حينما جاءهم الأمر من نبيِّ الله موسى عليه السلام بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء، فما كان جوابهم إلا أن ï´؟قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَï´¾9

، ولكن بعد وفاة النبيّ موسى عليه السلام ومكثهم 40 سنة في التيه في صحراء سيناء وشعورهم بأهميَّة النبيّ بعد فقده، قاموا مع وصيِّ موسى يوشع بن نون بدخول فلسطين ومحاربة الأعداء.

54

متى تنتهي الغيبة؟

إنَّ ما سبق يشير إلى المصلحة في الغيبة نفسها وضرورتها لتتحقّق الأمور التي تحدَّثنا عنها، ولكنَّ تحقّق تلك الأمور لوحدها لا يكفي للظهور، بل هناك أسباب وشرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفَرَجُ، من هذه الأمور:

وجود الأنصار

لا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله فرجه الشريف، وهناك العديد من الروايات التي تحدَّثت عن هؤلاء الأنصار، الذين يجتمعون حول الإمام عند بداية حركته وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.

هؤلاء الذين يكفون الإمام ما يريد كما ذُكِرَ في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام: "يحفُّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد"10.

عدم التوقيت

هناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، كما في الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال:"لقد حدَّثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريَّتِك؟ فقال عليه السلام: مثله مثل الساعة لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقُلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة"11.

بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور كالرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام:"كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"12.


55

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:"يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"13.

فما هو السبب في إخفاء وقت الظهور؟ هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، نذكر منها:

1- مادام للظهور ظروفه الموضوعية التي يتحقّق الكثير منها على يد المؤمنين، فمن المناسب أن يرتبط الظهور بعمل هؤلاء الناس، وبهمّتهم وحضورهم، ممَّا سيدفعهم للعمل ولتجهيز الأرضيَّة للظهور، وبالتالي للتعجيل بالظهور، وأمَّا ربط الظهور بزمن هو مجرَّد رقم وتاريخ، فهذا لن يكون ربطاً بالأسباب الحقيقيَّة، ولن يكون مساعداً على مستوى دفع الناس باتِّجاه تحقيق ظروف وشرائط الظهور.

2- إخفاء وقت الظهور سيبقى شعلة الأمل مشتعلة دائماً في قلوب المؤمنين، ففي الرواية عن محمَّد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن شيء من الفَرَجِ، فقال:"أليس انتظار الفَرَجِ من الفَرَجِ، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ï´؟فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرينï´¾"14، وهذا الأمل سيدفعهم لإصلاح أمورهم، والابتعاد عن المعاصي والتزام الطاعات، وتجهيز الأنفس لنصرة الإمام، ولذلك جاء في رسالة الإمام عجل الله فرجه الشريف التي أرسلها للشيخ المفيد:"فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرِّبه من محبَّتِنا ويتجنَّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة"15.

56

خلاصة الدرس

إنَّ غيبة الإمام ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أنْ يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، ويكفي أن تزول أسباب الغيبة ليتحقّق الظهور، ومن هذه الأسباب:

1 - فشل كلّ الأطروحات الأخرى حتى لا يظنَّ أحد بعد ذلك أنَّه يمكن تحقيق العدل من خلالها.
2 - تمحيص المؤمنين واختبارهم ليقوى عود المخلصين منهم ويظهر أصحاب النفوس الضعيفة.
3 - التسليم المطلق للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف بعد سنين الغيبة والشعور بأهميَّة ونعمة حضوره.

هذه العناصر تختصر المصلحة في الغيبة، وهناك شرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفرج، ومن أهمِّ هذه الشرائط وجود الأنصار، فلا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله فرجه الشريف، وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.
وهناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور.

للحفظ


عن الإمام محمَّد التَّقي عليه السلام أنه قال: "إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً، ثم قال:إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر. فقلت له:يا ابن رسول الله، لم سُمِّيَ القائم؟ قال:لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزيء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون".

