الشيخ عباس محمد
12-06-2017, 12:06 AM
إنتظار الفرج
تمهيد
كثرت الروايات التي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"1.
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله2.
فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّرت بعض الروايات وكيف يكون؟
معنى الانتظار
الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب3، والتربُّص4، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."5.
73
كيف يكون الانتظار؟
إنَّ معرفة كيفية الانتظار أمر مهمّ جدَّاً لأنَّنا نتحدَّث عن فترة طويلة استمرّت قروناً حتَّى الآن ومرَّ فيها أجيال وأجيال، ضمن ظروف مختلفة وفرص متفاوتة، ولا يمكن ترك هذه الأجيال بلا تكليف واضح ومحدَّد، فما هو تكليف هذه الأجيال في هذه الفترة وكيف من المفترض أن يكون انتظارها لظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ولتحقّق الفرج على يديه؟
الإنتظار السلبي والإيجابي
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان متصوّران لكيفية الانتظار، ولتكليف المؤمنين في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف:
الانتظار السلبي: والمقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً دون أيِّ حراك أو فعاليَّة تذكر، ودون أن يقوم بأيِّ عمل تغييريّ، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقّق منها؛ ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقّق شيء منها، وهذا يعني أنَّ الوظيفة الأساسية للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيِّ والسياسيِّ.
الانتظار الإيجابي: والمقصود منه أن لا يقف الإنسان مكتوف اليدين ساكناً، حتَّى يتحقّق الفرج بظهور الإمام، وإنَّما يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه سواء كانت فرديّة أم اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالنظام والحكم...
فأيُّهما هو الانتظار الصحيح والمطلوب شرعاً؟
المنهج الصحيح في الانتظار
عند مراجعة الروايات والنصوص الشرعية، لا شكَّ أنَّنا سنصل لنتيجة قطعيَّة تقول: إنَّ المطلوب من الأجيال في عصر الغيبة الكبرى لا يمكن أن يكون مجرَّد السكون والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والتي فيها
74
مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة التي لا بدَّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:
أولاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيّة
عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "... ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا..."6
فاتِّحاد المؤمنين حول قضية الإمام المهديِّ هي سبب مباشر لتعجيل الظهور، وليس المطلوب مجرَّد الاتِّحاد العقائديّ، لأنَّ ذلك حاصل منذ زمن بعيد، وإنَّما المطلوب الاتِّحاد على المستوى العمليِّ، وعندما نتحدَّث عن اتِّحاد، فهذا يعني أنَّهم كالجسد الواحد الذي له رأس واحد يديره ويقوده، هذا الرأس الذي عبَّرت عنه مكاتبته عجل الله فرجه الشريف: "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"7، وهو الوليُّ الفقيه.
ويكون همُّ المؤمنين تطبيق أحكام الله تعالى والتمسّك بطاعته، كما طلب وأكَّد عليه الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف في ما ورد عنه: "فاتَّقوا الله جلّّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم8 من فتنة قد أنافت9 عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف10حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾"11 12.
وكذلك عنه عجل الله فرجه الشريف: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب
75
في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلّم"13.
ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب
فالإمام الصادق عليه السلام يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف "ما يخرج إلا في أولي قوَّة"14.
والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويَّاً في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج عن الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَّدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ"15.
ثالثاً: التمهيد للظهور
هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف وتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"16.
44
خلاصة الدرس
الانتظار في اللغة بمعنى الترقُّب، والتربُّص، وهو "حالة نفسانيّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدَّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد...".
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان لكيفية الانتظار: الانتظار السلبيُّ بمعنى أنْ لا يقوم الإنسان بأيِّ عمل، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور. والانتظار الإيجابيّ بمعنى أنْ يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه. هو المستفاد من الروايات، وعلى الإنسان أن يؤدِّي دوره في: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيَّة، وتوحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب، والتمهيد للظهور.
للحفظ
عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيِّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلَّم".
