الشيخ عباس محمد
13-06-2017, 03:05 PM
رايات قبل الظهور
تمهيد
إنَّ النصر النهائيَّ والكامل سيتحقّق عند ظهور الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، ولن يتحقّق قبيل ذلك، وهذا ما تؤكِّده الروايات بشكل واضح لا لُبس فيه، وما دمنا نعلم أنْ لا نصر نهائيَّ وكامل قبل الظهور، فهل يمكن أن يكون هناك رايات قبل الظهور؟
السبب في هذا السؤال بالإضافة لما ذكرناه بعض الروايات التي استفاد البعض منها، عدم إمكانيّة رفع أيّ راية قبل ظهور الإمام، وهذا ما سنتحدَّث عنه بالتفصيل ونعالجه خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
ما المقصود من الرايات؟
إنَّ الراية في هذا الزمن لها رمزها وحضورها المعنويّ، فهي تُعبِّر عن حضور وقوَّة أصحاب هذه الراية حيثما رفعت، وإسقاطها يعني سقوطهم وضعفهم هناك.
أمَّا في الأزمنة السابقة فبالإضافة إلى بُعْدِها المعنويِّ كان لها بُعْداً آخر، حيث كانت الراية تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه، وبالتالي الهزيمة.
101
العمليَّة، لذلك كان يُنتخب لحمل الراية أقوى وأشجع وأمضى الناس، والقادر على قيادتهم لتحقيق النصر. من هنا نفهم كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر: "لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله كرَّاراً غير فرَّارٍ"1.
فمجرَّد رفع الراية يعني تجميع الناس ودعوتهم للإلتحاق بها، وتكتُّلهم تحت عنوانها للقيام بعمل كبير قد يستوجب بذل الدماء.
هل ترتفع الرايات قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
هذا السؤال يطرح نفسه باعتبار أنَّنا ذكرنا سابقاً أنَّ النصر النهائيَّ لن يكون إلا بظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، فهل يجب انتظار ظهوره لترتفع الرايات، أم يمكن ذلك في زمان غيبته؟
قلنا: إنَّ رفع الرايات يعني القيام بعمل جماعيّ كبير وبشكل منظَّم قد يستوجب بذل الدماء، وبالتالي فرفع الرايات هو وسيلة لتحقيق أهداف معيَّنة، وفي زمن الغيبة هناك الكثير من الأهداف الضروريَّة التي يجب تحقيقها، والكثير من التكاليف الواجبة التي يجب التزامها، وكلّها تحتاج لعمل جماعيٍّ وتكتُّلٍ وتنظيمٍ وبذلٍ للدماء والمهج في سبيل ذلك. ومن تلك الأمور:
1- الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم
فإنَّ الجهاد والدفاع عن بلاد المسلمين ودمائهم وأعراضهم واجب باتَّفاق كافَّة الفقهاء، والدفاع لن يحصل بالتشتُّت والجلوس في البيت وترك الأعداء يفعلون ما يحلو لهم من نهب وظلم واضطِهاد، بل نحن نحتاج في الدفاع إلى مواجهةٍ قويَّةٍ ومنظَّمةٍ، وتجميع طاقات الأُمَّة وقدراتها على جميع المستويات، يقول تعالى: ﴿أُذِن لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾2.
102
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذه وظيفة إلهيَّة عظيمة لا يمكن تركها أو التخلِّي عنها، يقول تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾3، ولا تكفي المبادرات الفرديَّة للنهي عن المنكر في هذا الزمن، بل لا يتحقّق النهيُّ عنه وإصلاح المجتمع إلا من خلال عملٍ جماعيٍّ يواجه كلَّ تحديّات أهل المنكر، على جميع المستويات الثقافيَّة والإعلاميَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة وغيرها... يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾4.