أسئلة حول الدرس

1- هل الأصل في الإمام أن يكون حاضراً أم غائباً؟
2- ما الفائدة من فشل كلّ الأطروحات الأخرى قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
3- لماذا لا بدَّ من تمحيص واختبار المؤمنين قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف.
4- اذكر شرطاً من شرائط ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
5- ما الفائدة من إخفاء توقيت ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟

للمطالعة


قصّة السيّد محمَّد العاملي وتشرُّفه بلقاء الحجّة عجل الله فرجه الشريف خارج النجف الأشرف

جاء في كتاب جنّة المأوى عن ذكر من فاز بلقاء الحجّة (للمحدّث الجليل ميرزا حسين النوري) قصّة العابد الصّالح التقيِّ السيّد محمَّد العامليِّ رحمه الله، وهو ابن السيّد عبّاس (آل العبّاس شرف الدين)الساكن في قرية جبشيت من قرى جبل عامل وكان من قصّته أنّه رحمه الله لكثرة تعدِّي الجور عليه خرج من وطنه خائفاً هارباً مع شدَّة فقره، وقلّة بضاعته، حتّى أنّه لم يكن عنده يوم خروجه إلاّ مقدار لا يسوى قوت يومه، وكان متعفّفاً لا يسأل أحداً.

وساح في الأرض برهة من دهره، ورأى في أيّام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الأشرف على مشرَّفها آلاف التحيّة والتّحف، وسكن في بعض الحجرات الفوقانيّة من الصحن المقدّس وكان في شدَّة الفقر، ولم يكن يعرفه بتلك الصّفة إلا قليل، وتوفّي رحمه الله في النّجف الأشرف، بعد مضيِّ خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.

وكان أحياناً يراودُني، وكان كثير العفّة والحياء يحضر عندي أيّام إقامة التعزية، وربّما استعار منّي بعض كتب الأدعية لشدَّة ضيق معاشه، حتّى أنَّ كثيراً ما لا يتمكّن لقوته إلاّ (على) تميرات، يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرزق حتّى كأنه ما ترك شيئاً من الأذكار المرويّة والأدعية المأثورة.

واشتغل بعض أيّامه على عرض حاجته على صاحب الزَّمان عجل الله فرجه الشريف الملك المنّان أربعين يوماً، وكان يكتب حاجته، ويخرج كلَّ يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصّغير الّذي يخرج منه إلى البحر، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد، بحيث لا يراه أحد ثمَّ يضع عريضته في بندقة من الطّين ويودعها أحد نوّابه سلام الله عليه، ويرميها في الماء إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً.

فلمّا فعل ما يفعله كلَّ يوم ورجع، قال: كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مُطرقاً رأسي، فالتفتُّ فإذا أنا برجل كأنّه لحق بي من ورائي وكان في زيِّ العرب، فسلّم عليّ فرددت عليه السّلام بأقل ما يردُّ، وما التفتُّ إليه لضيق خلقي، فسايرني مقداراً وأنا على حالي، فقال بلهجة أهل قريتي: سيّد محمَّد، ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلانيِّ وترمي العريضة في الماء، تظنُّ أنّ إمامك ليس مطّلعاً على حاجتك؟

قال: فتعجّبت من ذلك، لأنّي لم أطلع أحداً على شغلي، ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه، خصوصاً أنّه لابس الكفّية والعقال وليس مرسوماً في بلادنا، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى، وفوزي بالنعمة العظمى، وأنّه الحجّة على البرايا، إمام العصر عجل الله فرجه الشريف.

وكنت سمعت قديماً أنَّ يده المباركة في النّعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أُصافحه فإن كانت يده كما سمعت أصنع ما (يحقُّ)بحضرته،فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمدَّ يده المباركة فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقّنت الفوز والفلاح، فرفعت رأسي، ووجّهت له وجهي، وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أر أحداً.

قلت: ووالده السيّد عبّاس حيٌّ إلى حال التأليف، وهو من بني أعمام العالم الحبر الجليل، والسيّد المؤيّد النبيل، وحيد عصره، وناموس دهره السيّد صدر الدين العاملي المتوطّن في أصبهان تلميذ العلاّمة الطباطبائيِّ بحر العلوم أعلى الله مقامهما.

إقرأ


كتاب: الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف، ضمن سلسلة "في رحاب الوليِّ الخامنئي".

إعداد ونشر: مركز الإمام الخميني الثقافي.

المضمون: يتضمن أربعة محاور، المحور الأوّل حول قضيّة المهديِّ عجل الله فرجه الشريف وأنّها قضية عالميَّة، وفطريَّة...، والمحور الثاني حول قضيّة المهديِّ عجل الله فرجه الشريف بين العدوِّ والصديق، والمحور الثالث: حول أهميَّة الاعتقاد بالمهديِّ وضرورته، والمحور الرابع: حول خصائص حركة ودولة المهديِّ عجل الله فرجه الشريف.