أسئلة حول الدرس
1 - ما معنى الانتظار في اللغة؟
2 - ما هي أقسام الانتظار المتصوَّرة وما هو الفرق بينها؟
3- كيف يكون الانتظار الصحيح، وما هو الدليل على ذلك؟
4 - من هو رأس المجتمع الإسلاميِّ في غيبة الإمام، وما الذي يدلُّ على ذلك؟
5- ما هي أهمُّ العناصر التي ينبغي تحقيقها في زمن الانتظار؟
للمطالعة
النيابة الحقيقية لصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف
قصة يرويها الشيخ الفرقاني (تلميذ الإمام الخميني قدس سره):
كان الإمام الخميني قد اعتاد أن يذهب لإلقاء الدرس في الساعة العاشرة والربع من صباح كلّ يوم، وكنت أتبعه مسرعاً، لكي أكون بمعيتّه، وكنت أخرج ـ أحياناً ـ بعده، لأنّه كان يذهب بمفرده إلى حلقة الدرس، ولم يكن يخبرني أغلب الأحيان عندما كان يخرج.
وفي يوم من الأيّام، وبينما كنت مسرعاً للّحاق بالإمام وجدت شيخاً كهلاً، من أهالي مازندران، كان معروفاً بحقده وعدائه، وغالباً ما كان يحرّض الطلبة على عدم الحضور في درس الإمام، شاهدته يقبل باب منزل الإمام، وينحني فيقبل العتبة، فلم استسغ ذلك منه وأبديت استغرابي من فعله، فالتفت إليّ قائلاً: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ﴾17، فقلت ما الذي حدث؟! فلم يجبني، ولكنّه سألني: هل تذهب إلى الدرس؟ وهل يأتي الإمام إلى المسجد؟ فأجبته: نعم، فقال لي: سأرافقك إلى المسجد.
عجبت من أمر الرجل، فإنّه لم يك يحضر الدرس مطلقاً، ولم يكن يدع ابنه يقترب إلى الإمام لتقبيل يده. خرج الإمام، فانسحب الرجل متوارياً عن نظرنا من زقاق جانبي، لشدّة خجله ـ وذهبت مع الإمام إلى المسجد. وكنت قد نسيت كتاب الدرس، فاضطررت إلى أن أجلس عند المنبر وعلى مقربة من باب المسجد.
وجاء الشيخ المازندراني، فجلس إلى جانبي، وقال لي: إنك تعلم بتأثير بطانة السوء عليّ، وقد سمعت الكثير من المغرضين يقولون: إنّ الإمام يقرأ الصحف والجرائد، وأضاف الشيخ قائلاً: في إحدى الليالي، رأيت في عالم الأحلام أنّي في حرم أمير المؤمنين عليه السلام ورأيت مجموعة من الأشخاص ذوي مهابة وجلال، وقد جلسوا مصطفّين متقاربين. كانوا اثني عشر، وقيل لي إنّ الثاني عشر المهديّ عجل الله فرجه الشريف الذي كان يسطع منه النور وفي غاية الحسن والجمال، كان يجلس في آخر الصف. وبعد ذلك شاهدت العلماء من السلف الماضي بدأوا يخرجون من مقبرة المقدّس الأردبيلي واحداً إثر واحد، وحدّقت إليهم لعليّ أتعرف على أحد منهم، إلى أن جاء دور أحدهم فعرفته واسمه الشيخ شلال، وكان شيخاً عربياً، ولقد فرحت وأردت ملاقاته، ورمت أن أتحرّك فلم أستطع، وكأنّ رجليّ قد التصقتا بالأرض، وعندما كان العلماء يقدمون احتراماتهم لهؤلاء الجالسين يستقبلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع واحد أو اثنين منهم من على جانبيه، ويكون الباقون منهم مشغولين في حديث دائر فيما بينهم. وفي بعض الأحيان يقوم سبعة أو ثمانية منهم لاستقبال الوافدين عليهم من أولئك العلماء.
