المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الممهدون وأصحاب القائم


الشيخ عباس محمد
12-06-2017, 12:07 AM
الممهدون وأصحاب القائم

تمهيد

إنَّ أمنية كلِّ مؤمن أن يكون في ركب جنود القائم عجل الله فرجه الشريف عند ظهوره وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره"1، والمخلصون يعملون على التمهيد لظهوره، وتهيئة الأرض ومواءمة الظروف لتحقيق شرائط الظهور، وتحقيق اليوم الموعود، وفي رواية أنَّه سئل الإمام محمَّد التقيَّ‏ عليه السلام:"لِمَ سُمِّيَ القائم؟ فقال: "لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقيل له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ فقال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون"2.

فما هي صفات المخلصين للحجَّة في غيبته الممهِّدون له، وما هي صفات أصحابه عجل الله فرجه الشريف، هذا ما سنلقي الضوء عليه خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.

83

1- الإيمان بالغيب

في الرواية سئل الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ألم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * ألَّذِينَ يُؤمِنُونَ بالغَيْبِ﴾3 فقال: "المتّقون شيعة عليّ عليه السلام والغيب فهو الحجّة (الغائب) وشاهد ذلك قوله تعالى: ﴿ويَقُولُونَ لَولا اُنزِلَ عليه آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ اِنَّما اَلْغَيْبُِ لِله فَانْتَظِرُوا إنِّى مَعَكُمْ مِّنَ المُنْتَظِرِِين﴾"4 5.

إنَّ وجود الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان به إيمان بالغيب، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين، لذلك كان الإيمان بالإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف متيسّر على المتَّقين.

حزب الله

عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: في حديث طويل عندما يسئل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أوصيائه، فعدَّهم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: "ومن بعده (اي بعد الحسن العسكريّ) ابنه محمَّد، يدعى بالمهديّ والقائم والحجّة، فيغيب ثمَّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبَّته أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلاة﴾6، وقال تعالى: ﴿…أُولَئكَ حِزبُ اَللهِ ألا اِنَّ حِزْبَ اَللهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُون﴾"7 8.

84

2- الصبر على الأذى

لا شكَّ أنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات وامتحانات صعبة تحتاج للكثير من الثبات والصبر، وهذا ما أكَّدت عليه الروايات أيضاً، ففي الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام: "أما أنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"9.

3- جهوزِّية أصحاب الحجّة

وأمَّا بعد ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، فسيكون ظهوره بين أصحاب لهم صفاتهم الخاصّة أيضاً، ومن هذه الصفات الاستعداد والجهوزِّية، ففي الرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام والإمام جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ولَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وحَاقَ بِهِم ما كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾10, أنّهما قالا: "الأمّة المعدودة هم أصحاب المهديِّ عجل الله فرجه الشريف في آخر الزمان ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً كعدَّة أهل بدر، يجتمعون في ساعةٍ واحدةٍ كما يجتمع قزع الخريف"11.

فمن الملاحظ في هذه الرواية كيف يجتمع أصحاب الإمام في ساعةٍ واحدةٍ، ممَّا يشير إلى الجهوزيَّة التامَّة التي يتمتَّع بها هؤلاء الأشخاص بحيث لم ينشغلوا بتجهيز المقدِّمات وتهيئة الأمور لتلبية النداء، بل كانوا جاهزين وحاضرين تماماً.

4- الركن الشديد

عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما كان قول لوط عليه السلام لقومه ﴿قَالَ لَوأَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوءَاوِي إِلَى رُكْنٍ شَديدٍ﴾ 12، إلا تمنِّياً لقوَّة (القائم

85

المهديِّ) وشدَّة أصحابه، وهم الركن الشديد، فإنَّ الرجل منهم يُعطى قوَّة أربعين رجلاً، وأنَّ قلب رجل أشدّ من زبر الحديد، لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَدكَت، لا يكفُّون سيوفهم حتَّى يرضى الله عزَّ وجلَّ" 13.

فمن الملاحظ في هذه الرواية أنَّ أصحاب الإمام عجل الله فرجه الشريف يتمتَّعون بقوَّة جسديَّة "يُعطى قوَّة أربعين رجلاً"، إرادة صلبة لا تلين "وأنَّ قلب رجل أشدّ من زبرالحديد"، وبمجموع الإرادة مع القوَّة والجهوزِّية صاروا "لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَدكَت"، وأهدافهم تتلخَّص برضا الله سبحانه وتعالى، فهم يسعون وراء أداء تكليفهم وتحقيق الأهداف الإلهية "لا يكفُّون سيوفهم حتّى يرضى الله عزَّ وجلَّ".

هذه المواصفات الممتازة التي تلحظ الأهداف والإرادة التي لا تلين مع قوَّة وجهوزيَّة بدنيَّة، هي التي يرتجى بها النصر على الأعداء، وقد تمنَّى لوط عليه السلام مثل هؤلاء الأنصار، كيف لا، وقد ورد في الرواية عن الصادق‏ عليه السلام في وصف أنصاره عجل الله فرجه الشريف قال: "يَقُوْنَه بأنفسهم في الحروب، ويَكْفُوْنَه ما يريد فيهم.. ينصر الله بهم إمام الحقِّ" 14.

5- تمنّي الشهادة

عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق‏ عليه السلام قال: "يَدْعُوْنَ بالشهادة ويتمنُّون أنْ يقتلوا في سبيل الله" 15.