هوامش

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30
2- آل عمران: 83
3- الأعراف: 128
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 239
5- م.ن. ج52، ص 244
6- آل عمران: 179
7- العنكبوت: 2
8- الشيخ عزيز الله عطاردي، مسند الإمام الرضا عليه السلام، ج 1، ص 264
9- المائدة: 24
10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 208
11- م.ن.ج 51، ص 154
12- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 368
13- م.ن. ج1، ص368
14- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج 52 ص 128
15- م.ن. ج 53، ص 176

الشيخ عباس محمد
09-06-2017, 07:54 PM
طول عمر الإمام عجل الله فرجه الشريف

تمهيد

هناك العديد من الروايات التي ذكرناها سابقاً تحدَّثت عن طول غيبة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، حتى يصل إلى مستوى يُشكِّك الكثير من الناس في أصل وجوده أو في بقائه حيَّاً طوال هذه المدّة.

وبعمليّة حسابيّة بسيطة، إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف في عام 255 هجريّ، نجد أنَّه عاش حتَّى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أن يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟

طول العمر أمر ممكن

يقول تعالى: ï´؟إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونï´¾1,فما دمنا نتكلم عن أنَّ الله تعالى أراد للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف أن يغيب هذه الفترة الطويلة كلَّها فلا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد. وعنه عجل الله فرجه الشريف: "وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله"2.

63

نماذج من التاريخ

إنَّ التساؤل عن إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان إلى هذا الحدِّ، والتشكيك بذلك، يمكن أنْ يشعر الإنسان أنَّ طول عمر الإمام هو نموذج أوحد لا مثيل له في التاريخ، وحيث أنَّه لا مثيل له يمكن أنْ يحدث نوعاً من الصدمة أو التشكيك عند ضعاف النفوس، ولكن من المستغرب أنَّ التشكيك يحصل رغم وجود الكثير من النماذج الأكيدة لأشخاص كانت أعمارهم طويلة جداً، وردت في نصوص قرآنية أو في روايات مسلّمة، وسنذكر فيما يلي نموذجين:

نوح عليه السلام

يقول تعالى في كتابه العزيز: ï´؟وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونï´¾3، فهذه السنين الطويلة من عمر نبيِّ الله نوح عليه السلام "ألف سنة إلا خمسين عاماً"، هي جزء من عمره قضاها بعد أن أرسله الله تعالى لقومه إلى أن حصل الطوفان، وليس تمام عمره.

فإذا كان نبيُّ الله نوح تستوجب ظروفه أن يحيا هذا العمر كلّه، أفلا يستحقُّ تحقيق الوعد الإلهيّ بالنصر النهائيِّ، وتحقيق العدالة على الأرض، وغلبة جند الله، ورفعة دينه... كل ذلك ألا يستوجب المدَّ في عمر صاحب الزمان ليحقِّق هذا المشروع العظيم على يديه؟!

الخضر عليه السلام

من المعروف أنَّ الخضر عليه السلام من المعمِّرين، وأنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وفي رواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "إنَّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتَّى ينفخ في الصُّور، وإنَّه ليأتينا فَيُسَلِّمْ عليّنا، فَيُسْمَعُ صوته ولا يُرى شخصُه، وإنَّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم

64

فليُسَلِّمْ عليه، وإنَّه ليحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيُؤَمِّن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته"4.

فالخضر عليه السلام لا زال حيَّاً حتَّى الآن وبالتالي فعمره حتَّى الآن أضعاف عمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف. وسيبقى حيَّاً حتَّى ينفخ في الصُّور. وتنقل لنا النصوص الشرعيَّة أحداثاً حصلت مع الخضر عليه السلام خلال هذه السنين المتطاولة، كالقصّة التي ينقلها القرآن الكريم عند لقائه لنبيِّ الله موسى عليه السلام، ï´؟فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًاï´¾5, وكذلك ورد في الرواية عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: "لَمَّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء الخضر عليه السلام فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سُجِيَّ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمَّد ï´؟كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِï´¾6، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلِّ فائت، فتوكَّلوا عليه، وثقوا به، و أستغفر الله لي ولكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا أخي الخضر عليه السلام جاء يعزِّيكم بنبيِّكم صلى الله عليه وآله وسلم"7.

وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر عليه السلام وعمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، فعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام أنه قال:

"وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك وتعالى لمَّا كان

65

في سابق علمه أن يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله فرجه الشريف، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلَّا يكون للناس على الله حجَّة"8.