وأضاف الشيخ: وفي هذه الأثناء، رأيت السيّد الخمينيّ يصل إلى الحرم، وكنت أنت خلفه، ويخلع حذاءه، ولما دخل رأيتُ أن هؤلاء الإثني عشر عندما رأوه قاموا إليه جميعاً، ثم عادوا إلى مجالسهم إلا الثاني عشر، فإنّه تقدّم نحوه وناداه: روح الله، فطوى السيّد الخمينيّ عباءته وأجابه: نعم سيدي، فقال له: تعال، فتوجّه إليه بسرعة وعندما وصل إلى محاذاته، رأيت الإمام عجل الله فرجه الشريف أطول من السيّد الخمينيّ، وقد كانت أذنه تقابل فم إمام الزمان وقال له: ربع ساعة، فأجابه: على عيني... الشيء الكذائي سأكلمه... سأكلمه إن شاء الله، واستمرّ حديث الإمام عجل الله فرجه الشريف في أذن روح الله وبسرعة فائقة ربع ساعة كاملة.
وبعد تمامها، ابتعد عنه بمسافة متر أو مترين، ورجع للجلوس في مكانه. ورفع السيّد الخمينيّ يده كمن يرفعها للتحيّة، فردّ الأحد عشر الجالسون على تحيّته وتراجع السيّد الخمينيّ خطوات إلى النجف دون أن يوليهم ظهره، ولم يذهب نحو الضريح.
ويضيف الشيخ: فقلت لِمَ لم يذهب السيّد الخمينيّ إلى الضريح للزيارة؟ فقيل لي إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جالس هنا، فلم يذهب إلى هناك؟ وتوجه السيّد بعد ذلك نحو محلّ وضع الأحذية (الكيشوانية) وقدّمت له حذاءه، وخرج من باب الصحن مسرعاً. وانتبهت من النوم وبدأت أبكي، فنهضت زوجتي فرأت أنّني أبكي، ونظرت إلى الساعة فكانت تشير إلى بقاء ساعة واحدة إلى موعد أذان الفجر، فرجعتُ إلى نفسي أوبّخها وأتمتم معها: يا ربِّ تجاوز عن تقصيري وإسرافي، فأنا من الآن مؤمن بمنزلة هذا السيّد الجليل. ولكنّي لحدّ الآن لست مستريحاً. وأوّل عمل قمت به هو الذي شاهدته من تقبيلي باب دار الإمام وعتبتها، ولم يشاهد ذلك سواك، وقرّرت أن أنشر فضائل هذا الرجل العظيم. والخلاصة أن قصّتي هي كما رويتها لك، ولي رجاء منك أن تعرض قضيتي على الإمام حسب استطاعتك، ليسامحني ويعفو عني.
وعند خروجنا من المسجد أخبرتُ الإمام بما دار بيننا، فقال الإمام لقد عفوت عنه وسامحته عن كلّ بادرة منه. وجاءني الشيخ بعد ذلك يعدو وعيناه تذرفان الدموع يستجلي ما آلت إليه النتيجة، فأخبرته بأنّ الإمام سامحك عن أيّ عمل قمت به ضدّه، فوقع ساجداً لله شكراً، وأصبح بعد ذلك يحضر مجالس الإمام، وشمله الإمام بنظرة خاصّة18.
إقرأ
كتاب: 18وظيفة في زمن الغيبة، ضمن سلسلة "بين يديّ القائم"
إعداد ونشر: جمعيَّة المعارف الإسلامية الثقافية
المضمون: أحصى الكتاب 18وظيفة على المؤمنين الإلتزام بها في زمن الغيبة، الوظائف الثمانية الأولى حول معرفة الإمام وأشكال الارتباط به، والتاسعة والعاشرة وظائف أخلاقيَّة، والباقي وظائف عمليَّة، لها علاقة بالانتظار وكيفيّته وتوصيات جهاديَّة وماليَّة وعلميَّة.
هوامش
1- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 77، ص 143، رواية 1، باب 7
2- م.ن. ج65، ص 61
3- ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 424
4- م.ن. ج7، ص 39
5- ميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج2، ص 136
6- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 177
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 140
8- انتياشكم: انتشالكم
9- أناف على الشيء: طال وارتفع عليه
10- الأزوف: الاقتراب
11- سورة الصف: 8
12- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
13- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
14- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 323
15- القندوزي، ينابيع المودَّة لذوي القربى، ج 3، ص 87
16- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 87
17- الأعراف: 43
18- عن مجلّة النصر، العدد 27، ص
تمهيد
كثرت الروايات التي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"1.