6- الارتباط بالله تعالى

يتميَّز أصحاب الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف بارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل، وقد ورد في الحديث: "رجال لا ينامون اللَّيل لهم دويٌّ كدوِيِّ

86


النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنَّهار، وهم من خشية الله مشفقون" 16.

7- الإلتزام بالنِّظام

ويشير الى ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين‏ عليه السلام من أنَّه قال فيهم: "الزّيُ واحد، واللباس واحد، كأنَّما آباؤهم أبٌ واحدٌ" 17.

87

خلاصة الدرس

تتلخّص صفات الممهِّدين للحجَّة، وصفات أصحابه عجل الله فرجه الشريف بما يلي:

الإيمان بالغيب: فوجود الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين.
الصبر على الأذى: إنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات تحتاج للكثير من الثبات والصبر.
جهوزّية أصحاب الحجّة: فمن الملاحظ اجتماع أصحاب الإمام حوله في ساعةٍ واحدةٍ، مما يشير إلى الجهوزِّية التامَّة التي يتمتَّع بها هؤلاء.
الركن الشديد: فمن الملاحظ أن أصحاب الإمام عجل الله فرجه الشريف كما في الروايات يتمتَّعون بقوَّة جسدية وإرادة صلبة، وأهدافهم تتلخَّص برضا الله سبحانه وتعالى.
الارتباط بالله تعالى: يتميَّز أصحابه عجل الله فرجه الشريف بارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل.
بالإضافة إلى الإلتزام بالنِّظام.


للحفظ


ورد في الحديث: "رجال لا ينامون اللَّيل لهم دويٌّ كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان باللَّيل ليوث بالنهار، وهم من خشية الله مشفقون" 18.

أسئلة حول الدرس

1- ما معنى الإيمان بالغيب ولماذا الإيمان بالحجّة عجل الله فرجه الشريف من الغيب؟
2- ما هي أهمُّ الصفات التي يتَّصف بها المؤمن في زمن الغيبة؟
3- أذكر نموذجاً من الروايات يدل على ارتباط أصحاب الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف بالله تعالى.
4- ماذا كانت أُمنية لوط عندما تعرَّض له قومه بحسب بعض الروايات؟ ولماذا؟
5- هل لأصحاب الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف نظام خاصّ؟ اذكر نموذجاً على ذلك.

للمطالعة


طمأنينة القادة 17

ذكر سماحة الشيخ قراءتي القصة التالية، وأنا أتذكرها جيداً، وقد كنت وقتها في طهران، شاهدتها على شاشة تلفزيون الجمهورية الإسلامية، وأنا أنقلها كما شاهدتها بمشاعري: لما كان سماحة آية الله المجاهد السيد علي الخامنئي قائد الجمهورية الإسلامية في إيران دام ظله العالي، يؤمّ المصلين في صلاة الجمعة بجامعة طهران، انفجرت (أثناء خطبة الصلاة) قنبلة موقوتة وسط المصلّين، كان قد زرعها أعوان صدام المتسلّلون من العراق داخل سجّاد موضوع على مسافة غير بعيدة عن إمام الجمعة سماحة السيد الخامنئي، وكان بعض الأبرياء من المصلين جالسين عليه من دون علم.

وفجأة ارتفعت أشلاؤهم وتناثرت أبدانهم وعرجت أرواحهم إلى بارئها، وكأنّهم كانوا وهم في حين الطمأنينة مخاطبين بقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ 19.

والغريب جداً، أن صوت الانفجار الهائل كان في أثناء خطبة سماحة السيد الخامنئي فلم يتحرك من موضعه شبراً أو فتراً، بل واصل الخطبة بثبات الإيمان وطمأنينة القلب.

والأروع في هذا الموقف المذهل هو اختيار السيد الخامنئي آية قرآنية في خطبته بعد الانفجار مباشرة تناسب الموقف وهيك ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ 20.

إقرأ


كتاب: كمال الدين وتمام النعمة

تأليف: الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ المتوفَّى سنة 381هـ.

المضمون: يتحدَّث الكتاب في البداية عن ضرورة وجود خليفة وإمام لكلِّ عصر، وينتقل إلى ضرورة معرفة الإمام المهديِّ، ثمَّ يتحدَّث عن الغيبة ويذكر عدَّة أبواب تتضمَّن نماذج من غيبةٍ لأنبياءَ وأوصياء سابقين، ثمَّ ينتقل إلى بشارة عيسى بن مريم بالنبيِّ محمَّد المصطفى، وبعض الأخبار في ذلك، ثمَّ علَّة الحاجة للإمام واتصال الوصيَّة من آدم إلى قيام القائم، ثمَّ يتعرَّض لأبواب حول الغيبة والقائم عجل الله فرجه الشريف.

هوامش

1- النعماني، الغيبة، ص 240.
2- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30
3- البقرة: 1 - 3
4- يونس: 20
5- العلاّمة المجلسي: بحار الأنوار، ج 52، ص 124
6- البقرة: 2-3
7- المجادلة: 22
8- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 143
9- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 318
10- هود: 8
11- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 9، ص 103
12- هود: 80
13- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 327
14- م.ن. ص 308
15- الشيخ عليّ النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج 6، ص 190
16- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 308
17- الشيخ عليّ كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام، ج3، ص 94
18- عبد العظيم المهتدي البحراني، قصص وخواطر، قصة 278 ص 312
19- الفجر: 27 - 30
20- البقرة: 250