النتيجة

إنَّ الإيمان بمقام الإمامة وكون الإمام مسدَّداً من قبل الله تعالى يؤدِّي دوره الاستثنائيّ الذي أراده الله تعالى له، الإيمان بذلك لا يجتمع مع التشكيك به بسبب طول العمر أو غيرها من الأمور التي تعتبر عاديَّة بالنسبة للقدرة الإلهيَّة، والسنن التاريخيَّة. والتشكيك ينطلق من الاختلاف في موضوع الإمامة وعدم إيمان شريحة من الناس به. وأمَّا من يتَّبع منهج الإمامة فإنَّه سيجد نفسه في قضية الإمام المهديِّ وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنيّة التي ينتظر تحقّقها...

66

خلاصة الدرس

إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف في عام 255 هجري، نجد أنَّه عاش حتى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أنْ يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟

يقول تعالى: ï´؟إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكونï´¾9, فمع إرادة الله تعالى لا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد.

وهناك نماذج عديدة في التاريخ لأشخاص عَمَّروا عمراً طويلاً منهم نبيّ الله نوح عليه السلام الذي أخبر القرآن الكريم عن مكثه ?ألف سنة إلا خمسين عاماً?، وهذا جزء من عمره وليس تمام عمره.

ومن المُعَمِّرين الخضر عليه السلام فإنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وسيبقى حيّاً إلى أن يُنفخَ في الصُّور، وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر عليه السلام وعمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، وأنَّ طول عمر الخضر عليه السلام لم يكن لسبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله فرجه الشريف

ومن يتَّبع منهج الإمامة سيجد نفسه في قضيَّة الإمام المهديِّ وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنية التي ينتظر تحقّقها...

للحفظ


عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام أنّه قال: "وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنَّ الله تبارك وتعالى لمَّا كان في سابق علمه أنْ يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله فرجه الشريف، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجَّة".

أسئلة حول الدرس

1- كم يبلغ عمر الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف حتَّى الآن تقريباً؟
2- ما الدليل على إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان بهذا المقدار؟
3- ما مقدار الوقت الذي مكثه نوح يدعو قومه، وهل يعبِّر هذا المقدار عن تمام عمره؟
4- لماذا كان طول عمر نوح عليه السلام يدُّل على إمكانيَّة طول عمر الحجّة عجل الله فرجه الشريف؟
5- اذكر حادثتين نقلتا عن الخضر في أزمنة متباعدة تدلاَّن على طول عمره.

للمطالعة


قصة أخرى للسيد محمَّد العاملي وتشرُّفه بلقاء الحجّة عجل الله فرجه الشريف عندما أشرف على الهلاك

وحدَّث السيّد الصّالح المتقدِّم ذكره، قدَّس الله روحه: قال وردت المشهد المقدّس الرضويَّ عليه الصّلاة والسّلام للزيارة، وأقمت فيه مدَّة، وكنت في ضنك وضيق مع وفور النعمة، ورخص أسعارها، ولمّا أردت الرُّجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزَّاد حتّى قرصة لقوت يومي، فتخلّفت عنهم، وبقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي وأدَّيت فرض الصلاة، فرأيت أنّي لو لم ألحق بهم لا يتيسّر لي الرفقة عن قريب، وإن بقيت أدركني الشتاء ومتُّ من البرد.

فخرجت من الحرم المطهّر مع ملالة الخاطر، وقلت في نفسي:

أمشي على أثرهم، فإن متُّ جوعاً استرحت، وإلاّ لحقت بهم، فخرجت من البلد الشّريف وسألت عن الطريق، وصرت أمشي حتّى غربت الشمس وما صادفت أحداً، فعلمت أنّي أخطأت الطريق، وأنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل، وقد أشرفت من الجوع والعطش على الهلاك، فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعليّ أظفر من بينها بحبحب (يشبه الحنظل من حيث الصورة) حتّى كسرت نحواً من خمسمائة، فلم أظفر بها، وطلبت الماء والكلاء حتّى جنّني اللّيل، ويئست منهما، فأيقنت الفناء واستسلمت للموت، وبكيت على حالي.

فتراءى لي مكان مرتفع، فصعدته فوجدت في أعلاها عيناً من الماء، فتعجّبت وشكرت الله عزَّ وجلَّ وشربت الماء وقلت في نفسي: أتوضّأ وضوء الصّلاة وأُصلّي لئلّا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمّة بها، فبادرت إليها.