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله2.
فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّرت بعض الروايات وكيف يكون؟
معنى الانتظار
الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب3، والتربُّص4، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."5.
73
كيف يكون الانتظار؟
إنَّ معرفة كيفية الانتظار أمر مهمّ جدَّاً لأنَّنا نتحدَّث عن فترة طويلة استمرّت قروناً حتَّى الآن ومرَّ فيها أجيال وأجيال، ضمن ظروف مختلفة وفرص متفاوتة، ولا يمكن ترك هذه الأجيال بلا تكليف واضح ومحدَّد، فما هو تكليف هذه الأجيال في هذه الفترة وكيف من المفترض أن يكون انتظارها لظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ولتحقّق الفرج على يديه؟
الإنتظار السلبي والإيجابي
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان متصوّران لكيفية الانتظار، ولتكليف المؤمنين في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف:
الانتظار السلبي: والمقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً دون أيِّ حراك أو فعاليَّة تذكر، ودون أن يقوم بأيِّ عمل تغييريّ، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقّق منها؛ ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقّق شيء منها، وهذا يعني أنَّ الوظيفة الأساسية للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيِّ والسياسيِّ.
الانتظار الإيجابي: والمقصود منه أن لا يقف الإنسان مكتوف اليدين ساكناً، حتَّى يتحقّق الفرج بظهور الإمام، وإنَّما يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه سواء كانت فرديّة أم اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالنظام والحكم...
فأيُّهما هو الانتظار الصحيح والمطلوب شرعاً؟
المنهج الصحيح في الانتظار
عند مراجعة الروايات والنصوص الشرعية، لا شكَّ أنَّنا سنصل لنتيجة قطعيَّة تقول: إنَّ المطلوب من الأجيال في عصر الغيبة الكبرى لا يمكن أن يكون مجرَّد السكون والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والتي فيها
74
مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة التي لا بدَّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:
أولاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيّة
عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "... ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا..."6
فاتِّحاد المؤمنين حول قضية الإمام المهديِّ هي سبب مباشر لتعجيل الظهور، وليس المطلوب مجرَّد الاتِّحاد العقائديّ، لأنَّ ذلك حاصل منذ زمن بعيد، وإنَّما المطلوب الاتِّحاد على المستوى العمليِّ، وعندما نتحدَّث عن اتِّحاد، فهذا يعني أنَّهم كالجسد الواحد الذي له رأس واحد يديره ويقوده، هذا الرأس الذي عبَّرت عنه مكاتبته عجل الله فرجه الشريف: "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"7، وهو الوليُّ الفقيه.
ويكون همُّ المؤمنين تطبيق أحكام الله تعالى والتمسّك بطاعته، كما طلب وأكَّد عليه الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف في ما ورد عنه: "فاتَّقوا الله جلّّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم8 من فتنة قد أنافت9 عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف10حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾"11 12.
وكذلك عنه عجل الله فرجه الشريف: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب
75
في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلّم"13.
ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب
فالإمام الصادق عليه السلام يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف "ما يخرج إلا في أولي قوَّة"14.
والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويَّاً في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج عن الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَّدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ"15.
ثالثاً: التمهيد للظهور
هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف وتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"16.
44
خلاصة الدرس
الانتظار في اللغة بمعنى الترقُّب، والتربُّص، وهو "حالة نفسانيّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدَّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد...".
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان لكيفية الانتظار: الانتظار السلبيُّ بمعنى أنْ لا يقوم الإنسان بأيِّ عمل، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور. والانتظار الإيجابيّ بمعنى أنْ يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه. هو المستفاد من الروايات، وعلى الإنسان أن يؤدِّي دوره في: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيَّة، وتوحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب، والتمهيد للظهور.
للحفظ
عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيِّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلَّم".