3- تنفيذ الأحكام الإلهية
إنّ الإسلام يتضمَّن أحكاماً تفصيليَّة على جميع المستويات، حتَّى في القضاء وإقامة الحدود والعقوبات، وكذلك في الاقتصاد والبنوك والأموال، بالإضافة إلى قوانين الأحوال الشخصيَّة، فهل يمكن لأحد أن يدَّعي جواز ترك الإسلام وأحكامه كلّها في زمن الغيبة؟! لا شكَّ أنَّنا مكلَّفين شرعاً بالإلتزام بهذه الأحكام، يقول تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونََ﴾5.
النتيجة
ما دمنا مكلَّفين بالدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وامتثال الأحكام الإلهيَّة على تنوُّعها وسعتها، فهذا كلّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
103
لا تلتحق بالرايات المشبوهة
هناك روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتَفع ليتجمَّع الناس حولها. كالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:"فالخارج منّا اليوم إلى أيِّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم.."6، وهناك روايات أخرى أيضاً بهذا المعنى.
والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أن العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم وأنَّهم يطلبون الملك والدُّنيا، وأنَّهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يكونوا أفضل من الأمويِّين " فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم"، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة وتعبِّر عن شخص يرضاه الإمام فالموضوع مختلف، كما في الوليِّ الفقيه الذي عبَّر الإمام الحجّة عن رضاه عن عمله وألزم المؤمنين بطاعته "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا"، فراية الوليّ الفقيه ليست إلا راية رفعها الإمام الحجّة بنفسه بمقتضى هذه الرواية، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويمهِّد لظهوره.
رايات حق قبل الظهور
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، وأنَّها تمهِّد لظهوره. كالرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثُمَّ يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا
104
فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء"7.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: " يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"8 أي يمهِّدون لظهوره. وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: "رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحقِّ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلُّهم الرِّياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكَّلون، والعاقبة للمتَّقين"9
105
خلاصة الدرس
كانت الراية في السابق تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه.
وفي زمن الغيبة يمكن رفع الرايات أيضاً لتحقيق أمور منها: الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الأحكام الإلهيَّة. فهذا كلُّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
هناك روايات وردت عن أئمَّة أهل البيت عليهم السلام تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتفع ليتجمَّع الناس حولها. والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت عليهم السلام من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أنَّ العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة كما في الوليِّ الفقيه فيجب اتِّباعها، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويمهِّد لظهوره.
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنَّها تمهِّد لظهوره.
للحفظ
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء".
أسئلة حول الدرس
1- إلى ماذا ترمز كلمة "الراية" في الروايات؟
2- هل يمكن أن ترفع الراية في زمن الغيبة ؟ لماذا؟
3- كيف تفسِّر الروايات التي منعت الالتحاق ببعض الرايات؟
4- لماذا يجب الالتحاق براية الوليِّ الفقيه ؟
5- أعطي نموذجين عن رايات حق ترفع قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
للمطالعة
أفِد يا مفيد
يذكر صاحب "روضات الجنات"10 رحمه الله أن للشيخ المفيد رضوان الله عليه مع صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف مقابلات ومكاشفات، منها ما نقله عن ابن شهر آشوب فقال:
سُئل الشيخ المفيد يوماً عن امرأة حُبلى ماتت، فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظنّ أنّ الولَد ميّت في بطنها فقال: لا حاجة لفصله عن أمّه. بل يجوز أن يدفن معها، وهو في بطنها. فلما حُملت إلى قبرها، أتى النِسوة رجلٌ وقال: إنّ الشيخ المفيد يأمر بشقِّ بطنِ الحُبلى وأنْ يُخرج الجنين إذا كان حيّاً منها، ثم يخاط الشقّ، ولا يحلّ أن يدفن معها، فعملت النِسوة بما قيل لهنّ.
ثمّ أخبر الشيخ بما وقع، فسقط في يده بأنّه أخطأ في الفتوى، وأخذ يفكّر في من انتبه لهذا الخطأ فتداركه.
فسمع هاتفاً من خلفه يقول: أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعليّنا التسديد.
فالتفت فلم يبصر أحداً، فتيقن أن الهاتف والذي أرشد النسوة هو الإمام الغائب عجل الله فرجه الشريف.