فلمّا فرغت من العشاء الآخرة، أظلم اللّيل وامتلأت البيداء من أصوات السّباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب وأرى أعين بعضها تتوقّد كأنّها السراج، فزادت وحشتي، إلاّ أنّي كنت مستسلماً للموت، فأدركني النوم لكثرة التعب، وما أفقت إلاّ والأصوات قد انخمدت، والدُّنيا بنور القمر قد أضاءت، وأنا في غاية الضعف، فرأيت فارساً مقبلاً عليّ، فقلت في نفسي إنّه يقتلني لأنّه يريد متاعي فلا يجد شيئاً عندي فيغضب لذلك فيقتلني، ولا أقلَّ من أن تصيبني منه جراحة.

فلما وصل إليَّ سلّم عليّ، فرددت "عليك السلام" وطابت منه نفسي، فقال: ما لك؟ فأومأت إليه بضعفي، فقال: عندك ثلاث بطّيخات، لم لا تأكل منها؟ فقلت: لا تستهزئني ودعني على حالي، فقال لي: انظر إلى ورائك، فنظرت فرأيت شجرة بطّيخ عليها ثلاث بطّيخات كبار، فقال: سدَّ جوعك بواحدة، وخذ معك اثنتين، وعليك بهذا الصراط المستقيم، فامش عليه، وكُلْ نصف بطّيخة أوَّل النهار، والنصف الآخر عند الزوال، واحفظ بطّيخة فإنّها تنفعك، فإذا غربت الشمس، تصل إلى خيمة سوداء، يوصلك أهلها إلى القافلة، وغاب عن بصري.

فقمت إلى تلك البطّيخات، فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللّطافة كأنّي ما أكلت مثلها فأكلتها، وأخذت معي الاثنتين، ولزمت الطريق، وجعلت أمشي حتّى طلعت الشمس، ومضى من طلوعها مقدار ساعة، فكسرت واحدة منهما وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشّمس، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.

فلمّا قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة، ورآني أهلها فبادروا إليَّ وأخذوني بعنف وشدَّة، وذهبوا بي إلى الخيمة كأنّهم زعموني جاسوساً، وكنت لا أعرف التكلّم إلاّ بلسان العرب، ولا يعرفون لساني، فأتوا بي إلى كبيرهم، فقال لي بشدَّة وغضب: من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك فأفهمته بكلّ حيلة شرحاً من حالي.

فقال: أيّها السيّد الكذَّاب لا يعبر من الطريق الّذي تدًَّعيه متنفّس إلاّ تلف أو أكلته السّباع، ثمَّ إنّك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره، ومن هذا المكان إلى المشهد المقدّس مسيرة ثلاثة أيّام؟! أصدقني وإلا قتلتك، وشهر سيفه في وجهي.

فبدا له البطّيخ من تحت عبائي فقال: ما هذا؟ فقصصت عليه قصّته، فقال الحاضرون: ليس في هذا الصّحراء بطّيخ، خصوصاً هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبداً، فرجعوا إلى أنفسهم، وتكلّموا فيما بينهم، وكأنّهم علموا صدق مقالتي، وأنَّ هذه معجزة من الإمام عليه آلاف التحيّة والثناء والسّلام، فأقبلوا عليّ وقبّلوا يدي وصدَّروني في مجلسهم، وأكرموني غاية الإكرام، وأخذوا لباسي تبرُّكاً به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة، وأضافوني يومين وليلتين.

فلمّا كان اليوم الثالث، أعطوني عشرة توامين، ووجّهوا معي ثلاثة منهم حتّى أدركت القافلة.

إقرأ


الكتاب: وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام

تأليف: الحاج ميرزا محمَّد تقي الموسوي الاصفهاني

المضمون: يتألف من جزأين، يتعرَّض الج الأوَّل لعدَّة فصول، الفصل الأوَّل: في الأدعية والزيارات المختصَّة به، والفصل الثاني: يذكر أربعة عشر فائدة من الفوائد الحاصلة عند الدعاء لحضرة بقيَّة الله عجل الله فرجه الشريف بتعجيل ظهوره من الله جلَّ شأنه والتي جمعها من الآيات والأخبار. والفصل الثالث في عدم توقيت الظهور، وأمَّا الجزء الثاني فيتابع ذكر الوظائف العمليَّة في غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف.

هوامش

1- يس: 82
2- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 291
3- العنكبوت: 14
4- الميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 1، ص 171
5- الكهف: 65-66
6- آل عمران: 185
7- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 391
8- الميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 1، ص 171
9- يس: 82