أسئلة حول الدرس
1 - ما معنى الانتظار في اللغة؟
2 - ما هي أقسام الانتظار المتصوَّرة وما هو الفرق بينها؟
3- كيف يكون الانتظار الصحيح، وما هو الدليل على ذلك؟
4 - من هو رأس المجتمع الإسلاميِّ في غيبة الإمام، وما الذي يدلُّ على ذلك؟
5- ما هي أهمُّ العناصر التي ينبغي تحقيقها في زمن الانتظار؟
للمطالعة
النيابة الحقيقية لصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف
قصة يرويها الشيخ الفرقاني (تلميذ الإمام الخميني قدس سره):
كان الإمام الخميني قد اعتاد أن يذهب لإلقاء الدرس في الساعة العاشرة والربع من صباح كلّ يوم، وكنت أتبعه مسرعاً، لكي أكون بمعيتّه، وكنت أخرج ـ أحياناً ـ بعده، لأنّه كان يذهب بمفرده إلى حلقة الدرس، ولم يكن يخبرني أغلب الأحيان عندما كان يخرج.
وفي يوم من الأيّام، وبينما كنت مسرعاً للّحاق بالإمام وجدت شيخاً كهلاً، من أهالي مازندران، كان معروفاً بحقده وعدائه، وغالباً ما كان يحرّض الطلبة على عدم الحضور في درس الإمام، شاهدته يقبل باب منزل الإمام، وينحني فيقبل العتبة، فلم استسغ ذلك منه وأبديت استغرابي من فعله، فالتفت إليّ قائلاً: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ﴾17، فقلت ما الذي حدث؟! فلم يجبني، ولكنّه سألني: هل تذهب إلى الدرس؟ وهل يأتي الإمام إلى المسجد؟ فأجبته: نعم، فقال لي: سأرافقك إلى المسجد.
عجبت من أمر الرجل، فإنّه لم يك يحضر الدرس مطلقاً، ولم يكن يدع ابنه يقترب إلى الإمام لتقبيل يده. خرج الإمام، فانسحب الرجل متوارياً عن نظرنا من زقاق جانبي، لشدّة خجله ـ وذهبت مع الإمام إلى المسجد. وكنت قد نسيت كتاب الدرس، فاضطررت إلى أن أجلس عند المنبر وعلى مقربة من باب المسجد.
وجاء الشيخ المازندراني، فجلس إلى جانبي، وقال لي: إنك تعلم بتأثير بطانة السوء عليّ، وقد سمعت الكثير من المغرضين يقولون: إنّ الإمام يقرأ الصحف والجرائد، وأضاف الشيخ قائلاً: في إحدى الليالي، رأيت في عالم الأحلام أنّي في حرم أمير المؤمنين عليه السلام ورأيت مجموعة من الأشخاص ذوي مهابة وجلال، وقد جلسوا مصطفّين متقاربين. كانوا اثني عشر، وقيل لي إنّ الثاني عشر المهديّ عجل الله فرجه الشريف الذي كان يسطع منه النور وفي غاية الحسن والجمال، كان يجلس في آخر الصف. وبعد ذلك شاهدت العلماء من السلف الماضي بدأوا يخرجون من مقبرة المقدّس الأردبيلي واحداً إثر واحد، وحدّقت إليهم لعليّ أتعرف على أحد منهم، إلى أن جاء دور أحدهم فعرفته واسمه الشيخ شلال، وكان شيخاً عربياً، ولقد فرحت وأردت ملاقاته، ورمت أن أتحرّك فلم أستطع، وكأنّ رجليّ قد التصقتا بالأرض، وعندما كان العلماء يقدمون احتراماتهم لهؤلاء الجالسين يستقبلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع واحد أو اثنين منهم من على جانبيه، ويكون الباقون منهم مشغولين في حديث دائر فيما بينهم. وفي بعض الأحيان يقوم سبعة أو ثمانية منهم لاستقبال الوافدين عليهم من أولئك العلماء.