ومن كراماته رضوان الله عليه أن صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف رثاه بهذه الأبيات، وكتبها على قبره بخط يده الشريفة:
لا صوّت الناعي بفقدك إنه يوم على آل الرسول عظيمُ
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى فالعدل والتوحيد فيك مقيمُ
والقائم المهديّ يفرح كلما تُليت عليك من الدروس علوم
إقرأ
كتاب: الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف بين التواتر وحساب الاحتمال.
تأليف: الشيخ محمَّد باقر الايرواني
المضمون: يتعرَّض لعدَّة محاور، منها: التشكيك في فكرة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، والاستدلال بالآيات والروايات على بطلان التشكيك. ثُمَّ التشكيك في الولادة، ويثير أربع قضايا مهمَّة: القضية الأُولى طرق إثبات المسائل التاريخيّة
القضيَّة الثانيَّة في الخبر المتواتر، القضيَّة الثالثة في اختلاف الاخبار في الخصوصِّيات واشتراكها في مدلول واحد.
القضيَّة الرابعة الاجتهاد في مقابل النَّص. ثُمَّ يبحث عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف وهي: الاحاديث المتَّفق عليها بين الفريقين، إخبار النبيّ والائمة بولادة الإمام المهديّ، رؤية بعض الشيعة للامام المهديِّ، وضوح فكرة ولادة الإمام المهديّ بين الشيعة، السفراء الاربعة والتوقيعات، تصرَّف السلطة، كلمات المؤرِّخين، تباني الشيعة واتّفاقهم على ولادة الإمام المهديِّ. ثُمَّ ينهي بحساب الاحتمال.
هوامش
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 251
2- الحج: 29
3- آل عمران: 110
4- آل عمران: 104
5- المائدة: 45
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 264
7- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 243
8- م.ن. ج 51، ص 87
9- م.ن. ج 57، ص 216
10- السيّد محمَّد باقر الموسوي الخوانساري، روضات الجنات، ج 6، ص 156
تمهيد
إنَّ النصر النهائيَّ والكامل سيتحقّق عند ظهور الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، ولن يتحقّق قبيل ذلك، وهذا ما تؤكِّده الروايات بشكل واضح لا لُبس فيه، وما دمنا نعلم أنْ لا نصر نهائيَّ وكامل قبل الظهور، فهل يمكن أن يكون هناك رايات قبل الظهور؟
السبب في هذا السؤال بالإضافة لما ذكرناه بعض الروايات التي استفاد البعض منها، عدم إمكانيّة رفع أيّ راية قبل ظهور الإمام، وهذا ما سنتحدَّث عنه بالتفصيل ونعالجه خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
ما المقصود من الرايات؟
إنَّ الراية في هذا الزمن لها رمزها وحضورها المعنويّ، فهي تُعبِّر عن حضور وقوَّة أصحاب هذه الراية حيثما رفعت، وإسقاطها يعني سقوطهم وضعفهم هناك.
أمَّا في الأزمنة السابقة فبالإضافة إلى بُعْدِها المعنويِّ كان لها بُعْداً آخر، حيث كانت الراية تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه، وبالتالي الهزيمة.
101
العمليَّة، لذلك كان يُنتخب لحمل الراية أقوى وأشجع وأمضى الناس، والقادر على قيادتهم لتحقيق النصر. من هنا نفهم كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر: "لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله كرَّاراً غير فرَّارٍ"1.
فمجرَّد رفع الراية يعني تجميع الناس ودعوتهم للإلتحاق بها، وتكتُّلهم تحت عنوانها للقيام بعمل كبير قد يستوجب بذل الدماء.
هل ترتفع الرايات قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
هذا السؤال يطرح نفسه باعتبار أنَّنا ذكرنا سابقاً أنَّ النصر النهائيَّ لن يكون إلا بظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، فهل يجب انتظار ظهوره لترتفع الرايات، أم يمكن ذلك في زمان غيبته؟
قلنا: إنَّ رفع الرايات يعني القيام بعمل جماعيّ كبير وبشكل منظَّم قد يستوجب بذل الدماء، وبالتالي فرفع الرايات هو وسيلة لتحقيق أهداف معيَّنة، وفي زمن الغيبة هناك الكثير من الأهداف الضروريَّة التي يجب تحقيقها، والكثير من التكاليف الواجبة التي يجب التزامها، وكلّها تحتاج لعمل جماعيٍّ وتكتُّلٍ وتنظيمٍ وبذلٍ للدماء والمهج في سبيل ذلك. ومن تلك الأمور:
1- الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم
فإنَّ الجهاد والدفاع عن بلاد المسلمين ودمائهم وأعراضهم واجب باتَّفاق كافَّة الفقهاء، والدفاع لن يحصل بالتشتُّت والجلوس في البيت وترك الأعداء يفعلون ما يحلو لهم من نهب وظلم واضطِهاد، بل نحن نحتاج في الدفاع إلى مواجهةٍ قويَّةٍ ومنظَّمةٍ، وتجميع طاقات الأُمَّة وقدراتها على جميع المستويات، يقول تعالى: ﴿أُذِن لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾2.
102
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذه وظيفة إلهيَّة عظيمة لا يمكن تركها أو التخلِّي عنها، يقول تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾3، ولا تكفي المبادرات الفرديَّة للنهي عن المنكر في هذا الزمن، بل لا يتحقّق النهيُّ عنه وإصلاح المجتمع إلا من خلال عملٍ جماعيٍّ يواجه كلَّ تحديّات أهل المنكر، على جميع المستويات الثقافيَّة والإعلاميَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة وغيرها... يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾4.
3- تنفيذ الأحكام الإلهية
إنّ الإسلام يتضمَّن أحكاماً تفصيليَّة على جميع المستويات، حتَّى في القضاء وإقامة الحدود والعقوبات، وكذلك في الاقتصاد والبنوك والأموال، بالإضافة إلى قوانين الأحوال الشخصيَّة، فهل يمكن لأحد أن يدَّعي جواز ترك الإسلام وأحكامه كلّها في زمن الغيبة؟! لا شكَّ أنَّنا مكلَّفين شرعاً بالإلتزام بهذه الأحكام، يقول تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونََ﴾5.
النتيجة
ما دمنا مكلَّفين بالدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وامتثال الأحكام الإلهيَّة على تنوُّعها وسعتها، فهذا كلّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
103
لا تلتحق بالرايات المشبوهة
هناك روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتَفع ليتجمَّع الناس حولها. كالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:"فالخارج منّا اليوم إلى أيِّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم.."6، وهناك روايات أخرى أيضاً بهذا المعنى.
والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أن العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم وأنَّهم يطلبون الملك والدُّنيا، وأنَّهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يكونوا أفضل من الأمويِّين " فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم"، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة وتعبِّر عن شخص يرضاه الإمام فالموضوع مختلف، كما في الوليِّ الفقيه الذي عبَّر الإمام الحجّة عن رضاه عن عمله وألزم المؤمنين بطاعته "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا"، فراية الوليّ الفقيه ليست إلا راية رفعها الإمام الحجّة بنفسه بمقتضى هذه الرواية، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويمهِّد لظهوره.
رايات حق قبل الظهور
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، وأنَّها تمهِّد لظهوره. كالرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثُمَّ يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا
104
فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء"7.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: " يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"8 أي يمهِّدون لظهوره. وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: "رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحقِّ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلُّهم الرِّياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكَّلون، والعاقبة للمتَّقين"9
105
خلاصة الدرس
كانت الراية في السابق تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه.
وفي زمن الغيبة يمكن رفع الرايات أيضاً لتحقيق أمور منها: الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الأحكام الإلهيَّة. فهذا كلُّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
هناك روايات وردت عن أئمَّة أهل البيت عليهم السلام تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتفع ليتجمَّع الناس حولها. والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت عليهم السلام من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أنَّ العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة كما في الوليِّ الفقيه فيجب اتِّباعها، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويمهِّد لظهوره.