وأضاف الشيخ: وفي هذه الأثناء، رأيت السيّد الخمينيّ يصل إلى الحرم، وكنت أنت خلفه، ويخلع حذاءه، ولما دخل رأيتُ أن هؤلاء الإثني عشر عندما رأوه قاموا إليه جميعاً، ثم عادوا إلى مجالسهم إلا الثاني عشر، فإنّه تقدّم نحوه وناداه: روح الله، فطوى السيّد الخمينيّ عباءته وأجابه: نعم سيدي، فقال له: تعال، فتوجّه إليه بسرعة وعندما وصل إلى محاذاته، رأيت الإمام عجل الله فرجه الشريف أطول من السيّد الخمينيّ، وقد كانت أذنه تقابل فم إمام الزمان وقال له: ربع ساعة، فأجابه: على عيني... الشيء الكذائي سأكلمه... سأكلمه إن شاء الله، واستمرّ حديث الإمام عجل الله فرجه الشريف في أذن روح الله وبسرعة فائقة ربع ساعة كاملة.
وبعد تمامها، ابتعد عنه بمسافة متر أو مترين، ورجع للجلوس في مكانه. ورفع السيّد الخمينيّ يده كمن يرفعها للتحيّة، فردّ الأحد عشر الجالسون على تحيّته وتراجع السيّد الخمينيّ خطوات إلى النجف دون أن يوليهم ظهره، ولم يذهب نحو الضريح.
ويضيف الشيخ: فقلت لِمَ لم يذهب السيّد الخمينيّ إلى الضريح للزيارة؟ فقيل لي إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جالس هنا، فلم يذهب إلى هناك؟ وتوجه السيّد بعد ذلك نحو محلّ وضع الأحذية (الكيشوانية) وقدّمت له حذاءه، وخرج من باب الصحن مسرعاً. وانتبهت من النوم وبدأت أبكي، فنهضت زوجتي فرأت أنّني أبكي، ونظرت إلى الساعة فكانت تشير إلى بقاء ساعة واحدة إلى موعد أذان الفجر، فرجعتُ إلى نفسي أوبّخها وأتمتم معها: يا ربِّ تجاوز عن تقصيري وإسرافي، فأنا من الآن مؤمن بمنزلة هذا السيّد الجليل. ولكنّي لحدّ الآن لست مستريحاً. وأوّل عمل قمت به هو الذي شاهدته من تقبيلي باب دار الإمام وعتبتها، ولم يشاهد ذلك سواك، وقرّرت أن أنشر فضائل هذا الرجل العظيم. والخلاصة أن قصّتي هي كما رويتها لك، ولي رجاء منك أن تعرض قضيتي على الإمام حسب استطاعتك، ليسامحني ويعفو عني.
وعند خروجنا من المسجد أخبرتُ الإمام بما دار بيننا، فقال الإمام لقد عفوت عنه وسامحته عن كلّ بادرة منه. وجاءني الشيخ بعد ذلك يعدو وعيناه تذرفان الدموع يستجلي ما آلت إليه النتيجة، فأخبرته بأنّ الإمام سامحك عن أيّ عمل قمت به ضدّه، فوقع ساجداً لله شكراً، وأصبح بعد ذلك يحضر مجالس الإمام، وشمله الإمام بنظرة خاصّة18.
إقرأ
كتاب: 18وظيفة في زمن الغيبة، ضمن سلسلة "بين يديّ القائم"
إعداد ونشر: جمعيَّة المعارف الإسلامية الثقافية
المضمون: أحصى الكتاب 18وظيفة على المؤمنين الإلتزام بها في زمن الغيبة، الوظائف الثمانية الأولى حول معرفة الإمام وأشكال الارتباط به، والتاسعة والعاشرة وظائف أخلاقيَّة، والباقي وظائف عمليَّة، لها علاقة بالانتظار وكيفيّته وتوصيات جهاديَّة وماليَّة وعلميَّة.
هوامش
1- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 77، ص 143، رواية 1، باب 7
2- م.ن. ج65، ص 61
3- ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 424
4- م.ن. ج7، ص 39
5- ميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج2، ص 136
6- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 177
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 140
8- انتياشكم: انتشالكم
9- أناف على الشيء: طال وارتفع عليه
10- الأزوف: الاقتراب
11- سورة الصف: 8
12- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
13- خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
14- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 323
15- القندوزي، ينابيع المودَّة لذوي القربى، ج 3، ص 87
16- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 87
17- الأعراف: 43
18- عن مجلّة النصر، العدد 27، ص