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنَّها تمهِّد لظهوره.
للحفظ
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء".
أسئلة حول الدرس
1- إلى ماذا ترمز كلمة "الراية" في الروايات؟
2- هل يمكن أن ترفع الراية في زمن الغيبة ؟ لماذا؟
3- كيف تفسِّر الروايات التي منعت الالتحاق ببعض الرايات؟
4- لماذا يجب الالتحاق براية الوليِّ الفقيه ؟
5- أعطي نموذجين عن رايات حق ترفع قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف؟
للمطالعة
أفِد يا مفيد
يذكر صاحب "روضات الجنات"10 رحمه الله أن للشيخ المفيد رضوان الله عليه مع صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف مقابلات ومكاشفات، منها ما نقله عن ابن شهر آشوب فقال:
سُئل الشيخ المفيد يوماً عن امرأة حُبلى ماتت، فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظنّ أنّ الولَد ميّت في بطنها فقال: لا حاجة لفصله عن أمّه. بل يجوز أن يدفن معها، وهو في بطنها. فلما حُملت إلى قبرها، أتى النِسوة رجلٌ وقال: إنّ الشيخ المفيد يأمر بشقِّ بطنِ الحُبلى وأنْ يُخرج الجنين إذا كان حيّاً منها، ثم يخاط الشقّ، ولا يحلّ أن يدفن معها، فعملت النِسوة بما قيل لهنّ.
ثمّ أخبر الشيخ بما وقع، فسقط في يده بأنّه أخطأ في الفتوى، وأخذ يفكّر في من انتبه لهذا الخطأ فتداركه.
فسمع هاتفاً من خلفه يقول: أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعليّنا التسديد.
فالتفت فلم يبصر أحداً، فتيقن أن الهاتف والذي أرشد النسوة هو الإمام الغائب عجل الله فرجه الشريف.
ومن كراماته رضوان الله عليه أن صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف رثاه بهذه الأبيات، وكتبها على قبره بخط يده الشريفة:
لا صوّت الناعي بفقدك إنه يوم على آل الرسول عظيمُ
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى فالعدل والتوحيد فيك مقيمُ
والقائم المهديّ يفرح كلما تُليت عليك من الدروس علوم
إقرأ
كتاب: الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف بين التواتر وحساب الاحتمال.
تأليف: الشيخ محمَّد باقر الايرواني
المضمون: يتعرَّض لعدَّة محاور، منها: التشكيك في فكرة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، والاستدلال بالآيات والروايات على بطلان التشكيك. ثُمَّ التشكيك في الولادة، ويثير أربع قضايا مهمَّة: القضية الأُولى طرق إثبات المسائل التاريخيّة
القضيَّة الثانيَّة في الخبر المتواتر، القضيَّة الثالثة في اختلاف الاخبار في الخصوصِّيات واشتراكها في مدلول واحد.
القضيَّة الرابعة الاجتهاد في مقابل النَّص. ثُمَّ يبحث عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف وهي: الاحاديث المتَّفق عليها بين الفريقين، إخبار النبيّ والائمة بولادة الإمام المهديّ، رؤية بعض الشيعة للامام المهديِّ، وضوح فكرة ولادة الإمام المهديّ بين الشيعة، السفراء الاربعة والتوقيعات، تصرَّف السلطة، كلمات المؤرِّخين، تباني الشيعة واتّفاقهم على ولادة الإمام المهديِّ. ثُمَّ ينهي بحساب الاحتمال.
هوامش
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 251
2- الحج: 29
3- آل عمران: 110
4- آل عمران: 104
5- المائدة: 45
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 264
7- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 243
8- م.ن. ج 51، ص 87
9- م.ن. ج 57، ص 216
10- السيّد محمَّد باقر الموسوي الخوانساري، روضات الجنات، ج 6، ص 156